
من الحماية إلى الترحيل.. مصير مجهول للاجئين أفغان في أميركا
كابل – بعد مرور أكثر من 3 سنوات على لجوء عشرات الآلاف من الأفغان إلى الولايات المتحدة ، يواجه كثيرون خطر الترحيل إلى بلدهم، ولا يزال العديد ممن لديهم قضايا هجرة مختلفة إلى أميركا عالقين في الدوحة وإسلام آباد.
وأعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية إلغاء "برنامج الحماية المؤقتة للاجئين الأفغان" الذي ينتهي غدا الثلاثاء، وأفادت في بيان رسمي نُشر على موقعها بأن "القرار أصبح نهائيا وسيدخل حيز التنفيذ يوم 12 يونيو/حزيران المقبل، وسيصبح الطريق ممهدا لترحيل اللاجئين الأفغان إلى بلادهم".
ونقل البيان عن الوزيرة كريستي نويم قولها "راجعنا الوضع في أفغانستان بالتعاون مع الوكالات المعنية، وخلصنا إلى أن البلاد لم تعد تلبي المتطلبات اللازمة للحفاظ على وضع الحماية المؤقتة، وتحسن الوضع الأمني فيها وأصبح اقتصادها مستقرا، بحيث لم تعد هناك عقبات أمام المواطنين الأفغان للعودة إلى بلادهم. وستنتهي الفترة المحددة في الـ20 من الشهر الجاري".
ترحيب أفغاني
ورحبت الخارجية الأفغانية بتقييم الوزارة الأميركية، وقالت إنها "خطوة إيجابية وإدراك للحقائق الموجودة على الأرض".
في السياق، قال المتحدث باسم الخارجية الأفغانية عبد القهار بلخي للجزيرة نت إن أفغانستان وطن مشترك لجميع الأفغان، ولهم الحق في التنقل بحرية، وإن الحكومة مستعدة لإجراء محادثات جادة مع واشنطن والدول الأخرى بشأن عودة الأفغان الذين لم يعودوا يستوفون شروط البقاء في الدول المضيفة.
وأكد على أهمية إيجاد آليات ثنائية وتوفير خدمات قنصلية لمواطنيهم بما يتماشى مع المعايير المعتمدة لتجنب التعقيدات والاستجابة للمخاوف المتعلقة بالأمن القومي، وضمان كرامة حقوق المواطنين العائدين إلى أفغانستان.
وتعليقا على ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الله كريمي للجزيرة نت "بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان رأينا أشخاصا حصلوا على الحماية المؤقتة وهم لم يعملوا مع القوات أو المؤسسات الأميركية، وإنما حصلوا على الوثائق مقابل دفع الأموال، وكثيرون منهم متورطون في عمليات احتيال، وملفاتهم الآن قيد التحقيق، وحسب علمي اعتُقل عدد منهم بسبب الاحتيال".
ويعيش في الولايات المتحدة حاليا أكثر من 76 ألف لاجئ أفغاني تم إجلاؤهم عقب سقوط العاصمة كابل في أغسطس/آب 2021 بيد حركة طالبان.
وتم منح معظمهم تصريح إقامة مؤقتة لمدة سنتين بموجب برنامج "الوضع الإنساني المشروط"، وانتهت الفترة المسموح بها بداية 2023، مما يعرّض الآلاف منهم لخطر الترحيل إذا لم يتم تجديد التصريح أو تحويله إلى وضع قانوني دائم.
عمل كريم خان (اسم مستعار) مترجما لمدة 7 سنوات مع القوات الأميركية شرقي أفغانستان، ولجأ إلى الولايات المتحدة بعد انسحابها من البلاد.
ويقول للجزيرة نت "القضية ليست إنسانية فقط، بل تتعلق بمصداقية واشنطن في الوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها، إن الترحيل المحتمل للأفغان يرسل رسالة سلبية لأي طرف مستقبلي قد يتعاون معها في مناطق النزاع".
وأضاف "من يضمن حياتي إن رُحّلت إلى أفغانستان؟ التقييم الذي أجرته وزارة الأمن الداخلي الأميركي لا يمت للحقيقة بصلة وتبرير غير أخلاقي، وأرفضه بشدة".
