
ما لم يُقَل.. قاله الظن
أحدهم قال ذات مرة: "كنت أظنه يتجاهلني، فإذا به يمرّ بضيقة وألم عجز حتى عن شرحها لي.". قصة قصيرة، لكنها تختصر مسارات كثيرة من الانفصال الصامت الذي يبدأ بسوء ظن.
في مجلسٍ عائلي، نظرة واحدة صنعت مسافة.. ظنّ الأب أن ابنه تغيّر، وظنّ الابن أن والده يُحاسبه. لا كلمة، لا توضيح.. فقط جدار صامت بناه الظن بين دمٍ واحد، شوهه التفسير لا الحقيقة.
في ندوة، اعتذر كاتب معروف دون تفسير.. قيل عنه: "تكبّر"، "اغترّ بشهرته". لم يعلم أحد أنه في العناية المركزة. الغياب لم يكن ذنباً، لكن الظن حكم عليه بقسوة.
في بيتٍ آمن، فسّرت الزوجة صمت زوجها على أنه برود، وتأخره على أنه إهمال أو نية زواج جديد. اندفعت خلف نصائح الصديقات بطلب الطلاق. وبعد الانفصال، عرفت أنه كان يعمل ليلاً ونهاراً لعلاج والدته، ويُخفي عنها ألمه كي لا يُشعرها بعجزه.. لم تكن هناك امرأة، بل أمّ ووفاء.
في مقهى صغير، نُسيت محفظة.. اتُّهم العامل الجديد فوراً، وفُصل من عمله. وبعد يومين، وجدها الزبون في درج سيارته. لكن الظن لم ينتظر الحقيقة.
في أحد الأعياد، أرسل الأب رسالة قصيرة في مجموعة الأسرة، يعتذر عن غيابه بسبب مهمة طارئة.. ردّت الزوجة بجملة مقتضبة وعلامة تعجب حمراء كبيرة!.. ظنّت أنه تغيّر، بينما كان في المستشفى منذ الفجر جراء حادث، لكنه أخفى ألمه كي لا يفسد بهجة العيد على أسرته، لكن الظن قرأ الحكاية بطريقته.
وفي المقابل، يحدث أن تنجو العلاقات فقط لأن أحدهم أحسن الظن. تأخرت صديقة عن لقاء مهم. كادت الأخرى تغضب، لكنها اتصلت أولاً.. أجابتها وهي تبكي من غرف الطوارئ، حيث كانت تواسي أختها المصابة.. في لحظة، انقلب الغضب إلى تعاطف، والخذلان إلى دعم.. هكذا يصنع حسن الظن فرقاً، لا بالكلمات. بل بالنوايا الحسنة.
ما المشترك بين هذه القصص؟ لم تهدمها الوقائع، بل هدمها الظن حين يُطلق بلا تثبّت، يُعيد تشكيل المشهد كما يشتهي.. لا ينتظر توضيحاً، ولا يمنح الأعذار وقتها. وكلما غاب حسن الظن، ضاقت مساحة الفهم، وتباعدت معها القلوب.
ولأن الظن لا يؤذي على مستوى الأفراد فقط، بل يمتد أثره إلى المجتمعات والبيئات المهنية، فقد تناولته دراسات عدة: أظهرت دراسة نُشرت في مجلة العلاقات الاجتماعية والشخصية أن سوء الظن في العلاقات الزوجية يرفع منسوب التوتر ويزيد من احتمالات الانفصال. وأكّدت دراسة يابانية، نُشرت في مجلة مؤشرات البحث الاجتماعي، أن المجتمعات التي تضعف فيها الثقة وتنتشر فيها الريبة، تُسجّل تراجعاً في جودة الحياة النفسية ومستوى الترابط الاجتماعي. وفي بيئة العمل، كشفت دراسة نُشرت في المجلة الأكاديمية للإدارة أن مناخ سوء الظن داخل المؤسسات يُضعف الأداء، ويرفع معدلات الاحتراق المهني، ويزيد من احتمالات انسحاب الكفاءات.
وقد لخّص هذا المعنى الخبير الأميركي في علم النفس الأسري، الدكتور جون جوتمان، بقوله: "سوء الظن يحوّل التصرفات البسيطة إلى رسائل عداء، وهو من أقوى المؤشرات المسبقة لانهيار العلاقات".
وفي وقت شبكات التواصل الاجتماعي "الصح الأزرق"، والردود المتأخرة، والرسائل المحذوفة، صار من السهل أن نحكم على الآخر بنية لم يعلنها. فليس كل من لم يرد يتجاهل، وليس كل من صمت يحمل ذنباً.
