
كيف تستعد إيران لمواجهة ضربات أميركية أو إسرائيلية محتملة؟
تسعى إيران إلى تعزيز دفاعاتها الجوية في ظل استعدادات عسكرية لمواجهة احتمال توجيه ضربة من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد منشآتها النووية، في حال تعثرت المفاوضات بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، حسبما أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، الأحد.
وكانت ضربات جوية إسرائيلية في أكتوبر وأبريل 2024 قد دمرت أو ألحقت أضراراً بالغة بالعديد من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية الأكثر تطوراً، بما في ذلك منظومات S-300 الروسية الصنع بعيدة المدى وراداراتها.
وتركت هذه الضربات، إلى جانب الهجمات التي شنتها إسرائيل على وكلاء طهران، مثل "حزب الله" في لبنان و"الحوثيين" في اليمن، انطباعاً بأن إيران أصبحت في أضعف حالاتها من حيث القدرة على صد الهجمات الجوية منذ عقود.
ومع ذلك يقول خبراء إن العديد من عناصر الدفاعات الجوية الإيرانية لا تزال سليمة أو أُعيد تأهيلها خلال الأشهر الأخيرة، وفق "فاينانشيال تايمز".
وتُظهر تقييمات استخباراتية غربية وصور ملتقطة بالأقمار الاصناعية، استعرضها محللون دفاعيون، أن إيران أعادت نشر عدد من منصات إطلاق الصواريخ أرض-جو، بينها منظومات S-300، بالقرب من مواقع نووية استراتيجية مثل "نطنز" و"فوردو".
كما كشفت طهران عن بعض هذه المعدات في مناسبات عامة خلال الأشهر الماضية، إذ شهد "يوم الجيش" عرضاً عسكرياً تضمن قاذفة من طراز S-300 وشاحنة رادار.
وفي مناورات عسكرية أُجريت خلال فبراير، ظهرت وحدة من منظومة S-300 تطلق صاروخاً أرض-جو باستخدام رادار محلي التصميم، يُرجح أنه اُستخدم كبديل للرادار الأصلي المعطل، بحسب نيكول جراييفسكي من مؤسسة "كارنيجي" في واشنطن.
وقالت جراييفسكي للصحيفة: "من المؤكد أن إيران تسعى إلى نفي الرواية القائلة بأن دفاعاتها الجوية المتقدمة دُمرت".
جاهزية إيران
وفي هذا السياق، أشاد محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، الشهر الماضي، بجاهزية إيران لأي هجوم محتمل.
وقال باقري: "نشهد تحسناً لافتاً في قدرة وجاهزية الدفاع الجوي للدولة"، مشيراً إلى "زيادة في الاستثمارات بمعدلات مضاعفة".
وأضاف: "يجب على أعداء الأمة الإيرانية أن يدركوا أن أي انتهاك لأجوائنا سيُلحق بهم أضراراً جسيمة".
وعلى الرغم من استمرار المحادثات مع واشنطن بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي انسحب من الاتفاق النووي السابق خلال ولايته الأولى، هدد بشن هجوم على طهران في حال فشلت المفاوضات.
وتطالب واشنطن إيران بوقف تخصيب اليورانيوم، معتبرة أن ذلك ضروري لمنعها من حيازة أسلحة نووية، في حين تصر طهران على حقها في مواصلة التخصيب لأغراض مدنية.
وفي أبريل الماضي أصدرت واشنطن أوامر بنشر 6 قاذفات من طراز "B-2" بقاعدة دييجو جارسيا بالمحيط الهندي، في أكبر انتشار لهذه الطائرات حتى الآن، وسط توقعات بأن تكون القاعدة نقطة الانطلاق المرجحة لأي ضربة ضد إيران، بحسب "فاينانشيال تايمز".
وتضغط إسرائيل التي أظهرت بالفعل قدرتها على ضرب الدفاعات الجوية الإيرانية، على الولايات المتحدة لدعم توجيه ضربات ضد إيران. فيما حذر خبراء من أن هناك احتمالاً بأن تُقدم إسرائيل على تنفيذ هجوم من دون موافقة واشنطن إذا شعرت بأن ترمب وافق على اتفاق ضعيف.
