
مؤتمر وطني مرتقب حول الحقوق والحريات بتونس وسط وضع سياسي مشحون
تونس- بدأ العد التنازلي لتنظيم أشغال المؤتمر الوطني حول الحقوق والحريات الذي دعت إليه -لأول مرة- الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المقرر عقده في العاصمة تونس يوم 31 مايو/أيار الجاري.
وتأتي هذه الدعوة في وقت تتهم فيه المعارضة الرئيس قيس سعيد"بالتفرد بالحكم والتضييق على الحريات وملاحقة المعارضين والنشطاء وزجهم بالسجون ضمن محاكمات سياسية جائرة في قضايا ملفقة".
وأطلقت الرابطة والمنتدى هذه المبادرة التي لاقت اهتماما واسعا من القوى السياسية والمدنية، في محاولة لكسر حالة الجمود التي طغت على المشهد الحقوقي والسياسي عقب 25 يوليو/تموز عام 2021، تاريخ إعلان الرئيس سعيد عن التدابير الاستثنائية.
مناخ متأزم
ورحبت العديد من الأحزاب بهذه المبادرة "لإعادة إحياء النقاش الوطني من أجل الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية واستعادة الديمقراطية"، في حين حذرت أخرى -من بينها حركة النهضة – من أي "محاولات إقصائية تؤثر على هذا المؤتمر".
ويأتي هذا النداء في ظل غياب أي حوار وطني بين الفاعلين السياسيين وتعمق حالة الاستقطاب الحاد بين السلطة والقوى السياسية والحقوقية المعارضة، التي تعتبر أن "البلاد تعيش انقلابا سياسيا يعيد تركيز حكم فردي". كما يتزامن مع سلسلة من التحركات الاجتماعية والاحتجاجات سواء تتعلق بمطالب اجتماعية كالتشغيل، أو سياسية كإطلاق سراح المساجين المعارضين المعتقلين منذ فبراير/شباط 2023 بتهم خطيرة.
وقد زادت حدة الأزمة بين السلطة والمعارضة خاصة بعد صدور موجة متتالية من الأحكام القضائية القاسية في الطور الابتدائي ضد مجموعة من المعارضين البارزين فيما يُعرف بقضية التآمر على أمن الدولة، تؤكد المعارضة أنها مفبركة لتصفيتهم.
وفي رده على هذه المبادرة، أكد القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي أن حزبه يرحب بمثل هذه المبادرات التي تفتح باب الحوار، مشيرا إلى أن حزبه طالما تمسك بالحوار للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية واستعادة المسار الديمقراطي.
وقال الشعيبي للجزيرة نت إن الدعوة التي أطلقتها الرابطة والمنتدى تمثل خطوة إيجابية تؤشر على تطور المشهد السياسي، لكنه أبدى تحفظات حول غموض صيغتها، متسائلا إن كانت ستشمل الأحزاب أو الفاعلين السياسيين فحسب؟
وأشار إلى أنها لم تحدد بوضوح الجهات المعنية سواء كانت الأحزاب السياسية بشكل رسمي أو الفاعلين السياسيين بمختلف انتماءاتهم، مما خلق حالة من الالتباس حول هوية المشاركين المقصودين في هذا المؤتمر الوطني.
وبخصوص موقفهم من المشاركة في هذا الحوار الوطني، أوضح الشعيبي أن حزبه لم يتلق حتى الآن دعوة رسمية، لافتا إلى أن نجاح المؤتمر "مرتبط أساسا بمشاركة حركة النهضة وكافة أطراف المعارضة، خاصة جبهة الخلاص الوطني".
ويقول إن الرابطة والمنتدى موجودان ضمن شبكة الدفاع عن الحقوق والحريات، وبالتالي فإن الدعوة للحوار خارجها دون مشاركة الحركة والجبهة، تعني "بالضرورة أنه لن يكون له أي إضافة سياسية".
