
إسلام قلعه-دوغارون.. شريان تجاري بين أفغانستان وإيران
فقد أصبح هذا المعبر الصحراوي الواقع في أقصى غرب أفغانستان ليس قناة لعبور الشاحنات فحسب بل بات يعكس أيضا ميزانا اقتصاديا متقلبا بين بلدين يعانيان من العقوبات والاضطراب الهيكلي.
معبر تاريخي يتحوّل إلى مركز حيوي للتجارة
يقع معبر إسلام قلعه-دوغارون على الحدود الأفغانية الإيرانية، ويعود تاريخه لأكثر من 110 سنوات. ومع مرور الزمن، تطوّر من مجرد نقطة عبور محلية إلى أحد أهم الممرات التجارية في المنطقة، لا سيما بعد سيطرة حركة طالبان على كابل في أغسطس/آب 2021 وتزايد الضغوط الاقتصادية على إيران بفعل العقوبات الغربية.
ويلعب المعبر اليوم دورا محوريا في تدفق النفط والسلع الغذائية من إيران، في مقابل صادرات أفغانية مثل الفواكه المجففة والزعفران.
وبحسب إحصاءات رسمية من هيئة الجمارك الإيرانية ووزارة التجارة والصناعة الأفغانية، بلغ حجم التبادل التجاري عام 2024 ما بين 3.1 إلى 3.2 مليارات دولار، مسجّلا نموا يتراوح بين 50% و80% مقارنة بـ1.714 مليار دولار في 2023.
أرقام النمو التجاري ومؤشرات الصعود
شهد المعبر توسعا في حجم التبادل التجاري خلال النصف الأول من عام 2024، وفق البيانات التالية:
1.3 مليون طن من الصادرات الإيرانية عبر المعبر، بزيادة 25% مقارنة بـ2023.
مليونا طن من حركة الترانزيت، بارتفاع 20% عن العام الماضي.
190.4 مليون دولار قيمة صادرات إيران، بزيادة 60% عن النصف الأول من 2023.
يشهد المعبر يوميا مرور 500 إلى ألف شاحنة، مدعومة بتحسينات لوجيستية قلصت مدة التوقف، مما عزز من تنافسية المنطقة تجاريا.
اختناقات هيكلية
رغم هذا النمو اللافت، يواجه المعبر تحديات هيكلية عميقة تهدد استدامة التوسع التجاري. وتؤكد وزارة التجارة والصناعة الأفغانية أن ضعف البنية التحتية يعوق الأداء، خاصة مع غياب مستودعات تبريد للسلع القابلة للتلف، وهو ما يضر بسلاسل التوريد.
كما يعاني التجار من غياب أنظمة الدفع الإلكتروني، وهذا يدفعهم إلى استخدام قنوات غير رسمية مثل الحوالات، وهو ما يرفع التكاليف بنسبة 5% إلى 10%.
ويشير عبد السلام جواد آخوندزاده، المتحدث باسم الوزارة في حديث للجزيرة نت إلى أن تعقيدات النظام المصرفي في كل من أفغانستان وإيران تعود في جزء كبير منها إلى العقوبات الغربية على طهران ، مما يجعل من شبه المستحيل تنفيذ التحويلات عبر قنوات رسمية.
ويؤكد المحلل الاقتصادي الأفغاني آصف إستانكزي أن البلدين يعتمدان على "نظام تجاري غير رسمي يفتقر إلى الشفافية والاستقرار، وهذا يعقّد المعاملات ويرفع كلفتها".
ويقول للجزيرة نت: "يرى مراقبون أنه في ظل غياب منصات دفع إلكترونية ثنائية، فإن التبادل التجاري يظل مرهونا بشبكات غير رسمية، وهو ما يفتح الباب أمام التهريب، ويقوّض قدرة الدولتين على تنظيم السوق أو تحصيل الضرائب. وحتى لو استمر نمو التبادل، فإنه سيبقى محصورا ضمن اقتصاد موازٍ ما لم تُعالج الأطر المصرفية والجمركية بجدية".
