
حروب الروبوتات المقبلة... للبشر دور الضحايا فقط
إذا أردنا تصور ملامح الحرب العالمية المقبلة، يكفي أن نرصد بتمعن مجريات الأحداث في أوكرانيا.
تماماً كما كانت الحرب الأهلية الإسبانية بمثابة اختبار أولي للقصف الجوي المكثف الذي شهدته الحرب العالمية الثانية بعد سنتين، وكما كشفت "حرب البوير" عن ثغرات تنظيمية في صفوف الجيش البريطاني استجوبت تصحيحها قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى (على رغم أن أوجه قصور جديدة برزت آنذاك). اليوم، توفر لنا الظروف الراهنة فرصة ثمينة لمراقبة الأحداث ورصدها تأهباً لحرب أوروبية تبدو محتومة.
يمكن القول إنها ربما تكون أول حرب "حديثة" في القرن الـ21، الحرب الأولى التي يتجلى فيها استخدام مجموعة متنوعة من التكنولوجيات الجديدة والمتطورة، بما تنطوي عليه من آثار مدمرة.
وبطبيعة الحال، تبقى أبرز هذه التقنيات طائرات "الدرون" (الطائرات المسيرة) لما تتميز به من كلفة منخفضة وكفاءة عالية، ما لم تتعرض إشاراتها للتشويش. ولكن في المتناول أدوات أخرى لا تقل فاعلية، من بينها الهجمات السيبرانية بأنواعها، التي تستهدف شركات ومؤسسات وطنية، وتشنها جهات حكومية، وأذرع غير رسمية مرتبطة بدول، أو حتى عصابات إجرامية يمكن تجنيدها مقابل نصيب من الغنيمة ودعم عسكري.
في الحقيقة، شهدنا في الأعوام الأخيرة حجم الأضرار الجسيمة التي يمكن للهجمات الإلكترونية أن تخلفها في قطاعات حيوية، بدءاً بـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" البريطانية، مروراً بالمصارف، وصولاً إلى متاجر التجزئة أخيراً، إذ لا تقل فتكاً عن أي غارة جوية تقليدية. أما الأسلحة النووية فبالكاد جاء ذكرها في سياق الحرب الروسية - الأوكرانية، في حين تلاشت سريعاً التصورات الأولى التي توقعت اندلاع معارك دبابات ضخمة على غرار "معركة كورسك" [بين القوات الألمانية والسوفياتية قرب مدينة كورسك] إبان الحرب العالمية الثانية.
أما في الحرب الدموية في غزة، فدروس القتال المستقبلي أقل وضوحاً، باستثناء حقيقة واحدة بارزة مفادها أن منظومة "القبة الحديدية" الإسرائيلية [نظام اعتراض صاروخي قصير المدى مصمم لاعتراض وتدمير القذائف والصواريخ قصيرة المدى قبل أن تصل إلى أهدافها] أثبتت فاعلية شبه كاملة في التصدي لهجمات الصواريخ الإيرانية، مما جرد عملياً نظام طهران من قدرته على التهديد. والآن، يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتوفير درع دفاعي مشابهة للولايات المتحدة، في مطلب يمكن تفهمه، لا سيما أن الأميركيين هم من صمموا في الأساس هذه النسخة الدفاعية الإسرائيلية المصغرة.
وهكذا، فإن ملامح الحرب آخذة في التحول. ومن المطمئن أن الحكومة البريطانية تبدو متيقظة للمستجدات على هذا الصعيد.
جون هيلي، وزير الدفاع وأحد وجوه النجاح الهادئة والفاعلة في صفوف حزب العمال البريطاني، أعلن تخصيص مليار جنيه استرليني (1.35 مليار دولار) لتمويل مزيد من الألوية من "محاربي لوحة المفاتيح" والجنود غير البشريين، في مسعى إلى إطلاق ما سماه "شبكة استهداف رقمية جديدة".
سيوجه الجنود على الأرض بشكل أفضل بفضل المعلومات الاستخباراتية التي توفرها الأقمار الاصطناعية وطائرات الاستطلاع والطائرات المسيرة. وسيساعدهم ذلك في تفادي المتفجرات المعادية والتحرك بسرعة لضرب مواقع العدو. وكما حدث مع الطيران قبل قرن من الزمن، فإن الذكاء الاصطناعي – كغيره من الابتكارات – يجد أول تطبيقاته في ساحة الحرب، مما يسرع بدوره في تطوره.