من جانب آخر، أشار الشعيبي إلى وجود أطراف وصفها بالإقصائية في داخل الرابطة ترفض مشاركة النهضة، مبينا أن الهيئة المديرة الحالية للرابطة واقعة تحت ضغوطات في داخلها بين أطراف تدافع عن كونية حقوق الإنسان وأخرى تحمل عقلية إقصائية.
وتطرق إلى مسألة الدفاع عن المعتقلين السياسيين للحركة، حيث غابت عن الرابطة، وفق تقديره، مواقف واضحة في قضاياهم "رغم ما يتعرضون له من محاكمات سياسية جائرة في قضايا رأي ذات طابع سياسي لا تتصل بالحق العام مطلقا".
وبغض النظر عن هذا، يوضح الشعيبي أن الإشكال بالمشهد السياسي يتمثل في غياب التوازن بين سلطة قائمة ومعارضة مشتتة، معتبرا أن توحيد صفوف القوى السياسية والمدنية حول رؤية وأرضية عمل مشتركة من شأنه أن يغيّر موازين القوى.
وكانت الهيئة المديرة الحالية للرابطة قد أصدرت بيانا مؤخرا نددت فيه بتعرض اجتماع مجلسها الوطني للتشويش من قبل منتميات للرابطة رفضن تنظيم هذا الحوار وإشراك حركة النهضة فيه، كما تعرضت لحملات شيطنة على شبكات التواصل الاجتماعي.
بدوره، أكد القيادي بالتيار الديمقراطي، هشام العجبوني، أن الدعوة إلى تنظيم مؤتمر وطني للحقوق والحريات تمثل خطوة مهمة في ظل "تدهور الوضع الحقوقي والسياسي وتصاعد وتيرة القمع والتضييق على المعارضة والنشطاء المدنيين".
ويرى العجبوني أن هذه المبادرة تأتي في وقت بالغ الحساسية حيث أصبحت الحريات الأساسية مهددة بشكل مباشر، مما يفرض على كل القوى السياسية والاجتماعية الانخراط الفعلي فيها لاستعادة المسار الديمقراطي "المغدور". وأوضح أن حزبه لم يتلق بعد دعوة رسمية للمشاركة، وأكد أنه سيتعامل معها بجدية وإيجابية فور وصولها، باعتبار أنه من الداعين للحوار وأن علاقته بالرابطة والمنتدى قائمة على تقاطعات في الاهتمام بالحريات والحقوق.
ورغم تشتت المعارضة بسبب التجاذبات القديمة، يرى العجبوني أن لديها موقفا مشتركا وإجماعا موحدا فيما بينها بشأن مسار 25 يوليو/تموز 2021 الذي انتهجه الرئيس سعيد، وتسبب في "انحراف حاد في المشهد السياسي نحو الاستبداد وتركيز حكم فردي".
ويقول للجزيرة نت "الجميع يتفق على التراجع في الديمقراطية والحريات وخاصة حرية التعبير والتنظيم"، مؤكدا أن هذا الوضع يتطلب اجتماع القوى السياسية والمدنية المؤمنة بمبادئ الجمهورية والديمقراطية لبناء توافق جديد على أسس أفضل.
وباعتقاده، فإن الاختلاف بين الأحزاب أمر طبيعي بسبب اختلاف المرجعيات الفكرية والأيديولوجية، مشددا على أن هذه المرحلة تستوجب ترحيل الخلافات إلى مرحلة لاحقة والتفكير في قواسم مشتركة للعمل السياسي لاستعادة الديمقراطية.
وفي تقييمه لفرص نجاح المؤتمر، ربط العجبوني الأمر بتوفر الإرادة لدى المشاركين، معتبرا أن المبادرة تكتسي أهمية لكسر حالة التضييق السياسي، وأن السلطة "تخشى الحوار لأن استبدادها يقوم على تخويف المجتمع وتشتيت صفوف المعارضة".
