
اضطرابات ليبيا تعزز الدعوات لمعالجات سياسية وأمنية جذرية في الشرق والغرب
منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي قبل نحو عقدٍ ونيّف، لم يُكتب بعد لليبيا أن تتنفس الصعداء، فالمناطق الغربية، منذ اغتيال القيادي عبد الغني الككلي، تعيش على صفيح ساخن، بين احتجاجات تُطالب باستقالة عبد الحميد الدبيبة المقالة أساساً من البرلمان، تُقابلها تظاهرات مؤيدة له، لينعكس الانقسام في الأروقة السياسية، على الشارع في طرابلس.
وبينما يعتبر محللون، أن ذروة الاحتجاجات في العاصمة، مرّت، يُبدي هؤلاء، مع آخرين، خشية من أن يؤدي غياب المُعالجات والتغيير وفق مسار سياسي شامل، ينتهي بحكومة موحدة وخارطة سياسية وزمنية لإجراء الانتخابات، إلى فقدان حكومة الوحدة الوطنية المقالة من البرلمان السيطرة على الوضع، بما يجر إلى مزيد من عدم الاستقرار في الوضع الداخلي، تؤججه تشكيلات مُسلّحة، الأمر الذي يُثير مخاوف من اندلاع حرب أهلية.
وفي شرق ليبيا، لا تزال العاصمة، بنغازي، تعيش ارتدادات الاستعراض العسكري الضخم الذي نظّمه الجيش الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، في الاحتفال بالذكرى الـ 11 لـ"عملية الكرامة"، التي أطلقها الجيش على مجموعات مُسلحة يعتبرها "متطرّفة".
وتخلل الاحتفال حضور لافت لمسؤولين من دول عربية وإفريقية وغربية، بالإضافة إلى قيادات عسكرية وسياسية، في استعراض يبعث برسائل للداخل والخارج، وفق خبراء.
وتلك الرسائل أراد مُرسلوها، على ما يبدو، الإيحاء للخارج والداخل، بانتظام الوضع السياسي والعسكري واستقراره في الشرق، بخلاف الاضطراب الذي يعيشه الغرب، وما بين اشتعال الغرب ورسائل الشرق، يغرق المشهد الليبي في مزيدٍ من التعقيد، تتفاوت درجاته منذ بداية الأزمة الليبية عام 2011.
الأزمة الحالية في الغرب، تفجّرت عقب مصرع القائد عبد الغني الككلي في 12 مايو الماضي، لتندلع اشتباكات عنيفة في طرابلس، أعادت مشاهد الدم إلى الشوارع، التي شهدت تحركات تطالب بوضع "نُقطة نهاية" للاقتتال، وبلغ الأمر حد المطالبة بإسقاط حكومة الدبيبة"، لكن ما لبث هذا الشارع أن انقسم، إذ خرجت تظاهرات داعمة للدبيبة، ليعكس هذا الانقسام، ما هو حاصل من شرخ في أروقة السياسة الليبية.
وفي ظل التباين الحاد في الرؤى بين الهياكل التشريعية والتنفيذية، والتضارب في المرجعيات الدستورية، وأيضاً في الحسابات والاصطفافات، تغيب شيفرة الحل، ويراوح الانقسام مكانه.
وبالتزامن، تحاول الأمم المتحدة إعادة ضبط العملية السياسية عبر خارطة طريق تُمهد لإجراء الاستحقاق الانتخابي المؤجل، وهي المرحلة المفصلية التي ينتظرها الليبيون منذ سنوات، ويُعلقون عليها الآمال في بناء مؤسسات دائمة وموحدة.
استعراض ضخم في بنغازي
بينما تغرق طرابلس في "معركة الشارع"، كانت المدينة العسكرية في بنغازي، شرقي ليبيا، تعيش على وقع استعراض عسكري ضخم، تخللته كلمة لقائد الجيش الليبي خليفة حفتر تضمن رسائل متعددة الأبعاد.
وشهد الاحتفال حضور وفود رسمية من دول عدة، منها مصر، وروسيا، وتشاد، والنيجر، وبيلاروس.
وضم الوفد المصري رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء حسن رشاد، بينما شارك من الجانب الروسي نائب وزير الدفاع يونس بيك إيكفوروف، إضافة إلى مسؤولين أمنيين وعسكريين من دول إفريقية.
وفي الكلمة التي ألقاها عقب العرض العسكري، أكد حفتر حرص القيادة العامة للجيش الليبي على وحدة أراضي ليبيا، مشيداً في الآن نفسه بدورها في دحر "قوى الإرهاب والتطرف".
وشدد حفتر، على أن "القوات المسلحة ستكون لها الكلمة الفاصلة في اللحظة الحاسمة"، واعتبر، في رسالة إلى الداخل والخارج، أن القيادة العامة "قاتلت بالنيابة عن العالم بأسره"، موضحاً أن الجيش الليبي كان وسيظل "حَمَلة الأمانة وحماة الحاضر والمستقبل والمؤتمنين على صون وحماية بلادنا ليبيا من كل المخاطر والتحديات".
ودعا جميع منتسبي القوات المسلحة، إلى "البقاء على أهبة الاستعداد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية".
رسائل إلى الداخل والخارج
في قراءته لدلالات العرض العسكري في بنغازي، رأى الباحث الليبي في الدراسات الاستراتيجية والسياسية، محمد امطيريد، أن "العرض العسكري لم يكن مجرد استعراض ميداني للقوة، بل كان رسالة استراتيجية مزدوجة تحمل مضامين سياسية وعسكرية".
