logo
بي بي سي أمام أزمتي "والاس" و"وثائقي غزة"... هل  تنجح في تجاوزهما؟

بي بي سي أمام أزمتي "والاس" و"وثائقي غزة"... هل تنجح في تجاوزهما؟

BBC عربية١٥-٠٧-٢٠٢٥
تقريرٌ واحدٌ ينتقد إنتاج بي بي سي البرامجي أمرٌ صعب، لكن أن تواجه المؤسسة تقريرين في اليوم نفسه، فقد يكون ذلك كارثياً، وهذا بالضبط ما وجده مسؤولو الشبكة بانتظارهم صباح الإثنين.
كان يوم الإثنين مليئاً بالاعتذارات العلنية، والإعلان عن خطط عمل، ومحاولة تجاوز منعطف حاد، بعد أشهر بالغة الضرر، سواء ما أثير حول سوء سلوك غريغ والاس، والإخفاقات المتعلقة بفيلم غزة الوثائقي.
لكن السؤال المطروح الآن: هل ستنجح هذه الإجراءات فعلاً؟
فيما يخص قضية والاس، لا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا أنشأت بي بي سي ثقافة داخلية يكون فيها المقدمون ضمن قواعد مختلفة، وهو ما تسعى المراجعة الثقافية الأخيرة لمعالجته. كما يُطرح سؤال حول وجود رقابة نشطة وكافية للمحتوى المنشور على منصاتها.
أعتقد أن لدى بي بي سي حجة قوية للقول إنها تمكنت من السيطرة على الوضع في السنوات الأخيرة. فقد حذرت كيت فيليبس، رئيسة قسم المحتوى حالياً، والاس من سلوكه في عام 2019، وبعد ذلك، وفقاً للتقرير، لم تُرفع أي شكاوى إلى بي بي سي. إذا كان ذلك صحيحاً، يُمكن لهيئة الإذاعة البريطانية أن تُجادل بأنها ظنت أن المسألة قد حُلّت.
فيما يتعلق بفيلم غزة الوثائقي الذي يسلط الضوء على أطفال في منطقة حرب، فقد فتحت مؤخراً هيئة تنظيم الاتصالات "أوفكوم" تحقيقاً في تضليل بي بي سي للجماهير، لذا فإن الأمر لم ينتهِ بعد.
ومع ذلك، منحت المراجعة بي بي سي شيئاً من الهامش لالتقاط الأنفاس، لا سيما أن وزيرة الثقافة -التي كانت قد تساءلت سابقاً عن سبب عدم طرد أي أحد بسبب الوثائقي- بدت وكأنها خففت من لهجتها.
وفقاً لما أعرفه، فقد اجتمع المدير العام تيم ديفي ورئيس مجلس الإدارة سمير شاه بالوزيرة ناندي الأسبوع الماضي لطمأنتها، ويبدو أن لهجتها الأكثر تصالحية كانت موضع ترحيب داخل المؤسسة، بعد سلسلة من الانتقادات الحادة التي وجهتها سابقاً للإدارة.
لا تزال التساؤلات قائمة حول ما إذا كان أي شخص داخل هيئة الإذاعة البريطانية سيفقد وظيفته. ما نعلمه أن فريق بي بي سي فشل في التحقق من الخلفيات العائلية للصبي في الفيلم، وأن التحقيق يحملهم مسؤولية جزئية عن هذه الإخفاقات، وأن بي بي سي تقول إنها تتخذ "إجراءات عادلة وواضحة ومناسبة" لضمان المساءلة.
هناك سؤال يُطرح داخل بي بي سي في مثل هذه الحالات التي تشهد إخفاقات؛ هل سيُقال رؤساء، أو بالأحرى نواب رؤساء؟ في إشارة إلى الشكوك حول مدى جدية المساءلة على أعلى المستويات. وحتى الآن، لا توجد إجابة واضحة.
ولكن على نطاق أوسع، عندما يتعلق الأمر بغزة، كانت الأشهر القليلة الماضية صعبة.
عندما أدلى تيم ديفي بشهادته أمام أعضاء البرلمان في مارس/آذار الماضي، بعد أسابيع قليلة من سحبه فيلم "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب" من منصة iPlayer، أخبرهم أنه "فقد الثقة في ذلك الفيلم" بمجرد أن اتضح أن الراوي الطفل هو ابن مسؤول في حركة حماس.
لا يعد من المبالغة القول إن الحرب الدائرة قد دفعت البعض إلى فقدان الثقة في بي بي سي وتغطيتها لما يحدث في غزة، لا سيما مع منع إسرائيل الصحفيين الأجانب من الوصول للقطاع.
