د. حازم الحجازين يكتب: معركة الكرامة .. ملحمة الصمود الأردني في وجه الأطماع الصهيونية
بقلم : د. حازم الحجازين
شهد التاريخ العربي الحديث العديد من المواجهات المصيرية التي شكلت محطات فاصلة في الصراع العربي-الإسرائيلي، ومن أبرزها معركة الكرامة التي وقعت في 21 مارس 1968، حيث مثلت نقطة تحول استراتيجية أعادت للأمة العربية روح الصمود بعد نكسة 1967. لم تكن هذه المعركة مجرد اشتباك عسكري عابر، بل كانت مواجهة جسدت مبدأ التوازن الاستراتيجي وأكدت أن الإرادة الوطنية قادرة على إحداث تغيير حقيقي في موازين القوى.
في أعقاب النكسة، حاولت إسرائيل فرض هيمنة إقليمية على المنطقة، واستغلت ضعف الجيوش العربية لإرسال رسائل ردع إلى القوى المناوئة لها. كان الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى تحقيق عدة أهداف من الهجوم على منطقة الكرامة، أبرزها تحطيم القوى الفدائية التي بدأت تتخذ من الأردن منطلقًا لعملياتها العسكرية، بالإضافة إلى اختبار قدرة الردع الأردني وإرسال رسالة تهديد لدول الطوق العربي.
لكن القيادة الأردنية، بقيادة الملك الحسين بن طلال، كانت مدركة لحجم الخطر الذي يهدد سيادة الأردن واستقلاله، ولذلك استعد الجيش العربي الأردني للمواجهة بروح قتالية عالية، مستخدمًا تكتيكات عسكرية قائمة على حرب الاستنزاف والتحصينات الدفاعية الذكية التي مكنته من قلب موازين المعركة لصالحه.
مع بزوغ فجر 21 مارس 1968، شنت القوات الإسرائيلية هجومًا واسعًا بمشاركة حوالي 15 ألف جندي مدعومين بأكثر من 200 دبابة ومئات الآليات المدرعة، في محاولة لاجتياح منطقة الكرامة الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الأردن. لكن ما لم يكن في حسبان القيادة الإسرائيلية هو حجم المقاومة الأردنية التي تصدت ببسالة لهذا الزحف العسكري.
رغم الفارق الكبير في التسليح، تمكن الجيش الأردني، بفضل التكتيكات الدفاعية المحسوبة، من تكبيد العدو خسائر فادحة، حيث تم تدمير أكثر من 88 آلية إسرائيلية وإسقاط عدة طائرات، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب تحت وطأة الضربات المركزة. كانت هذه أول مرة يضطر فيها الجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب من أرض المعركة دون تحقيق أهدافه، ما شكل ضربة موجعة لنظرية الأمن الإسرائيلي التي كانت تستند إلى تفوقه العسكري المطلق.
لم تقتصر نتائج معركة الكرامة على البعد العسكري فقط، بل كان لها تداعيات سياسية مهمة، حيث أعادت الثقة للجيوش العربية وأثبتت أن الاحتلال الإسرائيلي ليس قوة لا تقهر، مما مهد لاحقًا لإعادة بناء الجيوش العربية وتعزيز استراتيجياتها العسكرية. كما أنها عززت المكانة السياسية للأردن، وأكدت دوره المحوري في الصراع العربي-الإسرائيلي.
إضافة إلى ذلك، شكلت المعركة تحولًا في الفكر العسكري العربي، إذ أدركت القيادات العربية ضرورة تبني أساليب الحروب غير التقليدية لمواجهة الاحتلال، وهو ما تجلى لاحقًا في العديد من المواجهات بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي.
لا تزال معركة الكرامة حتى يومنا هذا رمزًا خالدًا في التاريخ العربي، إذ أثبتت أن الإرادة السياسية المصحوبة بالتخطيط العسكري الدقيق يمكنها التصدي لأقوى الجيوش. لقد جسدت هذه المعركة مفهوم السيادة الوطنية ورفض الإملاءات الخارجية، مؤكدة أن وحدة الصف والإعداد الجيد هما مفتاح النصر في أي مواجهة قادم
بهذا، تظل معركة الكرامة شاهدًا على قدرة الشعوب في الدفاع عن كرامتها، وتجسد درسًا سياسيًا وعسكريًا لأجيال قادمة، مفاده أن التفوق لا يكون بالسلاح وحده، بل بالعزيمة والإصرار.
