
صلح الامام الحسن (ع) وأركان الحكم الصالح
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)(1).
هذا الحديث العظيم من الأحاديث المعتبرة في كل المصادر، ويشير إلى قضية مهمة جدا وهي قضية الإمامة، فأساس الإمامة وجوهرها هي الحجّية، والحجية تعني ان هناك حجة ظاهرة وحجة باطنة، الحجة الظاهرة هم (الأنبياء والأئمة عليهم السلام)، والحجة الباطنة هو (العقل)، وهناك تكامل في التكليف الشرعي بين الحجة الظاهرة والحجة الباطنة، وعن الامام الكاظم (عليه السلام): (إِنَّ لِلَّهِ عَلَى اَلنَّاسِ حُجَّتَيْنِ حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً، فَأَمَّا اَلظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَاَلْأَنْبِيَاءُ وَاَلْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، وَأَمَّا اَلْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ)(2).
ومعنى (إمامان قاما أو قعدا) هو التسليم المطلق بقول الإمام المعصوم (عليه السلام) وفعله وسكوته، فالإمام حجّة علينا سواء كان في صلح الإمام الحسن أو في نهضة الإمام الحسين في كربلاء، وذلك لأن الحجية تعني بناء النموذج الصالح في المجتمع، حتى يقتدى به في إدارة الحكم واتخاذ القرار، ومن ذلك معرفة الطرق والسبل اللازمة لإدارة الأزمات وحل المشكلات، واحتواء الصراعات، ليكون هذا النموذج مرجعية ومعيار: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب21. هذه الأسوة هي التي توجهنا إلى طريق الرشاد، الذي لابد أن نسير عليه لبناء الصلاح في الحكم والأمة والمجتمع والفرد.
وكل إمام معصوم له دور خاص معين حتى يكون نموذجا للامة ولذلك هو حجة علينا، فالإمام علي (عليه السلام) خلق لنا نموذجا للحكم الصالح، والإمام الحسن (عليه السلام) أسس لنا طريقا للسلام والصلح، والإمام الحسين (عليه السلام) خط لنا طريقا للإصلاح والنهضة، والإمام زين العابدين رسخ منهجا للتحرر من الطاغوت بالعبودية المطلقة لله سبحانه وتعالى.
والإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام) ارتقيا بالأمة عبر النهضة العلمية، وكذلك بقية الائمة المعصومين (عليهم السلام)، فكل إمام معصوم أسس لنا نموذجا للنهضة تحتاجه كل المجتمعات، من أجل إيجاد الطريق اللازم والصحيح للوصول إلى الواقع الذي ينجي وينقذ ويسعد الجميع، والابتعاد عن السقوط في دوامات الوهم والضلال والانحراف.
لأنه لولا وجود النموذج الصالح سوف نغرق في عالم الجهالة، ونسكن في أسفل طبقاته التجهيلية، والنتيجة هيمنة النماذج السيئة، لذلك نرى في عالم اليوم كثيرا من النماذج السيئة التي تحكم المجتمعات بحيث أصبحت هذه المجتمعات تعيش البؤس والفقر والجهل والضياع والمشكلات المتعاظمة.
لو أن الإمام الحسن (عليه السلام)، لم يحقق لن هذا النموذج، نموذج معاهدات الصلح والسلام، ماذا كان سيحصل، ونحن نعرف بأن رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي أسس نموذج السلام في صلح الحديبية، فقد أسس للإسلام، ولكن أئمة أهل البيت هم الذين شرحوا معنى الإسلام بتفاصيله الواضحة استدامة لمعانيه الواقعية لبناء الإصلاح والاستقرار في المجتمعات.
لذلك عندما أسس الإمام الحسن (عليه السلام) لمعنى المعاهدات الصلح، فقد أسس لنموذج تحتاجه الإنسانية على طول التاريخ من أجل حل مشكلاتها وأزماتها، وان لا تتوغل في متاهات الحرب والقتال والصراع، ولابد للعالم جميعه ان يعرف بأنه لدينا نموذج للسلام أسسه الامام الحسن (عليه السلام)، والغاية من التأسيس للصلح، والمخرَجات الصادرة منه التي تؤدي الى تصحيح السلوك السياسي والاجتماعي، فالصلح خير في كل المستويات.
فالصلح بطبيعته الإصلاحية يكشف الحقائق ويبدد زيف التضليل، بينما الحروب والصراعات تؤدي الى تزييف الحقائق وتضليل الرأي العام وتكريس الفساد، لذلك السلطات الفاسدة تفتعل الحروب والصراعات من اجل الهيمنة بقلب الحقائق، لذلك فإن الإمام الحسن (عليه السلام) أراد أن يكشف الوجه المزيّف للسلطة الأموية البائسة التي صادرت معاني الإسلام الحقيقي.
فالإمام الحسن (عليه السلام) من خلال المعاهدة كشف عن الأطر اللازمة لأي نظام للحكم لكي يكون ناجحا في مخرجاته، استمرارا على نهج والده الامام علي (عليه السلام) الذي وضع الأسس المتينة للحكم الصالح، وعهده الى مالك الاشتر يمثل اهم وثيقة تاريخية لذلك.