قانون عالق
أما اللاجئ مصطفى خان (اسم مستعار) فيقول للجزيرة نت "يبدو أن إلغاء برنامج الحماية المؤقتة يؤثر فقط على أولئك الذين يعيشون في الولايات المتحدة بموجبه، طُلب منا التواصل مع مستشاري الهجرة بشأن مصيرنا، لا نشعر بالأمان بعد إعلان قرار ترحلينا".
وحسب المصادر، فإن نحو 20 ألف لاجئ أفغاني في الولايات المتحدة لم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على أي وضع قانوني دائم، رغم تقدمهم بطلبات اللجوء.
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي عبد الكريم جلالي للجزيرة نت أن "قانون التكيف الأفغاني" لا يزال عالقا في الكونغرس منذ أكثر من عام، وسط انقسام سياسي، حيث يطالب بعض الجمهوريين بتدقيق أمني أكثر صرامة لأنهم يشككون في خلفيات بعض اللاجئين.
وتم تقديم هذا القانون في أغسطس/آب 2022، ويهدف إلى توفير طريق مباشر للإقامة الدائمة للأفغان الذين دخلوا الولايات المتحدة عبر عملية "الترحيب بالحلفاء" التي نفذتها واشنطن "لإجلاء أولئك الذين كانوا في خطر بعد استيلاء حركة طالبان على السلطة".
ويرى مراقبون أن الانقسام في الكونغرس بين الجمهوريون والديمقراطيين حول القانون قد يؤثر على ثقة الحلفاء في مناطق النزاع الأخرى مثل أوكرانيا أو العراق، كما أنه سيخلق أزمة داخلية أخلاقية وإنسانية بدأت تؤثر على الرأي العام الأميركي، حيث تنظَّم حملات تضامن ومظاهرات في عدد من الولايات دعما للاجئين الأفغان.
أما منظمة "أفغان أوك"، وهي مجموعة من المحاربين القدامى الأميركيين أُنشئت لمساعدة العسكريين الأفغان وشركاء القوات الأميركية، فردّت على قرار وزارة الأمن الداخلي الأميركي في بيان، واعتبرت أنه "لم يُتخذ بناء على الحقائق الموجودة على الأرض، ولا تزال أفغانستان تحت سيطرة طالبان، وتستمر عمليات القتل والاعتقالات التعسفية وانتهاكات حقوق الإنسان".
وتقول المنظمة إنه مع تنفيذ القرار، فإن أكثر من 14 ألفا و600 لاجئ أفغاني سيفقدون وضعهم كلاجئين ويواجهون خطر الترحيل إلى أفغانستان.
مشكلات هيكلية
عقب تولي حركة طالبان السلطة، بدأ الكونغرس برنامج تأشيرات الهجرة الخاصة "إس آي في" (SIV) المخصص للمترجمين والسائقين وغيرهم ممن عملوا مع الأميركيين خلال العقدين الأخيرين في أفغانستان ويخشون "انتقام" الحركة.
تقول زينب محمدي (اسم مستعار)، التي عملت مترجمة مع القوات الأميركية في العاصمة كابل، للجزيرة نت إن طلب تأشيرتها قيد الانتظار منذ عامين، وإنها أرسلت كل الوثائق اللازمة وحصلت على التوصية من القادة الأميركيين الذين عملت معهم، وتنتظر بقلق مصيرها.
وتابعت "أخشى على حياتي، التطورات الجديدة جعلتني أفقد الأمل في الهجرة إلى الولايات المتحدة"، وأشارت إلى وجود مئات الأفغان في المدن الرئيسية مثل مزار شريف وقندهار "من مقدمي الطلبات في الخفاء وينتظرون المغادرة".
ووفقا لأرقام الخارجية الأميركية، فقد تم تخصيص أكثر من 70 ألف تأشيرة منذ عام 2009، تشمل مقدمي الطلبات الأساسيين وأفراد أسرهم. وتمت إضافة 12 ألفا جديدة في عام 2024 مع تمديد البرنامج حتى نهاية 2025. ومع ذلك، لا يزال أكثر من 60 ألف طلب قيد المعالجة، بحسب تقديرات منظمات حقوقية.