واستهدفت إسرائيل خلال ضرباتها العام الماضي مواقع الرادارات والصواريخ باستخدام صواريخ باليستية أُطلقت من مسافات بعيدة تتجاوز المدى الأقصى لمنظومة S-300 البالغ 200 كيلومتر. وعُثر على معززات الدفع الخاصة بهذه الصواريخ، التي تصنعها شركة "رافائيل" الإسرائيلية، في صحراء العراق على بُعد مئات الكيلومترات.
لا أدلة على تدمير صواريخ إيران
ولا يزال الجدل قائماً بشأن مدى فاعلية هذه الضربات. فقد أظهرت صور أقمار اصطناعية مفتوحة المصدر إصابات مباشرة محدودة، منها ضربة على شاحنة رادار تابعة لمنظومة S-300 في قاعدة جوية قرب أصفهان بعد هجوم أبريل 2024. لكن صور ما بعد هجمات أكتوبر بينت أن عدداً من مواقع S-300 كانت فارغة، ما أثار التساؤلات بشأن ما إذا كانت الصواريخ دُمرت أم نُقلت فقط.
وقال سام لاير، الباحث المشارك في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، للصحيفة: "لا توجد أدلة دامغة كثيرة".
مع ذلك، بدا أن إيران تلقت ضربة موجعة. إذ تقيم أجهزة استخبارات غربية أن طهران ترى أن دفاعاتها الجوية "أدت أداءً ضعيفاً" العام الماضي، واتخذت خطوات مثل إعادة تمركز منصات الإطلاق والرادارات وتوزيعها، وفقاً لما أفاد به شخصان مطلعان على هذه التقارير.
وفي هذا السياق، نشر لاير واثنان من زملائه هذا الشهر تحليلاً لمقطع من فيديو دعائي إيراني كشف عن غير قصد ما بداخل مركز قيادة للدفاع الجوي. وأشار تحليل مفصل أعده لاير وأحد زملائه إلى أن منظومة الدفاع الجوي الإيرانية "تتسم بطبيعة مجزأة".
لكن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، والتي تقع في مناطق محصنة تحت الأرض، مثل مرفق "نطنز" المبني داخل جبل، سيكون أكثر تعقيداً بكثير من عمليات إسرائيل العام الماضي.
وفي حال شاركت الولايات المتحدة، فإن طائرات B-2 المتمركزة في دييجو جارسيا ستكون على الأرجح مكلفة بإلقاء قنابل GBU-57 خارقة للتحصينات التي تزن 30 ألف رطل مباشرة على الأهداف، وفقاً لبحث نُشره المعهد الملكي للخدمات في لندن، مارس الماضي.
أما إذا تحركت إسرائيل بمفردها، وهي تفتقر إلى القاذفات الثقيلة أو الوسائل اللازمة لحمل هذا النوع من الذخائر الضخمة، فستكون خياراتها أكثر محدودية، بحسب الصحيفة البريطانية.
ومن المرجح أن تستخدم طائرات F-35 الشبحية المزودة بقنابل موجهة من طراز BLU-109 تزن 2000 رطل، أو مقاتلات F-15 المزودة بقنابل GBU-28 تزن 4 آلاف رطل، وكل من هذه الذخائر يتطلب ضرب الهدف نفسه عدة مرات لاختراق التحصينات، بحسب تحليل المعهد.
وقد يتطلب ذلك تنفيذ العديد من الطلعات، باستخدام طائرات للتزود بالوقود جواً، وهي بدورها قد تكون عرضة للاستهداف من قِبل الصواريخ أرض-جو بعيدة المدى أو الطائرات المُسيرة. ومنذ الصيف الماضي، نفذت إسرائيل 9 ضربات على الأقل في اليمن، على مسافات مماثلة لهجوم محتمل على إيران.
