logo
لماذا لم تكشف بغداد عن هوية المتورطين بهجمات المسيرات؟

لماذا لم تكشف بغداد عن هوية المتورطين بهجمات المسيرات؟

الجزيرة٢١-٠٧-٢٠٢٥
بغداد- شهدت مدن إقليم كردستان العراق ومحافظات أخرى خارجه تصعيدا مقلقا في وتيرة الهجمات التي تستهدف منشآتها الحيوية، سواء ب طائرات مسيرة أو صواريخ.
وطالت هذه الهجمات المتتالية منظومات رادارات وحقول نفطية، بالإضافة إلى مقار عسكرية، ومطاري أربيل وكركوك و مصفاة بيجي النفطية ، كما هز انفجار قوي صباح 14 يوليو/تموز الحالي، أحد مرافق الإنتاج في حقل سرسنك النفطي بالإقليم، وذلك بعد يوم واحد فقط من تعرض حقل "خورمالا" النفطي غرب محافظة أربيل لهجوم بطائرتين مسيّرتين مجهولتي المصدر.
وتثير هذه الهجمات العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء توقيت هذه الضربات والجهات المسؤولة عنها، في الوقت الذي تكتفي فيه السلطات العراقية بالإعلان عن فتح تحقيقات بهذه الحوادث المتكررة، الأمر الذي يثير قلقا وتساؤلات كبيرة لدى الرأي العام، حول سبب عدم كشف الحكومة العراقية عن هوية المسؤولين عنها.
وكانت السلطات العراقية قد أعلنت في 24 يونيو/حزيران الماضي عن فتح تحقيق في هجمات ليلية بطائرات مسيرة هجومية استهدفت مواقع وقواعد عسكرية، وتضررت منظومات الرادار في بعضها، مثل معسكر التاجي شمالي بغداد، وقاعدة الإمام علي الجوية في الناصرية.
رسائل موجهة
ويؤكد الأكاديمي والخبير الإستراتيجي الدكتور أحمد الشريفي أن الجهات المتورطة بالهجمات المتتالية التي تستهدف المنشآت الحيوية في العراق هي الفصائل المرتبطة بإيران.
وقال الشريفي للجزيرة نت إن "إيران ترى في مسألة استثمار الطاقة وتمددها شرق أوسطيا عبر سوريا تهديدا لمصالحها وأمنها القومي، مما دفعها إلى تحريك فواعلها المحلية داخل العراق لتوجيه هذه الضربات بهدف تأمين بيئة طاردة للاستثمار".
وأضاف أن هذه الهجمات تحمل أيضا رسائل موجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما أن الاستثمارات المستهدفة أميركية، وترسل إيران من خلال هذه الضربات رسالة مفادها أنها تمتلك "قدرة التأثير في الميدان عسكريا وتحتاج إلى التفاهم المباشر دون المرور بالحكومة العراقية".
وعن صمت الحكومة العراقية وعدم إفصاحها عن الجهات المسؤولة عن هذه الهجمات، أوضح الشريفي أن الحكومة "لا تمتلك مبررا" لهذا الصمت، مشيرا إلى أنه لو أفصحت الحكومة عن الجهة المعنية بالاسم، لكان لزاما عليها اتخاذ إجراءات رادعة وتفعيل القضاء لإنفاذ القانون، "وهذا ما يضعها في حرج ويدفعها إلى التمويه أو التعتيم حتى لا تُعاتب على تقاعسها عن اتخاذ الإجراءات اللازمة".
وشدد الشريفي على أن تحديد الجهة المسؤولة أمر ضروري، خاصة أنها "تمس السلم الأهلي"، فعدم محاسبة هذه الجهات قانونيا يؤدي إلى "تردد الحكومة في تحمل مسؤولية إنفاذ القانون، وهو واجبها الدستوري" حسب قوله.
كما انتقد الخبير بشدة وصف الحكومة للجهات المسؤولة عن الهجمات السابقة بأنها "جهات سياسية"، معتبرا هذا التوصيف "عاما ويشمل جميع الجهات السياسية"، واصفا إياه بأنه "خطأ حكومي يضع الكيانات السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة تحت شبهة التورط" ويخرجها من "محل ثقة الرأي العام".
ودعا الشريفي الحكومة إلى تحديد الجهة المسؤولة وإنفاذ القانون، أو "إعلان عجزها وتقديم استقالتها"، مشيرا إلى أن الحكومة، كونها حكومة الإطار التنسيقي، تتأثر بشكل كبير بتوجيهات الإطار الذي هو "الكتلة المانحة للثقة" و"الكتلة المسيطرة برلمانيا"، وهذا يجعلها "لا تستطيع أن تصطدم بالإطار التنسيقي لكونه هو الذي جاء بها".
صمت متكرر
