logo
تقرير لصوص المساعدات.. "أعوان" للاحتلال

تقرير لصوص المساعدات.. "أعوان" للاحتلال

غزة/ عبد الله التركماني:
في شارع جانبي من منطقة المشتل في حي النصر غرب مدينة غزة، جلست أم ناصر غاضبة تبكي بصمت، بينما كانت تخلط آخر ما تبقى لديها من الطحين بالماء، لتصنع وجبة خالية من الطعم تسكت بها صراخ أطفالها الجائعين.
أم ناصر، أرملة نازحة من بيت لاهيا شمال قطاع غزة، فقدت منزلها في قصف إسرائيلي قبل خمسة أشهر، واضطرت إلى الفرار مع أطفالها الخمسة. تعيش اليوم في خيمة غرب غزة، مصنوعة من قماش أبيض تمزق نصفه بفعل الرياح.
تقول أم ناصر لصحيفة "فلسطين": "إن ناهبي المساعدات لم يتركوا لنا فرصة للحياة، ولم يمنحوا أطفالي أملاً بالشعور بالشبع".
وتتابع: "في السوق، يُباع كيلو الطحين بمئة وخمسين شيكلًا! من أين لي بهذا المبلغ؟" تقول ذلك وهي تحتضن صغيرتها التي فقدت الكثير من وزنها.
داخل الخيمة، لا توجد ثلاجة ولا غاز ولا حتى موقد بدائي، بل علبة معدنية توقدها ببقايا الكرتون وأكياس النايلون التي تجمعها من الشوارع. وتقول: "أطهو على الحطب، والدخان يملأ صدور أولادي، لكن ماذا أفعل؟ لا وسيلة نار غير هذه".
في اليوم السابق، سمعت أم ناصر من جيرانها أن قافلة مساعدات دخلت من منطقة زكيم شمال قطاع غزة، فحملت أصغر أطفالها على كتفها، وأمسكت بيد ابنها الأكبر، وسارت مسافة كيلومترين تحت الشمس الحارقة، على أمل الحصول على طحين أو عدس أو حتى حفنة من الأرز.
وتقول: "وصلنا والناس كانوا يتزاحمون، لكن لم يكن هناك شيء. قالوا إن الشاحنات لم تصل. قالوا إنها سُرقت في الطريق. بكيت وصرخت، لكن لم يرد عليّ أحد. عدت إلى خيمتي خاوية اليدين، وقلبي مكسور".
وتتّهم أم ناصر اللصوص بأنهم "يتقاسمون المسؤولية الأساسية عن مجاعتنا مع الاحتلال، فهم أعوان للاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر".
أطفال أم ناصر فقدوا الكثير من الوزن، وبات جلدهم يلتصق بعظامهم. وتقول: "صغيرتي تبلغ من العمر أربع سنوات، ولم تعد قادرة على الوقوف أو المشي، من شدة الجوع والضعف. الأطباء قالوا إنها بحاجة إلى غذاء غني بالبروتين، حليب، وبيض، لكننا حتى الماء نغليه ثلاث مرات لنشربه".
وتشير إلى أنها لم تتلقّ أي حصة إغاثية منذ شهر مارس الماضي، رغم تسجيل اسمها ثلاث مرات لدى لجان ومؤسسات مختلفة.
وتختم حديثها قائلة: "أحيانًا أتمنى ألا يأتي الليل، حتى لا أسمعهم يبكون وهم نائمون... لكن أكثر ما يُحطمني، أنني لا أملك ما أقدّمه لهم... ولا حتى كذبة أمل".
جحيم الأسعار