قال الإمام الشافعي: "إذا سبّني نذلٌ تزايدتُ رفعةً...وما العيبُ إلّا أن أكونَ مُجيبَهْ"، وقد يكون بعض الظن شبيهاً بالسبّ، إن صدّقه صاحبه قبل أن يستوضح. فربّ ودٍ خسرته الناس لأن ما بدا غير مفهوم، فُسِّر، لا كما هو، بل كما ظُنّ. ولربما ما يُهدم بالظن، لا يُصلحه حتى الاعتذار. وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).. آية تختصر الحكاية، وتضع القول الفصل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
سيلاوي لـ«الشرق الأوسط»: ألبومي الجديد يُلخّص عذاب حياتي
أطلق الفنان الأردني سيلاوي ألبومه الجديد (Bipolar) الذي يتضمن مجموعة كبيرة من الأغاني التي قرر جمعها في عمل واحد؛ إيماناً منه بأن الأفكار التي تحملها يجب أن تُروى معاً، وأن التجربة الكاملة ستترك أثراً أقوى لدى الجمهور. وكشف سيلاوي في حواره مع «الشرق الأوسط» عن تفاصيل ألبومه الجديد، وقصة معاناته مع والدته، وإمكانية دخوله عالم التمثيل. سيلاوي على غلاف ألبومه الغنائي الجديد (حسابه على انستغرام) اختيار سيلاوي اسم (Bipolar) أو «مرض اضطراب ثنائي القطب» عنواناً لألبومه، لم يكن صدفة، لكنه يحمل دلالات شخصية عميقة تعكس مشاعر متضاربة وتجربة حياتية مؤلمة مر بها سيلاوي: «الملامح التي عشتها في تلك المرحلة كانت نتيجة لتجربتي مع والدتي، وأنا قررت أخيراً أن أقول الحقيقة، حتى لو أغضب ذلك البعض، هذه هي حياتي التي عانيت فيها كثيراً، وأحببت أن أُظهِر لجمهوري كل ما عانيته في حياتي من عذاب». وتُعد أغنية «محكمة الدني» الأبرز والأجرأ في الألبوم، إذ تبرز مشاعر الألم والخذلان، التي مر بها خلال حياته، والتي فسرها قائلاً: «كان لا بد أن تُبصر قصة حياتي مع والدتي النور، ورأيت أن أهدي كل أم أو أب ترك أولاده في صغرهم هذه الأغنية، ليروا كيف يمكن أن تدمر حياتهم بسبب هذه المواقف الصعبة». لا يحمل سيلاوي أي خلافات مع الفنانين ومنفتح دوماً على الغناء المشترك والعمل الفني النزيه (حسابه على انستغرام) سيلاوي اعترف بأن هذه الأغنية كانت مصدراً لصراع داخلي يعاني منه، مشيراً إلى أن «البوح بالحقيقة كان خطوة صعبة لكنها ضرورية». وأوضح أن «قرار الحديث عنها لم يكن بدافع استدرار العاطفة أو الشفقة، بل لرغبته في عرض الحقيقة كما هي؛ فأنا لا أعرض معاناتي لأكسب تعاطف الناس، بل لأقول الحقيقة». وفق تعبيره. وتحدث سيلاوي عن ذكريات أليمة رافقته منذ أن كان طفلاً حين غادرت والدته، وتفاقمت العلاقة لاحقاً حتى وصلت إلى أروقة المحاكم: «حين بلغت العشرين من عمري فوجئت بدعوى قضائية ضدي من أُمي، بعد أن تركتني طفلاً رضيعاً، وطيلة سنوات حياتي مررت برحلة عذاب طويلة، لن أتحدث عنها حالياً، تعرضت خلالها لتشخيصات نفسية عديدة، ومن هنا استلهمت اسم الألبوم Bipolar ليحمل كل تلك الاضطرابات والمشاعر المتشابكة». ورغم «كل هذه التوترات، يظل والدي الداعم الأكبر في حياتي، حيث يشاركني في اختيار الأغنيات، ما يعكس توازناً عاطفياً في ظل هذه التحولات الصعبة». أُهدي أغنية «محكمة الدني» لكل أُم أو أب ترك أولاده في صغرهم سيلاوي أما عن الأغاني الرومانسية في الألبوم، فقد خصّ بها سيلاوي زوجته ساندرا، قائلاً: «كل أغنية حب أغنيها هي بمثابة هدية موجهة إليها. ساندرا هي كل شيء جميل في حياتي، وأهديها كل أعمالي الرومانسية بسبب وقوفها ومساندتها لي دائماً». سيلاوي أوضح أن «مشاركته لتفاصيل حياته الشخصية في أعماله ليست أمراً جديداً، بل هو ما يميزه ويُقربه من جمهوره الذي اعتاد على هذا الصدق»، مضيفاً: «أنا مختلف، وجمهوري اعتاد أن أشاركه أدق تفاصيل حياتي». وعن غيابه عن الأغنية المصرية في هذا الألبوم، أكد أنه يكنّ لجمهوره المصري كل التقدير، مشيراً إلى أنه يعمل على مشاريع جديدة تحمل الطابع المصري كما فعل في السابق. وفيما يخص علاقته بالفنان الشامي، أكد سيلاوي أنه لا يحمل أي خلافات مع أحد، وأنه يعتز بالتعاون مع أي فنان سوري أو عربي، منفتحاً دوماً على الغناء المشترك والعمل الفني النزيه. وعن إمكانية دخوله عالم التمثيل، نفى الفنان الشاب وجود أي خطط حالياً في هذا الاتجاه، مفضلاً التركيز على مشاريعه الموسيقية، التي يراها الطريق الأقرب للتعبير عن ذاته ومشاعره، قائلاً: «حالياً أركز على الغناء، ولكن التمثيل يعد خطوة ثانية لم أحسم أمرها بعد، ربما لو قمت بتنمية مهاراتي فيها أدخل هذا المجال الذي أحبه، والذي أحاول فيه من خلال تصوير أعمالي الغنائية».


