logo
ما هي خيارات الدول الفقيرة المثقلة بالديون لمواجهة تغير المناخ؟

ما هي خيارات الدول الفقيرة المثقلة بالديون لمواجهة تغير المناخ؟

قاسيون٠٤-٠٥-٢٠٢٥

يقدّم العالم الغني حلاً خاصاً به لهذه المشكلة المعقّدة. فقد قرر المجتمع الدولي أن على جميع الدول أن تخفض انبعاثاتها من الكربون. ومن أجل إنجاح انتقاله إلى مصادر الطاقة النظيفة، دخلت الدول الغنية في مفاوضات مع الدول التي تملك رواسب كبيرة من المعادن الهامة لتأمين هذه المواد الخام لمصانع البطاريات والألواح الشمسية التابعة لها.
في المقابل، لم تقدّم الدول الغنية سوى القليل من تخفيف عبء الديون، وبدلاً من ذلك، طوّرت «أدوات» جديدة، مثل: مبادلات «الديون مقابل المناخ» بهدف خفض الانبعاثات. هذه الأدوات، رغم فائدتها المحتملة، لا تُحدث فرقاً كبيراً في تخفيض الانبعاثات، لأن الدول المشاركة ليست من كبار الملوّثين، ولا في تقليص الديون، لأن المبالغ المتداولة لا تزال متواضعة.
بناءً على هذا الحل الجزئي، لن تنال الدولة منخفضة الدخل راحة تُذكر. وإذا كانت تعتمد على الوقود الأحفوري وبنيته التحتية بشكل كبير، سيصبح من شبه المستحيل استخدام هذه الأدوات لتحقيق قفزة تنموية، وهي ملتزمة في الوقت ذاته بتعهدات طوعية للوصول إلى الحياد الكربوني.
قد تكون من الدول المحظوظة التي تمتلك بعض المعادن المطلوبة بشدة، مثل: الليثيوم والنيكل والكوبالت، الضرورية للتحول نحو الطاقة النظيفة في الدول الثرية. يمكن لها جني بعض المال من بيع هذه المواد، ولكن فقط كمزوّد للمواد الخام. فالعالم الغني يستخدم اتفاقيات التجارة الحرة وحقوق الملكية الفكرية لتقييد نقل التكنولوجيا ومنع غيره من التقدّم في سلسلة القيمة: أي تكرير الخامات، أو صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية. هذه الدولة عالقة، لا تستطيع دخول اقتصاد الطاقة النظيفة إلا من الباب الخلفي، وفي الوقت ذاته، لا يُسمح لها باستخدام الوقود الأحفوري لتأمين نموها. إنّها تغرق في الديون.
في مقال رأي نُشر عام 2021: «تمتلك الدول الغنية احتكاراً لصنع القرار في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتملك أغلب القوة التفاوضية في منظمة التجارة العالمية، وتستخدم نفوذها كدائنين لفرض السياسات الاقتصادية على الدول المدينة، وتسيطر على 97% من براءات الاختراع في العالم... وتستغل الدول الغنية والشركات الكبرى هذه السلطة لتخفيض أسعار العمل والموارد في الدول الفقيرة، مما يتيح لها تحقيق مكاسب صافية من خلال التجارة». لكن لدى الدول منخفضة الدخل بدائل أخرى.
العمل ضمن النظام
في حزيران 2024، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن الوقت قد حان لكي يسهم «عرّابو فوضى المناخ» بأموالهم في حل المشكلة التي تسببوا بها، وذلك من خلال فرض «ضريبة على الأرباح غير المتوقعة Windfall Tax» التي تجنيها شركات النفط والغاز والفحم. يبدو الاقتراح منطقياً: معالجة أزمة المناخ تتطلب تريليونات الدولارات، وشركات الوقود الأحفوري تحقق أرباحاً هائلة، لذا يبدو من البديهي أن نتبع نصيحة سارق البنوك الشهير ويلي ساتون ونذهب «إلى حيث يوجد المال».
لكن رغم عقلانيته، فإن هذا الاقتراح لا يُعد تغييراً جذرياً في النظام. فهذه الضريبة تعيد توزيع جزء من الأرباح، لكنها لا تقلل من إنتاج هذه الشركات للمواد الملوِّثة. بل قد تدفعها لزيادة الإنتاج لتعويض الضريبة وتحقيق هامش الربح نفسه. والأسوأ، أن هذا الطرح يربط الحل المالي لمشكلة الانبعاثات بمواصلة نجاح الشركات التي تسهم في زيادتها أصلاً.
إنّ التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي اليوم لا يعود إلى بعض السياسات الخاطئة أو الشركات الجشعة، بل إلى أزمة نظام نابعة من نموذج معين في التصنيع والزراعة، وإدمان على الاستخراج، وأنماط استهلاك مفرط في الدول الغنية. يصعب تخيّل نظام كهذا يقوم بإصلاح نفسه من تلقاء ذاته، تماماً كما لا يمكن لسيارة أن تصلح محركها أثناء القيادة.
قد ترد مؤسسات النظام الغربي- مثل صندوق النقد الدولي- بأن لديها بالفعل آلية مخصصة لهذه الغاية: «صندوق الصمود والاستدامة RST». لكنّ هذا الصندوق لا يقدم منحاً، بل قروضاً إضافية، تزيد من عبء الدين. صحيح أن شروطه أقل قسوة، ومخصصاته كبيرة.
هناك خيار آخر، هو «صندوق الخسائر والأضرار»، الذي خاضت الدول الفقيرة صراعاً طويلاً لإنشائه، وتمت الموافقة عليه في قمة المناخ «COP28» في دبي عام 2023. يهدف الصندوق لتقديم منح للدول الأكثر هشاشة لمساعدتها في التعامل مع آثار التغير المناخي. هذا يبدو واعداً، خصوصاً أنه لا يضيف إلى عبء الديون. لكن المبلغ المجمع حتى آذار 2025 لا يتجاوز 765 مليون دولار. وللمقارنة فقط، باكستان احتاجت 16 مليار دولار لإصلاح ما دمرته فيضانات 2022.
