logo
ماذا يعني إلقاء حزب العمال الكردستاني سلاحه؟

ماذا يعني إلقاء حزب العمال الكردستاني سلاحه؟

الجزيرة١٣-٠٥-٢٠٢٥

أعلن حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه وإلقاء السلاح بعد أكثر من أربعة عقود من الحرب الانفصالية التي خاضها ضد تركيا، ما يفتح الباب على مرحلة مختلفة في البلاد باستحقاقات عديدة.
تركيا بلا إرهاب
بعد عهود من المظلومية الكردية في تركيا، وأفكار لم تتحول لمشاريع حقيقية مع قادة من أمثال الرئيس الراحل تورغوت أوزال ورئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، أتت المشاريع العملية لحل المسألة الكردية في تركيا مع العدالة والتنمية بقيادة أردوغان الذي اعترف لأول مرة عام 2005 بوجود ما أسماه "مشكلة كردية" في تركيا.
وبعد عدة إصلاحات سياسية وقانونية، بدأت عام 2009 مفاوضات سرية بين جهاز الاستخبارات التركي والحزب الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية وانفصالية، نتج عنها نداء الزعيم التاريخي للأخير عبدالله أوجلان عام 2013 والذي دعا فيه لإلقاء السلاح ضمن "عملية التسوية" مع الدولة التركية، وهو النداء الذي كرر مضمونه عام 2015.
بيدَ أن العملية وصلت لطريق مسدود مع أحداث الثورة السورية التي نتج عنها إدارات ذاتية في الشمال السوري، ما ساهم في عودة العمال الكردستاني للعمليات، وتركيا للمكافحة داخليًا وفي كل من سوريا والعراق.
بعد سنوات، تحديدًا في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الفائت، أطلق زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي ما أسماه مسار "تركيا بلا إرهاب"، حين دعا حزب العمال الكردستاني لحل نفسه وإلقاء السلاح، وهو ما تفاعل معه أوجلان ثم الحزب إيجابًا في سلسلة من الخطوات والتصريحات توّجت بقرار الحل.
ساهمت عوامل عدة في رفع سقف التوقعات من المسار الأخير، في مقدمتها كونُ الاقتراح أتى من بهتشلي بصفاته الثلاث؛ كزعيم قومي، ومعارض تقليدي للحلول السياسية للمسألة الكردية، وحليف وثيق للرئيس أردوغان، ودعمُ الأخير للمبادرة ومنحها الغطاء السياسي، وتجاوبُ أوجلان ثم قيادات كردية محلية وإقليمية مع المقترح.
اختلافات
أتى المسار السياسي الحالي في سياقات مختلفة تمامًا، بل لعلها معاكسة، لسنوات تأسيس الكردستاني وفشل المسار السابق، بما في ذلك التغيرات الأخيرة في سوريا التي هبت رياحها في صالح أنقرة وعلى عكس ما تشتهي سفن قوات سوريا الديمقراطية "قسَد"، ومراجعات أوجلان الفكرية التي باتت تميل للمشاركة السياسية والديمقراطية وليس العمليات العسكرية، وتراجع قدرات المنظمة بعد عمليات المكافحة داخل تركيا وخارجها في إطار الحرب الاستباقية وتجفيف المنابع.
ثمة اختلافات جذرية أربعة للمسار الحالي عن سابقه، الذي بدأ عام 2009، وفشل عام 2015. أولها في المنطلق، حيث إن المبادرة أتت من بهتشلي وليس من الرئيس أو الحكومة، كجزء من دروس التجارب السابقة التي تدفع للحذر أكثر من المسارعة، بحيث لا تتحمل الحكومة مسؤولية مباشرة عن خطوات محددة من جهة ولحشد التأييد للمسار من جهة ثانية.
