logo
كيف يقود الذكاء الاصطناعي التحوّل الاقتصادي في الأردن؟

كيف يقود الذكاء الاصطناعي التحوّل الاقتصادي في الأردن؟

الدستورمنذ 7 أيام
في عالمٍ تتسارع فيه خطى التكنولوجيا وتتغير فيه موازين القوى الاقتصادية باستمرار، يُعد الذكاء الاصطناعي (AI) من أبرز الأدوات القادرة على إحداث تحولات جذرية في الاقتصاديات الوطنية.وللأردن، هذا البلد الغني بالموارد البشرية والطاقات الشبابية، فرصةٌ ذهبية لاستثمار الذكاء الاصطناعي كرافعة للتحديث الاقتصادي والنمو المستدام.وأخاطب هنا الاقتصاديين والخبراء في السياسات العامة بشكل خاص: هذا المقال لا يُقدم طرحًا تقليديًا، بل يرسم منحًى جديدًا في التفكير الاقتصادي يتجاوز الأدوات الكلاسيكية، ويدمج التكنولوجيا – وتحديدًا الذكاء الاصطناعي – كعنصر بنيوي في إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي.للأسف، لا يزال كثير من الاقتصاديين يُقللون من أهمية هذا التحول أو لا يستوعبونه بالكامل، إما بسبب الفجوة التقنية، أو لأنهم لم يتعاملوا مع الذكاء الاصطناعي كمُتغير اقتصادي حقيقي.لكن الواقع يفرض نفسه. والتاريخ يُكتب الآن بأدوات جديدة. لذا فإن فهم هذا الطرح ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة مهنية ووطنية لكل من يعمل في التخطيط الاقتصادي، أو إدارة الموارد، أو صناعة القرار العام. إن اقتصاد المستقبل لن يُبنى بالأرقام فقط، بل بالخوارزميات أيضًا. التحديات الاقتصادية في الأردن.. واقع دقيق وفرص كامنة من وجهة نظري الشخصية وتحليلي المتواضع (من فهمي المحدود لأني لست خبيرا اقتصاديا فذا، بل خبير ذكاء اصطناعي وتحول رقمي وإدارة البرامج والمشاريع الاستراتيجية)، يواجه الاقتصاد الأردني اليوم جملة من التحديات المعقدة والمتراكبة، نتيجة عوامل داخلية وخارجية تفاعلت عبر العقود الماضية.فعلى الرغم من الاستقرار السياسي، والموارد البشرية المؤهلة، والبنية التحتية المقبولة، إلا أن الأردن يعاني من ضغوط مالية وهيكلية متزايدة، تعيق قدرته على تحقيق نمو شامل ومستدام. وتأتي المعضلات الاقتصادية الأساسية في أربع دوائر متداخلة:** ارتفاع معدلات البطالة، لا سيما بين الشباب، والتي تجاوزت في بعض الفترات حاجز 20%، ما يعكس فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.** العبء الكبير على المالية العامة، نتيجة اعتماد طويل الأمد على المنح والمساعدات الخارجية، وارتفاع فاتورة الدين العام والخدمة الحكومية.** الموارد الطبيعية المحدودة، وخصوصًا في مجال الطاقة والمياه، وهو ما يرفع كلفة الإنتاج ويضعف القدرة التنافسية للقطاعات الحيوية.** عوامل أخرى عديدة متشابكة لا يمكن إغفال تأثيرها مثل: الظروف الجيوسياسية الإقليمية، وملف اللجوء السوري، وضغوط التضخم العالمي، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، التي عمّقت من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الدولة والمواطن معًا.ورغم هذه الصورة الصعبة، فإن التحديات تفتح في المقابل نوافذ فرص واعدة، إذا ما تم استغلالها بذكاء، وعلى رأسها التحول الرقمي، واقتصاد المعرفة، وتوظيف أدوات مثل الذكاء الاصطناعي وحواسيب الكم لرفع كفاءة الأداء الاقتصادي وتعزيز الإنتاجية والعدالة في التوزيع. الذكاء الاصطناعي: من أداة تقنية إلى رافعة استراتيجية للاقتصاد الوطني لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية محصورة في البرمجة أو تحليل البيانات، بل تحوّل إلى بنية تحتية معرفية واستراتيجية متعددة الاستخدامات، قادرة على إحداث تحول جذري في مختلف القطاعات: من الصناعة والطاقة والزراعة، إلى التعليم والصحة، مرورًا بالحوكمة الذكية وصياغة السياسات العامة.تكمن قوته في قدرته الاستثنائية على معالجة كميات ضخمة من البيانات المعقدة، والتعلّم المستمر منها، واتخاذ قرارات دقيقة وسريعة تفوق القدرات البشرية التقليدية، مما يفتح آفاقًا جديدة للابتكار والكفاءة في بيئات العمل.وفي السياق الأردني، الذي يواجه تحديات اقتصادية مزمنة، يُمثّل الذكاء الاصطناعي خيارًا استراتيجيًا لا ترفًا تقنيًا. إنه أداة إصلاح اقتصادي شاملة يمكن من خلالها:** تعظيم كفاءة القطاعين العام والخاص عبر الأتمتة والتحليل الذكي.** تحفيز الابتكار وريادة الأعمال في مجالات ذات قيمة مضافة عالية.** دعم صُنّاع القرار من خلال نماذج تنبؤية وسياسات قائمة على الأدلة.** بناء اقتصاد قائم على المعرفة والبيانات، بديلاً عن الاعتماد على الموارد التقليدية.إن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي اليوم، ليس فقط مواكبة للعصر، بل خطوة استراتيجية نحو اقتصاد أكثر مرونة، شمولية، وسيادة رقمية. كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يغيّر الاقتصاد الأردني؟ الذكاء الاصطناعي هو أداة قوية قادرة على إحداث تحولات جذرية في بنية الاقتصاد الأردني إذا ما استُخدم بالشكل الصحيح.وفي ما يلي هو مجموعة من الأمثلة الواقعية والعملية التي توضّح كيف يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تُحدث فرقًا ملموسًا في قطاعات مختلفة. وهي ليست قائمة شاملة، بل بداية لنقاش أوسع حول الإمكانيات التي يمكن أن تتوسع كلما زاد الوعي والاستثمار والابتكار في هذا المجال.1. تحسين كفاءة المؤسسات الحكومية: من البيروقراطية إلى الحوكمة الذكية:في ظل الضغوط المتزايدة على الموارد العامة، أصبح من الضروري الانتقال من إدارة تقليدية تعتمد على الاجتهاد البشري إلى منظومة ذكية تستند إلى البيانات والتحليل الفوري. وهنا، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة استراتيجية لإعادة هندسة العمل الحكومي في الأردن.من خلال أتمتة الإجراءات الروتينية، مثل الموافقات، والفوترة، والردود الآلية، يمكن تقليل التكاليف التشغيلية وتسريع تقديم الخدمات العامة بشكل ملحوظ. كما تتيح خوارزميات التعلم الآلي تحليل السلوك المالي والإنفاق الحكومي للكشف المبكر عن أنماط الفساد أو الهدر، بفعالية تفوق أدوات التدقيق التقليدية.علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث تحولًا نوعيًا في إدارة الموارد البشرية الحكومية، من خلال التنبؤ باحتياجات الوزارات والمؤسسات، واقتراح خطط توظيف وتدريب تستند إلى تحليل البيانات الواقعية وليس التقديرات الورقية.أما في ملف الدعم الحكومي، فيمكن إعادة تصميم النظام ليصبح «ذكيًا وتنبؤيًا»، يوجه الدعم تلقائيًا إلى الفئات الأكثر احتياجًا بناءً على معايير متعددة، مثل الدخل الفعلي، ونمط الاستهلاك، والظروف الاقتصادية للأسر، بدلاً من الاعتماد على النماذج الثابتة أو الورقية الحالية.