ويقول الضابط السابق في الجيش الأفغاني سميع الله جلالزي للجزيرة نت إن برنامج الهجرة، ورغم "نواياه الإنسانية"، فإنه يعاني من مشكلات هيكلية، تشمل:
بطء الإجراءات.
نقص الكوادر المعالِجة.
تعقيد المعايير الأمنية.
ويرى أن تأخير النظر في مطالب التأشيرات لا يهدد فقط حياة المتقدمين، بل يقوّض مصداقية الوعود الأميركية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 16 ساعات
- الجزيرة
من الحماية إلى الترحيل.. مصير مجهول للاجئين أفغان في أميركا
كابل – بعد مرور أكثر من 3 سنوات على لجوء عشرات الآلاف من الأفغان إلى الولايات المتحدة ، يواجه كثيرون خطر الترحيل إلى بلدهم، ولا يزال العديد ممن لديهم قضايا هجرة مختلفة إلى أميركا عالقين في الدوحة وإسلام آباد. وأعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية إلغاء "برنامج الحماية المؤقتة للاجئين الأفغان" الذي ينتهي غدا الثلاثاء، وأفادت في بيان رسمي نُشر على موقعها بأن "القرار أصبح نهائيا وسيدخل حيز التنفيذ يوم 12 يونيو/حزيران المقبل، وسيصبح الطريق ممهدا لترحيل اللاجئين الأفغان إلى بلادهم". ونقل البيان عن الوزيرة كريستي نويم قولها "راجعنا الوضع في أفغانستان بالتعاون مع الوكالات المعنية، وخلصنا إلى أن البلاد لم تعد تلبي المتطلبات اللازمة للحفاظ على وضع الحماية المؤقتة، وتحسن الوضع الأمني فيها وأصبح اقتصادها مستقرا، بحيث لم تعد هناك عقبات أمام المواطنين الأفغان للعودة إلى بلادهم. وستنتهي الفترة المحددة في الـ20 من الشهر الجاري". ترحيب أفغاني ورحبت الخارجية الأفغانية بتقييم الوزارة الأميركية، وقالت إنها "خطوة إيجابية وإدراك للحقائق الموجودة على الأرض". في السياق، قال المتحدث باسم الخارجية الأفغانية عبد القهار بلخي للجزيرة نت إن أفغانستان وطن مشترك لجميع الأفغان، ولهم الحق في التنقل بحرية، وإن الحكومة مستعدة لإجراء محادثات جادة مع واشنطن والدول الأخرى بشأن عودة الأفغان الذين لم يعودوا يستوفون شروط البقاء في الدول المضيفة. وأكد على أهمية إيجاد آليات ثنائية وتوفير خدمات قنصلية لمواطنيهم بما يتماشى مع المعايير المعتمدة لتجنب التعقيدات والاستجابة للمخاوف المتعلقة بالأمن القومي، وضمان كرامة حقوق المواطنين العائدين إلى أفغانستان. وتعليقا على ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الله كريمي للجزيرة نت "بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان رأينا أشخاصا حصلوا على الحماية المؤقتة وهم لم يعملوا مع القوات أو المؤسسات الأميركية، وإنما حصلوا على الوثائق مقابل دفع الأموال، وكثيرون منهم متورطون في عمليات احتيال، وملفاتهم الآن قيد التحقيق، وحسب علمي اعتُقل عدد منهم بسبب الاحتيال". ويعيش في الولايات المتحدة حاليا أكثر من 76 ألف لاجئ أفغاني تم إجلاؤهم عقب سقوط العاصمة كابل في أغسطس/آب 2021 بيد حركة طالبان. وتم منح معظمهم تصريح إقامة مؤقتة لمدة سنتين بموجب برنامج "الوضع الإنساني المشروط"، وانتهت الفترة المسموح بها بداية 2023، مما يعرّض الآلاف منهم لخطر الترحيل إذا لم يتم تجديد التصريح أو تحويله إلى وضع قانوني دائم. عمل كريم خان (اسم مستعار) مترجما لمدة 7 سنوات مع القوات الأميركية شرقي أفغانستان، ولجأ إلى الولايات المتحدة بعد انسحابها من البلاد. ويقول للجزيرة نت "القضية ليست إنسانية فقط، بل تتعلق بمصداقية واشنطن في الوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها، إن الترحيل المحتمل للأفغان يرسل رسالة سلبية لأي طرف مستقبلي قد يتعاون معها في مناطق النزاع". وأضاف "من يضمن حياتي إن رُحّلت إلى أفغانستان؟ التقييم الذي أجرته وزارة الأمن الداخلي الأميركي لا يمت للحقيقة بصلة وتبرير غير أخلاقي، وأرفضه بشدة". قانون عالق أما اللاجئ مصطفى خان (اسم مستعار) فيقول للجزيرة نت "يبدو أن إلغاء برنامج الحماية المؤقتة يؤثر فقط على أولئك الذين يعيشون في الولايات المتحدة بموجبه، طُلب منا التواصل مع مستشاري الهجرة بشأن مصيرنا، لا نشعر بالأمان بعد إعلان قرار ترحلينا". وحسب المصادر، فإن نحو 20 ألف لاجئ أفغاني في الولايات المتحدة لم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على أي وضع قانوني دائم، رغم تقدمهم بطلبات اللجوء. وأوضح الكاتب والمحلل السياسي عبد الكريم جلالي للجزيرة نت أن "قانون التكيف الأفغاني" لا يزال عالقا في الكونغرس منذ أكثر من عام، وسط انقسام سياسي، حيث يطالب بعض الجمهوريين بتدقيق أمني أكثر صرامة لأنهم يشككون في خلفيات بعض اللاجئين. وتم تقديم هذا القانون في أغسطس/آب 2022، ويهدف إلى توفير طريق مباشر للإقامة الدائمة للأفغان الذين دخلوا الولايات المتحدة عبر عملية "الترحيب بالحلفاء" التي نفذتها واشنطن "لإجلاء أولئك الذين كانوا في خطر بعد استيلاء حركة طالبان على السلطة". ويرى مراقبون أن الانقسام في الكونغرس بين الجمهوريون والديمقراطيين حول القانون قد يؤثر على ثقة الحلفاء في مناطق النزاع الأخرى مثل أوكرانيا أو العراق، كما أنه سيخلق أزمة داخلية أخلاقية وإنسانية بدأت تؤثر على الرأي العام الأميركي، حيث تنظَّم حملات تضامن ومظاهرات في عدد من الولايات دعما للاجئين الأفغان. أما منظمة "أفغان أوك"، وهي مجموعة من المحاربين القدامى الأميركيين أُنشئت لمساعدة العسكريين الأفغان وشركاء القوات الأميركية، فردّت على قرار وزارة الأمن الداخلي الأميركي في بيان، واعتبرت أنه "لم يُتخذ بناء على الحقائق الموجودة على الأرض، ولا تزال أفغانستان تحت سيطرة طالبان، وتستمر عمليات القتل والاعتقالات التعسفية وانتهاكات حقوق الإنسان". وتقول المنظمة إنه مع تنفيذ القرار، فإن أكثر من 14 ألفا و600 لاجئ أفغاني سيفقدون وضعهم كلاجئين ويواجهون خطر الترحيل إلى أفغانستان. مشكلات هيكلية عقب تولي حركة طالبان السلطة، بدأ الكونغرس برنامج تأشيرات الهجرة الخاصة "إس آي في" (SIV) المخصص للمترجمين والسائقين وغيرهم ممن عملوا مع الأميركيين خلال العقدين الأخيرين في أفغانستان ويخشون "انتقام" الحركة. تقول زينب محمدي (اسم مستعار)، التي عملت مترجمة مع القوات الأميركية في العاصمة كابل، للجزيرة نت إن طلب تأشيرتها قيد الانتظار منذ عامين، وإنها أرسلت كل الوثائق اللازمة وحصلت على التوصية من القادة الأميركيين الذين عملت معهم، وتنتظر بقلق مصيرها. وتابعت "أخشى على حياتي، التطورات الجديدة جعلتني أفقد الأمل في الهجرة إلى الولايات المتحدة"، وأشارت إلى وجود مئات الأفغان في المدن الرئيسية مثل مزار شريف وقندهار "من مقدمي الطلبات في الخفاء وينتظرون المغادرة". ووفقا لأرقام الخارجية الأميركية، فقد تم تخصيص أكثر من 70 ألف تأشيرة منذ عام 2009، تشمل مقدمي الطلبات الأساسيين وأفراد أسرهم. وتمت إضافة 12 ألفا جديدة في عام 2024 مع تمديد البرنامج حتى نهاية 2025. ومع ذلك، لا يزال أكثر من 60 ألف طلب قيد المعالجة، بحسب تقديرات منظمات حقوقية. ويقول الضابط السابق في الجيش الأفغاني سميع الله جلالزي للجزيرة نت إن برنامج الهجرة، ورغم "نواياه الإنسانية"، فإنه يعاني من مشكلات هيكلية، تشمل: بطء الإجراءات. نقص الكوادر المعالِجة. تعقيد المعايير الأمنية. ويرى أن تأخير النظر في مطالب التأشيرات لا يهدد فقط حياة المتقدمين، بل يقوّض مصداقية الوعود الأميركية.


