logo
تفجير كنيسة مار إلياس: قصور الأجهزة الأمنية

تفجير كنيسة مار إلياس: قصور الأجهزة الأمنية

القدس العربي منذ 16 ساعات

كشف تفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق، مساء الأحد الماضي، عن هشاشة البنية الأمنية للإدارة السورية الجديدة، وعن ارتباك واضح في التعاطي مع الأزمة. فقد سارعت السلطات إلى نسب العملية إلى تنظيم 'الدولة الإسلامية' من دون تقديم أدلة كافية في البداية، ما أثار تساؤلات حول مصداقية الرواية الرسمية.
وأظهرت إدارة مسرح الجريمة ضعفاً في الخبرة الجنائية، إذ سُمح لعشرات الصحافيين وأفراد الدفاع المدني والأهالي بدخول الكنيسة، في خرق واضح لإجراءات حفظ الأدلة. كما تحول الموقع إلى منصة لقاءات رمزية لرجال دين ومسؤولين سوريين توافدوا للمعاينة والتضامن، في مشهد بدا أقرب إلى العرض السياسي منه إلى التحقيق المهني.
الأكثر إثارة للقلق كان قرار تنظيف الكنيسة وإزالة الحطام بعد ساعات قليلة من التفجير، وهو ما يعكس إهمالاً في التعامل مع الأدلة المادية الحاسمة. هذا الإخفاق ليس مجرد عثرة إجرائية، بل هو مؤشر على تحديات أعمق تواجه الجهاز الأمني السوري، من نقص الكوادر المؤهلة وغياب التنظيم المؤسسي.
في سياق منفصل، أصدرت وزارة الخارجية السورية بيان تعزية وتضامن حول التفجير عوضاً عن رئاسة الجمهورية التي تأخرت في إصدار بيانها إلى ظهر اليوم التالي، وكحال أغلب البيانات الرسمية، تجنبت الترحم على قتلى التفجير الأليم أو وصفهم بالشهداء. وهو ما فتح سجالاً جديداً بين الموالين للإدارة وداعميها وبين منتقديها. إلا أن السلطات السورية فشلت في أن تجد مخرجاً لقضية القتلى المصلين في الكنيسة الدمشقية.
الرواية الرسمية
الثلاثاء الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، في مؤتمر صحافي، إن قوات الأمن السورية التابعة لوزارة الداخلية، وبمشاركة جهاز الاستخبارات، نفذت عملية أمنية في عدة مناطق بريف دمشق، استهدفت من خلالها مواقع الخلية الإرهابية التي نفذت عملية تفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق العاصمة، مساء الأحد الماضي.
وأوضح المتحدث أن أحد أعضاء الخلية، ممن أُلقي القبض عليهم، أدلى خلال التحقيقات بمعلومات عن باقي أعضاء الخلية وأماكن تواجدهم وأوكارهم، ما أسهم في تنفيذ سلسلة من العمليات الأمنية اللاحقة التي مكّنت قوات الأمن من إلقاء القبض على جميع المتورطين، ومصادرة أسلحتهم والمتفجرات التي بحوزتهم.
وأشار البابا إلى أن الخلية المتهمة بالتفجير تابعة لتنظيم 'داعش' الإرهابي، ولا تمت بصلة إلى أي جهة دعوية إسلامية، لافتاً إلى أن أعضاء الخلية قدموا من مخيم الهول. وأكد أن وزارة الداخلية تعمل على مسارات أمنية واجتماعية متوازية، لمواجهة محاولات خلايا 'داعش' لزعزعة الأمن والاستقرار المحلي، وضرب السلم الأهلي في سوريا.
وحول زعيم الخلية، قال البابا إن محمد عبد الإله الجميلي، الملقب بـ'أبو عماد الجميلي'، من منطقة الحجر الأسود بريف دمشق، ويعرف بأنه 'والي الصحراء' خلال وجود وانتشار تنظيم 'داعش'. وأضاف المتحدث أن عملية الكشف عن الخلية تمت في وقت قياسي عبر 'تقاطع معلومات المصادر الميدانية مع الأدلة التقنية المتوفرة، ومن خلالها تم تحديد هوية مشتبه به، هو من أوصل الانتحاري الأول إلى الكنيسة، ثم تحديد مكان وجوده، على إثر ذلك، توجهت قوات المهام الخاصة لتوقيفه، وخلال ذلك تبين وجود شخص آخر معه، فحصل اشتباك ناري أدى إلى تحييد سائق الدراجة النارية، وإصابة الشخص الثاني. كما تبين أن السائق هو الذي أوصل الانتحاري الأول إلى الكنيسة، وكان بصدد إيصال انتحاري ثانٍ إلى مقام السيدة زينب'.
وكانت وزارة الصحة في الحكومة السورية قد أعلنت عن مقتل 22 شخصاً، وإصابة 59 آخرين في تفجير نفذه 'إرهابي' داخل كنيسة مار إلياس في الدويلعة مساء الأحد، خلال إقامة أكثر من 200 شخص صلاتهم في الكنيسة. وحسب أحد شهود العيان، فإن شخصاً دخل إلى الكنيسة وبدأ بإطلاق النار بشكل عشوائي، وعند محاولة الحضور إيقافه ومواجهته، فجر حزاماً ناسفاً كان يرتديه، ما تسبب في مقتل أكثر من 15 شخصاً على الفور وإصابة عدد كبير من المصلين في الكنيسة.
بدورها، عقب التفجير، قالت وزارة الداخلية السورية في بيان لها إن 'انتحارياً يتبع تنظيم داعش، دخل إلى كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق، وبدأ بإطلاق النار، ثم فجر نفسه بواسطة سترة ناسفة'.
