logo
تقرير لصوص المساعدات.. "أعوان" للاحتلال

تقرير لصوص المساعدات.. "أعوان" للاحتلال

غزة/ عبد الله التركماني:
في شارع جانبي من منطقة المشتل في حي النصر غرب مدينة غزة، جلست أم ناصر غاضبة تبكي بصمت، بينما كانت تخلط آخر ما تبقى لديها من الطحين بالماء، لتصنع وجبة خالية من الطعم تسكت بها صراخ أطفالها الجائعين.
أم ناصر، أرملة نازحة من بيت لاهيا شمال قطاع غزة، فقدت منزلها في قصف إسرائيلي قبل خمسة أشهر، واضطرت إلى الفرار مع أطفالها الخمسة. تعيش اليوم في خيمة غرب غزة، مصنوعة من قماش أبيض تمزق نصفه بفعل الرياح.
تقول أم ناصر لصحيفة "فلسطين": "إن ناهبي المساعدات لم يتركوا لنا فرصة للحياة، ولم يمنحوا أطفالي أملاً بالشعور بالشبع".
وتتابع: "في السوق، يُباع كيلو الطحين بمئة وخمسين شيكلًا! من أين لي بهذا المبلغ؟" تقول ذلك وهي تحتضن صغيرتها التي فقدت الكثير من وزنها.
داخل الخيمة، لا توجد ثلاجة ولا غاز ولا حتى موقد بدائي، بل علبة معدنية توقدها ببقايا الكرتون وأكياس النايلون التي تجمعها من الشوارع. وتقول: "أطهو على الحطب، والدخان يملأ صدور أولادي، لكن ماذا أفعل؟ لا وسيلة نار غير هذه".
في اليوم السابق، سمعت أم ناصر من جيرانها أن قافلة مساعدات دخلت من منطقة زكيم شمال قطاع غزة، فحملت أصغر أطفالها على كتفها، وأمسكت بيد ابنها الأكبر، وسارت مسافة كيلومترين تحت الشمس الحارقة، على أمل الحصول على طحين أو عدس أو حتى حفنة من الأرز.
وتقول: "وصلنا والناس كانوا يتزاحمون، لكن لم يكن هناك شيء. قالوا إن الشاحنات لم تصل. قالوا إنها سُرقت في الطريق. بكيت وصرخت، لكن لم يرد عليّ أحد. عدت إلى خيمتي خاوية اليدين، وقلبي مكسور".
وتتّهم أم ناصر اللصوص بأنهم "يتقاسمون المسؤولية الأساسية عن مجاعتنا مع الاحتلال، فهم أعوان للاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر".
أطفال أم ناصر فقدوا الكثير من الوزن، وبات جلدهم يلتصق بعظامهم. وتقول: "صغيرتي تبلغ من العمر أربع سنوات، ولم تعد قادرة على الوقوف أو المشي، من شدة الجوع والضعف. الأطباء قالوا إنها بحاجة إلى غذاء غني بالبروتين، حليب، وبيض، لكننا حتى الماء نغليه ثلاث مرات لنشربه".
وتشير إلى أنها لم تتلقّ أي حصة إغاثية منذ شهر مارس الماضي، رغم تسجيل اسمها ثلاث مرات لدى لجان ومؤسسات مختلفة.
وتختم حديثها قائلة: "أحيانًا أتمنى ألا يأتي الليل، حتى لا أسمعهم يبكون وهم نائمون... لكن أكثر ما يُحطمني، أنني لا أملك ما أقدّمه لهم... ولا حتى كذبة أمل".
جحيم الأسعار
بلال غريب (42 عامًا)، نازح من مدينة غزة ويقيم في خيمة بمخيم النصيرات، يقول لصحيفة "فلسطين": "نحن نعيش في جحيم حقيقي. الأسعار نار، والمساعدات تُسرق على الطرقات. كيس الطحين الذي كان يُوزع مجانًا أصبح اليوم يُباع في السوق وكأنه سلعة نادرة. وصل سعر الكيلو الواحد إلى 150 شيكل! كيف يمكن لربّ أسرة فقير أن يؤمّن هذا لأطفاله؟".
