
فاينناشيال تايمز : أمريكا ترامب كعبلت أعمال كل الإتفاقيات الدولية لتنفرد بالعالم
«لن يعجبكم ما سيأتي بعد أمريكا».. هكذا قال الشاعر ليونارد كوهين، وربما ثبتت صحة كلامه، على الأقل فهذه ليست أمريكا التي ظننا أننا نعرفها؛ ذلك أن تخمين ما ستؤول إليه سياسات الرئيس دونالد ترامب ضرب من الحماقة، لكن من الحماقة أيضاً عدم محاولة الاستعداد لعالم انسحبت منه الولايات المتحدة؛ اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً.
لذا، لا بد من تناول كيفية تعامل العالم مع فجوة بحجم الولايات المتحدة في قلبه. وأفكاري اليوم تدور حول الحوكمة الدولية، حيث آمل أن أحمل بعض الأخبار الجيدة، على الأقل أفضل مما يخشاه كوهين.
لقد أصبح أسلوب عمل «ماجا» في الشؤون الدولية مألوفاً الآن (وماجا هي اختصار لشعار ترامب «فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» Make America Great Again). والكلمة المهذبة التي تُعبّر عنه هي الثنائية.
والأشد قسوة سياسة «فرّق تسُد» في كل مكان، وإجبار الدول الأضعف على الولاء كلما أمكن. في المقابل، ليس من المستغرب أن يحتقر ترامب التعددية في نظام قائم على القواعد، حيث تتخلى الدول الكبرى عن حرية استغلال قوتها العظمى دون قيود، من أجل كيان يُكبّل الجميع.
إن الأمر يتجاوز بكثير مسألة خفض المساعدات الخارجية، فخلال ولايته الرئاسية الأولى، انسحب ترامب، على نحو معروف، من معاهدة باريس لمكافحة تغير المناخ واتفاقية القوى المتعددة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
أما هذه المرة، فقد انسحب من معاهدة باريس للمرة الثانية (بعد أن أعاد جو بايدن الولايات المتحدة إلى المعاهدة)، بالإضافة إلى الانسحاب من منظمة الصحة العالمية. كما تنسحب الولايات المتحدة في عهد ترامب من العديد من هيئات الأمم المتحدة (الأونروا، واليونسكو، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة).
عقاب محكمة العدل الدولية
وهذا ليس كل شيء، فواشنطن تنتهج أيضاً سياسة العقوبات لإحباط إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، وتتجاهل مجموعة العشرين، وتبدي عدم تعاون مع مجموعة السبع.
وهنا يجدر التأكيد على أن هذه الكيانات من صنعها، والآن يتخلى عنها هي الولايات المتحدة نفسها، فقد كان صرح النظام الديمقراطي لما بعد الحرب من تصميم واشنطن وصنعها بالكامل، في مقابل النظام غير الديمقراطي الذي أسسه الاتحاد السوفييتي، فهل يمكن أن يبقى الهيكل قائماً إذا سُحب حجر الزاوية بلا أي مقدمات؟
هناك علامات مبكرة على أن ذلك ممكن، فمن بين الأحداث الأقل لفتاً للانتباه خلال المئة يوم الأولى من عهد ترامب، إبرام اتفاقيتين دوليتين من دون مشاركة الولايات المتحدة.
أولاً: أقرّ أعضاء المنظمة البحرية الدولية إجراءً لفرض تسعير الكربون على انبعاثات الشحن، ثم بعد أيام قليلة فقط وافق الأعضاء في منظمة الصحة العالمية على معاهدة ملزمة قانوناً بشأن كيفية التعامل مع الأوبئة، وذلك للتعاون بشكل أفضل من أجل التأهب للأوبئة.
يعد هذان الأمران إنجازين هائلين للتعددية، وبطبيعة الحال، لن يحلا بمفردهما المشكلة التي يُفترض أن يتعاملا معها – تغير المناخ العالمي في الحالة الأولى، وانتشار الأمراض المعدية الخطيرة عبر الحدود في الحالة الثانية – لكنهما خطوتان ضروريتان بوضوح.