وذكّر بأن "الهجمة الأخيرة على الرابطة من قبل أبواق النظام تزامنت مع إطلاق هذه المبادرة مما يعكس خشية السلطة من أي محاولة لتنظيم حوار وطني"، مؤكدا أن النظام "منزعج" من كل مبادرة تفضي لفسح مسارات للنقاش الوطني الجاد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 20 ساعات
- الجزيرة
العفو الدولية: حملة قمعية تونسية واسعة ضد مدافعين عن حقوق المهاجرين
اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات التونسية بشن حملة قمعية واسعة ضد جمعيات المجتمع المدني الداعمة للاجئين والمهاجرين. وقالت المنظمة إن تلك الحملة "يؤججها الخطاب السائد المفعم بالعنصرية وكراهية الأجانب". ووفق المنظمة فإن السلطات التونسية اعتقلت تعسفا منذ مايو/أيار من العام الماضي شريفة الرياحي، بينما كانت في إجازة الأمومة لرعاية رضيعتها حديثة الولادة، إلى جانب عياض البوسالمي ومحمد جوعو. وكان هؤلاء يعملون لدى جمعية "أرض اللجوء" – مكتب تونس ، وهي منظمة غير حكومية تساعد اللاجئين والمهاجرين. وبعد مرور بضعة أيام، اعتُقلت إيمان الورداني، وهي مسؤولة محلية سابقة كانت تتعاون مع الجمعية. وقالت العفو الدولية إن السلطات التونسية تحتجز هؤلاء رهن الإيقاف التحفظي التعسفي منذ ذلك الحين. ودعتها للإفراج عنهم فورا وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهم.


الجزيرة
منذ 21 ساعات
- الجزيرة
مؤتمر وطني مرتقب حول الحقوق والحريات بتونس وسط وضع سياسي مشحون
تونس- بدأ العد التنازلي لتنظيم أشغال المؤتمر الوطني حول الحقوق والحريات الذي دعت إليه -لأول مرة- الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المقرر عقده في العاصمة تونس يوم 31 مايو/أيار الجاري. وتأتي هذه الدعوة في وقت تتهم فيه المعارضة الرئيس قيس سعيد"بالتفرد بالحكم والتضييق على الحريات وملاحقة المعارضين والنشطاء وزجهم بالسجون ضمن محاكمات سياسية جائرة في قضايا ملفقة". وأطلقت الرابطة والمنتدى هذه المبادرة التي لاقت اهتماما واسعا من القوى السياسية والمدنية، في محاولة لكسر حالة الجمود التي طغت على المشهد الحقوقي والسياسي عقب 25 يوليو/تموز عام 2021، تاريخ إعلان الرئيس سعيد عن التدابير الاستثنائية. مناخ متأزم ورحبت العديد من الأحزاب بهذه المبادرة "لإعادة إحياء النقاش الوطني من أجل الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية واستعادة الديمقراطية"، في حين حذرت أخرى -من بينها حركة النهضة – من أي "محاولات إقصائية تؤثر على هذا المؤتمر". ويأتي هذا النداء في ظل غياب أي حوار وطني بين الفاعلين السياسيين وتعمق حالة الاستقطاب الحاد بين السلطة والقوى السياسية والحقوقية المعارضة، التي تعتبر أن "البلاد تعيش انقلابا سياسيا يعيد تركيز حكم فردي". كما يتزامن مع سلسلة من التحركات الاجتماعية والاحتجاجات سواء تتعلق بمطالب اجتماعية كالتشغيل، أو سياسية كإطلاق سراح المساجين المعارضين المعتقلين منذ فبراير/شباط 2023 بتهم خطيرة. وقد زادت حدة الأزمة بين السلطة والمعارضة خاصة بعد صدور موجة متتالية من الأحكام القضائية القاسية في الطور الابتدائي ضد مجموعة من المعارضين البارزين فيما يُعرف بقضية التآمر على أمن الدولة، تؤكد المعارضة أنها