والأسوأ، أن هذا الصندوق يُدار حالياً من قبل البنك الدولي، أي أننا كمن وضع الثعلب في حظيرة الدجاج. يقول البنك بأنه تغير، لكنه ساهم في خلق هذه الأزمة من الأساس. تماماً كما قال العقرب للضفدع بعد أن لدغه في منتصف النهر: «آسف، لم أستطع المقاومة، فهذه طبيعتي». وكلاهما غرق، مما يجعل من القصة تشبيهاً بليغاً لعلاقة التبعية بين الدول الفقيرة والغنية في عصر أزمة المناخ.
في عام 2009، تعهدت الدول الغنية بتوفير 100 مليار دولار سنوياً لتمويل المناخ بحلول عام 2020. لكن هذا الهدف لم يتحقق إلا في عام 2022، حيث تم جمع قرابة 116 مليار دولار. وحتى هذا الرقم- الذي تأخر سنتين عن الموعد- لا يفي بالغرض، إذ تُجمع التقديرات اليوم على أن الرقم الحقيقي المطلوب هو أقرب إلى 2.4 تريليون دولار سنوياً. ولا مفاجأة في أن ثلثي المبلغ الذي جُمع في 2021 جاء في صورة قروض، وليس منحاً.
يمرّ جزء من هذا التمويل عبر «صندوق المناخ الأخضر»، الذي بلغ رأسماله قرابة 13 مليار دولار في عام 2023، أي أكثر بكثير من صندوق الخسائر والأضرار. هذا الصندوق يمكنه تقديم منح، لكنه يمنح أيضاً قروضاً، وله ذراع تُعنى بالقطاع الخاص، هدفها «تحفيز تمويل المناخ الخاص» وهو وصف قد يخفي في طيّاته خطّة لتحويل يأس الدول الفقيرة إلى فرصة ربحية للمؤسسات الاستثمارية.
لذا، وبرغم كل هذه الأدوات الجديدة- وربما بسببها- لا تزال ديون الدول الفقيرة تصل إلى مستويات قياسية. فوفقاً لقاعدة بيانات نشرتها «مؤسسة تمويل التنمية الدولية» في 2023، يواجه مواطنو الدول منخفضة الدخل، أسوأ أزمة ديون منذ بداية تسجيل البيانات على مستوى العالم. في أفريقيا، على سبيل المثال: يذهب أكثر من نصف إيرادات الحكومات لسداد خدمة الديون، بينما يتعين على هذه الدول الإنفاق أكثر فأكثر لمواجهة آثار تغيّر المناخ. كيف يمكنها إذاً أن تلحق بركب الدول الغنية في هذه الظروف؟
في شباط 2025، اجتمعت عدة دول أفريقية لإطلاق «مبادرة قادة أفريقيا لتخفيف الديون»، حيث دعا الرئيس النيجيري السابق، أولوسيغون أوباسانجو، إلى تحرك عاجل، مشيراً إلى أن القارة تمر بأخطر أزمة ديون منذ 80 عاماً.
وأشارت مجلة «أفريكان بيزنس» في آذار 2025 إلى أن «ما يقرب من 60% من الدول النامية الأكثر عرضة لتغير المناخ، تواجه أيضاً مخاطر مالية كبيرة». واستناداً إلى بيانات الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، ذكرت المجلة، أن بعض المبادرات التي تمولها الدول الغنية- المسؤولة عن أكبر نسب من الانبعاثات الكربونية- تُعيد توجيه المليارات إلى هذه الدول نفسها.
تحوّل في النظام
لنتذكّر أنّنا نتحدّث عن دولة ذات دخل منخفض. ولنقل إندونيسيا، أي الاقتصاد السادس عشر عالمياً، والعاشر من حيث الانبعاثات الكربونية. يعود هذا المستوى من الانبعاثات لاعتمادها الكبير على محطات الفحم، والتي يبلغ عددها 254 محطة.
تواجه في الوقت نفسه آثاراً خطيرة لتغيّر المناخ- ليس في مستقبل نظري، بل في الحاضر. فـ70% من سكان إندونيسيا يعيشون في المناطق الساحلية، ويعانون من الفيضانات التي أصبحت شبه يومية. وتغرق عاصمتها جاكرتا تدريجياً، بل تتلاشى تحت مستوى سطح البحر، بحسب منتدى الاقتصاد العالمي، الذي توقع أن تختفي معظم أجزاء المدينة بحلول عام 2050. لهذا السبب، تنفق حالياً 45 مليار دولار لبناء عاصمة جديدة في غابات بورنيو.
إندونيسيا بحاجة ماسة إلى المال للابتعاد عن الفحم، وهو المصدر الذي تعتمد عليه بشدة، حتى إنّها أكبر مصدر له في العالم. لكن في الوقت نفسه، لديها أوراق رابحة أخرى: فهي المنتج الأول عالمياً للنيكل، المعدن الأساسي في بطاريات الليثيوم التي تشغل السيارات الكهربائية وغيرها.
لكنّها أيضاً غارقة في الديون: أكثر من 500 مليار دولار، ويُستخدم ما يقرب من 50% من الناتج المحلي الإجمالي لسداد هذه الديون. كانت عالقة في دوامة مألوفة: تستخرج النيكل وتبيعه، وتحصل على بعض العملات الأجنبية، لكن نصفها يُستهلك في سداد الفوائد. وفي الأثناء، تغرق جاكرتا.
لكنّ إندونيسيا قررت أن تغيّر اللعبة. فرضت حظراً على تصدير النيكل الخام، حتى لا تُحبس في قاع سلسلة القيمة كمصدر للمواد الخام فقط. واستقطبت استثمارات صينية لبناء مصانع تكرير ومعالجة النيكل لصناعة البطاريات، بهدف الاستفادة من القيمة المضافة محلياً. هذا ما يُعرف بـ«القومية الاقتصادية للموارد»، وهو مسار يستهدف الوصول إلى تصنيع البطاريات داخل إندونيسيا نفسها.