من جانبه، يكشف الباحث في الشأن السياسي نزار حيدر، عن تفاصيل جديدة حول الجهات والأسباب التي تقف وراء الهجمات المتكررة التي تستهدف المؤسسات العسكرية والأمنية في العراق.
وقال حيدر للجزيرة نت إن هجمات المسيرات التي استهدفت مواقع في كركوك وصلاح الدين ومصفى بيجي، ومن ثم مواقع النفط في إقليم كردستان، "تشير إلى وقوف فصائل مسلحة تتعاون مع جارتنا الشرقية" حسب وصفه.
وعزا ذلك لسببين رئيسيين:
الأول: وجود "مشكلة كبيرة" لدى الإيرانيين مع الشركة المستثمرة في حقل خورمالا وبقية الحقول النفطية في الإقليم.
والثاني: للضغط على أربيل لغايات معينة.
وأوضح حيدر أن الصمت الحكومي ليس بجديد، "فعادة ما تتجنب الحكومة الكشف عن هوية هذه الجهات"، مبررا ذلك بأن هذه "الفصائل مرتبطة بقوى سياسية وأطراف أجنبية"، وهي "بالنتيجة تدير وتدار من قبل الدولة العميقة في العراق".
وأضاف أن السوداني "يتجنب عادة ذكر أسمائها لأنه لا يريد أن يتورط معها"، خاصة أنه "فشل فشلا ذريعا" في تحقيق هدفه بحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما كان ضمن برنامجه الانتخابي.
باسم مجهول
وأكد المستشار العسكري والأمني وفا محمد كريم، تصاعد وتيرة الهجمات "الإرهابية والإجرامية" في العراق، مشيرا إلى وقوع أكثر من 19 هجوما بطائرات مسيرة خلال الشهر الحالي.
وأبدى كريم خلال حديثه للجزيرة نت عن استغرابه من استمرار لجان التحقيق في نسب هذه الهجمات إلى "مجهول"، مؤكدا أن وزارة داخلية إقليم كردستان كانت قد كشفت قبل 10 أيام أن الهجمات تأتي من "إحدى الفصائل التابعة للحشد الشعبي"، مشيرا إلى أن الموقع الذي انطلقت منه الطائرات المسيرة كان معلوما، وتم الكشف عنه مؤخرا بأنه قريب من منطقة دبس بمحافظة كركوك.
وأضاف المستشار أن "الأدلة الكاملة" قُدمت للجان التحقيقية، لتمكينها من "مباشرة وإنفاذ القانون"، لكنه استدرك قائلا إن "لجان التحقيق دائما تكون عاجزة".
وعن الجهة المستفيدة من هذه الهجمات، قال إن "اللجان التحقيقية تعلم من هو الجاني ومن هي الجهة ولمصلحة من تتم عرقلة الاتفاق النفطي بين بغداد والإقليم وقصف الحقول النفطية"، مؤكدا أن هذه الهجمات أدت إلى توقف أعمال العديد من الشركات النفطية في الإقليم.
وأشار كريم إلى أن "الجهة التي تمتلك الطائرات المسيرة معروفة"، محذرا من أن "هذه الفصائل التي تمتلك الطائرات المسيرة تعتبر نفسها أقوى من السلطة والدولة ومن أي لجنة تحقيقية، لذا من الصعب جدا محاسبة هؤلاء المجرمين".
تعقيدات داخلية وإقليمية
من جانبه فقد أكد الخبير الأمني فاضل أبو رغيف أن الضربات "متفاوتة ومتباينة"، مشيرا إلى أن الجهة المنفذة ليست واحدة، بل جهات متعددة.
وقال أبو رغيف للجزيرة نت إن الجهة التي استهدفت مطار كركوك تختلف عن تلك التي استهدفت مطار أربيل، وكذلك الحال بالنسبة لحقول النفط في الإقليم والرادارات في جنوب العراق ومعسكر التاجي.
وعزا هذا التباين إلى "عمق الخلاف الأيديولوجي والإقليمي"، مرجحا تورط "دول إقليمية" من خلال "جهات داخلية، قد تكون معارضة أو موالية لها".
وبيّن أن الحكومة "تحجم في أغلب الأحيان عن التحدث بطريقة المعلوم"، وتلجأ دائما إلى "تذويب الأمور" وعدم تسمية الجهات باسمها، مرجعا ذلك إلى عدة اعتبارات، منها أن "العراق أرض غير جاهزة للمكاشفة والمصارحة والقول الفصل في مثل هذه القضايا الحساسة" حسب قوله.
وأضاف أبو رغيف أنه "إلى الآن لا توجد جهة قد تبنت هذه الضربات"، وأن "الأمر حساس استخباراتيا وسياسيا" بالإضافة إلى "البيئة والمناخ العراقي الداخلي غير المهيأ" وهو ما يمنع الحكومة من "وضع النقاط على الحروف".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قائد الجيش الإيراني: التهديدات الإسرائيلية قائمة و قدراتنا جاهزة
قائد الجيش الإيراني: التهديدات الإسرائيلية قائمة و قدراتنا جاهزة

