
اتفاق تاريخي بين أرمينيا وأذربيجان يفتح الطريق للسلام.. ويثير مخاوف من تمدد الإرهاب
هذا الإعلان، الذي تم التوقيع عليه في البيت الأبيض، جاء بعد سنوات من الصراع الدموي، وآخره الحرب التي اندلعت في سبتمبر 2020 واستمرت 44 يومًا، وأدت إلى استعادة أذربيجان السيطرة على مناطق واسعة من إقليم قره باغ المتنازع عليه، مما كرس واقعًا جديدًا على الأرض وأعاد ترتيب موازين القوى في المنطقة.
ترامب يعلن خارطة الطريق
و في كلمته بعد التوقيع، أعرب ترامب عن امتنانه لقادة البلدين لقبولهم دعوته للمشاركة في قمة السلام، واعتبر أن هذه الوثيقة تمثل فرصة تاريخية لإنهاء الصراع الممتد منذ عقود، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستدعم هذا الاتفاق بكل الوسائل الممكنة.
وتعهدت أرمينيا وأذربيجان بموجب الإعلان بوقف كافة الأعمال العدائية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية والتجارية، واحترام سيادة كل منهما على أراضيه، وهو ما يمثل سابقة في العلاقات الثنائية المتوترة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
ورغم اللغة الدبلوماسية الهادئة التي استخدمت في المؤتمر الصحفي، إلا أن تفاصيل الاتفاق تكشف عن تنازلات عميقة، خاصة من الجانب الأرميني، الذي وافق ضمنيًا على تعديل دستوره من أجل إزالة المواد التي تتعارض مع سيادة أذربيجان ووحدة أراضيها، وهي نقطة ظلت طوال العقود الماضية من أبرز أسباب توتر العلاقات.
كما تضمّن الاتفاق قرارًا مفاجئًا بإلغاء "مجموعة مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي كانت تُشرف على محاولات التسوية بين البلدين منذ تسعينيات القرن الماضي.
وقد برر الزعماء الثلاثة هذا القرار بأن المجموعة فقدت فعاليتها وأن الاتفاق الجديد يُمثل بداية مرحلة جديدة لا تحتاج إلى وساطات خارجية.
رفع العقوبات عن أذربيجان
ومن أبرز ما جاء في المؤتمر إعلان ترامب رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على أذربيجان في قطاع الدفاع، وهو القرار الذي وصفه بأنه بالغ الأهمية لتعزيز الاستقرار، كما ألمح إلى تعاون عسكري مستقبلي بين واشنطن وباكو في مجال مكافحة الإرهاب وحماية الممرات الاستراتيجية، في إشارة واضحة إلى الممر الذي يُعرف باسم "ممر زنغزور" والذي سيمتد من أذربيجان إلى تركيا مرورًا بأراضي أرمينيا وجمهورية نخجوان ذاتية الحكم.
واعتبر ترامب أن هذا المشروع الاستراتيجي من شأنه أن يُعيد ربط أذربيجان بجمهورية نخجوان عبر أرمينيا، ويساهم في تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، وذهب إلى حد القول إن البعض بدأ يطلق عليه "طريق ترامب الدولي للسلام والرفاه"، رغم تأكيده أنه لم يطلب من أحد أن يُسمى بهذا الاسم.
لكن رغم الاحتفاء الأمريكي بهذا التحول، تبرز العديد من التساؤلات حول تبعات هذا الاتفاق على الأمن الإقليمي، خصوصًا في ظل هشاشة الأوضاع الحدودية بين البلدين، وغياب آليات رقابة دولية بعد حل مجموعة مينسك. فالمناطق التي كانت مسرحًا للنزاعات المسلحة سابقًا لا تزال تعاني من فراغات أمنية، ونزوح جماعي، وبُنى تحتية مدمرة، ما يجعلها بيئة خصبة لتسلل الجماعات الإرهابية.
وقد حذرت مراكز أبحاث أمنية من احتمال ظهور تنظيمات متطرفة جديدة في جنوب القوقاز، خصوصًا مع تزايد نشاط الجماعات العابرة للحدود والتي تستغل حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
ويخشى بعض المراقبين من أن يؤدي الانسحاب التدريجي للقوات الروسية، التي كانت تنتشر في مناطق التماس بعد اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020، إلى ترك فجوة قد تملأها جهات غير حكومية، بعضها مرتبط بشبكات إرهابية دولية.