أزمة المياه والجفاف.. عبء إضافي
من جهة أخرى، تسهم النزاعات البيئية في إضعاف صادرات أفغانستان الزراعية، إذ يشكّل الجفاف المتكرر ونزاع المياه حول نهر هلمند عاملا إضافيا في تقليص حجم المنتجات الزراعية العابرة عبر المعبر.
وانخفض إنتاج الفواكه والخضروات بنسبة 25% خلال عام 2024، الأمر الذي أثر سلبا على صادرات الزعفران والبطيخ والرمان وغيرها من المحاصيل نحو السوق الإيرانية.
وتتهم طهران كابل بعدم الالتزام باتفاقية 1973 الخاصة بتقاسم مياه نهر هلمند، ما يزيد التوترات.
وفي هذا السياق، يقول المزارع شير علي عباس من ولاية فراه للجزيرة نت: "فقدنا أكثر من نصف إنتاج البطيخ والرمان بسبب نقص المياه، وهو ما أثّر على تلبية السوق الإيرانية".
أزمة اللاجئين تضغط على المعبر
إضافة إلى التحديات التجارية، يشهد المعبر ضغطا بشريا متزايدا مع ترحيل متوقّع لمليون أفغاني في عام 2025، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويوضح عبد الغني كامل، حاكم مديرية إسلام قلعه: "في فترات الذروة، يصل عدد العابرين إلى 40 ألف شخص يوميا، مما يضغط بشدة على البنية التحتية ويؤخر حركة الشاحنات".
ويضيف للجزيرة نت أن "المبادرات الشعبية تفوقت على الاستجابة الرسمية، إذ وفرت المأوى والطعام للعائدين في غياب حلول حكومية كافية".
بين التوسّع الإيراني والتنافس الإقليمي
ورغم التحديات، هناك مشاريع إستراتيجية طموحة تسعى لتعزيز موقع المعبر في التجارة الإقليمية، أبرزها:
ميناء تشابهار: مشروع إيراني تدعمه الهند باستثمارات بلغت 250 مليون دولار عام 2024، كمنافس لميناء جوادر الباكستاني.
سكة حديد خواف-هرات: من المتوقع أن تنقل 6 ملايين طن سنويا بحلول 2026، ما يعزز الربط بين إيران وأفغانستان.
مشروع كاسا-1000: لنقل الكهرباء من آسيا الوسطى إلى أفغانستان، وهو ما يزيد الاعتماد الإقليمي على المعبر.
التنافس الإيراني – الباكستاني
باتت إيران تتقدم على باكستان في حجم التبادل التجاري مع أفغانستان، مستفيدة من استقرار نسبي في المعابر وتوسعات البنية التحتية.
وفي المقابل، تعاني باكستان من توترات حدودية متكررة وخطوط إمداد مغلقة.
ويُعد دعم الهند لمشاريع البنية التحتية الإيرانية إضافة إستراتيجية تزيد من نفوذ طهران في أفغانستان وآسيا الوسطى، وتدفع بكابل نحو تعزيز الاعتماد على المعابر الإيرانية.
ويُعد معبر إسلام قلعه-دوغارون نموذجا حيويا لتقاطع المصالح الاقتصادية والضغوط الجيوسياسية، في منطقة تعيش على وقع العقوبات والتقلبات المناخية والضغوط الإنسانية.
