
تحليل لهآرتس عن تحقيقات 7 أكتوبر: حماس تفوقت على الجيش الإسرائيلي
سلط تحليل جديد لصحيفة هآرتس نشر اليوم الثلاثاء الضوء على من سلسلة من الإخفاقات الفادحة التي عانى منها الجيش الإسرائيلي في تصديه لهجوم " طوفان الأقصى" الذي شنته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
واستند التحليل الذي كتبه المحلل العسكري للصحيفة عاموس هرئيل على التحقيقات الجزئية التي أجراها ضباط نظاميون واحتياطيون برتب تتراوح بين عقيد ومقدم في جيش الاحتلال.
وخلص إلى أن هذه التحقيقات كشفت عن سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية التي أدت إلى واحدة من أسوأ الهزائم العسكرية في تاريخ إسرائيل، وأظهرت صورة قاتمة لتراجع المعايير الأمنية والإجراءات الدفاعية على طول حدود غزة.
انهيار سريع للخطوط الأمامية
ويرى هرئيل أن الهجمات التي نفذتها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على كيبوتس كفار غزة ومعسكر نحال عوز، والتي أدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف الإسرائيليين، فضلاً عن عمليات الأسر الواسعة "تدل على أن الإخفاقات لم تكن فقط نتيجة عنصر المفاجأة، بل كانت متجذرة في تراجع الالتزام بالإجراءات العسكرية الأساسية، مما أدى إلى انهيار سريع للخطوط الدفاعية الإسرائيلية".
ويكشف المحلل العسكري أن حماس استغلت ضعف الجاهزية العسكرية للجيش الإسرائيلي على الحدود، حيث تسببت الهجمات المتزامنة في شل قدرات الوحدات المدافعة في الساعات الأولى، حيث عانت المستوطنات والمواقع العسكرية من نقص في القوات المدربة والجاهزة للرد على الهجوم.
"فعلى سبيل المثال، في كيبوتس كفار غزة، واجه 14 مقاتلاً من قوة الطوارئ هجومًا شرسًا من 250 مقاتلًا فلسطينيًا، مما أدى إلى مقتل نصف المدافعين في الساعات الأولى. ولم يكن هناك أي جندي إسرائيلي في الخدمة الفعلية داخل الكيبوتس وقت الهجوم، باستثناء العميد يسرائيل شومر، الذي كان في منزله بدون سلاح واضطر إلى القتال بسكين مطبخ قبل أن يحصل لاحقًا على سلاح من أحد القتلى".
أما في معسكر نحال عوز العسكري، فيقول المحلل العسكري إن "الصورة كانت الصورة أكثر قتامة، على الرغم من وجود حوالي 90 جنديًا مسلحًا، معظمهم من كتيبة جولاني الثالثة عشرة".
وتشير التحقيقات التي أجراها الجيش الإسرائيلي إلى أن "حماس أدركت أن المعسكر يشكل مركز ثقل حيوي في تشكيل جيش الدفاع الإسرائيلي، ولذلك خصص مخططو الجناح العسكري لحماس 15 دقيقة بين عبور الحاجز في السياج والوصول إلى الأسوار العالية المحيطة بالمعسكر، وتمسكوا بخطتهم، حتى انهار المعسكر بالكامل".
ويقول إن "الإعداد الدفاعي كان ضعيفًا، مقابل حماس، التي تدربت لسنوات على السيطرة على المخيم، ونجحت في اختراق الدفاعات بسهولة نسبية، وقامت بإطلاق مئات الصواريخ وقذائف الهاون في الدقائق الأولى من الهجوم، مما أدى إلى تفاقم حالة الشلل التي عانت منها القوات الإسرائيلية.
تفوق تكتيكي لحماس
ويسلط هرئيل الضوء على أن التحقيقات أظهرت أن حماس لم تكتفِ بالمفاجأة العسكرية، بل نجحت في فرض تفوق تكتيكي عبر تنسيق محكم بين وحداتها، حيث تمكنت من استغلال نقاط الضعف في البنية الدفاعية الإسرائيلية.
فمثلاً، في معسكر نحال عوز، الذي كان يضم نحو 90 جنديًا من كتيبة جولاني الثالثة عشرة، استطاعت المقاومة اختراق الدفاعات بسبب تصميم الجدران التي احتوت على نقاط ضعف مكشوفة.
