logo
موديز لأميركا: انتبهوا.. المؤشرات المالية تزداد سوءًا

موديز لأميركا: انتبهوا.. المؤشرات المالية تزداد سوءًا

الجزيرةمنذ 5 ساعات

حين تهتز الثقة بقدرة أقوى دولة في العالم على سداد ديونها، لا يبقى الأمر شأنًا داخليا فحسب، بل يمتد صداه إلى الأسواق العالمية، حيث تتقلب المؤشرات، وتضعف العملات، ويعيد المستثمرون حساباتهم. هذا ما حدث بالفعل حين خفّضت وكالة " موديز" التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية، في خطوة لم تكن مجرد تغيير رمزي، بل إنذار من قلب النظام المالي العالمي بأن أكبر اقتصاد في العالم لم يعد في أفضل حالاته؛ فالدين ي تضخم ، و العجز يتسع، والثقة تتآكل بهدوء.
ورغم أن وكالات التصنيف الائتماني لا تصدر أحكامًا سياسية، فإنها تُسلّط الضوء بدقة على مواطن الخلل المالي. وعندما تتخذ قرارًا بخفض تصنيف الولايات المتحدة، فالسؤال لا يكون "لماذا حدث ذلك؟"، بل "ما الذي يعنيه هذا للعالم؟".
في هذا التقرير، نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية لفهم خلفيات هذا الخفض، وتداعياته على الاقتصادين العالمي والعربي، والمسار الذي تسلكه أميركا في ظل هذا التراجع المالي.
ما وكالات التصنيف ولماذا تُعد قراراتها بالغة الخطورة؟
وكالات التصنيف الائتماني هي مؤسسات دولية مستقلة تُقيّم قدرة الدول والشركات على سداد ديونها، وتُصدر درجات تُشبه التقديرات الدراسية؛ من أعلى درجة "ممتاز"، إلى أدنى درجة "خطر مرتفع". وكلما ارتفعت الدرجة، ازدادت ثقة الأسواق وانخفضت كلفة الاقتراض، والعكس صحيح.
أبرز هذه الوكالات: موديز، وستاندرد آند بورز، وفيتش، وتُستخدم تصنيفاتها مرجعا من قبل البنوك المركزية والمستثمرين وصناديق التقاعد، لتقدير أمان الاستثمارات. وتكمن خطورة قرارات هذه الوكالات في أنها قادرة على التأثير الفوري في حركة الأموال، وإعادة تشكيل مسارات الاستثمار العالمية خلال ساعات قليلة.
خلفيات خفض التصنيف.. لماذا فقدت أميركا امتيازها الائتماني الأعلى؟
لم يكن خفض تصنيف الولايات المتحدة مفاجئًا، بل نتيجة منطقية لتدهور طويل الأمد في مؤشرات المالية العامة. وقد استندت موديز إلى مجموعة من الأسباب الهيكلية العميقة التي ظهرت بوضوح في البيانات والتوقعات، وسبق أن حذرت منها جهات اقتصادية مرموقة مثل صندوق النقد الدولي، ومعهد بروكنجز، ومكتب الميزانية في الكونغرس. وأبرزها:
عجز مالي مزمن ومتسارع
بلغ العجز الفدرالي 6.4% من الناتج المحلي في 2024، مع توقعات بوصوله إلى 9% بحلول 2035، بفعل تضخم الإنفاق على برامج الاستحقاقات مقابل استقرار الإيرادات. هذا الخلل المتزايد يعمّق هشاشة الوضع المالي الأميركي.
ترجّح موديز تمديد قانون "تخفيضات الضرائب والوظائف" لعام 2017، بما قد يُضيف 4 تريليونات دولار للعجز خلال عقد، وهو ما يُعد رسالة تحذير غير مباشرة إلى الكونغرس.
من المتوقع أن يبلغ الدين الفدرالي 134% من الناتج بحلول 2035 ارتفاعًا من 98% في 2024، وهي نسبة خطيرة حتى بمقاييس الاقتصادات المتقدمة.
ارتفعت مدفوعات الفائدة من 9% من الإيرادات في 2021 إلى 18% في 2024، مع توقعات بوصولها إلى 30% في 2035، وذلك يعني أن ثلث الإيرادات سيُستهلك في الفوائد فقط.
تتوقع موديز أن تبلغ النفقات الإلزامية 78% من الإنفاق العام في 2035، وذلك يقلص قدرة الحكومة على تعديل السياسات أو تنفيذ إصلاحات.
شلل سياسي مزمن
الجمود بين البيت الأبيض والكونغرس في اتخاذ قرارات مالية حاسمة عمّق الأزمة، وأضعف الثقة بقدرة النظام السياسي على إدارة الاقتصاد بفاعلية.
الحلول المقترحة حاليا تُعد مؤقتة أو غير واقعية، ولا ترتقي إلى مستوى التحديات المالية البنيوية.
عبء فوائد أعلى من نظرائه
في 2024 بلغ عبء الفوائد 12% من الإيرادات، مقارنة بـ1.6% فقط لدى الدول التي ما زالت تحظى بأعلى تصنيف.
إعلان