ورغم أن أرقام التجارة تنمو، فإن مستقبل هذا الشريان مرهون بمدى قدرة الطرفين على معالجة مشكلاته البنيوية وتنظيمه ماليا وجمركيا بما يحقق استقرارا طويل الأمد.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
سوريا تعلن 12 مشروعا استثماريا بقيمة 14 مليار دولار
6/8/2025 آخر تحديث: 17:17 (توقيت مكة) أعلن رئيس هيئة الاستثمار السورية طلال الهلالي عن 12 مشروعا استثماريا بقيمة إجمالية تبلغ 14 مليار دولار، حسبما ذكرت وكالة الأنباء العربية السورية (سانا). وقال الهلالي إن من أبرز هذه المشاريع مطار دمشق الدولي باستثمار يبلغ 4 مليارات دولار، ومترو دمشق باستثمار ملياري دولار، ومشروعا حيويا للبنية التحتية والتنقل الحضري، وأبراج دمشق باستثمار ملياري دولار، وأبراج البرامكة باستثمار 500 مليون دولار، ومول البرامكة باستثمار 60 مليون دولار. وأضاف أن المشاريع "ستمتد عبر سوريا لتشكل نقلة نوعية في البنية التحتية والحياة الاقتصادية" وأن هذه المشاريع "ليست مجرد استثمارات عقارية أو بنى تحتية، بل هي محركات لتوليد فرص العمل، وجسور ثقة بين سوريا والمستثمرين العالميين". وقال أثناء مراسم التوقيع مع عدد من الشركات الدولية في قصر الشعب بدمشق بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع "اجتماعنا اليوم ليس مجرد مناسبة رسمية، بل هو إعلان واضح وصريح أن سوريا منفتحة للاستثمار، عازمة على بناء مستقبل مزدهر، ومستعدة للعمل جنبا إلى جنب مع شركائنا الموثوقين لكتابة فصل جديد من النهوض والبناء". وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك أثناء حضوره مراسم توقيع مذكرات التفاهم الاستثمارية إن "الأرض السورية تنتج العظماء"، وإن "دمشق تعتبر مركزا للتجارة والنقل منذ آلاف السنين". المصدر: وكالات


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
كالكاليست: تسونامي دبلوماسي يضرب الصناعة الإسرائيلية
رصدت صحيفة كالكاليست الإسرائيلية المختصة بالاقتصاد ما وصفته بـ" تسونامي دبلوماسي" يهدد الاقتصاد الإسرائيلي في صميمه، ويُنذر بتداعيات جسيمة على قطاعي الصناعة والتكنولوجيا، لا سيما في الأسواق الأوروبية. وبحسب الصحيفة، فإن الحرب المستمرة على غزة منذ 22 شهرا، والأزمة الإنسانية العميقة الناتجة عنها، دفعت بإسرائيل إلى حافة "النبذ الدولي"، وسط مؤشرات ملموسة على خسائر تجارية فعلية ومقاطعة متزايدة في ميادين التمويل، والبحث، والتسليح. وأكدت كالكاليست أن الصورة تتغير بسرعة مقلقة، وأن تحذيرات أوروبية من فرض عقوبات على إسرائيل باتت أكثر جدية، مشيرة إلى أن تل أبيب تقترب من دخول "نادي الدول المنبوذة"، وهو ما بدأ ينعكس فعليا على شركاتها الكبرى من خلال رفض العقود، وإقصاء العروض، وتزايد العداء العلني في مراكز القرار. عقود تلغى.. وهوية إسرائيل تُخفى ويقول مدير عام إحدى الشركات الصناعية الكبرى في إسرائيل للصحيفة إنه خسر مؤخرا مناقصة بملايين الدولارات مع دولة أوروبية رغم وصوله إلى المرحلة النهائية. ورأى أن "الرفض لم يكن مهنيا بقدر ما كان سياسيا"، وقال: "الرفض جاء مباشرة بعد إعلان تلك الدولة نيتها تقييد تجارتها مع إسرائيل، وهذا يثير الريبة". وفي حالة أخرى، تمكنت شركته من إنقاذ صفقة في دولة أوروبية ثانية فقط بعد الالتزام بـ"السرية التامة" وإخفاء الهوية الإسرائيلية للمنتج. وأضاف: "أعطيت المشروع اسما مشفرا وسننتج من دون أن يُعرف أن