
الرقابة الرقمية في روسيا: كيف تُحكِم السلطات قبضتها على المستخدمين الروس؟
وقد فُرضت قوانين صارمة تقيد استخدام الإنترنت، وحُظرت المواقع والمنصات التي لا تلتزم بها، فيما جرى تطوير تقنيات متقدمة لمراقبة حركة الإنترنت والتلاعب بها.
ورغم أن تجاوز القيود لا يزال ممكنًا عبر استخدام تطبيقات الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN)، إلا أن هذه التطبيقات نفسها تُحظر بشكل متكرر أيضًا.
فرضت السلطات مزيدًا من القيود على الوصول إلى الإنترنت خلال هذا الصيف، عبر تنفيذ عمليات إغلاق واسعة النطاق لاتصالات الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وإقرار قانون يجرّم المستخدمين لمجرد البحث عن محتوى تعتبره غير قانوني.
كما لوّحت بملاحقة منصة واتساب الشهيرة، تزامنًا مع إطلاق تطبيق مراسلة "وطني" جديد، يُتوقع على نطاق واسع أن يكون خاضعًا لرقابة مشددة.
وقد دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحكومة إلى تشديد الخناق على خدمات الإنترنت الأجنبية، وطلب من المسؤولين إعداد قائمة بالمنصات التابعة لدول "غير صديقة" تمهيدًا لتقييدها.
وقال خبراء ومدافعون عن الحقوق لوكالة أسوشيتد برس إن حجم القيود المفروضة وفعاليتها يبعثان على القلق، مشيرين إلى أن السلطات باتت أكثر تمرسًا في هذا المجال مقارنةً بمحاولاتها السابقة، التي كانت بمعظمها غير مجدية. وتبدو اليوم على وشك فرض قوقعة "رقمية".
وتصف الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش، أناستاسيا كروب، نهج موسكو في حجب الإنترنت بأنه "الموت بألف جرح"، قائلة: "رويدًا رويدًا، تسعى السلطات إلى بلوغ مرحلة يتمّ فيها التحكم بكل شيء".
الرقابة بعد احتجاجات 2011-2012
بدأت مساعي الكرملين للسيطرة على ما يفعله الروس أو يقرأونه أو يقولونه على الإنترنت منذ عامي 2011 و2012، حين شكّل الفضاء الرقمي منصة لتحدي السلطة. آنذاك، شهدت وسائل الإعلام المستقلة ازدهارًا ملحوظًا، واندلعت مظاهرات مناهضة للحكومة نُسّقت عبر الإنترنت، وذلك في أعقاب الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل، وإعلان بوتين ترشحه مجددًا للرئاسة.
بدأت روسيا بتطبيق لوائح متشددة للرقابة على الإنترنت، شملت حجب بعض مواقع الويب، وإلزام مقدمي الخدمة بتخزين سجلات المكالمات والرسائل، وتوفيرها للأجهزة الأمنية عند الحاجة، إضافة إلى تركيب معدات تتيح للسلطات التحكم بحركة الإنترنت وقطعها عند الضرورة.
كما تعرضت شركات كبرى مثل غوغل وفيسبوك لضغوط من السلطات الروسية لتخزين بيانات المستخدمين على خوادم داخل البلاد، إلا أن تلك المساعي لم تُحقق نتائج تُذكر. في المقابل، تمّ الإعلان عن خطط لإطلاق "إنترنت سيادي"، يمكن فصله بالكامل عن الشبكة العالمية.
وباتت الملاحقات القضائية بسبب منشورات وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي أمرًا شائعًا، في مؤشر واضح على الرقابة التي تمارسها السلطات على الفضاء الإلكتروني.
مع ذلك، كان الخبراء قد استبعدوا في السابق أن تنجح جهود الكرملين في كبح جماح الإنترنت، واعتبروها غير فعّالة، مشيرين إلى أن روسيا لا تزال بعيدة كل البعد عن إنشاء منظومة رقابة مشابهة لـ"جدار الحماية العظيم" الذي تستخدمه بكين لحجب المواقع الأجنبية.