قفزت عوائد سندات الخزانة لعشر سنوات من 0.9% في 2020 إلى 4.4% في مايو/أيار 2025، وذلك يرفع كلفة الاقتراض بشكل كبير.
رغم مرونة الاقتصاد الأميركي وحجمه الكبير، لم تعد هذه العوامل كافية لتعويض التدهور الحاد في المؤشرات المالية.
التداعيات.. كيف يؤثر خفض التصنيف على أميركا والعالم والمنطقة العربية؟
التأثير على الاقتصاد الأميركي:
ارتفاع كلفة الاقتراض:
يؤدي خفض التصنيف إلى قفزة في عوائد السندات لجذب المستثمرين، مما يُثقل كاهل الميزانية الأميركية.
تضخم مدفوعات الفائدة:
وصلت في منتصف 2025 إلى نحو 1.11 تريليون دولار سنويا، أي ما يعادل تقريبًا ميزانية الدفاع أو الصحة، ومع استمرار التصاعد ستبتلع هذه الفوائد 30% من الإيرادات.
تقلص قدرة الحكومة على الإنفاق:
يضطر صانعو القرار إلى تقليص الإنفاق على قطاعات مثل التعليم والبنية التحتية، مما يُبطئ النمو الاقتصادي.
الاضطرابات في الأسواق المالية:
تراجع الثقة دفع بعض المستثمرين إلى "بيع أميركا"، حيث لم تعد الأصول الأميركية تُعتبر ملاذًا آمنًا. فقد انخفض الدولار بنحو 8% منذ بداية العام، وارتفعت عوائد السندات بشكل ملحوظ.
التأثير على الاقتصاد العالمي:
ارتفاع عالمي في تكاليف الاقتراض:
نظرًا لاستخدام السندات الأميركية كمرجع عالمي، فإن ارتفاع عوائدها يؤدي إلى ارتفاع عام في أسعار الفائدة بأنحاء العالم.
تشويش على سياسات البنوك المركزية:
البنوك مضطرة إلى موازنة سياستها النقدية بين محاربة التضخم وحماية العملة الوطنية من الضغط الناتج عن السوق الأميركية.
بدأت تتجه دول عديدة إلى تنويع احتياطاتها بعيدًا عن الدولار، وذلك ينذر بتغيرات عميقة في موازين القوى النقدية العالمية.
التأثير على الدول العربية:
خسائر استثمارية مؤقتة:
هناك دول عربية تمتلك حيازات ضخمة من سندات الخزانة الأميركية، وقد تتأثر قيمتها السوقية نتيجة تراجع التصنيف.
إعلان
ارتباط السندات العربية بالسوق الأميركية يجعلها عرضة لارتفاع الفائدة العالمية.
ضغوط على السياسة النقدية:
قد تضطر البنوك المركزية العربية إلى مسايرة السياسة النقدية الأميركية، مما يُقيد أدواتها لدعم النمو المحلي.
تأثيرات على الأسواق المالية الإقليمية:
قد يشهد بعضها تراجعًا في السيولة أو تقلبات مؤقتة إذا ترافق خفض التصنيف مع أخبار اقتصادية سلبية من أميركا.
أخطار إستراتيجية.. إلى أين يقود هذا المسار المالي؟
تضخم الدين العام بشكل خطير:
بحسب مكتب الميزانية بالكونغرس، قد يصل الدين إلى 156% من الناتج بحلول 2055، وهي نسبة غير مسبوقة تتجاوز حتى مستويات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
استنزاف الميزانية العامة:
الفوائد وحدها قد تستهلك 5.4% من الناتج في 2055، وذلك يعني تراجع الإنفاق على القطاعات الخدمية.
عبء اجتماعي وسياسي متفاقم:
الأجيال القادمة ستدفع ثمن العجز الحالي عبر ضرائب أعلى وخدمات أضعف، مما قد يُولّد مشكلات اجتماعية حادة.
تآكل المكانة المالية العالمية لأميركا:
الاستمرار في هذا المسار قد يُفقد أميركا موقعها كمركز مالي عالمي، خاصة مع توجه الدول نحو بدائل للدولار.
ضعف قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمات:
كل أزمة مستقبلية ستجد الحكومة الأميركية أمام خيارات مالية محدودة بسبب تآكل الفوائض والحيز المالي.
هل ينذر خفض التصنيف بأزمة أكبر؟
خفض التصنيف ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة من المؤشرات السلبية المتراكمة. فبين تآكل الثقة، والجمود السياسي، وغياب الإصلاحات الجذرية، تُواجه الولايات المتحدة مسارًا ماليا خطيرًا.
وإذا لم تتخذ خطوات حاسمة وجذرية، فإن السؤال لن يكون: "متى ستُستعاد الثقة؟"، بل: "كم من الوقت يمكن أن يصمد الاقتصاد الأميركي من دون اهتزازات لا يمكن احتواؤها؟".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

