
استراتيجية ترامب النفطية بين التضخم والطموحات الجيوسياسية
جيليان تيت
تتلاشى الوعود البراقة التي أطلقها دونالد ترامب قبل ستة أشهر، خلال حملته الانتخابية للفوز بولاية رئاسية ثانية، التي وعد فيها الأمريكيين باقتصاد «منتصر» وخفض كبير للتضخم.
فقد كشف تقرير صادم صادر عن مؤسسة «كونفرنس بورد» منذ أيام عن انخفاض ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوى لها منذ 12 عاماً، متجاوزة العتبة التي عادة ما تنذر بركود اقتصادي وشيك.
ويزيد من قتامة المشهد توقعات الناخبين بارتفاع معدلات التضخم لتتجاوز 6 % جراء سياسات التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب، وهي نسبة تفوق بشكل دراماتيكي ما كان عليه الوضع في العام المنصرم، مما يشير إلى تبخر الثقة التي منحها الناخبون للرئيس الأمريكي.
ومع ذلك، قد تكون هذه التوقعات المتشائمة متأثرة بالانتماءات السياسية، إذ تشير بيانات مركز «بيو» إلى أن الديمقراطيين بشكل خاص يميلون نحو النظرة القاتمة للاقتصاد، علماً أن استطلاعات الرأي حول ثقة المستهلكين تحمل قيمة تنبؤية متباينة في تقييم مستقبل الاقتصاد.
وتتوافق نتائج استطلاع «كونفرنس بورد» مع العديد من الاستطلاعات الأخرى، حيث أطلق أوستن جولسبي، المسؤول الرفيع في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، تحذيراً مفاده أن هذا التحول في المزاج العام سيعرقل خطط خفض أسعار الفائدة التي يتوق إليها ترامب بشدة، ويحتاجها لتفادي انفجار أزمة الديون الأمريكية، فما الذي يمكن أن تفعله إدارة البيت الأبيض إزاء هذا الوضع؟
الحل الأكثر وضوحاً يتمثل في تخفيف حالة القلق وعدم اليقين المحيطة بسياسات التعريفات الجمركية، غير أن هذا المسار يبدو مستبعداً في المدى القريب، خصوصاً قبل ما يطلق عليه ترامب «يوم التحرير» المقرر في الثاني من أبريل، إذ يرى الرئيس الأمريكي أن التعريفات «كلمة جميلة» منحته قوة تفاوضية كبيرة، كما ينفي مستشاروه المقربون، أمثال بيتر نافارو، أي تأثير تضخمي لهذه السياسات.
ومع ذلك، ثمة قضية أخرى تستحق المتابعة وهي أسعار النفط، التي باتت تعتبر من قبل بعض مستشاري ترامب أداة أساسية لمكافحة التضخم، رغم أنها تكشف في الوقت نفسه، وبشكل غير مقصود، عن التناقضات الجوهرية في سياساتهم الاقتصادية.
وعلى المستوى النظري، تبدو رؤية ترامب بشأن الوقود الأحفوري واضحة المعالم، فقد ظل سكوت بيسنت، وزير الخزانة، يروج لخطة اقتصادية أطلق عليها «السهام الثلاثة»، وهي تستهدف تحقيق عجز بنسبة 3 % ومعدل نمو 3 %، مع زيادة إنتاج النفط والغاز بما يعادل 3 ملايين برميل يومياً. ويؤكد بيسنت أن شعار ترامب «احفر يا حبيبي، احفر!» سيؤدي إلى تعزيز القطاع الصناعي الأمريكي، وسيعزز الهيمنة الجيوسياسية للولايات المتحدة من خلال انتزاع قوة التحكم في أسعار وإمدادات النفط.
ويبرز عامل أكثر أهمية يتمثل في أن انخفاض أسعار البنزين يمكن أن يعمل كقوة مضادة للتضخم تعادل تأثير التعريفات الجمركية، خصوصاً عند اقترانه بسياسات تخفيف القيود التنظيمية.
وهذا على الأقل هو ما تسير عليه النظرية في أوساط إدارة ترامب، فالطاقة ليست مجرد مكون رئيسي في إنفاق الأسر الأمريكية، بل إن أسعار وقود السيارات تعد من أكثر مؤشرات التضخم وضوحاً في وعي الناخبين، وتشكل ما يمكن وصفه بـ «الاستدلال المبسط» وفق مصطلحات دانيال كانيمان، عالم النفس السلوكي الشهير.