وستقع الطائرات ضمن نطاق منظومة من الصواريخ أرض-جو القصيرة والمتوسطة المدى التي لا تزال عاملة، بالإضافة إلى الطائرات المُسيرة المضادة للطائرات التي تحلق في المنطقة، والتي طبقت إيران من خلالها دفاعات جوية متعددة الطبقات. وسيصعب تحديد حجم الأضرار التي لحقت بهذه الأنظمة قبل انطلاق حملة القصف المركزة.
وتشمل الترسانة الإيرانية إلى جانب منظومة "تور إم-1" الروسية القصيرة المدى، أنظمة محلية الصنع مثل "باور-373" بعيدة المدى، و"خرداد-15" متوسطة المدى.
ونشأت هذه البرامج نتيجة إحباط طهران من تأخر روسيا في تسليم المعدات ورفضها بيع منظومات أكثر تطوراً مثل S-400، وفقاً لفابيان هينز، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في بريطانيا.
وقال هينز إن هذا الجهد الإيراني يهدف إلى تكرار نجاح برنامج الصواريخ الباليستية المحلي.
مهمة ليست سهلة
أما جون ألترمان، من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن، فيرى أن اختراق تلك الدفاعات ليس مهمة سهلة لإسرائيل. وأضاف: "لكن هل هو خارج قدرات إسرائيل؟ بالطبع لا. فالإسرائيليون يتدربون على هذا السيناريو منذ عقود".
وكذلك تفعل إيران؛ فإخماد دفاعاتها الجوية قبل قصف المنشآت النووية قد يتحول إلى معركة تستمر لساعات أو أيام، تشهد مواجهة بين الطيارين ومشغلي الدفاعات الأرضية، باستخدام مقاتلات وصواريخ كروز، مدعومة بطائرات تشويش إلكتروني وصواريخ مضادة للرادار، وفق "فاينانشيال تايمز".
وقال روبرت تولست، الباحث في المعهد الملكي للخدمات: "إسرائيل فرضت هيمنة جوية شبه كاملة على إيران، لكن تنفيذ ضربة بهذا الحجم يتطلب موجات متتالية من الطائرات على مدى ساعات، ما يزيد من الإجهاد البشري ويزيد احتمالات الخطأ".
وأضاف أن الرادارات الإيرانية، المعرضة للاستهداف من صواريخ مضادة للإشعاع، قد تضطر إلى إيقاف تشغيلها للبقاء، وقد تُصاب بالعمى بسبب التشويش الإسرائيلي. ومع ذلك، حتى لو تم تحييد معظم الدفاعات الجوية المتقدمة، تبقى هناك أنظمة قادرة على تحقيق إصابات.
وقال: "إنها معركة جوية شديدة الكثافة، ومن المرجح أن يُعرض طيار إسرائيلي على التلفزيون الإيراني".
وقالت الصحيفة إنه حتى الصواريخ الإيرانية الأقل تطوراً قد تحقق إصابات. فعلى سبيل المثال، أسقطت سوريا في عام 2018 طائرة F-16 إسرائيلية بصاروخ "S-200" أرض-جو، وهو نظام روسي دخل الخدمة في ستينات القرن الماضي. وسقطت الطائرة في شمال إسرائيل ونجا الطياران.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
سحب 500 جندي أمريكي من سورية وإغلاق قاعدة وتسليمها لـ«قسد»
تابعوا عكاظ على كشف مسؤولان أمريكيان أن أكثر من 500 جندي أمريكي انسحبوا من سورية، خلال الأسابيع الماضية، بعد الانتهاء من إغلاق قاعدتين عسكريتين أمريكيتين، وتسليم أخرى إلى قوات سورية الديمقراطية (قسد). وقال المسؤولان لشبكة FOX NEWS، إن القواعد الأمريكية تشمل موقع دعم مهمات «القرية الخضراء» الذي جرى إغلاقه، وموقع دعم مهمات «الفرات» الذي جرى تسليمه إلى قوات سورية الديمقراطية، كما أخلت القوات الأمريكية موقعاً ثالثاً أصغر بكثير. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز»، عن مسؤولين أمريكيين، في أبريل، قولهما إن الجيش الأمريكي يعتزم إغلاق 3 قواعد صغيرة من إجمالي 8 في شمال شرق سورية. وذكرت الصحيفة آنذاك، أنه بعد مرور 60 يوماً، سيُجري القادة العسكريون تقييماً لتحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من عمليات سحب الجنود، مشيرة إلى أن القادة أوصوا بإبقاء 500 جندي أمريكي على الأقل في سورية. دمج القوات الأمريكية في سورية وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون»، في أبريل، دمج القوات الأمريكية في سورية تحت قيادة قوة المهمات المشتركة «عملية العزم الصلب»، وخفض عدد هذه القوات إلى أقل من 1,000 جندي، خلال الأشهر المقبلة. وكان توم باراك المبعوث الخاص إلى سورية، كشف توجهاً لتقليص عدد القواعد العسكرية الأمريكية فيها. وقال خلال مقابلة مع قناة «NTV» التركية: «من 8 قواعد، سينتهي الأمر بقاعدة واحدة فقط». أخبار ذات صلة كما أشار باراك «سياساتنا الحالية تجاه سورية لن تشبه السياسات خلال الأعوام الـ100 الماضية؛ لأن تلك السياسات لم تنجح». وحول الدعم الأمريكي لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، أوضح باراك أن «قسد هي حليف بالنسبة لواشنطن». وتحتفظ واشنطن بقوات في سورية منذ سنوات كجزء من الجهود الدولية لمحاربة تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات شاسعة من الأراضي هناك وفي العراق المجاور قبل أكثر من عقد قبل أن يمنى بهزائم في البلدين. ويتواجد في سورية، أكثر من 900 جندي أمريكي ضمن قوات التحالف الدولي في إطار الجهود الدولية ضد تنظيم داعش. /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;}


الشرق للأعمال
منذ ساعة واحدة
- الشرق للأعمال
أسعار النفط تواصل الارتفاع مع ضعف الدولار وتصاعد التوترات
ارتفعت أسعار النفط لليوم الثاني، مع تراجع الدولار الذي عزّز جاذبية السلع المقوّمة بالعملة الأميركية، في وقت تحدّ فيه التوترات الجيوسياسية من فرص زيادة الإمدادات من روسيا وإيران. تداول خام "برنت" قرب 65 دولاراً للبرميل بعد أن قفز بنسبة 2.9% يوم الإثنين، فيما استقر خام "غرب تكساس الوسيط" الأميركي عند نحو 63 دولاراً. وسجّل مؤشر "بلومبرغ" للدولار أدنى مستوياته منذ عام 2023، مع تأكيد بنوك "وول ستريت" مجدداً توقعاتها بانخفاض إضافي في قيمة العملة الأميركية. موقف أميركي صارم تجاه إيران على الصعيد الجيوسياسي، أنهت روسيا وأوكرانيا جولة ثانية من المحادثات في إسطنبول، من دون أن تُقرب الجانبين من إنهاء الحرب. في المقابل، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن الولايات المتحدة لن تسمح بأي تخصيب لليورانيوم ضمن أي اتفاق محتمل مع إيران، بينما تطالب طهران بضمانات تشمل رفع العقوبات ضمن أي تفاهم. وكان خام "برنت" قد صعد بنسبة وصلت إلى 4.7% يوم الإثنين، بعدما قرر تحالف "أوبك+" زيادة الإمدادات بما يتماشى مع التوقعات، ما بدّد المخاوف من رفع أكبر للإنتاج، ودفع المستثمرين إلى التخلي عن رهاناتهم السلبية التي سبقت الإعلان خلال عطلة نهاية الأسبوع. ورغم هذا الانتعاش، لا يزال النفط منخفضاً بنحو 13% منذ بداية العام، بعدما تخلى "أوبك+" عن استراتيجيته السابقة المتمثلة في الدفاع عن الأسعار المرتفعة من خلال خفض الإنتاج، إلى جانب تصاعد المخاوف من أن تؤثر الحروب التجارية سلباً على الطلب العالمي. "السيناريو الأسوأ لم يتحقق" قالت شارو شنانا، كبيرة استراتيجيي الاستثمار لدى "ساكسو ماركتس"، إن "انتعاش النفط هو حالة كلاسيكية لعدم تحقّق أسوأ السيناريوهات". وأضافت: "الإشارات المتضاربة من أوبك+، إلى جانب التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وموسم القيادة الأميركي في الصيف، أشعلت موجة تغطية للمراكز القصيرة"، مشيرة أيضاً إلى أن ضعف الدولار ساهم في دفع الأسعار إلى الأعلى. في موازاة ذلك، أجبرت حرائق الغابات في مقاطعة ألبرتا الكندية شركات الطاقة على وقف إنتاج يقارب 350 ألف برميل يومياً من النفط الخام، أي نحو 7% من إجمالي إنتاج البلاد، مع اقتراب حريق ضخم من الحدود الشرقية للمقاطعة، وتهديده لعمليات الرمال النفطية.