اتُهمت بي بي سي بمعاداة السامية، وما فتح الباب واسعاً أمام هذه الاتهامات كان بثها للفيلم الوثائقي دون علمها بتلك الروابط مع حماس، ودون إعلام الجمهور بذلك.
وكذلك فشل بي بي سي في التعامل بشكل صحيح مع البث المباشر من غلاستونبري، عندما هتف مؤدي الراب في فرقة "بوب فيلان"، باسكال روبنسون فوستر "الموت للجيش الإسرائيلي" وأدلى بتعليقات مسيئة أخرى.
هناك أشخاص داخل الهيئة وخارجها يشعرون بالخيانة من تغطية بي بي سي. يقول البعض إنها متحيزة ضد إسرائيل، وإن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول وقضية الرهائن قد طواها النسيان.
ويتهم البعض بي بي سي بتجاهل معاناة سكان غزة وأفعال إسرائيل في تغطيتها للحرب.
ومؤخراً، ألغت بي بي سي عرض فيلم وثائقي آخر بعنوان "غزة: أطباء تحت الهجوم"، بدعوى أن بثه قد "يخلق انطباعاً بالتحيز لا يتماشى مع المعايير العالية التي يتوقعها الجمهور من بي بي سي".
قبل أقل من أسبوعين، وفي عرض مزدحم في استوديوهات ريفرسايد في لندن، شاهد الفيلم المئات على الشاشة الكبيرة، بعد عرضه على القناة الرابعة. كنتُ هناك، وكانت المرأة الجالسة بجانبي تبكي بينما تتكشف الأهوال على الشاشة، ولم تكن الوحيدة.
صرحت بي بي سي أنها أجّلت عرض فيلم "غزة: أطباء تحت الهجوم" في البداية في ضوء التحقيق في الفيلم الوثائقي الآخر. ثم ألغته، وقررت عدم عرضه بعد أن ظهر مُقدم البرنامج في برنامج "توداي" على راديو بي بي سي 4 ووصف إسرائيل بأنها "دولة مارقة ترتكب جرائم حرب وتطهيراً عرقياً وقتلاً جماعياً للفلسطينيين".
أمّا صنّاع الفيلم في شركة Basement Films فقد رفضوا تلك التبريرات، وقالوا يوم الإثنين: "بي بي سي لم تكن تنوي بث الفيلم أصلاً، وقد تلقينا تبريرات متعددة وأحياناً متناقضة، لكن ما كان واضحاً أنها مبررات خيمت عليها أجواء من الخوف والشلل حول موضوع غزة".
مهما كانت القصة الحقيقية وراء عدم عرض الفيلم على بي بي سي، فإن هذا الادعاء -بأن تغطية بي بي سي لغزة مُعرضة للخطر بسبب الخوف- مُضرٌّ بكل الأحوال. وعلى الرغم من تفنيد بي بي سي هذا الادعاء، لكن يبدو أنه بدأ يترسخ في بعض الأوساط.
في قاعة العرض، صعد غاري لينيكر إلى المسرح وقال إن على بي بي سي أن "تشعر بالخزي" لعدم عرض ما وصفه بأنه "أحد أهم الأفلام" في عصرنا. واتهم بي بي سي بالخضوع للضغوط، ووافقه الجمهور على ذلك بصوت عالٍ.
لقد شكّلت تغطية حرب غزة اختباراً صعباً لبي بي سي ربما أكثر من أي وقت مضى. قال لي أحد المطلعين إن أياً من الطرفين لا يريد تغطية محايدة، بل يريد تغطية مُتحيزة. وبالفعل، تتعرض بي بي سي لانتقادات لاذعة من جميع الأطراف.
بدورها، تقول بي بي سي إنها "ملتزمة تماماً بتغطية الصراع بين إسرائيل وغزة بنزاهة ودقة، ووفقاً لأعلى معايير الصحافة". كما تقول: "نرفض بشدة الفكرة -التي تُطرح من مختلف أطراف هذا الصراع- بأننا مع أو ضد أي موقف".
قبل عامين، طغت أزمة هيو إدواردز على التقرير السنوي، وفي العام الماضي، طغت عليها مزاعم "ستريكتلي"، وهذا العام، لم تقتصر على قصة واحدة، بل على ثلاث قصص.
أهم مهمة للمدير العام هي ضمان تجديد ميثاق بي بي سي، ولدى الهيئة قصة قوية ترويها وتروج لها. لكن الصعوبة التي يواجهها تيم ديفي تكمن في أنه مهما علا صوته من أجل هيئة الإذاعة البريطانية ومستقبلها، يصعب سماعه وسط ضجيج الأزمات.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