ان مشكلة الأنظمة السياسية في عالم اليوم هي أنها أنظمة هشة وسلطات فاسدة لاتملك في مناهجها وممارساتها الأطر الصحيحة التي تحقق الصلاح والاستقرار، فما هي هذه الأطر؟
الاطار الأول: الكرامة
هذا هو الإطار الأول للسلطة الحقيقية الصالحة، التي تؤدي إلى بناء منظومة كاملة، للحاجات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فالسياسة تعني إدارة حياة البشر بما يؤدي إلى ضمان أمنهم ومصالحهم وتحقيق العدالة والتوازن وعدم الإضرار بالآخرين وحماية حريات الإنسان وحقوقه المشروعة التي أقرها الله سبحانه وتعالى، وكل ذلك يتلخص في الكرامة.
الهدف من السياسة أن تحقق كرامة الإنسان، فبسبب انتهاك الكرامة الانسانية أصبحت السياسة اليوم مفهوما سيئا عند الناس، بينما السياسة في حد ذاتها مفهوم جيد، فهو يعني إدارة حياة الناس وحماية مصالحهم وعدم الاضرار بحقوقهم، لكن بسبب الاستغلال السيّئ والفساد المستحكم وإدارة السياسيين لها بالشكل الخاطئ، تكرست صورة نمطية سيئة للناس بأن السياسة هي الفساد، والسياسي هو فاسد وكاذب وخائن، لكن السياسة بالمعنى الحقيقي وتطبيقاتها السليمة هي قيادة المجتمعات نحو الغايات المطلوبة التي ذكرها القرآن الكريم: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء 70.
لذلك لابد فإن من أهم أركان السلطة والسياسة هو تحقيق الكرامة الإنسانية، فأية سلطة تكون خارج إطار الكرامة فهي سلطة غير صالحة، ونظام الحكم الذي يظلم الناس ويقمعهم ويأكل حقوقهم، فهو ينتهك كرامة الإنسان، وهو نظام غير شرعي.
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء 58.
فبالامانة في حكم الحاكم تتوطد اركان الدولة حيث يرتفع مستوى الثقة بين الناس بتحقيق العدالة والإنصاف، وعن الامام علي (عليه السلام): (وَالْأَمَانَةَ نِظَاماً لِلْأُمَّةِ) وعلى العكس من ذلك فإن خيانة الأمانة يؤدي الى استشراء الفساد والحيف وتتزلزل اركان الحكم وانتشار الفوضى.
ومن كتاب للامام علي (عليه السلام) إلى أشعث بن قيس عامل أذربيجان : (وَإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَلَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ وَلَا تُخَاطِرَ إِلَّا بِوَثِيقَةٍ وَفِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ)(3)، فمن مصاديق الخيانة استئثار الحكام بأموال الدولة وتقسيمها بين اتباعهم، فعنه (عليه السلام): (ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَبِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَلَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِيعَةً)(4)، لذلك فإن الأنظمة الفاسدة مصيرها الزوال والعار وتدمير الأوطان، كما قال (عليه السلام): (وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ وَلَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ وَالْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُمَّةِ وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ)(5).
فالعدالة مفهوم نظري لكن تطبيقه العملي يأتي من خلال أن يبدأ الإنسان أولا من نفسه، في تأدية الأمانة، بأن يحكم بالعدل، وينظر لها من خلال زاوية الآخرين وحقوقهم، فعن الامام علي (عليه السلام): (وَأَحْرِزْ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ بِإِنْصَافِكَ مِنْ نَفْسِكَ وَاَلْعَمَلِ بِالْعَدْلِ فِي رَعِيَّتِكَ)(6).
فالأمانة تتحقق عمليا بالإنصاف، والانصاف يؤدي الى انتشار العدل واستتباب الامن والاستقرار، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)9المائدة.
فعندما يمارس الإنسان العدالة، يقترب نحو التقوى، ويتقي السقوط والانهيار، ويتحقق ذلك الوعد الإلهي الذي وعده الله سبحانه وتعالى في بناء المجتمع الصالح وتحقيق كرامة الانسان، فهذه منظومة متكاملة، متعددة الأركان تؤدي إلى غاية واحد وهو الحصول على المغفرة والأجر العظيم.
ونحن نحاول ان نفهم هذه الأركان في الحكم، لكي نكشف زيف السلطة، وخصوصا معاوية الذي كان نموذجا للسلطة البائسة، القائمة على الخيانة والخداع والانتهازية، وما يقال عن صاحب النظرية الانتهازية الغاية تبرر الوسيلة انه ميكافيلي(7)، ولكن في الواقع مؤسس هذه النظرية هو معاوية، فهو المؤسس للنفاق السياسي، والتلاعب بالناس ومصالحهم، وخيانة العدالة والإنصاف، والاستهانة بكرامة الإنسان.
ومن كلام له (عليه السلام) في معاوية: (وَاللَّهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي وَلَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ وَلَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ وَلَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وَكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ وَلَا أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَةِ)(8).