إن الذكاء الاصطناعي لا يحل محل الموظف الحكومي، بل يمكنه تحريره من الأعمال الروتينية ليتفرغ إلى اتخاذ قرارات أكثر استراتيجية. بهذا، ننتقل من مؤسسات مثقلة بالبيروقراطية، إلى مؤسسات رشيقة، شفافة، وقائمة على الحوكمة الذكية.2. تحفيز القطاع الصناعي: نحو تصنيع ذكي وتنافسي .يمثل القطاع الصناعي ركيزة أساسية لأي نمو اقتصادي مستدام، لكن الصناعة الأردنية ما زالت تعاني من ضعف الإنتاجية، وارتفاع التكاليف، وتقلبات في سلاسل التوريد. وهنا يُعد الذكاء الاصطناعي فرصة استراتيجية لإحداث نقلة نوعية في الأداء الصناعي والتحول إلى نموذج التصنيع الذكي.يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعيد تعريف خطوط الإنتاج عبر تقنيات الصيانة التنبؤية (Predictive Maintenance)، التي تُقلل من الأعطال غير المتوقعة وتُطيل عمر المعدات، مما يخفض التكاليف التشغيلية ويزيد من كفاءة الإنتاج.كما تُتيح خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل سلاسل التوريد بشكل ديناميكي، لرصد نقاط الضعف وتوقع الاختناقات اللوجستية، مما يساهم في تحسين تدفق المواد الخام، وتقليل زمن التسليم، وخفض الفاقد والهدر.وعلى مستوى تطوير المنتجات، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم منتجات ذكية ومخصصة بناءً على تحليل سلوك المستهلكين والأسواق المستهدفة، ما يمنح الأردن ميزة تنافسية في الأسواق الإقليمية والدولية، خصوصًا في الصناعات الغذائية، الدوائية، والالكترونيات.هذا التحول نحو «الصناعة الذكية» لن يرفع فقط من جودة وكفاءة المنتجات الأردنية، بل سيُعزز من جاذبية الأردن للاستثمار الأجنبي المباشر، ويزيد من قدرته على التصدير في بيئة عالمية باتت تُقيّم الصناعات على أساس الابتكار الرقمي والتشغيل الذكي.إن دمج الذكاء الاصطناعي في الصناعة ليس رفاهية تقنية، بل ضرورة وطنية لتأمين مستقبل صناعي قادر على المنافسة والإنتاج والاستدامة في آنٍ واحد.3. تحفيز ريادة الأعمال والابتكار: الذكاء الاصطناعي كوقود للمشاريع الأردنية المستقبليةيمتلك الأردن قاعدة صلبة لريادة الأعمال، تتمثل في شبابه الطموح، وبيئة حاضنة ناشئة، وموقع استراتيجي يربط بين أسواق متعددة. ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى المشهد الاقتصادي، بات من الممكن توليد موجة جديدة من المشاريع الابتكارية عالية التأثير والقيمة.يمكن لرواد الأعمال الأردنيين اليوم تطوير حلول ذكية تعالج مشكلات حقيقية بطرق غير تقليدية، في مجالات واعدة مثل: التعليم الإلكتروني التكيفي القائم على تحليل أداء المتعلم واحتياجاته، الرعاية الصحية عن بُعد باستخدام نماذج الذكاء لتشخيص الحالات ومتابعة المرضى، الخدمات المالية الذكية (FinTech) مثل إدارة الأصول، والتمويل الصغير التنبؤي، وتقييم المخاطر، الزراعة الدقيقة من خلال تحليل بيانات التربة والمناخ، وترشيد استخدام المياه والأسمدة.ولكي يتحول الذكاء الاصطناعي إلى محرك فعلي لريادة الأعمال، لا بد من تعزيز دور حاضنات ومسرّعات الأعمال، وتحديدًا تلك التي تضم خبراء في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، لتقديم الإرشاد الفني والاستراتيجي للمشاريع الناشئة. كما يجب تمكين هذه الحاضنات من الوصول إلى التمويل الأولي، والشراكات الإقليمية، والأسواق المستهدفة.إن ريادة الأعمال المدفوعة بالذكاء الاصطناعي لا تخلق فقط فرص عمل جديدة ونوعية، بل تُحوّل الأردن إلى مُصدر للحلول التكنولوجية، وقاعدة للإبداع الرقمي في المنطقة.بكلمات أخرى: إذا كانت التكنولوجيا هي لغة العصر، فإن ريادة الأعمال هي وسيلة التعبير عنها والذكاء الاصطناعي هو حبر الأفكار الجديدة التي يمكن أن تُغيّر مستقبل الأردن.4. تعزيز الأمن الغذائي والزراعة الذكية .في بلد يعاني من شح الموارد المائية وارتفاع كلفة الإنتاج الزراعي، تمثل الزراعة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي فرصة استراتيجية لإعادة بناء منظومة الأمن الغذائي في الأردن على أسس أكثر كفاءة واستدامة.يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تُحدث تحولًا جذريًا في القطاع الزراعي من خلال: التنبؤ الدقيق بالطقس والمناخ الموسمي، مما يُمكّن المزارعين من التخطيط المحصولي الأمثل وتجنب الخسائر.كذالك رصد نمو المحاصيل وجودتها عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة، لتوفير مراقبة آنية وتحليل تلقائي لحالة التربة والنبات. وكذالك توجيه الري الذكي وتحسين إدارة المياه بناءً على احتياجات كل منطقة أو محصول، مما يؤدي إلى تقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 30–50%.علاوة على ذلك، تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في خفض التكاليف التشغيلية، وتقليل الهدر في الأسمدة والمبيدات، ورفع إنتاجية وحدة الأرض، مما يُعيد التوازن بين العرض والطلب المحلي ويُقلل الاعتماد على الاستيراد.إن دمج الذكاء الاصطناعي في الزراعة لا يُعد رفاهية رقمية، بل ضرورة وطنية لضمان استدامة الغذاء، وتثبيت المجتمعات الريفية، وتحفيز صادرات المنتجات الزراعية ذات الجودة العالية.في ظل التغير المناخي وارتفاع أسعار الغذاء عالميًا، فإن الاستثمار في «الزراعة الذكية» لم يعد خيارًا... بل جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي الاقتصادي.5. تطوير سوق العمل: من تهديد الوظائف إلى توليد فرص ذكية ومستدامة .يُثار كثير من الجدل حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، وغالبًا ما يُنظر إليه كخطر يهدد فرص العمل التقليدية. لكن في السياق الأردني، حيث البطالة خصوصًا بين الشباب تمثل أحد أبرز التحديات، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون عامل تمكين لا إقصاء، إذا ما أُحسن توجيهه.أولًا: يفتح الذكاء الاصطناعي الباب لخلق أنماط جديدة من الوظائف في مجالات عالية الطلب مثل: تحليل البيانات الضخمة (Big Data Analytics)، تطوير الخوارزميات والنماذج الذكية، إدارة البنية التحتية للأنظمة المؤتمتة والروبوتية ، وصيانة وتطوير المنصات الرقمية والأنظمة الذكية في القطاعين العام والخاصثانيًا: يمكن أن يساهم في إعادة تأهيل القوى العاملة الأردنية، من خلال برامج تدريب رقمية مرنة تركز على المهارات المستقبلية مثل: البرمجة، الحوسبة الكومية، الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، بما يعزز من جاهزية الشباب لدخول الاقتصاد الرقمي بثقة وكفاءة.ثالثًا: تتيح منصات التوظيف الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي أدوات أكثر فاعلية لربط الباحثين عن عمل بالفرص المناسبة بناءً على تحليل شامل لمهاراتهم، وسلوكهم المهني، ومتطلبات السوق. هذا يقلل من فجوة المهارات، ويزيد من سرعة التوظيف ودقته.