الجزيرة
منذ 18 ساعات
- الجزيرة
ترحيل زعيمة المعارضة الكينية مارثا كاروا من تنزانيا يثير جدلا
رحّلت السلطات التنزانية المحامية والناشطة السياسية الكينية البارزة مارثا كاروا فور وصولها إلى مطار جوليوس نيريري الدولي في العاصمة دار السلام، حيث كانت تعتزم حضور جلسة محاكمة السياسي المعارض توندو ليسو. وقد أثار هذا الإجراء انتقادات من منظمات حقوقية إقليمية، واعتُبر انتهاكا لحقوق الشخصيات السياسية الزائرة. وكانت كاروا -التي سبق أن شغلت منصب وزيرة العدل في كينيا- قد وصلت إلى تنزانيا في 18 مايو/أيار الجاري بهدف دعم توندو ليسو زعيم حزب "تشاديما" المعارض، والمعتقل بتهمة الخيانة العظمى، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام وفقا للقانون التنزاني. وذكرت مصادر مطلعة أن كاروا تم ترحيلها دون السماح لها بمغادرة المطار أو التواصل مع محاميها أو مع ممثلي البعثة الدبلوماسية الكينية، وهو ما اعتبره مراقبون تجاوزا للمعايير الدولية في التعامل مع الزوار من الشخصيات السياسية وناشطي المجتمع المدني. وتُعرف مارثا كاروا بمواقفها الصريحة في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بمنطقة شرق أفريقيا، وسبق أن قدّمت دعما قانونيا وسياسيا إلى عدد من الشخصيات المعارضة في كل من أوغندا وتنزانيا. كما كانت من أبرز القيادات النسائية في الانتخابات الرئاسية الكينية الأخيرة، حيث ترشحت لمنصب نائبة للرئيس إلى جانب رايلا أودينغا. ويعد توندو ليسو من أبرز وجوه المعارضة في تنزانيا، وقد نجا من محاولة اغتيال عام 2017، مما اضطره إلى مغادرة البلاد لفترة تلقى خلالها العلاج واختار العيش في المنفى. إعلان وعاد ليسو مؤخرا إلى البلاد لاستئناف نشاطه السياسي، ليجد نفسه مجددا في مواجهة مع السلطات، وذلك بعد رفضه وحزبه التوقيع على "بروتوكول انتخابي" محل جدل تعتبره المعارضة تهديدا لمبدأ التعددية السياسية. ويأتي هذا التطور في ظل تصاعد الانتقادات الموجهة إلى الحكومة التنزانية بشأن تقييد الحريات السياسية والمدنية، وسط دعوات إقليمية ودولية للإفراج عن المعارضين السياسيين وضمان بيئة انتخابية حرة ونزيهة وشاملة.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
أفغانستان تواجه تداعيات الصراع بين الهند وباكستان
كلما اتخذت التوترات الجيوسياسية بين الهند وباكستان مسارا متصاعدا، تبرز تداعياتها الإقليمية العميقة، لتشمل أفغانستان بوصفها دولة محورية في قلب آسيا. ويُضفي موقع أفغانستان الجغرافي الحساس، كدولة حبيسة تقع عند تقاطع مصالح 3 قوى نووية كبرى، بعدا إضافيا من التعقيد على وضعها الأمني والسياسي، ورغم أنها ليست طرفا مباشرا في النزاع فإن موقعها الإستراتيجي يجعلها عرضة لتداعياته المختلفة. ورغم سعي أفغانستان الدائم تاريخيا إلى اتباع سياسة الحياد تجاه النزاعات الهندية الباكستانية، فإن هذه الجهود لم تلقَ دائما تجاوبا إيجابيا من قبل كل من نيودلهي وإسلام آباد اللتين تسعى كل منهما لاستمالة كابل إليها ضد الأخرى. التداعيات السياسية وفي بيان رسمي، دعت وزارة الخارجية الأفغانية الهند وباكستان إلى "حلّ الخلافات القائمة عبر الطرق السلمية. فالحرب وعدم الاستقرار لا