يتحدث غريب بينما كان يطحن بعض الأرز والمعكرونة في محاولة لصنع دقيق لإعداد الخبز: "نتناول وجبة واحدة يوميًا، وأحيانًا لا شيء. أطفالي ينامون وهم يبكون من الجوع، وأنا أقف عاجزًا. ما ذنبي؟ وما ذنبهم؟".
يتهم غريب سرقة المساعدات بأنها السبب الأول وراء هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار، ويقول: "ما يحدث ليس صدفة. هناك من يتعمد ترك المساعدات تُنهب وتُباع. إسرائيل لا توفّر الحماية لشاحنات الإغاثة، وتتركها في العراء ليعترضها من يشاء. كأنهم يريدون لهذه الفوضى أن تستمر، وللفقراء أن يتقاتلوا على فتات الخبز".
ويضيف بغضب مكبوت: "كيف تدخل الشاحنات، ثم تختفي قبل أن تصل إلى المخازن أو مراكز التوزيع؟ من المستفيد؟ نحن نعلم أن هناك من ينسّق على أعلى المستويات كي تُترك هذه الشاحنات بلا حماية، ويُفتح الباب أمام اللصوص".
هندسة التجويع
فيما يقول الشاب محمود السوسي (29 عامًا)، المقيم في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، لصحيفة "فلسطين": "قبل يومين، حصلت على مساعدة غذائية من مؤسسة غزة الإنسانية، لكن ما شاهدته خلال عملية التوزيع كان أقرب إلى الفوضى التامة منه إلى عمل إغاثي منظم. كان الصراخ يعلو، والازدحام خانق، والناس تدفع بعضها البعض تحت الشمس الحارقة، ومعظم من أتى لطلب المساعدة هم اللصوص".
ويتابع: "المؤلم أنني لاحظت تكرار وجود نفس الأشخاص في كل عملية توزيع. شباب أقوياء يبدو عليهم كعصابات ويأخذون كميات كبيرة من المساعدات أمام أعين الجميع، دون أن يعترضهم أحد. رأيت بأم عيني أحدهم يحمّل خمس كراتين، في حين أن أُسَرًا نازحة تضم أيتاما لم تحصل على أي شيء".
وأضاف السوسي: "هؤلاء لا يأخذون المساعدات لأنهم بحاجة، بل لأنهم اعتادوا السيطرة على التوزيع في ظل غياب الرقابة. المؤسسة للأسف تُسهم في ذلك من خلال آلية توزيع فوضوية، تفتقر إلى العدالة، وتُمهّد الطريق أمام من يسرقون المساعدات ويبيعونها في السوق".
وختم حديثه بالقول: "نحن لا نعاني فقط من الحرب، بل نعاني أيضًا من الفساد الداخلي. من أشخاص بيننا يتاجرون بجوع الفقراء، ومن مؤسسات لا تمتلك آلية عادلة تحمي حقوق المستحقين. أصبح كيس الطحين يُباع في السوق بـ200 شيكل، بينما المحتاج الحقيقي يعود إلى خيمته خاوي اليدين".
المصدر / فلسطين أون لاين
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تحليل سلطة رام اللَّه تدير الاقتصاد بعقليَّة الإنفاق وتتجاهل الخطط الاستراتيجيَّة
تحليل سلطة رام اللَّه تدير الاقتصاد بعقليَّة الإنفاق وتتجاهل الخطط الاستراتيجيَّة