الرقابة تتصاعد بعد غزو أوكرانيا
في أعقاب الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا عام 2022، شنّت الحكومة حملة قمع شاملة على الإنترنت، بدأت بحجب منصات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام، إلى جانب تطبيق "سيغنال" وعدد من تطبيقات المراسلة الأخرى. كما استُهدفت خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، ما جعل الوصول إلى المواقع المحظورة أكثر صعوبة.
واجه المستخدمون في روسيا صعوبة شديدة في الوصول إلى يوتيوب خلال الصيف الماضي، في إجراء اعتبره خبراء محاولة متعمّدة من السلطات. وأرجع الكرملين السبب إلى شركة غوغل المالكة للموقع، متهمًا إياها بعدم صيانة تجهيزاتها داخل البلاد.
وقد حظيت المنصة بشعبية واسعة في روسيا، سواء كمصدر للترفيه أو كمنبر للأصوات المنتقدة للكرملين، من بينها زعيم المعارضة الراحل أليكسي نافالني.
وأعلنت شركة Cloudflare، المزودة لخدمات البنية التحتية للإنترنت، في حزيران/ يونيو، أن المواقع الإلكترونية التي تستخدم خدماتها تواجه تعطيلًا منهجيًا في روسيا. من جهته، أفاد موقع "ميديا زونا" الإخباري المستقل بأن العديد من مزودي خدمات الاستضافة الغربيين البارزين يُمنعون بدورهم أيضًا.
وقال سركيس داربينيان، مؤسس مجموعة "روسكومسفوبودا" الروسية المعنية بحرية الإنترنت، إن السلطات تسعى إلى دفع الشركات نحو استخدام مزودي استضافة روس يمكن إخضاعهم للرقابة والتحكم بهم.
ويقدّر أن نحو نصف المواقع الإلكترونية الروسية تعتمد على مزودي استضافة وبنية تحتية أجانب، نظرًا لما يقدّمونه من جودة أعلى وأسعار أكثر تنافسية مقارنةً بنظرائهم المحليين.
وأوضح أن عددًا كبيرًا من المواقع والمنصات العالمية تعتمد على هؤلاء المزودين، ما يعني أن حجبهم يؤدي تلقائيًا إلى حرمان المستخدمين في روسيا من الوصول إلى تلك المواقع.
ومن الاتجاهات الأخرى المثيرة للقلق، بحسب تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش، اندماج مزوّدي خدمات الإنترنت مع الشركات المسؤولة عن إدارة عناوين بروتوكول الإنترنت في روسيا.
في العام الماضي، رفعت السلطات تكلفة الحصول على ترخيص مزوّد إنترنت من 7500 روبل (نحو 80 يورو) إلى مليون روبل (نحو 10,700 يورو). وتشير بيانات رسمية إلى أن أكثر من نصف عناوين بروتوكول الإنترنت في روسيا تدار من قبل سبع شركات كبرى، تتصدرها شركة "روستيليكوم"، عملاق الاتصالات والإنترنت التابع للدولة، والتي تستحوذ وحدها على 25 في المائة من هذه العناوين.
ويبذل الكرملين جهودًا حثيثة "لفرض السيطرة على الفضاء الرقمي في روسيا، وفرض الرقابة".
تجريم عمليات البحث "المتطرفة"
أقرّت روسيا قانونًا جديدًا يُجرّم عمليات البحث على الإنترنت عن مواد تُصنَّف بأنها "متطرفة"، وهو تصنيف فضفاض يمكن أن يشمل محتوى يتعلق بالمثليين والمثليات ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيًا، ومجموعات المعارضة، وبعض الأغاني لفنانين ينتقدون الكرملين، إلى جانب مذكرات نافالني التي صُنّفت كـ"متطرفة" الأسبوع الماضي.
ويؤكد المدافعون عن الحقوق أن هذه الخطوة تمثل اتجاهاً لمعاقبة المستخدمين أنفسهم، وليس فقط مقدمي الخدمة، على غرار ما يحدث في بيلاروس، حيث يُغرَّم الأفراد أو يُسجنون بشكل روتيني لمجرد قراءتهم أو متابعتهم بعض وسائل الإعلام المستقلة.