أما الاختلاف الثاني فيرتبط بالشكل، حيث لم تكن هناك شروط مسبقة أو مبادئ معلنة أو اتفاق رسمي للمسار، كما حصل سابقًا في اللقاءات المتكررة بين الحكومة وحزب الشعوب الديمقراطي "الكردي"، وورقة "النقاط العشر" التي وقعت، وإن كانت التصريحات والخطوات المتلاحقة تباعًا توحي بوجود تفاهمات غير معلنة.
بينما يرتبط الاختلاف الثالث بتنفيذ المسار، حيث إن الخطوات العملية أتت من طرف واحد، هو العمال الكردستاني، بدون أي خطوات رسمية أو معلنة حتى اللحظة من طرف الحكومة/ الدولة التركية.
وأخيرًا، يتعلّق الاختلاف الرئيس الرابع بالمضمون، حيث لم يكتفِ حزب العمال بفكرة إلقاء السلاح، وإنما أعلن عن حل نفسه بشكل نهائي، ووقف أنشطته وانتهاج العمل السياسي.
ضمن مخرجات مؤتمره الثاني عشر الذي عقده (في أكثر من مكان بشكل متزامن) في الفترة 5 – 7 مايو/ أيار الحالي، أعلن الحزب عن "حل بنيته التنظيمية ووقف العمل المسلح وكل الأنشطة المنفذة باسم حزب العمال الكردستاني" استجابة لنداء أوجلان، مؤكدًا أنه "أتم بذلك مهمته التاريخية".
ودعا البيان الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والأكاديميين ومؤسسات المجتمع المدني للعب دور فاعل في تأسيس ما أسماه "السلام والمجتمع الديمقراطي"، وهي التسمية الموازية لتسمية "تركيا بلا إرهاب" المعتمدة من قبل الحكومة، كما حثَّ "القوى الدولية" على "عدم إعاقة الحل الديمقراطي وتقديم مساهمات بنّاءة".
من جهته، أثنى أردوغان على القرار، مؤكدًا على أنه "خطوة مهمة على طريق تحقيق رؤية تركيا بلا إرهاب" وعلى أنها "ستفتح أبواب عهد جديد".
ومن اللافت أن الرئيس التركي لم يبالغ كثيرًا في التفاؤل، حيث أكد على أن جهاز الاستخبارات وباقي المؤسسات "سيتابعون العملية من كثب لتجنب حدوث أي مشاكل"، مؤكدًا على أن الخطوة ينبغي أن تشمل العراق، وسوريا، وأوروبا، في إشارة لامتدادات حزب العمال فيها.
يغلب على أنقرة هذا التفاؤل الحذر، لأنها تنظر للخطوة – على أهميتها – على أنها بداية لا نهاية، تحسبًا لأي عقبات أو مفاجآت كما حصل في التجارب السابقة، فضلًا عن التّحديات القائمة والمرتبطة باستحقاقات المرحلة الجديدة.
وهو ما يفسر غياب أي أجندة رسمية معلنة بخطوات محددة حتى اللحظة، رغم أن وجود تفاهمات ضمنية ولو بالخطوط العريضة أمر متوقع، إذ لا يُنتظر من حزب العمال الإقدام على خطوة جذرية وتاريخية بهذا الحجم دون ضمانات أو تفاهمات أو تعهدات بالحد الأدنى من قبل الحكومة.
يمكن تصنيف استحقاقات ما بعد قرار الحل ضمن ثلاثة مسارات رئيسة:
الأول إجرائي، ويتعلّق بشكل مباشر بمتابعة التنفيذ العملي للقرارات المتخذة، وانعكاساتها على الهيئات التابعة للحزب خارج تركيا، وخصوصًا في سوريا، وهو ما ستتولاه بشكل أساسي الاستخبارات والمؤسسة العسكرية.