وفي حديثه لـ"الشرق"، قال امطيريد، إن "هناك رسائل عدة أراد حفتر إيصالها، أولها للداخل بأن الشرق مستقر وقادر على فرض النظام والانضباط، في وقت تعاني فيه مناطق الغرب من التصدع والانفلات".
وأضاف امطيريد، أن الرسالة الموجهة للخارج هي: "ألا تراهنوا فقط على حكومة طرابلس، فهنا في بنغازي مؤسسة عسكرية منظمة تنتظر دورها في رسم ملامح المرحلة القادمة"، مشيراً إلى أنه "مشاركة ممثلين عن دول كبرى جالسين في مقاعدهم الأولى خلال العرض، تعني أن الرسالة وصلت إلى من يجب أن تصل إليه، وأن الحضور الدولي لم يكن عرضياً، بل مقصوداً ومدروساً، وأن حفتر لا يزال جزءاً من الحسابات الدولية".
وتابع: "العالم يراقب فشل طرابلس المتكرر في إدارة ملفات الأمن والخدمات والانتخابات، وقد تُفكر بعض العواصم جدياً في إعادة فتح قنواتها مع بنغازي، ليس حباً في حفتر بالضرورة، بل لأن البدائل بدأت تضعف وتتآكل".
إلى جانب ذلك، اعتبر امطيريد، أن "العرض العسكري موجه، في مضمونه وسياقه وتوقيته، بشكل مباشر، للغرب الليبي، في ظل الاحتجاجات الشعبية التي تتوسع في طرابلس ومصراتة والزاوية"، وأراد من ذلك أن يقول: "أنتم غارقون في فوضى لا تنتهي، ونحن هنا نمتلك جيشاً منضبطاً ينتظر الأوامر"، إضافة إلى الإيحاء بجهوزيته "لملء الفراغ" في حال "سقطت العاصمة مجدداً في فوضى شاملة".
ويتفق الباحث السياسي الليبي فرج فركاش، مع امطيريد، مشيراً إلى إن "حفتر يطرح نفسه، من خلال خطاباته المتكررة، كخيار متوفر وجاهز لأخذ زمام المبادرة لإنهاء الفوضى والوضع الأمني المؤسساتي الهش في الغرب الليبي، وأيضاً كخيار موّحد للبلاد".
وقال فركاش لـ"الشرق"، إن "حفتر أراد من خلال العرض العسكري، التأكيد داخلياً على سيطرته العسكرية وعلى مدى نمو حجم قواته، وربما بعث رسالة طمأنة لحاضنته الشعبية، أما خارجياً، هناك رسالة بأنه هو الطرف الفعال والأقوى في أي تسوية سياسية ولا يمكن تجاهله، وأنه يمكن الاعتماد عليه في أمور أخرى مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية".
ورأى فركاش، في الحضور الدولي، وخاصة من ممثلين عن الجانب الروسي والمصري، "إعطاء إشارة وانطباع على اعتراف غير مباشر بسلطة حفتر على الشرق الليبي وبعض أجزاء الجنوب وترسيخ مكانته في المعادلة الليبية".
عدوى الانقسام تنتقل إلى الشارع
لا يقتصر "ميدان الشهداء"، وسط طرابلس، على كونه مسرح المنددين بالاشتباكات الأخيرة في العاصمة وتجدد العنف فيها، والمطالبين برحيل حكومة الوحدة الوطنية المقالة من البرلمان، فحسب، بل حلّت بالمكان وفود ترفع شعارات مغايرة تماماً.
وبدأت تخرج مظاهرات مؤيدة لهذه لحكومة التي يقودها الدبيبة بين الحين والآخر في العاصمة طرابلس، وذلك في منعطف أدخل المدينة في معادلة "الشارع مقابل الشارع"، بما يُسقط الصراع السياسي في غُرَف السياسيين المُغلقة، على الميادين والساحات.
وفي حين ينادي المعسكر الأول بتشكيل حكومة موّحدة تقود البلاد نحو الانتخابات، يدعم الشق الثاني من المتظاهرين حكومة الدبيبة، وما بين المعسكرين، يبدو الشارع عاجزاً عن استيعاب "توازن الرعب"، والذي يخشى مراقبون من أن يقود نحو حرب أهلية.
المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ، والمقيم في طرابلس، قال في تصريحات لـ"الشرق"، إنه "بغض النظر عن أسباب المظاهرات ومن يحشد لها، سواء كان للطرف المؤيد للحكومة أو المعارض لها، ففي نهاية الأمر، الكلمة تعود مرة أخرى للشارع".
وحول المطالب بتغيير كل الأجسام السياسية، قال محفوظ: "لقد كنا نفتقد لهذا الأمر طيلة السنوات الماضية والتي تعاني منها ليبيا وتجعلها في حالة انسداد (أفق) كبيرة"، معتبراً أن "حالة الصمت التي كانت موجودة في السابق وغياب صوت الشارع تم قراءتها دولياً وكأنها قبول بالوضع الموجود، ولذلك ستكون السيناريوهات المحتملة على أصعدة عدة، لكن قد يكون أبرزها وجود تغيير قادم".
وتوقع أن يكون من الصعب تجاوز التغيير الذي يُنادي به الشعب، "ولذلك علينا أيضاً أن نتفادى أخطاء الماضي ويكون التغيير وفق مسار سياسي شامل تكون فيه حكومة موحدة وخارطة قانونية سياسية وزمنية لإجراء الانتخابات في أقرب الآجال"، محذراً من أن "عدم الالتفات لهذه المطالب بشكل سريع وبدء مسار سياسي شامل تقوده الأمم المتحدة باعتبارها راعية للعملية السياسية، يُنذر بالذهاب إلى مربع مظلم ومواجهات مسلحة والدخول في حالة فراغ".