من أركان الحكم الصالح الرحمة، فلا يمكن لأي سلطة أن تدّعي بأنها سلطة شرعية أو صالحة ما دامت تمارس قمع الناس، واستخدام العنف ضدهم، وانتهاك حقوقهم، وليس بصحيح ما يقوله اليوم البعض في الفكر السياسي المعاصر: إن الدولة هي صاحبة الحق الاوحد في استخدام العنف بما يسمى (احتكار العنف المشروع).
وعندما نقول عنف فليس هناك في العنف حق أو باطل، بل كله باطل، العنف يعني استخدام القوة خارج إطار الرحمة، التي حددها الله سبحانه وتعالى كإطار شامل لكل شيء، وأول ما يقوله القرآن: (بسم الله الرحمن الرحيم)، فكل شيء يبدأ من الرحمة، الكون كله رحمة، النظام الكوني هو رحمة، خلق الإنسان هو رحمة، النِعَم الإلهية رحمة، فكل شيء يدور في إطار الرحمة.
(وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام/54. فلا يمكن لأي احد ان يدعي بأن له الحق في أن يمارس العنف ضد الآخرين.
لذلك فإن الرحمة هي القاعدة أساسية التي عمل بها أهل البيت (عليهم السلام)، لبناء السلطة الصالحة، بناءً معنويا وليس شكليا فحسب، ذلك ان أي دولة وأي حكومة ليس لها قيمة ما لم يكن فيها بناء معنويا تشكله القيم الصالحة، والدول الفاشلة تصبح فاشلة عندما تعتبر نفسها دولة عندما تمتلك جيشا وأجهزة أمنية، ودوائر حكومية وقوانين وبرلمان، دون أن يكون لها بناء عميقا من المعاني والقيم المعنوية والأخلاقية والثقافية، مثل الرحمة والعدالة والإنصاف والامانة، فالدولة الحقيقية هي الدولة العلوية التي بنى نموذجها نظريا وعمليا الامام علي (عليه السلام).
وهذه الاية تعبر بوضوح (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران 159، عن نقض شرعية سلوك العنف في الحاكم والحكومة، وان اللين هو الذي يؤسس لشرعية الحكم وغاياته.
ولذلك نحن اليوم عندما نتناول سيرة الإمام الحسن (عليه السلام)، فإننا يجب ان ننظر الى المعنى الحقيقي للسلطة، فالذين أشكلوا على الإمام الحسن (عليه السلام)، تلك الإشكالات الواهية كانوا على خطأ، لأن أهل البيت (عليهم السلام) لا يعملون بأساليب الغاية تبرر الوسيلة التي عمل بها معاوية.
أهل البيت (عليهم السلام) هم حجج الله، لذلك هم أسوة في بناء القيم الالهية والعمل بها، وهي القيم التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله في رسالته الخالدة، فلم يقبل الإمام علي (عليه السلام) ما طرحه عليه المغيرة: "فولّه أنت كيما تتسق عرى الأمور، ثم اعزله إن بدا لك"، وكذلك طلبوا من الإمام الحسن (عليه السلام) ان ينقض معاهدة الصلح عندما استهان بها معاوية، فقال لهم الإمام (عليه السلام): (يا مسيب! إن الغدر لا يليق بنا ولا خير فيه)(9).
تحصيل المكاسب على حساب القيم
القيم مطلقة عند أهل البيت عليهم السلام، لا يلتمسون السلوكيات الضبابية المتغيرة غير الصالحة للوصول إلى غايات صالحة، فـ: (لا يطاع الله من حيث يعصى) كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، ولكن هناك من عنده حالة من التشوش الذهني والتباس المطالب، فيسعى نحو مكاسب سريعة ولو على حساب القيم، باختلاق مبررات تقوم على مغالطات تختلط فيها الأوهام بالحقائق، وهذه الانتهازية تدمر القيم الصالحة، وإذا تم تدمير القيم يتم تدمير كل الغايات، وتكون النهايات سيئة، فالوسيلة إذا كانت باطلة تكون الغاية باطلة، كبطلان مغالطة (المستبد العادل)، بتبرير ان الحاكم المستبد يحقق بالقوة الأمن والاستقرار، وبعد ذلك يقوم بالبناء شيئا فشيئا.
ولكن هذه المعادلة هي بداية إجرام كبير، وإذا بدأ الإجرام لا ينتهي، وإذا بدأت المعاصي لا تنتهي، ويدخل المجتمع في عالم واسع من الجهالة، وفي مستنقع الجهالة ينمو الاستبداد والعنف وعالم يتغلب فيه التجهيل الذي تتحرك فيه ماكنة تدمير العقل، وتستلب فيه فهم الإنسان ووعيه.
وفي الآية القرآنية: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، آل عمران 159. أي أن الرحمة هي الاطار الكامل، ولنت لهم انبثاق منها، فالرحمة في ممارستها لين ليس فيها عنف وقسر وإكراه.