والثاني دستوري – سياسي، ويشمل تعديلات دستورية أو صياغة دستور جديد يتناغم مع ملامح المرحلة المقبلة، ويشمل ما يمكن تصنيفه ضمن الحقوق الثقافية للأكراد، وهو دور البرلمان.
والثالث قانوني مباشر، ويتعلق بكيفية التعامل مع الملفات المرتبطة بالكردستاني، وخصوصًا مقاتليه وقياداته حاملي الجنسية التركية، فضلًا عن احتمال تعديل بعض القوانين مثل قانون الإرهاب، وهو مسار مركّب ومعقد وفيه الكثير من التحديات، ويقع على كاهل البرلمان والأحزاب الممثلة فيه كذلك.
إلى جانب ما سبق، ثمة تحديات إضافية أمام المسار الحالي أهمها ثلاثة:
الأول يتعلق ببعض مطالب حزب العمال، والتي وردت ضمنًا في البيان الأخير وسبق الإشارة لها في تصريحات سابقة من قبيل "قيادة أوجلان وتوجيهه لتنفيذ القرارات المتخذة والاعتراف بحقوقه السياسية". وهو ما يعني المطالبة الضمنية بإطلاق سراحه. وهو أمر ليس سهلًا، رغم إشارة بهتشلي في تصريحه لإمكانية إتاحة الفرصة له لإلقاء خطاب تحت قبة البرلمان أمام الكتلة البرلمانية لحزب ديمقراطية ومساواة الشعوب.
والتحدي الآخر هو احتمال الفشل أو النكوص أو التنفيذ غير الكامل وفق رؤية أنقرة، وتحديدًا ما يتعلق بقوات سوريا الديمقراطية، حيث تطالب أنقرة بحلها ودمجها في الجيش السوري، بينما تسعى هي للحفاظ على كيانها وإن انضمت للمؤسسة العسكرية. وهنا، يساور أنقرة شكوك باحتمال أن يكون قرار حل الكردستاني يهدف ضمن ما يهدف لحماية "قسَد" وليس حلها، من زاوية أن ما تأخذه عليها أنقرة هو علاقتها بالكردستاني "الذي لم يعد موجودًا".
وأما الثالث فيرتبط بردة الفعل الشعبية ورأي الشارع. فالأغلبية البرلمانية المطلوبة للاستحقاقات الدستورية والقانونية المشار لها تبدو متحققة بنواب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية وحزب ديمقراطية ومساواة الشعوب "الكردي" وعدم ممانعة الأحزاب الأخرى وفي مقدمتها الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، بينما سيحتاج إقناع الشارع بالخطوات الجذرية المتوقعة لجهد كبير، لا سيما في ظل الخطاب القومي عالي السقف الذي ساد في البلاد في السنوات الأخيرة.
وهنا، يتوقع من الرئاسة والحكومة اعتماد خطاب يركز من جهة على المكاسب الكبيرة للمسار الحالي، والمتمثلة بالتخلص من كلفة مكافحة الإرهاب البشرية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وسد الباب على التدخلات الخارجية والضغط على تركيا، فضلًا عن المكاسب الاقتصادية المنتظرة، ومن جهة أخرى على أن الأمر لم يشمل "تنازلات أمام الإرهاب" وإنما هو تجاوب مرن مع "حل المنظمة الإرهابية نفسها بلا قيد أو شرط" على طريق الوصول لـ "تركيا بلا إرهاب".
وبالتأكيد أن الحكومة ستستثمر في هذا السبيل الخطاب السياسي الرسمي ووسائل الإعلام، فضلًا عن أصحاب الرأي والفكر في البلاد، كما حصل سابقًا وإن بشكل معدّل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الإمارات تعلن اتفاقها مع إسرائيل على إيصال مساعدات عاجلة لغزة
الإمارات تعلن اتفاقها مع إسرائيل على إيصال مساعدات عاجلة لغزة