المصادر والمراجع
1. الملك الحسين بن طلال، "مهنتي كملك"، دار نشر جامعة أكسفورد، 1999.
2. مركز الدراسات الاستراتيجية – الجامعة الأردنية، "معركة الكرامة: التحليل العسكري والسياسي"، عمان، 2005.
3. شمعون بيريز، "الشرق الأوسط الجديد"، دار الشروق، 1994.
4. المؤرخ محمود شيت خطاب، "الكرامة: أول انتصار عربي بعد النكسة"، بيروت، 1970.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ 12 ساعات
- الدستور
جامعة الحسين بن طلال تحتفل بعيد الاستقلال التاسع والسبعين للمملكة الأردنية الهاشمية
معان - الدستور- قاسم الخطيب تحت رعاية عطوفة محافظ معان السيد حسن الجبور وبحضور رئيس جامعة الحسين بن طلال الدكتور عاطف الخرابشة أقامت مدرسة جامعة الحسين بن طلال النموذجية، اليوم الثلاثاء، احتفالاً على مسرح عمادة شؤون الطلبة بمناسبة عيد الاستقلال التاسع والسبعين للمملكة الأردنية الهاشمية وبحضور نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية الدكتور محمد الرصاعي والفعاليات الرسمية في محافظة معان. وقال محافظ معان حسن الجبور أن هذه الاحتفالات تغرس في نفوس أبنائنا الحس والشعور الوطني والولاء والانتماء له، وأن يوم الاستقلال هو يوم تحقيق الآمال وبزوغ فجر الدولة الأردنية إذ انتزع الملك المؤسس عبد الله الأول حق شعبه في الحياة الحرة المقرونة بديمومته وهوية الدولة المستقلة. وأضاف الجبور أن الدولة الأردنية منذ نشأتها وهي تسير بنهج الهاشميين الأحرار استنادا الى شرعية دينية لا نزاع ولا خلاف عليها، وفي هذا اليوم نقف أبناء وبنات الأردن بتفاؤل نحو مستقبل مشرق، ونظرة اعتزاز وفخر بما صنعوا وانجزوا الأجداد والاباء في ظل القيادة الهاشمية رغم محدودية الموارد وقلة الإمكانيات، وفي يوم الاستقلال يستذكر الاردنيون السنوات الصعبة التي واجهت الدولة الأردنية اثناء تأسيسها وما قدموه الأردنيون من تضحيات وبطولات لينال الأردن استقلاله وحريته، وأن الأردنيون يقفون خلف قيادتهم الهاشمية في مختلف القضايا العربية والإسلامية ولعل أبرزها القضية الفلسطينية وحماية المقدسات الاسلامية هناك. وقال رئيس جامعة الحسين بن طلال الدكتور عاطف الخرابشة أن جامعة الحسين بن طلال تحتفل بذكرى عيد الاستقلال المجيد يوم تحرر القرار الوطني من قيد الانتداب، وتحقق للأردنيين حُلم الدولة الحرة المستقلة التي تنطلق إلى آفاق المجد بقيادة حكيمةٍ ملهمة هي القيادة الهاشمية، وعلى رأسها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه. وأضاف الدكتور الخرابشة ان الاستقلال الذي نحتفل به اليوم، لم يكن منحة، بل كان ثمرة نضال ووعي، وتكاتف قيادة وشعب، وواجبنا اليوم أن نحافظ عليه ونصونه بتعزيز وحدتنا، وخدمة وطننا، كلٌ في موقعه، كلٌ بحسب قدرته. كما أكد الدكتور الخرابشة ان مدرسة جامعة الحسين بن طلال النموذجية تحرص على غرس القيم الوطنية الراسخة في نفوس أبنائنا الطلبة وتُعزز فيهم الانتماء لهذا الوطن الغالي والولاء لقيادته الهاشمية، وأننا نؤمن بأن بناء الأوطان لا يكتمل إلا ببناء الإنسان وإننا في هذا الإطار نضع التعليم والتربية في صميم رؤيتنا ورسالتنا، فمدرسة الجامعة ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي بيئة متكاملة لصناعة الجيل القادر على المواجهة. من جهته قال عميد كلية العلوم التربوية الأستاذ الدكتور عبدالله الدراوشة أننا نحتفل اليوم بمناسبة عظيمة وهي مناسبة عيد استقلال الأردن الغالي وهي مناسبة سطر فيها تاريخ جديد لوطننا الغالي واستعاد فيه الأردنيون سيادتهم على أرضهم وبدأت مسيرة العمل والعطاء بقيادة الهاشميين الذين حملوا الأمانة بكل شرف واخلاص. كما أضاف الدكتور عبدالله اننا اليوم نعاهد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه بأن نكون جنوده الأوفياء ونبني ونحمي وطننا الغالي ونرتقي بالعلم ونساهم في نهضة هذا الوطن وأمنه واستقراره بجهود قواتنا المسلحة الاردنية واجهزتنا الأمنية في وطننا الغالي. واشتمل الحفل على معرض للمأكولات والملابس الشعبية، وقصائد شعرية تغنت بالوطن والقائد، وفقرات فنية قدمها طلبة مدرسة جامعة الحسين بن طلال وفرقة معان للفنون الشعبية، كما تم تكريم وتوزيع الدروع على العديد من الجهات الرسمية في محافظة معان والمشاركين في الحفل.