مفبركة لتصفيتهم. وفي رده على هذه المبادرة، أكد القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي أن حزبه يرحب بمثل هذه المبادرات التي تفتح باب الحوار، مشيرا إلى أن حزبه طالما تمسك بالحوار للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية واستعادة المسار الديمقراطي. وقال الشعيبي للجزيرة نت إن الدعوة التي أطلقتها الرابطة والمنتدى تمثل خطوة إيجابية تؤشر على تطور المشهد السياسي، لكنه أبدى تحفظات حول غموض صيغتها، متسائلا إن كانت ستشمل الأحزاب أو الفاعلين السياسيين فحسب؟ وأشار إلى أنها لم تحدد بوضوح الجهات المعنية سواء كانت الأحزاب السياسية بشكل رسمي أو الفاعلين السياسيين بمختلف انتماءاتهم، مما خلق حالة من الالتباس حول هوية المشاركين المقصودين في هذا المؤتمر الوطني. وبخصوص موقفهم من المشاركة في هذا الحوار الوطني، أوضح الشعيبي أن حزبه لم يتلق حتى الآن دعوة رسمية، لافتا إلى أن نجاح المؤتمر "مرتبط أساسا بمشاركة حركة النهضة وكافة أطراف المعارضة، خاصة جبهة الخلاص الوطني". ويقول إن الرابطة والمنتدى موجودان ضمن شبكة الدفاع عن الحقوق والحريات، وبالتالي فإن الدعوة للحوار خارجها دون مشاركة الحركة والجبهة، تعني "بالضرورة أنه لن يكون له أي إضافة سياسية". من جانب آخر، أشار الشعيبي إلى وجود أطراف وصفها بالإقصائية في داخل الرابطة ترفض مشاركة النهضة، مبينا أن الهيئة المديرة الحالية للرابطة واقعة تحت ضغوطات في داخلها بين أطراف تدافع عن كونية حقوق الإنسان وأخرى تحمل عقلية إقصائية. وتطرق إلى مسألة الدفاع عن المعتقلين السياسيين للحركة، حيث غابت عن الرابطة، وفق تقديره، مواقف واضحة في قضاياهم "رغم ما يتعرضون له من محاكمات سياسية جائرة في قضايا رأي ذات طابع سياسي لا تتصل بالحق العام مطلقا". وبغض النظر عن هذا، يوضح الشعيبي أن الإشكال بالمشهد السياسي يتمثل في غياب التوازن بين سلطة قائمة ومعارضة مشتتة، معتبرا أن توحيد صفوف القوى السياسية والمدنية حول رؤية وأرضية عمل مشتركة من شأنه أن يغيّر موازين القوى. وكانت الهيئة المديرة الحالية للرابطة قد أصدرت بيانا مؤخرا نددت فيه بتعرض اجتماع مجلسها الوطني للتشويش من قبل منتميات للرابطة رفضن تنظيم هذا الحوار وإشراك حركة النهضة فيه، كما تعرضت لحملات شيطنة على شبكات التواصل الاجتماعي. بدوره، أكد القيادي بالتيار الديمقراطي، هشام العجبوني، أن الدعوة إلى تنظيم مؤتمر وطني للحقوق والحريات تمثل خطوة مهمة في ظل "تدهور الوضع الحقوقي والسياسي وتصاعد وتيرة القمع والتضييق على المعارضة والنشطاء المدنيين". ويرى العجبوني أن هذه المبادرة تأتي في وقت بالغ الحساسية حيث أصبحت الحريات الأساسية مهددة بشكل مباشر، مما يفرض على كل القوى السياسية والاجتماعية الانخراط الفعلي فيها لاستعادة المسار الديمقراطي "المغدور". وأوضح أن حزبه لم يتلق بعد دعوة رسمية للمشاركة، وأكد أنه سيتعامل معها بجدية وإيجابية فور وصولها، باعتبار أنه من الداعين للحوار وأن علاقته بالرابطة والمنتدى قائمة على تقاطعات في الاهتمام بالحريات والحقوق. ورغم تشتت المعارضة بسبب التجاذبات القديمة، يرى العجبوني أن لديها موقفا مشتركا وإجماعا موحدا فيما بينها بشأن مسار 25 يوليو/تموز 