في الواقع، ليس من قبيل المبالغة أن نتخيل عالماً يستبدل فيه بالجنود البشر في ساحة المعركة روبوتات شبيهة بالبشر، تتقاتل في ما بينها تحت أسراب كثيفة من الطائرات المسيرة التي تملأ السماء، فيما تسيطر عليها كلها "أدمغة" عسكرية تعمل بالذكاء الاصطناعي من مواقع تبعد آلاف الأميال. وكما الحال في التجارة والصناعة، سيغدو الإنسان عنصراً فائضاً ومن دون فائدة في حروب المستقبل السيبرانية، لا دور له سوى أن يكون ضحية أو ضمن الخسائر البشرية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على الأرجح، ستكون الحروب المقبلة أشد فتكاً وتدميراً من سابقاتها، إذ إن آلة الحرب الحديثة التي يقودها الذكاء الاصطناعي ستتمتع بقدرة فائقة على تنفيذ عمليات قتالية بكفاءة وسرعة. وهذه الحقيقة تقلل، في الواقع، من أهمية النقاش التقليدي حول حجم الإنفاق العسكري. مثلاً، حتى لو خصصت دولة ما نسبة كبيرة من ناتجها القومي للتسلح، سيذهب ذلك سدى إذا اختارت استراتيجيات غير مناسبة ومنظومات تقليدية متقادمة [بينما قد تتفوق دولة أخرى أنفقت أقل، ولكنها استثمرت بذكاء في تقنيات واستراتيجيات أكثر تأثيراً].
إذا كانت حاملات الطائرات المهيبة من فئة "الملكة إليزابيث" التابعة للبحرية الملكية عاجزة عملياً عن صد أسراب من طائرات "الدرون" الرخيصة القادرة على سحق دفاعاتها، سنجد أنفسنا حينها في موقف لا يقل سذاجة وضعفاً عما جرى عام 1942، عندما التفت القوات اليابانية على أضخم المدافع الساحلية في العالم واقتحمت سنغافورة.
يقول الرئيس ترمب إن درعه الصاروخية المعروفة بـ"القبة الذهبية" ستكلف نحو 175 مليار دولار (ما يساوي 129 مليار جنيه استرليني). إذا صح تقديره، وإذا أثبتت هذه المنظومة الدفاعية جدواها (ولا دليل على ذلك حتى الآن)، فستكون صفقة رابحة.
أخيراً بعد طول انتظار، من المقرر نشر المراجعة الاستراتيجية للدفاع في المملكة المتحدة الإثنين. والحقيقة أن الطريقة التي ننفق بها مواردنا الوطنية الشحيحة على الدفاع لا تقل أهمية عن حجم التمويل الذي توافق عليه الخزانة لهذا الغرض. ومع ذلك يبقى الدرس الأهم الذي تكرره علينا وقائع التاريخ أن منع الحرب وردعها أقل كلفة بأشواط من خوضها فعلاً.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
روسيا تصعد هجماتها وتؤكد أن الحرب في أوكرانيا "قضية وجودية"
أكدت روسيا اليوم الجمعة أن النزاع في أوكرانيا "قضية وجودية" بالنسبة إليها، بعدما شنت هجوماً ضخماً على جارتها ليل أمس الخميس أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص في الأقل، وضعته في إطار "الرد" على هجمات كييف الأخيرة. وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف ضمن مؤتمر صحافي "بالنسبة إلينا إنها قضية وجودية، قضية تتعلق بمصلحتنا الوطنية وأمننا ومستقبلنا ومستقبل أطفالنا وبلدنا". ويتواصل القتال بين الجانبين، فيما يبدو أن محادثات السلام التي أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب إطلاقها خلال الأشهر الأخيرة، وصلت إلى طريق مسدود. زيلينسكي يدعو إلى الضغط على روسيا وخلال ليل أمس صدرت تحذيرات من غارات جوية في مختلف أنحاء أوكرانيا، خصوصاً غرب البلاد بعيداً من الجبهة. وقالت كسينيا إحدى سكان كييف لوكالة الصحافة الفرنسية أمام مبنى سكني أصيب بشدة جراء الهجوم، "سمعنا صوت مسيرة تقترب ثم دوى انفجار". وداخل كييف، أفادت حصيلة محدثة من جهاز الطوارئ الأوكراني بمقتل ثلاثة عمال إنقاذ جراء الضربات وجرح 23 شخصاً، بينهم 14 مسعفاً. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال خلال وقت سابق إن 49 شخصاً في الأقل جُرحوا داخل البلاد. وكتب زيلينسكي على مواقع التواصل الاجتماعي "يجب محاسبة روسيا. منذ الدقائق الأولى لهذه الحرب، قصفت مدناُ وقرى لتدمير أرواح"، مضيفاً "الآن هو وقت يمكن فيه لأميركا وأوروبا والعالم وقف هذه الحرب من خلال الضغط على روسيا". ومنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا خلال فبراير (شباط) 2022، يتسبب القصف الروسي في مقتل مدنيين بصورة شبه يومية. وأشار زيلينسكي إلى أن القصف الروسي طال تسع مناطق، هي فولين ولفيف وترنوبل وكييف وسومي وبولتافا وتشيركاسي وتشيرنيهيف وخميلنيتسكي. أوكرانيا تستهدف قاعدتين جويتين روسيتين ووفق سلاح الجو الأوكراني تعرضت البلاد لهجوم بـ407 مسيرات هجومية وتمويهية، إضافة إلى 45 صاروخاً. وأضاف المصدر أن الدفاعات الأوكرانية تمكنت من تحييد 199 مسيرة و36 صاروخاً، مشيراً إلى أن 13 موقعاً أصيبت إثر القصف، فيما أصيب 19 موقعاً آخر بحطام متساقط جراء الاعتراض. من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية ضمن بيان إنها استهدفت مواقع عسكرية أوكرانية، "رداً" على الهجمات "الإرهابية" الأخيرة التي نفذتها كييف. وتوعدت روسيا خلال الأيام الأخيرة بالرد على الهجوم الذي شنته أوكرانيا نهاية الأسبوع الماضي ضد قاذفات روسية، على مسافة آلاف الكيلومترات من حدودها. كذلك، اتهمت موسكو كييف الثلاثاء الماضي بالوقوف وراء تفجيرات طاولت جسوراً في مناطق محاذية للحدود نهاية الأسبوع الماضي، وتسببت بخروج قطار ركاب وقطار شحن وقطار مراقبة عن السكة، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص، معتبرة أن هدفها تقويض محادثات السلام بين البلدين. وبعدها بأقل من أسبوع، أكد الجيش الأوكراني اليوم أنه قصف "بنجاح" قاعدتين جويتين أخريين داخل روسيا خلال ليل أمس في منطقتي ساراتوف وريازان، موضحاً أنه أصاب مستودعات وقود. وأعلن الجيش الروسي ليل أمس تحييد 174 مسيرة أوكرانية أطلقت باتجاه روسيا. وأغلقت موقتاً ثلاث مطارات داخل موسكو، وفق ما أفادت وكالة النقل الجوي التي رفعت بعد ذلك القيود على حركة الملاحة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) المحادثات في طريق مسدود يشي تصعيد المعارك بابتعاد احتمالات التهدئة بعد أكثر من ثلاثة أعوام على بدء الحرب، على رغم دعوات أوكرانيا والغرب إلى وقف فوري لإطلاق النار وضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإجراء مفاوضات وإنهاء الحرب. وباتت روسيا تسيطر على نحو 20 في المئة من أراضي أوكرانيا، من بينها شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014. ولم تتح جولتا مفاوضات في إسطنبول تقريب وجهات النظر في شأن التوصل إلى هدنة، تدفع إليها واشنطن. وخلال الاجتماع الثاني الذي عقد الإثنين الماضي بوساطة تركية، قدم الوفد الروسي قائمة مطالب للأوكرانيين تشمل "انسحاباً كاملاً" للجيش الأوكراني من أربع مناطق أعلنت موسكو ضمها، وبـ"حياد" أوكرانيا الراغبة في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وندد زيلينسكي أول من أمس الأربعاء بهذه الشروط، معتبراً أنها "إملاءات" غير مقبولة. وطالب المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال زيارته واشنطن أمس بممارسة "مزيد من الضغط على روسيا". ولم تؤد الجهود الدبلوماسية سوى إلى الإعلان عن أن أوكرانيا وروسيا ستجريان نهاية هذا الأسبوع عملية تبادل جديدة لـ500 أسير حرب من كل جانب، بعدما سبق أن تبادلتا ألف أسير من كل جانب خلال مايو (أيار) الماضي. كذلك اتفقت كييف وموسكو على تبادل جثث آلاف العسكريين.