وتخوّف محفوظ، من أنه "في حال لم تتم الاستجابة بشكل سريع لهذه المطالب المشروعة، تظل كل الاحتمالات واردة للأسف الشديد"، ودعا "السلطات سواء حكومة الدبيبة (المقالة من البرلمان) أو أسامة حماد (حكومة الشرق) إلى الاستجابة لرغبة الشعب بالتغيير"، مشدداً على أن "الحلول اليوم هي دولية أكثر مما هي محلية لتحقيق مطالب الشارع".
سيناريوهات محتملة
وعمّا يُمكن أن يُسفر عنه التعقيد الراهن، والمُعقّد، في الغرب الليبي، حذّر محمد امطيريد، من أن الاحتجاجات "مرشحة للتصعيد"، مشيراً إلى أن هناك سيناريوهات عدة محتملة "لا تُبشر بأي استقرار قريب: الأول، إمكانية تصاعد المظاهرات إلى درجة تفقد الحكومة السيطرة، خاصة إذا استمر التجاهل والتأخير في الاستجابة. والثاني: قد تقوم السلطة خلاله بمحاولة احتواء الغضب بإجراءات تجميلية أو وعود مكررة، وهي وصفة معروفة للفشل".
وتابع: "أما "ثالث السيناريوهات الواردة، فهو الأخطر، ويتمثل في دخول التشكيلات المُسلّحة على الخط، إما لقمع المظاهرات أو لحماية أطراف سياسية معينة، ما قد يحوّل الشارع إلى ساحة مواجهة مسلحة، في حين يتمثّل السيناريو الرابع والأخير في وجود احتمال متزايد لعصيان مدني واسع، وذلك في حال شعر المتظاهرون والمواطنون عموماً بأنه لا أمل في الإصلاح من الداخل".
وبحسب امطيريد، فإن "خروج مظاهرات متزامنة، بعضها مؤيد لحكومة الدبيبة وأخرى معارضة لها، قد يطلق شرارة صدام مسلح، خصوصاً في ظل انتشار السلاح والانقسام"، مشيراً إلى "وجود أطراف تحمل السلاح ولها ولاءات متباينة، ما يعني أن أي احتكاك قد يتحول بسرعة إلى مواجهة حقيقية".
وقال: "اليوم شعارات، وغداً قد تكون رصاصات. ليبيا لا تزال تسير على حافة هاوية لم تغادرها منذ سنوات".
وأضاف امطيريد: "الدبيبة الآن أمام لحظة حرجة لا تحتمل التسويف أو المناورة. فإما أن يتحرك فوراً بإصلاحات جذرية تشمل تغيير الوجوه وفتح ملفات الفساد، والدخول في حوار وطني حقيقي يضم مختلف الأطراف، أو أن ينتظر الانفجار القادم"، معتبراً أن "الشارع لا يهدأ بالمسكنات، ولا ينطفئ بالبيانات الإنشائية، والغضب هذه المرة حقيقي، والشارع بات أكثر وعياً وتنظيماً، والوقت ليس في مصلحته (الدبيبة)، وإن تأخر أكثر، فقد لا يجد من يسمع صوته حين يقرر أخيراً أن يتحدث".
امتصاص الغضب
في المقابل، رأى المحلل السياسي فيصل الشريف، أن الاحتجاجات سبق وأن بلغت ذروتها، وأنها "في طريقها للانحسار لأن هناك تحركات على مستوى الأعيان والحكماء وبعض المجموعات المسلحة والحكومة"، وأن "هناك مساعي لإعادة الأمور إلى نصابها، والآن الأمور تتجه إلى التهدئة ومنع أي أعمال عسكرية".
واستبعد الشريف، وهو من مصراتة، المدينة التي ينحدر منها الدبيبة، أن "تكون هناك مواجهات مسلحة مرتقبة على المدى القريب"، ومع ذلك لم يستبعد حدوثها "لأننا ندرك أنه إلى هذه اللحظة، لم نصل إلى تسوية حقيقية يمكن من خلالها ضمان عدم تكرار المواجهات".
وقال: "حكومة الوحدة الوطنية (المقالة من البرلمان) نجحت، حتى الآن، في خلق نوع من التفاهمات للوصول إلى التهدئة على مستوى الأجهزة الأمنية، وهذا يخدم الغرب الليبي، في مواجهة الخطر الذي يتمثل في حفتر والمجموعات التي تتبعه والذين يسعون لإدخال الغرب الليبي في حروب ليتم استغلالها من قبل حفتر".
بدوره، رأى الباحث فركاش، أن حكومة الدبيبة "نجحت نسبياً حتى الآن في امتصاص الغضب الشعبي"، لكنه نبه إلى حاجة رئيسها "إلى خطوات ملموسة نحو إنهاء الانقسام الأمني، والتقليص من نفوذ بعض قادة المليشيات الكبرى التي تنتمي بالاسم فقط للسلطة المدنية ولكن ولاء أفرادها لقادتها".