ولا يتوقّع ستانيسلاف سيليزنيف، خبير الأمن السيبراني ومحامي مجموعة "حرية الإنترنت" الحقوقية، أن تشهد البلاد ملاحقات قضائية واسعة النطاق، إذ إن مراقبة عمليات البحث الفردية على الإنترنت في بلد يبلغ عدد سكانه 146 مليون نسمة لا تزال مهمة معقدة، لكنه أشار إلى أن عددًا قليلًا من القضايا قد يكون كافيًا لردع الكثيرين عن الوصول إلى المحتوى المحظور.
وقد تتمثل الخطوة الرئيسية التالية في حظر تطبيق واتساب، الذي بلغ عدد مستخدميه الشهريين في نيسان/أبريل أكثر من 97 مليون مستخدم، بحسب خدمة المراقبة Mediascope.
وقال النائب أنطون غوريلكين إن تطبيق واتساب "يجب أن يستعد لمغادرة السوق الروسية"، مشيرًا إلى أنه سيُستبدل بتطبيق مراسلة "وطني" جديد يُدعى MAX، طورته شركة التواصل الاجتماعي VK. وأضاف أن تطبيق تيليغرام، على الأرجح، لن يواجه قيودًا.
وطُرح تطبيق MAX، الذي جرى الترويج له كمنصة شاملة للمراسلة، والخدمات الحكومية عبر الإنترنت، والمدفوعات وغيرها، للاختبارات التجريبية، إلا أنه لم ينجح بعد في جذب عدد كبير من المستخدمين. ووفقًا لوكالة تاس للأنباء، سجّل أكثر من مليوني شخص في التطبيق حتى تموز/يوليو.
وتنص الشروط والأحكام الخاصة بتطبيق MAX على أنه سيقوم بتسليم بيانات المستخدمين إلى السلطات عند الطلب، في حين يفرض قانون جديد تثبيته مسبقًا على جميع الهواتف الذكية المباعة في روسيا. ويتم تشجيع مؤسسات الدولة والمسؤولين والشركات بشكل فعّال على نقل اتصالاتهم ومدوّناتهم إلى المنصة.
وقالت أناستاسيا زيرمونت، من مجموعة "أكسس ناو" المعنية بالحقوق الرقمية، إن كلاً من تيليغرام وواتساب تعرّضا للتعطيل في روسيا خلال شهر تموز/يوليو، في ما قد يكون اختبارًا لقياس تأثير الحجب المحتمل على البنية التحتية للإنترنت.
ولن يكون ذلك أمرًا مستجدًا، إذ دأبت السلطات في السنوات الأخيرة على اختبار فصل الإنترنت الروسي عن الشبكة العالمية، ما تسبّب أحيانًا بانقطاعات محلية في بعض المناطق.
ويرى داربينيان أن السبيل الوحيد لدفع الناس إلى استخدام تطبيق MAX هو "إغلاق الطريق تمامًا أمام جميع البدائل الغربية المتوفرة". ويُضيف: "لكن مرة أخرى، العادات لا تتغيّر خلال عام أو عامين. فهذه العادات تشكّلت على مدى عقود، حين كان الإنترنت سريعًا ومجانيًا".
وقال داربينيان إن هيئة تنظيم الإعلام والإنترنت الحكومية "روسكومنادزور" باتت تستخدم أساليب أكثر تطورًا، من خلال تحليل شامل لحركة البيانات عبر الإنترنت لتحديد ما يمكن حجبه أو خنقه.
وساعدها في ذلك، وفقًا لكروب، "سنوات من إتقان التكنولوجيا، وسنوات من السيطرة وفهم بنية الإنترنت والجهات الفاعلة فيه"، إلى جانب العقوبات الغربية، وخروج العديد من الشركات من السوق الروسية منذ عام 2022.