الجزيرة

timeمنذ 24 دقائق

  • الجزيرة

الإمارات تعلن اتفاقها مع إسرائيل على إيصال مساعدات عاجلة لغزة

أعلنت الإمارات اتفاقها مع إسرائيل على السماح بتسليم مساعدات إنسانية عاجلة سترسلها إلى قطاع غزة. وجاء الاتفاق في اتصال هاتفي بين الشيخ عبد الله بن زايد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي ووزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر ، وفقا لوكالة أنباء الإمارات التي أكدت أن المساعدات ستلبي في البداية الاحتياجات الغذائية لحوالي 15 ألف مدني في غزة. كما ستشمل أيضا الإمدادات الأساسية للمخابز والمواد الضرورية لرعاية الرضع. وأشارت الوكالة إلى أن الشيخ عبد الله بن زايد أكد خلال الاتصال "على أهمية وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية إلى الشعب الفلسطيني في القطاع بشكل عاجل ومكثف وآمن ودون أي عوائق". وأضافت "بحث الجانبان الجهود الإقليمية والدولية لاستئناف اتفاق الهدنة، والتوصل إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن". وتصاعدت الضغوط الدولية على إسرائيل في الأيام الأخيرة مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شن هجوم عسكري جديد على غزة، في ظل حصار خانق ومنع لدخول المساعدات منذ مطلع مارس/ آذار الماضي. وتمنع إسرائيل دخول الإمدادات الطبية والغذائية والوقود إلى القطاع، مما دفع خبراء دوليين إلى التحذير من مجاعة تلوح في الأفق. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس أمس الثلاثاء إن اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ستخضع للمراجعة في ظل الوضع "الكارثي" في قطاع غزة. وفي وقت سابق أمس، قال متحدث باسم مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في جنيف إن إسرائيل سمحت لحوالي 100 شاحنة مساعدات بدخول غزة. لكن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكد في بيان أمس أن "الاحتلال الإسرائيلي لم يسمح بدخول أي شاحنة مساعدات إنسانية وطبية ووقود بشكل تام منذ 2 مارس/آذار 2025". وأوضح المكتب أن غزة بحاجة إلى ما لا يقل عن 44 ألف شاحنة مساعدات خلال هذه الفترة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان الأساسية، وأكد أن القطاع بحاجة يومياً إلى إدخال 500 شاحنة مساعدات و50 شاحنة وقود للمرافق الحيوية والطبية. ودعا المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى "التحرك العاجل لفتح المعابر وإدخال الغذاء والدواء والوقود إلى غزة، وإنقاذ مئات آلاف المدنيين قبل فوات الأوان". وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت أكثر من 175 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