الجزيرة

timeمنذ 15 دقائق

  • الجزيرة

قائد الجيش الإيراني: التهديدات الإسرائيلية قائمة و قدراتنا جاهزة

نقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية أمير حاتمي قوله، اليوم الأحد، إن التهديدات من إسرائيل لا تزال قائمة. ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء الرسمية (إرنا) عن حاتمي قوله "يجب اعتبار التهديد بنسبة 1% تهديدا بنسبة 100%، يجب ألا نقلل من شأن العدو وألا نعتبر تهديداته منتهية". وأضاف حاتمي أن قوة الصواريخ والطائرات المسيرة للجمهورية الإسلامية "لا تزال جاهزة للعمليات". وشنت إسرائيل والولايات المتحدة في يونيو/ حزيران ضربات على منشآت نووية إيرانية خلال حرب استمرت 12 يوما، وردت طهران على إسرائيل بعدة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة. وفي الشهر الماضي، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي من أن بلاده ستضرب إيران مجددا إذا تعرضت للتهديد.

لماذا أثارت قائمة السفراء الجدد انقساما سياسيا في العراق؟
لماذا أثارت قائمة السفراء الجدد انقساما سياسيا في العراق؟

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

لماذا أثارت قائمة السفراء الجدد انقساما سياسيا في العراق؟

بغداد- جدلا واسعا أثارته قائمة السفراء الجدد التي ضمت 91 اسما ووافق عليها مجلس الوزراء في 22 يوليو/تموز الماضي، وقدم بموجبها توصية إلى مجلس النواب للتصويت عليها، الأمر الذي أدى إلى ردود فعل سياسية متباينة. فبينما يرى البعض أن هذه الخطوة جاءت بتوافق سياسي، انتقد نواب آخرون بشدة بعض الأسماء المرشحة، وتركزت الانتقادات حول افتقار بعض المرشحين للخبرة الدبلوماسية اللازمة، واتهم نواب الحكومة بالاعتماد على المحسوبية والمنسوبية في اختيار الأسماء بدلا من الكفاءة. خرق لمبدأ الكفاءة أكد رئيس تحالف المعارضة في البرلمان العراقي، النائب عامر عبد الجبار، أن قائمة السفراء الجديدة تمثل خرقًا واضحًا لمبدأ الكفاءة، وقد أعدت على أساس المحسوبية والمحاصصة. وقال عبد الجبار للجزيرة نت إن "كبار الزعماء السياسيين قاموا بتعيين أبنائهم وإخوانهم وأصهارهم في هذه المناصب الحساسة"، مشيرا إلى أن هذا التوجه يمثل "مصادرة للاستحقاقات الحزبية لصالح العائلة والأقرباء". وأشار النائب إلى أن تحالف المعارضة يرفض مبدأ المحاصصة جملة وتفصيلا، مؤكدا أن " العراق يمتلك كفاءات دبلوماسية قادرة على تمثيل البلاد أفضل تمثيل"، ودعا إلى اتخاذ إجراء قانوني لتقسيم المناصب وفقًا للوصف الوظيفي والاستحقاق، وليس على أساس الولاءات. وأضاف أن هناك ملاحظات عديدة على الأسماء المدرجة في القائمة، حيث إن بعضهم مشمول بإجراءات المساءلة والعدالة واجتثاث حزب البعث، وتساءل عن دور هيئة المساءلة في هذا الصدد، معتبراً أن "إجراءاتها أصبحت مزاجية". وأكد عبد الجبار أن تحالف المعارضة لن يصوت على هذه القائمة في حال عرضها داخل قبة البرلمان، مجددا رفضه للمحسوبية في اختيار الممثلين الدبلوماسيين للعراق. اتفاق سياسي من جهته أكد النائب عن المكون الكردي، محما خليل، وجود اتفاق سياسي بين الكتل السياسية لتمرير قائمة السفراء