وهما، على وجه الخصوص، تساعدان في التغلب على مشكلة العمل الجماعي في الحوكمة الدولية، حيث يكون لدى الدول الفردية حافز لتجاهل كيف قد تُلحق أفعالها أو تقاعسها ضرراً بالآخرين. (قد يكون من قبيل المصادفة أن موضوع الاتفاقيتين هما موضوعان تتباهى إدارة ترامب بموقفها المخالف).
ومهما كانت مزايا هاتين الاتفاقيتين تحديداً، فإنني ألفت الانتباه إليهما لمجرد الإشارة إلى أنهما قد أُبرمتا بالفعل، وأن الحوكمة العالمية في بقية العالم لا تزال تشكلها الاتفاقيات متعددة الأطراف.
كما أن العالم من دون الولايات المتحدة سيمضي قدماً ولن يتوقف. بالطبع، تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل أكثر من مجرد فك الارتباط؛ حيث يمكنها تخريب الأمور على نحو نشط. وقد دأبت على القيام ببعض ذلك.
ومن الأمثلة الواضحة كيفية استخدام إدارة ترامب تهديد الرسوم الجمركية «المتبادلة» المتوقفة للضغط على الدول الأخرى لتبني نهجها المتشدد تجاه الصين. (وحتى الآن، لا يبدو أن هذا النهج يُجدي نفعاً).
الضرب في التجارة العالمية
لكن المثال الأوضح يتواصل منذ رئاسة ترامب الأولى، ويتعلق بمنظمة التجارة العالمية، حيث تعمل منظمة التجارة العالمية على مبدأ التوافق، لذا يمكن لأي عضو عرقلة أي شيء.
وقد دأبت الولايات المتحدة على عرقلة التعيينات في هيئات منظمة التجارة العالمية الشبيهة بالمحاكم، التي تحكم في النزاعات التجارية بموجب قواعد المنظمة.
والنتيجة هي أنه منذ نوفمبر 2020، أصبحت هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية «محكمة بلا قضاة»، كما يشير أحد التحليلات، وهذا يشير أيضاً إلى أن فك الارتباط الأمريكي أعمق من ترامب؛ حيث كان بإمكان إدارة بايدن استعادة عمل هيئات منظمة التجارة العالمية، لكنها اختارت عدم القيام بذلك.
رغم ذلك، اتضح أن التوافق لم يكن سمة تشل القواعد دائماً، ففي عام 2017، وبعد أن أدرك مجموعة من المحامين مسار الأمور، اقترحوا الاستفادة من أحكام منظمة التجارة العالمية المتعلقة بالوسائل البديلة لتسوية المنازعات لمحاكاة آلية عمل هيئة الاستئناف قدر الإمكان.
وكما أخبرني أحد هؤلاء المحامين، وهو نيكولاس لوكهارت، فإن الهدف كان «إتاحة الفرصة للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية لتتولى مصيرها بنفسها».
وبعدما عرقلت الولايات المتحدة عمل هيئة الاستئناف، تبنى العديد من أعضاء منظمة التجارة العالمية، وأهمهم الاتحاد الأوروبي، الاقتراح، ووافقوا على الالتزام بلجان التحكيم التي تطبق القواعد نفسها. وقد انضمت عشرات الدول، بما فيها الصين، إلى «ترتيب التحكيم الاستئنافي المؤقت متعدد الأطراف».
النظام البديل
ويدعم هذه الآلية البديلة اتفاق سياسي، ضمن إطار فرعي لقواعد منظمة التجارة العالمية، وبالتزام طوعي من الأطراف باللجوء إليها كآلية استئناف متفق عليها لحل نزاعات منظمة التجارة العالمية فيما بينهم، فهل هي ناجحة؟
بالنظر إلى عدد الدول المشاركة، لا بد من القول إنها كذلك، حتى لو تراجعت دول تجارية مهمة حتى الآن، ومنها الولايات المتحدة بالطبع، وأيضاً المملكة المتحدة وتركيا وإندونيسيا؛ ومع ذلك وافقت تركيا على إجراءات مماثلة على أساس مخصص في النزاعات مع الاتحاد الأوروبي.