إن الذكاء الاصطناعي لا يُلغي الوظائف، بل يُعيد تعريفها. ومن خلال التخطيط الذكي، يمكن للأردن أن يُحوّل هذا التحول التكنولوجي من تهديد محتمل إلى فرصة لبناء سوق عمل مرن، تنافسي، وشامل يُعزز العدالة الاقتصادية ويُحفز الإنتاجية الوطنية.6. تعزيز السياحة الذكية: من التجربة التقليدية إلى السياحة التفاعلية المخصصة .يُعد قطاع السياحة من الأعمدة الحيوية للاقتصاد الأردني، بفضل ما يملكه من كنوز تاريخية فريدة مثل البتراء، جرش، البحر الميت، ومواقع دينية تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن أدوات التسويق التقليدية وخدمات الزوار النمطية لم تعد تواكب تطلعات السائح الرقمي العصري، الذي يبحث عن تجربة مخصصة، تفاعلية، وسلسة.وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي ليلعب دورًا محوريًا في إعادة تصميم تجربة السائح عبر: تخصيص المحتوى السياحي والتوصيات بناءً على تفضيلات الزائر وسلوكه، مما يزيد من رضاه ومدة إقامته. كذلك توفير مساعدين افتراضيين Chatbots أو تطبيقات ناطقة بلغات متعددة لإرشاد السائح في الوقت الحقيقي، وتقديم معلومات تاريخية وخدمية دقيقة، إلى جانب تحليل بيانات الزوار محليًا وعالميًا لتحديد الاتجاهات السياحية، وتصميم باقات وعروض ذكية تناسب كل فئة مستهدفة.كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في إدارة تدفق الزوار بشكل ذكي، لمنع الازدحام في المواقع الحساسة، وتحسين توزيع السياح على مختلف الوجهات في المملكة، مما يعزز العدالة الجغرافية في الاستفادة من العائد السياحي.باختصار، الاستثمار في «السياحة الذكية» لا يعني فقط تطوير التطبيقات والأنظمة، بل بناء تجربة متكاملة تجعل من زيارة الأردن أكثر تفاعلية، وأكثر تكرارًا، وأكثر تأثيرًا اقتصاديًا.7. مكافحة التهرّب الضريبي وتعظيم الإيرادات .يُعدّ التهرّب الضريبي أحد أكبر التحديات التي تُثقل كاهل المالية العامّة في الأردن، مُخلِّفًا فجوة دائمة بين الإيرادات والنفقات. ومع تشعُّب الأنشطة الاقتصادية وتعقيدها، لم تَعُد الآليات التقليدية للتدقيق والمراجعة قادرة على رصد التجاوزات الخفيّة أو المُركَّبة بالسرعة والدقّة المطلوبتين.هنا يتقدّم الذكاء الاصطناعي ليكون أداةً حاسمة فيما يلي:** تحليل البيانات الضخمة التي تَرِد من الإقرارات الضريبية، والفواتير الإلكترونيّة، وأنظمة المدفوعات؛ لرسم أنماط سلوكيّة دقيقة تُظهر أي شذوذ أو تضارب يُنبئ بمحاولات تهرّب.** توليد مؤشّرات خطورة (Risk Scores) لكل منشأة أو فرد، استنادًا إلى سلوكهم المالي والتجاري، بما يسمح بتوجيه جهود التدقيق إلى الحالات عالية الاحتمال بدل الاعتماد على الاختيار العشوائي.** أتمتة عمليات المطابقة والتدقيق بين البيانات الواردة من الجهات المختلفة (الجمارك، البنوك، السجلات التجارية)، مما يرفع الكفاءة ويُقلِّل الهدر البشري والزمني.** التنبؤ بالفجوات الضريبية مستقبلًا عبر نماذج تعلّم آلي تساعد صانع القرار على تعديل السياسات أو حملات التوعية قبل اتساع الخلل.اعتماد هذه المنظومة الذكية لا يُسهم فقط في زيادة الحصيلة الضريبية بعدالة وشفافية، بل يُعزّز أيضًا ثقة المواطنين بالمنظومة المالية ويحجّم مساحات الفساد الإداري، مُحوِّلًا الإدارة الضريبية من دورها التقليدي التفاعلي إلى دورٍ استباقيّ رقميّ يضمن استدامة الإيرادات العامة.8. إدارة أذكى للطاقة والمياه من أجل استدامة الموارد الحيوية.في بلد يعاني من شُحّ المياه وارتفاع فاتورة الطاقة، لم تعُد إدارة الموارد الطبيعية في الأردن مجرد خيارٍ تنموي، بل أصبحت قضية أمن وطني واقتصادي واستراتيجي. ومع التغير المناخي وزيادة الطلب، فإن الحاجة إلى حلول ذكية ومستدامة باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.وهنا يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث فارقًا كبيرًا من خلال:** التنبؤ الدقيق بالاستهلاك اليومي والموسمي للطاقة والمياه في المدن والقطاعات المختلفة، مما يساعد في وضع خطط توزيع أكثر فاعلية وكفاءة.** تحسين تشغيل البنية التحتية عبر شبكات طاقة ومياه ذكية (Smart Grids & Smart Water Systems)، تتفاعل تلقائيًا مع البيانات الواردة وتُقلل الفاقد والاختناقات.** اكتشاف التسربات والهدر في الشبكات بشكل فوري باستخدام مستشعرات وخوارزميات تعلُّم آلي، مما يُوفّر ملايين الأمتار المكعبة من المياه، ومئات آلاف الدنانير في الطاقة المهدورة.** دعم اتخاذ القرار في التخطيط الحضري من خلال محاكاة الطلب المتوقع على الموارد، وربطه بالنمو السكاني والأنشطة الاقتصادية المستقبلية.تطبيق هذه الأدوات لا يُحسن فقط الكفاءة التشغيلية، بل يُرسخ مبدأ العدالة في توزيع الموارد، ويُخفّض التكاليف على الدولة والمواطن على حد سواء. وبالنتيجة، يصبح الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في بناء اقتصاد أردني أخضر ومستدام، يُوازن بين النمو وحماية الموارد المحدودة.9. الارتقاء بالقطاع المالي والمصرفي: الذكاء الاصطناعي كأداة لإعادة تصميم الخدمات المالية.يُعد القطاع المصرفي حجر الزاوية لأي اقتصاد مستقر وفعّال، لكن في ظل التحوّل الرقمي المتسارع، لم تعُد الخدمات المصرفية التقليدية قادرة على تلبية تطلعات الجيل الرقمي الذي يبحث عن السرعة، التخصيص، والأمان التام. وهنا يأتي الذكاء الاصطناعي ليُعيد رسم خارطة العمل المالي من الأساس.توظيف الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي الأردني يُمكن أن يُحدث نقلة نوعية في عدة مجالات، أبرزها:** أتمتة خدمة العملاء عبر روبوتات محادثة ذكية (Chatbots) قادرة على تقديم دعم فوري على مدار الساعة، بلغات متعددة، وبتجربة أكثر سلاسة وإنسانية.** تحليل البيانات المالية لتحديد الأنماط السلوكية للمستخدمين، مما يسمح بتصميم منتجات مالية مخصصة بدقة لكل عميل، مثل قروض موجهة، أو حلول ادخار ذكية.** تعزيز إدارة المخاطر من خلال نماذج تنبؤية قادرة على تقييم الجدارة الائتمانية بدقة أعلى، ورصد المعاملات المشبوهة بشكل فوري للحد من الاحتيال المالي.** تقديم استشارات مالية ذكية من خلال أنظمة تحاكي دور المستشار المالي، وتساعد الأفراد والشركات على اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة.هذا التحول لا يرفع فقط من كفاءة المؤسسات المصرفية، بل يُعزز شمولية الخدمات المالية ويُقرّبها من الفئات غير المخدومة، مثل الشباب، والرياديين، وسكان المناطق الطرفية.