صحيفة مكة
منذ 4 ساعات
- صحيفة مكة
إليزه سميردجيان وبقايا النساء في التطهير الأرمني
في كتابها «بقايا» Remnants الفائز بجائزة AMEWS للكتاب للعام 2024، تقدم الباحثة والناشطة الأمريكية الأرمنية إليزه سيميردجيان Elyse Semerdjian ونشرت جامعة ستانفورد، دراسة من الطراز الأول لقصة الإبادة الجماعية التي اقترفتها تركيا في الشعب الأرمني في بداية القرن العشرين. وهي باحثة لم تألُ جهدا تقدم مقارنات ودراسات بين الشعبين الأرمني والفلسطيني عاقدة لأوجه الشبه بين السياسة التركية العثمانية آنذاك والإسرائيلية اليوم. وهذا الكتاب الذي فاز بالمركز الأول بجدارة وبإجماع لجنة المسابقة مستحق منذ الصفحة الأولى التي تركتني أرتعش وأنا أقرأه حتى اتخذت لي وقتا ومكانا أكثر تركيزا يمكنني أن أقرأ فيه وأضع ملاحظاتي وقراءتي وتقييمي وأنا متمكنة من السيطرة على مشاعر الألم والغضب والهول الذي كان يجتاحني وأنا أعبر صفحاته. أول ما يقابلك في الكتاب صورة الغلاف الذي ملأ صفحته وجه امرأة موشومة الذقن ونقاط محددة على خديها، أنفها، جبينها وما بين حاجبيها في ضباب أسود يلف بقية الوجه، ونظرة حادة تخترق عدسة المصور إلى من يقف قبالتها تحمل ألم وقهر وتحدٍ. هذه الصورة هي بداية إحدى قصص هذا الكتاب، إحدى نسائه وضحاياه اللاتي وصمن بالوشم. قصة الإبادة الأرمنية تعود في بداياتها إلى نهاية القرن التاسع عشر حين تعرض الأرمن بعد عدة مطالبات للدولة العثمانية بتحسين أوضاعهم المعيشية وحمايتهم من تسلط الجباة عليهم وما يتعرضون له من اعتداءات وسرقة وغيرها وأن يعترفوا بمواطنتهم لا سيما في الفترات الدستورية اللاحقة وعلى الرغم من الوعود إلا أنهم تعرضوا لعدد من المجازر التي أطلق فيها العثمانيون يد الأكراد في الأرمن يقتلون كيف يشاؤون، فيما يعرف بالخيالة الحميدية، والتي كانت جزءا من سياسة الدولة في تسليط القوميات بعضها على بعض، والتي وقع أكبرها بين عامي 1895-1896. كان جزءا من التسبب فيما يعرف بالمسألة الأرمنية هي سياسة التتريك القومية التي تلت الانقلاب الدستوري عام 1908 والذي تفاءلت به كل الأقليات الذمية، لكن العام الذي تلاه 1909 شهد انقلابا مضادا وإثنيا بدأ بمجزرة في أضنة، ومن ثم تحولت إلى سياسة ممنهجة لطرد كامل الشعب الأرمني من الأراضي التركية الشرقية بحلول عامي 1915-16 بعد أن تم التخلص من الإثنية اليونانية ثم تلا الأرمن قوميات مسيحية أخرى كالآشوريين وحتى مسلمين كالأكراد. كان هذا التحرك جزءا من استعدادات الدولة العثمانية لخوض الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا ضد روسيا إلى الشرق منها وبريطانيا على حدودها الغربية. ومن ذلك كان إعلان النفير العام (سفر برلك) والتعبئة العامة في كل الولايات العثمانية والتي فرضت الخدمة العسكرية الإجبارية على كل الشباب المسلمين وغير المسلمين بين 15 و45 عاما دون أي تجهيز، وهُجّر بسببها عشرات الآلاف من العراق ومصر وسوريا وفلسطين والمدينة المنورة ابتداء من يوليو 1914 إلى الحدود التركية الروسية وغيرها من خطوط المواجهات حيث قتل معظمهم تحت الانهيارات الثلجية والبحيرات المتجمدة. لكن الأرمن كان مصيرهم مختلفا وقررت الدولة التخلص منهم للخوف من أن يساندوا روسيا أو أرمينيا الروسية فكان بداية العقاب الجماعي من يوم 15 أبريل من عام 1915 حين نقلوا مئات من المثقفين الأرمن من