ضربة قاسية للدعم السريع
ضربة قاسية للدعم السريع

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

ضربة قاسية للدعم السريع

في تطوّر سياسي مفصلي، وفي سياق منعطف تاريخي حاسم، حيث تتدافع الأحداث وتتصارع الإرادات، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، القائد العام للجيش، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، مرسومًا دستوريًا قضى بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء، موجهًا كل الجهات المختصة في الدولة بوضع المرسوم موضع التنفيذ. هذه الخطوة التي كانت محل انتظار وترقّب، أتت في لحظة حرجة من عمر الدولة السودانية، وسط مشهد سياسي وأمني بالغ التعقيد، ووسط دعوات ملحّة بضرورة ملء الفراغ الدستوري بسلطة تنفيذية ذات ولاية كاملة. إذًا فإن القرار جاء كبرق يخطف الأبصار في سماء غائمة بالحروب والتداخلات الإقليمية والدولية، ليكون بمثابة الإجابة عن سؤال ظل يتردد في أروقة السياسة وأذهان المواطنين: هل آن الأوان لإنهاء حالة "اللاحكومة" التي عاشها السودان طويلًا؟ لقد اعتادت البلاد خلال السنوات الماضية على نمط "التكليف" في قيادة العمل التنفيذي، حتى أصبح هو الأصل، فيما بات "التعيين بالأصالة" استثناءً نادرًا. فغالبًا ما يقود المشهد رئيس وزراء "مكلّف"، يتولى إدارة حكومة من وزراء "مكلّفين" كذلك، في مشهد يتكرر حتى فقد استثنائيته. لكن جوهر التكليف ليس إدارة حقيقية، بل هو تسيير مؤقت، أشبه بمحاولة الوقوف على أطلال حكومة لم تُبنَ بعد. فالتكليف يظل قاصرًا عن تحقيق الإرادة السياسية الكاملة، كسائق يقود سيارةً بفرامل يد مرفوعة، يتحرك ولكن ضمن مسار محدود وضيق. وهنا تظهر المفارقة الصارخة: فالبلاد تمر بأحلك ظروفها منذ الاستقلال، اقتصاد يترنّح، مؤسسات تنهار، وثقة شعبية تتآكل. فهل يكفي في هذا السياق تسيير المرحلة، أم نحن بحاجة إلى إرادة حكم، لا إدارة مؤقتة؟ إن الفرق الجوهري بين "المكلّف" و"المُعيَّن" يتجاوز التوصيفات القانونية إلى مضمون السلطة ذاتها. فـ"المُعيَّن" يتمتع بتفويض حقيقي وشرعية دستورية لاتخاذ قرارات إستراتيجية طويلة الأجل، بينما يظل "المكلَّف" يتحرك في هامش ضيق، ويفتقر للقدرة على الإقدام السياسي. إذًا، فإن تعيين رئيس وزراء بصلاحيات تنفيذية كاملة، هو خروج من مربع "التكليف"، نحو لحظة تأسيسية جديدة تعيد للدولة هيبتها، وتملأ الفراغ الذي استغلّه المتربصون. وفي ذات الوقت يبرز سؤال محوري: ماذا يعني هذا التعيين بالنسبة لمليشيا الدعم السريع التي تقاتل الحكومة السودانية والجيش، وكذلك ماذا يعني لحكومة المنفى المرتبطة بالمليشيا؟ ماذا يعني التعيين لـ"الدعم السريع"؟ لا يمكن فصل قرار تعيين رئيس وزراء في السودان عن الصراع الدائر مع مليشيا الدعم السريع، فالحرب لم تعد ميدانية بحتة، بل تحولت إلى معركة متعددة الأبعاد: سياسية، ودبلوماسية، وإعلامية. وفي هذا السياق، يأتي القرار ليعيد ترتيب الأوراق على المستويين؛ الإقليمي، والدولي، حيث يمنح الموقف السوداني الرسمي مزيدًا من المصداقية في المحافل الدولية، ويقطع الطريق على محاولات إضفاء الشرعية على ما يُسمى بـ"الحكومة الموازية". وإلى جانب دلالاته الدستورية، يُعد القرار بمثابة إغلاق لباب ظلّت أطراف خارجية تعبث به، في محاولات مكشوفة لإعادة عبدالله حمدوك، الذي ارتبط اسمه في أذهان الكثيرين بمشهد العجز وفقدان الإرادة. أما مليشيا الدعم السريع، فإن تشكيل حكومة بمرجعية واضحة وقيادة تنفيذية تتمتع بالشرعية، يمثل تطورًا سياسيًا يضيّق من خياراتها، ويمنح الموقف الرسمي السوداني تماسكًا أكبر على المستوى الدولي. لا يعني ذلك نهاية المواجهة، لكنّه بالتأكيد يعيد توازن المعركة إلى المربع السياسي، بعد أن ظل حكرًا على الميدان العسكري. وعلى صعيد التوازنات السياسية الداخلية، يجب على الحكومة الجديدة أن تعمل على بناء جسور من الثقة مع مختلف