الشرق للأعمال
منذ ساعة واحدة
- الشرق للأعمال
نجيب ساويرس يقلص منصته الإعلامية بعد إطلاق باذخ في دبي
مشروع إعلامي كان من المفترض أن يكون محطة ختامية تتوج مسيرة صفقات استمرت نحو خمسة عقود لملياردير مصري، ومحاولة ثانية للنجاح في مجال الإعلام. نجيب ساويرس، الذي بنى ثروة قدرها 8.4 مليار دولار في عدد من أصعب الأسواق في العالم، أطلق في 25 نوفمبر من العام الماضي منصة "موني فاي" (Moniify) بحيث تكون بمثابة "سي إن بي سي" لجيل "تيك توك". استهدفت المنصة الجيل الجديد من روّاد الأعمال في الأسواق الناشئة، وقد أُطلقت من دبي المدينة المزدهرة، كمنصة إعلامية جديدة تهدف إلى كشف أسرار بناء الثروة لجمهور شاب طموح، مدعومة بشخصية حققت هذه الثروة فعلياً. مع اقتراب موعد الإطلاق في نوفمبر، شرعت الشركة في حملة تعيينات مكثفة من نيويورك إلى الشرق الأوسط، وقدمت عروضاً مغرية للموظفين الجدد. تم تعيين مايكل بيترز، الرئيس التنفيذي السابق لقناة "يورونيوز"، رئيساً تنفيذياً للمنصة، واستقطبت الشركة أيضاً ياسر بشر، الذي أسّس القسم الرقمي في شبكة "الجزيرة"، كمستشار أول لساويرس. كان الانطباع السائد أن "موني فاي" قد لا تحقق إيرادات في البداية، لكنها تتمتع بتمويل يمتد لسنوات، ما طمأن كثيرين بفضل الثروة الكبيرة للمالك الجديد. قد يهمك أيضاً: شركة ترمب الإعلامية تعمق خسائرها في أول 9 أشهر من السنة حفل إطلاق باذخ في دبي أُقيم حفل باذخ بمتحف المستقبل في دبي إيذاناً بالانطلاقة الرسمية لـ"موني فاي"، ما زاد من التفاؤل والزخم. استعانت الشركة بالثنائي الفرنسي "لي فراينش توينز" لأداء عرض سحري، وظهر ساويرس بشخصية "دي جي" على غرار ديفيد سولومون. وأمام الحضور الأنيق، تحدث عن المشروع الجديد بنبرة أصحاب المشاريع الخيرية، وضحك بأسى على ما أنفقه حتى ذلك الوقت. قال ساويرس، البالغ من العمر 70 عاماً، في تسجيل حصلت عليه "بلومبرغ": "في مثل عمري، يبدأ الإنسان بالتفكير: أحتاج أن أفعل شيئاً لإرثي، شيئاً أقدمه للمجتمع". أضاف: "لذا، كل ما أنفقناه على 'موني فاي' يُصنف ضمن هذا البند". ثم، وبشكل مفاجئ، بدا أن الأمور تغيّرت جذرياً. تم تقليص الميزانيات واستراتيجيات الترويج، وطُمست بعض المحتويات. بدأت الشركة بتنفيذ عمليات تسريح واسعة في يناير، وغادر بيترز منصبه، وكل ذلك دون تفسير يُذكر للموظفين، بحسب أشخاص مطلعين. واليوم، تتولى لانا، ابنة ساويرس، قيادة الشركة، بعدما تم التخلي عن العديد من الطموحات الأصلية. تحدث أشخاص مطلعون بشأن ما جرى، وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم حفاظاً على فرصهم المهنية، عن أن الملياردير اتخذ نهجاً بعيداً عن التدخل حتى لحظة الإطلاق، ثم فوجئ بسرعة استنزاف الأموال التي قُدّرت بعشرات ملايين الدولارات. كما أن تعدد الأسماء التي بدت مسؤولة قبيل