النواب الأميركي يقر مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب
النواب الأميركي يقر مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

النواب الأميركي يقر مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب

أقر مجلس النواب الأميركي، الذي يسيطر عليه الجمهوريون -اليوم الخميس- بفارق صوت واحد مشروع قانون الضرائب والإنفاق الشامل الذي سينفذ معظم أجندة الرئيس دونالد ترامب السياسية ويثقل كاهل البلاد بديون تقدر بتريليونات الدولارات. وأقر المجلس مشروع القانون بموافقة 215 صوتا مقابل 214 بعد أن صوت كل الديمقراطيين وجمهوريان في المجلس ضده وصوت جمهوري ثالث بأنه "حاضر"، أي لا مع مشروع القانون ولا ضده. وقال مكتب الموازنة في الكونغرس، وهو مكتب غير حزبي، إن مشروع القانون سيحقق الكثير من تعهدات ترامب الانتخابية الشعبوية وسيمنح إعفاءات ضريبية جديدة على الإكراميات وقروض السيارات وسيزيد الإنفاق على الجيش وحرس الحدود وسيرفع ديون الحكومة الاتحادية البالغة 36.2 تريليون دولار بنحو 3.8 تريليونات دولار على مدى العقد المقبل. وكتب ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي "يمكن القول إن هذا هو أهم تشريع يوقع في تاريخ بلادنا!". وسيحال مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، ومن المرجح أن تجرى عليه تغييرات خلال مناقشات تستمر أسابيع. ويُمدد مشروع القانون الذي يتألف من 1100 صفحة التخفيضات الضريبية للشركات والأفراد التي أُقرت في 2017 خلال فترة ولاية ترامب الأولى، ويلغي العديد من حوافز الطاقة الخضراء التي أقرها الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن ، ويشدد شروط الانضمام لبرامج الصحة والغذاء للفقراء. إعلان ويمول كذلك حملة ترامب على الهجرة بإضافة عشرات الآلاف من حرس الحدود ويتيح إمكانية ترحيل ما يصل إلى مليون شخص سنويا. وأُقر مشروع القانون على الرغم من المخاوف المتزايدة بشأن الدين الأميركي الذي وصل إلى 124% من الناتج المحلي الإجمالي، مما دفع وكالة موديز إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأسبوع الماضي.