زينب جواد.. تسريب صور المحامية العراقية يشعل غضبا.. ما علاقة الحشد الشعبي؟
زينب جواد.. تسريب صور المحامية العراقية يشعل غضبا.. ما علاقة الحشد الشعبي؟

BBC عربية

timeمنذ 6 ساعات

  • BBC عربية

زينب جواد.. تسريب صور المحامية العراقية يشعل غضبا.. ما علاقة الحشد الشعبي؟

أثار تسريب صور خاصة للناشطة والمحامية العراقية زينب جواد على وسائل التواصل الاجتماعي موجة من السخط والاستياء في العراق، حيث وجّهت انتقادات حادة للحشد الشعبي واتهمت جهازه الأمني الذي كان قد أوقفها للتحقيق معها قبل أسابيع بالوقوف وراء التسريب. ولم يصدر أن رد من الحشد الشعبي حتى الآن. يمكنكم مشاهدة الحلقات اليومية من البرنامج الساعة الثالثة بتوقيت غرينيتش، من الإثنين إلى الجمعة، وبإمكانكم أيضا الاطلاع على قصص ترندينغ بالضغط هنا.

حماس تتهم إسرائيل بـ "تحويل الغذاء إلى سلاح قتل بطيء"، وبلجيكا تعلن مشاركتها في عملية إنزال جوي للمساعدات على قطاع غزة
حماس تتهم إسرائيل بـ "تحويل الغذاء إلى سلاح قتل بطيء"، وبلجيكا تعلن مشاركتها في عملية إنزال جوي للمساعدات على قطاع غزة

BBC عربية

timeمنذ 6 ساعات

  • BBC عربية

حماس تتهم إسرائيل بـ "تحويل الغذاء إلى سلاح قتل بطيء"، وبلجيكا تعلن مشاركتها في عملية إنزال جوي للمساعدات على قطاع غزة

