
من يحرك «الوتد»؟ (3)
د. مجدي العفيفي
(18)
اليهود الصهاينة: حين يصبح تحريك الأوتاد عقيدةً تُروى وتُدوَّن وتُقدَّس
منذ أن وُجدوا على هذه الأرض، واليهود لا يُقيمون خيمةً ليست لهم، إلا لينهار وتدُها لاحقًا.
منذ أن حملوا كتبهم، وراحوا يمزّقونها بأيديهم، تارةً بالتأويل، وتارةً بالتزوير، بدأت لعبة الأوتاد...
لعبةٌ لا تُمارَس بعصبيةٍ عابرة، بل بدهاءٍ متجذّر، بعيونٍ تترقّب أين الضعف في خيام الآخرين، وبأيدٍ تتقن شدّ الوتد ثم خلخلته... لا لشيء إلا لتسقط الخيمة فوق من فيها.
(١٩)
تحريك الأوتاد... من التوراة إلى جغرافيا الدم
لسنا بحاجة إلى وثائق سرية، ولا إلى نظريات مؤامرة فضفاضة، فالأمر مكتوبٌ في العلن، في التوراة نفسها التي لم تبقَ كما أُنزلت، ولا بقيت كما أراد لها الله، بل كما شاء العقل اليهودي المحرّف أن تكون: "وإذا دخلتَ أرضًا ليست لك، فاقتلع شعبها من جذوره... واضرب فيهم بالسيف واللعنة."
»حين تقرب من مدينة لكي تحاربها، استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك.
وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا، فحاصرها.. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف..
وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك.
هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًا، التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا، فلا تستبقِ منها نسمةً ما«.
(سفر التثنية – الإصحاح العشرون)
ثم جاء القرآن العظيم ليُرسم الصورة بإحكام: ﴿كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادًا والله لا يحب المفسدين﴾ (المائدة: 64).
ومرّت الأجيال، ولم يتغير جوهر اللعبة... هي ذاتها: تحريك الأوتاد.
في كل أرضٍ حلّوا بها، لم يطلبوا مأوى فقط... بل بدأوا بهدم خيام غيرهم.
من مصر إلى بابل، من يثرب إلى أوروبا، من فلسطين إلى نيويورك... في كل مرة، تبدأ القصة بذريعة، وتنتهي بالفوضى.
(٢٠)
هل تخريب العالم... جينات يهودية؟
قد يبدو السؤال قاسيًا... لكن التاريخ نفسه يجيب: ليس الأمر متعلقًا بدين، بل بعقيدةٍ تمّت هندستها بدقة داخل الذهنية اليهودية.
فكرة "شعب الله المختار" -للعذاب- ليست مجرد نص ديني، بل مبرر وجودي لرفض الآخر.
وهم "أرض الميعاد" لا يعني فقط فلسطين، بل أي أرض يمكن الوصول إليها وخلع وتدها.
الطقوس، التلمود، القصص، كلها تدور حول السيطرة والهيمنة والنقمة الأبدية من التاريخ والناس والإله نفسه...
فهم لا يعيشون داخل جغرافيا، بل يحيكون شبكة خيوط فوق الجميع.
إن لم يكن بالإعلام، فبالمال... وإن لم يكن بالمال، فبالتشريع... وإن لم يكن بالتشريع، فبصناعة العدو، وتحديد من هو "الشرير" و"الإرهابي" و"المعادي للسامية".
وهم، في كل مرة، لا يُمسكون بالمطرقة... بل يكتفون بتحريك الوتد... ثم يراقبون الخيمة تسقط... ويقولون: "نحن لا دخل لنا، فقط كنّا نحتمي".
(٢١)
الصهيونية: الوتد الأكثر خطورةً من إبليس نفسه
الصهيونية ليست ديانة، ولا قومية، بل مشروع إبليسي خالص، يتقن صناعة الفتن، ويعرف بالضبط أين يزرع الكلمة، وأين يغرس الشك، وأين يُشعل النار.
هي من صنعت "الشرق الأوسط الجديد" لا أمريكا وحدها، وهي من موّلت الحروب، والخرائط، والانقلابات، والشاشات التي تُبرر الخراب، وهي من حوّلت ضحيتها إلى جلّاد، وجلّادها إلى ضحية.
الصهيونية اليوم لا تحرّك وتدًا في الخفاء، بل تفعلها على مرأى الكوكب كله، تُقنّن الاحتلال، تُجرّم المقاومة، تضحك في مؤتمرات الأمم المتحدة، بينما الطائرات تُسقط خيام الأطفال في غزة، وتنشر فكرها في مناهج التعليم والإعلام، حتى بات الناس يُعيدون سرد روايتها دون أن يشعروا.
إن إبليس -إن جاز التعبير- يُفسد بأدوات خفية... أما الصهيونية، فقد تفوقت عليه، فهي تُخرّب باسم القانون، وباسم الدين، وباسم السلام.