سوريا الجديدة: تحولات ما بعد العقوبات
سوريا الجديدة: تحولات ما بعد العقوبات

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

سوريا الجديدة: تحولات ما بعد العقوبات

تمثل مرحلة رفع العقوبات الأميركية عن سوريا -بعد سقوط النظام المخلوع وتسلّم الرئيس أحمد الشرع مقاليد الحكم- نقطة تحول محورية في تاريخ البلاد المعاصر. فهذا التطور لا يعكس مجرد تغيير في السياسة الخارجية الأميركية، بل يشير إلى اعتراف دولي بالتحولات العميقة التي شهدتها سوريا على المستويات؛ السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. وتأتي هذه الخطوة في سياق إقليمي ودولي متغير، يتطلب فهمًا عميقًا لدلالاتها وتداعياتها المستقبلية. السياق التاريخي للعقوبات فُرضت العقوبات الأميركية على سوريا على مدى عقود طويلة، وتصاعدت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة من حكم النظام السابق. لم تكن هذه العقوبات مجرّد إجراءات اقتصادية، بل مثّلت أداة سياسية هدفت إلى عزل نظام اتُّهم بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتقويض الاستقرار الإقليمي. وقد شكلت هذه العقوبات جزءًا من منظومة ضغط دولية، استهدفت تغيير سلوك النظام السابق، لكنها أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد السوري والمواطنين العاديين. وبالتالي، فإن رفعها اليوم يمثل اعترافًا ضمنيًا بالتغيير الجذري في بنية النظام السياسي السوري. يحمل قرار رفع العقوبات دلالات سياسية عميقة، أبرزها الاعتراف الدولي بشرعية النظام الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع؛ فالولايات المتحدة، من خلال هذا القرار، تقدم إشارة واضحة بأنها ترى في سوريا الجديدة شريكًا محتملًا في المنطقة، وليس خصمًا يجب احتواؤه. كما يعكس هذا القرار تحولًا في الإستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة، حيث تسعى واشنطن إلى إعادة ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط، وتعزيز العلاقات مع الدول التي تتبنى مسارات إصلاحية، وهذا يفتح المجال أمام سوريا للعودة إلى المشهد الإقليمي والدولي كفاعل مؤثر. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الانفتاح إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والدول الغربية، وإعادة فتح السفارات، وتنشيط قنوات التواصل السياسي، ما يسهم في كسر العزلة التي عانت منها البلاد لسنوات طويلة. التداعيات الاقتصادية المرتقبة تفتح هذه المرحلة الجديدة آفاقًا واسعة للاقتصاد السوري الذي عانى من الركود والانهيار خلال سنوات الصراع والعقوبات؛ فرفع العقوبات يعني إمكانية استئناف التعاملات المصرفية الدولية، وعودة الاستثمارات الأجنبية، وفتح الأسواق العالمية أمام المنتجات السورية. كما يتيح هذا التطور فرصة للحصول على قروض وتمويلات من المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لدعم برامج إعادة الإعمار، وتأهيل البنية التحتية