البث تسبب بارتباك لدى بعض الموظفين. لكن الأهم ربما، أنه لم يكن هناك تصور داخلي واضح لكيفية تحقيق الإيرادات من منصة "موني فاي". لم يرد ممثلو ساويرس على طلبات التعليق عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف، ورفض كل من بيترز وبشر التعليق. طالع أيضاً: ساويرس لـ"الشرق": لهذه الأسباب سيتم شطب أوراسكوم للتنمية من بورصة سويسرا صانع صفقات يُعد ساويرس من أصحاب الخبرة الطويلة في عالم الصفقات، وهو على دراية جيد بالبيئات الاقتصادية المعقدة. فهو الابن الأكبر من بين ثلاثة أشقاء مليارديرات تعود ثرواتهم إلى والدهم أنسي ساويرس، قطب الإنشاءات المصري. بعد مسيرة في قطاعات الاتصالات والتعدين شملت دولاً مثل كوريا الشمالية وباكستان، قال ساويرس لفريق "موني فاي" إن هذا المشروع سيكون آخر مغامراته، وفقاً لتصريحاته آنذاك. أشار إلى أنه نادراً ما يفشل في مشاريعه، داعياً الموظفين إلى إنجاح هذه المغامرة. ليس ساويرس أول ملياردير يصطدم بتعقيدات قطاع الإعلام. فعلى الرغم من امتلاكهم ثروات ضخمة وأفكار طموحة، واجه عدد من الأثرياء تحديات في تشغيل الصحف والقنوات التلفزيونية وحتى مواقع التواصل، سواء بسبب الخسائر أو خلافات على الاستقلالية التحريرية. وتجربة "موني فاي" تبرز مدى صعوبة اختراق المشهد الإعلامي وتحقيق الأرباح في عالم مزدحم بالمنافسين، ويعاني من تقلص فترات الانتباه لدى الجمهور. قال عمر الغزي، أستاذ الإعلام والاتصال في "مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية": "رغم وجود فجوة في السوق لاستقطاب الشباب، لا سيما المهتمين بعالم الأعمال، إلا أن هذا استثمار محفوف بالمخاطر"، مضيفاً: "من الصعب على المنصات الإعلامية الجديدة إيجاد توازن بين الابتكار، وتجنب أن يُنظر إليها على أنها تسعى للفت الانتباه بشكل غير مريح". البحث عن استراتيجية إيرادات بدأت علامات التحول تبرز حين زار ساويرس دبي في مطلع العام الجديد. وبحسب أشخاص حضروا اجتماعاً داخلياً، فاجأ الحضور بمناشدته الصحفيين وآخرين مساعدته في ابتكار استراتيجية إيرادات لـ"موني فاي"، ما أعطى انطباعاً لدى البعض بأنه بعيد عن التفاصيل، أو أنه يواجه أزمة في خطة العمل كان يُفترض بفريقه أن يعالجها مسبقاً. في البداية، عيّن ساويرس شخصيتين متباينتين لإطلاق المشروع. فقد سبق لبيترز أن ترأس قناة "يورونيوز" خلال ملكية ساويرس لها، قبل أن يبيع حصته الكبرى بعد معاناة القناة من الخسائر. في "موني فاي"، كان بيترز يوصف بأنه كان يعمل من خلف الكواليس ولم يتحرك بسرعة كافية في مراحل التأسيس، فيما بدا أن بشر تولى زمام القيادة مع اقتراب موعد الإطلاق، وكان يُنظر إليه داخلياً على أنه المدير الأكثر نشاطاً. هذا التباين أوجد انطباعاً لدى البعض بأن هناك صراعاً داخلياً على السلطة في قلب المشروع. مع ذلك، سادت