بلال غريب (42 عامًا)، نازح من مدينة غزة ويقيم في خيمة بمخيم النصيرات، يقول لصحيفة "فلسطين": "نحن نعيش في جحيم حقيقي. الأسعار نار، والمساعدات تُسرق على الطرقات. كيس الطحين الذي كان يُوزع مجانًا أصبح اليوم يُباع في السوق وكأنه سلعة نادرة. وصل سعر الكيلو الواحد إلى 150 شيكل! كيف يمكن لربّ أسرة فقير أن يؤمّن هذا لأطفاله؟".
يتحدث غريب بينما كان يطحن بعض الأرز والمعكرونة في محاولة لصنع دقيق لإعداد الخبز: "نتناول وجبة واحدة يوميًا، وأحيانًا لا شيء. أطفالي ينامون وهم يبكون من الجوع، وأنا أقف عاجزًا. ما ذنبي؟ وما ذنبهم؟".
يتهم غريب سرقة المساعدات بأنها السبب الأول وراء هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار، ويقول: "ما يحدث ليس صدفة. هناك من يتعمد ترك المساعدات تُنهب وتُباع. إسرائيل لا توفّر الحماية لشاحنات الإغاثة، وتتركها في العراء ليعترضها من يشاء. كأنهم يريدون لهذه الفوضى أن تستمر، وللفقراء أن يتقاتلوا على فتات الخبز".
ويضيف بغضب مكبوت: "كيف تدخل الشاحنات، ثم تختفي قبل أن تصل إلى المخازن أو مراكز التوزيع؟ من المستفيد؟ نحن نعلم أن هناك من ينسّق على أعلى المستويات كي تُترك هذه الشاحنات بلا حماية، ويُفتح الباب أمام اللصوص".
هندسة التجويع
فيما يقول الشاب محمود السوسي (29 عامًا)، المقيم في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، لصحيفة "فلسطين": "قبل يومين، حصلت على مساعدة غذائية من مؤسسة غزة الإنسانية، لكن ما شاهدته خلال عملية التوزيع كان أقرب إلى الفوضى التامة منه إلى عمل إغاثي منظم. كان الصراخ يعلو، والازدحام خانق، والناس تدفع بعضها البعض تحت الشمس الحارقة، ومعظم من أتى لطلب المساعدة هم اللصوص".
ويتابع: "المؤلم أنني لاحظت تكرار وجود نفس الأشخاص في كل عملية توزيع. شباب أقوياء يبدو عليهم كعصابات ويأخذون كميات كبيرة من المساعدات أمام أعين الجميع، دون أن يعترضهم أحد. رأيت بأم عيني أحدهم يحمّل خمس كراتين، في حين أن أُسَرًا نازحة تضم أيتاما لم تحصل على أي شيء".
وأضاف السوسي: "هؤلاء لا يأخذون المساعدات لأنهم بحاجة، بل لأنهم اعتادوا السيطرة على التوزيع في ظل غياب الرقابة. المؤسسة للأسف تُسهم في ذلك من خلال آلية توزيع فوضوية، تفتقر إلى العدالة، وتُمهّد الطريق أمام من يسرقون المساعدات ويبيعونها في السوق".
وختم حديثه بالقول: "نحن لا نعاني فقط من الحرب، بل نعاني أيضًا من الفساد الداخلي. من أشخاص بيننا يتاجرون بجوع الفقراء، ومن مؤسسات لا تمتلك آلية عادلة تحمي حقوق المستحقين. أصبح كيس الطحين يُباع في السوق بـ200 شيكل، بينما المحتاج الحقيقي يعود إلى خيمته خاوي اليدين".
المصدر / فلسطين أون لاين
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