يخدمان مصلحة المنطقة، والإمارة الإسلامية (طالبان) تدعم استقرار المنطقة". وفي ظل تصاعد التوترات العسكرية بين الهند وباكستان، سعت إسلام آباد إلى كسب موقف داعم من حكومة طالبان، أو على الأقل ضمان حيادها ومنعها من الانفتاح على نيودلهي، لكن طالبان تواجه تحديا دبلوماسيا بالغ التعقيد؛ فتبنّي موقف منحاز في هذه المرحلة قد يعرضها لفقدان ثقة عدد من الدول المؤثرة في المشهد الإقليمي، مثل إيران وروسيا، مما يجعلها أمام اختبار دقيق لموازنة علاقاتها الإقليمية مع طموحاتها للحصول على اعتراف دولي. وكانت وزارة الخارجية الأفغانية قد أصدرت بيانا أدانت فيه الهجوم الذي استهدف مجموعة من السياح في الشطر الهندي من كشمير في 22 أبريل/ نيسان الماضي، معربة عن تعاطفها مع الضحايا، ومؤكدة أن هذا النوع من الحوادث "يعطل الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين". وتزامنا مع ذلك، شهدت العاصمة كابل زيارة قام بها أناند براكاش، نائب وزير الخارجية الهندي لشؤون أفغانستان وباكستان وإيران، حيث التقى وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي. وقد وصف براكاش العلاقات بين البلدين بأنها "مهمة"، مؤكّدا استمرار التعاون الهندي مع أفغانستان، والتطلع إلى استئناف المشاريع المتوقفة والاستثمار في مشاريع بنية تحتية جديدة. وفي بيان لوزارة الخارجية الأفغانية عقب اللقاء، أُشير إلى أنه قد تم التطرق إلى "الوضع السياسي في المنطقة"، دون أن يتضمن البيان أي ذكر مباشر للتوتر القائم بين الهند وباكستان. يُذكر أن وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي كان قد التقى بنائب وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري في مدينة دبي في يوليو/تموز 2024، وهو اللقاء الذي عُدّ أعلى مستوى من الاتصالات الرسمية بين الحكومة الهندية وطالبان منذ سيطرة الأخيرة على الحكم عام 2021. على صعيد آخر، تنظر الهند إلى الأوضاع الراهنة كفرصة محتملة لتعزيز مشاريعها الإقليمية الإستراتيجية، مثل تطوير ميناء تشابهار الإيراني، الذي يُعد منفذا رئيسيا للتجارة نحو أفغانستان وآسيا الوسطى. ويمكن اعتبار هذا التوجه بمثابة محاولة لتقليل اعتماد كابل على الموانئ الباكستانية، وهو ما قد تنظر إليه إسلام آباد كمحاولة لتطويقها جيوسياسيا. يرى السفير الأفغاني السابق لدى نيودلهي، فريد ماموندزاي، أن أفغانستان ظلت لفترة طويلة ساحة لتجاذبات إقليمية بين الهند وباكستان، مؤكدا أن البلاد "عانت دائما من هذا الواقع". ويضيف أن حكومة طالبان "مترددة ولا تعرف أي جانب ستختار". أما المحلل السياسي الأفغاني أحمد سعيدي، فقد وصف الوضع الذي تواجهه طالبان بأنه "موقف صعب"، لكنه رجّح أن تتجه الحركة إلى "تبني الحياد" في النزاع بين الجارتين النوويتين. وبينما تباينت مواقف شخصيات سياسية أفغانية محسوبة على النظام السابق تجاه الصراع، انتقد عطا محمد نور، أحد قادة حزب الجمعية الإسلامية الأفغاني، الهجوم الهندي محذرا من تبعات الاستهانة بقدرات باكستان العسكرية، قائلا "يبدو أن الهند تسير على نهج النظام الإسرائيلي، لكنها يجب أن تدرك أن باكستان ليست غزة بلا دفاع؛ إنها إحدى القوى العسكرية والنووية في