وهذه الآيات هي بناء النموذج الذي يشكل الأساليب اللازمة في تحقيق الحكم الصالح، وكذلك المجتمع الصالح، وعكسه يؤدي الى فساد المجتمع، فالأسلوب التربوي القاسي في تربية الأولاد بقصد التأديب، كالعنف والضرب والإكراه ليس تأديبا، فهذه الأساليب تجعل الإنسان ينمو مشوها بقلب قاسي، أما أسلوب التربية بالرحمة واللين فإنه يؤدي إلى التربية الصحيحة وليونة القلب.
دعه يفكر معك، ودعه يتعقّل معك، ثم بعد ذلك توكّل، والذي يتوكّل على الله بهذه الطريقة فانه يسير باستقامة وعدم انحرافه العقائدي، فأغلب الناس الذين ينحرفون، عقائديا واخلاقيا ويضيعون في بؤر الضلال والجهالة والحيرة، بسبب الغرق في مجتمعات يهيمن عليها الاستبداد والعنف وقساوة القلب وعدم الاحترام، فيشعر بنفسه مهمشًا في المجتمع يعيش بلا معنى، والوجود بركاكة شخصيته، فلا أحد يستمع إلى رأيه، ليس لديه مشاركة في المجتمع، لأنه مهزوم من الداخل ومدمَّر، فيحدث لديه انحراف أخلاقي عقائدي.
ان الرحمة هي منظور شامل لبناء السياسة الصالحة والتربية السليمة، وبناء للاقتصاد الرحيم، فكل الأمور تنطلق من الرحمة، وهذا التأسيس بهذا المنظور محوري في عملية بناء السلطة الصالحة.
من الأركان المهمة التي تدخل في صميم سياسة الإمام الحسن الحكيمة هي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) البقرة، 208.
فالحرب من صناعة الشيطان، أما السلم فهو من صناعة الله، صناعة إلهية نبوية علوية، مشروع إلهي لبناء السلام والرحمة في الامة، لذلك فإن صلح الإمام الحسن (عليه السلام) هو مشروع لبناء السلام وتديين المشروع السلمي للناس.
مثلا لو كان الإمام الحسن (عليه السلام) يسير في طريق الحرب، يوزع الهدايا ويمنح المال كما طالبه البعض بذلك، ولكن هذا هو السبب في الخلاف مع معاوية، لأنه قام بتوزيع الأموال وشراء الذمم، واشترى جهالة الناس وتلاعب بعقليتهم البائسة، وحرك غرائزهم وحرصهم على الدنيا، وشراء الذمم ليست قضية صعبة، ولكن مشروع الأنبياء والأئمة يختلف عن مشروع الملوك.
الملوك يبنون قصورا، ويصنعون الجيوش، ويدخلون في الحروب ويتصارعون على السلطة، أما الأنبياء والائمة (عليهم السلام) فيبنون الإنسان بالقيم، لديهم رسالة الصدق والأمانة، وتصحيح الإنسان حتى يدخل في حاضنة طبيعية من ممارسة التكليف وحرية الاختيار، بناء حاضنات وبيئات سليمة، من اجل أن يكون الإنسان قادرا على أن يصبح مختارا وليس مرغما. لذلك فإن مشروع السلم هو مشروع ضد الشيطان، أما مشروع الحرب فهو للشيطان واتباعه.
وفي ذلك كلام للامام الحسن (عليه السلام) حين قيل له: (إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة فقال: قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت، تركتها ابتغاء وجه الله، وحقن دماء أمة محمد)، وجماجم العرب الكبرى هو مصطلح يطلق على مجموعة من قبائل شبه الجزيرة العربية والتي توصف في العرف التقليدي بالقوة والكثرة والغلبة والشرف.
فعند الامام الحسن (عليه السلام) كان السلم أولى حتى لو كان يستطيع الانتصار، وكان يستطيع الانتصار فعلا، واذا كان يدخل في الحرب تسيل دماء كثيرة، ويصبح مشروع الإسلام مشروع حرب وقتل ودماء، وليس هذا هو المطلوب، فالله سبحانه وتعالى قال: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)، وعلى كل مسلم أن يهتدي إلى طريق السلام.
فالحروب تصنع الفتن والأزمات، فالمجتمعات التي دخلت في حروب انزلقت الى الفقر والمرض، وانهيار أخلاقي واجتماعي وانحراف عقائدي شامل، إنه دخول عميق في متاهات الجهالة والضلال.
الإمام الحسن (عليه السلام) من خلال صلحه أراد أن يثبت معنى الوفاء بالعهود، فقد أوفى بعهده ويريد أن يبين للناس بأن هؤلاء لا يوفون بعهدهم، المشكلة اليوم في أي مجتمع، أن هذا المجتمع يريد أن يعيش بسلام، مجتمع منظّم، والجميع يطالب بذلك، وذلك يعتمد على نقطة أساسية وهي الثقة والثقة تتحقق من الوفاء بالعهود والعقود.