وأوضح داربينيان أن روسيا "لم تصل بعد" إلى مرحلة عزل الإنترنت عن بقية العالم، لكن جهود الكرملين "تدفعها تدريجيًا نحو هذا الهدف".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


يورو نيوز
منذ 3 أيام
- يورو نيوز
بوتين يستقبل محمد بن زايد في موسكو وسط تنامي العلاقات الإماراتية -الروسية
استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الخميس، رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد في الكرملين، في إطار زيارة رسمية إلى روسيا. وأفادت مصادر رسمية بأن مراسم استقبال رسمية أُجريت للشيخ محمد بن زايد لدى وصوله إلى مطار فنوكوفو في موسكو، حيث عُزف النشيدان الوطنيان للبلدين، واصطفت ثلة من حرس الشرف، كما صافح عدداً من كبار المسؤولين الروس. ورافق رئيس الدولة وفد رسمي ضم عدداً من كبار المسؤولين الإماراتيين، من بينهم الشيخ حمدان بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون الخاصة، والشيخ محمد بن حمد بن طحنون آل نهيان، مستشار رئيس الدولة، إلى جانب وزراء ومسؤولين في قطاعات الأمن والاقتصاد والاستثمار والتكنولوجيا. سياق الزيارة وتطور العلاقات تأتي هذه الزيارة في ظل مسار متصاعد للعلاقات الثنائية بين الإمارات وروسيا، شمل مجالات متعددة أبرزها الاقتصاد والطاقة والتعاون السياسي، وذلك بعد عدد من اللقاءات الرسمية والاتفاقيات التي وُقّعت خلال السنوات الأخيرة. ووفق بيانات رسمية، بلغت قيمة التجارة غير النفطية بين البلدين نحو 11.5 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 5% مقارنة بعام 2023. كما سجّل الربع الأول من عام 2025 نموًا لافتًا في هذا المجال بنسبة 76.3% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، و55.6% مقارنة بالربع الأخير من 2024. إلى جانب التعاون الاقتصادي، تشمل الشراكة بين الجانبين مجالات أخرى تتصل بالتبادل الثقافي والمعرفي، فضلًا عن التنسيق في بعض القضايا الدولية مثل مكافحة الإرهاب والتغير المناخي، وفق ما تشير إليه التصريحات الرسمية من كلا البلدين.


يورو نيوز
منذ 3 أيام
- يورو نيوز
الرقابة الرقمية في روسيا: كيف تُحكِم السلطات قبضتها على المستخدمين الروس؟
قد يكون الاتصال بالإنترنت في روسيا تجربة محبطة ومعقدة، بل وقد تنطوي أحيانًا على مخاطر. ولأمر لا يتعلق بخلل تقني في الشبكة، بل بجهود منهجية ومتعددة الأوجه تبذلها السلطات منذ سنوات، بغرض فرض هيمنة كاملة للكرملين على الفضاء الرقمي. وقد فُرضت قوانين صارمة تقيد استخدام الإنترنت، وحُظرت المواقع والمنصات التي لا تلتزم بها، فيما جرى تطوير تقنيات متقدمة لمراقبة حركة الإنترنت والتلاعب بها. ورغم أن تجاوز القيود لا يزال ممكنًا عبر استخدام تطبيقات الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN)، إلا أن هذه التطبيقات نفسها تُحظر بشكل متكرر أيضًا. فرضت السلطات مزيدًا من القيود على الوصول إلى الإنترنت خلال هذا الصيف، عبر تنفيذ عمليات إغلاق واسعة النطاق لاتصالات الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وإقرار قانون يجرّم المستخدمين لمجرد البحث عن محتوى تعتبره غير قانوني. كما لوّحت بملاحقة منصة واتساب الشهيرة، تزامنًا مع إطلاق تطبيق مراسلة "وطني" جديد، يُتوقع على نطاق واسع أن يكون خاضعًا لرقابة مشددة. وقد دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحكومة إلى تشديد الخناق على خدمات الإنترنت الأجنبية، وطلب من المسؤولين إعداد قائمة بالمنصات التابعة لدول "غير صديقة" تمهيدًا لتقييدها. وقال خبراء ومدافعون عن الحقوق لوكالة أسوشيتد برس إن حجم القيود المفروضة وفعاليتها يبعثان على القلق، مشيرين إلى أن السلطات باتت أكثر تمرسًا في هذا المجال مقارنةً بمحاولاتها السابقة، التي كانت بمعظمها غير مجدية. وتبدو اليوم على وشك فرض قوقعة "رقمية". وتصف الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش، أناستاسيا كروب، نهج موسكو في حجب الإنترنت بأنه "الموت بألف جرح"، قائلة: "رويدًا رويدًا، تسعى السلطات إلى بلوغ مرحلة يتمّ فيها التحكم بكل شيء". الرقابة بعد احتجاجات 2011-2012 بدأت مساعي الكرملين للسيطرة على ما يفعله الروس أو يقرأونه أو يقولونه على الإنترنت منذ عامي 2011 و2012، حين شكّل الفضاء الرقمي منصة لتحدي السلطة. آنذاك، شهدت وسائل الإعلام المستقلة ازدهارًا ملحوظًا، واندلعت مظاهرات مناهضة للحكومة نُسّقت عبر الإنترنت، وذلك في أعقاب الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل، وإعلان بوتين ترشحه مجددًا للرئاسة. بدأت روسيا بتطبيق لوائح متشددة للرقابة على الإنترنت، شملت حجب بعض مواقع الويب، وإلزام مقدمي الخدمة بتخزين سجلات المكالمات والرسائل، وتوفيرها للأجهزة الأمنية عند الحاجة، إضافة إلى تركيب معدات تتيح للسلطات التحكم بحركة الإنترنت وقطعها عند الضرورة. كما تعرضت شركات كبرى مثل غوغل وفيسبوك لضغوط من السلطات الروسية لتخزين بيانات المستخدمين على خوادم داخل البلاد، إلا أن تلك المساعي لم تُحقق نتائج تُذكر. في المقابل، تمّ الإعلان عن خطط لإطلاق "إنترنت سيادي"، يمكن فصله بالكامل عن الشبكة العالمية. وباتت الملاحقات القضائية بسبب منشورات وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي أمرًا شائعًا، في مؤشر واضح على الرقابة التي تمارسها السلطات على الفضاء الإلكتروني. مع ذلك، كان الخبراء قد استبعدوا في السابق أن تنجح جهود الكرملين في كبح جماح الإنترنت، واعتبروها غير فعّالة، مشيرين إلى أن روسيا لا تزال بعيدة كل البعد عن إنشاء منظومة رقابة مشابهة لـ"جدار الحماية العظيم" الذي تستخدمه بكين لحجب المواقع الأجنبية. الرقابة تتصاعد بعد غزو أوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا عام 2022، شنّت الحكومة حملة قمع شاملة على الإنترنت، بدأت بحجب منصات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام، إلى جانب تطبيق "سيغنال" وعدد من تطبيقات المراسلة الأخرى. كما استُهدفت خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، ما جعل الوصول إلى المواقع المحظورة أكثر صعوبة. واجه المستخدمون في روسيا صعوبة شديدة في الوصول إلى يوتيوب خلال الصيف الماضي، في إجراء اعتبره خبراء محاولة متعمّدة من السلطات. وأرجع الكرملين السبب إلى شركة غوغل المالكة للموقع، متهمًا إياها بعدم صيانة تجهيزاتها داخل البلاد. وقد حظيت المنصة بشعبية واسعة في روسيا، سواء كمصدر للترفيه أو كمنبر للأصوات