ويعتبر أيضا أن "تدريب حماس الطويل على السيطرة على المخيمات العسكرية كان عاملاً حاسمًا، إذ أنشأت نموذجًا مصغرًا لمعسكر نحال عوز لتدريب مقاتليها على الهجوم، وهو ما ساعدهم على تنفيذه بدقة. وعند بدء الهجوم، أطلقت المقاومة مئات الصواريخ وقذائف الهاون، مما شل قدرات الجيش الدفاعية ودفع العديد من الجنود إلى الاختباء، متجاهلين خطر الهجوم البري القادم من الغرب".
ويكشف هرئيل أن حماس كانت قد خططت مسبقًا لإعاقة أي تعزيزات عسكرية إسرائيلية عبر نشر كمائن على الطرق المؤدية إلى المستوطنات المستهدفة، مما أبطأ بشكل كبير من وصول القوات الإسرائيلية لمناطق الاشتباك.
وبحلول الوقت الذي تمكنت فيه هذه القوات من التدخل، كانت المقاومة الفلسطينية قد أنجزت معظم أهدافها، سواء في القتل أو الأسر أو تدمير المواقع العسكرية.
ويعتبر التحليل العسكري أن "حماس أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات معقدة ومتعددة الجوانب، وهو ما يشير إلى تطور نوعي في قدراتها العسكرية والتخطيطية".
غياب التحذير الاستخباراتي
وتشير التحقيقات إلى أن الجيش الإسرائيلي كان على علم ببعض المؤشرات التحذيرية قبل الهجوم، لكن لم يتم التعامل معها بجدية. فقد كانت هناك تقارير استخباراتية عن نشاط غير معتاد على حدود غزة، لكن القيادات العسكرية لم تولها الاهتمام الكافي، ولم يتم تمريرها إلى الوحدات المنتشرة في الميدان.
ويكشف تحليل هآرتس أن أنظمة القيادة والسيطرة انهارت بالكامل في اللحظات الحاسمة، مما جعل التنسيق بين الوحدات شبه مستحيل، كما يؤكد أن فرقة غزة العسكرية تم تحييدها عمليًا خلال أول ساعتين من الهجوم، مما جعل القوات الميدانية في وضع حرج من حيث القدرة على التنظيم والرد.
عوضا عن ذلك، يظهر تحليل أداء الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم أن الفشل لم يكن محصورًا في ساحة المعركة فقط، بل كان نتيجة تراكم طويل من الإهمال في الاستعدادات الدفاعية.
وكانت هناك ثغرات كبيرة في التجهيزات العسكرية، حيث لم تكن الوحدات تمتلك مخزونًا كافيًا من القنابل اليدوية، والصواريخ المضادة للدبابات، والأسلحة الرشاشة اللازمة لصد هجوم واسع النطاق.
ويقرر المحلل العسكري أن هذا التحقيق هو من بين أكثر التقارير العسكرية الإسرائيلية صراحةً في الإقرار بحجم الإخفاقات التي واجهها الجيش الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2003، "فقد أبرزت النتائج أن الجيش لم يكن مستعدًا لمثل هذا النوع من الهجمات المنسقة، وأن ثقافة الاستهتار والتهاون في الالتزام بالإجراءات العسكرية كانت أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى هذه الكارثة".
ويخلص هرئيل إلى وجود تراجع مهم في قدرات الجيش الإسرائيلي من خلال إيراد شهادة أحد المحققين، والذي قال "لقد نسينا في الجيش الإسرائيلي كيف ندافع"، ويعتبر أن هذا التراجع كان واضحًا بشكل خاص على حدود غزة، حيث أدى بناء الحاجز تحت الأرض ضد الأنفاق إلى غرس ثقة مفرطة في القادة، مما أدى إلى الاعتقاد بأن الحدود أصبحت منيعة تقريبًا.
ويضيف أن التحقيقات أظهرت أيضًا أن القوات لم تكن مستعدة لسيناريو متطرف، حيث يقتحم أكثر من 5 آلاف مسلح أكثر من مائة نقطة إسرائيلية على حدود غزة.
ويقول "حتى عندما بدأت الكارثة تتكشف أمام أعينهم، واجه القادة صعوبة في تصور الأسوأ الذي كان ينتظرهم".