داخل "قوَّة أوريا"... كيف يحول متطرِّفون إسرائيليُّون الدَّمار في غزَّة إلى تجارة؟
داخل "قوَّة أوريا"... كيف يحول متطرِّفون إسرائيليُّون الدَّمار في غزَّة إلى تجارة؟

فلسطين أون لاين

timeمنذ يوم واحد

  • فلسطين أون لاين

داخل "قوَّة أوريا"... كيف يحول متطرِّفون إسرائيليُّون الدَّمار في غزَّة إلى تجارة؟

متابعة/ فلسطين أون لاين في عمق العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة، تعمل قوة إسرائيلية صغيرة تُدعى "قوة أوريا"، تتكون من متطرفين إسرائيليين، هدفها الرئيسي هدم أكبر عدد ممكن من المنازل بهدف حرمان السكان من العودة، في سياسة وصفتها تقارير حقوقية بأنها "تدمير من أجل التهجير". تدخل هذه القوة إلى القطاع برفقة جرافات ضخمة وتحظى بحماية مباشرة من جيش الاحتلال، وتستعين أيضاً بمدنيين متعاقدين مقابل مبالغ مالية، يُجلبون من خلال إعلانات منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتكشف التقارير أن عمليات الهدم تتم حتى في مناطق لا تشكل تهديداً عسكرياً، حيث تُسوّى مبانٍ متضررة جزئياً أو سليمة بالكامل بالأرض خلال دقائق. برزت "قوة أوريا" بشكل أكبر خلال يوليو 2025، بعد مقتل أحد عناصرها، الجندي أبراهام أزولاي، في هجوم نفذته كتائب القسام أثناء قيامه بهدم منازل في خان يونس. وقد صوّرت القسام العملية ونشرتها، فيما ردّت القوة بهدم 409 مبانٍ خلال أسبوع، كفعل انتقامي وصفه نشطاء بأنه انتقام جماعي يستهدف المدنيين. في مجموعات استيطانية على واتساب، رُبطت هذه العمليات مباشرة بـ"تمهيد الأرض للاستيطان اليهودي في غزة"، وقال منشور: "نُهدي 409 مبانٍ دمرناها في ذكرى أزولاي.. تمهيداً للاستيطان". من يقود "قوة أوريا"؟ تأسست القوة نهاية 2024 على يد الناشط اليميني المتطرف أوريا لوبيربوم، المقرب من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، المعروف برفضه إدخال المساعدات إلى غزة. القوة تضم جنود احتياط ومدنيين من مستوطنات الضفة، وتعمل تحت قيادة فرقة غزة العسكرية. تشارك القوة في عمليات هدم لمبانٍ لا تمثل أي تهديد عسكري، ويظهر عناصرها في مقاطع فيديو على تيليغرام وهم يحتفلون بـ"مسح أحياء كاملة من الخارطة". وتستخدم القوة شعاراً يجسد طبيعتها: جرافتان تحيطان بمبانٍ وأمامهما جندي إسرائيلي. يعتمد الاحتلال على شركات مدنية لاستقدام مشغلي جرافات، حيث تُنشر إعلانات على "فيسبوك" و"تلغرام" توضح المهمة صراحة: "هدم منازل في غزة"، مع عرض أجور مغرية تصل إلى 400 شيكل في الساعة في حال استخدم العامل معداته الخاصة. وتشير تقارير إلى أن الجيش يدفع 1500 دولار لهدم مبنى من عدة طوابق، مما أغرى العديد من المتطرفين للانخراط في هذه العمليات التي يرون فيها فرصة استيطانية ومصدر دخل. حاخام في خط الهدم الأمامي إلى جانب "قوة أوريا"، يبرز الحاخام أبراهام زربيف، ضابط في لواء "جفعاتي"، الذي يوثق مشاركته في عمليات هدم المنازل وينشرها مرفقة بشعار "تدمير غزة"، ويضع ملصقات تحمل صورته إلى جانب جرافة على منازل مدمرة. هذه الملصقات انتشرت بشكل لافت داخل إسرائيل، حتى ظهرت في أيدي أطفال يحملونها كرمز للفخر، مما يشير إلى تطبيع فكرة التدمير لدى الأجيال الناشئة. قدّمت مؤسسة "هند رجب" في بروكسل شكوى رسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد الحاخام زربيف، بسبب دوره في عمليات الهدم الممنهج، كجزء من حملة تقودها حركة "30 مارس" لملاحقة جنود الاحتلال المتورطين في جرائم ضد الفلسطينيين. تُقدّر الأمم المتحدة أن 92% من منازل غزة دُمّرت أو تضررت منذ بداية الحرب، أي ما يعادل 436,000 منزل، مع وجود 50 مليون طن من الأنقاض قد يستغرق رفعها 21 عاماً. يُضاف إلى ذلك تدهور كارثي في الأوضاع الإنسانية، إذ تُظهر المعطيات الرسمية أن 122 فلسطينياً، بينهم 83 طفلاً، توفوا جوعاً حتى نهاية يوليو 2025، في ظل منع الاحتلال إدخال الغذاء والدواء، وقصفه نقاط توزيع المساعدات.