المنطقة". ومن اللافت في خضم هذه التطورات، الزيارة التي قام بها المندوب الباكستاني الخاص إلى أفغانستان، صادق خان، إلى كابل بتاريخ 9 أبريل/نيسان، حيث أجرى محادثات مع المسؤولين الأفغان لم يُكشف عن فحواها، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها تأتي ضمن محاولات باكستانية لمنع أي تقارب محتمل بين طالبان والهند. التداعيات الأمنية في حال عودة نشوب مواجهة مسلحة بين باكستان والهند واتساعها، يُتوقع أن تقدم إسلام آباد على إعادة نشر عدد كبير من قواتها النظامية من المناطق الغربية المحاذية لأفغانستان إلى الجبهة الشرقية المواجهة للهند. مثل هذه الخطوة قد تخلق فراغا أمنيا في المناطق الحدودية الباكستانية، خاصة في إقليمي خيبر بختونخوا ومناطق القبائل، وهي مناطق تُعد ساحة نشطة لجماعات مسلحة على غرار " حركة طالبان باكستان" وتنظيم "الدولة-خراسان". وقد يشكل هذا الانسحاب المؤقت من الحدود الغربية فرصة ثمينة لهذه الجماعات المسلحة لإعادة تنظيم صفوفها، وتوسيع أنشطتها العملياتية عبر جانبي الحدود. ويرى الكاتب والمحلل السياسي الأفغاني محمد مصعب، في حديث للجزيرة نت، أن "انعدام السيطرة الأمنية على الحدود من الجانب الباكستاني، سيفتح الباب أمام تدفقات متبادلة من المقاتلين والأسلحة، لا سيما عبر ممرات معروفة في ولايتي ننغرهار وكونر الأفغانيتين". ويضيف "هذا التدفق لا يقتصر على عناصر حركة طالبان الباكستانية، بل قد يشمل فصائل مسلحة أخرى ترى في هذا الصراع فرصة لتوسيع عملياتها، أو حتى لتجنيد عناصر جديدة تحت شعار مواجهة العدو المشترك. هذا بدوره سيفاقم من الأزمة الأمنية داخل أفغانستان، التي تعاني أصلا من هشاشة في ضبط حدودها الشرقية". مشاكل أمنية مشتركة بين كابل وإسلام آباد من جهة أخرى، تتهم باكستان الهند بدعم جماعات مسلحة تنشط في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخوا، وقد أعلن الجيش الباكستاني في وقت سابق أنه قتل 71 مسلحا دخلوا البلاد "من أفغانستان"، وفق بيان رسمي. وادعى الجيش الباكستاني أن هؤلاء المسلحين "كانوا ينفذون أوامر صادرة عن قادة هنود". هذه المزاعم أثارت تساؤلات حول إمكانية سعي المؤسسة العسكرية الباكستانية إلى جرّ حكومة طالبان إلى قلب الصراع القائم مع الهند، لا سيما في ظل الإشارة إلى أن بعض هؤلاء القتلى "مواطنون أفغان" ومنتمون إلى حركة طالبان باكستان. وفي هذا السياق، حذر رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف من صعوبة إقامة علاقات سلمية مع حكومة طالبان ما دامت الجماعات المسلحة تستخدم الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد بلاده. ورغم هذه الاتهامات، لم تُصدر كابل ولا حركة طالبان الباكستانية أي رد فعل رسمي، غير أن ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حكومة طالبان، كان قد وصف في تصريحات سابقة حركة طالبان باكستان بأنها "مشكلة تتعلق بالأمن الداخلي الباكستاني". وبالإضافة إلى ذلك، أي تحرك عسكري باكستاني على الحدود المشتركة مع أفغانستان، سواء عبر عمليات ميدانية أو غارات استباقية ضد مواقع مشتبه بها، قد يُفسر من قبل حكومة طالبان بأنه انتهاك للسيادة الوطنية، مما قد