
ترامب في الشرق الأوسط: لماذا غابت مصر؟
وصل ترامب اليوم الثلاثاء إلى السعودية، المحطة الأولى في جولته الخليجية التي ستشمل أيضاً زيارة قطر والإمارات العربية المتحدة.
يسعى ترامب، الذي يُصوّر نفسه بارعًا في إبرام الصفقات، إلى تعزيز هذه الصورة خلال رحلته. ويتصدر جدول أعماله اتفاقية استثمارية وتجارية مقترحة مع المملكة العربية السعودية بقيمة تريليون دولار.
يرافق ترامب مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي زار المنطقة مرارًا وتكرارًا للمشاركة في مفاوضات وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن مع إسرائيل، بالإضافة إلى المفاوضات النووية مع إيران. كما يتوجه إلى السعودية كلٌّ من لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، وأليكس كارب، الرئيس التنفيذي لشركة بالانتير، إلى جانب رؤساء تنفيذيين آخرين، لحضور منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي اليوم 13 مايو.
وتمثل الرحلة بداية الولاية الثانية للرئيس ترامب، ووُصفت بأنها زيارة إلى 'دول الخليج الصديقة لإجراء أعمال'.
نهج ترامب في الشرق الأوسط
هناك عدة سمات بارزة تحدد نهج دونالد ترامب تجاه الشرق الأوسط، وخاصة في ولايته الثانية. إنه يعطي الأولوية بشكل كبير للعلاقات الاقتصادية والتجارة والاستثمار ومبيعات الأسلحة، وهذا متجذر في منظوره 'أمريكا أولاً'. إنه ينظر إلى الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة كوسيلة لتحقيق منفعة اقتصادية. وتشكل الالتزامات الاستثمارية الكبيرة من دول الخليج عنصرًا أساسيًا في هذا النهج.
إن أحد السمات المميزة لنهج ترامب هي طبيعته الاضطرابية وغير المتوقعة. إنه يسعى إلى زعزعة استقرار الحلفاء والخصوم على حد سواء من خلال أفعال غير متوقعة، بهدف اكتساب النفوذ من حالة عدم اليقين. وهذا يتناقض مع أساليب السياسة الخارجية التقليدية.
يميل ترامب إلى تفضيل المشاركة الشخصية المباشرة مع القادة، ويعتمد على دائرة صغيرة من الأفراد الموثوق بهم للدبلوماسية. إن اختياره لزيارة دول الخليج أولًا في ولايته الثانية، بدلًا من حلفائه التقليديين مثل كندا أو الدول الأوروبية، يشير إلى الأهمية التي يوليها لهذه العلاقات الثنائية.
يعمل ترامب وفق عقلية 'أمريكا تفوز، والآخرون يخسرون'، وغالبًا ما يستبعد سيناريوهات 'الفوز للجميع'، حتى مع الشركاء المقربين. تسيطر عليه عقلية المعادلة الصفرية.
في حين يظل الشرق الأوسط ساحة حاسمة للمنافسة الجيوسياسية- خاصة مع الصين، يتم ترتيب الأولويات في المنطقة وفق القضايا الملحة. في الفترة الثانية، تبدو المخاوف العاجلة، مثل طموحات إيران النووية والصراع في غزة، أعلى على جدول الأعمال من قضايا مثل سوريا.
من السمات البارزة لسياسة ترامب: التخفيض الكبير أو الإلغاء التام لبرامج المساعدات الخارجية، مثل الخفض الجذري في تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. يُنظر إلى هذا على أنه يقوض نفوذ الولايات المتحدة ومصداقيتها، ويساهم في عدم الاستقرار المحتمل والأزمات الإنسانية في الدول الضعيفة.
بشكل عام، يمزج نهج ترامب في ولايته الثانية بين عناصر الاستمرارية من ولايته الأولى، مثل المعاملات والتركيز على شركاء إقليميين معينين، مع ديناميكيات جديدة، بما في ذلك الدبلوماسية المباشرة مع خصوم مثل إيران وحماس، في مواجهة مشهد إقليمي متغير بشكل كبير في أعقاب الصراعات والتحولات السياسية الأخيرة.
لماذا الخليج؟
يشير قرار زيارة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر أولًا، بدلًا من الوجهات التقليدية مثل كندا أو الحلفاء الأوروبيين، إلى أن البيت الأبيض في عهد ترامب ينظر إلى الخليج، باعتباره لاعبًا رئيسيًا في نهجه في السياسة الخارجية، مع التركيز القوي على الاقتصاد.