واعتبر أن استمرار المظاهرات المناهضة والداعمة للدبيبة على حد سواء "قد يؤدي إلى تصعيد عسكري تتمناه وتحاول النفخ في جمره القوى المتربصة به من داخل وخارج طرابلس من المدن المجاورة وربما حتى أبعد من ذلك"، من دون أن يسمها هذه الجهات، لافتاً إلى "محاولات الدبيبة الحثيثة لتحييد بعض هذه المليشيات (أو التشكيلات المسلحة) أو ضمان دعمها له في أي مواجهة عسكرية مرتقبة في حال فشلت المفاوضات مع جهاز الردع (تابع للمجلس الرئاسي) مثلاً ذو الحاضنة الشعبية في بعض أحياء طرابلس ومنها سوق الجمعة".
وتابع فركاش: "قد يفتح الدبيبة أيضاً المجال لاحقاً للتفاوض مع القوة الفاعلة في الشرق الليبي"، في إشارة إلى المشير حفتر.
وأشار فركاش أيضاً إلى أن رئيس الحكومة في طرابلس يحتاج لـ"ضمان دعم المجلس الرئاسي وعلى الأقل الجزء الأكبر من مجلس الدولة المنقسم، وكذلك إلى استبعاد بعض الشخصيات المقربة ممّن تحوم حولها شبهات فساد وربما إعادة تشكيل حكومة، أو إجراء تعديل وزاري، تضم شخصيات بعيدة عن شبهات الفساد ولا علاقة لها بالتشكيلات المسلحة".
وأضاف: "أعتقد أن على الدبيبة كسب الدعم الشعبي لإجراء استفتاء على الخيارات التي طرحتها اللجنة الاستشارية، والتي من أبرزها الاستفتاء على مشروع الدستور بعد تعديله، وهذه الخطوة الوحيدة التي لم يتم اتخاذها بعد، بدلاً من الخيارات الأخرى التي تبقي على الأجسام الحالية على الأقل 24 شهراً، وتتطلب تغيير الحكومات الحالية".
وحذّر فركاش من أن تلك الخيارات "قد تُدخل ليبيا في صراعات مسلحة هي في غنى عنها ويدفع ثمنها سكان المنطقة الغربية بصفة خاصة وربما باقي المدن الليبية بشكل عام".
صراع دولي متجدد
وفي قراءة شاملة للأزمة الليبية انطلاقاً من التطورات الراهنة، قال مصدر دبلوماسي من شرق ليبيا لـ"الشرق"، إن حالة البلاد "تراوح مكانها منذ 2011، وتشبه كرة الثلج، فكلما تدحرجت ازدادت حجماً وتعقيداً".
وأضاف المصدر، أن "الموقع الجغرافي الذي تحتله ليبيا جنوب المتوسط هو الذي زاد من حدة وشدة التنافس الاستعماري شرقاً وغرباً"، موضحاً أن "ذلك يعني أن المسألة الليبية ليست صراعاً سياسياً كما هو معلن أو يُسوق له، بل هي منطقة يراد تقسيمها بعد أن أًسقط نظامها إلى مناطق نفوذ بين الدول التي شاركت في الغزو"، في إشارة ضمنية إلى تدخل حلف شمال الأطلسي "الناتو" عام 2011 عند الإطاحة بنظام معمر القذافي.
وأعرب المصدر الدبلوماسي عن أسفه، لأن "ما يجري في ليبيا هو إعادة مشروع (بيفن سيفورزا)"، نسبة إلى وزير الخارجية البريطاني إرنسيت بيفن، ونظيره الإيطالي كارلو سيفورزا، والذي أُعلن عنه في عام 1948، وكان يقضي بتقاسم الشمال الليبي، بحيث يكون غربه تحت الوصاية الإيطالية، وشرقه تحت الوصاية البريطانية، بينما يبقى جنوب البلاد تابعاً للمستعمرات الفرنسية في إفريقيا.
ورأى أن ما يحدث اليوم هو "السيناريو نفسه مع اختلاف التوقيت والأسماء وكذلك الوضع الدولي، إلا أن أن الأهداف واحدة مع إعطاء امتيازات للولايات المتحدة في غرب البلاد. واليوم يعود المشروع القديم من نفس الدول بعد أن أطيح بنظام القذافي، ليعود إلى الوضع الذي كان قبل نظامه أي الوضع الملكي".
ونبّه المصدر من أن "جل المؤشرات اليوم هي ترسيخ نظام سياسي تابع يُلبي المصالح الغربية في ليبيا، ولذلك هناك حرص على الحكومة في طرابلس بتركيبتها الحالية دون توجيه أي نقد لأدائها"، لافتاً إلى أن الأمر "بات مثيراً للمخاوف في تفاصيله، خصوصاً بعد التدخل الروسي القوي في شرق البلاد، والذي وصل إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي"،.
وحذّر من أن ما تقدم "سينعكس في حالة صراع، إن لم يتم التفاهم على رسم مناطق النفوذ بين المتنافسين الروس والأميركيين".