إن الذكاء الاصطناعي لا يُهدد البنوك بل يُعيد تعريفها. ومن يتبنى هذا التحول مبكرًا، سيكون في مقدمة المشهد المالي الجديد، محليًا وإقليميًا.10. تحفيز التجارة الإلكترونية واللوجستيات الذكية: نحو اقتصاد رقمي سريع وفعّال.تُمثّل التجارة الإلكترونية إحدى أسرع القطاعات نموًا عالميًا، وقد أثبتت أهميتها بعد الجائحة كمحرك حيوي للاقتصاد الرقمي. وفي الأردن، ورغم وجود بنية تحتية رقمية متقدمة نسبيًا، لا تزال تجربة المستخدم والتوصيل السريع تمثلان تحديين رئيسيين أمام توسّع هذا القطاع.هنا يأتي الذكاء الاصطناعي كأداة فعّالة لإحداث ثورة في منظومة التجارة الإلكترونية واللوجستيات من خلال:** تحسين تجربة التسوّق عبر الإنترنت باستخدام خوارزميات ذكية لتقديم توصيات شراء مخصصة بناءً على سلوك المستخدم، مما يرفع من معدلات الشراء ورضا العملاء.** إدارة ذكية للمخزون، بحيث يتم تتبع المنتجات في الزمن الحقيقي، وتقليل نقص أو فائض التخزين من خلال التنبؤ بالطلب الموسمي والمناطقي.** تحسين كفاءة التوصيل عبر تحليل بيانات الطرق، وحركة المرور، وسلوك المستهلكين، مما يُقلل من وقت التسليم ويخفض التكاليف التشغيلية.** رفع كفاءة خدمات ما بعد البيع من خلال أنظمة دعم ذكية تُجيب عن الاستفسارات، وتعالج الشكاوى تلقائيًا دون الحاجة لتدخل بشري مباشر.هذه التطبيقات لا تقتصر على تحسين العمليات فقط، بل تُساهم في بناء ثقة المستهلك بالمنصات المحلية، وتحفّز الاستثمار في قطاع لوجستي أكثر ذكاءً ومرونة. كما تُمكّن الشركات الناشئة والمتوسطة من المنافسة مع كبرى المنصات الإقليمية والدولية.إن الاستثمار في التجارة الإلكترونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي ليس مجرد رفاهية رقمية، بل ضرورة استراتيجية لتحفيز الاقتصاد الوطني، وفتح أبواب التصدير الرقمي نحو أسواق العالم.11. رسم سياسات اقتصادية أكثر دقة: من التقدير إلى التنبؤ الذكي.تعاني العديد من السياسات الاقتصادية من فجوة مزمنة بين مرحلة التخطيط والتنفيذ الواقعي، حيث غالبًا ما تُتخذ القرارات استنادًا إلى بيانات متأخرة، أو نماذج تقليدية تعجز عن التقاط ديناميكية السوق وتفاعلاته المعقدة. في هذا السياق، يُمثّل الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في دعم صانع القرار الاقتصادي بالأدوات التحليلية الدقيقة والتنبؤية.بفضل قدرته على معالجة وتحليل كميات ضخمة من البيانات المتغيرة لحظيًا، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في:** بناء نماذج اقتصادية تنبؤية دقيقة تأخذ في الحسبان عوامل السوق، سلوك المستهلكين، وسيناريوهات الأزمات المحتملة، مما يُعزّز من واقعية السياسات وجدواها.** تحليل أثر القرارات الاقتصادية قبل اتخاذها من خلال محاكاة رقمية متعددة السيناريوهات، تتيح للمسؤول تقييم أفضل الخيارات الممكنة بأقل كلفة اقتصادية واجتماعية.** رصد التغيرات الاقتصادية المحلية والإقليمية في الزمن الحقيقي، بما يدعم السياسات الاستباقية ويُخفّف من أثر الأزمات المفاجئة.** تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال تتبّع أثر كل قرار على مؤشرات الأداء الوطني بشكل آلي وشفاف.بمعنى آخر، يُحوّل الذكاء الاصطناعي عملية رسم السياسات الاقتصادية من كونها اجتهادًا نظريًا إلى منظومة ذكية قائمة على الأدلة الفورية، والتوقعات العلمية، واتخاذ القرار المُستنير.وفي زمنٍ تتسارع فيه المتغيرات، لم يعُد من المقبول أن تُبنى السياسات على الحدس أو الحسابات التقليدية، بل على ذكاء البيانات، وتوقعات الخوارزميات، ومساءلة النتائج.12. الاستثمار في خدمات الذكاء الاصطناعي كمصدر دخل قومي سيادي جديد.والاهم مما سبق كله، ففي الاقتصاد الرقمي العالمي، لم تَعُد الثروات تُستخرج من باطن الأرض، بل من عقول مبدعة وشفرة برمجية ذكية. اليوم، باتت الخوارزميات، والنماذج التنبؤية، ومنصات الذكاء الاصطناعي تُباع بملايين، بل مليارات الدولارات، وتُشكل جزءًا متناميًا من الناتج القومي للعديد من الدول.يمتلك الأردن طاقات شبابية لامعة، موزعة في جميع قرى الكرك، ومعان، وعجلون، وإربد وجميع المحافظات الاخرى ، تحمل أفكارًا قد تُغيّر مستقبل الذكاء الاصطناعي في المنطقة والعالم، إذا ما توفرت لها البيئة الحاضنة والدعم المؤسسي والاستثماري المطلوب.وهنا يكمن الحل الاستراتيجي عبر:** تحفيز تأسيس شركات ناشئة أردنية تُنتج حلولًا ذكية قابلة للتسويق الإقليمي والدولي، مثل: الترجمة الآلية بالعربية، النماذج اللغوية التخصصية، محركات التنبؤ بالأسواق، وتحليل النصوص القانونية والمالية.** إطلاق صناديق سيادية أو استثمارية وطنية لتمويل هذه المشاريع في مراحلها المبكرة، على غرار ما فعلته دول كبرى في دعم شركات التقنية.** ربط المواهب الريفية بالمراكز الريادية والجامعات والحاضنات، لأن فكرة واحدة من شاب في قرية نائية قد تتحوّل إلى شركة تساوي مليارات، إذا وجدت من يُؤمن بها ويدفعها نحو العالمية.** تحويل الذكاء الاصطناعي إلى قطاع تصديري استراتيجي، كما فعلت الهند مع البرمجيات، عبر تصدير «خدمات ذكية» للدول العربية، والأسواق الناطقة بالعربية، وحتى للقطاع الدولي المهتم بالحلول ذات الخصوصية الثقافية واللغوية.الرهان اليوم لم يعد فقط على «استهلاك الذكاء الاصطناعي»، بل على تصنيعه وتصديره. ومن هنا، يمكن أن يُصبح الذكاء الاصطناعي مصدر دخل قومي سيادي جديد يضيف مليارات الدنانير سنويًا، ويوفر فرص عمل نوعية راقية، تليق بإبداع شباب الأردن، وتضع المملكة على خارطة الابتكار التكنولوجي العالمي. أين نقف اليوم؟ من المبادرة إلى التمكين المؤسسي لقد قطع الأردن خطوات مهمة في طريق تبنّي الذكاء الاصطناعي، تُظهر وعيًا متزايدًا بأهمية هذه التقنية كأداة تنموية واقتصادية.ومن أبرز الإنجازات التي يمكن البناء عليها:** إطلاق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2020–2025، التي وضعت إطارًا أوليًا لتوجيه الجهود نحو التحوّل الذكي.** تطوير برامج أكاديمية في الجامعات الأردنية تُعنى بالذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، مع دعم ملحوظ للبحوث والتخصصات الناشئة في هذا المجال.** مبادرات ملموسة من القطاع الخاص، لا سيما في قطاعات البنوك، والاتصالات، والصناعات، التي بدأت بالفعل في تبنّي حلول الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة وتقديم خدمات متقدمة.لكن رغم هذه الخطوات المشجعة، يبقى التحدي الأكبر في الانتقال من الجهود المجزأة إلى منظومة وطنية متكاملة تُؤسس لبنية تحتية رقمية قوية ومستدامة. ذلك يتطلب:** تحديث الأطر التشريعية والتنظيمية لتواكب تطورات الذكاء الاصطناعي وتضمن الاستخدام الآمن والأخلاقي له.** تعزيز الحوكمة الرقمية عبر كيانات مؤسسية متخصصة، تربط بين الجهات الحكومية والخاصة والأكاديمية.