وتُعتبر صناديق الثروة السيادية الضخمة في دول الخليج بمثابة مصادر محتملة للاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة. يرى ترامب أن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة بمثابة وسيلة ضغط على دول الخليج الغنية لتأمين الاستثمارات.
ومن المقرر الإعلان عن صفقات بمليارات الدولارات ومبيعات أسلحة مع كل دولة يزورها ترامب. سيعلن القادة في الخليج، عن استثمارات أمريكية بمليارات الدولارات والتزامات بشراء كميات كبيرة من الأسلحة الأمريكية الصنع. يتماشى هذا مع هدفهم في البقاء في حظوة 'الرئيس صانع الصفقات'.
وتندرج الشراكات الاقتصادية مع دول الخليج ضمن قائمة الأولويات الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط في ظل إدارة ترامب، إلى جانب المخاوف العاجلة مثل طموحات إيران النووية والحرب في غزة. وتُسلَّط الضوء على مبدأ المعاملاتية كأساس لاستراتيجية ترامب 'أمريكا أولًا' لإعادة تشكيل العلاقات مع دول الشرق الأوسط.
من المتوقع، أن تكون العلاقات مع المملكة العربية السعودية وأبوظبي والدوحة محورية في هذه الولاية الثانية؛ نظرًا لمواردها المالية وإمكاناتها للاستثمارات الكبيرة والشراكات التجارية في الولايات المتحدة. أشار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى خطط لاستثمار وتجارة بقيمة 600 مليار دولار مع الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة.
التزمت دولة الإمارات العربية المتحدة بإطار استثماري مدته 10 سنوات بقيمة 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة في قطاعات مختلفة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية وأشباه الموصلات والطاقة والتصنيع.. ويشمل ذلك افتتاح أول مصهر ألومنيوم جديد في الولايات المتحدة منذ 35 عامًا، واستثمار 20 مليار دولار في مراكز البيانات الأمريكية.
تعتبر هذه الالتزامات بمثابة توفير دفاع غير مباشر لحلفاء مجلس التعاون الخليجي. في حين يرغب حلفاء الخليج في الحصول على ضمانات أمنية رسمية، يبدو أن ترامب يفضل توفير الدفاع من خلال الصفقات الدبلوماسية (مثل اتفاقيات إبراهيم في ولايته الأولى، على الرغم من أن هذا أقل احتمالية الآن بالنسبة للمملكة العربية السعودية؛ بسبب الصراع في غزة) وشراء الأسلحة الكبيرة.
إن التركيز على العلاقات الاقتصادية والتجارة والاستثمار ومبيعات الأسلحة يشكل سمة رئيسية لنهج ترامب، وخاصة في ولايته الثانية. وتُعتبر هذه العلاقات محورية، إذ تسمح لهذه الدول، بأن تكون شركاء رئيسيين في الأنشطة التجارية، وأن تقوم باستثمارات كبيرة في الولايات المتحدة.
مصر واستراتيجية ترامب
يبدو أن موقع مصر في استراتيجية الرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط متأثر بنهجه الأوسع القائم على المعاملات و'أمريكا أولًا'، لا سيما فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والديناميكيات الإقليمية، مثل الصراع في غزة.
مصر ليست وجهة رئيسية لصفقات الأعمال واسعة النطاق التي تحفز الزيارة إلى دول الخليج. وعلي الرغم من ذلك فإنها تتأثر بجوانب أخرى من سياسات إدارة ترامب.
مصر تتأثر بالفعل بالديناميكيات الجديدة التي يخلقها الرئيس ترامب في الشرق الأوسط. تظهر هذه التأثيرات في المقام الأول من خلال السياسات الاقتصادية، والتحولات المحتملة في التوافق الاستراتيجي المتأثر بالضغوط المتصورة.
١- التأثيرات الاقتصادية: فبموجب سياسة التعريفات الجمركية المتبادلة التي أعلنتها إدارة ترامب، والتي فُرضت في البداية ثم عُلقت لمدة 90 يومًا، أُدرجت مصر ضمن الدول التي تواجه تعريفة بنسبة 10%.