ويختم التحليل بالتأكيد على أن القيادة العسكرية الإسرائيلية تواجه الآن تحديًا كبيرًا في إعادة بناء الثقة داخل الجيش وبين الجمهور الإسرائيلي بعد أن كشفت التحقيقات المستمرة المزيد من التفاصيل الصادمة عن مدى هشاشة البنية الدفاعية على حدود غزة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
محللون: لهذه الأسباب لن تنجح خطة الاحتلال لتوزيع المساعدات بغزة
شكك محللون وخبراء تحدثوا لبرنامج "مسار الأحداث" في أهداف الآلية الإسرائيلية المدعومة أميركيا لتوزيع المساعدات في قطاع غزة ، وقالوا إنها تثير أسئلة قانونية وأخلاقية، واستبعدوا نجاحها بسبب قضية التمويل. فبعد يومين على سماحها بإدخال مساعدات محدودة إلى قطاع غزة، تحاول الحكومة الإسرائيلية فرض نموذج جديد لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة من خلال مؤسسة تحمل اسم " مؤسسة المساعدات الإنسانية لغزة" تعمل بالتنسيق مع شركتين أميركيتين خاصتين في مجالَي الأمن واللوجستيات. وتسعى حكومة بنيامين نتنياهو لإعادة صياغة العمل الإغاثي بما يخدم أهدافها الأمنية والعسكرية وتحقيق خطتها الرامية لتقويض العمل الإغاثي الذي تقدّمه المنظمات الأممية، خاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). تهجير وقال الباحث والناشط في العمل الإنساني الدكتور عثمان الصمادي إن إبعاد الاحتلال الإسرائيلي للمنظمات الإغاثية الأممية وغيرها من المنظمات يدعو للتساؤل حول الأهداف غير المعلنة لما تسمى "مؤسسة المساعدات الإنسانية لغزة"، مشيرا إلى أن تمركز هذه المنظمة في جنوب قطاع غزة يثير أسئلة قانونية وأخلاقية، لأن اتفاقية جنيف الرابعة تتحدث عن إدخال المساعدات لجميع السكان. واعتبر أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي هو مخالفة صريحة لكل القوانين الدولية، محذرا من خطورة خطته على حياة الغزيين الذين يتعرضون لحملة تجويع تؤدي إلى وفيات كثيرة. ومن جهته، يرى الأكاديمي والخبير بالشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى أن الهدف الأساسي للاحتلال هو محاولة تجميع الغزيين في مناطق جنوب القطاع لتهجيرهم، وهي الخطة التي قال إن التفكير فيها كان قد بدأ مع ما تسمى "خطة الجنرالات"، والهدف الآخر هو محاولة إضعاف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي يزعم الاحتلال إنها تستولي على جزء من المساعدات. أما الأهداف الأخرى -يضيف مصطفى- فتتعلق بسعي الاحتلال لتدمير البنى التحتية الفلسطينية ومنع إنشاء لجان يمكنها توزيع المساعدات، بالإضافة إلى سعيه لهدم أي كينونة اجتماعية في غزة، لافتا إلى أن الخطة الإسرائيلية مبنية على تفتيت وتشتيت المجتمع الفلسطيني. وحسب الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا، فإن الاحتلال الإسرائيلي يهدف إلى عسكرة المساعدات الإنسانية من خلال إنشاء مؤسسة يسيطر عليها، لتصبح عملية توزيع المساعدات تسير بالموازاة مع العملية العسكرية التي يشنها على قطاع غزة، وهو ما سيخفف عن إسرائيل -بحسب رأيها- الضغط الذي يمارسه عليها المجتمع لدولي بسبب المعاناة الإنسانية للغزيين. كذلك يهدف الاحتلال الإسرائيلي من خلال آليته لتوزيع المساعدات -يتابع العميد حنا- إلى جمع المعلومات عن الفلسطينيين الذين سيذهبون لتلقي المساعدات كما فعل في الفترات السابقة عبر برامج الذكاء الاصطناعي. وحول مدى نجاح الآلية الإسرائيلية الأميركية لتوزيع المساعدات، أشار الخبير بالشؤون الإسرائيلية الدكتور مصطفى إلى أن التمويل يشكل التحدي الأكبر لتل أبيب، لا سيما أنها لا تريد تمويل أي مساعدات إنسانية لغزة، كما أن الأوروبيين رفضوا تقديم أي تمويل، ورجح أن تفشل خطة الاحتلال لهذا السبب وتكون ضربة مرتدة عليه. إعلان غير أن الباحث والناشط في العمل الإنساني الدكتور الصمادي قال إن إسرائيل هي الطفل المدلل للولايات المتحدة، وإن هذه الأخيرة ربما تقرر إرسال الغذاء للغزيين بدل إرسال الأسلحة لإسرائيل كي تقتلهم. ويذكر أن عدة أطراف رفضت التعامل مع الآلية الإسرائيلية المدعومة أميركيا، فقد استبعد المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني نجاح الخطة، وقال "يبدو أن خطة المساعدات الإنسانية الجديدة في غزة وُضعت لهدف عسكري أكثر منه إنساني". كما قالت منظمات المجتمع المدني والأهلي في القطاع إنه لا توجد هيئة محلية أو مؤسسة فلسطينية ودولية واحدة مستعدة للتعامل مع آلية المساعدات الجديدة ذات الطابع الأمني، التي تكرس مفهوم الغذاء مقابل الوصاية الأمنية. وأوائل أبريل/نيسان الماضي، اقترحت إسرائيل "آلية منظمة للمراقبة ودخول المساعدات" إلى غزة، لكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش سرعان ما رفضها، وقال إنها تهدد "بمزيد من القيود على المساعدات والسيطرة على كل سعرة حرارية وحبة دقيق".


