logo
ذبح واغتصاب وخطف.. تحقيق يكشف فظاعات بمخيم للنازحين في دارفور

ذبح واغتصاب وخطف.. تحقيق يكشف فظاعات بمخيم للنازحين في دارفور

الجزيرةمنذ 15 ساعات
كشفت صحيفة غارديان البريطانية في تحقيق استقصائي موسع عن وقوع واحدة من أفظع المجازر بالسودان، حيث يُعتقد أن أكثر من 1500 مدني قُتلوا خلال هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور خلال أبريل/نيسان الماضي.
وفي التحقيق، روى النازحون في المخيم لمراسل الصحيفة مارك تاونسند جوانب من الفظائع التي ارتكبها مقاتلو قوات الدعم السريع، وقالت إحدى الناجيات من المجازر "ذبحونا مثل الحيوانات".
ويوثق التحقيق -الذي يستند إلى شهادات ناجين ومصادر ميدانية- عمليات إعدام جماعي واغتصاب وخطف واسع النطاق استمر على مدى 72 ساعة.
ورجّحت لجنة محلية للتحقيق أن عدد القتلى الفعلي قد يتجاوز ألفين، في حين لا يزال آلاف السكان في عداد المفقودين.
ويُعد مخيم زمزم -الذي يستضيف نازحين منذ أكثر من عقدين- من بين أكبر مخيمات النزوح في السودان.
وجاء الهجوم في توقيت بالغ الحساسية، وذلك قبيل مؤتمر دولي للسلام نظمته الحكومة البريطانية في لندن بشأن السودان في 16 أبريل/نيسان الماضي، بهدف حشد الدعم للمساعدات الإنسانية ووضع مسار لإنهاء الأعمال العدائية.
وبحسب التحقيق، فإن قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب جرائم إبادة في دارفور في العقد الأول من الألفية الحالية استخدمت مستوى عنف صادما حتى بمقاييس الصراع السوداني المستعر منذ أبريل/نيسان 2023.
فظائع بالجملة
وأكد أحد الخبراء العاملين على توثيق المجازر أنه لم يصادف قط هذا الحجم من الفقد الذي يعاني منه كل من تحدّث إليهم من الناجين.
وتضاف هذه المجزرة -طبقا لـ"غارديان"- إلى سلسلة من الفظائع التي ارتُكبت في ولاية غرب دارفور -ولا سيما في عاصمتها الجنينة- حيث قُتل أكثر من 10 آلاف شخص من قبيلة المساليت وغيرهم من السكان غير العرب خلال عام 2023، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
ورغم خطورة الأحداث فإن رئيس رابطة دارفور في بريطانيا عبد الله أبو قردة أشار إلى غياب أي رد فعل دولي يضاهي فداحة الجريمة، مؤكدا أن الآلاف من الدارفوريين في المهجر فقدوا أقارب أو أصدقاء في مجزرة زمزم، توضح الصحيفة البريطانية.
من جهتها، حذرت منظمة أطباء بلا حدود من الوضع الكارثي الذي يعانيه الناجون، حيث يتعرضون للنهب والانتهاكات الجنسية وظروف النزوح القاسية.
كما أُبلغ عن اختطاف عشرات النساء ونقلهن إلى مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور أحد أبرز معاقل قوات الدعم السريع.
وفي ضوء هذه التطورات، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية الشهر الماضي أن لديها "أسبابا معقولة" للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
وأفادت صحيفة غارديان بأن أدلة قوية تشير إلى أن الهجوم كان يستهدف تفريغ المخيم من سكانه كجزء من خطة تهجير قسري ذات طابع عرقي.
وعلى الرغم من إدانات محدودة لاحقة من الأمم المتحدة وبريطانيا فإنه لم تُتخذ خطوات جادة لمحاسبة المسؤولين أو فرض عقوبات على من يقف وراء المجزرة.