فلسطين أون لاين

timeمنذ 12 ساعات

  • فلسطين أون لاين

تحليل سلطة رام اللَّه تدير الاقتصاد بعقليَّة الإنفاق وتتجاهل الخطط الاستراتيجيَّة

رام الله-غزة/ رامي محمد: في قلب الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة، يقف الخلل الداخلي في الإدارة المالية والاقتصادية عاملا جوهريا لا يقل خطورة عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي. فرغم الأضرار المباشرة الناجمة عن احتجاز الاحتلال لأموال المقاصة – التي تمثّل أكثر من 60% من إجمالي الإيرادات العامة – إلا أن فشل السلطة في تبني نهج مالي رشيد، وغياب التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، إلى جانب الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية، كل ذلك ساهم في تكريس هشاشة النظام المالي، وزيادة تبعيته للعوامل الخارجية. وبعد مرور أكثر من 30 عامًا على تأسيس السلطة، لم تتمكّن حتى اللحظة من بناء نموذج اقتصادي منتج أو إدارة مالية مستقلة، ما أدى إلى تفاقم العجز، تراكم الديون الداخلية والخارجية، وتراجع الثقة الشعبية، وسط ضعف واضح في منظومة الرقابة والحوكمة، واستمرار الإنفاق العام وفق أولويات غير منتجة. يرى المحلل الاقتصادي خالد أبو عامر أن المشكلة المالية في جوهرها ناتجة عن "فشل منهجي متواصل في بناء اقتصاد وطني مستقل". ويشير في حديثه مع صحيفة"فلسطين" إلى أن استمرار الاعتماد على الاحتلال في تحصيل الضرائب وعوائد المقاصة، وتحويلات العاملين، جعل الاقتصاد الفلسطيني رهينة قرارات سياسية وأمنية إسرائيلية. ويضيف: "منذ 2019، بدأت سلطات الإحتلال في اقتطاع مخصصات الأسرى والشهداء من أموال المقاصة، وبلغ إجمالي المبالغ المحتجزة حتى منتصف 2025 نحو 9.1 مليار شيكل، ما فاقم أزمة السيولة ودفع السلطة إلى الاقتراض من البنوك المحلية والخارجية، وهو ما رفع الدين العام إلى أكثر من 10.2 مليار شيكل، وفق بيانات وزارة المالية." ويؤكد أبو عامر أن السياسات المالية ظلت توسعية رغم تقلص الإيرادات، حيث استمرت الحكومة في الإنفاق على بنود تشغيلية غير منتجة، دون تبنّي سياسة تقشف فعالة أو مراجعة لهيكل الرواتب والموازنات التشغيلية. كما ينتقد غياب التحفيز الاقتصادي المحلي، حيث لم تتبنَّ السلطة حتى الآن خطة فعلية لتعزيز القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، مما أبقى الاقتصاد رهينًا لعائدات المساعدات وأموال المقاصة، التي يمكن تعطيلها أو حجزها في أي وقت. من جانبه، أكد الاختصاصي الاقتصادي سمير الدقران أن أحد أبرز أوجه الخلل يتمثل في استخدام الوظيفة العامة كأداة للتوظيف السياسي، دون ربطها بالكفاءة أو الحاجة الفعلية. ويقول لصحيفة "فلسطين":"بلغت فاتورة الرواتب والأجور في القطاع العام نحو 4.7 مليار شيكل سنويًا، أي ما يزيد عن 50% من إجمالي الموازنة العامة، وهو رقم ضخم يضغط على باقي البنود الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية." ويؤكد أن ما يزيد الأزمة تعقيدًا هو غياب نظام حوكمة فعال، وانتشار الترهل الإداري، وافتقار معظم المؤسسات إلى نظم تقييم الأداء. ويضيف أن ذلك انعكس سلبًا على جودة الخدمات العامة، التي تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية. وحذّر الدقران من استمرار العمل بموجب اتفاق باريس الاقتصادي، الذي وصفه بأنه "واحد من أبرز أدوات التحكم الاقتصادي الإسرائيلي"، حيث يُقيّد قدرة السلطة على إدارة السياسة الضريبية والتجارية، ما يمنع بناء استقلال اقتصادي حقيقي. المصدر / فلسطين أون لاين

حوار صنعاء غيَّرت قواعد الاشتباك ونقف بثبات مع غزَّة حتَّى وقف العدوان الإسرائيليِّ
حوار صنعاء غيَّرت قواعد الاشتباك ونقف بثبات مع غزَّة حتَّى وقف العدوان الإسرائيليِّ

فلسطين أون لاين

timeمنذ 13 ساعات

  • فلسطين أون لاين

حوار صنعاء غيَّرت قواعد الاشتباك ونقف بثبات مع غزَّة حتَّى وقف العدوان الإسرائيليِّ