ونظراً لأن انخفاض أسعار النفط سيمارس ضغوطاً اقتصادية على الدول المنتجة، فإن ذلك سيمنح ترامب ميزة إضافية تتمثل في تعزيز نفوذه التفاوضي مع هذه الدول، وهو ما يفسر تداول أوساط البيت الأبيض فكرة استهداف الرئيس لسعر 60 دولاراً، أو حتى 50 دولاراً للبرميل، مقارنة بالسعر الحالي البالغ نحو 70 دولاراً.
المشكلة أن هذه الاستراتيجية تواجه تحديات رئيسية. فقد كشفت دراسة نشرها الاحتياطي الفيدرالي في دالاس عن أن منتجي النفط الصخري يرون الاضطراب الاقتصادي الحالي والتصريحات المتعلقة بخفض الأسعار بمثابة «كارثة» تدفعهم إلى رفض زيادة الإنتاج، وعبر أحد المشاركين في الاستطلاع عن ذلك بقوله: تهديد الإدارة بخفض أسعار النفط إلى 50 دولاراً أجبر شركتنا على تقليص نفقاتها الرأسمالية لعامي 2025 و2026.
وبينما يحاول فريق ترامب مواجهة هذا الوضع من خلال تبني سياسات متساهلة في منح التراخيص وشن هجمات استعراضية على قطاع الطاقة المتجددة، تشير حسابات بنك جي بي مورغان إلى تراجع طفيف في عدد الآبار العاملة أو «منصات التنقيب» أخيراً، في مفارقة كبيرة مع ما شهدته فترة إدارة جو بايدن السابقة، حيث ارتفع عدد منصات التنقيب بشكل ملحوظ.
وهناك تحدٍ آخر يكمن في موقف ترامب الجيوسياسي نفسه، إذ إن عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط - مثل الهجمات الأخيرة على الحوثيين - يؤدي عادة إلى ارتفاع أسعار النفط، وكذلك تفعل التعريفات الجمركية، حيث شهدت الأيام الأخيرة على سبيل المثال ارتفاعاً في أسعار النفط عقب تهديد ترامب بفرض عقوبات أو تعريفات ثانوية ضد أي جهة تقوم بشراء النفط الفنزويلي.
كذلك يتجه الاهتمام نحو كندا كمحطة تالية للمراقبة، إذ لو أراد مارك كارني، رئيس الوزراء الكندي الجديد، استرضاء ترامب، فإن خياره الأفضل قد يكون التعهد ببيع كميات أكبر من النفط الخام الذي تنتجه بلاده والبالغ 6 ملايين برميل يومياً إلى الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، بأسعار مخفضة.
ونظراً للعلاقة الودية الشخصية التي تربط ترامب بكارني، فقد تنجح هذه المقاربة، غير أن الغموض لا يزال يكتنف موقف رئيس الوزراء الكندي وما إذا كان سيستجيب لهذه الضغوط، وفي حال رفضه وإطلاق ترامب حرباً تجارية شاملة، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض سياسة الطاقة الرخيصة بأكملها، حتى لو كان الركود الاقتصادي يدفع عادة نحو انخفاض الأسعار.
لذا، إذا كنت تشعر بالحيرة إزاء استراتيجية ترامب في مجال الطاقة، فلست وحدك في ذلك، إذ يمثل تعزيز هذا الغموض جزءاً من تكتيك مدروس يهدف إلى تعزيز موقف الإدارة التفاوضي، لكن حتى ترامب لن يستطيع تجاهل استطلاعات رأي المستهلكين إلى الأبد.