فراغ أمني يهدد بتحول المنطقة إلى بؤرة للإرهاب
وقد أشار تقرير لمركز دراسات الإرهاب التابع للاتحاد الأوروبي إلى أن منطقة القوقاز تشكل إحدى النقاط الساخنة التي تُعد من بين الأهداف الاستراتيجية لتنظيمات مثل داعش والقاعدة، حيث تسعى هذه الجماعات إلى إيجاد موطئ قدم جديد بعد تراجع نفوذها في سوريا والعراق.
ومع استئناف حركة النقل عبر ممر زنغزور، وفتح الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، فإن أي ضعف في الرقابة الأمنية أو التنسيق الاستخباراتي قد يسمح بتهريب الأسلحة أو تسلل عناصر متطرفة إلى قلب أوروبا أو آسيا الوسطى.
ومن هنا، فإن الاتفاق الجديد، على أهميته السياسية، لا يمكن أن يُكتب له النجاح الكامل إلا إذا تم دعمه بخطط أمنية واستخباراتية شاملة، تشمل نشر نقاط مراقبة مشتركة، وتبادل معلومات استخباراتية في الزمن الفعلي، وتعاون وثيق مع الأجهزة الأمنية الغربية، وخصوصًا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقد طرحت بعض الأصوات في أرمينيا تساؤلات حول ما إذا كانت التنازلات التي تم تقديمها في هذا الاتفاق قد جاءت تحت ضغط أمريكي أو نتيجة تراجع الدعم الروسي التقليدي، في ظل انشغال موسكو بأولوياتها في أوكرانيا. كما لم يغب العامل الإيراني عن التحليلات، حيث ترى طهران أن إنشاء ممر زنغزور يُهدد دورها الجغرافي في الربط بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وقد ألمحت مرارًا إلى أن أي تغيير جغرافي يتم فرضه بالقوة أو عبر صفقات لا تأخذ في الحسبان مصالح الدول المجاورة سيُقابل برد حازم.
إنجاز تاريخي يُعزز من رصيد ترامب
أما على المستوى الإعلامي والسياسي، فقد أعلن كل من علييف وباشينيان أنهما يفكران في ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام، في خطوة رمزية تعكس حجم الرهان الذي وضعه الزعيمان على هذه الوساطة الأمريكية.
وبينما يروج ترامب للاتفاق كإنجاز تاريخي يُعزز من رصيده السياسي، لا سيما في خضم استعداداته للانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن التحدي الأكبر لا يزال يكمن في مدى الالتزام الفعلي ببنود الاتفاق على الأرض، ومدى قدرة واشنطن على ضمان تنفيذه دون أن يتحول إلى مجرد وثيقة رمزية سرعان ما تنهار تحت وقع الضغوط الإقليمية أو تهديدات الجماعات المسلحة.
وبين تفاؤل سياسي أمريكي، وحذر أمني أوروبي، وشكوك إيرانية وروسية، يبدو أن اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوازنات في جنوب القوقاز.
ويري مراقبون أن فرص النجاح ستعتمد على مدى تماسك الداخل السياسي في كل من باكو ويريفان، وعلى قدرة الولايات المتحدة على التحول من وسيط إلى شريك في البناء الأمني والاقتصادي، بعيدًا عن مقاربات استعراضية قد تُغري الأطراف المتطرفة بمحاولة الانقضاض على ما تبقى من استقرار هش في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ 11 ساعات
- شفق نيوز
زيلينسكي يحذر من إقصاء أوكرانيا عن قمة ترامب وبوتين ويؤكد رفض التنازل عن أراضٍ لروسيا
حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من أي محادثات دولية حول مستقبل بلاده تُعقد من دون مشاركة كييف، مؤكداً رفضه المطلق لأي تسوية للنزاع تتضمن التنازل عن أراضٍ لروسيا. وقال زيلينسكي، السبت، في منشور على تطبيق تلغرام عقب اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إن من الضروري أن يتخذ الأوروبيون "خطوات واضحة" لتحديد نهج مشترك قبل القمة المقررة الجمعة المقبلة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في ولاية ألاسكا. وأضاف: "من الضروري اتخاذ تدابير واضحة والتنسيق على أعلى مستوى بيننا وبين شركائنا". وجاءت تصريحات زيلينسكي بعد يوم من إعلان ترامب أنه سيلتقي بوتين في 15 أغسطس/آب في محاولة لإيجاد حل للحرب المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف، في لقاء لن يحضره الرئيس الأوكراني. وأشار زيلينسكي إلى أن "أي قرار ضدنا، أي قرار من دون أوكرانيا، هو أيضا قرار ضد السلام، ولن يحقق شيئاً"، مشدداً على أن الحرب "لا يمكن أن تُنهى من دوننا، من دون أوكرانيا"، وأن "الأوكرانيين لن يتخلوا عن أرضهم للمحتل". وكان ترامب قد لمح، قبل الإعلان عن القمة، إلى أن التسوية المحتملة قد تتضمن "بعض تبادل الأراضي لصالح الطرفين" الروسي والأوكراني، دون تقديم تفاصيل، واصفاً الملف بأنه "معقد" بسبب استمرار المعارك في مناطق متنازع عليها منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف. وبعد الاتصال بين زيلينسكي وستارمر، أعلنت لندن أن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، ونائب الرئيس الأمريكي، جاي دي فانس، سيعقدان السبت اجتماعاً لمستشاري الأمن القومي الأوروبيين والأمريكيين، واصفة اللقاء بأنه "فرصة حاسمة لمناقشة التقدم المطلوب لإرساء سلام عادل ودائم في أوكرانيا". Reuters وبدأت الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 عندما شنت روسيا هجوماً واسع النطاق على عدة جبهات، بعد أشهر من تصاعد التوترات وحشد القوات على الحدود. وقالت موسكو آنذاك إن عمليتها العسكرية تهدف إلى "حماية" الناطقين بالروسية ومنع توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بينما اعتبرت كييف والحلفاء الغربيون أن ما جرى هو "غزو غير مبرر يهدف إلى السيطرة على أوكرانيا وإعادة ضمها إلى دائرة النفوذ الروسي". ومنذ ذلك الحين، سيطرت القوات الروسية على أجزاء واسعة من إقليمي لوهانسك ودونيتسك شرق البلاد، إضافة إلى مناطق في جنوب أوكرانيا بينها خيرسون وزابوريجيا، فضلا عن شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014. وشنت القوات الأوكرانية هجمات مضادة على عدة جبهات، لكنها واجهت صعوبات في استعادة الأراضي بسبب التحصينات الروسية الكثيفة ونقص الإمدادات العسكرية. وفي الوقت نفسه، تكثفت الجهود الدبلوماسية لوقف القتال. وعُقدت جولات تفاوض بين موسكو وكييف في تركيا وبيلاروسيا عام 2022، لكنها انهارت بسبب الخلافات حول الحدود والسيادة والضمانات الأمنية. كما جرت محاولات وساطة من جانب دول بينها تركيا والصين والبرازيل، إلا أنها لم تحقق اختراقا يذكر. وتدعم العديد من الدول الأوروبية أوكرانيا عسكرياً ومالياً، ويؤكدون أن أي حل سياسي يجب أن يحترم وحدة الأراضي الأوكرانية. في المقابل، تقول موسكو إن أي اتفاق سلام يجب أن يعكس "الواقع على الأرض"، في إشارة إلى سيطرتها على أراضٍ أوكرانية. وتعد القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين الأولى من نوعها منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي. وسبق أن أجرى الرئيس الأمريكي عدة مكالمات هاتفية مع نظيره الروسي، متعهداً في أكثر من مناسبة بوضع حد للحرب. لكن حديثه الأخير عن "تبادل أراضٍ" أثار قلق كييف وحلفائها من إمكانية فرض تسوية على أوكرانيا دون موافقتها.