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
"نعم للترانسفير".. انهيار الديمقراطية وصعود خطاب الإبادة الدينية بإسرائيل
القدس المحتلة- قبل عقدين من الزمن، وضع الحاخام يتسحاق غينزبورغ، الأب الروحي لحركة " شبيبة التلال" الاستيطانية، تصورا أيديولوجيا يسعى إلى تقويض النظام الديمقراطي في إسرائيل، وإقامة حكم ديني يستند إلى تفوق اليهود على كامل أرض فلسطين التاريخية، وتهجير الفلسطينيين بالقوة. الآن، وبعد " طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتصاعد نفوذ التيار الديني القومي المتطرف داخل إسرائيل، يبدو أن هذه الرؤية أصبحت أقرب من أي وقت مضى إلى التحقق، وفق ما كشفه تحقيق موسع نشرته صحيفة هآرتس. ويشير التحقيق إلى أن التحولات التي شهدتها إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 تعكس تقدما ملحوظا في تنفيذ مشروع إقصائي متطرف، تتجلى ملامحه في مختلف مؤسسات الدولة. ففي المشهد الإعلامي، تخلَّت المؤسسات الإسرائيلية عن مبادئ "التوازن المهني"، وتبنت خطابًا تحريضيًا قائمًا على الانتقام، مما رسخ مشاعر الكراهية والتحريض على العنف. في حين لعب القضاء دورا فعالا في إضفاء الشرعية القانونية على سياسات حرب الإبادة في غزة ، إذ صادق قضاة -ينتمي بعضهم إلى المستوطنين وتيار الصهيونية الدينية- على قرارات تمنع إدخال المساعدات الإنسانية، وذهبوا إلى حد وصف العدوان بأنه "حرب توراتية". وفي قطاع التعليم، تزايدت مؤشرات التوجه نحو خطاب قومي ديني متشدد، ويتم فصل المعلمين الداعين إلى المساواة، ويلقن الطلاب مفاهيم تقوم على التطهير العرقي وتبرير الإبادة الجماعية. وأعد التحقيق شاي حيزكاني، أستاذ التاريخ والدراسات اليهودية في جامعة ميريلاند، وتامير سوريك، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية بنسلفانيا، ويتكامل عمل الباحثين في هذا التحقيق ليقدما قراءة جديدة ومتكاملة لحقبة مفصلية من التاريخ الفلسطيني، تجمع بين التحليل الوثائقي والتأريخ. واعتمد التحقيق على استطلاع رأي أُجري في مارس/آذار الماضي، لصالح جامعة ولاية بنسلفانيا، وشمل عينة تمثيلية من 1005 يهود إسرائيليين، وأظهرت النتائج تحولا مقلقا نحو دعم خطاب ديني متطرف يدعو إلى التهجير والعنف الجماعي ضد الفلسطينيين. وحسب نتائج الاستطلاع، فإن 82% من المشاركين أيدوا الترحيل القسري لسكان قطاع غزة، و56% أيدوا طرد الفلسطينيين من داخل أراضي 1948 ، و47% وافقوا على تكرار ما تعرف بـ"مجزرة أريحا التوراتية" عبر تنفيذ إبادة جماعية عند اقتحام المدن الفلسطينية. ويظهر الاستطلاع أن 65% قالوا إن هناك "تجسيدا معاصرا" للعدو التوراتي المعروف بـ"العماليق"، و93% من هؤلاء أكدوا أن وصية "محو العماليق" لا تزال سارية حتى اليوم. ولم يكن خطاب الحاخام غينزبورغ منذ البداية تنظيريا فقط، فمنذ عام 2005، دعا علنا إلى تفكيك ما سماها "قشور الدولة"، أي المؤسسات العلمانية الإسرائيلية، باعتبارها عوائق أمام تطور "الشعب اليهودي" في أرضه. واستلهم غينزبورغ من "القبلانية" (القبالة)، وهي معتقدات وشروحات روحانية فلسفية تفسر الحياة والكون والربانيات، تصنيفا روحانيا يقسم الدولة إلى 4 "قشور" أو طبقات يجب كسرها، وهي