اتهمت حركة حماس إسرائيل بـ "تحويل الغذاء إلى سلاح قتل بطيء، وتحويل المساعدات إلى أداة فوضى ونهب"، مشيرة إلى أن قطاع غزة "يواجه مجاعة كارثية بفعل حصار شامل ومستمر". وأضافت الحركة أن غالبية شاحنات الإغاثة تتعرض للنهب والاعتداء، في إطار ما وصفته بـ "سياسة ممنهجة يتبعها الاحتلال". وقالت الحركة إن القطاع يحتاج إلى أكثر من 600 شاحنة مساعدات ووقود يوميا، وإن ما تسمح إسرائيل بدخوله للقطاع فعليا "لا يمثل سوى نسبة ضئيلة". في المقابل، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن حماس "تسرق الطعام"، مشيرا إلى أن هذا هو ما دفعه إلى السماح بإلقاء المساعدات لغزة عن طريق الجو. ونفذ الأردن بالتعاون مع دولة الإمارات العربية، دفعة جديدة من عمليات الإنزال الجوي لإيصال المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة يوم الأربعاء. وتم إنزال 16 طناً من المواد الغذائية وحليب الأطفال في مختلف مناطق قطاع غزة، ليصل إجمالي الحمولة التي تم إنزالها خلال الأيام الماضية إلى نحو 73 طناً من المواد الأساسية. وبذلك، يصل عدد عمليات الإنزال التي نفذها الأردن إلى 130 عملية إنزال، إضافة إلى 270 عملية إنزال تم تنفيذها بمشاركة عدد من الدول الأخرى. وأعلنت بلجيكا يوم الأربعاء، عزمها المشاركة في عملية ينسقها الأردن لإلقاء المساعدات من الجو على غزة، في وقت حذّرت فيه وكالات تابعة للأمم المتحدة من أن القطاع "بات على شفير المجاعة". وقالت وزارتا الخارجية والدفاع البلجيكية، إن طائرة بلجيكية تحمل معدّات طبية ومواد غذائية بقيمة 600 ألف يورو تقريباً (690 ألف دولار) ستتوجّه إلى الأردن حيث ستبقى في حالة استعداد لتنفيذ عمليات إلقاء المساعدات من الجو بالتنسيق مع عمّان. وميدانيا، قُتل 16 فلسطينياً وأصيب أكثر من 50 من منتظري المساعدات الإنسانية في قطاع غزة منذ فجر يوم الأربعاء، كما لقي سبعة أشخاص حتفهم نتيجة نقص الغذاء خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، حسب مصادر في مستشفيات بالقطاع. وأفاد مستشفى ناصر في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بوصول سبعة قتلى وأكثر من 40 مصاباً إلى المستشفى جراء إطلاق قوات إسرائيلية النار قرب مركز المساعدات الإنسانية في منطقة شمال غرب مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، كما قتل اثنان من منتظري المساعدات بنيران الجيش الاسرائيلي قرب محور نتساريم وسط قطاع غزة، وفق مصادر بوزارة الصحة الفلسطينية. واستقبل مستشفى العودة بالنصيرات وسط القطاع منذ صباح اليوم 4 قتلى كانوا يتجمعون عند نقطة توزيع للمساعدات على شارع صلاح الدين وسط القطاع. وأفاد شهود عيان أن قوات الجيش الإسرائيلي نفذت "عمليات نسف" في منطقة السطر الغربي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. وأعلنت وزارة الصحة في القطاع أن عدد حالات الوفاة نتيجة نقص الغذاء بلغ سبعة، خلال الـ 24 ساعة الماضية، من بينهم طفل. وبذلك، يرتفع عدد ضحايا نقص الغذاء في القطاع إلى 154، منهم 89 طفلاً. وأكدت وزارة الصحة أن ما وصفتها بـ "المحاولات البائسة لنفي حقيقة المجاعة تعرّيها أعداد المتقاطرين إلى أقسام الطوارئ وأعداد الوفيات". وفي سياق منفصل، أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، عن وفاة صايل رجب أبو نصر (60 عاماً) في السجون الإسرائيلية، وذلك بعد نحو عامين من اعتقاله في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وأوضحت المؤسستان أن "حالة معتقلي غزة لا تزال من أكثر القضايا خطورة، في ظل ما يواجهونه من انتهاكات جسيمة داخل مراكز الاحتجاز، بما في ذلك التعذيب والتجويع والإهمال الطبي وسوء المعاملة". وبوفاة أبو نصر، يرتفع عدد المعتقلين الذين لقوا حتفهم داخل السجون الإسرائيلية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 75 معتقلاً، بينهم 46 من غزة، وفقاً للمؤسسات الحقوقية الفلسطينية. ووفق الإحصائيات، بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية حتى مطلع يوليو/تموز 2025 أكثر من 10,800 معتقل، بينهم 48 امرأة، وأكثر من 440 طفلاً، ونحو 3,600 معتقل إداري، إضافة إلى 2,454 معتقلاً من غزة. ويتكوف يزور إسرائيل ومن المقرر أن يزور المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستيف ويتكوف إسرائيل، في زيارة هي الأولى له منذ الإفراج عن الرهينة الإسرائيلي عيدان ألكسندر منتصف مايو/أيار الماضي. ويتوقع أن يلتقي ويتكوف برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى جانب قيامه بجولة ميدانية في مراكز توزيع المساعدات التابعة لصندوق الإغاثة الأميركي (GHF) داخل قطاع غزة. تأتي هذه الزيارة في ظل جهود مفاوضات صفقة التبادل بين إسرائيل وحماس، فيما تشير مصادر إسرائيلية إلى أن ويتكوف يركّز في مهمته على الجانب الإنساني، بهدف تحسين الأوضاع في القطاع، وفقا لصحيفة يديعوت أحرونوت. وبحسب الصحيفة، فإن ويتكوف سيطّلع على سير عمليات توزيع المساعدات التي يشرف عليها الصندوق، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الدولية تجاه إسرائيل على خلفية تدهور الوضع الإنساني في غزة.