وبحسب "غارديان"، فإن مخيم زمزم مدمر بالكامل حاليا، ومدينة الفاشر المجاورة -التي كانت الأمل الوحيد لإنقاذه- محاصرة وتواجه خطر المجازر ذاتها.
"ذبحونا كالحيوانات"
وتقول الصحيفة البريطانية إنه على الرغم من سجل قوات الدعم السريع الدموي فإن البعض كان يعتقد أنها قد تتراجع عن اقتحام مخيم زمزم الذي بدا هدفا هشا جدا حتى لمليشيا متهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
ويضم المخيم نصف مليون شخص -أغلبهم من النساء والأطفال- "وهم جوعى وعزّل تماما".
ونقلت الصحيفة عن محقق في جرائم الحرب تابع للأمم المتحدة -طلب عدم ذكر اسمه- القول "داخل زمزم توجد واحدة من أكثر الفئات السكانية هشاشة على وجه الأرض، إن لم تكن الأكثر على الإطلاق".
لكن في تمام الساعة الثامنة صباح ذلك اليوم من أبريل/نيسان الماضي -تتابع "غارديان"- دوّى القصف المدفعي فوق زمزم، وبدأت طائرات مسيّرة تحوم في الأجواء إيذانا ببدء الهجوم، وشرعت قوات الدعم السريع في تطويق المخيم من 3 جهات ثم أطلقت قذائفها، وتوغلت مركباتها في عمق المخيم، وخطف مقاتلوها فتيات مراهقات وقتلوا الطواقم الطبية وداهموا المدارس والمنازل.
وعند المدخل الجنوبي للمخيم كانت نحو 50 فتاة مراهقة يجلسن يتفقدن هواتفهن، وقال شهود عيان إنهم رأوهن يُجبرن على ركوب شاحنات "البيك أب" التابعة للدعم السريع، ليُقتدن إلى جهة مجهولة، ولم يُعثر عليهن منذ ذلك الحين، بحسب الصحيفة البريطانية.
فاطمة بخيت الحامل -التي فقدت زوجها وطفليها في الهجوم- وصفت اللحظة التي حملت فيها بقايا جسد طفلها، فقالت "سقطت أجزاء من جسده في يدي، لم أشعر بشيء، ولا حتى الجوع"، في حين زحف طفلها الآخر البالغ من العمر 3 سنوات نحوها ملطخا بدماء أخيه الميت
روايات ناجين
ونقل المراسل الصحفي مارك تاونسند في التحقيق الاستقصائي شهادات بعض الناجين من مذبحة أبريل/نيسان الماضي، مكتفيا بإيراد أسمائهم الأولى فقط أو بأسماء مستعارة من أجل حمايتهم.
وفي حي أحمدي -الذي يقع على بعد 200 متر شرقي المخيم- أضرم مقاتلو الدعم السريع النيران في 60 منزلا تابعا لأفراد من قبيلة الزغاوة، وأطلقوا النار على النساء أثناء فرارهن، وبقيت 6 منهن داخل المنازل فاحترقن أحياء.
ووصفت فاطمة بخيت الحامل -التي فقدت زوجها وطفليها في الهجوم- اللحظة التي حملت فيها بقايا جسد طفلها، فقالت "سقطت أجزاء من جسده في يدي، لم أشعر بشيء، ولا حتى الجوع"، في حين زحف طفلها الآخر البالغ من العمر 3 سنوات نحوها ملطخا بدماء أخيه الميت، وأصيبت فاطمة في ساقها اليمنى ويدها.
وبجوار العيادة الصحية توجد مدرسة الشيخ فرح القرآنية المجاورة، وكانت مكتظة بالطلاب والمقيمين الباحثين عن مأوى عندما اقتحمتها قوات الدعم السريع.