أي مجتمع لا نجد فيه خاصية الوفاء بالعهود، فهذا المجتمع ليس فيه ثقة، يعيش سوء الظن والخوف والقلق وعدم الشعور بالأمن والامان، فهو يتقلب في أزمة وينام وهو ممتلئ بالقلق على مصالحه التي تنتهبها فقدان الثقة بالآخرين، وهذه البضاعة التي أشتريها وأريد أن أبيعها في السوق، هل هي مغشوشة أم غير مغشوشة، وهل سأتعرض للاحتيال والغبن والخداع.
(وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) هود/85.
هذا المجتمع قلق غير مستقر لأنه مبتني على نقض العهود، المجتمع الصحيح هو الذي يعمل بالآية الكريمة: (يا أيها الذين آمنو أوفوا بالعهود)، والوفاء بالعقود والعهود هو أصلا يعود الى الوفاء بعهد الله سبحانه وتعالى، فالمجتمع الذي يوفي بعهده لله، ويلتزم بالشريعة ويلتزم بالتكليف ويلتزم بالتعاليم التي أوردها الأنبياء والأئمة عليهم السلام، فإذا أوفى بعهده، هذا المجتمع سوف يكون موفيا للعهود فيما بين أفراده.
فإن انتفى ذلك انتفى هذا، الآية القرآنية تقول: (بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، آل عمران 76. فكل شيء يرجع إلى التقوى، فالتقوى هي الوقاية من السقوط. والآية القرآنية الثانية تقول: (نَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، الفتح 10.
لذلك فإن دخول الإمام الحسن (عليه السلام) في معاهدة الصلح، هو لإثبات بأن معاوية هو خائن، وأنه لا يمكن لأي مجتمع أن يكون صالحا إذا كان حاكمه خائن. حيث قال معاوية بعد المعاهدة:... "فكل شرط شرطته لكم فهو مردود، وكل وعد وعدته أحدا منكم فهو تحت قدمي".
والمجتمع الذي لا يوفي بعهوده وعقوده، والحاكم الذي لا يوفي بذلك، فإن هذا الأمر يؤدي إلى عملية تفكيك كامل للمجتمع، وقد لاحظنا كيف نكث بوعده، ووضع بعده يزيد الفاسق الفاجر الذي قتل الإمام الحسين (عليه السلام) واستباح الكعبة، واستباح المدينة، وهكذا حصل مسلسل طويل من الجرائم والكوارث بسبب نكث معاوية بعهده وأدى الى سقوط الدولة الاموية واستئصال بني امية. (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ).
وهي من اهم الأركان المهمة في بناء الحكم الصالح، فالقيادة الصالحة وطاعتها هي المحور الذي تكتمل فيه الأطر الأخرى، فاذا انتفى هذا الاطار انتفت الأطر الأخرى.
وجاء في الزيارة الجامعة:
(اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ وَمُخْتَلَفَ الْمَلائِكَةِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ وَخُزّانَ الْعِلْمِ وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ وَاُصُولَ الْكَرَمِ وَقادَةَ الاْمَمِ وَاَوْلِياءَ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الاْبْرارِ وَدَعائِمَ الاْخْيارِ وَساسَةَ الْعِبادِ وَاَرْكانَ الْبِلادِ وَاَبْوابَ الاْيمانِ وَاُمَناءَ الرَّحْمنِ).
وللبحث تتمة...
* حوارات بثت على قناة المرجعية في مناسبة زيارة الأربعين 1446
...............................................
(1) المناقب ج ٣، ابن شهر آشوب، صفحة ٣٩٤.
(2) الكافي، ج ١، الشيخ الكليني، صفحة: ١٦.
(3) نهج البلاغة، كتاب رقم: 5.
(4) نهج البلاغة، كتاب رقم: 53، كتبه (عليه السلام) للأشتر النخعي لما ولاه على مصر.
(5) نهج البلاغة، كتاب رقم: 26.
(6) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، الصفحة ٢٥٦.
(7) نيكولو مكيافيلي فيلسوف سياسي إيطالي من عصر النهضة، وُلد في فلورنسا عام 1469 وتوفي فيها عام 1527. يعتبر مكيافيلي مؤسسًا للتنظير السياسي الواقعي، حيث يرى أن السياسة يجب أن تعتمد على الواقع وليس على الأخلاق. اشتهر بكتابه "الأمير" الذي يقدم فيه تحليلاً واقعياً للسلطة السياسية وكيفية اكتسابها والحفاظ عليها، وغالبًا ما يُفسَّر على أنه يتبنى مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". المكيافيلية: غالبًا ما يُستخدم لوصف الشخصية التي تتسم بالمكر والخداع والتلاعب لتحقيق أهدافها. في علم النفس، تُعتبر المكيافيلية سمة شخصية تعكس ميل الفرد إلى التلاعب بالآخرين، وانعدام التعاطف، واللامبالاة بالأخلاق.
(8) نهج البلاغة، الخطب، رقم: 200.