في المقابل، رأى المحلل السياسي فيصل الشريف، أن الحديث عن تدخلات غربية "يحتاج للتدليل عليه، وليس مجرد إطلاقه على عواهنه. فكل طرف يستطيع أن يُطلق ما شاء من الاتهامات ويكيلها للطرف الآخر، في ظل واقع سياسي مأزوم وصراعات لا متناهية بين أطراف المعادلة السياسية بكل تحالفاتها وانقساماتها"، ومع ذلك، اعتبر أن "هيمنة دول على جميع أطراف المعادلة السياسية والعسكرية في ليبيا هو أمرٌ واضح".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
مدن السلاح
هناك مدينتان تحملان اسم طرابلس؛ الأولى في ليبيا، وتسمى «طرابلس الغرب»، لتميزها عن طرابلس الثانية في لبنان. وكانت تُعرف بطرابلس الشام. الأولى كبرى مدن ليبيا. الثانية ثاني أكبر مدن لبنان. كلتاهما على المتوسط. كلتاهما الآن في خوف من فوضى مريعة، سببها الأخطر والأهم، السلاح. يتراوح خطر السلاح بين المدينتين والبلدين، لكنه العنصر الأساسي في تصاعد الخراب وتفاقم الكارثة. وفي الحالتين، كلما قوي السلاح ضعفت الدولة، أو العكس. لكن الفارق أن طرابلس الأولى قلب ليبيا، وطرابلس لبنان مهمشة منذ الاستقلال، وتبدو بعض مناطقها مثل قندهار. ربما هناك شاطر يعرف على ماذا يتصارع اللبنانيون، لكن لماذا، أو على ماذا، ينجرف الليبيون نحو القتال الأهلي؟ وماذا يحملهم على قصف بعضهم بعضاً، وتهجير المدينة الجميلة؟ على ماذا يتحارب الليبيون وهم يملكون واحداً من أكبر وأغنى بلدان الأرض؟ تقريباً بحجم غرينلاند. ولكن من دون نفنافة ثلج، أو قطعة جليد، وبطقس من أكثر المناخات اعتدالاً. أرض وبحر ونفط للجميع، فلماذا عجز وسطاء العالم عن إقامة حكومة عادية؟ من أين يتدفق كل هذا السلاح على شوارع طرابلس؟ كان الأخ القائد يريد توحيد الوطن العربي الكبير، حيث فشل مثل عبد الناصر، وانتهى يصرخ في وجه 6 ملايين ليبي: «من أنتم؟!». لم تدمر محنة «الربيع العربي» الأمة فحسب، بل بدّدتها تحت وطأة السلاح: سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان. ونجت تونس من هذا المصير؛ لأن زين العابدين بن علي تعقّل، وخرج باكراً. ولأنه اختار بلداً لا يريد تشجيع الأبطال على تمزيقه إرباً تحت شعارات صدئة، مملة، وتفوح منها روائح الاجترار والعفن والفساد. إذا تفشى السلاح في ليبيا الآن، فأي قوة تستطيع لمّه أو استرجاعه؟ وكما يقال دائماً، الخوف ليس على ليبيا وحدها في هذه الساحة الجديدة، بل على تونس ومصر. مع قلق لا مفر منه في ساحة المغرب. جميع الأحداث الأخيرة في ليبيا، لها طابع واحد: استقواء السلاح غير الشرعي، وتهاوي السلطة المركزية. وليس اكتشافاً القول إن في الصراع بين السياسة والمسدس، تصبح المرجعية عند صاحب الزناد. مهاجمة البرلمان في طرابلس «الغرب»، وازدراء المؤسسات الحكومية الأخرى، إشارة سيئة جداً إلى المرحلة التي وصلت إليها البلاد بعد عقد من التفكك، لم يضع له أحد حداً.


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
تونس بين اضطرابات ليبيا وأزمات الجزائر
خرجت تونس عن تحفّظها المعهود عند اندلاع أزمات أمنية وسياسية في ليبيا وبلدان الجوار، وبادر وزير خارجيتها محمد علي النفطي إلى إصدار بلاغ رسمي وصف المستجدات الأمنية في العاصمة الليبية بـ«الخطيرة». وكشف البلاغ التونسي عن تخوّفات من مضاعفات التصعيد الأمني والسياسي في ليبيا على تونس والمنطقة، وأيضاً على عشرات آلاف العمال والتجار التونسيين وأكثر من مليون من المهاجرين الأفارقة المقيمين في ليبيا. ومن جانبه، عرض الرئيس التونسي قيس سعيّد، في كلمة ألقاها نيابة عنه النفطي في القمة العربية ببغداد، أن تستضيف تونس مجدّداً حواراً ليبياً - ليبياً بإشراف بعثة الأمم المتحدة لاحتواء الأزمة الجديدة، مع توقع توسع رقعة تأثيرها، وتسببها بإرباك أكبر للأوضاع في تونس والمنطقة... اقتصادياً وأمنياً وسياسياً. بالتوازي مع التخوّف التونسي من التداعيات المقلقة للوضع في ليبيا، تتعاقب مؤشرات على «تعقيدات جديدة» في علاقات الجزائر مع الدول المجاورة. إذ صرح أحمد عطّاف، وزير خارجية الجزائر، عند زيارته تونس، بأن «الأوضاع في البلدان المحيطة بتونس والجزائر إقليمياً ودولياً لا تبشر بالخير»، وهذا في إشارة إلى تضخم أعداد المهاجرين من أفارقة جنوب الصحراء المتسللين إلى الجزائر وتونس، والتوترات الأمنية في علاقات الجزائر بعدد من الدول المجاورة لها وبقيادات مسلحة في ليبيا، بعضها مرتبط بروسيا من جهة، وبعضها الآخر بفرنسا وحلفائها الإقليميين. من جهة ثانية، توقّعت تقارير اقتصادية وأمنية إقليمية وتونسية جديدة أن يؤثّر التصعيد