وعلى الرغم من أن التأثير الدقيق غير مؤكد، إلا أنه من المرجح أن تزيد هذه التعريفات من انعدام الأمن الاقتصادي في الدول الأكثر ضعفًا مثل مصر. كما يمكن أن تؤدي إلى تآكل القدرة التنافسية للصادرات الوطنية المصرية، وربما تؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلك.
إن الدول الأكثر اعتمادًا على واردات الغذاء، مثل تلك الموجودة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (والتي تضم مصر)، معرضة لزيادات محتملة في أسعار الغذاء العالمية الناتجة عن سياسات التعريفات.
من المتوقع، أن يؤثر قرار الرئيس ترامب بإلغاء 83% من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سلبًا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، بما في ذلك مصر. تخفيضات المساعدات: تُسلَّط الضوء على مصر كمتلقي كبير للمساعدات الأمريكية على مدار العقد الماضي.
تؤدي هذه التخفيضات إلى وقف برامج دعم الميزانية وفقدان الوظائف في المشاريع الممولة من الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاستقرار الاقتصادي والمالي.
يهدد هذا القرار بالتأثير بشكل دائم على صورة الولايات المتحدة كشريك موثوق، وعلى مصداقية القوة الناعمة الأمريكية على المدى الطويل.
٢- إمكانية إعادة التوجيه الاستراتيجي: إن الضغط الذي تمارسه إدارة ترامب، مثل التهديد بقطع المساعدات الاقتصادية والعسكرية، إلى جانب الطلب الأخير المتعلق بالمرور الحر للسفن التجارية والعسكرية الأمريكية عبر قناة السويس (مصدر رئيسي للإيرادات لمصر)، يمكن أن يدفع القاهرة إلى تعزيز العلاقات مع الدول الأخرى.
يمكن أن تؤدي هذه الديناميكية إلى إعادة صياغة العلاقات مع الولايات المتحدة وتشجيع مصر على احتضان منافسين رئيسيين مثل الصين، مما قد يعزز من تغلغل الصين الاقتصادي في المنطقة.
٣- المشاركة في الديناميكيات الإقليمية: تشارك مصر أيضًا في الاستجابة للديناميكيات الإقليمية التي بدأتها إدارة ترامب وتشكيلها، مثل المناقشات المتعلقة بمستقبل قطاع غزة. بعد أن اقترح الرئيس ترامب خطة، تتضمن سيطرة الولايات المتحدة على غزة ونقل الفلسطينيين، بدأ العديد من القادة العرب، بقيادة القاهرة، العمل على بدائل، وتبنوا في النهاية اقتراحًا مصريًا. تظل مصر تلعب دورا هاما في الوساطة بين المقاومة الفلسطينية وبين إسرائيل، ويظل هذا الدور هاما لترامب.
على النقيض من دول الخليج الغنية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر) التي تشكل المحور الأساسي لجولة ترامب الخارجية الأولية لتأمين الاستثمارات المعاملاتية واسعة النطاق والصفقات التجارية ومبيعات الأسلحة؛ بسبب صناديق الثروة السيادية والموارد المالية، يبدو أن موقف مصر يتأثر بشكل أكبر بالتأثيرات الاقتصادية المترتبة على سياساته، ونقاط الضغط المحتملة التي قد تؤثر على توافقها الاستراتيجي.
بالنسبة لترامب، فإن النهج المعاملاتي، 'أمريكا أولًا' يقود هذه الديناميكيات الجديدة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مصراوي
منذ 31 دقائق
- مصراوي
تقاضوا 1000 دولار .. مهاجرين غير نظاميين يغادرون أمريكا
وكالات أعلنت السلطات الأمريكية، أن مجموعة أولى من المهاجرين غير النظاميين الذين وافقوا على تلقي 1000 دولار لترحيلهم طواعية من الولايات المتّحدة غادروا الإثنين على متن رحلة نقلتهم إلى هندوراس وكولومبيا. قالت وزارة الأمن الداخلي في بيان، إن الطائرة أقلعت من مدينة هيوستن بولاية تكساس جنوبي الولايات المتحدة وعلى متنها 64 مهاجرا. وأضافت: "لقد حصل كلّ منهم على مساعدة سفر هي عبارة عن مبلغ قدره ألف دولار مع احتفاظهم بخيار العودة بشكل قانوني إلى الولايات المتّحدة يوما ما"، وفقا لما ذكرته الغد. وبحسب البيان فإن الطائرة أعادت 38 مهاجرا إلى هندوراس و26 إلى كولومبيا. ونقل البيان عن وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم مطالبتها سائر المهاجرين غير النظاميين الذين ما زالوا في الولايات المتّحدة بالاستفادة من برنامج الترحيل المسمى مشروع العودة إلى الوطن. وقالت الوزيرة مخاطبة المهاجرين: "تحكم بكيفية مغادرتك وتلقيك دعما ماليا للعودة إلى ديارك، إذا لم تفعل ذلك، فمن المرجح أن يتم تغريمك، واعتقالك، وترحيلك، وعدم السماح لك بالعودة أبدا". وأضافت: "إذا كنت موجودا في هذا البلد بشكل غير قانوني، فغادر البلد من تلقاء نفسك الآن واحتفظ بفرصة العودة بشكل قانوني". وتعهد الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين، وقد بادر منذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير إلى اتخاذ خطوات عديدة لتسريع عمليات الترحيل.