وتبع بيان الداخلية بيان آخر على لسان وزير الداخلية، أنس خطاب، قال فيه إن 'الأعمال الإرهابية لن تثني جهود الدولة في تحقيق وإرساء السلم الأهلي، ولن تثني السوريين عن خيارهم في وحدة الصف في مواجهة كل من يسعى إلى العبث باستقرارهم وأمنهم'.
'سرايا أنصار السنة' والرواية الموازية
بموازاة ذلك، وعقب بيانات الحكومة السورية المشيرة إلى أن تنظيم 'الدولة' يقف خلف التفجير، تبنى تنظيم 'سرايا أنصار السنة' التفجير عبر بيان نشره على معرفه في 'تلغرام'، وجاء في البيان أن التنظيم استهدف مار إلياس عقب استفزاز مما وصفهم البيان بـ 'نصارى دمشق'، في 'حق الدعوة وأهل الملة، استفزازاً جاوز التلميح إلى التصريح، وتعدى الهزل إلى الجد، حيث تطاولوا فيه على أصول الدعوة'. وحسب بيان 'السرايا'، فإن منفذ التفجير هو محمد زين العابدين أبو عثمان، لكن البيان لم ينشر صورة للمهاجم أو يذكر هويته، إضافة إلى أنه من غير المعروف إذا كان الاسم حقيقياً أم حركياً، كما هي عادة التنظيمات الجهادية التي تستخدم ألقاباً مستعارة.
الجدير بالذكر أن تنظيم 'سرايا أنصار السنة' بدأ بالظهور بداية شباط (فبراير) الماضي، من خلال بيانات وإصدارات يبثها على قناة تعرف باسمه على 'تلغرام'، حيث بدأ التنظيم بنشر بياناته المتوعدة للطائفة العلوية في مناطقها في سوريا بالقتل والاستهداف، تزامناً مع أحداث الساحل السوري. في آذار (مارس) الماضي، تبنى التنظيم عمليات قتل استهدفت مدنيين سوريين من الطائفة العلوية، كما حملت بياناته تهديداً ووعيداً لطائفة الموحدين الدروز، مع اتهامات لرئيس الفترة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع بالعمالة والخيانة.
وكان 'سرايا أنصار السنة' قد تبنى خلال شهر رمضان 25 عملية، منها قتل وحرق وتخريب بحق أشخاص ينتمون إلى الطائفة العلوية في الساحل السوري. وتبنى الثلاثاء، خطف وقتل المهندس محمود غصة، ووصف، على حسابه على 'تلغرام'، القتيل بأنه 'مرتد' وينتمي إلى 'الطائفة المرشدية المستهدفة'، حسب 'السرايا'.
اللافت في إعلام 'أنصار السنة' أنه لا يتوقف عن السخرية من الرئيس الشرع، الذي ما زال يصفه بلقبه القديم 'الجولاني'، وهو بخلاف الخطاب المعتاد للجماعات الجهادية، إضافة إلى مشاركة أخبار من مصادر إخبارية عديمة الموثوقية. وفوق ذلك، فإن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في صياغة البيانات والفتاوى واضح.
ويتزعم التنظيم، حسب ما تورده قناته على 'تلغرام'، شخص يُدعى 'أبو عائشة الشامي'، ويتولى زعامة الجانب الشرعي فيه 'أبو الفتح الشامي'، كما تدعو القناة، المنشأة نهاية كانون الثاني (يناير)، الراغبين في الانتساب إلى التنظيم إلى مراسلتهم عبر 'تلغرام'.
تحديات أمنية
تواجه المؤسسة الأمنية السورية تحديات كثيرة، تتراوح بين فلول النظام السابق، وخلايا إيران، وتنظيم 'الدولة الإسلامية'، وعناصر متشددين سابقين من هيئة 'تحرير الشام' القادرين على تجميع أنفسهم في تنظيمات جهادية صغيرة معادية لتوجهات قيادتهم السابقة (القيادة السورية الجديدة).
ورغم محاولات هيكلة الإدارات الأمنية في وزارة الداخلية والاستخبارات العامة، فإن نقص الكوادر والخبرة والتنظيم يهدد بنية المؤسسة الأمنية وفاعليتها، كما أن الانغلاق على الذات لا يكفي لبناء مؤسسة أمنية ذات كفاءة. هنا، يتعين على الإدارة الأمنية الانفتاح على أصحاب الاختصاص من السوريين والاستعانة بالمنشقين بشكل عاجل، وتوظيف الكوادر التقنية والهندسية والمتخصصين في أمن المعلومات والاتصالات من السوريين. كما ينبغي الاستعانة بالدول العربية الصديقة وتركيا لبناء جهاز أمني وتدريب الكوادر وابتعاثها إلى الأكاديميات الأمنية في دول الجوار، وتفعيل أكاديمية العلوم الأمنية السورية التي أنشأها النظام سابقاً في جوار إدارة المخابرات العامة في كفرسوسة بدمشق، وضم عشرات الضباط المهندسين العسكريين إلى القطاعات حسب الاختصاص.
كما أن التعاون الرسمي والمباشر مع 'التحالف الدولي لمحاربة داعش' وتنسيق الجهود معه سيخفف من أخطار تنظيم 'الدولة'، الذي هجر البادية وأصبحت المدن مركز نشاطه، كما هو واضح من الخلايا المتحركة في جنوب دمشق. وتشير التفاصيل التي بثها الإعلام الرسمي إلى أن عناصر التنظيم، على قلتهم، قادرون على رسم خطط تفجيرات متتالية ومركبة تستهدف حتى شخص الرئيس نفسه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تفجير كنيسة مار إلياس: قصور الأجهزة الأمنية
تفجير كنيسة مار إلياس: قصور الأجهزة الأمنية