وإذا استمرت التوقعات التضخمية في الارتفاع، فتوقع مزيداً من شعارات «احفر يا حبيبي، احفر!»، وهو ما قد يمثل جزئياً تعبيراً ترامبياً عن التحدي، لكنه قد يتحول أيضاً إلى صرخة يأس.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ ساعة واحدة
- العين الإخبارية
بكاء وفوضى بـ«الأمن القومي».. أمريكا تنظر للعالم من ثقب باب الرئيس؟
تم تحديثه السبت 2025/5/24 09:34 ص بتوقيت أبوظبي في خطوة تعكس، على ما يبدو، رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لعب دور حاسم في صياغة سياسات بلاده الخارجية، أقال ساكن البيت الأبيض العشرات من موظفي مجلس الأمن القومي. وكشفت خمسة مصادر مطلعة على الأمر أن ترامب أقدم، أمس الجمعة، على إقالة العشرات من موظفي مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، في إطار مساعيه لإعادة هيكلة المجلس والحد من دوره الواسع الذي تمتع به سابقًا. وقالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لأنها غير مخولة بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إنه تم تسريح موظفين يتولون قضايا جيوسياسية مهمة من أوكرانيا إلى كشمير. وجاءت هذه الخطوة بعد أسابيع فقط من تولي وزير الخارجية ماركو روبيو منصب مستشار الأمن القومي خلفًا لمايك والتس. وأوضحت المصادر أن إعادة هيكلة مجلس الأمن القومي من المتوقع أن تؤدي إلى تراجع نفوذه بشكل أكبر، وتحويله من جهة رئيسية لصياغة السياسات إلى كيان صغير يكرس جهوده لتنفيذ أجندة الرئيس بدلًا من تشكيلها. وأضافت المصادر أن هذه الخطوة ستمنح فعليًا المزيد من الصلاحيات لوزارة الخارجية ووزارة الدفاع وغيرها من الوزارات والهيئات المعنية بالشؤون الدبلوماسية والأمن القومي والمخابرات. وتسعى إدارة ترامب إلى تقليص حجم مجلس الأمن القومي ليقتصر على عدد محدود من الموظفين. وقالت أربعة مصادر مطلعة على الخطط إن العدد النهائي المتوقع للموظفين في المجلس سيبلغ نحو 50 شخصًا. وعادةً ما يُعتبر مجلس الأمن القومي الجهة الرئيسية التي يعتمد عليها الرؤساء في تنسيق سياسات الأمن القومي. ويقوم العاملون فيه بدور محوري في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن سياسة الولايات المتحدة تجاه الأزمات العالمية الأكثر تقلبًا، إلى جانب مساهمتهم في الحفاظ على أمن البلاد. وتجاوز عدد موظفي مجلس الأمن القومي 300 موظف في عهد الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، إلا أن عددهم حتى قبل عمليات التسريح الأخيرة في عهد ترامب كان أقل من نصف هذا الرقم. وأوضح مصدران لرويترز أن الموظفين الذين سيتم الاستغناء عنهم من المجلس سيتم نقلهم إلى مناصب أخرى داخل الحكومة. ووصف مصدران آخران مشهدًا فوضويًا خلال الساعات الماضية، مشيرين إلى أن بعض الموظفين المغادرين لم يتمالكوا أنفسهم وانخرطوا في البكاء داخل مبنى أيزنهاور التنفيذي حيث يقع مقر مجلس الأمن القومي. وقالت ثلاثة مصادر إن من بين الإدارات التي قد تتوقف عن العمل كهيئات مستقلة تلك المعنية بالشؤون الأفريقية والمنظمات متعددة الأطراف مثل حلف شمال الأطلسي. aXA6IDgyLjI3LjI0My4yMTIg جزيرة ام اند امز GB


سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
برج ترامب من قلب دمشق والشارع يتفاعل بالترحيب
برج ترامب في قلب العاصمة السورية دمشق، مشروع ضخم يتألف من 45 طابقاً، وتُقدّر تكلفة إنشائه بنحو 200 مليون دولار.


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
إدارة ترامب تفرض قيوداً جديدة على الصحفيين في البنتاجون
أصدر وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أمس الجمعة أوامر تلزم الصحفيين بالحصول على حراسة رسمية داخل جزء كبير من مبنى وزارة الدفاع (البنتاجون)، وهي الأحدث في سلسلة من القيود التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب على الصحافة. وتمنع هذه الإجراءات، التي دخلت حيز التنفيذ على الفور، الصحفيين المعتمدين من دخول معظم مقرات وزارة الدفاع في أرلينجتون بولاية فرجينيا، ما لم يكن لديهم موافقة رسمية ومرافق. وقال هيجسيث في مذكرة "بينما تظل الوزارة ملتزمة بالشفافية، فإنها ملزمة بنفس القدر بحماية المعلومات المخابراتية السرية والمعلومات الحساسة، والتي قد يؤدي الكشف عنها غير المصرح به إلى تعريض حياة الجنود الأمريكيين للخطر". وقال إن حماية المعلومات المخابراتية الوطنية السرية والأمن العملياتي "أمر لا غنى عنه بالنسبة للوزارة". وقالت رابطة صحافة البنتاجون، وهي منظمة بها أعضاء تمثل مصالح الصحفيين المسؤولين عن تغطية الأنباء المتعلقة بالجيش الأمريكي، إن القواعد الجديدة تبدو كما لو كانت "هجوما مباشرا على حرية الصحافة". ولم يرد البنتاجون حتى الآن على طلب من رويترز للتعليق على بيان رابطة الصحافة.