الجديد داخل ليبيا، وأيضاً أزمات الجزائر مع جيرانها، سلباً على اقتصاد تونس الذي يعتمد منذ عقود على مداخيل تأتي من إنفاق بين 4 و 6 ملايين سائح ليبي وجزائري، يزيد سنوياً بأضعاف على إنفاق الـ6 ملايين سائح أوروبي. وفي هذا السياق، رحّب خبراء تونسيون وليبيون، بينهم الخبير في الشؤون الاقتصادية الأفريقية عبد الرحمن الجامعي، بـ«الخطوة العملية الأولى» التي اتخذتها تونس بعد اندلاع الأحداث الدامية في طرابلس والمنطقة الغربية لليبيا، وهي إعادة فتح قنصليتها العامة في بنغازي والمنطقة الشرقية، التي أغلقتها عام 2014 بعدما هاجمها مسلحون مجهولون. لاجئون أفارقة على شواطئ تونس يسعون للهجرة إلى اوروبا (آ ب) وفسّر غازي معلّى، الخبير التونسي في الشؤون الليبية، هذه الخطوة بوجود «إرادة في تونس لتطوير علاقاتها مع المنطقة الشرقية في ليبيا» بعد أكثر من 10سنوات من تعاونها أساساً مع «حكومة الوحدة الوطنية» في طرابلس المعترف بها دولياً، في تناسق مع موقف الجزائر التي دخلت مراراً في خلافات سياسية وأمنية مع قوات «الجيش الوطني الليبي» بقيادة خليفة حفتر. أيضاً، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال الدبلوماسي عبد الله العبيدي إن «إعادة فتح القنصلية التونسية في بنغازي في هذه الظروف رسالة تطمين لكل الأطراف الليبية، التي دعتها تونس لتنظيم حوار سياسي في تونس على غرار الحوارات السابقة التي أسفرت عن تشكيل حكومتي فايز السرّاج عام 2016 ثم عبد الحميد الدبيبة عام 2021». ورحب وزير خارجية ليبيا السابق في حكومة الشرق الليبي محمد الدايري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بإعادة فتح تونس قنصليتها في المنطقة الشرقية «التي تربطها بتونس رحلات جوية دورية مكثفة، تمتد لساعة واحدة، ومصالح تجارية واقتصادية عديدة». في المقابل، حذّر عدد من الخبراء والمراقبين في البلدين من السيناريوهات السلبية بالنسبة لتونس بعد اندلاع الأزمة الأمنية والسياسية الجديدة في المنطقة الغربية لليبيا، التي تتشارك مع جنوب شرقي تونس بحدود طولها 460 كلم، ومع الجزائر بحدود طولها 980 كلم، بينما يبلغ طول الحدود البرية التونسية الجزائرية نحو 965 كلم. هذا الشق الجغرافي ضاعف مخاوف عدد من الساسة التونسيين، بينهم فاطمة المسدي، البرلمانية القريبة من السلطات، التي حذّرت مراراً من «زحف عشرات آلاف المهاجرين غير النظاميين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس عبر ليبيا والجزائر». كذلك طالب عدد من الساسة والإعلاميين بإغلاق الحدود مؤقتاً مع ليبيا تحسباً لزحف الآلاف إلى الجنوب التونسي هرباً من الاقتتال في ليبيا، بمن فيهم أعداد من المهاجرين الأفارقة الفارين من حروب السودان وتشاد ومالي وكوت ديفوار. وبالمناسبة، أفاد تقرير «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، وهو منظمة غير حكومية، بأن أكثر من نصف المهاجرين واللاجئين من دول أفريقيا جنوب الصحراء يعيشون داخل تونس في «ظروف صعبة»، لا سيما في محافظة صفاقس الساحلية التي هي النقطة الأقرب للسواحل الإيطالية والأوروبية. وأكد التقرير أن «أكثر من 60 في المائة من المهاجرين وصلوا إلى تونس بطريقة غير نظامية عن طريق الحدود البرية مع الجزائر، وأكثر من 23 في المائة دخلوا برّاً عن طريق ليبيا». هذا، وبعد شهر واحد من إعلان الناطق باسم الأمن التونسي، العميد عماد مماشة، عن بدء «رحلات إجلاء جوية طوعية» لمجموعات من المهاجرين الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء نحو مواطنهم، أعرب برلمانيون تونسيون عن تخوفهم من أن يتسبب اندلاع الأزمة الحالية في ليبيا في مزيد تعقيد ملف الهجرة غير النظامية بأبعاده الأمنية والاجتماعية والاقتصادية. وسجّل هؤلاء أن هذا الملف غدا «قنبلة موقوتة» على الرغم من الوعود التي قدّمتها الحكومة الإيطالية وعواصم غربية لتونس، ومنها «تقديم دعم مالي واقتصادي» يفوق الملياري دولار أميركي سنوياً مقابل مشاركتها في منع عشرات الآلاف من التسلل إلى أوروبا بحراً عبر السواحل والمياه الإقليمية التونسية. وهنا عدّ الحقوقي رمضان بن عمر أن تضخم أعداد المهاجرين الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء في تونس، بسبب الاضطرابات الأمنية في دول الإقليم، «قد يزيد في إرباك السلطات التونسية، وجرّها إلى أزمة هي في غنى عنها بدلاً من تركيز جهودها على معالجة الأزمة الاقتصادية الداخلية». جدير بالذكر، أن تونس وقعت عام 2023 اتفاقاً مع مفوضية الاتحاد الأوروبي نصّ على منحها مساعدات مالية