** تمويل مستدام للبحث والابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي التطبيقية، يخلق بيئة حاضنة للشركات الناشئة والمواهب المحلية.** تفعيل الشراكات الثلاثية بين الحكومة والجامعات والقطاع الخاص، لضمان مواءمة التعليم مع سوق العمل، وتحويل الابتكار الأكاديمي إلى منتجات تجارية قابلة للتصدير.الأردن يمتلك البنية البشرية، والرؤية الأولية، والانفتاح اللازم للريادة في هذا المجال ما ينقصه فقط هو نقلة استراتيجية شاملة تُحوّل الذكاء الاصطناعي من طموح إلى رافعة اقتصادية حقيقية.ما المطلوب في المرحلة القادمة؟ من التخطيط إلى التنفيذ المنهجي إذا أردنا أن نُحوّل الذكاء الاصطناعي إلى رافعة اقتصادية وسيادية حقيقية في الأردن، فلا بد من خطة تنفيذية واضحة وشاملة تُترجم الرؤى إلى خطوات واقعية ومؤسسية.في ما يلي أبرز محاور العمل في المرحلة القادمة:1. بناء الكفاءات الوطنية: إنشاء أكاديميات وطنية متخصصة في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، إلى جانب دمج المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي في التعليم المدرسي والجامعي، ودعم التعليم الفني والمهني بما يتماشى مع متطلبات الاقتصاد الجديد.2. تحفيز البحث والتطوير: توفير تمويل مستدام للباحثين الأردنيين في مجالات الذكاء الاصطناعي التطبيقية، وتعزيز الشراكات البحثية مع جامعات ومراكز ابتكار إقليمية ودولية، لضمان إنتاج معرفة قابلة للتسويق والاستثمار.3. إطلاق مشاريع وطنية رائدة: البدء بمبادرات ذكية على مستوى الدولة في قطاعات حيوية مثل النقل العام، الرعاية الصحية، إدارة المياه والطاقة، العدالة، والتعليم، لتكون نماذج تحتذى بها محليًا وتُسوق عالميًا.4. تمويل وتحفيز الشركات الناشئة: تقديم حوافز مالية وتسهيلات ضريبية وتأسيس صناديق دعم للشركات التي تُقدم حلولًا مبتكرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يعزز بيئة ريادة الأعمال التقنية ويجذب الاستثمارات.5. إطار تشريعي مرن وأخلاقي: تطوير منظومة قوانين وتشريعات رقمية متجددة، تُوازن بين تسريع الابتكار وضمان الخصوصية والعدالة ومساءلة الخوارزميات، بما يرسّخ الثقة العامة ويحفز الاستخدام المسؤول.6. التنفيذ المؤسسي الفوري: تحفيز كل وزارة، وكل مؤسسة، وكل قطاع اقتصادي على البدء بتطبيق ما ورد في النقاط الاثنتي عشرة السابقة – كلٌ في مجاله وتخصصه – ضمن خطة مرحلية واضحة، مع وجود آليات متابعة وقياس أداء.الرسالة الأهم هنا موجّهة إلى السادة الاقتصاديين وصُنّاع السياسات المالية:إنّ الذكاء الاصطناعي لم يعُد مجرد «قطاع تقني» يُترك للمهندسين والمبرمجين، بل أصبح أداة تحليل استراتيجية لا غنى عنها لكل من يعمل في فهم الأسواق، وتصميم السياسات، وتحفيز النمو. التحديات الاقتصادية التي نواجهها اليوم من تضخم وبطالة وتراجع إنتاجي لا يمكن التعامل معها بالعقلية نفسها التي واجهنا بها أزمات الأمس. المطلوب هو تبنّي أدوات جديدة بفكر جديد.الذكاء الاصطناعي يمنحكم، كخبراء اقتصاد، قدرة غير مسبوقة على التنبؤ، والمحاكاة، وتحليل البيانات، وبناء سيناريوهات دقيقة تُترجم مباشرة إلى قرارات أكثر كفاءة وعدالة وشفافية. تجاهل هذه التحوّلات التكنولوجية لم يعد خيارًا بل خطرًا على قدرة الدولة على التكيّف والمنافسة.فلنُعد رسم العلاقة بين الاقتصاد والتكنولوجيا لا كعلاقة استهلاك، بل كشراكة استراتيجية تخلق الثروة من الفكرة، وتحوّل البيانات إلى قيمة مضافة، وتضع الأردن في مصاف الدول المُنتجة للذكاء، لا المستهلكة له. ملخص القول يا قوم رغم التحديات الاقتصادية المعقدة التي يواجهها الأردن، فإن الذكاء الاصطناعي يفتح بابًا واسعًا لحلول غير تقليدية تُعيد رسم مستقبل الاقتصاد الوطني. فمن خلال تسخير هذه التقنية في تحسين كفاءة القطاع العام، وتحفيز الابتكار وريادة الأعمال، وتطوير التعليم والتدريب المهني، يمكن للأردن أن يتحول من اقتصاد يعاني من البطالة وضعف الإنتاجية إلى اقتصاد رقمي ذكي يقوده الشباب.وطبعًا، لم أتطرق بعد إلى الحوسبة الكمية في هذا المقال! هذه التقنية الثورية التي لا تزال في بداياتها، لكنها تحمل وعودًا قد تقلب جميع التحديات الاقتصادية الاردنية رأسًا على عقب. فبقدرتها الهائلة على معالجة بيانات معقدة في ثوانٍ، ستُحدث الحوسبة الكمية قفزات نوعية في مجالات مثل التمويل، والتنبؤ الاقتصادي، وتحسين سلاسل الإمداد، وتصميم الأدوية، والطاقة. وعندما تلتقي الخبرات الأردنية الواعدة مع هذه التكنولوجيا القادمة، قد لا يكون دورنا فقط في التكيّف مع التغيير بل في قيادته من العالم العربي إلى العالم كله.ولمن يرغب بالغوص أعمق في عالم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتعددة في الاقتصاد، التعليم، الصحة، الحوكمة، وريادة الأعمال، أنصح بالرجوع إلى جميع مقالاتي المنشورة في الصحف اليومية، حيث تناولتُ فيها مختلف الجوانب التقنية والإنسانية لهذا المجال المتسارع. تجدون فيها أمثلة واقعية، ونماذج مبتكرة، وتحليلات ميدانية تساعد على فهم الإمكانيات الحقيقية للذكاء الاصطناعي، ليس فقط كأداة تقنية، بل كرافعة استراتيجية للنمو والتقدم والتحول الوطني الشامل.إن الفرصة اليوم حقيقية وملموسة: بناء اقتصاد قائم على المعرفة والبيانات، لا على الموارد الناضبة. المطلوب هو إرادة واستثمار في العقول، وتعاون بين القطاعين العام والخاص. لقد حان الوقت لنتجاوز التفكير التقليدي، ونفتح الباب لاقتصاد جديد، يقوده جيل رقمي، يُبرمج الحلول بدلاً من انتظارها. الذكاء الاصطناعي قد لا يُغيّر الماضي، لكنه حتمًا يمكن أن يُعيد رسم المستقبل والأردن يستحق مستقبلًا اقتصاديا أفضل.وأختم بالقول: في زمن التحوّل والتغيير، قد تبدو الطريق نحو التحديث الاقتصادي شاقة، والتحديات أكثر من أن تُحصى. لكن التاريخ لا تصنعه الظروف وحدها، بل الإرادة التي تواجهها، والعقول التي تُحسن استثمار كل فرصة مهما بدت صغيرة. فلنؤمن بقدرتنا كأردنيين على إعادة تشكيل اقتصادنا، لا بالاكتفاء بما هو قائم، بل بزرع بذور الابتكار والمعرفة في كل قطاع، وبناء مستقبل يقوده الذكاء والعمل لا الانتظار والتكرار.فالأمم لا تنهض إلا بسواعد أبنائها، وبعقول تُصمّم وتُبرمج وتُنتج وإن طال الطريق، وتعددت الصعوبات، فمن يتقِ ويصبر: فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. * خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أخبار التكنولوجيا : الذكاء الاصطناعى يطلب الوصول لبياناتك الشخصية.. فهل يستحق المخاطرة؟
أخبار التكنولوجيا : الذكاء الاصطناعى يطلب الوصول لبياناتك الشخصية.. فهل يستحق المخاطرة؟