الإعلام، والقضاء، والحكومة، والجيش. إعلان ويؤمن أن الثلاثة الأولى يجب تدميرها بالكامل، أما الجيش، فهو "قشرة صالحة للأكل"، يمكن إصلاحه عبر التخلص من "القيم غير اليهودية" التي تمنعه من ممارسة القتل وفق التوراة. وقدم غينزبورغ مبررات دينية واضحة للقتل الجماعي، مشيدا بمرتكبي مذابح مثل باروخ غولدشتاين ، الذي نفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل. واعتبر أن الوقت قد حان لظهور "كسارة البندق"، وهو شخص يهودي بسيط تقوده رغبة بدائية في الانتقام، غير مقيد بالقيم الأخلاقية أو القوانين، سينفذ إبادة كاملة بحق غير اليهود، وخاصة الفلسطينيين. خطاب التطرف وبالنسبة للحاخام غينزبورغ، جاءت لحظة " السابع من أكتوبر/تشرين الأول" لتكون فرصة تاريخية لتسريع تنفيذ رؤيته، ففي إحدى نشراته بعد الهجوم، كتب أن "وحشية العماليق" تستوجب إبادة كاملة دون تردد، بل واعتبر أن التضحية بالأسرى الإسرائيليين في غزة ثمن مقبول في سبيل تحقيق "النصر الكامل". ويبدو أن أفكاره لم تعد محصورة في الهامش، فقد أظهر استطلاع مارس/آذار 2024 أن النسبة الداعمة للتطهير العرقي والإبادة ارتفعت بشكل حاد، مقارنة بعام 2003 حين أيد 45% فقط ترحيل سكان غزة، و31% طرد الفلسطينيين في الداخل. وتعكس نتائج استطلاعات الرأي -يقول سوريك- "هذا التوجه المتصاعد الداعم للترانسفير والإبادة"، إذ يظهر الجيل الشاب في إسرائيل دعما أكبر لسياسات التهجير الجماعي والعنف ضد الفلسطينيين، مقارنة بجيل آبائهم، وتعكس هذه المعطيات تصاعد النزعة الفاشية داخل المجتمع الإسرائيلي، وانتقالها من هامش الخطاب إلى صلب السياسات الرسمية والمؤسساتية. واللافت أكثر، يضيف سوريك "هو تغلغل هذا الخطاب المتطرف حتى بين الإسرائيليين العلمانيين"، إذ أيد 69% من العلمانيين -حسب الاستطلاع- الترحيل الجماعي لسكان غزة، و31% أيدوا الإبادة الجماعية استنادا إلى رواية أريحا التوراتية. وهذا يعكس، بحسب سوريك، غياب بديل حقيقي داخل التيار العلماني للصهيونية المسيحانية، إذ لم يقدم التيار العلماني منظومة متماسكة قائمة على حقوق الإنسان بوصفها خيارا بديلا، فبات الخطاب الديني المتطرف هو المهيمن، حتى على الفئات التي يفترض بها مقاومته. واستعرض التحقيق كيف تهاوت القشور الأربع؛ حيث تخلَّى الإعلام عن المهنية واحتضن خطاب الانتقام والطرد، والقضاء تحوَّل إلى أداة شرعنة للعنف. أما الجيش، فتم اختراقه أيديولوجيا، وأغلب المجندين لم يرفضوا سياسات القتل والطرد، فقط 9% من الرجال تحت سن 40 رفضوا هذه الأفكار. وشهد التعليم تحولًا جذريا في العقدين الأخيرين، مع تزايد تأييد التطهير العرقي لدى خريجي المدارس، إذ أيد 66% ممن هم تحت 40 عاما طرد الفلسطينيين من الداخل. ولا تقتصر رؤية غينزبورغ على الهيمنة الدينية بل تسعى إلى هدم فكرة الدولة ذاتها، إذ صرح بأنه "تجب الإطاحة بأي حكومة، حتى تلك التي تقام وفق التوراة، في حال لم تخدم هذا المشروع". ويبدو أن الانقسامات السياسية، وتكرار الانتخابات، وتراجع سلطة القانون، كلها تصب في اتجاه تحقيق هذه الرؤية. والتحول الأخير ليس مجرد رد فعل على "العنف" الفلسطيني أو هجوم حماس ، يقول شاي حيزكاني، "بل نتيجة تراكمات عقود من تغذية الفكر الاستيطاني في المناهج