"مكافأة لحماس" أم "خطوة في الوقت المناسب"، نقاشات الدولة الفلسطينية في الصحف البريطانية والأمريكية
"مكافأة لحماس" أم "خطوة في الوقت المناسب"، نقاشات الدولة الفلسطينية في الصحف البريطانية والأمريكية

BBC عربية

timeمنذ 9 ساعات

  • BBC عربية

"مكافأة لحماس" أم "خطوة في الوقت المناسب"، نقاشات الدولة الفلسطينية في الصحف البريطانية والأمريكية

أعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، عزم المملكة المتحدة الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول المقبل، إذا لم تتخذ إسرائيل ما وصفها بـ "إجراءات ملموسة" لإنهاء "الوضع المروع" في قطاع غزة. وأثار هذا الإعلان تفاوتاً كبيراً في آراء الكتّاب والمحللين في الصحف البريطانية والأمريكية، بين من يراه "مكافأة للإرهاب"، وآخر يراه خطوة صحيحة للعدول عن مسار "ينهي حلّ الدولتين". ونقدم في عرض صحف مقالات من صحف بريطانية وأمريكية تعكس هذا التفاوت في الآراء. انتقدت افتتاحية صحيفة الوول ستريت جورنال إعلان رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، ووصفته بأنه يمنح حماس "نصراً رمزياً". وتقول الصحيفة إن إعلان ستارمر يعني انضمام المملكة المتحدة لفرنسا في العزم على الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول المقبل، لكن مع "فارق طفيف" يتمثل في أن ستارمر ربط هذا الاعتراف بعدم اتخاذ الحكومة الإسرائيلية "خطوات جوهرية" في غزة تتمثل بوقف إطلاق النار وإحياء آفاق حلّ الدولتين. وترى الصحيفة أن صياغة الإعلان تمثل "تهديداً" لإسرائيل، وأن هذا التهديد يكشف عن أن الاعتراف بدولة فلسطينية، هو في جوهره "خطوة عقابية لإسرائيل"، ولكنها ترى في المقابل، أن صيغة ذلك الإعلان تجعل من الجليّ أن "زرع دولة معادية في قلب إسرائيل" ليس هبة سيشعر الإسرائيليون بالامتنان لها، كما كانت ترى باريس ولندن، على حدّ تعبير الصحيفة. تشير وول ستريت جورنال إلى أن مطالبة إسرائيل بقبول وقف إطلاق النار في غزة، هو أمر لافت للنظر، فـ "إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار مراراً وتكراراً، وحماس هي من كانت تُفسد المحادثات". وإعلان ستارمر الأخير، سيعطي حماس سبباً لتستمر في رفض وقف إطلاق النار، طمعاً في الحصول على "المكافأة"، في إشارة إلى الاعتراف بدولة فلسطينية بحسب الصحيفة. وتذكر الصحيفة مطالب ستارمر من حركة حماس، التي شملت الإفراج الفوري عن الرهائن، والموافقة على وقف إطلاق النار، والالتزام بنزع سلاحها، لكنها تشير إلى أن موقف رئيس الحكومة البريطانية كان "غامضاً" بشأن ما إذا كان عدم التزام حماس بهذه المطالب سيعيق الاعتراف بدولة فلسطينية، على "عكس وضوح موقفه مع إسرائيل"، كما أن ستارمر "لم يكلّف نفسه عناء" وضع شروط للسلطة الفلسطينية، التي تصفها الصحيفة بـ "راعية الإرهاب". وتقدّم الصحيفة تفسيراً آخر لخطوة ستارمر يتعلّق بالسياسة الداخلية البريطانية، وذلك على خلفية إعلان رئيس حزب العمّال السابق، جيريمي كوربن، والنائبة زرار سلطانة، تشكيل حزب جديد، وهو أمر قد يشكل "تهديداً لحزب العمّال" في الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية المسلمة، التي قد يحصد أصواتها حزب كوربن الجديد. الوقت "المناسب تماماً" على النقيض، يرى وزير الدولة البريطاني السابق لشؤون الشرق الأوسط، والسياسي من حزب المحافظين، توبياس إلوود، أن الوقت الحالي هو "المناسب