القدس العربي

timeمنذ 16 ساعات

  • القدس العربي

تفجير كنيسة مار إلياس: قصور الأجهزة الأمنية

كشف تفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق، مساء الأحد الماضي، عن هشاشة البنية الأمنية للإدارة السورية الجديدة، وعن ارتباك واضح في التعاطي مع الأزمة. فقد سارعت السلطات إلى نسب العملية إلى تنظيم 'الدولة الإسلامية' من دون تقديم أدلة كافية في البداية، ما أثار تساؤلات حول مصداقية الرواية الرسمية. وأظهرت إدارة مسرح الجريمة ضعفاً في الخبرة الجنائية، إذ سُمح لعشرات الصحافيين وأفراد الدفاع المدني والأهالي بدخول الكنيسة، في خرق واضح لإجراءات حفظ الأدلة. كما تحول الموقع إلى منصة لقاءات رمزية لرجال دين ومسؤولين سوريين توافدوا للمعاينة والتضامن، في مشهد بدا أقرب إلى العرض السياسي منه إلى التحقيق المهني. الأكثر إثارة للقلق كان قرار تنظيف الكنيسة وإزالة الحطام بعد ساعات قليلة من التفجير، وهو ما يعكس إهمالاً في التعامل مع الأدلة المادية الحاسمة. هذا الإخفاق ليس مجرد عثرة إجرائية، بل هو مؤشر على تحديات أعمق تواجه الجهاز الأمني السوري، من نقص الكوادر المؤهلة وغياب التنظيم المؤسسي. في سياق منفصل، أصدرت وزارة الخارجية السورية بيان تعزية وتضامن حول التفجير عوضاً عن رئاسة الجمهورية التي تأخرت في إصدار بيانها إلى ظهر اليوم التالي، وكحال أغلب البيانات الرسمية، تجنبت الترحم على قتلى التفجير الأليم أو وصفهم بالشهداء. وهو ما فتح سجالاً جديداً بين الموالين للإدارة وداعميها وبين منتقديها. إلا أن السلطات السورية فشلت في أن تجد مخرجاً لقضية القتلى المصلين في الكنيسة الدمشقية. الرواية الرسمية الثلاثاء الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، في مؤتمر صحافي، إن قوات الأمن السورية التابعة لوزارة الداخلية، وبمشاركة جهاز الاستخبارات، نفذت عملية أمنية في عدة مناطق بريف دمشق، استهدفت من خلالها مواقع الخلية الإرهابية التي نفذت عملية تفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق العاصمة، مساء الأحد الماضي. وأوضح المتحدث أن أحد أعضاء الخلية، ممن أُلقي القبض عليهم، أدلى خلال التحقيقات بمعلومات عن باقي أعضاء الخلية وأماكن تواجدهم وأوكارهم، ما أسهم في تنفيذ سلسلة من العمليات الأمنية اللاحقة التي مكّنت قوات الأمن من إلقاء القبض على جميع المتورطين، ومصادرة أسلحتهم والمتفجرات التي بحوزتهم. وأشار البابا إلى أن الخلية المتهمة بالتفجير تابعة لتنظيم 'داعش' الإرهابي، ولا تمت بصلة إلى أي جهة دعوية إسلامية، لافتاً إلى أن أعضاء الخلية قدموا من مخيم الهول. وأكد أن وزارة الداخلية تعمل على مسارات أمنية واجتماعية متوازية، لمواجهة محاولات خلايا 'داعش' لزعزعة الأمن والاستقرار المحلي، وضرب السلم الأهلي في سوريا. وحول زعيم الخلية، قال البابا إن محمد عبد الإله الجميلي، الملقب بـ'أبو عماد الجميلي'، من منطقة الحجر الأسود بريف دمشق، ويعرف بأنه 'والي الصحراء' خلال وجود وانتشار تنظيم 'داعش'. وأضاف المتحدث أن عملية الكشف عن الخلية تمت في وقت قياسي عبر 'تقاطع معلومات المصادر الميدانية مع الأدلة التقنية المتوفرة، ومن خلالها تم تحديد هوية مشتبه به، هو من أوصل الانتحاري الأول إلى الكنيسة، ثم تحديد مكان وجوده، على إثر ذلك، توجهت قوات المهام الخاصة لتوقيفه، وخلال ذلك تبين وجود شخص آخر معه، فحصل اشتباك ناري أدى إلى تحييد سائق الدراجة النارية، وإصابة الشخص الثاني. كما تبين أن السائق هو الذي أوصل الانتحاري الأول إلى الكنيسة، وكان بصدد إيصال انتحاري ثانٍ إلى مقام السيدة زينب'. وكانت وزارة الصحة في الحكومة السورية قد أعلنت عن مقتل 22 شخصاً، وإصابة 59 آخرين في تفجير نفذه 'إرهابي' داخل كنيسة مار إلياس في الدويلعة مساء الأحد، خلال إقامة أكثر من 200 شخص صلاتهم في الكنيسة. وحسب أحد شهود العيان، فإن شخصاً دخل إلى الكنيسة وبدأ بإطلاق النار بشكل عشوائي، وعند محاولة الحضور إيقافه ومواجهته، فجر حزاماً ناسفاً كان يرتديه، ما تسبب في مقتل أكثر من 15 شخصاً على الفور وإصابة عدد كبير من المصلين في الكنيسة. بدورها، عقب التفجير، قالت وزارة الداخلية السورية في بيان لها إن 'انتحارياً يتبع تنظيم داعش، دخل إلى كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق، وبدأ بإطلاق النار، ثم فجر نفسه بواسطة سترة ناسفة'. وتبع بيان الداخلية بيان آخر على لسان وزير الداخلية، أنس خطاب، قال فيه إن 'الأعمال الإرهابية لن تثني جهود الدولة في تحقيق وإرساء السلم الأهلي، ولن تثني السوريين عن خيارهم في وحدة الصف في مواجهة كل من يسعى إلى العبث باستقرارهم وأمنهم'. 