المنتقدة للكرملين، من بينها زعيم المعارضة الراحل أليكسي نافالني. وأعلنت شركة Cloudflare، المزودة لخدمات البنية التحتية للإنترنت، في حزيران/ يونيو، أن المواقع الإلكترونية التي تستخدم خدماتها تواجه تعطيلًا منهجيًا في روسيا. من جهته، أفاد موقع "ميديا زونا" الإخباري المستقل بأن العديد من مزودي خدمات الاستضافة الغربيين البارزين يُمنعون بدورهم أيضًا. وقال سركيس داربينيان، مؤسس مجموعة "روسكومسفوبودا" الروسية المعنية بحرية الإنترنت، إن السلطات تسعى إلى دفع الشركات نحو استخدام مزودي استضافة روس يمكن إخضاعهم للرقابة والتحكم بهم. ويقدّر أن نحو نصف المواقع الإلكترونية الروسية تعتمد على مزودي استضافة وبنية تحتية أجانب، نظرًا لما يقدّمونه من جودة أعلى وأسعار أكثر تنافسية مقارنةً بنظرائهم المحليين. وأوضح أن عددًا كبيرًا من المواقع والمنصات العالمية تعتمد على هؤلاء المزودين، ما يعني أن حجبهم يؤدي تلقائيًا إلى حرمان المستخدمين في روسيا من الوصول إلى تلك المواقع. ومن الاتجاهات الأخرى المثيرة للقلق، بحسب تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش، اندماج مزوّدي خدمات الإنترنت مع الشركات المسؤولة عن إدارة عناوين بروتوكول الإنترنت في روسيا. في العام الماضي، رفعت السلطات تكلفة الحصول على ترخيص مزوّد إنترنت من 7500 روبل (نحو 80 يورو) إلى مليون روبل (نحو 10,700 يورو). وتشير بيانات رسمية إلى أن أكثر من نصف عناوين بروتوكول الإنترنت في روسيا تدار من قبل سبع شركات كبرى، تتصدرها شركة "روستيليكوم"، عملاق الاتصالات والإنترنت التابع للدولة، والتي تستحوذ وحدها على 25 في المائة من هذه العناوين. ويبذل الكرملين جهودًا حثيثة "لفرض السيطرة على الفضاء الرقمي في روسيا، وفرض الرقابة". تجريم عمليات البحث "المتطرفة" أقرّت روسيا قانونًا جديدًا يُجرّم عمليات البحث على الإنترنت عن مواد تُصنَّف بأنها "متطرفة"، وهو تصنيف فضفاض يمكن أن يشمل محتوى يتعلق بالمثليين والمثليات ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيًا، ومجموعات المعارضة، وبعض الأغاني لفنانين ينتقدون الكرملين، إلى جانب مذكرات نافالني التي صُنّفت كـ"متطرفة" الأسبوع الماضي. ويؤكد المدافعون عن الحقوق أن هذه الخطوة تمثل اتجاهاً لمعاقبة المستخدمين أنفسهم، وليس فقط مقدمي الخدمة، على غرار ما يحدث في بيلاروس، حيث يُغرَّم الأفراد أو يُسجنون بشكل روتيني لمجرد قراءتهم أو متابعتهم بعض وسائل الإعلام المستقلة. ولا يتوقّع ستانيسلاف سيليزنيف، خبير الأمن السيبراني ومحامي مجموعة "حرية الإنترنت" الحقوقية، أن تشهد البلاد ملاحقات قضائية واسعة النطاق، إذ إن مراقبة عمليات البحث الفردية على الإنترنت في بلد يبلغ عدد سكانه 146 مليون نسمة لا تزال مهمة معقدة، لكنه أشار إلى أن عددًا قليلًا من القضايا قد يكون كافيًا لردع الكثيرين عن الوصول إلى المحتوى المحظور. وقد تتمثل الخطوة الرئيسية التالية في حظر تطبيق واتساب، الذي بلغ عدد مستخدميه الشهريين في نيسان/أبريل أكثر من 97 مليون مستخدم، بحسب خدمة المراقبة Mediascope. وقال النائب أنطون غوريلكين إن تطبيق واتساب "يجب أن يستعد لمغادرة السوق الروسية"، مشيرًا إلى أنه سيُستبدل بتطبيق مراسلة "وطني" جديد يُدعى MAX، طورته شركة التواصل الاجتماعي VK. وأضاف أن تطبيق تيليغرام، على الأرجح، لن يواجه قيودًا. وطُرح تطبيق MAX، الذي جرى الترويج له كمنصة شاملة للمراسلة، والخدمات الحكومية عبر الإنترنت، والمدفوعات وغيرها، للاختبارات التجريبية، إلا أنه لم ينجح بعد في جذب عدد كبير من المستخدمين. ووفقًا لوكالة تاس للأنباء، سجّل أكثر من مليوني شخص في التطبيق حتى تموز/يوليو. وتنص الشروط والأحكام الخاصة بتطبيق MAX على أنه سيقوم بتسليم بيانات المستخدمين إلى السلطات عند الطلب، في حين يفرض قانون جديد تثبيته مسبقًا على جميع الهواتف الذكية المباعة في روسيا. ويتم تشجيع مؤسسات الدولة والمسؤولين والشركات بشكل فعّال على نقل اتصالاتهم ومدوّناتهم إلى المنصة. وقالت أناستاسيا زيرمونت، من مجموعة "أكسس ناو" المعنية بالحقوق الرقمية، إن كلاً من تيليغرام وواتساب تعرّضا للتعطيل في روسيا خلال شهر تموز/يوليو، في ما قد يكون اختبارًا لقياس تأثير الحجب المحتمل على البنية التحتية للإنترنت. ولن يكون ذلك أمرًا مستجدًا، إذ دأبت السلطات في السنوات الأخيرة على اختبار فصل الإنترنت الروسي عن الشبكة العالمية، ما تسبّب أحيانًا بانقطاعات محلية في بعض المناطق. ويرى داربينيان أن السبيل الوحيد لدفع الناس إلى استخدام تطبيق MAX هو "إغلاق الطريق تمامًا أمام جميع البدائل الغربية المتوفرة". ويُضيف: "لكن مرة أخرى، العادات لا تتغيّر خلال عام أو عامين. فهذه العادات تشكّلت على مدى عقود، حين كان الإنترنت سريعًا ومجانيًا". وقال داربينيان إن هيئة تنظيم الإعلام والإنترنت الحكومية "روسكومنادزور" باتت تستخدم أساليب أكثر تطورًا، من خلال تحليل شامل لحركة البيانات عبر الإنترنت لتحديد ما يمكن حجبه أو خنقه. وساعدها في ذلك، وفقًا لكروب، "سنوات من إتقان التكنولوجيا، وسنوات من السيطرة وفهم بنية الإنترنت والجهات الفاعلة فيه"، إلى جانب العقوبات الغربية، وخروج العديد من الشركات من السوق الروسية منذ عام 2022. وأوضح داربينيان أن روسيا "لم تصل بعد" إلى مرحلة عزل الإنترنت عن بقية العالم، لكن جهود الكرملين "تدفعها تدريجيًا نحو هذا الهدف".


يورو نيوز
٠١-٠٨-٢٠٢٥
- يورو نيوز
الأمم المتحدة تحذّر من الأسوأ.. تقارير وشهادات: المساعدات في قطاع غزة لم تنجح في وقف المأساة
على الرغم من إدخال المزيد من شاحنات المساعدات وإسقاط الغذاء جواً في قطاع غزة، إلا أن المجاعة تتفاقم، والحاجة الإنسانية ما زالت بعيدة عن التغطية. وبينما تتحدث السلطات الإسرائيلية عن تسهيلات في دخول المساعدات، تؤكد منظمات الأمم المتحدة والجهات الإغاثية أن ما يحدث "تحسينات شكلية" لا ترتقي لمستوى الكارثة الإنسانية القائمة. الصور الصادمة لأطفال يعانون من الهزال الحاد، والتقارير المتزايدة عن وفيات مرتبطة بالجوع، أثارت موجة غضب دولية دفعت إسرائيل إلى تعليق القتال مؤقتاً في مناطق معينة والسماح بإدخال عدد أكبر من شاحنات المساعدات. كما استؤنفت عمليات الإسقاط الجوي الدولية للغذاء، بحسب تقارير وكالة أسوشيتد برس. الشاحنات تُنهب على الطرقات في ظل الانهيار الأمني داخل القطاع، تفيد التقارير بأن معظم شاحنات المساعدات التي تدخل غزة لا تصل إلى مستودعات الأمم المتحدة