وهو المنطق نفسه الذي اعتمدته كوريا الجنوبية في ستينيات القرن الماضي، عندما أسست صناعة الصلب وشرعت في بناء السفن، مما مكنها من الانتقال من مستوى اقتصادي شبيه بغانا إلى أن تصبح من بين الاقتصادات الكبرى في العالم. لكن هذه المرة، الدول الغنية ليست مستعدة لفتح أبوابها لإندونيسيا.
فالاتحاد الأوروبي رفع دعوى ضد حظر التصدير الذي فرضته إندونيسيا، وربح القضية في منظمة التجارة العالمية عام 2022. كما أن محاولات إندونيسيا لإنشاء «تجمّع نيكل» مشابه لمنظمة «أوبك» لم تنجح. ومع ارتفاع المعروض العالمي، تراجعت أسعار النيكل بأكثر من 40% في عام 2024.
بالإضافة إلى الآثار البيئية السلبية لتعدين النيكل، والمعارضة المجتمعية للمناجم، فإن هذا النموذج من «القومية الاقتصادية» لا يقدم حلاً واضحاً لمعضلة «الأجسام الثلاثة». لكن رغم العقبات، لم تتخلَ دول أخرى تملك معادن استراتيجية- مثل تشيلي التي تملك النحاس- عن حلم قلب موازين اللعبة الاقتصادية مع الدول الغنية.
وحتى لو لم تجد إندونيسيا الصيغة المثالية بعد، فإن منطقها سليم: استخلاص المزيد من القيمة من الموارد الوطنية، كما فعلت بوتسوانا مع الألماس.
طوّرت الدول الفقيرة أدوات مختلفة لتقويض الطموحات النيوليبرالية للدول الغنية. بعضها انخرط في التعاون الاقتصادي جنوب/ جنوب، كما في تحالف «بريكس». وبعضها اقترح إنشاء «تجمّع للمدِينين» لتشكيل جبهة موحّدة في مواجهة الدائنين. كما طالبت بعض الدول بتخفيف قواعد حقوق الملكية الفكرية المنصوص عليها في الاتفاقيات التجارية، حتى تتمكن من تبنّي التقنيات الرائجة في الدول الغنية، وتكييفها لتغذية صناعاتها المحلية.
وتأتي اقتراحات أكثر جذرية من القواعد الشعبية. ففي عام 2023، نجح استفتاء شعبي في الإكوادور في وقف استخراج النفط من حديقة «ياسوني» الوطنية. تعني هذه الخطوة مواجهة مباشرة مع قطاع الوقود الأحفوري.
ث
مة مصدر تمويلي آخر لا يخضع لسيطرة مؤسسات «بريتون وودز» مثل: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إنه التحويلات المالية التي يرسلها العمال المغتربون إلى بلدانهم الأصلية. في عام 2023، بلغت هذه التحويلات ما يقارب 860 مليار دولار. للمقارنة، فإن صندوق النقد الدولي منح في العام نفسه قروضاً بقيمة 5.7 مليار دولار فقط. بل إن هذا الرقم السنوي من التحويلات يعادل تقريباً إجمالي ما قدمه البنك الدولي من قروض منذ عام 1945 وحتى 2023، والبالغ 857.7 مليار دولار.
لكن هل يمكن «تخضير» هذه التحويلات؟ أي، هل بالإمكان إنشاء صندوق لإعادة الإعمار الأخضر، يُعفى من رسوم التحويل المعتادة إذا تم إيداع الأموال فيه، ويمنح فائدة رمزية، شرط أن تُستخدم الأموال المسحوبة منه في مشاريع تُقلل الانبعاثات الكربونية وتُعزز الاستدامة؟ سيكون هذا وسيلة تمويلية خالية من الديون لتمويل التحوّل في مجال الطاقة من الأسفل إلى الأعلى، من المجتمع نفسه.
نحو حلّ لمشكلة الأجسام الثلاثة
في السابق، كانت الدعوة إلى إلغاء الديون أحد الشعارات المركزية لحركات مناهضة العولمة. لكن بعد انتشار النيوليبرالية في كل أركان العالم، تراجع هذا الشعار. إلا أن التجربة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية تستحق التأمل.
في اتفاقية ديون لندن لعام 1953، ألغت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا أكثر من نصف ديون ألمانيا الغربية الخارجية، ووضعت شروط سداد سخية للباقي. وجاء هذا في الوقت نفسه الذي كانت فيه خطة مارشال تضخ أموالاً ضخمة لإعادة إعمار البلاد.
المنطق وراء تلك الخطوة كان واضحاً: ضمان أن تصبح ألمانيا الغربية حصناً اقتصادياً قوياً ضد الاتحاد السوفييتي والشيوعية. لكن الدرس الذي ينبغي استخلاصه اليوم، هو أن إلغاء الديون يمكن أن يكون جزءاً محورياً من الانتقال العالمي نحو الطاقة النظيفة. وينبغي أن يترافق مع تمويل إعادة إعمار واسع النطاق.
لكن ما هو التبرير المنطقي لهذا الإلغاء اليوم؟ ليس مواجهة الشيوعية، بل ضمان أن تُشكّل الدول منخفضة الدخل جبهة اقتصادية صلبة وفعالة في وجه تغيّر المناخ. هذا هو الحل النهائي لمشكلة الأجسام الثلاثة: انتقال عادل للطاقة، يسمح للدول الفقيرة باللحاق بركب الدول الغنية، وفي الوقت نفسه، إنقاذ كوكب الأرض بأسره.
* استعارة من مسألة فيزيائية وفلكية شهيرة. المشكلة لا تملك حلاً رياضياً دقيقاً في معظم الحالات، والسبب هو أن التفاعلات بين هذه الأجسام معقدة وغير خطية، مما يجعل حركتها فوضوية