اليوم السابع
منذ 32 دقائق
- اليوم السابع
البرلمان الأوروبى يتفق على منح الحكومة المصرية 4 مليارات يورور
توصل ممثلو البرلمان الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق لتقديم قروض بقيمة 4 مليارات يورو (4.5 مليار دولار) لمصر، بهدف دعم اقتصادها وتعزيز التعاون في إطار شراكة استراتيجية. وقال البرلمان الأوروبي في بيان "أبرم ممثلو البرلمان والرئاسة البولندية لمجلس الاتحاد الأوروبي اتفاقا مؤقتا لتقديم مساعدات مالية كلية لمصر من أجل دعم اقتصادها". وأضاف البيان: "تم صرف قرض قصير الأجل بقيمة تصل إلى مليار يورو في نهاية عام 2024، وسيتم صرف قرض إضافي بقيمة تصل إلى 4 مليارات يورو". وأوضح البرلمان أن القاهرة ستحصل على فترة سداد تمتد إلى 35 عاما. ووفقا لعواصم الاتحاد الأوروبي، ستُصرف الأموال على عدة دفعات . وتندرج هذه القروض ضمن إطار شراكة استراتيجية وقعها الاتحاد الأوروبي مع مصر في مارس 2024.


المصري اليوم
منذ 36 دقائق
- المصري اليوم
«معلومات الوزراء» يستعرض قيمة التمور وأثرها الاقتصادي في الأسواق العالمية
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريرا معلوماتيا سلط من خلاله الضوء على تحليل سلاسل القيمة للتمور وأثرها الاقتصادى في الأسواق العالمية والعربية، واستعرض سلاسل القيمة من الإنتاج إلى الأسواق وأهمية التمور في الاقتصاد العالمى، وتناول الأهمية الاقتصادية للتمور في الدول العربية، مع التركيز على القيود الرئيسية التي تَحُدُّ من تطوير سلسلة قيمة نخيل البلح في المنطقة العربية، وتناول التقرير إنتاج التمور المصرية وصادراتها، ومراحل تطور الاستراتيجية الوطنية لقطاع التمور، وأبرز جهود الدولة في تعزيز إنتاج وصناعة التمور. وأفاد التقرير بأن التمور تُعَد من المحاصيل الاستراتيجية في مصر والوطن العربى، لما تتمتع به من وفرة في الإنتاج تسهم في دعم الاقتصاد؛ ما يمنحها دورًا محوريًّا في تعزيز الأمن الغذائى. ويوفر قطاع التمور فرص عمل في المناطق الزراعية، ويُسهم في التوسع في زراعة أصناف عالية الجودة وتعزيز قدرة مصر التصديرية؛ ما يمنحها مكانة متميزة في الأسواق العالمية. وأشار المركز إلى أن سلاسل القيمة للتمور تظهر أهمية هذا القطاع في مختلف مراحله، حيث تبدأ من إنتاج مستلزمات الزراعة؛ مثل الشتلات والفسائل، وتمتد لتشمل عمليات ما قبل الحصاد؛ كالتسميد والرى والتلقيح ومكافحة الآفات، ومراحل ما بعد الحصاد، وتشمل الحصاد والمعالجة والتجفيف والتخزين، ثم النقل والتوزيع، فضلًا عن تجهيز التمور وتصنيعها لإنتاج دبس التمر والمعجنات، وتسهم هذه المراحل في رفع القيمة المضافة للتمور وتعزيز جودتها وقدرتها التنافسية في الأسواق. وأوضح التقرير الأهمية الاقتصادية المتنامية للتمور على المستوى العالمى، باعتبارها من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية ذات القيمة الغذائية العالية، فضلاً عن زيادة الطلب عليها في مختلف الأسواق، وتتصدر العديد من الدول، خاصةً دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قائمة أبرز المنتجين والمُصدّرين للتمور، إذ يشهد الإنتاج العالمى تزايدًا مستمرًا، وتؤدى التمور دورًا مهمًّا في التجارة الدولية، وتشهد صادراتها نموًا مطردًا، وتسهم في دعم اقتصادات الدول المُنتجة، من خلال توفير فرص العمل، وتعزيز التنمية الزراعية، وزيادة العوائد من النقد الأجنبى، ما يجعل قطاع التمور أحد المحركات الحيوية في منظومة التجارة العالمية. وكشف التقرير أن الحجم المتوقع لسوق التمور العالمية خلال عام ٢٠٢٥ يبلغ ١٦ مليار دولار، ومن المتوقع أن يرتفع إلى ١٨.٧٦ مليار دولار في عام ٢٠٣٠، بمعدل نمو سنوى مركب نسبته ٣.٢٧٪ خلال الفترة (٢٠٢٥- ٢٠٣٠) وفقاً لتقديرات شركة الأبحاث (Mordor intelligence). وشهد حجم الإنتاج العالمى من التمور نموًّا مستمرًّا خلال السنوات الماضية؛ وسجَّل ٩.٦٦ مليونن طن عام ٢٠٢٣، مقارنةً بـ ٧.٥٢ مليون طن عام ٢٠١٣، بنسبة زيادة ٢٨.٤٦٪، وفقًا لأحدث بيانات صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). وتشير البيانات إلى ارتفاع الإنتاج العالمى من التمور خلال عام ٢٠٢٣ مقارنةً بعام ٢٠٢٢، بنسبة ارتفاع ٣.٨٧٪. وجدير بالذكر أن عام ٢٠٢١ سجَّل أعلى مستوى للإنتاج من التمور بحجم بلغ ٩.٨٥ مليونن طن، وكان أدنى مستوى إنتاج في عام ٢٠١٤ بحجم بلغ ٧.٤٣ مليون طن. وفيما يتعلق بحجم الإنتاج العالمى من التمور، وفقًا للمناطق الجغرافية، جاءت الدول العربية ضمن أكبر الدول إنتاجًا للتمور بنسبة ٧٩.١٦٪ من إجمالى الإنتاج العالمى عام ٢٠٢٣، تليها منطقة آسيا دون الدول العربية بنسبة بلغت ١٩.٥٩٪، ثم منطقة الأمريكتين بنسبة ٠.٦٤٪. وتُعد مصر أكبر منتج للتمور على مستوى العالم بإجمالى إنتاج ١.٨٧ مليون طن، ما يمثل ١٩.٣٣٪ من الإنتاج العالمى، تليها المملكة العربية السعودية بإنتاج ١.٦٤ مليون طن بنسبة ١٧.٠١٪، ثم الجزائر في المرتبة الثالثة ١.٣٢ مليون طن بما يعادل ١٣.٧١٪ من الإنتاج العالمى وفقاً لقاعدة بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. وتشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لعام ٢٠٢٣ إلى أن مصر تصدرت قائمة الدول العربية في إنتاج التمور بحصة ٢٤.٤١٪ من إجمالى الإنتاج في المنطقة؛ ما يعكس دورها الرائد في هذا القطاع نتيجة لتوافر المناخ الملائم، والتوسع في زراعة النخيل، تليها المملكة العربية السعودية بنسبة ٢١.٤٨٪، ثم الجزائر بنسبة ١٧.٣٢٪. وبشكل عام، تعكس هذه الأرقام أهمية زراعة التمور في المنطقة العربية؛ سواء من حيث الاستهلاك المحلى أو التصدير للأسواق العالمية. وأشار التقرير إلى أن بيانات خريطة التجارة العالمية بالنسبة للصادرات والواردات العالمية من التمور (الطازجة والمُجففة)، أظهرت خلال الفترة (٢٠١٦- ٢٠٢٣)، نموًّا ملحوظًا في التجارة العالمية لهذا المنتج؛ ما يعكس تزايد الطلب عليه في الأسواق الدولية. وبالنظر إلى قيمة الصادرات العالمية من التمور، فقد ارتفعت بنسبة ٧٥.