الجديدة، وقال للجزيرة نت إن موافقة مجلس الوزراء على القائمة، وهو الذي يضم وزراء يمثلون جميع المكونات، هو بمثابة "تحصيل حاصل"، كون الحكومة ولدت عبر توافق برلماني، مضيفا أن القائمة تحظى بقبول الكتل السياسية، لذا من المتوقع أن يتم التصويت عليها داخل البرلمان. لكن النائب أشار إلى وجود تخوفات لدى بعض الكتل السياسية من أن عقد جلسة للتصويت على السفراء قد يُستغل لإدراج قوانين جدلية أخرى، مما قد يسبب ارتباكا في عمل مجلس النواب. وأكد خليل "أعتقد أن البرلمان في هذه الظروف، ومع قرب الانتخابات ووجود قوانين خلافية، قد أصبح شبه مشلول، ولن نتمكن من تمرير قوائم السفراء بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لعقد الجلسة". ومن بين القوانين الجدلية داخل أروقة البرلمان قانون هيئة الحشد الشعبي ، وقانون حرية التعبير عن الرأي، وتعديل قانون الانتخابات. دعوة لإعادة النظر بدوره أكد عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي النائب محمد الخفاجي، على ضرورة إعادة النظر في قائمة السفراء الجديدة التي تم ترشيحها، مشيرا إلى وجود "ملاحظات عديدة" بشأن بعض الأسماء المدرجة فيها. وقال الخفاجي للجزيرة نت إن منصب السفير يعتبر من الدرجات الخاصة وهو منصب مهم، وبالتالي فإن عملية الاختيار "لا يمكن أن تتم بهذه الطريقة دون معالجة حقيقية واختيار صحيح". وأوضح أن عملية اختيار السفراء "لم تخلُ من المحاصصة والتوافقات السياسية"، بالإضافة إلى "ظاهرة الأقارب الجديدة"، متسائلا "أين معيار الكفاءة والنزاهة الحقيقية التي يجب أن نشاهدها في عملية الاختيار؟". كما أشار إلى أن بعض الأسماء المرشحة لا تمتلك المؤهلات المطلوبة، حيث إن "تحصيلهم الدراسي ليس بالمستوى المطلوب، والبعض الآخر ليست لديه خدمة كافية". وأكد الخفاجي على أهمية منصب السفير، وضرورة أن يكون الاختيار مبنيا على الكفاءة والنزاهة لضمان تمثيل دبلوماسي فعال للعراق. القائمة النهائية وأكد عضو مجلس النواب النائب أمير المعموري أن القائمة النهائية لأسماء السفراء لم تصل بشكل رسمي إلى البرلمان حتى الآن، وقال للجزيرة نت إن ما يتم تداوله بشأن هذه القائمة يقتصر على الجانب الإعلامي فقط "، مشددا على أن "صلاحية المصادقة على تعيين السفراء هي اختصاص حصري لمجلس النواب وفقًا للمادة 61 من الدستور". وتتناول المادة 61 من الدستور العراقي الجديد، بشكل رئيسي اختصاصات مجلس النواب، وهي تحدد المهام التشريعية والرقابية التي يقوم بها المجلس، بالإضافة إلى صلاحياته في تعيين بعض المناصب العليا والدرجات الخاصة. وأضاف أنه "في حال كانت الأسماء المتداولة إعلاميا مطابقة لما سيصل رسميا، فإن القائمة تتضمن شخصيات غير مقبولة ومرفوضة تمامًا"، وعزا هذا الرفض إلى أن بعض الاختيارات "تمت على أساس عائلي وشخصي وغير مهني". وأشار المعموري إلى وجود توجه داخل مجلس النواب لرفض هذه الأسماء والالتزام التام بالمهنية، قائلا "هؤلاء ليسوا موظفين عاديين، بل يمثلون واجهة البلد في الخارج ودبلوماسيون، ولابد أن يكونوا مهنيين ومن ضمن السلك الدبلوماسي حصرا"، مشددا على "ضرورة إدراج كل اسم على حدة وليس بسلة واحدة".