المتضررة. ويمكن أن يسهم ذلك في خلق فرص عمل جديدة، وتحسين مستوى المعيشة، وتخفيف معدلات الفقر المرتفعة. غير أن الاستفادة القصوى من هذه الفرص تتطلب إصلاحات هيكلية في الاقتصاد السوري، وتبنّي سياسات شفافة في إدارة الموارد، ومكافحة الفساد، وتحسين بيئة الأعمال لجذب المستثمرين. الانعكاسات الاجتماعية والإنسانية على المستوى الاجتماعي، يمكن أن يسهم رفع العقوبات في تحسين الأوضاع الإنسانية للمواطنين السوريين، من خلال توفير السلع الأساسية والأدوية، التي كانت شحيحة بسبب القيود المفروضة على الاستيراد. كما يمكن أن يساعد في تطوير قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية. ومن المتوقع أن يشجع هذا الانفتاح على عودة اللاجئين والمهجرين السوريين من دول الجوار وأوروبا، خاصة مع تحسن الظروف الأمنية والاقتصادية، وهذا يتطلب برامج وطنية لإعادة الإدماج، وتوفير السكن والعمل، وضمان المصالحة المجتمعية. كما يمكن أن يسهم الانفتاح في تعزيز دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، التي يمكنها الآن العمل بحرية أكبر وتلقي الدعم الدولي لبرامجها التنموية والإنسانية. التحديات والفرص المستقبلية رغم الإيجابيات المتوقعة، تواجه سوريا الجديدة تحديات كبيرة في مرحلة ما بعد العقوبات؛ فالبلاد بحاجة إلى إعادة بناء مؤسساتها على أسس ديمقراطية، وتحقيق المصالحة الوطنية، ومعالجة إرث الانتهاكات السابقة من خلال آليات العدالة الانتقالية. كما أن إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة تتطلب موارد ضخمة وخططًا إستراتيجية طويلة المدى. وهناك تحدي إعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، بعيدًا عن الاعتماد على قطاعات تقليدية محدودة. نجاح سوريا في استثمار هذه الفرصة التاريخية سيكون له انعكاسات إيجابية، ليس فقط على مستقبل البلاد، بل على استقرار المنطقة بأكملها غير أن هذه التحديات تقابلها فرص واعدة، خاصة مع الدعم الدولي المتوقع، والموقع الإستراتيجي لسوريا، وإمكانية الاستفادة من خبرات السوريين في المهجر. ويمكن لسوريا الجديدة أن تستثمر هذه الفرصة التاريخية لبناء نموذج تنموي مستدام، يقوم على المشاركة والشفافية والعدالة الاجتماعية. يمثل رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بداية مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، تحمل في طياتها آمالًا كبيرة وتحديات جسيمة. وتتطلب هذه المرحلة رؤية وطنية شاملة، وإرادة سياسية قوية، وتعاونًا دوليًا فاعلًا، لتحويل الانفتاح السياسي والاقتصادي إلى واقع ملموس يلمسه المواطن السوري في حياته اليومية. إن نجاح سوريا في استثمار هذه الفرصة التاريخية سيكون له انعكاسات إيجابية، ليس فقط على مستقبل البلاد، بل على استقرار المنطقة بأكملها. وتبقى المسؤولية مشتركة، بين القيادة السياسية الجديدة والمجتمع السوري والمجتمع الدولي، لضمان أن تكون هذه المرحلة بداية حقيقية لسوريا ديمقراطية مزدهرة ومستقرة.