القوى السياسية والمجتمعية في السودان. ففي ظل حالة الاستقطاب الحاد التي تشهدها البلاد، قد ترى بعض الأطراف في هذا التعيين إقصاءً أو تهميشًا لدورها. لذا، فإن قدرة الحكومة على احتواء هذه المخاوف وإشراك أوسع قاعدة من السودانيين في جهود إعادة البناء ستكون حاسمة لتحقيق الاستقرار والوحدة الوطنية. ومهما اختلف الناس حول الشخص المعيّن، فإن تعيين رئيس وزراء بصلاحيات تنفيذية، يعد خطوة تصحيحية طالما نادى بها الحريصون على معافاة الوطن وخروجه من نفق الحرب، وتثبيت السلطة المدنية بموجب أدوات فعل حقيقية. وجود سلطة تنفيذيّة ذات ولاية دستورية، يُضعف ادّعاء حكومة المنفى بتمثيل السودان سياسيًا. فتلك الحكومة، التي تشكّلت في سياقات استثنائية، كانت تُراهن على استمرار فراغ السلطة المركزية لفرض نفسها طرفًا في المشهدَين؛ الإقليميّ والدوليّ. منذ ترشيحه أول مرة في عام 2019 بدعم من المؤسسة العسكرية، لم يغب اسم الدكتور كامل إدريس عن التداول السياسي. يعود اليوم للواجهة في ظروف مختلفة، مدفوعًا بسيرته المهنية والدولية الواسعة، وبدعم من تيارات ترى فيه توافقًا مقبولًا إقليميًا، ووزنًا دوليًا يمكن البناء عليه. فهو شخصية ذات خلفية أكاديمية مرموقة، تقلّد رئاسة المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، وترأس لاحقًا محكمة التحكيم والوساطة الدولية. كما حصل على ما يقارب 20 شهادة دكتوراه فخرية من جامعات دولية مرموقة. فيما يعتقد آخرون أن من تدفع به هي دوائر دولية تبحث عن مرونة سياسية أكثر من قدرة حقيقية على اتخاذ القرار. وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، من المهم مراقبة مواقف الدول المؤثرة تجاه هذا التعيين. فبينما قد يلقى القرار ترحيبًا من بعض العواصم التي ترى فيه خطوة نحو الاستقرار، قد تتحفظ أخرى بناءً على مصالحها أو علاقاتها مع الأطراف الأخرى في الصراع. إن بناء دعم دولي موحد للحكومة الجديدة سيكون ضروريًا لتعزيز موقفها في المحافل الدولية وللحصول على المساعدات اللازمة في مرحلة ما بعد الحرب. ولعل الأهم من ذلك، أن الدكتور كامل إدريس أعلن – في خطوة غير مسبوقة – عن تنازله الكامل عن أي مخصصات مالية أو سكن من الدولة، والتزامه بالعمل تطوعًا، معلنًا عزمه على كشف ذمته المالية بالكامل قبل أداء القسَم، ومؤكدًا أن هذا النهج سيشمل كذلك طاقمه الوزاري المرتقب. في بلد أنهكته الامتيازات السياسية والفساد، فإن هذه الإشارات لا يمكن الاستهانة بها. غير أن هذا الترشيح لم يخلُ من الجدل، فبينما يرى أنصاره أنه رجل مؤسسات، وخبير دولي منضبط، ملم بتعقيدات الداخل والخارج، يرى منتقدوه أنه بلا تجربة تنفيذية حقيقية داخل السودان، ولا يمتلك قاعدة جماهيرية تُذكر. بعضهم يصفه بأنه "موظف علاقات عامة أممي"، يفتقر للاتصال العضوي بقضايا الناس، فيما يعتقد آخرون أن من تدفع به هي دوائر دولية تبحث عن مرونة سياسية أكثر من قدرة حقيقية على اتخاذ القرار. لكن واقع الحال، أن الخلاف حول إدريس هو انعكاس لأزمة أعمق: أزمة قيادة وتوافق في بلد يتقاذفه الاستقطاب، وتنهشه الحروب، وتُعطّل فيه المؤسسات. الجدل في جوهره مشروع، لكنه لا ينبغي أن يكون مبررًا لإسقاط فكرة تعيين رئيس وزراء بصلاحيات كاملة، أو التراجع عن خطوة إصلاحية بهذا الوزن. على قدر الثقة الكبيرة في خطط الجيش لإدارة حرب الكرامة والتحرير بكفاءة، يلاحظ تراجع في الثقة الشعبية تجاه بعض القرارات التنفيذية التي اتُخذت خلال الفترة الماضية، والتي شابها الارتباك أحيانًا وافتقرت للحس السياسي اللازم. إعلان ولذلك فإن نجاح المعركة السياسية يتطلب حكومة ذات كفاءة واستقلالية، تعمل بتنسيق إستراتيجي كامل مع قيادة الجيش، دون تدخل مباشر من العسكريين في التفاصيل التنفيذية. ومن هنا، فإن الحفاظ على مكتسبات الميدان يمرّ عبر إدارة مدنية راشدة، تملك أدوات التنفيذ، وتتحمّل مسؤولياتها بشجاعة موازية