مصدره إسرائيل"، بحسب ما نقله تقرير كالكاليست. تراجع حاد في الحضور والطلب وتصف الصحيفة الوضع بأنه غير مسبوق حتى بمعايير الأزمات السابقة التي مرت بها إسرائيل. فوفقا لمدير شركة سلاح إسرائيلية تعمل في أوروبا منذ سنوات طويلة، فإن "الاتفاقيات تتأجل، والقرارات تُؤجل عمدا، والزبائن يفضلون الانتظار حتى نهاية القصة في غزة"، مضيفا: "الكل يتهرب، ويؤجل، ويتفادى اتخاذ قرارات توقيع العقود معنا، خشية ردود فعل الرأي العام الداخلي". وبحسب المصدر ذاته فإن الحضور الإسرائيلي في المعارض الدفاعية الدولية بات خافتا، وتراجعت زيارات الوفود الأجنبية المهتمة بالشراء، وقال للصحيفة: "حتى المعارض صارت فارغة مقارنة بالسنوات الماضية". نجاح إسرائيلي عسكري يُمحى بغطاء صور غزة ورغم أن صادرات السلاح الإسرائيلية بلغت عام 2024 رقما قياسيا وصل 14.8 مليار دولار، منها 54% نحو السوق الأوروبي، إلا أن هذا الزخم مهدد بالتآكل. ويشير مصدر أمني إسرائيلي إلى أن الأوروبيين يتعاملون بازدواجية واضحة، قائلا لـ"كالكاليست": عندما يتعلق الأمر بأنظمة دفاع جوي، حيث نتميز، تُخفف الحساسية تجاه معاناة غزة. أما في المجالات ذات التنافس العالي، فيُفضلون إظهار الضمير". ويضيف مسؤول دفاعي آخر في حديثه للصحيفة أنه بعد العملية في إيران"انهالت علينا الطلبات من أوروبا، لكن بعد صور الجوع والدمار في غزة، تراجع كل شيء. الكل يقول لنا: ننتظر، لسنا مستعدين الآن". ترامب يضغط… وماكرون يناور وفي موازاة ذلك، يشهد السوق الأمني الأوروبي سباق نفوذ شرس. ففي قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي نهاية يونيو/حزيران الماضي، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قادة الدول الأعضاء رفع ميزانيات الدفاع إلى 5% من الناتج المحلي خلال العقد المقبل. وتؤكد كالكاليست أن ترامب يأمل أن يذهب القسم الأكبر من مئات المليارات المتوقعة إلى الصناعات الأميركية. في المقابل، يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقوية الصناعات الدفاعية الفرنسية، ومن بين أدواته -كما توضح كالكاليست- منع مشاركة الشركات الإسرائيلية في معارض السلاح في فرنسا خلال العامين الأخيرين. الحكومة الإسرائيلية "منفصلة عن الواقع" وفيما تتسارع الأحداث، لا يبدو أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو ، تُولي اهتماما جديا لما يجري. فالصحيفة تنتقد بشدة انشغاله بمحاولات إقالة المستشارة القضائية للحكومة، وترتيب إعفاء المتدينين من التجنيد، في وقت "ماتت فيه الحرب عسكريا لكنها تُبقي ائتلافه السياسي على قيد الحياة"، بحسب التعبير الحرفي لتقرير كالكاليست. وتضيف الصحيفة أن إسرائيل، تحت حكم نتنياهو، أصبحت قريبة من "تطبيع التسونامي الدبلوماسي"، معتبرة أن الحكومة تتعامل مع الانهيار السياسي المتسارع ببرود مريب، بينما "تصريحات وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش -من الدعوة إلى محو غزة، إلى أحلام التوسع الاستيطاني فيها- تُعقد وضع إسرائيل أمام القانون الدولي أكثر فأكثر". حتى ألمانيا بدأت تنفض يدها وحتى برلين -الحليف الأوثق تاريخيا- لم تسلم من التوتر، بعدما وصف بن غفير موقف ألمانيا بأنه "عودة لدعم النازية بعد 80 عاما من المحرقة"، وذلك ردا على نية ألمانيا الانضمام لمجموعة الدول الأوروبية التي تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين ، وفق ما