أخبارنا
منذ 2 أيام
- أخبارنا
محمد يونس العبادي : العهد الميمون
أخبارنا : ذكرى الاستقلال، واحدة من الأيام الوطنية التي تذكرنا بدرب صعب خاضه هذا البلد بثقة، ومر على مدار عقود ومنذ تأسيسه بتحولات كبيرة، وتجاوزها. واليوم، ونحن على أعتاب الاحتفال بعيد الاستقلال نتأمل باعتزازٍ إلى ما تحقق في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وهو العهد الميمون، إذ كرّس جلالته، حاضر الوطن، ومبادئه، بناءً على ما حققه ملوك بني هاشم، من بذل وتضحية على مدار عقودٍ من عمر وطننا العزيز. وعند الحديث عن الاستقلال، نستذكر، قرارات السيادة التي تكرست، والتي ستبقى في ذاكرة الأردنيين طويلا، مع إعلان الملك عبدالله الثاني، في تشرين الثاني من عام 2019م، إنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر، وهو قرار رسخ من قيم الاستقلال الوطني، والسيادة الأردنية، في زمن صعب بتحولاته، وفي لحظات غير مسبوقة في منطقتنا العربية. ونستحضر جهود الملك عبدالله الثاني، في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وتعزيز الوصاية الهاشمية، وأدوارها، لتبقى عنواناً للدفاع عن الأقصى، أيضا في زمن صعب صاغته عناوين معاناة غزة، والمقاربات الغائبة. كما ستذكر الأجيال كيف صاغ الأردن مقاربة إنسانية تجاه غزة، تقوم على غوثها، في وقت ضاعت فيه كل الصيغ السياسية بين مفردات الحرب والمعاناة، فوضع الأردن الإنسان صوب عينه. بالإضافة إلى سنوات الدفاع عن عروبة فلسطين، وعدالة قضيتها، والتصدي لكل محاولات النيل من الأردن، وما مررنا به من حملات تشويه من الخارج وتواطؤ نعلم خيوطه. وتتعدد مواقف البذل والعطاء الملكية، والتي لطالما عبّرت عن دورٍ وطنيٍ موصول وعميق الجذور، على مدار أكثر من مئة عام. لقد عزز ملوك بني هاشم من معاني الاستقلال، وارسلوا منجزاتٍ تصونه وتحميه، إذ تبع الاستقلال قرارات وتضحيات، من بين محطاتها: دفاع جيشنا العربي عن مقدسات فلسطين في حرب عام 1948م، والأدوار الأردنية في صون فلسطين وأرضها عبر الوحدة التي تكرّست عام 1951م. وفي عهد الملك الحسين بن طلال، تعززت المؤسسات، وعربت قيادة الجيش العربي، وخاضت وحداته معركة الكرامة، في لحظة عربية صعبة، أسست لما بعدها، وهي أدوار موصولة منذ عهد الملك طلال بن عبدالله الذي عمل على وضع الدستور الذي عزز من الدولة ومؤسساتها. وبالعودة إلى مسيرة وطننا، ولحظة إعلان الاستقلال عام 1946م، فإننا نقف أمام تاريخ ممتد يعبر عن أدوار موصولة، فمسيرة الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين، كانت امتداداً لمشروع النهضة العربية الكبرى، والمشروع النهضوي الهاشمي في المشرق العربي، إذ إنّ تأسيس الأردن المعاصر، جاء في لحظة كانت فيها المناخات السياسية، تعيش لحظات عصر القوميات والتنوير في العالم وتدعو إلى الوحدة، وكان شعور سكان وأهالي المشرق العربي، ينزع إلى التفكير في مصير بلدانهم من خلال التحرر من الانتداب، وما فرضه عليهم من نظم، بالإضافة إلى أنّ مصير المشرق العربي يتقرر من قبل أهاليه، وشعوبه، وقادته. لقد