رئيسها زار باكستان.. هل بدأت إيران ترتيب الميدان لحرب جديدة؟
رئيسها زار باكستان.. هل بدأت إيران ترتيب الميدان لحرب جديدة؟

الجزيرة

timeمنذ 14 ساعات

  • الجزيرة

رئيسها زار باكستان.. هل بدأت إيران ترتيب الميدان لحرب جديدة؟

قد لا تكون باكستان قادرة على تفكيك الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران لكنها قد تفتح بابا جديدا للتفاوض بينهما، فضلا عن الامتيازات السياسية والاقتصادية التي يمكنها توفيرها لطهران التي تبدو وكأنها ترتب الميدان لحرب تعتقد أنها قادمة لا محالة. فقد زار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إسلام آباد كأول محطة خارجية له بعد حرب بلاده الأخيرة مع إسرائيل ، بهدف إرساء الأمن الإقليمي والـ"دعوة للوحدة"، ومنع تعميق حالة العداء مع الجيران التي اتهم "أعداء طهران" بإثارتها. وكان الموقف الباكستاني من العدوان الإسرائيلي على إيران واضحا وقويا حيث رفضت إسلام آباد الهجوم وأدانته، ووصل الحد إلى قول قائد جيشها الجنرال عاصم منير ، إن تدمير برنامج إيران النووي على يد الإسرائيليين "سيقلق دولا أخرى، إن حدث". بل إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعا الجنرال منير لزيارة واشنطن خلال الحرب وأجرى معه مباحثات خاصة بعد غداء عمل، في خطوة غير تقليدية، وقد خرجت تقارير تفيد بأن المسؤول العسكري أبلغ الرئيس الأميركي بأهمية استقرار إيران للمنطقة. بيد أن العلاقة بين طهران وإسلام آباد لا تخلو من قضايا شائكة منها: الخلاف على الانفصاليين الموجودين في منطقة بلوشستان الباكستانية، وهم مسلحون معادون للبلدين، لكن كل بلد يتهم الآخر بدعمهم، وقد وصل الأمر لقصف متبادل محدود مطلع العام الماضي. وهناك أيضا العلاقات الباكستانية الأميركية الوثيقة التي تقابلها العلاقات الإيرانية الهندية، التي يبدو أنها أصبحت محل نقاش إيراني بعد حديث عن مساعدة نيودلهي لإسرائيل استخباريا في الحرب الأخيرة. ويرى محللون أن بإمكان باكستان إعادة فتح المفاوضات الأميركية الإيرانية بطريقة جديدة ووفق أطر مختلفة اعتمادا على مكانتها لدى البلدين، لكنها قد لا تكون قادرة على حل الخلاف. إعلان ففي حين أكد المتحدث باسم الخارجية الباكستانية شفقت علي خان، سعي بلاده لإقناع الأطراف المعنية بالملف النووي الإيراني بالتوصل لحل دبلوماسي، يبدو انعدام الثقة بين الأميركيين والإيرانيين أكبر من قدرة إسلام آباد على إذابته، كما تقول الخبيرة في الشأن الإيراني الدكتورة فاطمة الصمادي. ورغم تعدد أهداف زيارة بزشكيان لباكستان والتي حاول خلالها التركيز على الروابط التاريخية والثقافية بين البلدين، فإن الجانب الأمني يبدو على رأس الأولويات، لا سيما أنهما عضوان مؤثران في منظمة "شنغهاي" التي طرحت إيران مؤخرا تأسيس كيانات أمنية مشتركة بين أعضائها لمجابهة أي عدوان أو عقوبات خارجية مستقبلية. كما تحدث موقع "نور نيوز" القريب من مجلس الأمن القومي الإيراني، قبل