نقلته كالكاليست. وتشير الصحيفة إلى أن الانتقادات الأوروبية لا تقتصر على السياسة فقط، بل تمتد إلى طريقة تعامل إسرائيل مع الإعلام. فقد منع الجيش الإسرائيلي دخول صحفيين أجانب إلى غزة، وطلب من طواقم التصوير الغربية، المرافقة للطائرات التي تلقي مساعدات إنسانية، "عدم توثيق حجم الدمار الواسع في القطاع"، وفق ما أفادت به كالكاليست. الصناعيون.. الأزمة تتضخم يوميا رئيس اتحاد الصناعيين في إسرائيل، رون تومر، يلخص الأزمة قائلا للصحيفة: "نواجه موجة عداء مضاعفة ضد إسرائيل، مضاعفة بمفعول الستيرويد. إذا كنت أتلقى مكالمتين أسبوعيا من مصدرين يشتكون من أوروبا، الآن تصلني 3 يوميا، والعدد بازدياد". وانتقد تومر الوزراء الذين يطلقون تصريحات نارية من دون إدراك لتبعاتها، قائلا: "بعدما أعلنوا أنه لن يدخل حبة قمح إلى غزة، اضطررنا لإلقاء المساعدات من الجو، فجمعنا الخزي مرتين: لم نمنع الجوع، وخسرنا صورتنا الإنسانية". عزلة في آسيا.. الفلبين نموذجا الضرر لا يقتصر على أوروبا، ففي آسيا، ورغم زيارة وزير الاقتصاد نير بركات للفلبين مؤخرا، تشير كالكاليست إلى استمرار أزمة ثقة مع مانيلا. إعلان فقد سبق أن كشفت الصحيفة عن تعليق عقود تسليح جديدة بسبب تأخر في تسليم معدات إسرائيلية، نتيجة أولوية احتياجات الجيش الإسرائيلي في غزة، ما أغضب الفلبينيين الذين ربطوا استئناف العلاقات بإعلان إسرائيل دعمها لسيادة الفلبين في بحر جنوب الصين. وفي صفقة دفاعية كبرى تتنافس فيها شركة إسرائيلية، تؤكد كالكاليست أن "شركة فرنسية باتت الأقرب للفوز بها"، بينما لم تُطرح الأزمة حتى على طاولة النقاش خلال زيارة بركات، بحسب تأكيد مكتبه للصحيفة. وفي ختام التقرير، تنقل كالكاليست تحذيرا واضحا: الأسواق التي تفقدها إسرائيل اليوم، قد لا تستعيدها حتى بعد وقف الحرب. فالتآكل لا يضرب فقط الصفقات والمؤتمرات، بل الثقة نفسها، والعودة إلى "روتين الأعمال" بعد هذه العاصفة قد تكون مستحيلة.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
العراقيون يلجؤون للطاقة الشمسية تحت ضغط شبكة الكهرباء والحرارة
يواجه العراق العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وأحد أكبر منتجي النفط في العالم صعوبة في توفير الطاقة لمواطنيه منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 وأطاح بالرئيس الراحل صدام حسين. وفي ظل الاضطرابات التي أعقبت ذلك أدى تراجع الاستثمار وسوء الإدارة إلى عدم قدرة الشبكة الوطنية على مواكبة الطلب. وتوفر شبكة الكهرباء العراقية إمدادات لنصف الوقت فقط في بعض أيام الصيف عندما تتجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية، وفق رويترز. ونقلت الوكالة عن عبد الله العلي -وهو مزارع قمح- قوله إن فاتورة الكهرباء الشهرية المستحقة عليه بلغت قرابة المليون دينار عراقي (763.94 دولارا)، ومنذ تركيب الألواح الشمسية قال إنه أصبح يدفع للشبكة الوطنية 80 ألف دينار (61.06 دولارا)، وصار بوسعه الاعتماد على إمداداته من الكهرباء. وأضاف أن المزارعين يتجهون إلى الطاقة الشمسية لخفض فواتيرهم، إضافة إلى أن الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية مستقرة. وتابع "نحن هنا بالمزرعة استخدمناها (الطاقة الشمسية) سنتين، السنة الأولى جربناها بالمنزل ولاحظنا فوائدها، قللت علينا فواتير الكهرباء وكانت كهرباء مستقرة ومستمرة بنفس الوقت". وبالإضافة إلى ثرواته