أجواء حماسية في فترة الإطلاق، مع شعور عام بولادة شيء جديد، وبأن المشروع، رغم مخاطر الدخول إلى بيئة إعلامية قاسية، مدعوم من ملياردير معروف بتواصله مع الجمهور المستهدف من الشباب. انتهى دور بشر الاستشاري مع اقتراب موعد الإطلاق، تاركاً بيترز على رأس الإدارة. عندها، بدا أن ساويرس بدأ يشعر بالقلق من مسار المشروع، وأبدى البعض داخلياً دهشتهم من غياب استراتيجية واضحة لتحقيق الإيرادات من محتوى "موني فاي". تساؤلات بشأن الإنفاق كما بدأت التساؤلات تتصاعد داخلياً بشأن عدد الموظفين الكبير والوتيرة السريعة لإنفاق الأموال. فقد أطلقت "موني فاي" عدة برامج، كل منها بمدير مستقل. ووفقاً لمطلعين، بلغت ميزانية عام 2025 نحو 50 مليون دولار، بعد أن كان ساويرس قد ضخ في المشروع مسبقاً عشرات الملايين. لكن بعد أسابيع قليلة من الإطلاق، بدأ تقليص المشروع وتسريح الموظفين. كانت الصدمة الأكبر من نصيب أولئك الذين انتقلوا إلى الإمارات من الخارج؛ إذ إن متطلبات التأشيرات الصارمة جعلتهم يواجهون احتمال الترحيل إذا لم يعثروا سريعاً على وظيفة بديلة. كارلي رايلي، البالغة من العمر 31 عاماً، انتقلت من نيويورك إلى دبي في بداية نوفمبر 2024 لتقديم البرنامج الرئيسي "موني فاي ديلي"، المختص بالتكنولوجيا والتمويل. عملت لثلاثة أشهر فقط، قبل أن يتم الاستغناء عنها مطلع فبراير. قالت في مقابلة: "كان من الواضح تماماً لأي شخص تحدث مع أي مسؤول أن المشروع لديه تمويل كافٍ لثلاث إلى خمس سنوات". وأضافت: "كانوا يعلمون أن الأمور تحتاج إلى وقت". غادر بيترز منصبه في مطلع العام الجديد، في الوقت نفسه تقريباً الذي نُشرت فيه مقابلته مع ماي ماسك، والدة إيلون ماسك، ضمن سلسلة "آيكونز" على "موني فاي". وحلّت مكانه ابنة ساويرس، لانا، التي كانت تعمل سابقاً كمديرة الاتصالات الرقمية في "كريستيان لوبوتان" ومديرة فنية لدى "كيث". مخاطبة الشباب الباحث عن الثراء جاء التغيير بشخصية أقرب إلى جمهور "موني فاي" المستهدف في دبي. فقد أسس ساويرس هذه المنصة انطلاقاً من فكرة بسيطة: إن الشباب كثيراً ما يسألونه كيف يمكنهم أن يصبحوا أثرياء. قال ساويرس في فيديو على قناة "موني فاي" في يوتيوب: "فكرت، لماذا لا أقدّم أداة أو منصة تمنحهم كل ما يحتاجونه في حزمة واحدة تساعدهم على تحقيق أحلامهم؟". أضاف: "لطالما أحببت أن أرد الجميل للمجتمع، والأفضل أن أقدمه للشباب، للجيل الجديد. هذا كان الدافع". اليوم، تعتمد "موني فاي" في الغالب على محتوى مرئي قصير ونصوص محدودة، في وقت توجه فيه لانا ساويرس المنصة نحو مواضيع التمويل الشخصي، مثل توقيت جني الأرباح في السوق الصاعدة، والفخاخ المالية التي تجعلك فقيراً، وشراء الأحذية الرياضية كاستثمار. قالت في أحد الفيديوهات الحديثة: "التمويل، والأعمال، وريادة الأعمال، يجب أن تكون ممتعة أيضاً".