نافذة على العالم

timeمنذ 9 ساعات

  • نافذة على العالم

أخبار التكنولوجيا : الذكاء الاصطناعى يطلب الوصول لبياناتك الشخصية.. فهل يستحق المخاطرة؟

الاثنين 21 يوليو 2025 05:50 صباحاً نافذة على العالم - في الوقت الذي يُفرض فيه الذكاء الاصطناعي على حياتنا اليومية بدءًا من الهواتف والتطبيقات وصولًا إلى محركات البحث وحتى الطلبات في مطاعم الوجبات السريعة، تتزايد المخاوف من توسّع أدوات الذكاء الاصطناعي في طلب مستويات غير مسبوقة من الوصول إلى بيانات المستخدمين الشخصية، بحجة أنها 'تحتاجها لتعمل'. هذه الممارسات تثير قلقًا واسعًا في أوساط المهتمين بالأمن الرقمي والخصوصية، حيث بات من الطبيعي أن تطلب بعض أدوات الذكاء الاصطناعي صلاحيات للوصول إلى بريدك الإلكتروني، تقويمك، صورك، قائمة جهات الاتصال الخاصة بك، وحتى تاريخ تصفحك وكلمات مرورك، بدعوى أنها تسهّل أداء المهام الروتينية نيابة عنك. تطبيقات AI تكرر نفس أخطاء الماضي قبل سنوات، كان من المستغرب أن يطلب تطبيق بسيط مثل 'آلة حاسبة' أو 'كشاف ضوء' صلاحيات للوصول إلى موقعك الجغرافي أو صورك، وهو ما كان يُعتبر علامة حمراء تدل على نوايا خفية في جمع البيانات. اليوم، لا تختلف بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي كثيرًا عن ذلك. مثال على ذلك، متصفح 'كوميت' (Comet) المدعوم بالذكاء الاصطناعي من شركة Perplexity، والذي يعِدُ بمساعدتك في أداء المهام مثل تلخيص الرسائل الإلكترونية وجدولة المواعيد، إلا أن استخدام هذا المتصفح يتطلب منح صلاحيات موسعة للغاية، منها إرسال الرسائل عبر بريدك الإلكتروني، تحميل جهات اتصالك، عرض وتعديل كل تقاويمك، وأحيانًا حتى الوصول إلى دليل الموظفين الكامل لشركتك. ورغم أن الشركة تؤكد أن أغلب البيانات تُخزّن محليًا على جهاز المستخدم، إلا أنك تمنحها فعليًا الحق في استخدام بياناتك لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها – وهو ما يفتح الباب لتساؤلات عديدة حول حدود الاستخدام ومصير هذه البيانات. المشكلة ليست في كوميت وحده ليست Perplexity وحدها من تسير في هذا الاتجاه. العديد من التطبيقات التي تعتمد على مساعدات ذكية تقدم وعودًا بتوفير الوقت والجهد، لكنها بالمقابل تطلب صلاحيات للوصول إلى مكالماتك، اجتماعاتك، صورك الخاصة، وحتى محتوى ملفاتك غير المنشورة، شركة 'ميتا' مثلًا تختبر حاليًا أدوات ذكاء اصطناعي تطلب الوصول إلى الصور المحفوظة في هاتف المستخدم حتى قبل أن يتم رفعها إلى أي منصة. في هذا السياق، صرّحت 'ميريديث ويتاكر'، رئيسة تطبيق Signal، أن الاعتماد الكلي على مساعدات الذكاء الاصطناعي يشبه 'وضع دماغك في وعاء زجاجي'، موضحة أن هذه المساعدات قد تطلب فتح متصفحك، الوصول إلى كلمات المرور، بطاقتك الائتمانية، تقويمك، وجهات الاتصال لديك فقط لأداء مهام بسيطة مثل حجز طاولة في مطعم أو شراء تذكرة لحفل موسيقي. مخاطر لا يُستهان بها المشكلة لا تتوقف عند مشاركة البيانات، بل تتعداها إلى منح هذه الأنظمة الذكية صلاحيات للتصرف نيابة عنك، وهو ما يفرض مستوى عاليًا من الثقة في تكنولوجيا ما تزال عرضة للأخطاء بل واختراع معلومات غير صحيحة أحيانًا. والأخطر، أن الشركات المطوّرة لهذه الأنظمة قد تضطر في بعض الحالات إلى إسناد مراجعة أداء الذكاء الاصطناعي إلى موظفين بشريين، مما يعني أنهم قد يطلعون على بياناتك الخاصة ومحفوظات محادثاتك دون علمك. هل تستحق هذه التسهيلات كل هذا الثمن؟ عند إجراء تحليل بسيط لتكلفة وفوائد ربط حياتك الرقمية بالذكاء الاصطناعي، يبدو أن المقابل لا يبرر حجم التنازلات، فهل حقًا يستحق اختصار بعض الخطوات اليومية أن تفقد خصوصيتك وحقوقك الرقمية؟ ينبغي أن يُطلق أي طلب مريب من أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي صافرات الإنذار، تمامًا كما كان يحدث عندما يطلب تطبيق 'كشاف' معرفة موقعك الجغرافي.

ثورة الوظائف
ثورة الوظائف

صحيفة الشرق

timeمنذ 15 ساعات

  • صحيفة الشرق

ثورة الوظائف

453 أمل عبدالملك يُعد الذكاء الاصطناعي (AI) من أبرز الابتكارات التقنية التي أحدثت ثورة في عالم الأعمال خلال السنوات الأخيرة، حيث باتت قدراته تتجاوز ما كان يُعتقد ممكنًا، من تحليل البيانات الضخمة بدقة عالية إلى تنفيذ المهام الروتينية بكفاءة وسرعة تفوق الإنسان، ومع هذا التقدم، بدأ الذكاء الاصطناعي يؤثر بشكل واضح على سوق العمل، مثيرًا مخاوف وتساؤلات حول مستقبل الوظائف التقليدية ومصير الموظفين. أحد أبرز التأثيرات المباشرة للذكاء الاصطناعي هو استبدال بعض الوظائف التي تعتمد على المهام المتكررة أو الحسابية الدقيقة، مثل موظفي إدخال البيانات، وخدمة العملاء، والمحاسبة الأساسية، وحتى بعض المهن في القطاع القانوني والإعلامي، فبفضل تقنيات مثل الروبوتات البرمجية والتعلم الآلي، أصبحت الشركات قادرة على تنفيذ هذه المهام بتكلفة أقل وبدقة أعلى وبدون الحاجة إلى تدخل بشري مستمر. هذا التوجه يطرح سؤالًا جوهريًا: ما مصير الموظفين إذا ما لجأت الشركات إلى الاستغناء عن البشر؟ الواقع أن بعض الوظائف قد تُلغى بالفعل، مما يفرض على الموظفين المتأثرين التحول نحو مجالات جديدة تتطلب مهارات فكرية أو إبداعية أو إنسانية لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليدها بسهولة، مثل القيادة، الابتكار، التحليل الاستراتيجي، والرعاية الإنسانية. لكن هل يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يُغني عن البشر كليًا؟ الإجابة ببساطة: لا. فعلى الرغم من تفوق الذكاء الاصطناعي في مجالات معينة، إلا أنه يظل أداة تعتمد على الإنسان لتوجيهه، تدريبه، ومراقبته، لا يمتلك الذكاء الاصطناعي وعيًا ذاتيًا أو مشاعر، ولا يستطيع اتخاذ قرارات أخلاقية أو التعامل مع التعقيدات الاجتماعية والثقافية بنفس فاعلية البشر، لذا فإن دوره هو الدعم والمساندة، لا الإحلال الكامل. في المقابل، يمكن للموظفين الاستفادة من مميزات الذكاء الاصطناعي لتطوير أعمالهم وتعزيز كفاءاتهم، فبدلًا من مقاومته، يُنصح بتعلم كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل أنظمة التنبؤ، تحليل البيانات، والمساعدين الذكيين، على سبيل المثال، يمكن لموظفي التسويق استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستهلكين وتخصيص الحملات الإعلانية، بينما يمكن للمهندسين استخدامه في تحسين التصميمات واختبار النماذج. كما أن تطوير المهارات الشخصية والمهنية، مثل التفكير النقدي، الإبداع، والذكاء العاطفي، يظل من أهم السبل للتميّز في سوق العمل المستقبلي، حيث تظل هذه القدرات غير قابلة للاستبدال بالذكاء الاصطناعي. * يمثل الذكاء الاصطناعي تحديًا حقيقيًا وفرصة في الوقت ذاته، من يتعامل معه بخوف سيفوته الركب، ومن يراه أداة تطوير سيجد فيه حليفًا قويًا للنجاح في عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة. مساحة إعلانية

التنقل المهني الذكي في مواجهة فجوة المهارات وزحف الذكاء الاصطناعي
التنقل المهني الذكي في مواجهة فجوة المهارات وزحف الذكاء الاصطناعي