صنعاء- غزة/ علي البطة: أكد مستشار رئاسة الوزراء اليمنية حميد عنتر، أن العملية العسكرية النوعية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية مؤخرا عبر سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية، التي استهدفت خمسة مواقع عسكرية وحيوية في عمق فلسطين المحتلة، تمثل تحولا استراتيجيا وتطورا نوعيا في قواعد الاشتباك مع كيان الاحتلال الإسرائيلي. وقال عنتر في مقابلة خاصة مع صحيفة "فلسطين"، إن الضربات التي شملت مطار اللد، هدفًا عسكريًا في يافا، ميناء أم الرشراش، مطار رامون، ومنشأة حيوية في أسدود، جاءت كرد عملي على العدوان المستمر على قطاع غزة، وعلى عجز المجتمع الدولي عن إيقاف آلة القتل الإسرائيلية. وشدد على أن اليمن، رغم الحصار المستمر منذ أكثر من عقد، دخل معادلة الردع في المنطقة من موقع قوة، "فالموقف اليمني تجاه القضية الفلسطينية ليس رد فعل مؤقتًا، بل موقف مبدئي واستراتيجي لا رجعة عنه". وأكد المستشار اليمني، أن استهداف الاحتلال الإسرائيلي لفصائل المقاومة أو حتى للمدنيين في غزة لن يمر دون ثمن. توسيع بنك الأهداف وبخصوص مواصلة حرب الإبادة على غزة، أكد المستشار اليمني، أن هناك عمليات عسكرية نوعية وأشد ايلام على العدو، وسوف يتم توسيع خارطة بنك الأهداف ضد الاحتلال الصهيوني، واستهداف أهداف حيويه وإستراتيجية إذا استمر في حصار غزة وعدوانه على القطاع. وفي تعليقه على الرد الإسرائيلي الذي استهدف اليمن بهجمات جوية، أوضح أن ذلك لم يغير شيئا في موقف صنعاء الثابت، بل زاد من إصرار اليمنيين على مواصلة الدعم، "اليمن سيستمر في إسناد غزة حتى وقف العدوان ورفع الحصار بالكامل عن القطاع". وأضاف، أن الشعب اليمني يرى في هذا الصراع صراعا وجوديا بين الحق والباطل، ولا يمكن أن يكون حياديا فيه. ويصف العدوان الإسرائيلي على اليمن بأنه امتداد لحرب عالمية غير معلنة استهدفت البلاد منذ عشر سنوات، شاركت فيها 17 دولة عربية و60 دولة أوروبية، بقيادة مباشرة من الولايات المتحدة و(إسرائيل). ويضيف: "اليمن صُبت عليه نصف مليون غارة جوية، استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة المحرمة دوليا، بما في ذلك القنابل العنقودية والنابالم والفسفور الأبيض والأسلحة البيولوجية والكيماوية، ومع ذلك صمدنا، وكسرنا الحصار، وخرجنا أقوى." وأشار عنتر، إلى قدرة اليمن على امتصاص هذه الضربات والخروج منها بمعنويات عالية، لافتا إلى أن اليمنيين باتوا محصنين سياسيا ونفسيا وحتى تقنيا في مواجهة الحروب المركبة، سواء عسكرية أو إعلامية أو اقتصادية. ويؤكد أن هذا الصمود التاريخي أفرز قدرة عسكرية متقدمة، جعلت من اليمن لاعبًا فاعلا في الإقليم، لا يمكن تجاهله. أما عن تأثير العمليات اليمنية على الاحتلال، فيشير عنتر إلى أن الخنق الاقتصادي الذي فرضته القوات البحرية اليمنية في البحر الأحمر أدى إلى شلل شبه لاقتصاد دولة الاحتلال. وفي سياق نصرتها المستمرة لغزة، بدأت القوات المسلحة اليمنية عمليات عسكرية مباشرة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد أسابيع من اندلاع حرب الإبادة على القطاع. وقد دشنت هذه العمليات بتوجيه صواريخ فرط صوتية وطائرات مسيرة نحو أهداف في كيان الاحتلال. وامتد نطاق العمليات اليمنية إلى الممرات البحرية الحيوية في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث استهدفت السفن المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي أو تلك المتجهة إلى موانئه. المصدر / فلسطين أون لاين