لتضحيات الأبطال في الجبهات. وعلى المستوى القانوني والدستوري، يأتي هذا التعيين في ظل وضع انتقالي معقد. من المهم أن تستند الحكومة الجديدة إلى أسس دستورية واضحة، وأن تعمل على تجاوز أي تحديات قانونية قد تعترض طريقها. إن بناء مؤسّسات الدولة على أسس راسخة يتطلّب احترام الإطار القانوني، والعمل على استكمال هياكل الحكم الانتقاليّ المتّفق عليها. كثير من الإنجازات العسكرية قد تذهب هدرًا بفعل قرارات سياسية مرتبكة أو أداء تنفيذي ضعيف. ومن هنا، فإن الحفاظ على مكتسبات الميدان يمرّ عبر إدارة مدنية راشدة، تملك أدوات التنفيذ، وتتحمّل مسؤولياتها بشجاعة موازية لتضحيات الأبطال في الجبهات. ولا يمكن إغفال التحديات الجسام التي يواجهها الدكتور كامل إدريس ومن أبرزها: إدارة الحرب: فالمعركة مع مليشيا الدعم السريع لم تحسم بعد، والجيش السوداني يحتاج إلى دعم سياسي كامل لتحقيق النصر. إنقاذ الاقتصاد: حيث يعاني السودان من انهيار اقتصادي غير مسبوق، مع ارتفاع جنوني للأسعار، وندرة في العملة الصعبة، وتراجع حادّ في قيمة الجنيه. استعادة الشرعية الشعبية: فثقة المواطن السوداني في الطبقة السياسية بلغت أدنى مستوياتها، مما يتطلب إصلاحات جذرية تبدأ بمحاربة الفساد، وإعادة بناء مؤسسات الدولة. التأثير على الوضع الإنساني: بالإضافة إلى هذه التحديات، يقع على عاتق الحكومة الجديدة مسؤولية جسيمة في التعامل مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد. إن ضمان وصول المساعدات للمحتاجين، وتوفير الأمن للمدنيين، وتهيئة الظروف لعودة النازحين واللاجئين، يجب أن يكون على رأس أولوياتها. إن وجود حكومة ذات شرعية يمكن أن يسهل تنسيق الجهود الإغاثية مع المنظمات الدولية والإقليمية. بيت القصيد.. البرنامج أهم من الشخص؟ في نهاية المطاف، فإن جوهر التقييم يجب أن ينصبّ على البرنامج لا الشخص. السودان يحتاج إلى إدارة أزمة شاملة، بخطة وطنية واقعية قابلة للتنفيذ، لا إلى رمزية أو شعارات فارغة. فلا أحد – مهما علا قدره – سيحظى بتوافق كامل، لكن يمكن لأي مسؤول أن يكسب الشرعية من خلال الأداء، والبرنامج، واستعادة ثقة الناس. كما لا ينبغي أن يتحول النقاش حول تعيين الدكتور كامل إدريس إلى جدل شخصاني بعيد عن جوهر الأزمة. فالسودان لا يحتاج إلى "بطل منقذ"، بل إلى خطة واضحة تقوده إلى بر الأمان. التعيين خطوةٌ مهمة، لكنها تظل حبرًا على ورق إذا لم تترجم إلى إنجازات ملموسة على الأرض. يجب أن يُفهم تعيين الدكتور كامل إدريس – بما له وما عليه- ضمن سياق سياسي أشمل، عنوانه: الخروج من حالة "اللاحكومة"، وإنهاء الفراغ الدستوري، والبدء في إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس حقيقية. إنها لحظة تأسيس يجب ألا تُهدر في الجدل حول الأشخاص. وإذا كان من كلمة ختام، فإن الشعب السوداني لا يبحث عن "منقذ فرد"، بل عن قيادة صادقة، تملك الإرادة، وتُنهي منطق التسيير والتكليف المؤقت، لتبدأ عهد الدولة الحقيقية. إن الشعب السوداني، الذي صبر طويلًا، لم يعد لديه متسعٌ من الوقت لانتظار الوعود. وبالنظر إلى المستقبل، تتعدد السيناريوهات المحتملة لمسار الأوضاع في السودان في ظل هذه الحكومة الجديدة. فبينما يحدونا الأمل في أن تكون هذه الخطوة بداية لعهد من الاستقرار وإعادة الإعمار، لا يمكن تجاهل التحديات الكبيرة التي لا تزال قائمة. إن قدرة الحكومة على تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض، وبناء توافق سياسي واسع، والتعامل بفاعلية مع الأزمة الإنسانية، ستحدد ما إذا كنا أمام بداية عهد جديد أو فصل آخر من فصول الأزمة السودانية المتجددة. الإجابة ستأتي من الأفعال، والشعب السوداني يراقب من كثب. إعلان ويبقي السؤال الأكبر الآن: هل سنشهد بداية عهد جديد من الاستقرار، أم أننا أمام فصل آخر من فصول الأزمة السودانية المتجددة؟ الإجابة لن تأتي من الكلمات، بل من الأفعال.