ساحة التحرير
منذ 13 ساعات
- ساحة التحرير
ملاحظات حول قرار وزيرة العدل الامريكية بخصوص مادورو؟!محمد النوباني
ملاحظات حول قرار وزيرة العدل الامريكية بخصوص مادورو؟! محمد النوباني من يعرف التاريخ الامريكي جيداً لا تنطلي عليه مطلقاً أكاذيب واراجيف واضاليل من طراز ان إدارة ترامب تحارب تجارة المخدرات في العالم وتبذل كل ما في وسعها لحماية الشعب الامربكي من هذه الآفة القاتلة . فكما كل الإدارات التي تعاقبت على حكم أمريكا فإن إدارة ترامب المجرمة تدرك الخطر الذي تشكله آفة المخدرات على الناس في كل أنحاء العالم بما في ذلك عى بلدها ولكنها لا تجد حرجا اخلاقياً في التعامل مع مجوعات الجربمة المنظمة في كل أنحاء العالم وفي مقدمتها كارتيلات المخدرات في أمريكا اللاتينية إذا كان ذلك التعامل يخدم مصالحها في محاربة الحركات الثورية والأنظمة التقدمية المعادية للإمبريالية وشيطنتها. وفي هذا الإطار فقد وجدنا أن حكام البيت الأبيض اتهموا حزب الله اللبناني بالإتجار بالمخدرات وتشجيع زراعته في سهل البقاع اللبناني رغم أن الحزب يعتبر ترويج المخدرات محرم شرعاً. وفي ذات السياق فقد وجدنا ان وزيرة العدل الامريكية قررت أمس الاربعاء تخصيص مبلغ ٥٠ مليون دولار لمن يدلي/تدلي، بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض على الرئيس الفتزويلي المنتخب نيكولاس مادورو وتسليمه للولايات المتحدة الامربكية بذريعة ان مادورو هو تاجر مخدرات دولي ومسؤول عن إعراق السوق الامريكية باصناف مختلفة من المخدرات وبالتالي فإن بقائه طليقاً وفي منصبه رئيساً لجمهورية فنزويلا البوليفارية يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي. وغني عن القول في هذا المجال أن مادورو يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي ولكن ليس لأنه تاجر مخدرات بل لانه شخصية ثورية محترمة منعت وتمنع إدارة الشر الترامبية من ألسيطرة على ثروة فنزويلا الوفيرة من نفط وغاز وذهب فنزويلا وتحويلها إلى جمهورية موز جديدة. . 2025-08-09


ساحة التحرير
منذ 13 ساعات
- ساحة التحرير
الصراع بين ترامب ورئيس البنك الفيدرالي!اضحوي جفال محمد
الصراع بين ترامب ورئيس البنك الفيدرالي! اضحوي جفال محمد * الناس يفهمون الحرب التجارية التي يتبناها ترامب بأسلحة الرسوم والتعريفات الجمركية أفضل من فهمهم للهجمات التي يشنها على رئيس البنك الفيدرالي جيروم باول. واذا كان عدم الفهم سبباً في اجتناب موضوع يبدو معقداً لدى كثيرين فإنه بالنسبة لي سبب لخوض الموضوع بقصد إيضاحه. إذ لا مفر من فهم الاقتصاد لفهم السياسة. وهذي واحدة من انجازات الماركسية التي بقيت على قيد الحياة بعد موتها، مثل جنين استُخرج حيّاً رغم وفاة الام خلال عملية التوليد. الماركسية ماتت سياسياً موتاً مدوياً دفع كثيرين للاعتقاد بأنها كانت فكرة خاطئة بالمطلق، وهذا غير صحيح، فلها الكثير من العطاء العلمي في حقلَي الاجتماع والاقتصاد، لعل ابرزها مقولة ان الاقتصاد (نمط الانتاج) هو البناء التحتي لحركة المجتمع وفوقه تنشأ الأشياء الأخرى من فكر وفنون وعادات وقانون وتعليم وغير ذلك مما اطلقوا عليه (البناء الفوقي) الذي يتغير بتغيّر الاقتصاد. لذا فإن جوهر الصراع المحتدم الان في العالم اقتصادي. ولأن شرحه تفصيلياً يحتاج مجلدات فإننا نتابعه باختصار عبر مقالات نسعى لجعلها غير مملة تتناول مركز تطوراته التي تتمحور في هذه المرحلة حول الحرب التجارية التي يشنها ترامب على العالم. والداعي المركزي لهذه الحرب هو كابوس الاقتصاد الأمريكي غير القابل للحل.. فترامب عازم على ايجاد الحل (الخارق) بطريقة فيها من العناد اكثر مما فيها من العلم. مشكلة الاقتصاد الأمريكي المستعصية ان