الحرب على جبهة الاقتصاد
الحرب على جبهة الاقتصاد

جريدة الايام

timeمنذ 2 أيام

  • جريدة الايام

الحرب على جبهة الاقتصاد

تُواصل دولة الاحتلال حرب الإبادة والتهجير والتصفية، هذه الحرب التي اشتهرت بوصفها أكثر الحروب دموية وتوحشاً في القرن 21. فبحسب التقارير الدولية ناهز عدد الضحايا ربع مليون بين شهيد وجريح ومفقود، ويخضع 88% من أراضي قطاع غزة لأوامر إخلاء عسكرية، ودمرت قوات الاحتلال 92% من البنايات والمنازل، ويناهز ضحايا البحث عن الخبز 1000 مواطن قضوا وهم ينتظرون المساعدات في الوقت الذي يقضي فيه عشرات الأطفال جوعاً. دولة الاحتلال تهاجم وبشراسة على عدة جبهات فلسطينية، جبهة حرب الإبادة والتجويع والتهجير في قطاع غزة، وجبهة التطهير العرقي والسيطرة على الأرض والمخيمات ونشر البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، وجبهة السجون والمعتقلات التي تسعى إلى تحطيم إرادة المعتقلين، وجبهة استصدار القوانين العنصرية الانتقامية، وجبهات التعليم والصحة والغذاء والإعلام والحرب النفسية وجبهة تقويض الشرعية الفلسطينية ومؤسساتها وصولاً إلى جبهة الاقتصاد والمال التي تعتبر شديدة الأهمية لأنها تتشارك مع كل الجبهات الأخرى وتؤثر فيها سلباً وإيجاباً بمستويات قد تكون حاسمة، لذا من المفترض أن يحتل الصمود وعدم الانكسار على جبهة الاقتصاد مركز الاهتمام الفلسطيني الرسمي والشعبي، وذلك كي لا تبقى هذه المعركة تخاض من طرف واحد ويقتصر الرد الفلسطيني على الاحتجاج وتقديم الشكاوى ومطالبة الدول بالضغط على دولة الاحتلال وانتظار النتيجة التي لا تكون سارة في معظم الأحيان. تُخاض الحرب من قبل حكومة نتنياهو بمنهجية وبخطوات مدروسة وبأهداف محددة، فقد انتقلت من طور التحكم بالاستيراد والتصدير والهيمنة على السوق الفلسطيني والتحكم في الإيداعات النقدية والسيولة، إلى قرصنة المقاصة تدريجياً بدءا باقتطاع قيمة المبالغ المحولة لأسر الشهداء وللمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بدعوى أنها مبالغ تدعم الإرهاب، مروراً باقتطاع تعويضات لعائلات إسرائيلية أصيبت أو تضررت جراء عمليات مقاومة بصرف النظر فيما إذا كانت ضد مدنيين أو عسكريين، وتمتنع وزارة المالية الإسرائيلية أحياناً عن التجديد للاتفاق المبرم مع سلطة النقد الفلسطينية الذي يسمح للبنوك الفلسطينية بالعمل مع البنوك الإسرائيلية. وبلغت الإجراءات الإسرائيلية حد وضع تسعيرة للخصومات، فمقابل أي قتيل إسرائيلي يخصم 10 ملايين شيكل وأي جريح حتى لو كان بحجر يخصم 5 ملايين شيكل من أموال الضرائب، وقد يطبق سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي ذلك بأثر رجعي ودفع الأمور إلى تحويل أموال المقاصة إلى تعويضات للمتضررين الإسرائيليين. إن تجريد السلطة من إيرادها الضريبي بقيمة 20% من الناتج المحلي، المترافق مع تراجع الدعم الدولي والعربي من 2 مليار دولار إلى 400 مليون دولار. وارتفاع حصيلة الديون لتصل إلى 11.8 مليار دولار. وتوقف العمالة داخل إسرائيل، وتراجع نسبة العاملين في القطاع الخاص. هذا الوضع الاقتصادي المأزوم والمأساوي الذي تعمل حكومة نتنياهو على مفاقمته ووضعه في خدمة هدفها الرئيس وهو تقويض السلطة والمؤسسة الفلسطينية باعتبارهما عنوان الشرعية الفلسطينية والحل السياسي البديل للاحتلال والنقيض للحل الفاشي - الإبادة والتهجير والضم – الذي يعمل الكهانيون الجدد واليمين الديني والقومي على تطبيقه، والذي يعني تفكيك وتشريد الشعب الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية ورفعها من التداول الإقليمي والدولي. بمنطق ولغة السياسة ثمة حاجة للمنظمة والدولة والسلطة المعترف