١٧٪ خلال عام ٢٠٢٣ مقارنةً بعام ٢٠١٦؛ لتسجل ٢.٥٤ مليار دولار. وبالنسبة للواردات العالمية من التمور، فقد شهدت اتجاهًا تصاعديًّا؛ لتسجل ٢.٢٨ مليار دولار خلال عام ٢٠٢٣، بنسبة ارتفاع بلغت ٣٩.٠٢٪ مقارنةً بعام ٢٠١٦، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الواردات لعام ٢٠٢٣ مقارنةً بعام ٢٠٢٢، بنسبة ١٠.١٤٪؛ ما يشير إلى استمرار ارتفاع الطلب العالمى على التمور، وبالنظر إلى الفجوة بين الصادرات والواردات العالمية من التمور خلال الفترة (٢٠١٦- ٢٠٢٣)، كانت الواردات أعلى من الصادرات في عام ٢٠١٦ فقط، وابتداءً من عام ٢٠١٧ أصبحت قيمة الصادرات أعلى من الواردات؛ ما يشير إلى تحقيق فائض تجارى في سوق التمور. وتصدرت المملكة العربية السعودية قائمة كبرى الدول المُصدّرة للتمور خلال عام ٢٠٢٣، بإجمالى صادرات بلغ ٣٩٠.٠٨ مليون دولار، ما يعادل ١٥.٣٦٪ من إجمالى الصادرات العالمية، تلتها إيران بقيمة ٣٤٠.٢٨ مليون دولار (١٣.٤٠٪)، ثم الإمارات العربية المتحدة بصادرات ٣٢٨.٧٨ مليون دولار (١٢.٩٤٪). وتشير البيانات إلى أن هولندا من بين أكثر الدول التي شهدت نموًا ملحوظًا في صادرات التمور خلال ٢٠٢٣ مقارنة بعام ٢٠٢٢، بنسبة نمو صادرات بلغ ٣٥.٢٧٪، تليها مصر بنسبة ٢٤.٨٠٪، ثم إيران ١٦.٩١٪. وعلى صعيد الدول المستوردة، احتلت الهند المرتبة الأولى كأكبر مستورد للتمور عالميًا خلال عام ٢٠٢٣، بقيمة واردات ٢٦٦.٦٧ مليون دولار، تلتها المغرب ٢٤١.٢٣ مليون دولار، ثم الإمارات العربية المتحدة ٢١٥.٨٥ مليون دولار. وأظهرت البيانات أن الإمارات جاءت في مقدمة الدول التي سجّلت أعلى معدل نمو في وارداتها من التمور خلال عام ٢٠٢٣، بنسبة ٤٠.١٩٪، تلتها تركيا ٣٨.٨٤٪، ثم هولندا ٣٤.٢٣٪. واستعرض التقرير أهم الأسواق الرئيسية المُنتِجة للتمور في المنطقة العربية وهى كالآتى: - الأسواق المحلية: «معظم إنتاج التمور في الدول العربية يُوجَّه للأسواق المحلية، بينما يُصدَّر الفائض فقط إلى الخارج، وتعانى هذه الأسواق من طول سلاسل التسويق وكثرة الوسطاء، ما يؤدى إلى ارتفاع تكاليف التسويق وانخفاض عوائد المزارعين». - الأسواق الإقليمية: تشهد المنطقة تجارة إقليمية نشطة في قطاع التمور، مُدفوعة بعاملين رئيسيين، أولاً: تلبية احتياجات الطلب المحلى وسد الفجوات التي يعجز الإنتاج المحلى عن تغطيتها، كما هو الحال في المغرب. ثانيًا: توفير التمور الخام لمعالجتها بهدف إضافة القيمة قبل تصديرها، أو في بعض الحالات، إعادة تعبئتها وتصديرها دون أي معالجة إضافية، كما يحدث في أسواق إقليمية مثل سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة. - الأسواق الدولية: تشكل صادرات التمور من المنطقة العربية أغلب تجارة التمور العالمية، بنسبة ٥٨.٤٠٪ من إجمالى صادرات التمور عالميًّا، بقيمة ١.٤٨ مليار دولار خلال عام ٢٠٢٣، وبنسبة ١٥.٣٨٪ مقارنةً بعام ٢٠٢٢، الذي سجل صادرات بقيمة ١.