(9) الأمالي، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الصفحة 87.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ ساعة واحدة
- القناة الثالثة والعشرون
"حزب الله" يسحب اعترافه بالدولة: "سنتعامل مع القرار كأنه غير موجود"
بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على قرار مجلس الوزراء، وقبل أقل من أربع وعشرين ساعة على الجلسة الثانية لمجلس الوزراء التي على جدول أعمالها بند واحد هو استكمال بند حصرية السلاح، صعَّد «حزب الله» خطابه ليس ضد الحكومة فحسب بل ضد السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، وإنْ حاول أن «يفتِّش» عن تباين بين الرئيس عون والرئيس سلام. ففي ما يشبه الانقلاب على الدولة وعدم الاعتراف بمقرراتها، أعلن «حزب الله» في بيان رسمي» سنتعامل مع القرار كأنَّه غير موجود». ولم يكتفِ بذلك بل وسم الحكومة بأنها «ارتكبت خطيئةً كُبرى في اتخاذ قرار يُجرِّد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي»، واصفًا القرار بأن «فيه مخالفة ميثاقية واضحة، ومخالفة للبيان الوزاري للحكومة»، وبأنه جاء «نتيجة إملاءات المبعوث الأميركي»، وهو ما ذُكر في أسباب طرحه في مجلس الوزراء ومبررات إقراره، بإعلان الرئيس سلام أنَّ مجلس الوزراء «قرَّر استكمال النقاش بالورقة الأميركية يوم الخميس». وحاول «حزب الله» دق إسفين بين رئيسي الجمهورية والحكومة من خلال قوله في البيان: «ضربت الحكومة بعرض الحائط التزام رئيس الجمهورية في خطاب القسم بنقاش استراتيجية الأمن الوطني». كما حاول «حزب الله» تخفيف وقع القرار على بيئته فخاطب «أهله» بالقول: «غيمة صيف وتمر إن شاء الله، وقد تعودنا أن نصبر ونفوز». لكن إحدى نقاط ضعف هذا البيان محاولة «الحزب» التعمية على أن جلسة مجلس الوزراء كانت برئاسة رئيس الجمهورية. «أمل»: جلسة الخميس فرصة للتصحيح بدورها، انتقدت حركة «أمل» القرار لكن بوتيرة أقل فقالت في بيان الانتقاد: «كان حري بالحكومة التي تستعجل تقديم المزيد من التنازلات المجانية للعدو «الإسرائيلي» باتفاقات جديدة، أن تسخر جهودها لتثبيت وقف النار أولًا ووضع حد لآلة القتل «الإسرائيلية» التي حصدت المئات من اللبنانيين بين شهيد وجريح». اللافت أيضًا أن حركة «أمل» حاولت دق إسفين بين الحكومة ورئيس الجمهورية وحتى بينها وبين بيانها الوزاري، فاعتبرت أن الحكومة تكون بذلك «تعمل عكس ما جاء في خطاب القسم وخلافًا لبيانها الوزاري، وبالتالي جلسة الخميس فرصة للتصحيح وعودة للتضامن كما كان». «أجواء تهدئة» وبعد البيان، علمت «نداء الوطن» أن اتصالًا جرى بين الرئيسين عون وبري، تناول آخر التطورات في ما خص موضوع السلاح والجلسة الحكومية، وأكد بري للرئيس عون استمراره بالعمل على التهدئة وتمرير الأمور بسلاسة وعدم تفجير مجلس الوزراء أو استخدام الشارع، فالمرحلة تحتاج للهدوء، كما قال. عون يستقبل فضل الله وفي توقيت لافت، استقبل رئيس الجمهورية العلامة السيد علي فضل الله مع وفد ضم المفتي الشيخ أحمد طالب، المدير العام لجمعية المبرات الخيرية الدكتور محمد باقر فضل الله، مدير مكتب العلامة فضل الله السيد هاني عبد الله، مدير مؤسسة السيد فضل الله السيد عباس فضل الله والسيد علي أحمد طالب. صحيح أن المناسبة اجتماعية، لكن الزيارة مهمة في توقيتها في ظل التجييش ضد موقع الرئاسة. «القوات اللبنانية»: القرار تاريخي في المواقف، وصفت «القوات اللبنانية» قرار مجلس الوزراء بالتاريخي، ووجب «اتّخاذه منذ 35 عامًا لولا الانقلاب على «وثيقة الوفاق الوطني» التي نصّت حرفيًّا على «بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي بواسطة قواتها الذاتية». واعتبرت أن «جلسة 5 آب وضعت لبنان على سكة العودة إلى دولة فعليّة وطبيعيّة، والمدخل لهذه العودة هو الالتزام بالنصوص المرجعية، وهذا تحديدًا ما فعله رئيسا الجمهورية والحكومة». «القوات» أشارت إلى أنه «كان الحري بالفريق الانقلابي الاعتذار من اللبنانيين على ما ارتكبه بحقهم وحقّ لبنان على مدى 35 عامًا، ولكنه بدلًا من أن يعتذر خرج مهاجمًا بوقاحة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وكأن رئيس الجمهورية هو من تسبّب بحرب تموز 2006، أو هو من اتّخذ قرار حرب 7 أيار 2008، أو هو مَن اتخذ قرار الحرب ضدّ الشعب السوري، أو هو مَن تسبّب في «حرب الإسناد» وتداعياتها الكارثية على لبنان؛ وكأن أيضًا رئيس الحكومة هو مَن تسبّب في تعطيل الحياة السياسيّة، وهو مَن أخّر تشكيل الحكومات، وهو مَن قاد البلد إلى الانهيار المالي والاقتصادي بسبب