وكما تشير دراسة قانونية، فإن نجاح هذه الآلية ملحوظ أيضاً في عدم الحاجة إلى استخدامه، فقد أُصدر حكم نهائي واحد فقط، ولكن يبدو أن حقيقة أنه متاح قد شجع الدول المشاركة على التوصل إلى اتفاق في وقت أقصر.
عموماً، فإن ما نتعلمه من ذلك أولاً هو أن بقية دول العالم يمكن أن تستمر في استخدام هياكل الحوكمة الدولية للنظام الذي قادته الولايات المتحدة سابقاً لصالحها.
كما نتعلم من آلية منظمة التجارة أن هناك طرقاً لتكرار حتى الهياكل التي تمتلك الولايات المتحدة القدرة على نسفها، وقد لا يعجبك ما سيأتي بعد أمريكا، لكن أمريكا التي عرفناها تركت وراءها إرثاً مرناً للغاية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المصري اليوم
منذ 40 دقائق
- المصري اليوم
«القبة الذهبية» خطة ترامب لفرض الهيمنة.. تكلفتها 175 مليار دولار وتعجز أمامها الصواريخ
«قبة ذهبية» بـ175 مليار دولار.. معلومات عن درع الدفاع الصاروخي لحماية أمريكا قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنه اختار تصميما لدرع الدفاع الصاروخي «القبة الذهبية» التي تبلغ تكلفتها 175 مليار دولا. وأوضح ترامب أنه عين جنرالا من سلاح الفضاء لرئاسة البرنامج الطموح الذي يهدف إلى صد تهديدات الصين وروسيا ضد الولايات المتحدة، بحسب «سكاي نيوز». وأعلن في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، أن الجنرال «مايكل جويتلاين» من سلاح الفضاء الأمريكي سيكون المدير الرئيسي للمشروع، وهو جهد يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه حجر الزاوية في تخطيط ترامب العسكري. وأشار ترامب، إلى أن القبة الذهبية ستحمي بلاده، مضيفًا أن كندا قالت إنها تريد أن تكون جزءا منه. وتهدف القبة الذهبية التي أمر بها ترامب لأول مرة في يناير، إلى إنشاء شبكة من الأقمار الاصطناعية لرصد الصواريخ القادمة وتتبعها وربما اعتراضها. سيستغرق تنفيذ القبة الذهبية سنوات، إذ يواجه البرنامج المثير للجدل تدقيقا سياسيا وغموضا بشأن التمويل. وقال ترامب، إن القبة الذهبية ستكون درعًا لن يتوفر لدى أي بلد آخر، مؤكدًا أنها ستحمي بلاده بنسبة قريبة من 100% من جميع الصواريخ الفرط صوتية.


نافذة على العالم
منذ 40 دقائق
- نافذة على العالم
إقتصاد : ترامب يعلن مشروع "القبة الذهبية" للدفاع الصاروخي بتكلفة 175 مليار دولار
الأربعاء 21 مايو 2025 03:00 صباحاً نافذة على العالم - مباشر: أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الثلاثاء، عن إطلاق إعلان تاريخي يتعلق بمشروع بناء درع صاروخي متقدم يُطلق عليه اسم "القبة الذهبية"، الذي يهدف إلى حماية الولايات المتحدة من الهجمات الصاروخية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والهجمات الفضائية. وأكد ترامب خلال تصريحات له أن كندا تواصلت مع الولايات المتحدة ورغبت في الانضمام إلى منظومة "القبة الذهبية" للدفاع الصاروخي. وأضاف أن المشروع سيُنفذ خلال فترة تقدر بنحو 3 أعوام؛ ما يعني اكتماله قبل نهاية ولايته الرئاسية المقبلة. وأشار ترامب إلى أنه وعد خلال حملته الانتخابية ببناء درع يحمي سماء البلاد من الهجمات الصاروخية، وأن هذا المشروع سيحقق ذلك الوعد، مضيفاً أن "القبة الذهبية" ستكون قادرة على التعامل مع أي تهديد صاروخي مهما كان مصدره، حتى من الفضاء. كما ذكر ترامب أن الولايات المتحدة ساعدت إسرائيل في بناء منظومة القبة الصاروخية، وأن النظام الأمريكي سيكون الأفضل على الإطلاق، مع تكلفة تقدر بنحو 175 مليار دولار. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال أبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر.. اضغط هنا ترشيحات "الرميان" يستبعد الاستثمار مجدداً في بنوك سويسرا بعد صفقة "كريدي سويس"