النفطية يتمتع العراق بإمكانيات هائلة في مجال الطاقة الشمسية تقول السلطات إنها ستستغلها لسد الفجوة بين العرض والطلب، وفي الوقت نفسه الحد من انبعاثات الكربون. ووفقا لوزارة الكهرباء، فإن لدى الدولة خطة لامتلاك القدرة على إنتاج 12 غيغاواطا من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، وهو ما يتضمن إنجاز محطة للطاقة الشمسية بقدرة غيغاواط واحد للبصرة هذا العام. وتشير تقديرات وزير الكهرباء العراقي في يناير/كانون الثاني إلى أنه من المتوقع أن تصل ذروة الطلب على الكهرباء في فصل الصيف في عام 2025 إلى 55 غيغاواطا، في حين تبلغ الإمدادات 27 غيغاواطا فقط. إقبال كبير يستطيع المزارعون في أنحاء نينوى استخدام الألواح الشمسية المثبتة على الأسطح أو في صفوف على الأراضي الزراعية لتشغيل أنظمة الري وتلبية احتياجات المنازل. وفي المناطق الحضرية يجري رص الألواح متجاورة على الأسطح المستوية -التي تميز منازل الموصل- لتوليد أقصى قدر من الطاقة. وقال حسن طاهر -وهو مهندس زراعي من سكان الموصل- إن التحول إلى الطاقة الشمسية أدى إلى تغيير حياته في المنزل. وقال "أجور (فواتير) الكهرباء التي ظهرت منخفضة كثيرا لا تقارن بالأشهر السابقة، جدا قليلة ومناسبة لنا"، وشعرت الشركات المحلية أيضا بالزيادة في الطلب. وقال محمد القطان -الذي يدير شركة موصل سولار لأنظمة الطاقة الشمسية- إن الإقبال ارتفع بشكل كبير في عامي 2024 و2025، خاصة من المجتمعات الريفية، حيث يعيش 70% من عملائه. ورغم فاعليتها المتنامية من حيث التكلفة فإن أنظمة الألواح الشمسية في العراق لا تزال تكلف ما بين 5 ملايين و10 ملايين دينار (3816-7632 دولارا)، ويبلغ متوسط سعر النظام الذي يولّد ما بين 5 و6 كيلوواط نحو 5 ملايين دينار (3816 دولارا). ويقول العديد من المستخدمين إنهم يستعيدون التكلفة الأولية في غضون ما يتراوح بين عام و3 أعوام، وتأتي معظم الأنظمة مع ضمان لمدة 15 عاما. ويتجنبون أيضا الحاجة إلى مولدات الديزل باهظة الثمن، والتي تنبعث منها مستويات عالية من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الملوثات. الحضر في المناطق الحضرية لجأ عدد من أصحاب المنازل إلى الاشتراك في مصدر احتياطي من مولد كهربائي بتكلفة تتراوح بين 50 ألفا و100 ألف دينار (38-76 دولارا) شهريا. وقال المدير في فرع نينوى التابع لشركة الكهرباء الحكومية أحمد محمود فتحي إن أنظمة الطاقة الشمسية المثبتة منفصلة عن الشبكة، مما يعني أن أصحابها مكتفون ذاتيا تقريبا من الطاقة. ولا يدفع المستخدمون لدائرة الكهرباء إلا مقابل استخدام الشبكة الوطنية ليلا، وهو ما يجذب المزارعين بشكل خاص، لأنهم يستخدمون مضخات الجهد العالي نهارا ولا يحتاجون إلى الكهرباء ليلا. وقال عمر عبد الكريم شكر رئيس شركة سما الشرق -التي تبيع الألواح الشمسية- إن المواطنين أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض يشترون أنظمة الطاقة الشمسية في ظل مبادرات حكومية تشجع على استخدامها. ويقدم البنك المركزي كذلك قروضا بفائدة منخفضة للمواطنين الذين يشترون الألواح الشمسية رغم أن المزارع عبد الله العلي قال إنه تمكن من تدبير أمره من دون الحاجة إلى ذلك. وأضاف العلي "حاليا أنا اعتمدت كمزارع على نفسي اعتمادا ذاتيا من الموارد الذاتية، سمعنا أن هناك دعما حكوميا بهذا المجال، مبادرة يرعاها البنك المركزي العراقي، لكنني لم أتجه إليها".