إعلان
وهناك -تتابع "غارديان"- شاهدت فاطمة ما لا يقل عن 15 طفلا ورجلا يُقتادون إلى الخارج، وقالت "أوقفوهم في صف واحد وأطلقوا النار عليهم جميعا وأردوهم قتلى"، وقالت إحدى الناجيات -التي أطلقت عليها الصحيفة اسم "مريم"- "سحبوا أختي من بيتها وقتلوها أمامنا، ذبحونا كالحيوانات".
وفي تمام الساعة الـ11 صباحا اقتحمت 4 مركبات تويوتا هايلوكس تابعة للدعم السريع عيادة صحية اختبأ طاقمها الطبي داخل خنادق حُفرت تحت الأرض، وصرخ أحد المهاجمين "اخرجوا أيها العبيد".
اغتصاب جماعي
ومن بين أبرز رموز هذه المجزرة طبيبة تُدعى هنادي داود (22 سنة) واجهت الهجوم بموقف بطولي، فرفضت الفرار، وقاتلت في الخطوط الأمامية بسكين مطبخ، قبل أن تسقط شهيدة تحت وابل من الرصاص، تؤكد الصحيفة البريطانية، مبينة أن زميلها هشام محمد روى أن هنادي خاطبتهم قائلة "موتوا بشرف، سأبقى هنا حتى النهاية".
ويتابع المراسل أن هنادي لم تكن مجرد طبيبة، بل كانت رمزا لجيل نشأ في ظل الإبادة الجماعية السابقة، واختار أن يقاوم بسلاح الرحمة لا القتل، وفي أحد مقاطع الفيديو يظهر أصدقاؤها وهم يجرونها إلى عيادة ميدانية بدائية، في حين كانت أصوات القذائف لا تزال تدوي.
وتوضح "غارديان" أن الهجوم امتد ليشمل جنوب المخيم، حيث داهمت وحدات الدعم السريع المنازل وأعدمت السكان وأضرمت النيران بالمنازل التي تعود إلى قبيلة الزغاوة.
وفي حي آخر أعدمت قوات الدعم السريع رجالا ورضعا في أكواخ القش، وذكرت شاهدة أخرى تدعى حليمة أن ابنها البالغ من العمر 16 عاما أُطلق عليه الرصاص أمامها، قبل أن تُغتصب هي وبناتها المراهقات على يد 4 رجال.
"كنت أسمع صراخ بناتي، خاصة الصغيرة، عمرها 13 سنة فقط"، تتابع حليمة.
ورغم تلقّي الحكومة البريطانية إنذارات متعددة من الأمم المتحدة ومن مركز أبحاث تابع لجامعة ييل ومن خبراء حضروا مؤتمرات رسمية في لندن تفيد بخطر وقوع هجوم وشيك على مخيم زمزم فإن وزارة الخارجية البريطانية التزمت الصمت، على حد تعبير "غارديان".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الدعم السريع وبوابة العاصفة في السودان
الدعم السريع وبوابة العاصفة في السودان

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

الدعم السريع وبوابة العاصفة في السودان

إن كل تقييم منصف وقراءة موضوعية سيصل إلى أن الحرب التي تجري حاليا في السودان في عامها الثالث هي نتيجة طبيعية لفشل القوى المنوط بها قيادة الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط النظام السابق في 2019. ففضلا عن التصريحات المباشرة التي صدرت من عدد من قيادات تحالف الحرية والتغيير صراحة بمضمون: "إما التوقيع على الاتفاق الإطاري أو الحرب"، هناك عديد الشواهد الشاخصة التي تؤكد هذه الحقيقة. لقد كانت الفترة الانتقالية التي تم التواثق عليها في الوثيقة الدستورية بين المنظومة العسكرية وقوى الحرية والتغيير فرصة كبيرة لقيادة البلد نحو استقرار يؤدي إلى المواصلة في مشروع بناء الدولة الوطنية الذي ظل متعثرا طوال فترات الحكم الوطني. ولكن كان واضحا لكل ذي لب سليم أن الطريقة التي تتصرف بها قوى الحرية والتغيير- من ازدراء للقانون وإهدار للحقوق الدستورية، وسعي محموم لتفكيك الجيش الوطني، وتمكين مليشيا الدعم السريع، مع تشبث بالسلطة مهما كانت الأثمان- ستنتهي إلى هذه النتيجة. وللإجابة عن سؤال هذا المقال، وهو: لماذا فشل الانتقال الديمقراطي في السودان؟ نحتاج أن نعترف ابتداء بأن الذي جرى ويجري في السودان ليس معزولا عن مجمل المشروع الدولي والإقليمي الذي جرى تنفيذه في ليبيا، واليمن، وسوريا. وسنعود لهذا العامل الخارجي المهم، والذي ساهم في خروج عجلة التغيير عن مسارها الصحيح لتنزلق في متاهات العنف والحرب المدمرة. ولكنّ واحدا من الأسباب الجوهرية التي أدت إلى فشل مشروع التحول الديمقراطي في السودان، وفي غيره من بلدان ما سُمي بالربيع العربي، هو عدم الوعي الكافي بطبيعة الحراك الذي أدى، ضمن عوامل أخرى، إلى سقوط الأنظمة القديمة. فقد بالغت القوى التي قادت الاحتجاجات في تعظيم الذات، ورفع سقف منجزها؛ توهما بأن الذي جرى هو ثورة حقيقية تضاهي الثورة الفرنسية، إن لم تتفوق عليها. فقد شاع في الأيام الأولى للتغيير في السودان أن "ثورة ديسمبر/ كانون الأول المجيدة هي العظمى في تاريخ البشرية". هذه القراءة الخاطئة، والتقييم الرغائبي، قادا إلى نتائج كارثية، أهمها توقف العقل عن التفكير في الذي يجب فعله بعد النجاح في إسقاط الحكومة السابقة، لأن مجرد قيام الثورة لا يعني بلوغ النجاح. ذلك هو المأزق الذي حذر منه كانط إذ يقول: "عن طريق الثورة يمكن أن نسقط استبدادا فرديا أو أن نضع حدا لاضطهاد يقوم على التعطش للنفوذ والثروة، ولكنا لن نبلغ بها إصلاحا حقيقيا لنمط التفكير، على العكس من ذلك ستنتعش بسببها أحكام مسبقة جديدة على غرار الأحكام القديمة لتشد إلى حبالها السواد الأعظم المفتقر إلى الفكر". والإصلاح كفعل متدرج هو ما افتقدته كل القوى التي ورثت الأنظمة القديمة، وبدلا من ذلك مضت قوى الحرية والتغيير تحت نشوة الانتصار الزائف تضخم من إنجازاتها الصغيرة، وتأكل من رصيد الثقة الذي وفره لها الشارع السوداني. السبب الثاني الذي أدى بنا إلى هذه الحرب اللعينة هو القصور البنيوي فكريا وسياسيا عند جماعة الحرية والتغيير، فالشاهد أن هذه القوى لم تكن تمتلك أي مشروع وطني للفترة الانتقالية إلا مشروع حيازة السلطة والاحتفاظ بها، كما قال عضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان: "نحنا عاوزين السلطة وسنقاتلكم حتى نبعدكم منها"، وذلك دون أدنى شعور بالحرج الأخلاقي لمن يفترض فيهم أنهم سلطة انتقالية مهمتها قيادة البلد نحو التحول الديمقراطي. غير أن المأزق الأكبر من ذلك هو انشغال التحالف بمعارك انصرافية استنزفت طاقته المحدودة في التفكير، فخاض معركة مع القوات المسلحة التي يُفترض أنها شريكته الأقوى في اقتسام السلطة، ثم تصدع بنيان التحالف حين تفاقم الخلاف بينه وبين شركائه في حركات دارفور التي التحقت بالسلطة بعد التوقيع على اتفاق جوبا. وصار حلفاء الأمس أعداء يتبادلون الاتهامات في الهواء الطلق، ويسعى بعضهم لإضعاف الآخر، فوقعوا في المحظور الذي حذر منه الترابي حين كان في تحالف قوى الإجماع الوطني