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إليك ما ستفعله أميركا وبريطانيا بمدخرات معاش التقاعد
إليك ما ستفعله أميركا وبريطانيا بمدخرات معاش التقاعد

Independent عربية

timeمنذ 7 ساعات

  • Independent عربية

إليك ما ستفعله أميركا وبريطانيا بمدخرات معاش التقاعد

تعمل السلطات داخل الولايات المتحدة وبريطانيا على إجبار صناديق معاشات التقاعد كي تتيح المدخرات المالية أمام صناديق الأسهم ورأس المال الخاص والاستثمار في الأسواق، لتوفير السيولة بدلاً من استراتيجيات استثمارها الحالية التي تضمن لها عائداً ثابتاً بالاستثمار في أصول أقل مخاطرة. تدير صناديق معاشات التقاعد تريليونات الدولارات التي تعود إلى ملايين العاملين الذين يشتركون بها من أجل استثمار مستقطعات شهرية من رواتبهم وأجورهم، تضمن لهم دخلاً ثابتاً بعد التقاعد في سن متقدمة. تخضع صناديق معاشات التقاعد لقوانين وقواعد مراقبة مالية تؤمن أصولها المالية لمصلحة المشتركين فيها، بما يضمن حصولهم على أموالهم في ما بعد حين يتركون العمل بعد سن 60 عاماً أو أكثر، لكن مجالس أمناء تلك الصناديق ومديري الاستثمار فيها يحرصون على ضبط المحافظ الاستثمارية بما يوفر عائداً ثابتاً، وإن كان بنسب أقل ويكون أقل مخاطرة، لذا تجد نصيب ما تسمى "الأسهم ذات العائد" في الشركات الراسخة والسندات المضمونة والعقار للإيجار وغيره أكبر من نصيب الأسهم العامة أو الأصول عالية الأخطار مثل مشتقات الاستثمار الخطرة أو المشفرات. ومع وصول صناديق الاستثمار في الأسهم وصناديق رأس المال الخاص إلى حد استنفاد مصادر التمويل وضيق مساحة الائتمان لدى البنوك والمؤسسات المالية وغيرها من مصادر التمويل، بدأ التوجه نحو "الاستفادة" من أموال صناديق معاشات التقاعد لتوفير السيولة في الأسواق، ومن شأن ذلك التوجه أن يجعل تريليونات أصحاب معاشات التقاعد في أيدي مديري استثمار أكثر جرأة على المغامرة بالدخول في أصول عالية الأخطار. معاشات التقاعد الأميركية تدرس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مسألة أن يصدر الرئيس "أمراً تنفيذياً" يقضي بفتح قطاع معاشات التقاعد البالغ حجمه نحو 9 تريليونات دولار أمام مجموعات رأس المال الخاص والصناديق، التي تركز نشاطها على عمليات الاندماج والاستحواذ على الشركات المتعثرة، وإعادة تأهيلها أو تفكيكها وبيعها وتعمل في مجال ضمان سندات العقار وغيرها من الأصول المشابهة. ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريراً نقلاً عن مصادر عدة لها علاقة بتلك المناقشات في الإدارة الأميركية الحالية، أفاد بأن الأمر الرئاسي سيوجه وزارة العمل ووزارة الخزانة وهيئة السوق والأوراق المالية إلى إتاحة نظام معاشات التقاعد (المعروف باسم 401K)، أمام الصناديق الخاصة لإدارة أمواله. لم تشر مصادر التقرير إلى قرب اتخاذ القرار بإصدار الأمر التنفيذي، لكن الرئيس ترمب كان اتخذ خطوة قريبة من ذلك خلال نهاية فترة رئاسته الأولى السابقة بفتح الباب أمام صناديق رأس المال الخاص للوصول إلى مدخرات التقاعد للأميركيين. لكن غالب الصناديق وشركات الاستثمار الخاص لم تستفد من ذلك وقتها خشية تعرضها لمحاسبات قانونية فيما بعد، أما المحاولة الحالية فتضمن فتح صناديق التقاعد أمام الاستثمار الخاص بالقانون. ويرى كبار التنفيذيين داخل قطاع صناديق رأس المال الخاص والاستثمار في الأسهم أن وصولهم إلى الكم الهائل من المدخرات في صناديق التقاعد (عشرات تريليونات الدولارات)، يمكن أن يوفر سيولة بمئات مليارات الدولارات. ومع أن قرار الإدارة الأميركية لم يحسم بعد، فإن السلطات الأميركية بدأت في فتح خطط مدخرات تقاعد خاصة أمام صناديق رأس المال الخاص. مطلع هذا الأسبوع، أعلن رئيس هيئة سوق المال بول أتكينز أن الهيئة بصدد مراجعة القيود السابقة على صناديق التقاعد التي تضع أكثر من 15 في المئة من أصولها في استثمار خاص، ومن شأن تخفيف تلك القيود