الرياض
منذ 4 ساعات
- الرياض
أكثر من 2000 لاعب يتنافسون في النسخة الثانية من بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية
تنطلق غدًا في مدينة الرياض، بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية في نسختها الثانية، بمشاركة أكثر من (2000) لاعب محترف يمثلون (200) نادٍ من أكثر من (100) دولة، يتنافسون حتى 24 أغسطس المقبل، للفوز بجوائز مالية تتجاوز قيمتها (70) مليون دولار، في أعلى مجموع جوائز بتاريخ الرياضات الإلكترونية. وتتضمن نسخة هذا العام المقامة في بوليفارد رياض سيتي على مساحة تتجاوز (50) ألف متر مربع، (25) بطولة تغطي (24) لعبة، هي: League of Legends، وDota 2، وPUBG Mobile، وPUBG Battlegrounds، وCounter-Strike 2، وCall of Duty: Black Ops 6، وCall of Duty: Warzone، وCrossFire: Mercenary Forces Corporation، وFortnite، وMobile Legends: Bang Bang، وHonor of Kings، وRainbow Six Siege X، وStreet Fighter 6، وRocket League، وFatal Fury: City of the Wolves، وFree Fire، وOverwatch 2، وEA Sports FC 25، وRennsport، وStarCraft II، وTeamfight Tactics، وTekken 8، وVALORANT، والشطرنج، وApex Legends. ويُمثّل كأس العالم للرياضات الإلكترونية الحدث الأضخم في تاريخ قطاع الألعاب والرياضات، ركيزة محورية في تمكين اللاعبين والأندية، إذ يعمل من خلال برنامج شركاء الأندية 2025 على تعزيز النمو المستدام للفرق المشاركة، وتطوير المواهب وتوسيع قاعدتها الجماهيرية.


عكاظ
منذ 5 ساعات
- عكاظ
في يومها العالمي.. كيف زاحمت الشوكولاتة شراكة التمر للقهوة السعودية؟!
فيما يحتفل العالم في السابع من يوليو باليوم العالمي للشوكولاتة، باعتبارها واحدة من أكثر الحلويات ارتباطًا بالمشاعر والمناسبات، تستأثر الشوكولاتة باهتمام السعوديين على نحو خاص، حيث أصبحت في السنوات الأخيرة شريكة للتمر في جلسات القهوة السعودية، بل وبدأت تنافسها أحيانًا على المكان التقليدي بجوار الفنجان. فالشوكولاتة لم تعد مجرد ضيف أنيق في صناديق الهدايا أو مناسبات الأعياد، بل تحوّلت إلى مكوّن ثابت في الثقافة اليومية، تتنوع في تقديمها من الأنواع الداكنة المحشوة بالفستق أو البرتقال، إلى القطع الرفيعة المغلّفة يدويًا، وكلها تشترك في لغة واحدة: الدفء والمشاركة. وتُظهر بيانات عالمية حديثة، أن متوسط الاستهلاك السنوي للشوكولاتة عالميًا تجاوز 7.5 مليون طن، مع تزايد ملحوظ في الأسواق الخليجية. وتتصدر مناسبات مثل عيد الحب ونهاية العام قائمة المواسم الأعلى مبيعًا، لكنها لم تعد تقتصر على الغرب، بل وجدت في المجتمعات العربية مساحة جديدة، حيث اقترنت الشوكولاتة بالقهوة كجزء من الضيافة أو حتى التعبير عن الامتنان. أما تاريخ الشوكولاتة فيعود لآلاف السنين، حين استخدمتها حضارات أمريكا الوسطى كمشروب احتفالي مقدّس، لتدخل لاحقًا أوروبا وتتحول هناك إلى منتج فاخر، ثم تنتقل إلى العالم كرمز للفرح والهدايا والمشاعر العميقة. وفي العصر الحديث، تجاوزت كونها حلوى لتصبح صناعة عالمية، تحتفل بتنوعها وتتنافس عليها العلامات الكبرى. من الأرقام اللافتة في السنوات الأخيرة: أكبر لوح شوكولاتة تجاوز وزنه 5 أطنان، وأطول شلال شوكولاتة في لاس فيغاس، وصناديق تحتوي آلاف القطع مخصصة للمناسبات. لكنها رغم كل الأرقام، تظل مرآة شعورية، تتسلل إلى القلب في لحظة، وتترك أثرًا لا يُمحى في الذاكرة. في يومها العالمي، تعيد الشوكولاتة تذكيرنا بأن الحلاوة لا تُقاس بالسكر، بل بما تحمله من دفء وحب، سواء قُدّمت مع وردة، أو في صحن صغير بجوار القهوة. أخبار ذات صلة