إسطنبول إلى أنقرة حيث تم إعدامهم جميعا، ثم بدأت ما عرفت بمسيرة الموت لمئات الألوف من النساء والأطفال والشيوخ عبر بادية الشام إلى دير الزور من عينتاب ووان وأورفا ومنبج ورأس العين وغيرها وبمرافقة الجنود العثمانيين بعد أن جردوهم من أملاكهم وأموالهم وملابسهم، وهدموا مئات من الدور والكنائس وصادروا أملاكها، واضطروهم للمشي لمئات الكيلومترات في وسط الصحراء دون طعام أو شراب، وفي كثير من الأحيان دون ملابس، مما أدى إلى أن يقضى الآلاف في الطريق ويُتركوا دون دفن ولا توديع، أو يتعرضوا للنهب والخطف والقتل أو القضاء جوعا وعطشا وهم يسيرون دون أي حماية بعد أن فرقوا بين النساء والرجال. رحّل الجنود العثمانيون حوالي 800,000 أرمني وأرقام ترفعها إلى مليون ومائتي ألف، من دورهم وقراهم خلال ايام باتجاه الجنوب الغربي منها ما استغرق أياما ومنها شهورا. كانت قصص من نجا مخيفة وبشعة، فيها قتل وتجويع وتعذيب وإذلال. لم تكن إليزه سيميردجيان في صدد تقديم سرد تاريخي للمذابح الأرمنية على يد الدولة العثمانية وجمعية الاتحاد والترقي وفظائعها فقد تولت آلاف الدراسات هذا الأمر، وإنما في صدد الحفر في الذاكرة الأرمنية بحثا عن صوت غاب أو صورة محيت أو شعور طمس. كانت الكاتبة مهمومة بقص القصة الداخلية للنساء، المشاعر المجهولة والممنوعة، دواخلهن وآلامهن، عارهن وحروبهن. كانت تسعى إلى توضيح كيف أثّر الجندر (الجنوسة) والنظام الأبوي والجسد على التفكير الإبادي وإلى تسليط الضوء على أثر الاختطاف والأسلمة والاستعباد الجنسي على العدوان الإبادي ضد الجسد الأرمني الفردي والجماعي. فيشهد جسد الأرمن وجلدهم وعظامهم على الصدمة وكذلك على الذاكرة المحفورة في الجسد. أرادت أن تعلي من صوت الضحايا مستخدمة الأرشيف كدليلها على الجريمة، والذي بدوره استخدم كأداة لبناء الدولة التي تمحو الآثار الاجتماعية والنفسية لكيفية تعرض الرعايا العثمانيين للإبادة الجماعية. وقد قسمت إليزه سيميردجيان Elyse Semerdjian كتاب «بقايا» الأرشيف المجسد للإبادة الأرمنية، إلى ثلاثٍ من مظاهر الجسم وهي الجسد، البشرة، والعظام مؤجلة تناول الدم إلى وقت آخر. ثم تقسمها إلى تسع «بقايا» تتكون من قصص قاسية، مثل بقايا قصة الرقصة التي أدتها ثلاثون عروسا أمام أزواجهن عرايا تحت السلاح الذي يطلب منهن الرقص حتى الموت من العار والذل أمام رجالهن المكبلين وفي وسط ساحة القرية حيث كن يزفون، حيث يصبح العار جزءا من الإبادة وسلاحا ماضيا. بقايا رقم اثنين كانت عن الفتيات الأرمنيات داخل البيوت العربية اللاتي إما خُطفن أو ضُممن إليها وتزوجن من رجالهن أو استعبدن. بقايا متعددة تتناول الجسد بكل تفاصيله وقد تحول إلى خارطة لإخضاع الأرمني وتجريده من كل ما يمكن أن يعتبر إرثا يقوم عليه مجتمعه وذاكرته، عزته وشرفه، سواء كان امرأة أو رجلا. تتحدث عن عملية الخطف الممنهج والتعذيب الذي تعرضت له الفتيات الأرمنيات ومن ثم أسلمتهن ومزجهن مع أسرهن العربية الجديدة بعد محو ذاكرتهن بكل الوسائل. الأسلمة كانت تجري أيضا على الرجال المجندين والعاملين عندما يعجزون عن قتلهم، يأمروهم باعتناق الإسلام والختان. كانت هناك محاولات مقاومة وإنقاذ خلال تلك الفترة لكنها كانت صعبة وتصل متأخرة. وصعّبت الحرب من الوصول إلى سوريا فضلا عن التواطؤ الذي حدث بين الدولة العثمانية وألمانيا القيصرية التي كان عمالها