بوابة الفجر
منذ ساعة واحدة
- بوابة الفجر
لميس الحديدي: دخول مساعدات محدودة إلى غزة وسط "عسكرة" إسرائيلية
كشفت الإعلامية لميس الحديدي، عن مستجدات الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، مشيرة إلى إعلان الأمم المتحدة صباح اليوم عن سماح الجيش الإسرائيلي بدخول 100 شاحنة مساعدات إلى القطاع، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من 80 يومًا من وقف تدفق الإمدادات الإنسانية. وقالت "لميس الحديدي" خلال تقديمها برنامجها "كلمة أخيرة" على قناة ON، مساء الثلاثاء، "رغم السماح يوم أمس فقط بدخول 9 شاحنات، لا يزال الوضع كارثيًا في ظل تكدس المساعدات على الجانب المصري من معبر رفح وتفاقم المعاناة اليومية للغزيين، الذين يموتون جوعًا وقصفًا". تناقض الرواية الإسرائيلية وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي أعلن إدخال 93 شاحنة مساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، تتضمن دقيقًا وأغذية أطفال ومعدات طبية، بعد فحوص أمنية مشددة، بينما أكدت الأمم المتحدة أن هذه الشاحنات لم تدخل فعليًا إلى القطاع بعد. وأضافت: "المساعدات ما زالت مكدّسة في شمال سيناء... والتعنت الإسرائيلي هو السبب في تأخر وصولها للغزيين، حيث تم إدخال الكميات المحدودة عبر الجانب الإسرائيلي فقط". "عسكرة" المساعدات وانتقدت الإجراءات الرقابية الصارمة التي تفرضها إسرائيل، والتي تشمل استخدام كاميرات ذكية لتسجيل بصمات الوجه والعين للفلسطينيين الراغبين في الحصول على الغذاء. وقالت مستنكرة: "الفلسطيني علشان ياخد أكل لازم يدي بصمة عينه ووشه! إسرائيل بتقول دا عشان تمنع وصول المساعدات للمقاتلين... لكن دا انتهاك فاضح لحقوق الإنسان، وتحويل العمل الإنساني إلى أداة أمنية". آلية توزيع المساعدات وأضافت: "إزاي كبار السن أو ذوي الاحتياجات الخاصة هيوصلوا للمساعدات وسط الشروط الأمنية القاسية دي؟!". وحذرت الحديدي من أن آلية توزيع المساعدات عبر محور نتساريم تمثل ما وصفته بـ "تذكرة بلا عودة" لسكان شمال غزة، معتبرة أنها جزء من مخطط إسرائيلي لإجبار السكان على مغادرة الشمال وإبقائهم محصورين في وسط وجنوب القطاع. وقالت: " إلى هيقدم من سكان الشمال للحصول على حصته من الغذاء عبر محور نتساريم مش هيرجع تاني للشمال... دي خطة مدروسة لتفريغ الشمال تمهيدًا لتوسيع العمليات العسكرية". تحركات دولية باهتة واختتمت لميس الحديدي حديثها بالإشارة إلى بعض الضغوط الدولية المتواضعة على إسرائيل، مثل العقوبات البريطانية على كيان استيطاني إسرائيلي، وتوقف مفاوضات التجارة الحرة، إلا أنها وصفتها بأنها غير كافية. وقالت: "لدينا نحو 60 ألف إنسان في غزة... ومن لا يموت بالقصف، يموت بالجوع أو المرض... ومع ذلك، لا يزال الغرب يتعامل بمعايير مزدوجة بين أوكرانيا وغزة".