الساعي حينها لإسقاط الإنقاذ: "وهذه سنة بلاد التحولات والثورات كلها، تتحير شيئا ما عند التجاوز من التبشير إلى مرحلة التطبيق، يتمادى الثوار -خاصة بروح الصراع- فور ما يفاجئهم الانتقال، فيُصوبون المشارسة المنقولة من عهد الثورة إلى أنفسهم، إذ يهلك العدو المستهدف، فينقلب بعضهم يهدف بعضا". السبب الثالث والرئيس في خروج مسار الانتقال عن مساره الصحيح هو عدم امتلاك الحكمة الكافية للتعامل مع الإرث القديم، وعدم تقدير حجم التأثير الذي يمكن أن تُحدثه القوى القديمة سلبا أو إيجابا. لقد اندفعت قوى الحرية والتغيير، تقودها روح انتقامية، إلى التشفي من رموز النظام القديم، وأعلنت على لسان قادتها أن شعارها تجاه كل العناصر القديمة، هو: (سيصرخون)، وذلك ردا على مبادرة البروفيسور إبراهيم غندور، رئيس المؤتمر الوطني، بأن حزبه سيكون (معارضة مساندة) للفترة الانتقالية. أما السبب الرابع، فهو التدخلات الخارجية التي أفسدت مسار الانتقال وعمقت الانقسامات بين المكونات الوطنية، وعملت على استقطاب بعض الأطراف لتنفيذ أجندة لا علاقة لها بالمصالح الوطنية ولا تدعم التحول الديمقراطي. وقد نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، صاحبة التأثير الكبير في سياسة الولايات المتحدة، أكثر من مقال وتحقيق تُحمّل الولايات المتحدة ما أسمته: (إحباط الآمال الديمقراطية في السودان). تعقيدات السودان إذا كانت تلك الأسباب تُعتبر عوامل مشتركة في البلدان العربية الشبيهة بالسودان من حيث وضع الانتقال من نظام حكم إلى آخر، فإن الوضع في السودان يفوقها جميعا من حيث التعقيد وحجم التحديات. فقد كانت هشاشة الدولة تحتاج إلى عقلية وطنية تتعامل مع تلك التعقيدات بحكمة، تعمل على تغليب المصلحة الوطنية التي تبحث عن المشتركات، وفي نفس الوقت تتعامل مع كل ما تراه من انتهاك سابق بنصوص القوانين وروحها. لكن، وللأسف، كانت تلك القوى الصغيرة المعزولة عن التأثير الجماهيري تبحث عما يشفي غليلها، وليس جراح الوطن، فلم تعمد إلى بناء الأجهزة العدلية الواردة في وثيقتها الدستورية كمجلس القضاء العالي ومجلس النيابة، وعملت على تغييب المحكمة الدستورية حتى لا تراجع إجراءاتها المتعسفة والمجانبة للقانون، من اعتقالات عشوائية، ومصادرات خارج القوانين، وفصل لآلاف الموظفين من عملهم دون وجه حق. ولم تنتبه تلك القوى إلى الاستحقاقات الكبرى والتحديات العظام، ومنها كيفية التعامل مع الحركات المسلحة التي التحقت بالحكومة، ويُفترض أنها تتحالف معها في كيان واحد. وكان التحدي الأبرز هو انتقال هذه الحركات بجنودها إلى العاصمة الخرطوم، مما أدى إلى عسكرة العمل المدني السياسي، وتعطل بسببه مشروع إدماج جنودها في القوات المسلحة، وهو التحدي الذي سيظل يواجه السودان بعد انتهاء هذه الحرب: أي كيف تتحول هذه القوى العسكرية إلى قوى مدنية وأحزاب سياسية تعتمد على الكفاح السياسي لتثبيت مكاسبها واستحقاقاتها السلطوية؟ يُضاف إلى ذلك الخطأ الإستراتيجي بتمكين قوات الدعم السريع وتركها تتضخم تحت نظر الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية. لقد أثبتت التجربة أن الرهان على القوى الخارجية لن يكون مفيدا في تثبيت أي قوى في السلطة، فقد كان تحالف الحرية والتغيير، الذي لا يملك امتدادا جماهيريا، يراهن بالكامل على الدعم الخارجي لإضعاف حلفائه وخصومه معا، وهو الرهان الذي حمل الدكتور عبدالله حمدوك إلى استدعاء بعثة أممية بصلاحيات واسعة تُذكر بأيام الحاكم العام في السودان إبان فترة الاستعمار البريطاني. وبدلا من المساعدة في قيام الانتخابات والتقريب بين فرقاء الساحة السياسية، ساهمت البعثة الأممية في تمكين قوى صغيرة واستبعاد أغلبية المكونات السودانية من المشهد السياسي. غير أن الخطوة الأخطر التي قامت بها البعثة هي زرع الشقاق بين الجيش والدعم السريع، حين حملت الأخيرة، بتأثير من تحالف الحرية والتغيير، على تبني وثيقة الاتفاق الإطاري، التي كانت القشة التي قصمت ظهر الفترة الانتقالية وأشعلت بسببها الحرب الحالية. واليوم، وبعد مضي أكثر من عامين على اندلاع الحرب، وبينما تجاهد الحكومة السودانية لإرجاع عجلة المسار الديمقراطي إلى مسارها، لا تزال تلك القوى تقوم بنفس الأدوار التي قادت إلى الحرب، وتتمادى في تضخيم عقلية إقصاء الآخرين، وتتبنى خطابات موغلة في الكراهية والاستفزاز. والأنكى أنها لا تريد الاعتراف بكل هذه الحقائق، على الرغم من مخاطر التقسيم التي تُخيم على سماء السودان.

كيف قرأ الإيرانيون مقترح إنشاء منتدى للتعاون النووي المدني؟
كيف قرأ الإيرانيون مقترح إنشاء منتدى للتعاون النووي المدني؟

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

كيف قرأ الإيرانيون مقترح إنشاء منتدى للتعاون النووي المدني؟

طهران- في توقيت حرج جدا عقب العدوان الإسرائيلي والأميركي على منشآت إيران النووية في يونيو/حزيران الماضي وقبيل تفعيل الترويكا الأوروبية آلية الزناد في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، يطرح وزير الخارجية الإيرانية الأسبق محمد جواد ظريف وسفير طهران السابق في لندن محسن بهاروند "مبادرة منارة" لتحويل الأزمة النووية إلى قضية إقليمية جامعة. وفي مقال مشترك نُشر في صحيفة غارديان البريطانية، يقترح ظريف وبهاروند إنشاء منتدى جديد للتعاون النووي بمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت عنوان "منارة" على أن يكون تحت مظلة الأمم المتحدة ، ويشترط على الأعضاء رفض الأسلحة النووية والالتزام بالرقابة المتبادلة، مقابل تبادل التكنولوجيا السلمية في مجالات الأبحاث العلمية والطاقة والطب والزراعة. وتقترح المبادرة إنشاء مرافق مشتركة بما فيها منشآت تخصيب اليورانيوم وهيئة رقابية مشتركة بمشاركة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، مع ضمانات صارمة ضد أي انحراف للاستخدام العسكري، وأن يكون مقر المنتدى في إحدى الدول الأعضاء. ويستذكر الكاتبان، أن إيران كانت أول من طرح فكرة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط عام 1974 عبر الأمم المتحدة، لكن المشروع جُمد لـ50 عاما بفعل معارضة إسرائيل والولايات المتحدة، رغم تأييد 100 دولة من أعضاء حركة عدم الانحياز. وينوه المقال إلى أن