بتمثيلها وبأدوارها عربياً ودولياً، ويجب الدفاع عنها والحيلولة دون تفككها وانهيارها في هذه اللحظة الحرجة والدقيقة من الصراع. حيث تصر حكومة نتنياهو على استبعادها من الحل الذي يلي إنهاء الحرب، وعلى تقويضها ودفعها إلى الانهيار باستخدام الضغط المالي. لا بديل عن الانحياز للمصلحة العامة من خلال القبول والمساعدة في بقاء الشرعية، وتغليب ذلك على الرغبات الصادقة في تغيير مستحق غير متوفر الآن في ظل الخطر الداهم. لا يعني التمسك بالشرعية غض النظر عن الفساد والزبائنية وغياب المسؤولية التي خلخلت ثقة المواطنين والنخب بها وساهمت في تحويل المزاج العام إلى مزاج سلبي يائس ومحبط. والحفاظ على الشرعية المستهدفة راهناً بوصفها عنواناً لإعادة توحيد الشعب الفلسطيني، وإذا ما ضعفت أكثر فأكثر أو انهارت فإن هذا سيؤدي إلى تشظي المجتمع وتوزعه على ولاءات داخلية وخارجية ووكلاء وعشائر وعائلات لا يربطها مع بعضها البعض أي رابط في غياب الرابط الوطني. الأزمة المالية الراهنة وثيقة الصلة بالاقتصاد والسياسة الريعيين الذي أسست له حركة فتح ومنظمة التحرير وحذت حذوه تنظيمات اليسار. جميعها لم تتمكن من استخدام الدعم المالي الكبير في تطوير الموارد داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات. وفي غياب بنية تحتية مالية ورؤية تنموية وإدارة مهنية ورقابة ومحاسبة تحولت المشاريع الخاصة بالتنظيمات إلى مشاريع خاصة بالأفراد الذين سجلت بأسمائهم، حتى العقارات التي سجلت بأسماء أعضاء وعاملين في التنظيمات تحولت إلى ملكية خاصة وتحول ذلك إلى أمر واقع في العديد من الحالات. وبفعل الفشل الذريع في الاستثمار وتطوير الموارد من داخل المجتمع، ما عدا الاستثمار في المستشفيات وبمستوى أقل في المدارس. إذا توقفنا عند إيرادات السلطة والمنظمة نجد أنها تعتمد أساساً على الضرائب ودعم المانحين والذي يوظف بحسب نظام الكوتا، مع ملاحظة وجود تهرب ضريبي من قبل النسبة الأكبر من أصحاب الأموال، كما لا توجد ضريبة متصاعدة متناسبة مع تصاعد الدخل كما هو معمول به في نظام السوق الحر الليبرالي الذي اعتمدته السلطة. النظام الريعي للسلطة والمنظمة استند لبنية إدارية بيروقراطية غير منتجة ومعيقة لأي تطوير في المؤسسة ولا تساهم في حل الأزمات بل هي جزء أساسي منها. مقابل ذلك اعتمدت تنظيمات الإسلام السياسي نظاماً استثمارياً ضم شركات كبيرة وصغيرة ومتوسطة، وشبكات مالية ومصارف وصناديق زكاة وصناديق تبرع في المساجد واشتراكات ملزمة للأعضاء، إضافة لدعم بعض الدول على خلفية أيديولوجية مثل إيران وقطر وتركيا وماليزيا وغيرها. واستندت لبنية إدارية وتنظيمية ذات طبيعة تشغيلية. لكن تجربة الإسلام السياسي المالية لا تخضع للمساءلة والشفافية ما يفتح المجال أمام تغلغل الفساد. لا يمكن للسلطة والمنظمة الخروج من الأزمة المالية المركبة التي تفاقمها سلطات الاحتلال بقرارات فوقية أو بمناشدات. لا بد من التعامل بأكثر من مستوى. الأول: إغاثي يحول دون التفكك والانهيار ويحافظ على مستوى من التماسك، وذلك بالعمل على استعادة أموال المقاصة بضغوط دولية، وإن تعذر برفع دعوى للمحاكم الدولية، وإعطاء أولوية لدعم المنكوبين في قطاع غزة، ولقطاعي التعليم والصحة في القطاع والضفة، من خلال إبرام اتفاقات مع دول عربية وشرائح من القطاع الخاص الفلسطيني لدعم صندوق خاص بالقطاعين الحيويين. الثاني: إعادة النظر في البنية التحتية المالية وتقديم رؤية متكاملة. والثالث: إخضاع الذين اختلسوا المال العام للمحاسبة بأثر رجعي والعمل على استعادة السرقات والعقارات على قاعدة عدم سقوط قضايا الاختلاس بالتقادم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store