٣١ مليار دولار. وأشار مركز معلومات مجلس الوزراء إلى ما ورد في تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بشأن التحديات التي تحد من تطوير سلسلة قيمة نخيل البلح في المنطقة العربية، وتمثلت في النقاط التالية: - حيازة وملكية الأراضى: تُعد مشاكل حيازة وملكية الأراضى من أبرز العوائق أمام تطوير زراعة النخيل، وتؤدى تجزئة الحيازات وتعدد الملاك بسبب قوانين الميراث إلى صعوبات في تحديث الأشجار القديمة، ما ينعكس سلبًا على الإنتاجية وأجور المزارعين. - تكاليف المدخلات: تُشكل ارتفاع تكلفة الأسمدة والمبيدات إلى جانب نقص المعدات الحديثة؛ مثل معدات الرى الموفرة للمياه، وأنظمة التنقيط والرش؛ ما يؤدى إلى التباطؤ في استبدال وتحديث أنظمة الرى التقليدية بأنظمة حديثة. - توافر المياه وجودتها: تعانى الدول المُنتجة للتمور من ملوحة المياه وعدم توافرها، خاصةً في دول الخليج. - مكافحة الآفات والأمراض: تُعَد آفات وأمراض النخيل من أبرز التحديات التي تؤثر على الإنتاج في المنطقة العربية؛ إذ تسبب خسائر تصل إلى ٢٨٪ من إجمالى الإنتاج. وتعتمد معظم استراتيجيات إدارة الآفات على التدخل بعد حدوث المشكلة؛ ما يؤدى إلى افتقارها إلى الإدارة المتكاملة. - عدم كفاية معالجة التمور بعد الحصاد: يمكن تحويل ثمار البلح إلى منتجات ذات قيمة مضافة، مثل: معجون التمر، وشراب التمر، وصلصة التمر، وعسل التمر، ومربى التمر، وخل التمر، وتُستخدم هذه المنتجات في تكثيف القيمة كبدائل للسكر في صناعة الحلويات، أو نكهة لمجموعة متنوعة من المنتجات كالمربى والمشروبات ومنتجات المخابز. ومع ذلك، فإن مستوى معالجة التمور في معظم الدول العربية- باستثناء تونس والمغرب ودول الخليج- يظل منخفضًا بشكل ملحوظ؛ إذ تُباع غالبية التمور مع الحد الأدنى من المعالجة؛ ما يحقق هوامش ربح ضئيلة للمُنتجين والتجار في المنطقة. الخسائر بعد الحصاد: تحدث الخسائر والهدر في سلسلة قيمة التمور نتيجة عوامل، أبرزها: توقيت الحصاد غير المناسب، والممارسات الخاطئة في الحصاد، والتعامل غير السليم مع المنتجات، ونقص التخزين والنقل الملائم، وفى بعض الحالات، تظل المحاصيل بلا حصاد نتيجة ارتفاع تكاليف العمالة وانخفاض الأسعار، ويُساهم نقص مرافق التخزين البارد في تفاقم المشكلة. وأشار التقرير إلى الوضع الحالى والمستقبلى للتمور في مصر، وأنها تُعد من المحاصيل الزراعية المهمة، حيث تحتل مكانة بارزة في الاقتصاد الوطنى، وتتميز مصر بتنوع أصناف التمور وجودتها العالية، ما جعلها من كبرى الدول المنتجة على مستوى العالم. ووفقًا لأحدث الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ حجم الإنتاج السنوى من التمور في مصر ١.٧٠ مليون طن في عام ٢٠٢٢/ ٢٠٢٣، بزيادة قدرها ١.١٩٪ مقارنةً بـ ١.٦٨ مليون طن في عام ٢٠١٤/ ٢٠١٥. وقد شهد عام ٢٠٢١/ ٢٠٢٢ أعلى حجم إنتاج؛ حيث بلغ ١.٨٥ مليون طن. أما على مستوى التوزيع الجغرافى لإنتاج التمور في مصر، فقد جاءت محافظة الجيزة في الصدارة بحجم إنتاج ٢٦٢.١ ألف طن، تلتها محافظة الشرقية بحجم بلغ ٢٢٦.٥ ألف طن، ثم محافظة البحيرة بحجم ٢٠٦.