2021 الذي انتهجه الرئيس سعيد، وتسبب في "انحراف حاد في المشهد السياسي نحو الاستبداد وتركيز حكم فردي". ويقول للجزيرة نت "الجميع يتفق على التراجع في الديمقراطية والحريات وخاصة حرية التعبير والتنظيم"، مؤكدا أن هذا الوضع يتطلب اجتماع القوى السياسية والمدنية المؤمنة بمبادئ الجمهورية والديمقراطية لبناء توافق جديد على أسس أفضل. وباعتقاده، فإن الاختلاف بين الأحزاب أمر طبيعي بسبب اختلاف المرجعيات الفكرية والأيديولوجية، مشددا على أن هذه المرحلة تستوجب ترحيل الخلافات إلى مرحلة لاحقة والتفكير في قواسم مشتركة للعمل السياسي لاستعادة الديمقراطية. وفي تقييمه لفرص نجاح المؤتمر، ربط العجبوني الأمر بتوفر الإرادة لدى المشاركين، معتبرا أن المبادرة تكتسي أهمية لكسر حالة التضييق السياسي، وأن السلطة "تخشى الحوار لأن استبدادها يقوم على تخويف المجتمع وتشتيت صفوف المعارضة". وذكّر بأن "الهجمة الأخيرة على الرابطة من قبل أبواق النظام تزامنت مع إطلاق هذه المبادرة مما يعكس خشية السلطة من أي محاولة لتنظيم حوار وطني"، مؤكدا أن النظام "منزعج" من كل مبادرة تفضي لفسح مسارات للنقاش الوطني الجاد.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
صورة سعيّد بوزارة الخارجية هل تعيد إحياء طقوس تقديس الحاكم؟
أشعلت صورة لرئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد ، عُلقت بإطار رسمي خلف وزير الخارجية محمد علي النفطي، جدلا واسعا في الأوساط التونسية بعد نشرها على الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية في فيسبوك. وقد تصدرت صورة الرئيس سعيّد الترند التونسي، لتصبح مادة نقاش مجتمعي واسع عن موقع السلطة وشخصنة الدولة في زمن التحولات السياسية التي تشهدها البلاد. وأعادت الصورة ذاكرة التونسيين إلى سنوات ما قبل ثورة 2011، حيث كان تعليق صور الرؤساء ممارسة روتينية ترمز إلى مركزية الحاكم، وتجسّد ثقافة تقديس الفرد وربط مؤسسات الدولة بشخص الزعيم. وتفاعل النشطاء والمدونون على نطاق واسع مع الصورة، معتبرين أن وزارة الخارجية "أعادت إحياء طقوس تقديس الحاكم" التي ظنوا أنها طويت مع الثورة، والتي دفع الشعب التونسي ثمن التحرر منها تضحيات جسامًا. وتناولت تعليقات عديدة رمزية الخطوة باعتبارها تراجعا عن مكتسبات الثورة وعودة إلى الوراء. ورأى مدونون أن الغاية من إظهار صورة الرئيس بهذه الصيغة رسالة سياسية للمعارضة والشعب بأن سلطة الحاكم حاضرة في كل مؤسسات الدولة، وأن ذلك يُستخدم كوسيلة "لإعادة تشكيل الوعي وثقافة الخضوع". وأشار بعض النشطاء إلى أن الديمقراطيات الحقيقية تعلق رموز الدولة مثل العلم والشعار وليس صور الرؤساء، مؤكدين أن الأشخاص يرحلون وتبقى رموز الوطن. وسخر آخرون من المفارقة بين شعارات الرئيس سعيّد عن "عدم الرجوع إلى الوراء"، وبين ما اعتبروه دليلا على تراجع المسار الديمقراطي، حيث كتب أحدهم: "ومازال ومازال"، في إشارة إلى استمرار الممارسات القديمة رغم تغير الشعارات. من جهة أخرى، ربط كتاب ومثقفون بين هذه الصورة وسقوط صور الزعماء في انتفاضات الربيع العربي، معتبرين، أن التخلص من عبادة الصورة كان إحدى علامات الأمل بأن الشعوب تستطيع كسر دائرة الاستبداد وبناء ديمقراطية حقيقية.