السماح لصناديق معاشات التقاعد بالانكشاف على أصول استثمارية أكثر وبعضها عالي المخاطرة. أزمة السيولة تواجه صناديق رأس المال الخاص خلال الآونة الأخيرة مشكلة توافر السيولة، ويتضح ذلك في تراجع عمليات الاندماج والاستحواذ التي تمولها تلك الصناديق، وهناك سعي منذ فترة كي تصل هذه الصناديق وغيرها من صناديق الاستثمار في الأسهم وغيرها من أصول أخرى عالية الأخطار، إلى أموال صناديق مؤسساتية مثل معاشات التقاعد وصناديق الأوقاف المالية. وعلى رغم أن تلك المجموعات الاستثمارية الخاصة يمكن أن تحقق أرباحاً عالية، فإن صناديق معاشات التقاعد في حال الاستثمار فيها ستتعرض لأمرين أولهما ارتفاع كلفة إدارة الأصول، مما يعني نقص العائد الذي تحتاج إليه صناديق التقاعد لتأمين مدفوعات المعاشات لمشتركيها من ناحية، ومراكمة فائض لاستخدامه عند تقاعد العاملين الذين يدفعون الاشتراكات حالياً، والأمر الثاني أن صناديق رأس المال الخاص تدخل دائماً في أصول صعبة التسييل مما يجعل صناديق التقاعد في أزمة لحاجتها الدائمة إلى سهولة تسييل الأصول لمواجهة استحقاقاتها أمام ملايين المساهمين فيها. بغض النظر عن صدور الأمر التنفيذي الرئاسي، أو حتى تعديلات سلطات الرقابة المالية بتخفيف القيود والضوابط على استثمار مدخرات العاملين من أجل معاشات تقاعدهم، فقد بدأت بعض الصناديق فتح خزائن أموالها لصناديق رأس مال خاص وشركات استثمار مالي أخرى، على أمل تحقيق أرباح أكبر. وتراهن تلك الصناديق، وهي غير خطة التقاعد الرسمية 401K، على أن مدخرات العاملين تكون لأعوام طويلة بالتالي يمكن تعويض أية خسائر محتملة بعائد على المدى الطويل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وبالفعل، تمكنت صناديق استثمار خاص مثل "بلاك ستون" و"كيه كيه آر" و"أبوللو" خلال الأشهر الأخيرة من عقد اتفاقات شراكة مع مديري أصول صناديق مثل "فانغارد" و"كابيتال غروب" و"ستيت ستريت"، حتى "إمباور" التي تدير قدراً كبيراً من خطة التقاعد الرسمية وقعت اتفاقاً الأسبوع الماضي يسمح للصناديق الخاصة مثل "أبوللو" و"بارتنرز غروب" والبنك الاستثماري "غولدمان ساكس" بالوصول إلى مدخرات معاشات التقاعد. بريطانيا ومليارات التقاعد يبدو الوضع في بريطانيا أكثر إلحاحاً، وبخاصة مع القواعد والضوابط المشددة التي تحمي أموال مساهمات العاملين في صناديق معاشات تقاعدهم. وفي سياق ما تعلنه حكومة كير ستارمر في شأن سعيها لتخفيف القواعد والضوابط لتشجيع الاستثمار بهدف تحقيق نمو اقتصادي أكبر، تعمل وزيرة الخزانة راتشيل ريفز على دفع صناديق معاشات التقاعد للتخلي عن حذرها في استثمار أموال ملايين المساهمين وضخ المليارات في الاقتصاد، وبخاصة في أسهم الشركات البريطانية المسجلة على مؤشر بورصة لندن المتدهور. وأعلنت ريفز الأسبوع الماضي أنها قد تعمل على "إجبار" صناديق معاشات التقاعد على الدخول في أصول كانت تتفاداها من قبل، إذا لم تلتزم تلك الصناديق بالاتفاق الطوعي باستثمار نسبة 10 في المئة من أصولها في الاقتصاد البريطاني. وتريد وزيرة الخزانة أن تضخ صناديق التقاعد ما لا يقل عن 25 مليار جنيه استرليني (33.5 مليار دولار) من أموال مدخرات العاملين المساهمين فيها ضمن الاقتصاد البريطاني، في ظل العجز الدائم الذي تعانيه الخزانة. كانت ريفز توصلت قبل أسابيع ضمن ما يسمى "اتفاق مانشن هاوس" إلى تعهد طوعي من صناديق التقاعد على ضخ نسبة 10 في المئة من أموالها في استثمارات خاصة، وذلك ضعف ما اتفق عليه وزير الخزانة السابق في حكومة حزب "المحافظين" جيريمي هنت مع صناديق التقاعد التي تعهدت طوعاً باستثمار نسبة خمسة في المئة ضمن أصول استثمار خاص. لكن تهديد ريفز بإصدار قرار يلزم صناديق معاشات التقاعد بضخ الأموال في الاقتصاد بطريقة عالية الأخطار أثار قلق مسؤولي صناديق التقاعد، الذين عبروا عن انزعاجهم علناً بأن فكرة "الإجبار" لن تؤدي إلا إلى المشكلات ولن تحقق ما تريده الحكومة.