عمون

timeمنذ 19 ساعات

  • عمون

التنقل المهني الذكي في مواجهة فجوة المهارات وزحف الذكاء الاصطناعي

يشير مفهوم التنقل المهني الذكي (Smart Career Mobility) إلى قدرة الأفراد على الانتقال بمرونة وكفاءة بين وظائف أو مجالات مهنية متعددة، وذلك بالاستفادة من الأدوات الرقمية والتقنيات الحديثة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) يتيح هذا النمط من التنقل للأفراد رسم مسارات مهنية تتوافق مع قدراتهم الفردية وتتلاءم مع متطلبات السوق المتغيرة، من خلال الاعتماد على تحليل بيانات السوق، وتحديد الفرص المهنية الأنسب، والانخراط في التعلّم المستمر، وتحديث المهارات بشكل ديناميكي، كما يشمل ذلك إمكانية الانتقال السلس بين قطاعات مختلفة أو تخصصات متعددة وفقًا لحجم الطلب وحاجة السوق. من ناحية أخرى تعد فجوة المهارات السوقية (Skills Gap) من أبرز التحديات التي تعيق التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل، إذ تشير إلى التفاوت القائم بين المهارات المتوفرة لدى العاملين، وتلك المطلوبة فعليا من قبل أصحاب العمل، هذه الفجوة تشكل عقبة أمام الخريجين الذين يجدون صعوبة في الالتحاق بسوق العمل رغم امتلاكهم شهادات أكاديمية، كما تربك أرباب العمل الذين يواجهون تحديات في العثور على مرشحين يمتلكون المهارات المناسبة، وتؤثر سلبا على صناع القرار الساعين إلى خفض معدلات البطالة وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، حيث تشير دراسة ان 52% من أصحاب العمل يرون ان خريجي الجامعات الأردنية يفتقررون للمهارات الأساسية، وان 60% من هؤلاء الخريجين لا يجدون وظائف خلال السنة الاولى من التخرج، وان المهارات المفقودة، منها على سبيل المثال: الكفاءة الرقمية والتقنية، والتفكير النقدي وحل المشكلات، إضافة الى مهارات الاتصال الفعال. اما الذكاء الاصطناعي AI فيقصد به محاكاة أنظمة الحاسوب للوظائف الذهنية البشرية مثل التعلم الآلي، ومعالجة وتحليل البيانات، والتنبؤ بالتوجهات المستقبلية، وتكمن أهمية الذكاء الاصطناعي في كونه أداة فاعلة لدعم الأفراد والمؤسسات في اتخاذ قرارات مهنية قائمة على معطيات دقيقة وآنية، مما يعزز فرص التوظيف والتطوير المهني المستدام. من هنا، فإن التكامل بين التنقل المهني الذكي والذكاء الاصطناعي يعد خيارا استراتيجيا لسد فجوة المهارات المتزايدة، هذا الربط يفتح آفاقا جديدة أمام الخريجين والعاملين لتطوير مساراتهم المهنية، ويمنح أرباب العمل حلولا أكثر دقة وفاعلية في استقطاب الكفاءات، كما يوفر لصناع السياسات أدوات تخطيط مستقبلية قائمة على تحليل واقعي ومعمّق لمعطيات سوق العمل، وفي ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، فلم يعد الاعتماد على المؤهل الأكاديمي وحده كافيا، بل أصبحت المرونة، والتعلم المستمر، والتوظيف الذكي للتقنيات ركائز أساسية لبناء مسيرة مهنية ناجحة ومواكبة لمتطلبات العصر. تبرز أهمية مفهوم التنقل المهني الذكي كأحد التوجهات الحديثة التي تمكن الأفراد من التنقل بمرونة وفاعلية بين المهن والقطاعات المختلفة، اعتمادا على معطيات دقيقة حول واقع السوق، واحتياجاته المتغيرة، ومدى مواءمة المهارات التي يمتلكها الأفراد مع الفرص الوظيفية المتاحة، ولا يعد هذا النوع من التنقل تخليا عن الاستقرار المهني، بل يعكس قدرة الفرد على التكيف وإعادة تشكيل مساره الوظيفي استجابة للظروف المتجددة والتحولات العميقة التي يشهدها سوق العمل. في هذا المنطلق، تتعاظم الحاجة إلى AI بوصفه قوة دفع مركزية لهذا التحول، إذ تسهم خوارزميات التعلم الآلي وتحليل البيانات في رسم ملامح المسارات المهنية المستقبلية، وتشخيص الفجوات المهارية، وتقديم توصيات موجهة ودقيقة لكل باحث عن عمل أو عامل يسعى للتطوير الذاتي والمهني، وباتت أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة اليوم على تحليل السير الذاتية، وتقييم القدرات، ومطابقة الأفراد مع الوظائف الأنسب لهم، بل وتوفير خطط تعلم مصممة خصيصا لسد الفجوات المهارية، مما يُشكّل تحولا نوعيا في طريقة اتخاذ القرارات المهنية، سواء على مستوى الأفراد أو جهات التوظيف. من ناحية اخرى، تواجه معظم أسواق العمل تحديًا متصاعدا يتمثل في فجوة المهارات، والتي لا تعكس بالضرورة نقصًا في الكفاءات، بل غالبا ما تكون نتيجة لعدم اتساق مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل الفعلية، أو بسبب ضعف ثقافة التعلم المستمر لدى شريحة من العاملين، وتؤدي هذه الفجوة إلى اتساع البطالة المقنعة، وإلى صعوبات متزايدة لدى أصحاب العمل في العثور على كفاءات تلبي متطلبات الوظائف الحديثة، مما يعمّق من إشكالية التوظيف ويعيق النمو الاقتصادي والتنافسي في آن واحد، حيث يفضل 70% من أصحاب العمل الخبرات العملية على الشهادات الاكاديمية. لا يمكن إنكار أن التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي قد ترك أثرا بالغا وواضحا على ملامح سوق العمل المعاصر، حيث باتت العديد من الوظائف التقليدية مهددة بالزوال، فقد أصبحت الأنظمة الذكية قادرة على أداء مهام كانت في السابق حكرا على العنصر البشري، مثل خدمة العملاء، والتحليل المالي، وإدارة البيانات، بل وتوسعت لتشمل مجالات أكثر تعقيدا كالمهام القانونية وبعض الأنشطة الإبداعية، ولم يقتصر تأثير هذا التحول على القطاعات التقنية فقط، بل امتد ليشمل قطاعات واسعة مثل التعليم، والإدارة العامة، والنقل، والمحاسبة، وفي ظل هذا المشهد المتغير، تتزايد المخاوف بشأن تآكل فرص العمل، لا سيما بالنسبة للأفراد الذين لم يتمكنوا من مواكبة هذا التطور أو افتقروا إلى المهارات البديلة التي تؤهلهم للانخراط في الاقتصاد الرقمي الجديد، فعلى الصعيد فان 40% من اصحاب العمل يخططون لخفض عدد العاملين بفضل الأتمتة. على الرغم من أن AI يعد محركا قويا للابتكار وتعزيز الإنتاجية في مختلف القطاعات، فإن آثاره المتسارعة على سوق العمل تستدعي استجابة استراتيجية واعية، لا تقوم على مقاومة التغيير أو التخوف منه، بل على مواكبته والاستعداد له بمرونة، ومن ذلك يبرز مفهوم التنقل المهني الذكي كأحد الحلول الفاعلة، سواء على المستوى الفردي أو المنظمي، إذ يتيح للعاملين تجنب خطر الارتباط طويل الأمد بوظائف مهددة بالاندثار، من خلال الاستثمار في تطوير مهاراتهم والانتقال إلى مجالات واعدة أو قطاعات أقل عرضة للأتمتة والاستبدال الآلي، ولا يتم هذا الانتقال بشكل عشوائي أو عفوي، بل يستند إلى تحليل دقيق لمعطيات سوق العمل، وتحديد المهارات المطلوبة مستقبلا، ومن ثم الانخراط في برامج تدريب وتأهيل موجّهة تسهم في تعزيز فرص البقاء والتطور المهني في ظل التحولات المتسارعة. غير أن