ومهندسوها منتشرين في الصحراء السورية يمدون سكة الحديد الممتدة إلى الحجاز شهودا على ما يجري. وكان منهم من غذى العثمانيين بكل الأفكار الجهنمية في عملية الإبادة مما أتقنوه في أول إبادة اقترفوها في التاريخ في ناميبيا بجنوب غرب إفريقيا لشعوب الهيريرو وناما وأوفاهيرو والبوشمن بين عامي 1904 و1908. وكما فعل الألمان في ناميبيا، فقد اعتمدت الحكومة العثمانية الإذلال الجنسي كوسيلة من وسائل التخويف للنساء والرجال، ليس فقط بالاغتصاب بل بالبغاء القسري والزواج بالإكراه وبالبيع في سوق النخاسة وتشويه أعضائهن الجنسية، بدءا من بنات المدينة من الطبقة المثقفة والمخملية وانتهاء بنساء القرى والأرياف. لم يكن هناك استثناء. كانت هناك محاولات حثيثة من عدد من المنظمات الأرمنية في الخارج للبحث عمن نجا وتبقى من التطهير العرقي الذي عانى منه الأرمن وبحث عن مآلاتهم خاصة بعد الحرب العالمية الأولى، منها ما نجح في إنقاذ بضع مئات من الفتيات والفتيان وتم ضمهم إلى ملاجئ خاصة بالمسيحيين في حلب وإسطنبول وطرابلس وبيروت، وبعضهم وصل الرقة والموصل، لكن المسألة لم تكن بهذه السهولة وقد غُمرت قصة الإبادة بكثير من التغمية والسرية فضلا عن الإنكار وتحوير الأهداف وكأنها لم تكن عملية مبيتة بليل. وقد انتهى المقام بآلاف الفتيات في البيوت العربية وقد تغيرت أسماؤهن ومعالمهن، وتزوجن وأنجبن واندمجن في المجتمع العربي المسلم، وأصبح الكثير من الأرمن نتاجا لزواجات مختلطة مما أدى إلى كثير من التوتر في العلاقات العربية الأرمنية لسنوات طويلة ومضت السنوات وغدا من الصعوبة بمكان أن تجد الأسر بعضها البعض وقد تفرقت في البلاد. كان هناك الكثير من التفاصيل المؤلمة والخسارات الفادحة. استعرضت إليزه في تتبعها لسيرة جدتها في مسيرة الصحراء حتى وصلت إلى حلب قصص أجساد النساء التي أصبحت ساحة قتال لا تنتصر فيها النساء. تعريتهن كانت بغرض تجريد النسيج الاجتماعي من كرامته وعزته بكل صوره. كان الهدف هو نزع الصفة الإنسانية عن الأرمن بكل الوسائل، كان التجريد من الملابس إحدى هذه الوسائل الناجحة، والتي كانت المسمار الأخير في نعش النظام الاجتماعي وتفكيكه. لتتحول بعد ذلك للحديث عن ملامح بشرة النساء وجلودهن وكيف غدت بدورها ساحة لعلامات الإذلال بتحويل الوشوم إلى لغة للنخاسين تكسو النساء الأرمنيات بالعار مدى الحياة، فمن الوشم ما كان علامة لهوية قبائل ومنها ما كان علامة للنساء اللاتي استعبدن. لكن القصة لم تنته هنا فقد كانت هناك مقاومة وذاكرة وخيوط تصل أطراف القصص ببعضها البعض، ولتتعرف الأسر على بعض بناتها وأخوتها، وفي بعض الأحيان كانت طريقة لحماية هذه الفتيات من الجنود الأتراك الذين كانوا لا يزالون يبحثون عن أي ناجيات. وبصورة عامة فإن دلالات الوشوم ما زالت تخضع لدراسات مطولة لتصل إلى قاعها ودلالاتها الحقيقية. أما الجزء الثالث والخاص بالعظام، فقد تحولت كل الطرق المؤدية إلى دير الزور إلى طرق حج للأرمن اليوم، طريق راس العين - حلب - دير الزور أو راس العين - الحسكة - مارغادا وإلى دير الزور، يصلون في نهايته إلى كنيسة الشهيد المقدس في دير الزور، التي فجرها إرهاب داعش عام 2014 بدعوى التقوى. وقد ضمت هذه الكنيسة رفات الكثير من الأرمن ممن جمعت عظامهم من الصحراء، وممن وصلوا المدينة وعاشوا فيها، مستذكرين معاناتهم وتضحياتهم. هذا الجزء تناول أيضا