'سرايا أنصار السنة' والرواية الموازية بموازاة ذلك، وعقب بيانات الحكومة السورية المشيرة إلى أن تنظيم 'الدولة' يقف خلف التفجير، تبنى تنظيم 'سرايا أنصار السنة' التفجير عبر بيان نشره على معرفه في 'تلغرام'، وجاء في البيان أن التنظيم استهدف مار إلياس عقب استفزاز مما وصفهم البيان بـ 'نصارى دمشق'، في 'حق الدعوة وأهل الملة، استفزازاً جاوز التلميح إلى التصريح، وتعدى الهزل إلى الجد، حيث تطاولوا فيه على أصول الدعوة'. وحسب بيان 'السرايا'، فإن منفذ التفجير هو محمد زين العابدين أبو عثمان، لكن البيان لم ينشر صورة للمهاجم أو يذكر هويته، إضافة إلى أنه من غير المعروف إذا كان الاسم حقيقياً أم حركياً، كما هي عادة التنظيمات الجهادية التي تستخدم ألقاباً مستعارة. الجدير بالذكر أن تنظيم 'سرايا أنصار السنة' بدأ بالظهور بداية شباط (فبراير) الماضي، من خلال بيانات وإصدارات يبثها على قناة تعرف باسمه على 'تلغرام'، حيث بدأ التنظيم بنشر بياناته المتوعدة للطائفة العلوية في مناطقها في سوريا بالقتل والاستهداف، تزامناً مع أحداث الساحل السوري. في آذار (مارس) الماضي، تبنى التنظيم عمليات قتل استهدفت مدنيين سوريين من الطائفة العلوية، كما حملت بياناته تهديداً ووعيداً لطائفة الموحدين الدروز، مع اتهامات لرئيس الفترة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع بالعمالة والخيانة. وكان 'سرايا أنصار السنة' قد تبنى خلال شهر رمضان 25 عملية، منها قتل وحرق وتخريب بحق أشخاص ينتمون إلى الطائفة العلوية في الساحل السوري. وتبنى الثلاثاء، خطف وقتل المهندس محمود غصة، ووصف، على حسابه على 'تلغرام'، القتيل بأنه 'مرتد' وينتمي إلى 'الطائفة المرشدية المستهدفة'، حسب 'السرايا'. اللافت في إعلام 'أنصار السنة' أنه لا يتوقف عن السخرية من الرئيس الشرع، الذي ما زال يصفه بلقبه القديم 'الجولاني'، وهو بخلاف الخطاب المعتاد للجماعات الجهادية، إضافة إلى مشاركة أخبار من مصادر إخبارية عديمة الموثوقية. وفوق ذلك، فإن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في صياغة البيانات والفتاوى واضح. ويتزعم التنظيم، حسب ما تورده قناته على 'تلغرام'، شخص يُدعى 'أبو عائشة الشامي'، ويتولى زعامة الجانب الشرعي فيه 'أبو الفتح الشامي'، كما تدعو القناة، المنشأة نهاية كانون الثاني (يناير)، الراغبين في الانتساب إلى التنظيم إلى مراسلتهم عبر 'تلغرام'. تحديات أمنية تواجه المؤسسة الأمنية السورية تحديات كثيرة، تتراوح بين فلول النظام السابق، وخلايا إيران، وتنظيم 'الدولة الإسلامية'، وعناصر متشددين سابقين من هيئة 'تحرير الشام' القادرين على تجميع أنفسهم في تنظيمات جهادية صغيرة معادية لتوجهات قيادتهم السابقة (القيادة السورية الجديدة). ورغم محاولات هيكلة الإدارات الأمنية في وزارة الداخلية والاستخبارات العامة، فإن نقص الكوادر والخبرة والتنظيم يهدد بنية المؤسسة الأمنية وفاعليتها، كما أن الانغلاق على الذات لا يكفي لبناء مؤسسة أمنية ذات كفاءة. هنا، يتعين على الإدارة الأمنية الانفتاح على أصحاب الاختصاص من السوريين والاستعانة بالمنشقين بشكل عاجل، وتوظيف الكوادر التقنية والهندسية والمتخصصين في أمن المعلومات والاتصالات من السوريين. كما ينبغي الاستعانة بالدول العربية الصديقة وتركيا لبناء جهاز أمني وتدريب الكوادر وابتعاثها إلى الأكاديميات الأمنية في دول الجوار، وتفعيل أكاديمية العلوم الأمنية السورية التي أنشأها النظام سابقاً في جوار إدارة المخابرات العامة في كفرسوسة بدمشق، وضم عشرات الضباط المهندسين العسكريين إلى القطاعات حسب الاختصاص. كما أن التعاون الرسمي والمباشر مع 'التحالف الدولي لمحاربة داعش' وتنسيق الجهود معه سيخفف من أخطار تنظيم 'الدولة'، الذي هجر البادية وأصبحت المدن مركز نشاطه، كما هو واضح من الخلايا المتحركة في جنوب دمشق. وتشير التفاصيل التي بثها الإعلام الرسمي إلى أن عناصر التنظيم، على قلتهم، قادرون على رسم خطط تفجيرات متتالية ومركبة تستهدف حتى شخص الرئيس نفسه.