٠ ألف طن ثم الوادى الجديد بحجم ١٨٠ ألف طن وذلك خلال عام ٢٠٢٢/ ٢٠٢٣. وأشار التقرير إلى أن الزيادة في حجم الإنتاج السنوى ترجع إلى التوسع في المساحات المزروعة بنخيل البلح والأراضى المستصلحة حديثًا؛ حيث تمتلك مصر ١٨٦.٢ ألف فدان (مساحة كُليَّة مزروعة بنخيل البلح خلال عام ٢٠٢٢ /٢٠٢٣)، ما يمثل تطورًا ملحوظًا مقارنةً بالسنوات السابقة. ففى الفترة من ٢٠١٧ /٢٠١٨ إلى ٢٠٢٢/ ٢٠٢٣، نمت المساحة الكُليَّة المزروعة بنخيل البلح بنحو ٦٤٪ خلال عام ٢٠٢٢/ ٢٠٢٣، مقارنةً بـ ١١٣.٢ ألف فدان في عام ٢٠١٧/٢٠١٨. أما بالنسبة للمساحات الكُليَّة لنخيل البلح وفقًا للمحافظات المصرية، فقد جاءت محافظة الوادى الجديد ككبرى المحافظات بمساحة كلية ٥٣.٢ ألف فدان في عام ٢٠٢٢/ ٢٠٢٣، تليها محافظة أسوان بمساحة ٣٨.٧ ألف فدان، ثم محافظة الجيزة بمساحة ٣٤.٢ ألف فدان. أوضح التقرير أن صادرات التمور المصرية شهدت نموًّا مستمرًا خلال (٢٠١٤- ٢٠٢٤)؛ وسجَّلت للمرة الأولى أعلى قيمة لصادرات التمور بنحو ١٠٥.٦٢ ملايين دولار خلال عام ٢٠٢٤، بنسبة ارتفاع ١٢٠.٥٥٪ مقارنةً بعام ٢٠١٤، وارتفعت بنسبة قدرها ١٩.٣٣٪ مقارنةً بعام ٢٠٢٣. أما بالنسبة للتوزيع الجغرافى للصادرات المصرية من التمور؛ فقد جاءت المغرب كأكثر الدول استيرادًا للتمور المصرية بقيمة ٤٥.٢٣ مليون دولار خلال عام ٢٠٢٣، تليها إندونيسيا بقيمة ١٩.٩١ مليون دولار، ثم تركيا بقيمة ١٠.٠٨ ملايين دولار، ليبلغ نصيب هذه الدول مجتمعة نحو ٨٥.٣٣٪ من إجمالى صادرات التمور المصرية. وألقى مركز المعلومات الضوء على الجهود الوطنية للنهوض بقطاع النخيل والتمور وزيادة القيمة المضافة والصادرات للأسواق الدولية، موضحاً أن مصر أطلقت استراتيجية وطنية لتطوير هذا القطاع الحيوى تحت عنوان «استراتيجية تطوير قطاع النخيل والتمور في مصر للفترة (٢٠١٦- ٢٠٢٢)»، وتم اعتمادها في سبتمبر ٢٠١٦، وتتضمن برامج منها: تطوير مرحلة إنتاج التمور، وبرنامج تطوير مرحلة التسويق، وبرنامج تطوير مرحلة التعبئة والتصنيع، وبرنامج تطوير مرحلة التصدير، برنامج انطلاق تنفيذ خطة العمل عبر منطقة إنتاج نموذجية. وبذلت الدولة المصرية العديد من الجهود في سبيل النهوض بقطاع النخيل والتمور وزيادة القيمة المضافة والصادرات من التمور للأسواق الدولية، وشهد قطاع إنتاج التمور العديد من الإنجازات والمشروعات القومية، ومن أهم هذه الإنجازات تشكيل اللجنة القومية للنهوض بقطاع التمور في مصر، وتشكيل المجلس الأعلى للتمور، وتكثيف وتعزيز جهود مكافحة سوسة النخيل الحمراء، ومبادرة تأهيل محطات ومصانع التمور، وتدشين أول مجلس للتمور خاص باتحاد المصدرين، وإطلاق مشروع تحسين سلسلة القيمة لإنتاج التمور في سيوة وإنشاء علامة تجارية موحدة، وإنشاء مجمعات حديثة لتصنيع وتعبئة التمور، بالإضافة إلى إنشاء مخازن مُبردة للتمور في الواحات البحرية للحفاظ على جودة التمور وتقليل الفاقد، فضلاً عن إتاحة البرامج التدريبية للمزارعين والعاملين في قطاع التمور بمصر.