التحدي الأشد إلحاحا هنا يتمثل في اتساع فجوة المهارات، حيث لا يمتلك عدد كبير من الخريجين والعاملين المهارات التقنية والرقمية اللازمة للولوج إلى وظائف المستقبل أو المحافظة على مكانتهم في سوق العمل المتغير، وفي المقابل، لا تزال المنظمات في القطاعين العام والخاص تواجه صعوبة في استقطاب كفاءات مؤهلة في مجالات متقدمة كتحليل البيانات، و AI ، والتحول الرقمي، ويسهم هذا الخلل في تعميق الفجوة القائمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات السوق، ويزيد من احتمالات الإقصاء المهني لأولئك الذين لا يواكبون مسارات التحديث والتطور، مما يهدد بتفاقم معدلات البطالة وفقدان التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل. لمواجهة هذا التحدي المتصاعد، تظهر الحاجة إلى تفعيل منظومات تدريب وتأهيل ذات طابع ذكي وتكيفي، تستند إلى تحليل ديناميكي مستمر لاحتياجات سوق العمل، وتعمل على توجيه الأفراد نحو اكتساب المهارات الأكثر طلبا والتي تضمن لهم مرونة التكيف والتنقل بين المسارات المهنية المختلفة، وفي هذا الإطار، يُعد دعم صناع القرار وأرباب العمل لمبادرات التنقل المهني الذكي أمرا حاسما، من خلال تهيئة بيئات عمل مرنة تستوعب التنقل والتطوير، وتوفير أدوات تقييم ذاتية واستشارات مهنية قائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما يعزز من قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات مهنية مستنيرة، ويسهم في تحقيق مواءمة حقيقية بين الكفاءات والفرص الوظيفية المستقبلية. أدى الذكاء الاصطناعي إلى نشوء واقع مهني جديد لم يعد يتسع لحالات الجمود أو الركود الوظيفي، إذ أصبحت المهن التي تقوم على التكرار والإجراءات الروتينية عرضة للاستبدال بأنظمة ذكية أكثر كفاءة، ويقتضي هذا التحول تبني تفكير استباقي من قِبل جميع الفاعلين في سوق العمل، أفرادًا ومنظمات، فلم يعد السؤال الجوهري هو: "هل ستنقرض مهنتي؟"، بل تحول إلى تساؤل أكثر عمقا: "هل أمتلك المهارات التي تؤهلني للاستمرار والتطور في بيئة عمل تتغير بوتيرة متسارعة؟". عند تفعيل التنقل المهني الذكي كجزء من منظومة وطنية شاملة، فإنه لا يقتصر على كونه استجابة فردية للتغيرات المتسارعة في سوق العمل، بل يتحول إلى أداة استراتيجية للتنمية المستدامة، فهو يسهم في إعادة توجيه الموارد البشرية نحو القطاعات ذات الأولوية الاقتصادية، ويحد من معدلات البطالة الهيكلية، ويسهم في بناء قوة عمل أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع التحولات المستقبلية، ولا يُعد التنقل المهني الذكي آلية للإقصاء، بل وسيلة للتمكين الوظيفي؛ إذ يمنح الأفراد الفرصة لإعادة التمركز المهني، والتكيف مع متطلبات السوق المتجددة، مما يعزز من شموليتهم واستمراريتهم داخل المنظومة الاقتصادية بدلا من انجرافهم خارجها، ولكن لا يمكن لهذا التحول أن يتم تلقائيا، فبدون رؤية استراتيجية تعالج فجوة المهارات، وتوفر مسارات تعلم قابلة للوصول، وتدمج AI في التوجيه والتدريب، سيبقى عدد كبير من الأفراد عالقين بين وظائف مهددة بالانقراض، ومهارات غير كافية، غير قادرين على العبور إلى وظائف المستقبل، وبناء عليه يمكننا تقديم مجموعة من التوصيات المهمة التي تساعد مختلف الفئات على التعامل مع التغيرات التي يشهدها سوق العمل: بالنسبة للخريجين والباحثين عن عمل، لم يعد الانتظار كافيا، فالسوق يتغير بسرعة، ويجب أن يكون لدى الشخص استعداد دائم لتعلم مهارات جديدة، ومن المهم التركيز على المهارات الرقمية الأساسية Digital Skills، مثل تحليل البيانات، التفكير المنطقي، والتعامل مع أدوات AI، لأن هذه المهارات أصبحت من المتطلبات الأساسية في كثير من الوظائف الحديثة، كما يمكن الاستفادة من المنصات الذكية التي تساعد على معرفة الاتجاهات المهنية المناسبة لكل شخص حسب قدراته واهتماماته. أما العاملون في وظائف قد تختفي مستقبلا، فعليهم أن يكونوا أكثر وعيا بالتغيرات التي تحدث من حولهم، ومن الأفضل البدء بوضع خطة بديلة تساعدهم على الانتقال إلى مجالات جديدة أكثر أمانا، كما يمكن تحقيق ذلك من خلال المشاركة في الدورات التدريبية المستمرة، وطلب الدعم من جهة العمل لتوفير برامج تساعدهم على تطوير أنفسهم، بدلا من الانتظار حتى فقدان الوظيفة. أما أصحاب العمل، فينبغي أن ينظروا إلى AI على أنه فرصة لتطوير العاملين، وليس فقط كوسيلة لخفض التكاليف، بل لتصميم برامج تساعد العاملين على الانتقال إلى مهام جديدة داخل نفس المنطمة، وتوفير بيئة عمل مرنة تشجع على التعلم وتسمح بالتنقل بين المهام بسهولة، لأن ذلك يعزز من استمرارية المنظمة وتكيفها مع التغيرات، وتشير دراسة ان الذكاء الاصطناعي سيخلق 20–50 مليون وظيفة جديدة حتى عام 2030، تعتمد معظمها على المهارات التقنية، وان 87% من المنظمات ستواجه فجوة مهارات حاليا أو مستقبلا. فيما يخص صناع القرار والمسؤولين عن وضع السياسات، فمن المهم جدا أن يتم إدراج مفهوم التنقل المهني الذكي ضمن خطط الدولة في مجالي التعليم وسوق العمل، وكما ينصح بإنشاء منصات رقمية رسمية تساعد في تحديد المهارات المطلوبة حاليا ومستقبلا، وربطها بالخريجين والباحثين عن العمل لتوجيههم إلى المسارات المناسبة، كذلك توفير برامج دعم خاصة للخريجين الذين يواجهون صعوبة في الدخول إلى سوق العمل، وربطهم بمسارات تدريب محددة تعزز من فرصهم. أخيرا، فإن التعاون بين الدولة والقطاع الخاص في تصميم هذه البرامج يعد أمرا ضروريا لضمان أنها تلبي الاحتياجات الحقيقية لسوق العمل، كما اكدت دراسة ان 44% من المهارات ستتغير خلال 5 سنوات، وان 60% من الموظفين يحتاجون لإعادة تأهيل قبل 2027. وخلاصة القول، يقوم التنقل المهني الذكي على قدرة الأفراد على الانتقال من وظائف مهددة إلى أخرى أكثر أمانا واستدامة، مستندين في ذلك إلى تحليل مستمر لمعطيات السوق، واكتساب مرن للمهارات المطلوبة، لا يعد هذا المفهوم ترفا تنظيريا، بل ضرورة عملية، في ظل عالم لم يعد يرحم الجمود المهني. لكن هذا التنقل يصطدم بعقبة مركزية هي فجوة المهارات Skills Gaps، وفيما يتقدم AI بخطى متسارعة، لا تزال أنظمة التعليم والتدريب متأخرة عن مواكبته، والنتيجة آلاف الخريجين المؤهلين نظريا، غير القادرين على المنافسة فعليا. ن هذا التحول الذي يشهده سوق العمل اليوم هو أشبه بزلازل ناعمة، تغير معالم المهن من الداخل، وفي هذا المشهد، لا يكفي الصمود؛ بل لا بد من التحرك بذكاء ومرونة، لأن AI قد يقصي من لا يتحرك، لكنه يكافئ من يستثمر فيه، والتنقل المهني الذكي هو الجسر الآمن بين ما نعرفه الآن، وما ينتظرنا في مستقبل العمل، فهل نحن مستعدون لعبوره؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store