المخصصة للتوزيع، بل تُهاجم على الطرقات من قبل حشود تتراوح بين جوعى يائسين وعصابات مسلحة بالأسلحة البيضاء والأسلحة النارية. ووفقاً لشهود عيان وتقارير طبية محلية نقلتها رويترز وأسوشيتد برس، قُتل وأُصيب المئات أثناء محاولتهم الوصول إلى هذه المساعدات، وسط إطلاق نار من القوات الإسرائيلية. تقول القوات الإسرائيلية إنها تطلق طلقات تحذيرية فقط لتفريق الحشود، لكن الأمم المتحدة توضح أن استمرار هذه البيئة الفوضوية يجعل من المستحيل تنفيذ توزيع منتظم وآمن. وفي تصريحات لـوكالة أسوشيتد برس، قالت أولغا تشيريفكو، المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA): "أدى هذا الوضع إلى تفريغ العديد من قوافلنا مباشرة من قبل أشخاص جائعين ويائسين، ما زالوا يواجهون مستويات عميقة من الجوع ويكافحون لإطعام أسرهم". إسقاط المساعدات جواً.. حلول رمزية لا تسد الفجوة عمليات الإسقاط الجوي، رغم استئنافها، لا توفر سوى نسبة ضئيلة جداً من حجم المساعدات المطلوبة، بحسب تقييمات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP). بل إن كثيراً من الطرود تسقط في مناطق مدمرة أو محظورة، وبعضها يغرق في البحر، ما يدفع سكاناً إلى المجازفة بحياتهم سباحة لاستعادتها. يقول مؤمن أبو عطية، وهو أب فلسطيني قابلته أسوشيتد برس، إنه كاد أن يغرق أثناء محاولته انتشال كيس مساعدات من البحر بناء على طلب ابنه: "ألقيت بنفسي في البحر حتى الموت فقط لأجلب له شيئاً، وكل ما حصلت عليه كان ثلاث علب بسكويت". وفرضت إسرائيل حظراً كاملاً على دخول الغذاء إلى غزة لمدة شهرين ونصف، بدءًا من مارس وحتى أواخر مايو، ثم بدأت بالسماح بدخول عدد محدود من الشاحنات يومياً، بلغ وفق هيئة COGAT التابعة للجيش الإسرائيلي بين 220 و270 شاحنة خلال بعض أيام هذا الأسبوع. غير أن هذا الرقم ما زال بعيداً عن الحد الأدنى المطلوب وهو 500 إلى 600 شاحنة يومياً، بحسب الأمم المتحدة، وهو المعدل الذي تم الوصول إليه خلال الهدنة التي استمرت ستة أسابيع في وقت سابق من هذا العام. وأكدت تشيريفكو، أن شاحنات الأمم المتحدة لا تزال تواجه تأخيرات بسبب القيود العسكرية، إضافة إلى السماح باستخدام مسار واحد فقط، مما يسهل استهدافها من قبل مجموعات مسلحة ومدنيين يائسين. وأضافت: "السبيل الوحيد للوصول إلى مستوى من الثقة هو تدفق المساعدات بشكل مستدام على مدى فترة زمنية طويلة". الأمم المتحدة ترفض الحماية العسكرية الإسرائيلية عرضت إسرائيل على الأمم المتحدة توفير مرافقة مسلحة لتأمين شاحنات المساعدات، لكن المنظمة الأممية رفضت، مؤكدة أنها لا تستطيع أن تُظهر نفسها كطرف متعاون مع أحد أطراف النزاع، وأشارت إلى حوادث سابقة أُطلقت فيها النيران على المدنيين أثناء وجود القوات الإسرائيلية في مواقع التوزيع، وفق تقارير أسوشيتد برس. بشرى الخالدي، مسؤولة السياسات لدى منظمة أوكسفام، وصفت الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بأنها لا تتعدى كونها "عروضاً شكلية"، وقالت: "عدد قليل من الشاحنات، توقفات تكتيكية لساعات، وإسقاط ألواح طاقة من السماء — هذا لا يعوض الأذى الذي لا رجعة فيه لجيل بأكمله من الأطفال الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية منذ شهور".