تماماً" للاعتراف بدولة فلسطينية، بل ويجادل في مقال كتبه بصحيفة الإندبندنت أن هذه الخطوة ستساهم في "عزل حماس" وتمهيد الطريق أمام السلام. يبدأ إلوود مقاله بوصف "الأوضاع المأساوية" في قطاع غزة، قائلاً إن العالم أصبح غير مبالٍ "بشكل خطير" بالخسائر اليومية في الأرواح بالقطاع، وأصبح يبدو كما لو أنه "عاجز عن التدخل"، لكنه يشير إلى تصريح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "أقرّ فيه بحدوث مجاعة حقيقية" في قطاع غزة، وهو تصريح يمثّل، برأيه، نقطة تحوّل محتملة. يرى إلوود أن لكل دولة الحق في الدفاع عن نفسها، لكن حق إسرائيل في هزيمة حماس لا يمكن أن "يبرر حجم المعاناة في غزة"، إذ يقع على عاتق الدول "مسؤولية استخدام القوة بحكمة". ومع إقراره بضرورة مواجهة حماس، إلا أن إلوود يرى أن هناك "غياباً" لاستراتيجية واضحة لتحويل مكاسب المعركة في غزة إلى سلام دائم، أو لـ "فصل حماس عن بقية الشعب الفلسطيني". ويذهب إلوود إلى حدّ القول إن نتنياهو "لا يقدّم أي حل نهائي، أو خطة لحكم غزة بعد الحرب، أو خارطة طريق نحو حل الدولتين"، وإن أفعاله توحي باتباعه "استراتيجية صراع أبدي". يضيف إلوود بأن قرارات نتنياهو التكتيكية، التي "تفتقر إلى أي رؤية استراتيجية"، بدأت تُشكل اختباراً للدعم الأمريكي "المفهوم وغير المشروط" لإسرائيل بعد هجوم حماس في 2023. كما أن حملة نتنياهو "المدمرة" على غزة واستمراره في "توسيع المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية" يُشيران إلى نيته "جعل حل الدولتين غير قابلٍ للتطبيق". ويصف إلوود هذا المسار الذي "يهدد" بإغلاق نافذة حلّ الدولتين إلى الأبد بـ "المسار الخطير"، ويرى أن الوقت "مناسب تماماً" للاعتراف بدولة فلسطينية لتوجيه دفعة معاكسة لهذا المسار. ويستذكر إلوود في هذا السياق حين ناقش مجلس العموم البريطاني سنة 2014 مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية، ويذكر ما صرّح به كوزير أمام المجلس بأن بريطانيا لن تعترف بدولة فلسطينية إلا حين ترى أن هذه الخطوة ستدعم عملية السلام، وأن هذا الاعتراف يمثّل ورقة "لا تُلعب إلّا مرّة واحدة" ويجب استخدامها بحكمة. ويجادل إلوود بأن الاعتراف بدولة فلسطينية قد يسهم في زحزحة التركيز العالمي، و"عزل حماس سياسياً"، و"تقويض مبررات إيران في تسليح وكلائها في المنطقة"، مشدداً على أن "انتظار اللحظة المثالية" للاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يشكّل استراتيجية، خاصة في ظل الوضع الراهن، الذي لن يسهم إلّا في "ترسيخ التمرّد"، و"ترك إسرائيل في حالة توتر دائم مع جيرانها". ويختم إلوود بالقول إن دعم ترامب لنتنياهو أصبح مشروطاً أكثر من أي وقت مضى، وأن هذا يجب أن "يُستغل لإعادة التركيز على تحقيق حلّ الدولتين"، ودون ذلك، "ستستمر المعاناة والتطرف والحرب التي لا تنتهي". كاتب إسرائيلي: نحتاج لفعل المزيد ضد إسرائيل، والتايمز تقول: هذا نصر لحماس ولم يتوقف التفاوت في آراء الكتّاب بالصحف البريطانية بشأن السياسة التي ينبغي على المملكة المتحدة اتّباعها في التعامل مع تداعيات حرب غزة. إذ انتقدت صحيفة التايمز في افتتاحيتها خطوة ستارمر، قائلةً إن رئيس الوزراء البريطاني التزم بمسار "لن يُخفف معاناة سكان غزة، ويُثير استياء أقارب ضحايا هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ويُقدم العون لحماس، ويُنفّر إسرائيل". وترى الصحيفة أن جزءاً كبيراً من الدولة الفلسطينية المقترحة لا يزال تحت سيطرة "عصابة إرهابية"، وأن خطوة ستارمر الأخيرة ستمثل لحماس "نصراً في الوقت بدل الضائع". تجادل الصحيفة بأن مسألة الاعتراف بأي دولة أو رفضها لا ينبغي أن تكون "ورقة مساومة في مفاوضات حول مسائل آنية مثل إطعام الجائعين، أو تأمين وقف إطلاق النار"، وأن الحكومة البريطانية وضعت نفسها في "موقف غريب"، وتتساءل: ماذا لو تحسنت الأوضاع في غزة؟ هل ستسحب بريطانيا فجأة اعترافها؟ ترد الصحيفة على الفكرة التي مفادها أن الاعتراف بدولة فلسطينية سينعش حلّ الدولتين، وتقول :"صحيح أن نتنياهو رفض إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وأن الوزراء المتطرفين في حكومته لا يريدون سوى تطهير غزة عرقياً وضمّها"، لكن إنشاء "دولة وهمية لا تتوافر فيها مقومات الدولة الفاعلة لن يحمي الفلسطينيين من هذا المصير"، كما أن الاعتراف بدولة فلسطينية بهذا التوقيت، حيث لا تزال حماس "على قيد الحياة"، وتحتجز الأبرياء كرهائن، سيؤدي إلى تعزيز الاعتقاد بأن "الإرهاب يجدي نفعاً"، على حدّ تعبيرها. أما في صحيفة الغارديان، فقد كتب يائير والاش، الذي يقول عن نفسه إنه نشأ في إسرائيل ويعيش في بريطانيا، مقالاً طالب فيه الحكومة البريطانية باتخاذ المزيد من الإجراءات ضد إسرائيل فيما يتعلق بحرب غزة. يقول الكاتب إن أقوال وأفعال "حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل"، جعلت غزة غير صالحة للسكن، وإن هناك خطة "كررها نتنياهو ووزراؤه بشأن التطهير العرقي أو الهجرة الطوعية" في غزة، مشيراً إلى أن الحكومة الإسرائيلية تريد "إبطاء" حملتها في القطاع، بفعل الضغوط الدولية الأخيرة، لكن هذه الحملة لن تتوقف إلا إذا أُجبرت الحكومة الإسرائيلية على ذلك بضغط دولي، وهو ضغط لم يكن كافياً، بحسب رأي الكاتب. يعارض والاش الفكرة القائلة إن نتنياهو لا يصغي إلا لترامب، "وليس في جميع الأوقات"، في تلميح إلا أنه لا يوجد ما يمكن فعله بشأن إسرائيل سوى "التوسّل للرئيس الأمريكي". ويرى والاش أن هذه الفكرة مردّها "سوء فهم عميق لإسرائيل"، وتقليل من شأن خيارات المملكة المتحدة، فصحيح أن نتنياهو "لن يستمع إلى بريطانيا"، إلا أن إسرائيل "ليست كوريا الشمالية"، إذ أن المجتمع الإسرائيلي يعتز بعلاقاته مع العالم، كما أن لدى إسرائيل والمملكة المتحدة روابط تشمل النظام المصرفي والتعاون الدفاعي والتجارة والسياحة والعلاقات الأكاديمية، وعليه، فإن الاستمرار في العمل مع إسرائيل "بشكل معتاد"، يعني أن الشركاء الدوليين يسمحون للحكومة الإسرائيلية بمواصلة ما يسميها الكاتب بـ "حملتها للإبادة الجماعية" دون أي عواقب تتجاوز "الإيماءات الرمزية". ويشير والاش إلى دعوات أطلقها مجموعة من الإسرائيليين في المملكة المتحدة، طالبوا فيها ستارمر ووزير خارجيته ديفيد لامي بـ "فرض عقوبات واسعة النطاق على إسرائيل، وعدم الاكتفاء بفرض عقوبات على بعض الأفراد"، وتشمل هذه العقوبات "تعليق اتفاقية الشراكة والتجارة ووقف التعاون العسكري". وبرأي الكاتب، فإن تعليق المملكة المتحدة للمعاملة التجارية التفضيلية لإسرائيل قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى نفس الاتجاه. إذ يُعد الاتحاد الأوروبي أكبر وجهة لصادرات إسرائيل، مشيراً إلى وجود "مقترحات لتعليق بنود في اتفاقية شراكة إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store