بقيمة 112 مليون دولار، وتعهدات بتشجيع استثمارات أوروبية ومشاريع تعاون في تونس قيمتها تفوق ألفي مليار دولار، مقابل منع السلطات الأمنية والعسكرية البرية والبحرية التونسية وصول المهاجرين غير النظاميين إلى السواحل الأوروبية. إلا أن الجانب الأوروبي لم ينفذ بعد معظم بنود هذا الاتفاق على الرغم من تكرار زيارات كبار المسؤولين الأوربيين إلى تونس. ومن ثمّ، توشك الأوضاع أن تزداد تعقيداً، في شكل فرار عشرات آلاف الليبيين والمهاجرين الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء نحو تونس هرباً من الأزمة الجديدة في ليبيا وأزمات الجزائر مع «محيطها الإقليمي والدولي»، وفق تعبير وزير الخارجية الجزائري عطّاف، في تونس. وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف (وكالة أنباء الأناضول) في الاتجاه نفسه، أعرب بعض الخبراء في العلاقات التونسية الليبية والتونسية المغاربية، بينهم الجامعي والإعلامي، رافع الطبيب، عن أن «المنطقة كلها باتت مهدّدة بأخطار أمنية واقتصادية... والأزمات الأمنية السياسية في ليبيا وضعت تونس وكامل المنطقة على صفيح ساخن». وحذّر، من ثم، من استفحال ظواهر تهريب البشر والسلع والمخدرات والأسلحة في المنطقة «بسبب تحكم ميليشيات مسلحة» في المشهد السياسي الليبي وفي المعابر الليبية البرية والجوية منذ 2011. هذه التصريحات تزكّي مخاوف الوزير عطّاف عندما قال: «الأوضاع المحيطة بتونس والجزائر إقليمياً ودولياً لا تبشّر بالخير»، وربطها بتوتر العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر ومالي وبوركينا فاسو والنيجر. وكانت هذه التحدّيات الأمنية والسياسية التي تواجهها المنطقة بشكل عام، والعلاقات بين تونس والجزائر بشكل خاص، وراء تنظيم نحو عشرين مقابلة بين وزيري خارجية تونس والجزائر خلال الأشهر القليلة الماضية، فضلاً عن تبادل الرسائل والمبعوثين بين وزيري داخلية البلدين والرئيسين قيس سعيّد وعبد المجيد تبّون. وفي أعقاب هذه التحركات أعلنت العاصمتان أكثر من مرة أنهما مع «حوار ليبي - ليبي لتسوية الأزمة دون تدخل أجنبي». وأكدتا أن «الجزائر وتونس في خندق واحد»، وأن التنسيق بينهما مستمر ولم ينقطع يوماً في مواجهة «الأزمات الأمنية في جوارهما الإقليمي». وزير خارجية الجزائر: الأوضاع في البلدان المحيطة بتونس والجزائر لا تبشر بالخير ولكن، على الرغم من التصريحات «المتفائلة»، تعدّدت المؤشرات على مواجهة كل من تونس وليبيا والجزائر ومحيطها الإقليمي صعوبات اقتصادية واجتماعية وسياسية إضافية. ولئن برّر الرئيس التونسي سعيّد والبلاغات الصادرة بعد اجتماعات قادة مجلس الأمن القومي «القرارات الاستثنائية» التي اتخذها منذ 25 يوليو (تموز) 2021 - بينها حلّ البرلمان والحكومة والمجلس الأعلى للقضاء - بـ«الخطر الداهم» الذي يواجه البلاد، فإن عدداً من المراقبين يربطون الأمر بالصراعات المعقدة داخل ليبيا من جهة، وبالاضطرابات داخل بلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان المغاربية، من جهة ثانية. وبالفعل، تسبّبت الصراعات والاضطرابات بمضاعفة الإنفاق العسكري والأمني بالنسبة لتونس وبلدان الجوار. وحرمت تونس من ملايين السياح الجزائريين والليبيين الذين كانوا طوال العقود الثلاثة يتدفقون عليها سنوياً، ويساهمون في إدخال ديناميكية كبيرة على اقتصادها، وتحسين ظروف عيش ملايين الفقراء والمهمشين من سكان المحافظات الجنوبية والغربية المتاخمة لحدود ليبيا والجزائر. أيضاً، يدعم هؤلاء السياح بصورة مباشرة وغير مباشرة جهود تخفيف العجز التجاري للدولة التونسية عبر مساهمتهم في تسويق كم هائل من المنتوجات التونسية في ليبيا والجزائر، وتوريد المحروقات ومواد مصنعة وأخرى استهلاكية مدعومة للسوق التونسية بأسعار منخفضة، مع مقايضة بعضها بسلع وطنية أو بيعها بالعملات المحلية. إلا أن هذه المبادلات في الاتجاهين ستكون في خطر وستتعثر حركة المسافرين والسلع ورؤوس الأموال إذا طالت مرحلة التوتر في ليبيا وتفاقمت أزمات الجزائر مع جيرانها. وللتذكير، سبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون القول في لقاء مع إعلاميين جزائريين إن حكومته تعدّ «أمن تونس من أمن الجزائر» وبمثابة «القضية الأمنية الداخلية للجزائر». ولقد بيّنت تقارير السلطات ومؤسسات النفط والكهرباء التونسية والجزائرية والغاز أن الشراكة بين البلدين نجحت خلال الأشهر والسنوات الماضية في تأمين حاجيات الشعبين، مع «تسهيلات في الدفع». وأعلن الجانبان أن سلطات الجزائر تدخّلت مطلع العام الحالي