الهجمات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية ، رغم التزام طهران ب معاهدة حظر الأسلحة النووية ، دفعت المنطقة إلى حافة الهاوية، محذرا من أنه رغم فشل تل أبيب في تحقيق أهدافها وعجز واشنطن عن إخضاع طهران، فإن المقامرات لا تزال قادرة على دفع المنطقة بأكملها إلى حرب مفتوحة لا نهاية لها. ويخرج المقال بنتيجة مفادها أن الأمن المستدام في الشرق الأوسط لا يتحقق إلا من خلال التعاون الجماعي وبناء أُطر مشتركة، وليس عبر سباق التسلح أو تراكم القوة، وأن مبادرة "منارة" توفر نموذجا لتعزيز التعاون الإقليمي بناء على المصالح المشتركة ومستقبل مستدام لجميع شعوب المنطقة. ورغم أن المبادرة كان لها صدى كبير لدى الأوساط السياسية في إيران، فإن الجزيرة نت سبق أن تناولت الموضوع تحت عنوان "لتجاوز الضغوط الأميركية.. ما حقيقة المقترح الإيراني بإنشاء مشروع نووي مشترك؟"، في خضم المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن التي سبقت الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، مما يثير تساؤلات عن أوجه الشبه والاختلاف بين المبادرتين. في غضون ذلك، يؤكد وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر صالحي -الذي ترأس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بين عامي 2009 و2010 وكذلك من 2013 حتى 2021- أن فكرة إنشاء كونسورتيوم نووي تمتد إلى بدايات تاريخ البرنامج النووي الإيراني ، مضيفا في مقابلة مع صحيفة "هم ميهن" أن الفكرة أخفقت قبل انتصار ثورة 1979 بسبب العراقيل التي طالما وضعها الأميركيون وإصرارهم على ضرورة أن يكون الاتحاد النووي خارج الأراضي الإيرانية. انقسام سياسي وبينما يرى مراقبون إيرانيون أن الفكرة الجوهرية لمبادرة "منارة" ترمي إلى إبعاد شبح الحرب من طهران والضغط على المجاميع الدولية لفضح البرنامج العسكري الإسرائيلي عبر دفع الشرق الأوسط إلى منطقة "خالية من الأسلحة النووية"، أدت المبادرة إلى انقسام بين الأوساط السياسية في طهران؛ حيث ترى شريحة في فكرة الاتحاد النووي فرصة ذهبية لحلحة الأزمة النووية وآخرون يعدّونها خيانة ترمي لتعطيل البرنامج النووي. في غضون ذلك، أظهرت الصحافة القريبة من التيارات السياسية ردود فعل متنوعة تجاه المبادرة، فبينما أبدت وكالة "إرنا" الرسمية دعما مشروطا للخطة التي "تتماشى مع سياسات الحكومة من أجل تخفيف التوترات الإقليمية"، وجدت فيها الصحافة الإصلاحية ومنها صحيفة شرق، خطوة لبناء الثقة مع القوى الغربية في ظل جمود المفاوضات النووية. في المقابل، تنظر الصحافة المحافظة، وعلى رأسها صحيفة كيهان المقربة من مكتب المرشد الأعلى، بريبة إلى "المقترح غير الواقعي في ظل هجمات الغرب وإسرائيل على المنشآت النووية"، إذ اعتبر رئيس تحريرها حسين شريعمتداري أن المبادرة مؤشر على تفاؤل الكاتبين المفرط تجاه الغرب وسعيهما لتقديم تنازلات قد تعرض الاستقلال النووي لإيران للخطر. في السياق، وصفت وكالة فارس المقربة من الحرس الثوري ، مبادرة "منارة" بأنها "محاولة لاسترضاء الغرب"، مؤكدة أنها في أفضل الأحوال تمثل فكرة مثالية لن تُنفذ عمليا بسبب