كنيسة مار الياس: بين بطريرك غاضب و«مؤرّخ» هاوٍ
كنيسة مار الياس: بين بطريرك غاضب و«مؤرّخ» هاوٍ

القدس العربي

timeمنذ 3 أيام

  • القدس العربي

كنيسة مار الياس: بين بطريرك غاضب و«مؤرّخ» هاوٍ

في 23 حزيران (يونيو) الجاري نشر «المؤرخ» السوري سامي مبيّض مقالة جزمت بأنّ التفجير الإرهابي الذي طال مؤخراً كنيسة مار الياس، في منطقة الدويلعة من العاصمة السورية دمشق، هو «الأوّل من نوعه منذ 1860»؛ أي منذ أحداث ما يُعرف باسم «طوشة النصارى» التي شهدت أعمال عنف دامية ضدّ المسيحيين في حي باب توما وبعض أرجاء حيّ القيمرية ذات الأغلبية المسيحية، فسقط عشرات الضحايا، وانتُهكت مقدسات وأماكن عبادة. وكان مبيّض قد أصدر، في سنة 2021، كتاباً حول تلك الفتنة، بعنوان «نكبة نصارى الشام أهل ذمة السلطنة وانتفاضة 1860»؛ وبالتالي لم يتردد في القفز على عملية كنيسة مار الياس الإرهابية، وأطلق الاستنتاج القاطع بأنّ ذلك الاستهداف كان الأوّل منذ «الطوشة». ليس هذا السلوك جديداً على «مؤرّخ» هاوٍ، كدّس مراراً سلسلة فاضحة من الأخطاء والحماقات عن التاريخ السوري؛ بعضها كان يتعمد تسطيح الأحداث والوقائع على نحو يجنّبه المساءلة، كما يقرّبه من نظام بشار الأسد، ومن مؤسسة «وثيقة وطن» التي كانت تديرها بثينة شعبان. وهو صاحب النماذج التالية من النبوءات: «في سوريا، لا أحد توقّع أنه سيأتي يوم يخرج فيه المتظاهرون إلى الشوارع، مطالبين بتغيير النظام، من وحي الربيع العربي في تونس، وليبيا، ومصر»؛ أو: «لا أحد تخيّل أنّ الدولة سوف تُجبَر، تحت ضغط المتظاهرين الغاضبين أنفسهم، إلى تغيير الدستور». فإذا تصفّح المرء كتابه «فولاذ وحرير: رجال ونساء صنعوا سوريا 1900 ـ 2000»، الذي صدر بالإنكليزية سنة 2006، فسيجد معلومات من هذا النوع، تُنقل هنا بالحرف تقريباً: ـ زكريا تامر روائي سوري، له 75 رواية (نعم، رواية!) وهو يُعتبر أبرز كتّاب أدب الأطفال في العالم العربي. ـ رياض الترك صاحب خطّ ماويّ، اختلف فيه مع خالد بكداش؛ واعتُقل سنة 1980 وأفرج عنه سنة 1998 بعد أن تعهّد بـ «ترك السياسة وقضاء ما تبقى من حياته في سلام وأمان». ـ بثينة شعبان في طليعة كتّاب وفناني سوريا الحديثة والمعاصرة. وبعد نشر مقالة مبيض، كان يوحنا العاشر يازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يؤبن ضحايا التفجير الإرهابي، فشدد بدوره على أن هذه المجزرة هي الأولى ضدّ المسيحيين منذ «طوشة الشام»، حسب تعبيره. وليس المرء واثقاً من أنّ غبطته استند على «المؤرّخ»، بالنظر إلى أسبقية تاريخ نشر مقالة الأخير؛ أو أنه يتبنى الصلة أصلاً، من دون حاجة إلى سند راهن. وفي الحالتين، تجاهل مبيض والبطريرك حقائق ساطعة، برهنت عليها أدلة دامغة، حول عشرات الحالات من استهداف الكنائس ودور العبادة المسيحية، ابتداءً من آذار (مارس) 2011: من جانب النظام أوّلاً (40 واقعة) والجماعات المتشددة (7) وتنظيم داعش (6) وجبهة النصرة (1) وفصائل في المعارضة المسلحة (14)… وكلّ هذا موثق بالتفاصيل في تقرير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان». للمرء أن يتفهم شيوع هذا الخلط على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الحابل قرين النابل من دون أيّ ضوابط ومعايير تضمن تحكيم العقل والمسؤولية وإذا كان أمراً مألوفاً أنّ «المؤرّخ» لم ينبس ببنت شفة حول «تأريخ» تلك الوقائع العنفية بحقّ الكنائس، فما بالك باستنكارها أو ربطها بأي «طوشة» سابقة؛ فإنّ المستغرب، في المقابل، هو الصمت المطبق الذي التزمه البطريرك يازجي إزاء تلك الانتهاكات الصارخة بحقّ مواطنيه وأبناء رعيته ودور عبادتهم. فإذا كان الارتهان للسلطة لدى «المؤرّخ»، وما ترافق معه من تدوين براءات الذمة لجرائم النظام وأجهزته وجيشه، هما بعض السبب؛ فما الذي أعاق غبطته عن النطق بالحقيقة في وجه المعتدين، أجمعين، وأياً كانت هوياتهم السياسية والتنظيمية والعقائدية؟ ثمّ إذا صحّ، بالفعل، أن انطواء صفحة «الحركة التصحيحية» مكّن البطريرك اليوم من حقّ التعبير الصريح، أسوة بسائر أبناء سوريا الجديدة؛ أفلا يُنتظر منه، هو في مقام أوّل، أن يمارس هذا الحقّ كاملاً متكاملاً غير منقوص، فيشير إلى جرائم الماضي والحاضر معاً؟ ليست هذه السطور المقامَ المناسب لإعادة فتح ملفات «طوشة 1860»، سواء لجهة توصيفها الأقصى كاحتراب أهلي ضيّق النطاق وقصير الأمد؛ أو البحث في جذور الوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبينها خلفيات صناعة الحرير (وكانت «ثقيلة» في تلك الأيام!)؛ وصلاتها المحتملة مع عزل بشير الثاني، واضطرار بعض مسيحيي المشرق إلى البحث عن راعٍ غربي فرنسي؛ وما إذا كانت كتابات بطرس البستاني، وفصول «نفير سوريا»، معينة على جلاء الكثير من الغموض والالتباس أو التحريف التلقائي… المقام، في المقابل، يستلزم المساجلة ضدّ الخلط المتعمد بين جريمة إرهابية، تمثّل عقلية جهادية إسلامية أصولية إرهابية، لا تغيب عن بواعثها كراهيةٌ ضمنية للآخر المختلف عموماً وللمسيحيين خصوصاً، في قطب أوّل؛ وبين تلميحات تجمع الغمغمة إلى الغمز إلى التلميح حول الجريمة ذاتها بوصفها غير مسبوقة إلا في سنة 1860، أو أنها تستهدف المكوّن المسيحي في قلب الاجتماع الوطني السوري، وتمهّد استطراداً لاحتراب أهلي، في قطب ثانٍ. للمرء أن يتفهم شيوع هذا الخلط على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الحابل قرين النابل من دون أيّ ضوابط ومعايير تضمن تحكيم العقل والمسؤولية. بيد أنّ الأمر يختلف، وبالتالي يستوجب السجال والاعتراض والمناهضة، حين يشترك في إذكاء اللهيب «مؤرّخ» هاوٍ بائس، وبطريرك غاضب يتغافل عامداً عن جرائم سابقة كانت رعيته ضحية لها. وهذه سطور لا تزعم امتلاك أي طراز من المعطيات حول اتكاء البطريرك على «المؤرّخ»، بل لا ترى دلالة إضافية في النفي أو الإيجاب بصدد الصلة بين المقالة وخطبة التأبين؛ لأنّ الاتفاق على اقتباس «الطوشة» إياها بصدد الجريمة الإرهابية ضدّ كنيسة مار الياس الدمشقية، بعد 165 سنة وسياقات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وطائفية متغيّرة، جوهرياً في كثير منها؛ إنما ينتهي إلى الإضرار بالقراءة العقلية والوطنية للواقعة الثانية، وإعادة قراءة الواقعة الأولى على نحو شديد الاختزال وبالغ الأذى. وفي مناخات كهذه، قد لا يعدم المرء «قراءة» أخرى نسيج وحدها، كما يُقال، تفتح بوّابة منفلتة الحدود والأبعاد، وتفترض ما هو أبعد بكثير من اعتداء إرهابي همجي ضدّ مصلّين في كنيسة: أي إلى احتراب سوري أهلي/ أهلي، بين مسلمين ومسيحيين عموماً، بما يقبل استسهال التوسيع نحو حضور و/ أو غياب التنويعات داخل المكوّن الواحد (سنّي أساساً، أي ليس علوياً أو درزياً أو إسماعيلياً) في مواجهة مكوّن واحد (مسيحي أرثوذكسي أساساً، أي ليس كاثوليكياً أو بروتستانتياً)؛ وهنا درجة قصوى من خبط العشواء في قسر الاجتماع الوطني السوري داخل هندسة دينية ومذهبية افتراضية وصمّاء. مفهوم تماماً، بالطبع، أن تنطوي خطبة البطريرك على مشاعر شتى عاطفية، بينها الغضب والأسى والتفجع والترحّم؛ وغبطته محقّ في ملامة سلطات الأمر الواقع، فالرئيس الانتقالي مسؤول في المقام الأول عن انفلات الأمن في بلد يزعم أنه يقود انتقاله من عقلية الثورة/ الفصيل إلى عقلية الدولة/ المؤسسة. غير مفهوم، في المقابل، وهو بالتالي غير مفيد إذا لم يكن يُلحق الأذى، أن تستبطن الخطبةُ أيّ معنى فئوي في التحريض أو التحشيد؛ ليس بحقّ السلطة وحدها، وإلا لأمكن تفهّم النبرة، ولكن بحقّ اجتماع وطني سوري ظلّ المسيحيون فيه أبناء متساوين مع أشقاء لهم مسلمين، بصرف النظر عن الطوائف والمذاهب. هنا العتبى على غبطته، ومنها أيضاً يُستمدّ انعدام العتب على «مؤرّخ» هاوٍ ظلت نظرته إلى تاريخ بلده قاصرة حسيرة، محرَّفة ومحرِّفة؛ حولاء، باختصار، في كلّ حال ومآل. كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