موديز لأميركا: انتبهوا.. المؤشرات المالية تزداد سوءًا
موديز لأميركا: انتبهوا.. المؤشرات المالية تزداد سوءًا

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

موديز لأميركا: انتبهوا.. المؤشرات المالية تزداد سوءًا

حين تهتز الثقة بقدرة أقوى دولة في العالم على سداد ديونها، لا يبقى الأمر شأنًا داخليا فحسب، بل يمتد صداه إلى الأسواق العالمية، حيث تتقلب المؤشرات، وتضعف العملات، ويعيد المستثمرون حساباتهم. هذا ما حدث بالفعل حين خفّضت وكالة " موديز" التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية، في خطوة لم تكن مجرد تغيير رمزي، بل إنذار من قلب النظام المالي العالمي بأن أكبر اقتصاد في العالم لم يعد في أفضل حالاته؛ فالدين ي تضخم ، و العجز يتسع، والثقة تتآكل بهدوء. ورغم أن وكالات التصنيف الائتماني لا تصدر أحكامًا سياسية، فإنها تُسلّط الضوء بدقة على مواطن الخلل المالي. وعندما تتخذ قرارًا بخفض تصنيف الولايات المتحدة، فالسؤال لا يكون "لماذا حدث ذلك؟"، بل "ما الذي يعنيه هذا للعالم؟". في هذا التقرير، نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية لفهم خلفيات هذا الخفض، وتداعياته على الاقتصادين العالمي والعربي، والمسار الذي تسلكه أميركا في ظل هذا التراجع المالي. ما وكالات التصنيف ولماذا تُعد قراراتها بالغة الخطورة؟ وكالات التصنيف الائتماني هي مؤسسات دولية مستقلة تُقيّم قدرة الدول والشركات على سداد ديونها، وتُصدر درجات تُشبه التقديرات الدراسية؛ من أعلى درجة "ممتاز"، إلى أدنى درجة "خطر مرتفع". وكلما ارتفعت الدرجة، ازدادت ثقة الأسواق وانخفضت كلفة الاقتراض، والعكس صحيح. أبرز هذه الوكالات: موديز، وستاندرد آند بورز، وفيتش، وتُستخدم تصنيفاتها مرجعا من قبل البنوك المركزية والمستثمرين وصناديق التقاعد، لتقدير أمان الاستثمارات. وتكمن خطورة قرارات هذه الوكالات في أنها قادرة على التأثير الفوري في حركة الأموال، وإعادة تشكيل مسارات الاستثمار العالمية خلال ساعات قليلة. خلفيات خفض التصنيف.. لماذا فقدت أميركا امتيازها الائتماني الأعلى؟ لم يكن خفض تصنيف الولايات المتحدة مفاجئًا، بل نتيجة منطقية لتدهور طويل الأمد في مؤشرات المالية العامة. وقد استندت موديز إلى مجموعة من الأسباب الهيكلية العميقة التي ظهرت بوضوح في البيانات والتوقعات، وسبق أن حذرت منها جهات اقتصادية مرموقة مثل صندوق النقد الدولي، ومعهد بروكنجز، ومكتب الميزانية في الكونغرس. وأبرزها: عجز مالي مزمن ومتسارع بلغ العجز الفدرالي 6.4% من الناتج المحلي في 2024، مع توقعات بوصوله إلى 9% بحلول 2035، بفعل تضخم الإنفاق على برامج الاستحقاقات مقابل استقرار الإيرادات. هذا الخلل المتزايد يعمّق هشاشة الوضع المالي الأميركي. ترجّح موديز تمديد قانون "تخفيضات الضرائب والوظائف" لعام 2017، بما قد يُضيف 4 تريليونات دولار للعجز خلال عقد، وهو ما يُعد رسالة تحذير غير مباشرة إلى الكونغرس. من المتوقع أن يبلغ الدين الفدرالي 134% من الناتج بحلول 2035 ارتفاعًا من 98% في 2024، وهي نسبة خطيرة حتى بمقاييس الاقتصادات المتقدمة. ارتفعت مدفوعات الفائدة من 9% من الإيرادات في 2021 إلى 18% في 2024، مع توقعات بوصولها إلى 30% في 2035، وذلك يعني أن ثلث الإيرادات سيُستهلك في الفوائد فقط. تتوقع موديز أن تبلغ النفقات الإلزامية 78% من الإنفاق العام في 2035، وذلك يقلص قدرة الحكومة على تعديل السياسات أو تنفيذ إصلاحات. شلل سياسي مزمن الجمود بين البيت الأبيض والكونغرس في اتخاذ قرارات مالية