لحل أزمة الغاز المنزلي التي عانت منها تونس، وسط ارتفاع الطلب المحلي نتيجة تدني درجات الحرارة وقتها. وقامت بخطوة مماثلة إبّان الصيف الماضي عندما تزايد الطلب على الكهرباء في جنوب غربي تونس بسبب ارتفاع استخدام التكييف واستهلاك الطاقة. وإضافة إلى ما سبق، منحت الجزائر ما بين عامي 2020 و 2022 قروضاً بشروط ميسّرة قيمتها 350 مليون دولار ومنحة قيمتها مائة مليون دولار ووديعة مالية بـ150 مليون دولار. لكن يبدو أن من بين نتائج اندلاع حروب ونزاعات إقليمية ودولية جديدة وارتفاع حدة التوتر بين الجزائر والرباط، تراجُع قيمة معاملاتها الاقتصادية والمالية مع تونس. مرّت العلاقات بين تونس وكل من ليبيا والجزائر بمراحل وجزر كثيرة، من بينها: - مطلع 1958: قصفت طائرات الاحتلال الفرنسية مناطق عند الحدود التونسية الجزائرية كانت تؤوي قيادة الثورة الجزائرية ومقاتليها بزعامة هواري بومدين. وكانت حصيلة قصف مدينة ساقية سيدي يوسف الحدودية مئات القتلى والجرحى، بينهم تلاميذ المدارس ونساء وعجائز في السوق الشعبية، إلى جانب وطنيين جزائريين. - في 12 يناير (كانون الثاني) 1974: وقع الرئيسان الحبيب بورقيبة ومعمر القذافي «اتفاقية وحدة» بين البلدين وتأسيس «الجمهورية العربية الإسلامية» بينهما، وطالبا الجزائر والمغرب بالانضمام إليها، غير أن المشروع أُجهِض في ظرف أيام بعد اعتراض غربي وإقليمي. - في 1978: ساند النظام الليبي انتفاضة النقابات التونسية يوم «الخميس الأسود» ضد حكم الحبيب بورقيبة ورئيس حكومته - حينذاك - الهادي نويرة. - في يناير 1980: هاجم كوماندوز تونسي مسلح، تدرّب في ليبيا والجزائر، جنوب تونس ودعا إلى التمرّد المسلح على نظام بورقيبة، إلا أنه فشل، خاصة بعد الدعم الذي لقيته تونس من الرباط وباريس وحلفائها الغربيين. - بين 1985 و1987 اندلعت أزمات أمنية وسياسية واقتصادية بين تونس وليبيا ساهمت في هزّ الوضع في تونس وتسهيل انهيار حكم بورقيبة ووصول زين العابدين بن علي إلى السلطة. - بين 1988 و2010: أسست السلطات التونسية علاقات متطوّرة مع النظامين الليبي والجزائري ساهمت في حفظ الأمن وتحسين الشراكات الاقتصادية. - بين 1991 و2000: دعمت تونس السياسات الأمنية للسلطات الجزائرية و«حربها على الإرهاب طوال العشرية السوداء». وفتحت تونس أبوابها لملايين المسافرين الجزائريين. - عام 2010 شهد توتر علاقات سلطات تونس بالنظام الليبي، ما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وسقوط حكم بن علي. - منذ 2014 انحازت تونس إلى السلطات في طرابلس والمنطقة الغربية في ليبيا بعدّها الجهة الليبية «المعترف بها دولياً».


العربية
منذ 3 ساعات
- العربية
ليبيا.. مظاهرات مستمرّة تطالب بإسقاط حكومة الدبيبة
شارك مئات الليبيين،الجمعة، في مظاهرات وسط العاصمة طرابلس وعدد من مدن غرب البلاد، للمطالبة بتنحي حكومة الوحدة الوطنية، والتنديد بتغوّل المليشيات واعتدائها على مؤسسات الدولة. واحتشد المحتجون في ميدان الشهداء وسط العاصمة طرابلس وبمدن الزاوية وجنزور وسوق الجمعة، رافعين بطاقات حمراء ولافتات تطالب برحيل الحكومة ومحاسبتها ورفع الغطاء الدولي عنها، مقابل تشكيل أخرى بديلة تقود البلاد إلى انتخابات، كما رددّوا "الشعب يريد إسقاط الحكومة" وهتفوا بشعارات مناهضة لرئيسها عبد الحميد الدبيبة ومندّدة بالفساد وفوضى المليشيات. وهذه الجمعة الثالثة على التوالي، التي يخرج فيها المتظاهرين للمطالبة برحيل حكومة الوحدة الوطنية والحدّ من نفوذ المليشيات المسلّحة وإنهاء المرحلة الحالية، بينما لم تعلّق حكومة الدبيبة حتّى الآن على هذه المطالب. وبدأت هذه الاحتجاجات، منذ المواجهات المسلّحة التي شهدتها العاصمة طرابلس، والتي أعقبت مقتل عبد الغني الككلي رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، وهي الخطوة التي تسبّبت في تصاعد الغضب الشعبي، حيث وجهّت اتهامات لحكومة الدبيبة بإثارة الفوضى وإشعال الحرب في العاصمة طرابلس وتقوية المليشيات المسلّحة. في المقابل، يقول الدبيبة، إنّ هذه الخطوة كانت "ضرورية وعملية عسكرية ناجحة لتخليص البلاد من سطوة المليشيات الخارجة عن القانون وعن الدولة". وتجري هذه الأحداث، فيما لا يزال الحلّ للأزمة الليبية غائبا، في ظلّ وجود مسارات متعدّدة ومتباينة، حيث يسارع البرلمان الخطى لتشكيل حكومة جديدة، بينما تعمل الأطراف في الغرب الليبي على تعزيز موقعها ونفوذها وتثبيت وجودها، في حين تدفع البعثة الأممية نحو إطلاق حوار سياسي للبحث عن حل توافقي، بعيدا عن الإجراءات الأحادية.