تتبع آثار العظام. وقد أصبحت طقوس الدعاء لشهداء الإبادة طقوسا مرتبطة بتقديس العظام البشرية بشكل مخيف حقا فضلا عن تحول الصحراء إلى مزارات للمجهولين ممن عثر على جماجمهم متناثرة في كل مكان. وتحول يوم 24 أبريل إلى يوم خاص بالمجزرة يحتفي بذكراه الأرمن في كل مكان وتقام القداسات في كنيسة دير الزور وكنيسة مارغادا على الخابور لإحياء الدعاء لأرواح الشهداء. بعد مرور قرن على هذه الجريمة ما زالت تركيا الحديثة لم تعترف بها بعد ولم تعتذر للشعب الأرمني عنها، تنكر وتخفي الكثير من الوثائق التي يبحث عنها الشعب الأرمني لاستعادة أوصاله فضلا عن استحقاقاته المعنوية والمادية التي صادرتها الدولة العثمانية وأدخلتها في خزينتها. لم تكن قراءة هذا الكتاب سهلة بأي حال كما أنها لم تكن كتابة سهلة بالتأكيد، وهو حال آلام الشعوب التي لا يبقى لها من القدرة على المقاومة سوى رفع القلم وتوثيق ما يمكن توثيقه ليبقى صامدا أمام التاريخ وشاهدا لا شهيدا فحسب.


Independent عربية
منذ 7 ساعات
- Independent عربية
بيانات أميركية ضعيفة تقود الذهب إلى جني مكاسب أسبوعية
ارتفعت أسعار الذهب اليوم الجمعة متجهة صوب مكاسب أسبوعية، بعد بيانات اقتصادية أميركية ضعيفة وتفاؤل أولي تجاه الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جينبينغ، في وقت يترقب فيه المستثمرون صدور تقرير التوظيف في الولايات المتحدة. وصعد الذهب في المعاملات الفورية 0.3 في المئة إلى 3363.33 دولار للأونصة، وزاد المعدن 2.3 في المئة خلال الأسبوع حتى الآن، وارتفعت أيضاً العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.4 في المئة إلى 3387 دولاراً. وأجرى الرئيس الأميركي دونالد ترمب مكالمة هاتفية نادرة مع نظيره الصيني شي جينبينغ أمس الخميس تطرقا خلالها إلى التوتر التجاري المتصاعد والنزاع حول المعادن المهمة، إلا أن القضايا الرئيسة لم تحل بعد. وقال كبير محللي السوق لدى "كيه سي إم تريد" تيم ووترر، "بدأ بعض الحماسة الأولية للإقبال على المخاطرة بعد اتصال ترمب وشي في الانحسار، مما أتاح مجالاً للذهب للارتفاع تدريجاً". وزاد عدد الأميركيين المتقدمين بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة إلى أعلى مستوى في سبعة أشهر الأسبوع الماضي. ويترقب المستثمرون الآن تقرير الوظائف في القطاعات غير الزراعية الأميركية المقرر صدوره في وقت لاحق اليوم، بعد سلسلة من البيانات على مدار الأسبوع تسلط الضوء على تباطؤ سوق العمل. وتوقع اقتصاديون استطلعت "رويترز" آراءهم زيادة الوظائف غير الزراعية بمقدار 130 ألف وظيفة في مايو (أيار)، في حين من المتوقع أن يظل معدل البطالة ثابتاً عند 4.2 في المئة. في الوقت نفسه، قال صناع السياسات في مجلس الاحتياط الاتحادي أمس الخميس إن التضخم لا يزال مصدر قلق أكبر مقارنة مع تباطؤ سوق العمل، مما يشير إلى الإبقاء على السياسة النقدية الحالية لفترة أطول. وينظر للذهب على أنه أحد أصول الملاذ الآمن، وعادة ما يرتفع في أوقات الضبابية الاقتصادية وفي بيئات أسعار الفائدة المنخفضة. خسارة أسبوعية للدولار يتجه الدولار نحو خسارة أسبوعية اليوم متأثراً بمؤشرات على تراجع الاقتصاد الأميركي، وبلغ اليورو في أحدث تعاملات 1.1436 دولار بعد ارتفاع العملة الموحدة إلى أعلى مستوى لها في شهر ونصف شهر في الجلسة السابقة عقب خطاب يميل