يعيد فتح جبهة نزاع ثنائي جديد بين الطرفين، تُضاف إلى التوترات الأمنية القائمة. التداعيات الاقتصادية أفغانستان دولة حبيسة تعتمد بشكل أساسي على الموانئ الباكستانية، خصوصا ميناء كراتشي، في عمليات الاستيراد والتصدير. في حال اندلاع حرب واسعة النطاق بين الهند وباكستان، ستتعرض طرق الإمداد هذه للإغلاق، مما سيؤدي إلى نقص حاد في السلع الأساسية، من الوقود إلى الأغذية والأدوية. ومن المتوقع أن ينتج عن ذلك ارتفاع كبير في الأسعار، مما يزيد من معاناة السكان. ومن المتوقع أن يؤدي إغلاق معبر واجه-أتاري وميناء كراتشي، اللذين يمر عبرهما الجزء الأكبر من صادرات وواردات أفغانستان إلى تفاقم النقص في السلع، فخلال التصعيد الأخير تم الإبلاغ عن ارتفاع أسعار بعض السلع خلال يومين فقط من تصاعد الاشتباكات بين الهند وباكستان. وفقا لغرفة التجارة الأفغانية، تصدر أفغانستان إلى الهند سنويا بضائع بقيمة تقدر بنحو 500 مليون دولار، يتم نقل 80% منها عبر معبر واجه-أتاري، الذي أُغلق عقب التوترات الأخيرة بين البلدين، مما أثر بشكل مباشر على حركة التجارة. كما أن مشروع خط أنابيب تابي (تركمنستان-أفغانستان-باكستان-الهند)، الذي يمثل شريانا اقتصاديا حيويا، قد يتوقف تماما إذا استمر النزاع بين باكستان والهند، ما سيحرم أفغانستان من فوائد اقتصادية كبيرة، تشمل الغاز الطبيعي والوظائف والاستثمارات، بالإضافة إلى إيرادات تقدر بـ 500 مليون دولار سنويا. ويقول أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة كابل، سيد مسعود، إن "الحرب بين الهند وباكستان ستؤثر تأثيرا عميقا على الوضع الاقتصادي في أفغانستان. سترتفع تكاليف النقل، وستنخفض المساعدات المالية، وستشهد الأسواق ارتفاعا في الأسعار بنسبة تتراوح بين 30% و70%". بالإضافة إلى ذلك، يحذر مسعود من انخفاض غير مسبوق في حجم البضائع على الحدود، مما سيدفع الأسواق الأفغانية للانكفاء نحو آسيا الوسطى والصين كبدائل. التداعيات الإنسانية وفي حالة تصعيد الصراع وتوسع رقعة أية حرب محتملة بين الهند وباكستان، من المتوقع تدفق موجات واسعة من اللاجئين من المناطق الباكستانية المتضررة جراء القصف والعنف إلى الأراضي الأفغانية. وسيشكل هذا التدفق المفاجئ ضغطا كبيرا على البنية التحتية الضعيفة في أفغانستان، فضلا عن تفاقم التوترات السكانية، لا سيما في المناطق الحدودية. في الوقت ذاته، سيؤدي اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى تعميق أزمة الأمن الغذائي ، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية. إعلان كما قد تواجه المنظمات الإغاثية صعوبات كبيرة في تنفيذ برامجها بسبب انعدام الاستقرار ونقص التمويل، مما يهدد حياة ملايين الأفغان بجوع متزايد وسوء تغذية. وسط تناقضات جغرافية وضغوط من الجيران واضطرابات إقليمية متكررة، تقف أفغانستان، التي لم تكد تلتقط أنفاسها بعد عقود من الاحتلال والصراع، على حافة خطر جديد مع تجدد المواجهات بين الهند وباكستان. وستتوقف قدرتها على تجاوز هذه المرحلة الحرجة على مرونتها الدبلوماسية، وفتحها لبدائل تجارية فعالة، فضلا عن قدرتها على الحفاظ على الاستقرار الداخلي في مواجهة هذه العواصف الخارجية.