حروبه وتحالفه مع أفسد الفاسدين». مجلس المطارنة الموارنة يرحّب تأييد قرارات الحكومة جاء أيضًا من مجلس المطارنة الموارنة الذي رأى في القرار استكمالًا لبناء الدولة المنتظمة والقوية المولجة ببسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، لا استقواء من فريق على آخر. وهذه الدولة القوية هي المرجعية لجميع اللبنانيين من دون استثناء، وهي التي تحمي الجميع وتوفر لهم الإنماء المتوازن». من السجال العنيف في جلسة الثلثاء بالعودة إلى جلسة الثلثاء، استحصلت «نداء الوطن» على أبرز ما ورد في مداولاتها، ومنها قول وزير الصحة مخاطبًا الرئيسين عون وسلام: «أنا ما بفهم بالسياسة، ومش شغلتي، عم تحطوني بوجه جماعتي، ما إنتو يا فخامة الرئيس ويا دولة الرئيس عم تحكوا مع بري والحزب، كملوا احكوا معهن، وما تحرجوني مع بيئتي». ليجيبه سلام بإصرار: «لأ، بدنا ناخد القرار هلّأ»، هنا علا صوت ناصر الدين بوجه سلام قائلاً: «قوم إنت شوف المسيّرات فوق راسنا، قوم طلاع عالجنوب شوف الشهداء!» ليرد سلام: «قوم إنتَ!» ما تزايد عليي، ما أنا سموني قاضي «حزب الله» لما حكمت نتنياهو!». وعلى وقع الصراخ، قال ناصر الدين: «في الشارع كمان!» ليرد سلام بانفعال: «ما حدا يحكيني بالشارع، في شارع مقابل شارع كمان!». موقف إيراني وبرز في الساعات الاخيرة موقف إيراني من القرار الحكومي جاء على لسان وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي الذي قال إن خطة نزع سلاح حزب الله والتي أقرتها الحكومة اللبنانية ستفشل وسلاح حزب الله أثبت «فعاليته» في ساحة المعركة. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


IM Lebanon
منذ ساعة واحدة
- IM Lebanon
الحكومة تنزع الشرعية عن سلاح 'الحزب'
كتب معروف الداعوق في 'اللواء': لم يجد حزب الله امامه، بعد اتخاذ الحكومة قراراً بحصر السلاح بيد الدولة وحدها، وسقوط كل مبررات احتفاظه بسلاحه الايراني، سوى الادعاء بأن الدستور اللبناني، ينص على وجود المقاومة وشرعيتها، ويكيل سيل اتهامات باطلة للحكومة، بدءاً من تجريد لبنان من قوته، والانصياع الى املاءات الموفد الاميركي والادعاء زوراً بأن سلاح المقاومة هو الذي منع اسرائيل من تحقيق اهدافها في لبنان، ومتهماً الحكومة بتجاهل وعود رئيس الجمهورية جوزف عون، لمناقشة استراتيجة الدفاع الوطني، وبالتفريط بسيادة لبنان، ليخلص الى انه لن يعترف بالقرار المذكور ويتعاطى معه وكأنه غير موجود. هذه المواقف اللاموضوعية، والمناقضة كلياً، لتصرفات وممارسات الحزب على الارض، لا تبرر تصرفات الحزب تجاه الحكومة، ولا تقنع سوى الدائرين بفلكه وبعض من جمهور المؤيدين له، لا سيما إثر خسارته المدوية في حرب «الاسناد» التي شنّها بقرار ايراني صرف، لدعم حركة حماس ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي، والتي فرضت نتائجها التدميرية عليه، التوصل الى اتفاق وقف الاعمال العدائية مع اسرائيل والتزامه بتنفيذ القرار ١٧٠١، باشراف حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وليس اي مسؤول لبناني اَخر. لن تفيد ادعاءات الحزب زوراً، بأن مقاومة اسرائيل مدرجة بالدستور اللبناني، لان نص الدستور واضح، ولا يمكن تعديله او تزويره بموقف من هنا او هناك، ولا في تبديل توجه المسؤولين اللبنانيين لتغيير مواقفهم من حصر السلاح بيد الدولة وحدها. فالحزب لم يلتزم بالدستور اللبناني منذ وجوده في لبنان، وتبعيته المطلقة للنظام الايراني، والدلائل كثيرة، وابرزها ما صدرعلى لسان الامين العام السابق حسن نصرالله، الذي قال علانية ان تمويلنا وسلاحنا من ايران، وبالمقابل اكثر من مسؤول ايراني، تباهى بالسيطرة على لبنان، ولم يرد عليه اي مسؤول من الحزب يومها. لم يحترم الحزب الدستور ولا الدولة اللبنانية، عندما شنّ حرب الاسناد وقبلها الذهاب الى سوريا للدفاع عن نظام بشار الاسد والقتال ضد المعارضة السورية وتدمير المدن والقرى السورية، وفي اشعال حرب العام ٢٠٠٦، وتدمير لبنان، والآن يتهم الحكومة اللبنانية بتجاوز الدستور والتفريط بالسيادة التي اباحها للنظام الايراني ولمصالحه الاقليمية والدولية. ما يسعى اليه الحزب من رفع سقف خطابه وتهديداته المبطنة والمباشرة وادعاءاته المزيفة ضد الحكومة، تأجيل او تقزيم قرار حصر السلاح بيد الدولة، لمنع ازالة الغطاء الشرعي الذي كان يتظلل به،ضمن ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة»، التي سقطت بفعل خسارته لحرب الاسناد، لممارسة تبعيته وارتهانه للنظام الايراني على حساب مصالح لبنان واللبنانيين الى ما شاء الله.