"البلاطة" في مصر... كم تخفي من الأموال؟
"البلاطة" في مصر... كم تخفي من الأموال؟

Independent عربية

timeمنذ 8 ساعات

  • Independent عربية

"البلاطة" في مصر... كم تخفي من الأموال؟

كفلت مسروقات طائلة من فيلا سيدة الأعمال نوال الدجوي إثارة أجواء من الجدل في فضاء مصر الإلكتروني، خلال وقت احتفظت في منزلها بما كان يتعين صونه داخل دزينة من الخزائن الفولاذية في بنك كبير، 50 مليون جنيه مصري (مليون دولار) و3 ملايين دولار، إضافة إلى 15 كيلوغراماً من المشغولات الذهبية و350 ألف جنيه إسترليني (470 ألف دولار)، كان المصريون حيالها ذوي أبصار شاخصة وأفواه فاغرة وأجساد طغى عليها السكون فينة من الوقت من وقع الصدمة، حتى نطق الجميع في صوت واحد "لماذا يحتفظ أحدهم بمبالغ طائلة كتلك في منزله؟". وبينما تمتلك مصر 38 بنكاً في قطاع مصرفي ضخم وسوق واسعة من العملاء، الأفراد والمؤسسات، وشمول مالي مدعوم برغبة صانع السياسة النقدية داخل البلاد في دفع الجميع للتخلي عن الادخار "تحت البلاطة" والانتقال صوب ادخار احترافي مراقب وموظف، إلا أن بيوت المصريين لا تزال تحوي ما لا يقل عن سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بحسب ما كشفه ضمن تصريح خاص سابق لـ"اندبندنت عربية" المستشار السابق لرئيس مجلس الوزراء المصري هاني محمود. سر التمسك بـ"البلاطة" "اندبندنت عربية" عاودت طرح التساؤل ذاته على مصرفيين ومتخصصين وتجار وصاغة في مسعى لكشف سر التمسك بـ"البلاطة"، كملاذ آمن لحفظ وصون المدخرات وخيار مفضل لدى قطاعات واسعة من المصريين، ومنهم من قال إن صندوق النقد الدولي يعتقد بوجود مليارات الدولارات في أيدي المصريين، أفراداً ومؤسسات خارج إطار القنوات المصرفية الرسمية، وهو ما يؤشر إلى شيوع ظاهرة اكتناز الأموال في البيوت، فيما يرى بعض آخر أنه لا يمكن تعميم تلك الظاهرة، في وجود 10 تريليونات جنيه (13.40 مليار دولار) من الاستثمارات في الشهادات البنكية مرتفعة الفائدة، وسط إجماع على ضرورة اللجوء إلى المصارف الرسمية لحفظ وصون المدخرات، وعدم الاحتفاظ بها في البيوت. ثقافة قديمة في مصر النائبة السابقة لرئيس بنك "مصر" سهر الدماطي تقول إن ثقافة اختزان المبالغ الطائلة في البيوت تجلت بصورة أوضح بعد عام 2011، مع تنامي قلق قطاعات من المصريين من أزمات المستقبل، وأن تلك الممارسات لا تزال موجودة في مصر لكن لا يمكن تعميمها على المجتمع ككل، خصوصاً مع انتشار البنوك وأفرعها في جميع المدن والمحافظات. وتوضح المتخصصة المصرفية أن المصريين يستثمرون 10 تريليونات جنيه (13.40 مليار دولار) في الشهادات الادخارية البنكية مرتفعة العائد، وهو رقم ضخم لا يمكن معه الادعاء بأن المصريين جميعهم يكتنز الأموال والمدخرات في خزائن خاصة، على رغم وجود تلك الفئة حتى الوقت الراهن. حجم الاقتصاد غير الرسمي وضمن حديثها، لفتت المحاضرة في "الجامعة الأميركية" بالقاهرة إلى أن أموال الشهادات والودائع البنكية وغيرها من حسابات التوفير غير خاضعة للضرائب ومصانة قانوناً، لكن قد يدفع أحدهم إلى خيار حفظ مدخراته في بيته عدم رغبته في الكشف عن مصدر وحجم تلك الأموال، ومنهم من يذهب إلى استثمارها في ما يعرف بـ"شركات توظيف الأموال" التي عرفت في مصر نهاية الثمانينات ولا تعد مصدراً موثوقاً للاستثمار، بالنظر إلى حوادث الاحتيال التي تقع من جانبها. وقدرت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية نهاية عام 2022 حجم الاقتصاد غير الرسمي داخل مصر، بنحو 