(٢٢)
من يُثبّت الوتد في وجههم؟
سؤال أشدّ من المستحيل... لأن من يريد أن يثبت الوتد، عليه أن يكون واعيًا للعبة كلها، ألا يكرر خطابهم، ولا يردد كلماتهم، ولا يراهم بشرًا فقط، بل مشروعًا خبيثًا له جذور فكرية وسياسية ومالية متشابكة.
من يُثبّت الوتد، لا يكفي أن يكرههم، بل أن يُفكّك آلتهم، أن يفضح خطابهم، أن يخرج من أسر روايتهم، أن يُعيد تعريف العدو من جديد، لا كما ترسمه شاشاتهم.
اليهود -ومنذ بداياتهم- لم يكونوا كتلةً دينية فقط، بل عقلية تبحث عن المعركة حتى في مأمن، عن الضحية حتى في النصر، عن الوعد حتى في الكارثة.
هم لم يحتاجوا إلى إبليس... لأنهم اختاروا أن يكونوا أوتاده في الأرض، يحركونها في الظل تارة، وفي العلن تارة أخرى، ولا يعنيهم من يسقط... طالما بقيت خيمتهم فوق الجميع.
فاحذر أن تكون منهم، أو أن تُصفّق لهم، أو أن تصمت حين ترى وتدًا يُحرّك.
لأنك -إن سكت- ربما تكون الخيمة التالية التي تُهدم، فوقك... وبيدك.
ونواصل السردية الوتدية الإبليسية إن كان في العمر بقية!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عمان اليومية
منذ 4 ساعات
- عمان اليومية
جلالة السُّلطان المعظم يهنئ الرئيس التونسي
جلالة السُّلطان المعظم يهنئ الرئيس التونسي العُمانية: بعث حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - برقية تهنئة إلى فخامة الرئيس/ قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية بمناسبة ذكرى عيد الجمهورية. تضمنت تهاني جلالة السُّلطان الطيبة وأمنياته الخالصة لفخامة الرئيس بدوام التوفيق والسداد في قيادة شعب بلاده الشقيق، وتحقيق المزيد من التطلعات والإنجازات.


عمان اليومية
منذ 4 ساعات
- عمان اليومية
جلالة السلطان يعزي الرئيس الروسي ويهنئ رئيس المالديف
جلالة السلطان يعزي الرئيس الروسي ويهنئ رئيس المالديف العُمانية: بعث حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ أبقاهُ الله ـ برقيـة تعزية ومواساة إلى فخامة الرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية، في ضحايا تحطم طائرة مدنية في منطقة تيندا شرقي روسيا. أعرب جلالة السلطان المعظم فيها عن خالص تعازيه وصادق مواساته لفخامته والشعب الروسي الصديق وأسر الضحايا. كما بعث حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ برقية تهنئة إلى فخامـة الدكتور محمد مويزو رئيس جمهوريـة المالديف بمناسبة العيد الوطني لبلاده. تمنى جلالة السُّلطان خلالها لهذا البلد بقيادة فخامة الرئيس تحقيق المزيد من التقدم والازدهار والاستقرار، ولعلاقات التعاون والاستثمار بين البلدين النمو والتوسع في مختلف المجالات.


جريدة الرؤية
منذ 5 ساعات
- جريدة الرؤية
إمعان في تكريس الاحتلال.. تحدٍ صهيوني مستمر للعالم
خالد بن سالم الغساني في خطوة سياسية وإيديولوجية خطيرة تؤكد استمرار سياسات الاحتلال التوسعية، صادق الكنيست الإسرائيلي، بأغلبية ساحقة، على قرار يدعو إلى فرض 'السيادة الإسرائيلية' على الضفة الغربية وغور الأردن، معتبرًا هذه الأراضي الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من 'الوطن التاريخي المزعوم للشعب اليهودي'. ويهمنا في البداية أن نشير ونؤكد على أن هذا القرار باعتباره صادر عن سلطة احتلال غير شرعية، فإنه يفتقر إلى أي أساس قانوني بموجب القانون الدولي، ويُعد خرقًا صارخًا لقرارات الأمم المتحدة، لاسيما قراريها رقمي 242 و 2334، اللذين يؤكدان على عدم شرعية ضم الأراضي المحتلة بالقوة، كما أنه يتعارض مع اتفاقيات جنيف التي تحظر تغيير طابع الأراضي المحتلة أو نقل سكانها، ومن ناحية أخرى وبالرغم من خطورته، الا انه لا يمثل شيئاً جديداً في إطار النهج الإحتلالي الذي تمارسه سلطات الكيان المحتل التي لم تتوانى في اتخاذ إي قرار او فعل لتدعيم سلطاتها الإستيطانية على الأراضي العربية المحتلة، إلا أن دلالاته السياسية والاستراتيجية تكشف عن تصعيد متنامي وغير مسبوق في سياسات الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، بهدف تكريس الاحتلال وإجهاض أي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. يأتي هذا القرار في سياق إجماع متزايد داخل