والإعلام والنظام السياسي والصهيونية، باعتبارها حركة استعمار استيطاني، تنطوي في جوهرها على إمكانية التطهير العرقي والإبادة"، كما حدث بتجارب استيطانية أخرى حول العالم. ورغم خطورة هذا المسار -يتابع حيزكاني- فإنه ليس حتميا، وإن وقف انزلاق إسرائيل نحو نظام أبارتايد ديني "يتطلب رفضا كاملا لمبدأ التفوق اليهودي، سواء أكان دينيا أو علمانيا، وإعادة تخيل الهوية الإسرائيلية بوصفها هوية قائمة على المساواة بين البحر والنهر، وليس على الامتياز الديني والعرقي".


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
خبير عسكري: جيش الاحتلال يسعى عبر خطته العسكرية لتغيير هندسة قطاع غزة
قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يسعى ضمن خططه العسكرية للمرحلة القادمة إلى تغيير هندسة قطاع غزة والاستيلاء عليه لمنع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمقاومة الفلسطينية من السيطرة على القطاع. ووصف الخطط الإسرائيلية بأنها لعبة كبيرة في المرحلة القادمة. وكان تقرير نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" في وقت سابق كشف عن خطة الجيش الإسرائيلي لتقسيم قطاع غزة إلى 5 أجزاء والسيطرة على نحو 70% إلى 75% منه خلال الأشهر الثلاثة القادمة، وذلك ضمن عملية عسكرية موسعة تقودها 5 فرق قتالية. وعن دلالات إدخال لواء المظليين إلى غزة، أوضح العميد حنا أن هذا اللواء يتبع الفرقة 98، وقد جاء به جيش الاحتلال من الشمال وتم تجميعه مع الوحدات الخاصة والألوية المهمة مثل لواء غولاني لتنفيذ عمليات معينة في القطاع، مشيرا إلى أن جيش الاحتلال يعتمد في خطته العسكرية على الاحتلال والبقاء والتأمين، تحضيرا لما يسمى توزيع "المساعدات الإنسانية". وكشف تحقيق لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن مشروع آلية المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، المدعوم من الولايات المتحدة، سينفذ عن طريق منظمة تُدعى" مؤسسة غزة الإنسانية"، ووفقا للخطة، سيعيش الفلسطينيون في مجمعات سكنية محمية، قد يستوعب كل منها عشرات الآلاف من المدنيين. وقال العميد حنا إن" واشنطن بوست " تحدثت عن شركات خاصة أمنية ستحمي ما أسماها الفقاعات المدنية في غزة، في 3 مناطق في الجنوب وفي الوسط وفي الشمال، مشيرا إلى وجود مشكلة تتعلق باحتمال أن يقوم جيش الاحتلال باعتقال أشخاص وعائلات فلسطينية بزعم الحفاظ على الأمن. وصاية أمنية واستبعد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) فيليب لازاريني نجاح خطة المساعدات الإنسانية الجديدة في قطاع غزة، كما قالت منظمات المجتمع المدني والأهلي في القطاع إنه لا توجد هيئة محلية أو مؤسسة فلسطينية ودولية واحدة مستعدة للتعامل مع آلية المساعدات الأميركية الجديدة ذات الطابع الأمني، التي تكرس مفهوم الغذاء مقابل الوصاية الأمنية. ومنذ مدة، تروج تل أبيب وواشنطن لتوزيع المساعدات بطريقة تستهدف إفراغ شمال القطاع من سكانه الفلسطينيين، عبر تحويل مدينة رفح (جنوب) إلى مركز رئيس لتوزيع الإغاثة، وجلب طالبي المساعدات إليها. ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، مما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.