أسبوع عن التحديات الأمنية التي رافقت الحرب الأخيرة بسبب علاقات إيران مع جيرانها، والتي قال إنها واجبة التغيير تحسبا للمستقبل، وفق ما أكدته الصمادي خلال مشاركتها في برنامج "ما وراء الخبر". ويسعى البلدان أيضا لرفع التبادل التجاري بينهما من ملياري دولار إلى 10 مليارات سنويا وهو أمر تحول الولايات المتحدة دونه، رغم أنهما يمتلكان حدودا وقدرات اقتصادية لا يستهان بها. غير أن تحرك إيران الواضح مؤخرا لإحياء روابطها الثقافية والحضارية مع منطقة وسط آسيا، يبدو الدافع الأساسي لزيارة بزشكيان. ووسط كل ما يمكن للبلدين القيام به معا، فإن توقيت زيارة الرئيس الإيراني لباكستان يعكس تحرك الإيرانيين لترتيب الميدان من أجل حرب يعتقدون أنها قادمة لا محالة، حتى لو لم تكن غدا أو بعد غد، برأي الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي. وإلى جانب الترتيبات الأمنية، يبدو الإيرانيون وكأنهم يستبقون الحصار الاقتصادي المحتمل إن عادت العقوبات الدولية على بلادهم، والتي يتطلب التغلب على بعض آثارها صياغة جديدة للعلاقات مع بعض الجيران المهمين وتحويل الحدود الملتهبة إلى خطوط للتعاون الاقتصادي والأمني. وفي ظل العلاقات الوثيقة بين باكستان ودول الخليج العربي وتحديدا المملكة العربية السعودية، فإن التقارب الإيراني مع إسلام آباد يمكن النظر إليه كجزء من محاولة تكامل العلاقات مع الجيران، لإغلاق كافة الثغرات الحدودية قبل أي عدوان مقبل، خصوصا بعد الحديث عن استخدام الإسرائيليين أذربيجان لشن هجمات خلال الحرب الأخيرة. خلافات عميقة وهناك أيضا الانفصاليون الذين يجري حديث عن دعم إسرائيل لهم لإحداث فوضى داخل إيران التي تعيش حالة تراجع تكتيكي، تدفعها للبحث عن مقاربات مع الدول التي يمكنها منع استغلال هذه الجماعات وفي مقدمتها باكستان، كما يقول الدكتور مكي، الذي يصف وضع إيران الحالي بأنه "مأزق إستراتيجي مرده تراجع قدرتها على الدفاع عن نفسها خارج الحدود عبر جماعات أخرى في المنطقة". ومن هذا المنطلق، يمكن النظر إلى هذا التقارب الإيراني الباكستاني على أنه جزء من سعي أوسع للتقارب مع الجيران بما في ذلك العرب والخليجيون الذين رفضوا العدوان الإسرائيلي، لكنهم لا يزالون يشعرون بقلق كبير إزاء مسألة نفوذ طهران بالمنطقة. فهذه المواقف العربية الإيجابية "لا تنفي حقيقة أن الخلافات العربية الإيرانية عميقة وتتطلب مقاربات مختلفة تماما عما كان في السابق"، برأي الصمادي. صحيح أن إيران فقدت نظام بشار الأسد في سوريا، لكنها لا تزال مرتبطة بحزب الله في لبنان وبجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن ، وبالمليشيات العراقية، وهي أمور سيكون عليها إعادة صياغتها لكي تقنع جيرانها بأنها "لم تعد مؤذية كما كانت تُتهم في السابق"، حسب لقاء مكي، الذي يرى أن الإيرانيين لم يتخذوا خطوة جوهرية على طريق الابتعاد عن هذه الجماعات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store