مخيم الهول... مشكلة أمنية وإنسانية خارجة عن سلطة دمشق
مخيم الهول... مشكلة أمنية وإنسانية خارجة عن سلطة دمشق

العربي الجديد

timeمنذ 3 أيام

  • العربي الجديد

مخيم الهول... مشكلة أمنية وإنسانية خارجة عن سلطة دمشق

أعاد تأكيد وزارة الداخلية السورية قدوم منفذ تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، من مخيم الهول في أقصى الشمال الشرقي من سورية، الضوء على هذا المخيم الذي لطالما وُصف بـ"القنبلة الموقوتة"، والتهديد الأخطر للأمنَين الإقليمي والدولي. وأعلنت الوزارة، مساء الثلاثاء الماضي، أن انتحاريين اثنين غير سوريين قدما من مخيم الهول عبر البادية السورية بعد إسقاط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، "نفذ الأول تفجير الكنيسة الغادر"، الأحد الماضي، والثاني أُلقي القبض عليه من قبل جهاز الأمن العام في الوزارة، وهو في طريقه لتنفيذ تفجير انتحاري في مقام السيدة زينب في ريف دمشق الجنوبي. وقالت الداخلية إن تنظيم داعش يقف وراء الهجوم، في حين تبنت جماعة تسمي نفسها "سرايا أنصار السنة" العملية التي نُفذت في كنيسة مار إلياس بمنطقة الدويلعة في دمشق، والتي راح ضحيتها 25 قتيلاً و63 مصاباً. لكن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تفرض سيطرتها شمال شرقي سورية، رفضت أول من أمس الأربعاء، ما أعلنته الحكومة السورية. ووصف المركز الإعلامي لـ"قسد"، في بيان، الاتهامات الصادرة عن وزارة الداخلية السورية بأنها "غير صحيحة" و"لا تستند إلى حقائق أو وقائع حقيقية". وأوضحت أنها بدأت، عقب صدور هذه المزاعم، بإجراء "مراجعة دقيقة وتحقيق شامل" أثبت عدم وجود أي أدلة على مغادرة أي أجانب للمخيم خلال الأشهر الأخيرة. وأضافت أن "التحقيق أكد أن الأشخاص الوحيدين الذين غادروا المخيم خلال هذه الفترة هم سوريون، وتم خروجهم بناء على طلب من الحكومة في دمشق"، مشيرة إلى أن العراقيين الذين غادروا تمت إعادتهم إلى بلادهم في إطار عمليات الإعادة التي تشرف عليها بغداد. وأضافت أن مخيم الهول "لا يضم مقاتلين إرهابيين أجانب". مخيم الهول يقع مخيم الهول الذي وصفته الأمم المتحدة بـ"قنبلة موقوتة" في شمال شرق الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، غير بعيد عن الحدود السورية العراقية. ويضم آلاف الأشخاص من جنسيات مختلفة، خصوصاً من سورية والعراق، جلهم من عائلات مسلحي "داعش" الذي هُزم في شمال شرق سورية مطلع عام 2019، بعد معركة بلدة الباغوز في ريف دير الزور. وكانت "قسد"، الجهة المسيطرة على المخيم، نقلت الكثير من عائلات التنظيم إلى هذا المخيم الذي كان مكتظاً خلال السنوات الماضية، إلا أن أرقام قاطنيه تدنّت مع مغادرة عدة دفعات ضمت مئات العائلات العراقية، بتنسيق مع بغداد، إلى مخيم جدعة بمحافظة نينوى العراقية شمالي البلاد، خلال العامين الماضي والحالي. قضايا وناس التحديثات الحية خروج 76 عائلة سورية من مخيم الهول إلى دير الزور وبحسب بيانات صدرت في فبراير/شباط الماضي، يؤوي مخيم الهول الذي يبعد نحو 13 كيلومتراً عن الحدود العراقية، نحو 37 ألف شخص يعيشون في ظروف متردّية، أغلبهم من النساء والأطفال، من بينهم نحو 16 ألف مواطن سوري ونحو 15 ألف مواطن عراقي، ونحو ستة آلاف من جنسيات أجنبية مختلفة. وبيّنت مصادر مطلعة على الأوضاع الداخلية للمخيم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مخيم الهول "ليس حديث النشأة، فهو أُقيم في عام 1991 من قبل النظام (السوري) البائد، لاستقبال لاجئين عراقيين جراء الحرب الذي دارت في ذلك العام بسبب غزو العراق للكويت". وأوضحت أن "المخيم تحوّل لملاذ آمن لعائلات سورية هربت من الأعمال العسكرية في البلاد بعد انطلاق الثورة ضد نظام الأسد في عام 2011، وتالياً ضم عائلات هربت من "داعش"، إبّان سيطرته على مساحات هائلة من سورية والعراق، مشيرة إلى أن قوات "قسد" وضعت عائلات مسلحي التنظيم، مع عائلات أخرى لا تمت إلى التنظيم بصلة". وبحسب المصادر فإنه "بسبب التنظيم القوي لدى عائلات مسلحي التنظيم، سيطرت على المخيم وحيّدت العائلات الأخرى بشكل كامل". مصادر: تنظيم داعش نشط داخل مخيم الهول عن طريق النساء التابعات له وأوضحت المصادر التي سبق لها زيارة مخيم الهول أكثر من مرة، أن التنظيم "نشط" داخل المخيم عن طريق النساء التابعات له كونهن والأطفال غالبية قاطني المخيم، مشيرة إلى أن "بعض نساء التنظيم يمارسن عدة أدوار منها معاقبة مخالفي قوانين التنظيم الدينية المتشددة والتي وصلت إلى حد القتل". ولفتت إلى أن جهات مجهولة تموّل عائلات التنظيم في المخيم، فضلاً عن المساعدات المقدمة من منظمات دولية للقاطنين، مبيّنة أن "سكان المخيم من أكثر من 50 جنسية". وهناك الكثير من الأطفال في المخيم، وفق المصادر، "كبروا وأصبحوا فتياناً وهم مجهولو النسب بسبب إتلاف الوثائق والمستندات، لأسباب أمنية أو ضياعها"، مضيفة أن "هؤلاء يُغذون بالأفكار المتطرفة منذ صغرهم، كونهم لم يخرجوا من المخيم الذي أصبح بيئة للتطرف والتشدد". وأوضحت المصادر أن جهاز الأمن الداخلي التابع لـ"الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية، يتولى حماية المخيم بدعم من "قسد" والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن هذا الجهاز يقوم بين وقت وآخر بالتعاون مع "وحدات حماية المرأة" (التابعة لـ"قسد") بحملات أمنية داخل المخيم، في محاولة متكررة للحد من نشاط تنظيم داعش المتنامي. ولكن هذه المصادر تحدثت عن أن "البعض من عناصر الجهاز يهرّبون أشخاصاً وعائلات من المخيم مقابل أموال"، مشيرة إلى أنه يجري أحياناً "استخدام السيارات والصهاريج الذي تنقل المساعدات الغذائية والمياه للمخيم لتهريب أشخاص وعائلات إلى خارج المخيم مقابل أموال طائلة". من جهته، بيّن عبد الحليم سليمان، وهو كاتب صحافي مقيم في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" ومطلع على الأوضاع في مخيم الهول، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه يوجد في المخيم نحو 32 ألف شخص يتوزعون ما بين سوريين وعراقيين وأجانب. وأشار إلى ان التنظيم "يعمل على تجنيد الخلايا والعناصر في المخيم، مستغلاً ظروفهم المعيشية، وانتماءهم لعائلات تضم مسلحين معتقلين من التنظيم"، لافتاً إلى أن قوات "قسد" لطالما قامت بحملات أمنية في المخيم، وهي مستمرة بالتنسيق مع التحالف الدولي على هذا الصعيد. وذكر سليمان أن التنظيم شن منذ بداية العام الحالي أكثر من 100 عملية ضد نقاط ومراكز وأفراد "قسد"، مضيفاً: التنظيم يستغل الفراغ الأمني، وهشاشة الوضع العام، خصوصاً أنه يوجد في المخيم الواقع في منطقة قاحلة وصعبة المناخ "توليفة اجتماعية غير متجانسة"، معتبراً أن للمخيم طابعاً أمنياً وإنسانياً، وبعض سكانه قد يشكلون خطراً على المجتمع المحلي. قضايا وناس التحديثات الحية مخيم الهول... دفعة أولى من العائلات السورية تصل إلى حلب وأشار إلى أن تفكيك مخيم الهول من أبرز التحديات ذات الأبعاد الاجتماعية والأمنية في المنطقة، على الرغم من الجهود المشتركة بين الحكومة في دمشق والإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، والتي أثمرت عن إخراج عدة دفعات من النازحين بشكل طوعي، لكن لا تزال العملية تواجه عوائق متعددة. ولفت إلى أن "الإدارة الذاتية" لم تفرض على أحد مغادرة المخيم، بل جرت عمليات الإخراج بطلب من الحكومة السورية، وفي أغلب الأحيان عبر مبادرات وكفالات اجتماعية تضمن عدم تورط المغادرين في أعمال عنف أو تطرف. وأشار إلى أن استمرار بقاء قسم كبير من السكان داخل المخيم يعود إلى جملة من الأسباب منها أمنية، حيث يشكل وجود بعض الأفراد داخل المخيم خطراً على المجتمعات، سواء المحلية أو البعيدة عن المنطقة، بسبب احتمال انتمائهم لتنظيمات متشددة. وبيّن أن هناك أسباباً اجتماعية ومعيشية، حيث الكثير من العائلات لا تستطيع العودة إلى مناطقها الأصلية بسبب دمارها أو عدم توفر البنية التحتية. وأضاف أن تيارات متطرفة مرتبطة بتنظيم داعش تنشط في المخيم لإعادة تشكيل خلاياً، مضيفاً: هناك تقارير عن عمليات سرية لنقل مساعدات مالية وحتى تهريب أسلحة إلى داخل المخيم، إما عبر التسلل أو عبر بعض المقيمين. أخطر المخيمات ترفض الكثير من الدول إعادة رعاياها سواء من مخيم الهول أو من السجون العديدة التي تضم مسلحين متطرفين يحملون جنسيات هذه الدول، والتي كما يبدو تخشى من تبعات أمنية تهدد استقرارها في حال عودة هؤلاء. ونفذ سجناء "داعش" على مدى السنوات أكثر من عملية استعصاء في السجون التي تديرها "قسد"، كما أن التنظيم شن هجوماً واسع النطاق مطلع عام 2022 على سجن الحسكة لإطلاق سراح المحتجزين فيه من مسلحي التنظيم. ويضم السجن نحو خمسة آلاف من المحتجزين منذ سنوات، وعدداً غير معروف من الأطفال لم يتلقوا أي تعليم داخل السجن. فضل عبد الغني: تراجع الدعم والاهتمام الدولي بسكان مخيم الهول في الفترة الأخيرة ووصف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، مخيم الهول بأنه "من أخطر المخيمات في العالم"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يضم أعداداً كبيرة جداً من السكان، تراجع الدعم والاهتمام الدولي بهم في الفترة الأخيرة". ورأى عبد الغني أن هناك "فشلاً أمنياً ذريعاً من قبل قوات قسد في التعامل مع الأوضاع داخل المخيم"، مشدداً على ضرورة "فتح تحقيق بهذا الأمر لتبيان إن كان الأمر فشلاً أم استهتاراً أدى إلى تسلل عناصر من المخيم". ولفت إلى أن إدارة مثل هذه المخيمات "معقدة"، مشيراً إلى أن تفكيكه أيضاً "عملية معقدة"، مطالباً بتسليم الإدارة إلى الحكومة السورية. وبرأيه فإن تأكيد وزارة الداخلية أن منفذ تفجير الدويلعة تسلل من المخيم "مؤشر غير مريح"، مضيفاً أن هناك "خشية من تسلل آخرين ما يتطلب إجراءات أمنية مشددة كي لا تحدث خروقات أمنية ويتكرر تفجير الدويلعة". وطالب عبد الغني الدول "باستلام رعاياها الموجودين في المخيم لتفكيكه"، مشيراً إلى أنه "يجب إجراء محاكمات عادلة للسوريين الموجودين في المخيم لحسم أوضاعهم". وقال: "يجب إطلاق سراح أي سوري غير متهم موجود حالياً في المخيم. السوريون في المخيم بمثابة المحتجزين قسراً". كما دعا إلى إشراك الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع الدولي والدول الصديقة والداعمة لتفكيك المخيم، والبدء في برامج إدماج وتأهيل اجتماعي ونفسي للخارجين من المخيم وحتى للموجودين داخله.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store