تقرير غاز ورصاص وإهانة.. مأساة "يوم النساء" في "مصائد الموت"
تقرير غاز ورصاص وإهانة.. مأساة "يوم النساء" في "مصائد الموت"

فلسطين أون لاين

timeمنذ 2 أيام

  • فلسطين أون لاين

تقرير غاز ورصاص وإهانة.. مأساة "يوم النساء" في "مصائد الموت"

غزة/ يحيى اليعقوبي: خرجت ماريا شيخ العيد، كغيرها من النساء اللواتي غادرن خيام النزوح، متجهات إلى مركز المساعدات الأمريكي، أو ما بات يُعرف شعبيًّا باسم "مصائد الموت"، لكثرة المجازر المرتكبة فيه، على أمل أن يحظين بمعاملة "رحيمة" نظرًا لخصوصية حالتهن كنساء، لكن الواقع كان امتدادًا لمآسي الرجال والشباب، بل ربما أكثر قسوة. سارت ماريا مسافات طويلة بين تلال رملية وأبنية مدمرة، حتى أنهكها التعب قبل الوصول. ثم وقفت في طابور طويل تحت لهيب الشمس، تتصبب عرقًا في انتظار طرود لم تصل، ليُفاجأ الجميع بوجود بضع طرود فقط في ساحة المركز، لم تكفِ سوى لعدد قليل من السيدات. وعندما طُلب منهن العودة، فوجئن بعناصر الشركة الأمريكية يرشون الناس بغاز الفلفل، ويطلقون الرصاص عشوائيًّا. حاولت ماريا الاحتماء خلف مبنى مدمر، لكن إحدى الرصاصات أصابتها في الرأس عند الساعة الثالثة من عصر الخميس. بصعوبة، تمكنت النساء المرهقات من حملها إلى مشفى الصليب الأحمر غرب مواصي رفح، ليفجع والدها الحاج أبو نعيم، الذي كان قد ودّع شقيقه قبل يوم إثر قصف على خيمة نزوح، وقبل أشهر ودّع ابنته الأخرى شهيدة. فقد جديد كانت ملاك (20 عامًا) وشقيقها سليمان (6 أعوام) ينتظران والدتهما بكيس من المساعدات يسد رمق المجاعة التي تعيشها العائلة منذ استشهاد والدهم، لكنها عادت إليهم في كفن. يقول الحاج أبو نعيم: "حين سمعت ماريا عن تخصيص يوم للنساء، ذهبت كونها أرملة شهيد، على أمل إحضار طعام لأطفالها الصغار. لكنها قُتلت برصاصة أحدثت فتحة كبيرة في الرأس، حسب شهود العيان، ما يدل على أنها من قناص أو دبابة". ويضيف لصحيفة "فلسطين": "قبل أسبوع، جمعت أولادي وطلبت منهم ألا يذهبوا لمراكز المساعدات، وقلت لهم: إذا امتنع الناس، سيتلقى الاحتلال والشركة الأمريكية صدمة. لكنها ذهبت رغم ذلك، وظل أولادها ينتظرونها على الطريق، وحين علموا باستشهادها، أغمي عليهم من الصدمة". وبعد دفنها يوم الجمعة، عاد الأب إلى خيمته، لكن أبناءها ظلوا في المقبرة يبكون على قبرها. ماريا، التي عاشت ظروفًا مادية صعبة، تبرعت لها جمعية بشقة قبل الحرب بعام، لكن الاحتلال دمّرها. ومنذ استشهاد زوجها في خيمة نزوح بخان يونس، عاشت مع أطفالها في عزلة وقهر، حتى رحلت في سعيها الأخير خلف طعام لم يصل. مسنّة حاصرتها الدبابة أما الحاجة "أم إسماعيل" (64 عامًا) فلم يمنعها كِبر سنها من التوجه إلى مركز المساعدات، ظنًّا منها أن يوم النساء سيكون مختلفًا. انطلقت صباح الخميس من منطقة الإقليمي نحو "الشاكوش" غرب رفح، وسارت مشيًا على الأقدام لساعات، لكنها عادت بخفي حنين، محملة بآلام الجسد وخيبة الأمل. تقول لصحيفة "فلسطين": "وقفنا في طوابير طويلة، ولم نرَ سوى أربعة طرود حصلت عليها عشر نساء. ثم طلبوا منا المغادرة. وعندما اعترضنا، رشّونا بغاز الفلفل. احترق جسد ابنة شقيقي، وغابت الرؤية، وبدأ إطلاق الرصاص. سقطت النساء أرضًا من الخوف والتعب". رغم الألم، عادت الحاجة إلى خيمتها لتعد طعامًا، ثم رجعت عصرًا مجددًا إلى المركز مع نساء العائلة، لكنها فوجئت بإطلاق نار من دبابة تجاههن. احتمين خلف البيوت المدمرة ولوّحن بأكياس الطحين الفارغة للدبابة، في محاولة للنجاة، بينما بقيت ابنة أخيها محاصرة لساعتين حتى تمكنت من العودة. تصف تلك اللحظات بأنها "إهانة وذل"، وتقول: "ذهبت لإحضار طعام لي ولزوجي، لا نملك شيئًا نأكله، ولم أتخيل أن أُذل بهذه الطريقة". وتتوالى تنديدات المنظمات الحقوقية الدولية بالجرائم المرتكبة في مراكز المساعدات المدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 900 فلسطيني أثناء بحثهم عن لقمة تسد رمقهم. المصدر / فلسطين أون لاين