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. مستقبل الجنيه المصري من جانبه، يقول المتخصص المصرفي وليد عادل إن هناك كثيرين من الأفراد والمؤسسات لا يزالون يكتنزون الذهب والدولار داخل بيوتهم بقصد إخفاء تلك الأموال عن الأعين، وأن عدم اليقين الاقتصادي حيال الجنيه المصري خصوصاً والاقتصاد بصورة عامة، وما شهدته السوق السوداء من انتعاش ومضاربات خلال الأعوام الثلاثة الماضية غذى بقوة تلك الظاهرة. ويشير عادل إلى أن صندوق النقد الدولي أشار إلى أن الاقتصاد المصري لا يعاني نقصاً في الدولار، إذ يعتقد وجود مليارات الدولارات داخل مصر لكنها ليست ضمن القنوات الرسمية المتمثلة في البنوك، أي إنها بحوزة أفراد ومؤسسات يحتفظون به خارج نطاق القطاع المصرفي، وهو ما دعا البنك المركزي المصري لاتخاذ التدابير لتحفيز المواطنين على التنازل عن تلك العملات الأجنبية ومنها عدم توجيه أية أسئلة تخص مصدر تلك الأموال في فتره من الفترات للحد من خوف المواطنين من التعامل مع البنوك بخصوص العملات الأجنبية. حادثة سابقة ولا يزال المصريون يذكرون حادثة احتراق مئات الآلاف من الجنيهات في فرن البوتاغاز، حين أقدمت سيدة مصرية على إشعال الفرن قبل أعوام من دون أن تعلم أن الزوج أخفى داخله ما كان يكنزه خشية تعرضه للسرقة، في كوميديا سوداء تفصح عن جانب من ممارسات غريبة داخل المجتمع المصري. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) من جانبه، قال مسؤول بإحدى الغرف التجارية إن رجال أعمال ومستوردين دأبوا خلال الفترة التي شهدت ارتفاع الدولار في السوق السوداء إلى مستويات تجاوزت 85 جنيهاً، على الاحتفاظ بكميات متباينة من العملة الصعبة بعيداً من القطاع المصرفي بقصد تدبير حاجاتهم وترقب المشهد الاقتصادي الضبابي آنذاك داخل البلاد، إضافة إلى اتجاه شريحة واسعة إلى تحويل مدخراتها من العملة المحلية إلى الدولار والذهب، في ظل الخسائر التي شهدها الجنيه المصري قبل تحرير سعر الصرف خلال مارس (آذار) 2024. مبيعات الذهب في مصر ويذهب إلى ما سبق محمد الرفاعي وهو تاجر ذهب، إذ يقول إن مبيعات السبائك والجنيهات الذهبية زادت بقوة خلال الأعوام الثلاثة الماضية وتحديداً منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية خلال فبراير (شباط) 2022، بالتالي فإن مبالغ ضخمة خرجت من قطاعات متعددة صوب اقتناء السبائك داخل البيوت حفظاً للقيمة وصوناً لـ"تحويشة العمر"، وفق تعبيره. وبحسب بيانات مجلس الذهب العالمي، فإن المصريين اشتروا خلال عام 2022 ما يصل إلى 51.5 طن من الذهب، قبل أن يقفز الرقم إلى 57 طناً خلال العام التالي، وصولاً إلى 50.1 طن عام 2024، في مسعى لتجنيب مدخراتهم بالجنيه المصري تآكل القيمة عقب خمسة قرارات لـ"المركزي المصري" بتحرير سعر الصرف. حلقة مفقودة من الثقة على الأرجح، ستظل ثقافة ادخار الأموال "تحت البلاطة" في مصر موجودة بدرجة أو بأخرى، فثمة حلقة مفقودة من الثقة تغذيها الإشاعات على رغم جهود الجهات الرسمية حفز المصريين على الادخار والاستثمار في القنوات المشروعة، وهو ما يتعين معه بذل مزيد من الجهود للتوعية بأخطار صون الأموال وحفظها بطرق تقليدية خطرة. وبغض النظر عن حجم ما يحتفظ به المصريون من الأموال السائلة نقداً وذهباً، فإن المؤكد أنه كفيل بخلق حال من الصدمة لدى الجميع إذا حُصر.

6 أسئلة لما بعد اتفاق المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا
6 أسئلة لما بعد اتفاق المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا

شبكة عيون

timeمنذ 13 ساعات

  • شبكة عيون

6 أسئلة لما بعد اتفاق المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا

وقعت الولايات المتحدة وأوكرانيا اتفاقًا استثماريًا تاريخيًا يهدف إلى إنشاء صندوق مشترك لإعادة إعمار أوكرانيا، يعتمد جزئيًا على عائدات استغلال مواردها الطبيعية. والاتفاق، الذي جاء بعد اجتماعات مثيرة للجدل بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يمثل تحولًا كبيرًا في دبلوماسية المعادن، ويثير في الوقت ذاته أسئلة استراتيجية حول جدوى تنفيذه دون استقرار طويل الأمد في أوكرانيا. وفي هذا التقرير، نُجيب على ستة أسئلة محورية تكشف أبعاد الاتفاق وتأثير السلام على مساره. خطوة جريئة ويُعد اتفاق الولايات المتحدة وأوكرانيا بشأن صندوق إعادة الإعمار خطوة جريئة في مسار دبلوماسية المعادن. لكن نجاحه مشروط بتحقيق سلام دائم، وإعادة بناء البنية التحتية، وتوفير بيئة استثمارية آمنة. كما يُمثّل الاتفاق نموذجًا أوليًا لاستراتيجية أوسع تسعى واشنطن إلى توسيعها في مناطق النزاع، مستندة إلى معادلة: الاستقرار مقابل الموارد. 1. هل تضمن الاتفاقية حماية أمنية لأوكرانيا؟ ورغم غياب الضمان الأمني المباشر الذي طالب به زيلينسكي، تؤكد الاتفاقية "شراكة استراتيجية طويلة الأمد"، وتشدد على دعم الولايات المتحدة لإعادة إعمار واندماج أوكرانيا في الاقتصاد العالمي. كما تعتمد لهجة أشد تجاه موسكو، وتستثني أي طرف داعم لآلة الحرب الروسية من الاستفادة من إعادة الإعمار. 2. هل يمكن تنفيذ الاتفاق في ظل غياب السلام.. وما وضع المفاوضات الحالية؟ تعرضت أوديسا لقصف روسي بعد ساعات من توقيع الاتفاق، ما يعكس هشاشة البيئة الأمنية. وتقع غالبية الموارد الاستراتيجية – بخاصة الليثيوم – في شرق أوكرانيا، تحت الاحتلال الروسي. وتحتاج مشاريع التعدين إلى استقرار طويل الأمد، نظرًا لمدة إنشائها التي قد تصل إلى 18 عامًا وتكلفتها التي تقارب مليار دولار لكل منجم. دون سلام أو حماية للأصول، تظل بيئة الاستثمار محفوفة بالمخاطر. 3. ما أبرز ملامح الاتفاق الجديد.. وكيف يقارن بالإصدارات السابقة؟ الاتفاقية الموقعة تمنح أوكرانيا سيادة كاملة على مواردها، وتُدار من خلال شراكة متكافئة بين الطرفين. بعكس الاتفاقيات السابقة، أُعفيت مشاريع الطاقة الحالية من المساهمة، مما يربط نجاح الصندوق بالاستثمارات المستقبلية. كما اعتُبرت المساعدات العسكرية الأمريكية مساهمة رأسمالية في الصندوق، مع إعفاء كييف من سدادها، خلافًا للنسخة الأولى التي طالبت بسداد 500 مليار دولار. ويُعد توقيع مؤسسة تمويل التنمية الدولية (DFC) الأمريكية كشريك رئيسي في تنفيذ الاتفاق مؤشرًا إلى رغبة إدارة ترمب في تحويل الوكالة إلى أداة محورية في دبلوماسية المعادن العالمية، بعد أن مولت أربعة مشاريع فقط في عام 2024. 4. هل يمنح الاتفاق الولايات المتحدة وصولًا مباشرًا إلى المعادن الأوكرانية؟ الاتفاق لا يُتيح لواشنطن استرداد المساعدات عبر السيطرة على الموارد المعدنية، بل يخولها التفاوض على شراء تلك الموارد بشروط تجارية تنافسية. كما يُلزم السلطات الأوكرانية بإدراج بند يسمح للطرف الأمريكي أو من ينوب عنه بالتفاوض على حقوق الشراء ضمن تراخيص استخدام الموارد، في إطار الشراكة المحددة. 5. هل يمكن اعتبار الاتفاق نموذجًا لدبلوماسية المعادن الأمريكية؟ الاتفاق يعكس فلسفة ترمب في السياسة الخارجية القائمة على الصفقات. وتسعى واشنطن لتكرار التجربة مع دول أخرى مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، الغنية بالكوبالت والليثيوم. وقد عرض رئيس الكونغو على الولايات المتحدة اتفاق "الأمن مقابل الموارد"، في ظل صراع محتدم شرقي البلاد. وفي خطوة لافتة، قادت الولايات المتحدة جهود وساطة بين الكونغو ورواندا، أفضت إلى توقيع إعلان مبادئ في 24 أبريل 2025، يضع أساسًا لاتفاق سلام رسمي يشمل وقف دعم الجماعات المسلحة. ويتوقع أن يؤدي هذا المسار إلى تعزيز التعاون في قطاع المعادن وتقليص النفوذ الصيني الذي يسيطر على مناجم استراتيجية بالمنطقة. 6.ما أبرز العوائق التي تهدد تنمية قطاع المعادن في أوكرانيا؟ • المسوحات الجيولوجية القديمة: تعود إلى العهد السوفيتي، مما يعيق جذب الاستثمارات. أوكرانيا بحاجة إلى تحديث شامل للخرائط والتقييمات. • أزمة البنية التحتية: تعاني البلاد من انهيار كبير في قطاع الكهرباء، إذ فُقدت نصف القدرة الإنتاجية خلال الحرب، ويُعد القطاع المعدني من أكثر القطاعات استهلاكًا للطاقة. • ضعف الدعم المؤسسي: نجاح الاستثمارات مرهون بدعم أمريكي عبر مؤسسات مثل هيئة المسح الجيولوجي ومؤسسة تمويل التنمية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store