رويترز: إيران تفتقر لخطة بديلة واضحة وستتجنب تصعيد التوتر
رويترز: إيران تفتقر لخطة بديلة واضحة وستتجنب تصعيد التوتر

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

رويترز: إيران تفتقر لخطة بديلة واضحة وستتجنب تصعيد التوتر

نقلت وكالة رويترز عن 3 مصادر أن القيادة الإيرانية تفتقر إلى خطة بديلة واضحة لتطبيقها في حال انهيار الجهود الرامية إلى حل النزاع حول برنامج إيران النووي المستمر منذ عقود، وذلك في ظل تعثر المحادثات بين واشنطن وطهران جراء التوتر المتصاعد بين الطرفين بشأن تخصيب اليورانيوم. في حين قال مسؤول إيراني كبير لرويترز إن طهران ستتجنب تصعيد التوتر مع استعدادها للدفاع عن نفسها. وقالت المصادر الإيرانية إن إيران قد تلجأ إلى الصين وروسيا في "خطة بديلة" إذا استمر التعثر. لكن في ظل الحرب التجارية بين بكين وواشنطن وانشغال موسكو بحربها في أوكرانيا، تبدو خطة طهران البديلة هشة، وفق رويترز. وفي السياق، أوضح مسؤول إيراني كبير أن الخطة البديلة لطهران هي مواصلة الإستراتيجية المعتمدة قبل بدء المحادثات، مشيرا إلى أن إيران ستتجنب تصعيد التوتر، وفي الوقت نفسه تبقى مستعدة للدفاع عن نفسها، لافتا إلى أن هذه الإستراتيجية تشمل أيضا تعزيز العلاقات مع الحلفاء مثل روسيا والصين. ونقلت وسائل إعلام رسمية عن الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي قوله، في وقت سابق أمس الثلاثاء، إن مطالب الولايات المتحدة بامتناع طهران عن تخصيب اليورانيوم "زائدة عن الحد ومهينة"، معبرا عن شكوكه إذا ما كانت المحادثات النووية ستفضي إلى اتفاق. إعلان وبعد 4 جولات من المحادثات التي تهدف إلى كبح البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات ، لا تزال هناك عديد من العقبات التي تعترض طريق المحادثات. ونسبت رويترز إلى مسؤولين إيرانيين ودبلوماسي أوروبي أن طهران ترفض نقل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج أو الخوض في مناقشات بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية. انعدام الثقة وضمانات كما أن انعدام الثقة من كلا الجانبين وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاق عام 2015 مع القوى العالمية قد زاد من أهمية حصول إيران على ضمانات بأن واشنطن لن تتراجع عن اتفاق مستقبلي. وحتى في حال انحسار الخلافات بشأن التخصيب، فإن رفع العقوبات لا يزال محفوفا بالمخاطر. فالولايات المتحدة تفضل الإلغاء التدريجي للعقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي، في حين تطالب طهران بإزالة جميع القيود على الفور. وقد فُرضت عقوبات على عشرات المؤسسات الإيرانية الحيوية للاقتصاد منذ عام 2018، ومن بينها البنك المركزي وشركة النفط الوطنية. وقالت المصادر لرويترز إنه مع إحياء ترامب السريع لحملة "أقصى الضغوط" على طهران منذ فبراير/شباط الماضي، ومن ذلك تشديد العقوبات والتهديدات العسكرية، فإن القيادة الإيرانية "ليس لديها خيار أفضل" من اتفاق جديد لتجنب الفوضى الاقتصادية في الداخل. وقال مسؤول إيراني لوكالة رويترز إن الاقتصاد الإيراني لن يتعافى قبل رفع العقوبات وتمكين مبيعات النفط من الوصول إلى المستوردين. ونقلت رويترز عن دبلوماسيين ووثيقة أن كلّا من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ستفعّل آلية لإعادة فرض العقوبات على إيران إذا لم يتم التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة بحلول أغسطس/آب المقبل. ورجح مسؤول أوروبي كبير أن الأمر سيستغرق وقتا أطول من 18 شهرا في ظل وضع جيوسياسي أكثر تعقيدا الآن.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store