الائتلاف الحاكم اليميني المتطرف في إسرائيل، الذي يرفض بشكل قاطع حل الدولتين، ويعتبر إقامة دولة فلسطينية تهديدًا لما يسمى بـ'المستقبل الإسرائيلي'المبني إساساً على مستقبل شعبٍ شُّرد وطرد من أراضيه بالقوة، بعد أن مورست بحقه وأرضه أبشع أنواع القتل والتهجير والتدمير، من قبل كيانٍ محتل غاشمٍ وساديٍ وقح. إن ذلك يعكس محاولة أخرى واضحة لفرض أمر واقع على الأرض من خلال ترسيخ السيطرة على الضفة الغربية، مستندًا إلى مبررات إيديولوجية تربط بين أحداث عملية 'طوفان الأقصى' في 7 أكتوبر 2023، وادعاءات أمنية تُروج لضرورة اتخاذ خطوات "استراتيجية' لضمان هيمنة الاحتلال. وفي الواقع فإن هذه الخطوة ليست سوى إستمرار لسياسات الضم والتوسع الاستيطاني، التي تهدف إلى تهميش الفلسطينيين وتغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للأراضي المحتلة. إنه تحدي سافر للشرعية الدولية، كما تعودت سلطات الكيان، لكنه يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية جادة للتصدي لهذه الانتهاكات التي تسعى إلى تقويض كل فرص يمكن ان تحقق السلام العادل والشامل. إنه يُفاقم التوترات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والعمليات العسكرية اليومية في الضفة الغربية، وسياسة التجويع التي تستهدف حياة الفلسطينيين وتقتل من تبقى منهم. إن تصريحات مسؤولي الاحتلال التي تدعو إلى ضم الضفة الغربية وغزة مع تهجير الفلسطينيين الذين يرفضون الخضوع للسيادة الإسرائيلية تؤكد وتدلل على تكريس نظام فصل عنصري في الأراضي العربية المحتلة، وتنفيذ عمليات نزوح قسري واسعة النطاق. من ناحية أخرى فان هذا القرار يُشكل دعمًا مباشرًا لسياسات التوسع الاستيطاني، التي تتسارع عبر إخلاء مجتمعات الرعاة الفلسطينيين قسرًا، وتوسيع البؤر الاستيطانية، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي. هذه الإجراءات تهدف إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية، وتفتيتها إلى جيوب معزولة، مما يجعل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة مستحيلة عمليًا. كما يُضعف السلطة الفلسطينية، التي تُعاني أصلًا من أزمة شرعية داخلية بسبب الانقسام السياسي ومحدودية سلطتها تحت الاحتلال، مما يُعزز من حالة الإحباط الشعبي ويُعمق التوترات الداخلية. إن الشعب الفلسطيني الذي يواصل مقاومته الباسلة بكل الوسائل المشروعة، يجد نفسه مع هذا القرار أمام تحدٍ وجودي يتطلب منه شحذ قواه واعادة تنظيم صفوفه ورصها لتصعيد المقاومة الشعبية والمسلحة للدفاع عن أرضه وحقوقه الثابتة. وإن استمرار سلطات الاحتلال في تحدي قرارات الشرعية الدولية التي أصبحت مجرد 'أحبار على ورق' أمام تعنت الكيان الصهيوني، يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، يتطلب استجابة دولية حاسمة تتجاوز البيانات الشكلية إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل، بما في ذلك وقف الدعم العسكري والمالي، وتفعيل آليات المساءلة عبر المحكمة الجنائية الدولية. كما انه يدعوا الدول المحبة للسلام الى تعميق عزلة إسرائيل دوليًا، ودعم الحملات الشعبية وحركة المقاطعة وفرض العقوبات إن قرار الكنيست إعلان صريح لتكريس الاحتلال وإنهاء أي أمل بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني؛ ذلك انه يُغلق أبواب التسوية السياسية بشكل نهائي، ويُؤكد أن الصراع مع الاحتلال، انما هو صراع وجودي تؤكده كل ممارسات سلطات الكيان المحتل، إنه يستهدف استئصال الشعب الفلسطيني من أرضه، وفي مواجهة هذا التحدي يواصل الشعب الفلسطيني تمسكه بخياراته المشروعة، عبر المقاومة بكل أشكالها، للدفاع عن حقه في الأرض والسيادة والعودة. وعلى العالم أن يتحمل مسؤولياته التاريخية، ولا يكتفي فقط بإدانة هذه السياسات، بل انه مطالب باتخاذ إجراءات عملية لردع الاحتلال ودعم نضال الشعب الفلسطيني، ففي ظل إمعان سلطات الاحتلال في تحدي العالم، يبقى العمل على تعزيز صمود الفلسطينيين ومقاومتهم الباسلة، هو الرد الأقوى على هذا العدوان، والضمانة الحقيقية لاستمرار القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعدالة والحرية في العالم.