الدولة مدانة بمبلغ 37 تريليون دولار، تتجه فوائده إلى عتبة التريليون دولار هذا العام. بمعنى ان الحكومة غير قادرة على تسديد الفوائد إلا بمزيد من الاقتراض. هذا الثقب الأسود الذي استسلم له الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون منذ اواسط القرن الماضي يقول ترامب انه لن يستسلم وسيضع حداً له ويغيّر المعادلة!! فهل هو جاد أم يهذي؟. خطة ترامب تعتمد على سبيلين مترابطين لاستحصال الاموال التي يعالج بها المشكلة المزمنة والمتفاقمة: داخلية تقوم على إحداث تغييرات (اصلاحية) في هيكلية الاقتصاد الأمريكي، وخارجية تتمثل بالاستحواذ على أموال الآخرين بوسائل فيها قدر مستفز من الهيمنة والابتزاز. كلا السبيلين يحتاج وقتاً للإثمار لا تتسع له مدة الثلاث سنوات المتبقية من رئاسته غير القابلة للتمديد رغم انه يتطلع لتمديدها بطرق غير تقليدية يأمل أن يكون النجاح الاقتصادي مدخلاً اليها. والذي يعنينا في هذا المقال هو نقطة التلاقي بين السبيلين، الداخلي والخارجي في خطة ترامب، والتي يمثل صراعه مع رئيس الفيدرالي جيروم باول أبرز تجلياتها. والقضية أن ترامب يريد من باول خفض سعر الفائدة وباول يرفض! فماذا وراء موقف كل منهما؟. قبل كل شيء هناك بديهية يعرفها الجميع وهي أن خفض سعر الفائدة معناه خفض الاموال التي تدفعها الحكومة الأمريكية للدائنين كفوائد. فالمترتب على الحكومة الأمريكية لهذا العام قرابة التريليون دولاراً حسب سعر الفائدة الحالي (%4،30) فلو قام البنك الفيدرالي بخفض الفائدة إلى النصف مثلاً تنخفض المدفوعات المترتبة على الحكومة من تريليون إلى نصف تريليون، فارق هائل. ولقد طالب ترامب اكثر من مرة بتصفير الفائدة تماماً، ولو تحقق له ذلك لأوقف نزيف الفوائد وتفرّغ للأصول. يرفض باول ذلك لأن خفض سعر الفائدة يدفع اصحاب الأموال إلى سحب اموالهم من البنوك وتوجيهها إلى السوق بحثاً عن أرباح، فيرتفع التضخم بدرجات مخيفة. فلا أحد يستثمر أمواله في البنوك لقاء فوائد ضئيلة إلا أن يكون مكرهاً، وهو ما يقوم به ترامب بإكراه (رأسماليين) أجانب على الاستثمار داخل الولايات المتحدة بالضغط لا بالإغراء. لقد سمعنا في تفاصيل الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي عن فقرة بتوجيه 600 مليار دولار لاستثمارها في السوق الأمريكية. ومثل ذلك مع اليابان وبريطانيا ناهيك عن تريليونات الخليج. الدول لا تملك ان تجبر شركاتها على الاستثمار في السوق الأمريكية، فهذا شأن تحدده الجاذبية الاقتصادية، لذلك تضطر الحكومات وليس الشركات، وفاءً بتعهدها في الاتفاق، إلى دفع اموال من صناديقها السيادية للاستثمار في مجالات لعل أسهلها شراء أذونات من الخزانة الأمريكية، وهذا شكل من أشكال الإقراض للولايات المتحدة، يرضى بسعر فائدة متدنٍ . هذا ما يقدمه ترامب لجيروم باول مقابل طلبه الملح بخفض الفائدة. لكن باول متمسك حتى الان بموقفه، ولا سلطة للبيت الأبيض عليه. إلا أن عوامل اخرى لا علاقة لها برغبة ترامب، بل هي صادمة لترامب، قد تدفع الفيدرالي إلى النظر في امكانية خفض الفائدة.. وهي تقرير مكتب إحصاءات العمل، الذي صدر أمس وأشار إلى تباطؤ ملموس في معدلات التوظيف، وهو مؤشر على تباطؤ النمو الاقتصادي. فغضب ترامب وقرر إقالة مفوضة المكتب الدكتورة إريكا ماكينتارفر متهماً إياها بتزوير الأرقام. وتلك كارثة من طراز كارثة الالحاح على رئيس الفيدرالي وتهديده بالإقالة، لأنها تنزع الثقة الشعبية والخارجية بالمؤسسات الاقتصادية والمالية الأمريكية واستقلاليتها التي تستمد قوتها وثباتها من الثقة. ( اضحوي _ 2207 ) 2025-08-09 The post الصراع بين ترامب ورئيس البنك الفيدرالي!اضحوي جفال محمد first appeared on ساحة التحرير.