انتشار الجوع في غزة: هكذا وقعت إسرائيل في فخ «حماس»
انتشار الجوع في غزة: هكذا وقعت إسرائيل في فخ «حماس»

جريدة الايام

timeمنذ 2 أيام

  • جريدة الايام

انتشار الجوع في غزة: هكذا وقعت إسرائيل في فخ «حماس»

بقلم: نداف ايال حسم الأمر، الأربعاء الماضي، لدى المستوى السياسي. في العالم بثوا صوراً لموتى من الجوع في غزة. رُضّع تبرز عظامهم من جلدهم. أصبحت محادثات الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع مضغوطة. قال لي مصدر: "هستيرية". "ادخلوا كل شي، كل شيء بدون حدود"، قال مندوبو الحكومة للضباط، "شاحنات بدون قيد. ارفعوا الحواجز. وماذا عن الخطة ألا تصل المساعدات الى حماس؟ لا تعنينا في هذه اللحظة". حتى قبل أسبوع وبّخوا وشهّروا برجال منسق أعمال الحكومة في "المناطق" لأن المساعدات تصل الى "حماس". اما الآن فيحثّونهم: لماذا لا يوجد ما يكفي من المساعدات في القطاع؟ حادّو السمع كان يمكنهم أن يسمعوا بداية تبادل الاتهامات. ارادت الحكومة فقط ان تنقل اكبر قدر ممكن من الغذاء للفلسطينيين. جهاز الأمن هو الذي ضللها. لا يوجد جوع، لكن إذا كان يوجد فهذا ليس بذنب الوزراء ورئيس الوزراء. هم لم يعرفوا. إنها الإجراءات، وعقيدة القتال للحكومة وللجيش منذ 7 تشرين الأول. في إسرائيل يعودون ويدعون بأنه توجد حملة دعائية تقودها "حماس"، وان هذه ترتبط بمفاوضات الصفقة. هذا قول دقيق، وهو يستند الى معلومات استخبارية صلبة. لكن توجد فقط مشكلة واحدة: هذه الحملة تجرى منذ بداية الحرب. فلماذا تبرز الآن؟ لماذا تنشر صحيفة صفراء يمينية مثل "ديلي اكسبرس" البريطانية، التي ليست بالضبط محبة لفلسطين، صورة رضيع جائع على غلافها؟ الجواب بسيط: لأن الواقع يملي هذا. لأنه توجد حقائق. ويوجد جوعى في قطاع غزة. كانت الخطيئة الأولى هي قرار وقف كل المساعدات الى قطاع غزة في آذار، ومواصلة ذلك حتى أيار. تفاخرت الحكومة بهذا القرار. كتب سموتريتش على "تويتر" بان هذه "خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. مدخل لبوابات الجحيم". فقدت "حماس" بالفعل مصدر دخل، لكن أسعار الدقيق والغذاء في القطاع بدأت تعربد. طلب وعرض. لم يبدأ الفلسطينيون فقط يدفعون آلافاً في المئة أكثر لقاء كيلو من الطحين (مقارنة بشباط 2025)، بل بدؤوا يخزنون أيضا، إذ ان أحدا لا يعرف متى سيستأنف التموين، اذا كان سيستأنف على الاطلاق. بالتوازي، سيطر الجيش الإسرائيلي على مناطق جديدة في القطاع. تعاظمت الفوضى العامة؛ حُشر سكان خان يونس، المدينة الثانية في حجمها في القطاع، في منطقة المواصي. توجد أماكن في غزة دفع فيها، هذا الأسبوع، اكثر بكثير من 100 شيكل لكيلو الطحين. توجد أماكن أخرى السعر فيها معقول. في منطقة الحرب، تؤدي الاسعار المبالغ فيها للغذاء الى الجوع. اول من يتضرر من مثل هذا الجوع هم المرضى، الرضع، الذين يحتاجون الى تغذية خاصة، العجز، عائلاتهم. بعدهم، يبدأ السقوط. الخطيئة الثانية كانت صندوق غزة الانساني. منظمة إغاثة، مشروع لحكومة إسرائيل، كان يفترض أن يقلل من شدة سيطرة "حماس" على المجتمع الفلسطيني. وقد احتفل به هنا بأغلبية شعبية. التحذيرات السابقة ليوآف غالنت، بيني غانتس، جادي آيزنكوت، هرتسي هليفي – وكلهم رجال امن مجربون في غزة – ردت. تحذيرات المنظمات الإنسانية من أن المساعدات يجب ان تصل الى السكان، وليس السكان الى المساعدات، الغيت باحتقار. عرف الإسرائيليون كل شيء. أصبحت "مراكز التوزيع العاجل" مراكز سلب سريع. أوجدت إسرائيل طلباً هائلاً وانعدام أمن غذائي بوقف المساعدات في آذار، وعندها فتحت نقاط التوزيع. من يصل اليها هم شباب يمكنهم كيفما اتفق ان يحملوا المؤن، وهم يأتون تحت خطر الموت نتيجة لنار الجيش الإسرائيلي من بعيد. بعضهم يتزودون من اجل عائلاتهم، وكثيرون يمكنهم أن يعودوا مرة ثانية وثالثة ورابعة في الأسبوع، لاخذ الغذاء وغيره. اما "حماس" فوجدت السبيل للسيطرة على قسم من هذه المساعدات. بالتوازي، فشل أخلاقي مدوٍ: أناس دعتهم إسرائيل للمجيء لأخذ الغذاء لا يعودون على قيد الحياة. وهذا لم يحصل مرة، او مرتين. باختصار، صندوق غزة الإنساني كان يفترض ان يعطي حلاً إنسانياً؛ اما في هذه اللحظة فهو يلوح فشلاً انسانياً وكارثة إعلامية. أو العكس. حيال هذه الإخفاقات، طلبت إسرائيل ان تعود الأمم المتحدة لتوزيع الغذاء في القطاع. يتسبب الطلب الهائل في أن تسلب شاحناتها في خط التماس الأول. الغذاء ببساطة لا يتسلل بما يكفي من العمق الى مراكز السكان. الكثير مما يوزع يباع، وهذا يجسد حجم الفشل. يمول دافعو الضرائب في إسرائيل، الآن، نصف غذاء قطاع غزة تقريباً، على أساس يومي. النصف الثاني يـأتي من منظمات الإغاثة. كل شيء يدخل مجاناً لكنه يباع. بسبب "حماس". بسبب السماسرة. بسبب خطر الموت في الطريق الى الغذاء. بسبب الفوضى. حكومة نتنياهو يمكنها أن تكتب كتاباً: هكذا وقعنا في فخ "حماس". الحكومة سيطرت على المساعدات الإنسانية – ليس عليها كلها – والآن تعتبر المسؤولة الوحيدة عما يجري في القطاع. تتشجع "حماس" بسبب الاهتمام العالمي بالمعاناة الفلسطينية، وبسبب القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي في القطاع. هذه المنظمة هي آكلة موت حقيقية، وتستمد متعة عظيمة من معاناة أبناء شعبها. لقد سمحت لها إسرائيل بهذا النجاح: منظمة فتحت حرباً بمشروع تجريبي لإبادة شعب في حدود إسرائيل أدت بإسرائيل الى الابتعاد عن قيمها، والى تراجع تاريخي في مكانتها في الولايات المتحدة، كل الطريق الى صور الغلاف لرُضّع مجوعين في غزة وإجماع واسع في العالم بأنها ترتكب جرائم حرب و/او جرائم ضد الإنسانية. في ضوء هذا النجاح من السهل أن نفهم المفاوضات المتصلبة التي تجريها "حماس" في الدوحة. عن "يديعوت"

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store