انعدام الثقة بين دول المنطقة وضغوط أميركا وإسرائيل، في حين أثارت بعض وسائل الإعلام الأخرى ومنها صحيفة "جوان" مخاوف بشأن تداعياتها على الاستقلال الوطني جراء القبول برقابة أكثر صرامة على البرنامج النووي الإيراني. أما وسائل الإعلام المعتدلة ومنها وكالة أنباء "إسنا" فتعتبر المبادرة "تكتيكا دبلوماسيا لتخفيف الضغوط الدولية" عن طهران، موضحة أنها محاولة لتغيير أجواء المفاوضات وكسب دعم الدول الأوروبية أكثر منها حلا عمليا. علاقة إسرائيل وبعيدا عن الاصطفافات السياسية في طهران، يرى قاسم محبعلي، المدير العام السابق لشؤون آسيا الغربية بوزارة الخارجية الإيرانية، في وجود سند إقليمي أو دولي شرطا لازما لنجاح أي مبادرة مماثلة، مضيفا أن أي مشروع أمني إقليمي يجب أن يراعي واقعية دور المحور الأميركي والإسرائيلي إلى جانب دور ومصالح الدول العربية والأوروبية. ونقلت وكالة إرنا عن محبعلي قوله إن "المشاريع التي قدمتها أوروبا في مجال أمن شرق المتوسط لم تُقبل من قبل إيران بسبب وجود النظام الإسرائيلي، وهذا يظهر أنه في أي خطة من هذا القبيل يجب تحديد موضوع نظام إسرائيل، لأن النقطة المحورية لأي خطة للغرب في الشرق الأوسط هي أمنها". ولدى إشارته إلى أن المياه الخليجية "ليست منطقة إقليمية بين الدول المجاورة فقط، بل منطقة دولية حرة لا يمكن تقديم مشروع أمني فيها دون مراعاة مواقف ومصالح القوى الأخرى"، خلص الدبلوماسي الإيراني السابق إلى أنه "إذا فكرت طهران في هذا الإطار، فقد نصل إلى نتيجة، لكن بالنظر فقط إلى الدول المجاورة ودون مراعاة مصالح أميركا وأوروبا وحتى روسيا والصين، لن تكون هناك إمكانية لدفع مشروع أمني في الشرق الأوسط". أما إبراهيم رضائي الناطق باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني فرحب بالمبادرة، مستدركا أن مثل هذه المقترحات منفصلة تماما عن التخصيب داخل البلاد، والموافقة عليها لا تعني "أننا سنوقف التخصيب أو نُشرك الآخرين فيه، نحن مستعدون للشراكة مع الآخرين لكننا لن نشركهم في هذا العمل الذي نقوم به، وسنواصل التخصيب كما في السابق". ونقلت وكالة "فرارو" عن رضائي قوله، إن "السياسة القطعية لنظام الجمهورية الإسلامية هي استمرار عملية التخصيب داخل البلاد، ولا يحق لأحد التدخل فيها، ويجب أن يستمر التخصيب المتواصل حاليا في إيران، وأن موضوع الكونسورتيوم النووي يمكن أن يكون مشروعا جديدا".

الحرب على غزة مباشر.. مصابون بغارات ليلية والمقاومة تتوعد بإفشال خطة احتلال القطاع
الحرب على غزة مباشر.. مصابون بغارات ليلية والمقاومة تتوعد بإفشال خطة احتلال القطاع

الجزيرة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجزيرة

الحرب على غزة مباشر.. مصابون بغارات ليلية والمقاومة تتوعد بإفشال خطة احتلال القطاع

مع دخول حرب الإبادة على غزة يومها الـ672، شنت طائرات الاحتلال غارات ليلية استهدفت إحداها مدرسة تؤوي نازحين مما أسفر عن مصابين، وذلك بعد يوم شهد مجازر جديدة أوقعت أكثر من 40 شهيدا نصفهم من المجوعين الباحثين عن الطعام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store