شبكة النبأ
منذ ساعة واحدة
- شبكة النبأ
هدنة ودبلوماسية الإمام الحسن
ضرب اروع الامثلة في الحفاظ على كيان الدولة وقوتها امام اعدائها الخارجيين المتربصين بها وبانقساماتها الداخلية في حينها، وتعامل بحكمة ودبلوماسية مثلما تسمى حديثا في ادارة الشؤون الداخلية والخارجية ونجح في تثبيت اوتاد الاسلام ووضع اللبنات الاساسية لانتشاره في كل بقاع الارض فكان بحق الامام المنصور لا المظلوم... لم يظلم امام من شيعته ومحبيه قبل اعدائه مثل الامام الحسن بن علي المجتبى (عليهما السلام)، وهو اكثر امام مظلوم في التاريخ الاسلامي مثلما كان يؤكد ويقول الشيخ احمد الوائلي رحمه الله في العديد من محاضراته، ووفقا للكثير من المصادر الاسلامية. حيث يعرف الامام الحسن بـ «المظلوم» بسبب الظروف الصعبة التي واجهها خلال فترة امامته، بما في ذلك معاهدة الصلح مع معاوية، والتي اعتبرها البعض تنازلا عن حقه في الخلافة، بالاضافة الى تعرضه للتهميش من قبل بعض اتباعه ومحبيه. فلماذا وصف بالمظلوم؟ وهو سبط الرسول الكريم وسيد شباب اهل الجنة وابوه خليفة المسلمين وامه سيدة نساء العالمين!!!. لم يكن الامام الحسن عليه السلام يوما ضعيفا مثلما يدعي البعض، مصداقا لقول الرسول الكريم: (ان ابني هذا سيد) بما يؤكد القوة والقيادة والشجاعة وهي مشهودة له في معارك الفتح ومع ابيه… صدق الرسول الكريم عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام. ولم يناله ظلم طيلة حياة الرسول الكريم او حياة وخلافة ابيه الى ان استلم الخلافة بعد استشهاد والده الذي اوصى له بها نزولا عند وصية الرسول الكريم السابقة وكان الاحق والاجدر من غيره بين عموم المسلمين في وقتها. وهنا كان لمواقف الامام وابرامه الصلح مع معاوية وقعا كبيرا لدى شيعة ابيه واعداء معاوية الذين رفضوا الصلح جملة وتفصيلا واعتبروه تنازلا وتراجعا، بينما كان في حقيقة الامر تدبرا وتدبيرا من الامام الحسن سلام الله عليه لعدة اسباب منها: انه لم يكن صلحا في المفهوم الحديث بل هدنة او وقفا مؤقتا لإطلاق النار اولا؛. وحقنا لدماء المسلمين ثانيا؛. وحفاظا على كيان الدولة الاسلامية الوليدة ثالثا؛. وتبادلا للمواقف رابعا؛ حيث اوقف معاوية عند حدود الشام على ان لا يسمى اميرا للمؤمنين وان لا يورث الحكم لابنائه ويوقف سب الامام علي عليه السلام على المنابر، وان لا يلاحق شيعة اهل البيت. ورغم علم الامام التام وادراكه بان معاوية لن يلتزم وبانه سينكل بكل بنود الهدنة، الا انه كان يراهن على فضحه امام عامة المسلمين وابراز مساوئه في نقض العهود والمواثيق، وهو ما حدث بالفعل وبالضبط بعد استشهاد الامام الحسن عليه السلام. العبرة والخلاصة والدروس المستنبطة من سيرة حكم الامام الحسن المجتبى القصيرة، انه ضرب اروع الامثلة في الحفاظ على كيان الدولة وقوتها امام اعدائها الخارجيين المتربصين بها وبانقساماتها الداخلية في حينها، وتعامل بحكمة ودبلوماسية مثلما تسمى حديثا في ادارة الشؤون الداخلية والخارجية ونجح في تثبيت اوتاد الاسلام ووضع اللبنات الاساسية لانتشاره في كل بقاع الارض فكان بحق الامام المنصور لا المظلوم… فهل من يتعظ من ساستنا بسير الائمة الاطهار وروح التضحية والايثار والحفاظ على مصالح الدولة قبل البحث عن المجد الشخصي او الانغماس في المناصب وتعميق بذور الفرقة والاختلاف؟.