للتشديد النقدي للبنك المركزي الأوروبي في ختام اجتماعه في شأن السياسة النقدية. وقال رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي لدى "مونكس أوروبا" نيك ريس، "نميل إلى التعامل مع اتجاه لاغارد للتشديد بدرجة من الحذر، وإن كنا لا نرى أن توقعاتنا السابقة لسعر الفائدة النهائي عند 1.50 في المئة هي النتيجة الأكثر ترجيحاً". ويتوقع ريس خفضاً آخر لسعر الفائدة في سبتمبر (أيلول) لتصل الفائدة على الودائع إلى 1.75 في المئة، ولم يطرأ على الجنيه الاسترليني تغير يذكر عند 1.3576 دولار بعد تسجيل أعلى مستوياته في أكثر من ثلاث سنوات في الجلسة الماضية ويتجه لتحقيق مكاسب 0.9 في المئة هذا الأسبوع، وانخفض الين 0.27 في المئة إلى 143.93 في مقابل الدولار. كانت معظم العملات ارتفعت في مقابل الدولار في وقت متأخر من الأمس بدعم أنباء عن حديث ترمب والرئيس الصيني في اتصال هاتفي استمر أكثر من ساعة، قبل أن تقلص بعض مكاسبها. وارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية في مقابل سلة من العملات، ارتفاعاً طفيفاً إلى 98.85، ويتجه نحو تكبد خسارة أسبوعية 0.6 في المئة. وهبط الدولار الأسترالي 0.16 في المئة إلى 0.6497 دولار، ويتجه لتحقيق مكسب أسبوعي 1.1 في المئة، وصعد الدولار النيوزيلندي 0.03 في المئة إلى 0.6040 دولار وفي طريقه لتحقيق مكسب أسبوعي 1.1 في المئة أيضاً. وبالنسبة إلى العملات المشفرة، ارتفعت "بيتكوين" 2.4 في المئة إلى 102905 دولارات، متعافية من تسجيل أدنى مستوياتها في شهر خلال جلسة أمس الخميس، وبالمثل ارتفعت عملة "إيثر" 2.3 في المئة إلى 2453.54 دولار. هدوء الأسهم الأوروبية لم يطرأ تغير يذكر على الأسهم الأوروبية اليوم، في وقت يحجم فيه المستثمرون عن الرهانات الكبيرة قبل صدور تقرير التوظيف المهم في الولايات المتحدة، وسط استمرار التوتر التجاري الذي يفاقم حالة الضبابية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) واستقر المؤشر الأوروبي "ستوكس 600" عند 551.9 نقطة، إلا أنه يتجه لمكاسب للأسبوع الثاني على التوالي إذا استمر غياب العوامل المؤثرة. وتراجع سهما شركتي "أديداس" و"بوما" لتجارة الملابس الرياضية بالتجزئة بواحد في المئة و1.5 في المئة على الترتيب، بعد أن خفضت شركة "لولوليمون أثليتيكا" توقعاتها للأرباح السنوية. صعود في السوق اليابانية ارتفع المؤشر الياباني "نيكاي" اليوم بعدما أدى تراجع الين إلى ارتفاع المعنويات، في حين تراجعت المخاوف في شأن التوتر التجاري بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي ونظيره الصيني، وصعد "نيكاي" 0.5 في المئة إلى 37741.61 نقطة، لكنه هبط واحداً في المئة خلال الأسبوع. وزاد المؤشر الأوسع نطاقاً "توبكس" 0.47 في المئة إلى 2769.33 نقطة، مع تكبد خسارة أسبوعية بلغت 1.6 في المئة. وقال ناوكي فوجيوارا، وهو من كبار مديري الصناديق في شينكين أست مانجمنت، "يبدو أن المحادثات المرتبطة بالتجارة انتهت بسلام، وأرسل ذلك إشارة إيجابية إلى السوق". وارتفع سهما "طوكيو إلكترون" و"أدفانتست"، اللتين تتمتعان بثقل في ما يتعلق بتصنيع الرقائق، 1.28 و2.23 في المئة على الترتيب. وصعدت أسهم شركات تصنيع السيارات، إذ تقدم سهما "هوندا موتور" و"نيسان موتور" 1.3 في المئة و1.27 في المئة على الترتيب، في حين زاد سهم "تويوتا موتور" 0.06 في المئة.