آمن الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، بأهمية استقلال القرار العربي، وهذا ما يمكن قراءته من خلال أحاديثه عن الثورة العربية الكبرى الذي كان أحد أركانها، بأنها كانت علامة على أنّ "الأمة العربية ابتدأت تتحمل مسؤولياتها بنفسها، وتسعى لإنقاذ حريتها واستقلالها بسلاحها، وجهاد بنيها". وعلى مدار أكثر من ربع قرن سبقت إعلان الاستقلال، كان الملك المؤسس، يثبت أركان وطنٍ قادرٍ على صون رسالته، مؤمن بمقدرة أبنائه على أن يكونوا الرصيد لأمتهم. فالملك المؤسس، آمن بالإنسان العربي، ودوره في القرارات المصيرية، لذا جاء إعلان الاستقلال في وطننا، من خلال البلديات، وهي أقدم المؤسسات الأهلية المنتخبة، حيث رفعت، مع مطلع شهر أيار، بلديات: عمّان، جرش، عجلون، الكرك، السلط، مأدبا، كفرنجة، إربد، الرمثا، المفرق، الحصن، معمان، الطفيلة، الزرقاء؛ قرارات لرئيس الوزراء، وللمجلس التشريعي مطالبةً بإعلان الاستقلال. وليتخذ المجلس التشريعي الأردن القرار بعدها، ويوشّح بالتوقيع السامي كأول إرادة ملكية تصدر عن الملك المؤسس عبدالله بن الحسين. إنّ قيم تاريخنا الوطني، تعززت على مدار عقود، حتى صاغت حاضراً أردنياً يعتز بأصالة أدواره، ومنجزاته، وقيم إنسانه خلال عهود ملوك بني هاشم. وقد علمتنا السنوات في هذا الوطن كثيرا، وكلما انتهينا من منعطف وعبرنا آخر أدركنا أن هذا البلد فيه الكثير من الخير، وأنه كالحق.. قوي ورسالته الأصدق.ً ــ الراي


خبرني
منذ 2 أيام
- خبرني
الذكرى العاشرة لرحيل وزير المالية الأسبق اللواء الركن فهد جرادات
خبرني - تصادف في التاسع عشر من أيار، الذكرى العاشرة لرحيل اللواء الركن المتقاعد المرحوم بإذنه تعالى فهد محمد الموسى جرادات وزير المالية الأسبق، وأول قائد للجيش الشعبي في الأردن بعد أحداث 70 . وكان فهد باشا جرادات ( أبو سمير ) أحد رموز مرحلة وطنية مفصلية ، خلال أحداث 1970، وكان شاهدا على مفاصل مهمة عاشها الأردن ، حيث عين في الحكومة العسكرية التي اعلنت الاحكام العرفية في البلاد ، وتعيين المشير حابس المجالي حاكما عسكريا عاما للمملكة ، ونفذ الجيش الأردني تحت القيادة السياسية للشهيد وصفي التل وضباط الجيش عمليات أمنية لوضع نهاية لوجود المنظمات في الأردن . ومعالي اللواء الركن المرحوم صاحب الرقم العسكري ( 562 ) ، حاصل على بكالوريوس في العلوم العسكرية، وشهادة الثانوية في المدرسة الأمريكية في لبنان- وإلتحق بالقوات المسلحة الاردنية عام 1948، وشارك بجميع الحروب التي خاضها الجيش العربي الأردني .. حرب عام 1967 ..وكان الى جوار المقاتلين في معركة الكرامة البطولية في 21 آذار 1968 .. وحرب الاستنزاف مع العدو الصهيوني 68 .. والباشا جرادات (1930 - 2015 ) حاصل على : وسام الاستقلال من الدرجة الأولى والثانية والثالثة ،ووسام الكوكب من الدرجة الثالثة، ووسام العمليات الحربية بفلسطين، وشارة الخدمة المخلصة ،كما شارك في العديد من دورات العسكرية والتخطيط الحربي في المعاهد العسكرية البريطانية والأمريكية والباكستانية.