حاسمة عمّق الأزمة، وأضعف الثقة بقدرة النظام السياسي على إدارة الاقتصاد بفاعلية. الحلول المقترحة حاليا تُعد مؤقتة أو غير واقعية، ولا ترتقي إلى مستوى التحديات المالية البنيوية. عبء فوائد أعلى من نظرائه في 2024 بلغ عبء الفوائد 12% من الإيرادات، مقارنة بـ1.6% فقط لدى الدول التي ما زالت تحظى بأعلى تصنيف. إعلان قفزت عوائد سندات الخزانة لعشر سنوات من 0.9% في 2020 إلى 4.4% في مايو/أيار 2025، وذلك يرفع كلفة الاقتراض بشكل كبير. رغم مرونة الاقتصاد الأميركي وحجمه الكبير، لم تعد هذه العوامل كافية لتعويض التدهور الحاد في المؤشرات المالية. التداعيات.. كيف يؤثر خفض التصنيف على أميركا والعالم والمنطقة العربية؟ التأثير على الاقتصاد الأميركي: ارتفاع كلفة الاقتراض: يؤدي خفض التصنيف إلى قفزة في عوائد السندات لجذب المستثمرين، مما يُثقل كاهل الميزانية الأميركية. تضخم مدفوعات الفائدة: وصلت في منتصف 2025 إلى نحو 1.11 تريليون دولار سنويا، أي ما يعادل تقريبًا ميزانية الدفاع أو الصحة، ومع استمرار التصاعد ستبتلع هذه الفوائد 30% من الإيرادات. تقلص قدرة الحكومة على الإنفاق: يضطر صانعو القرار إلى تقليص الإنفاق على قطاعات مثل التعليم والبنية التحتية، مما يُبطئ النمو الاقتصادي. الاضطرابات في الأسواق المالية: تراجع الثقة دفع بعض المستثمرين إلى "بيع أميركا"، حيث لم تعد الأصول الأميركية تُعتبر ملاذًا آمنًا. فقد انخفض الدولار بنحو 8% منذ بداية العام، وارتفعت عوائد السندات بشكل ملحوظ. التأثير على الاقتصاد العالمي: ارتفاع عالمي في تكاليف الاقتراض: نظرًا لاستخدام السندات الأميركية كمرجع عالمي، فإن ارتفاع عوائدها يؤدي إلى ارتفاع عام في أسعار الفائدة بأنحاء العالم. تشويش على سياسات البنوك المركزية: البنوك مضطرة إلى موازنة سياستها النقدية بين محاربة التضخم وحماية العملة الوطنية من الضغط الناتج عن السوق الأميركية. بدأت تتجه دول عديدة إلى تنويع احتياطاتها بعيدًا عن الدولار، وذلك ينذر بتغيرات عميقة في موازين القوى النقدية العالمية. التأثير على الدول العربية: خسائر استثمارية مؤقتة: هناك دول عربية تمتلك حيازات ضخمة من سندات الخزانة الأميركية، وقد تتأثر قيمتها السوقية نتيجة تراجع التصنيف. إعلان ارتباط السندات العربية بالسوق الأميركية يجعلها عرضة لارتفاع الفائدة العالمية. ضغوط على السياسة النقدية: قد تضطر البنوك المركزية العربية إلى مسايرة السياسة النقدية الأميركية، مما يُقيد أدواتها لدعم النمو المحلي. تأثيرات على الأسواق المالية الإقليمية: قد يشهد بعضها تراجعًا في السيولة أو تقلبات مؤقتة إذا ترافق خفض التصنيف مع أخبار اقتصادية سلبية من أميركا. أخطار إستراتيجية.. إلى أين يقود هذا المسار المالي؟ تضخم الدين العام بشكل خطير: بحسب مكتب الميزانية بالكونغرس، قد يصل الدين إلى 156% من الناتج بحلول 2055، وهي نسبة غير مسبوقة تتجاوز حتى مستويات ما بعد الحرب العالمية الثانية. استنزاف الميزانية العامة: الفوائد وحدها قد تستهلك 5.4% من الناتج في 2055، وذلك يعني تراجع الإنفاق على القطاعات الخدمية. عبء اجتماعي وسياسي متفاقم: الأجيال القادمة ستدفع ثمن العجز الحالي عبر ضرائب أعلى وخدمات أضعف، مما قد يُولّد مشكلات اجتماعية حادة. تآكل المكانة المالية العالمية لأميركا: الاستمرار في هذا المسار قد يُفقد أميركا موقعها كمركز مالي عالمي، خاصة مع توجه الدول نحو بدائل للدولار. ضعف قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمات: كل أزمة مستقبلية ستجد الحكومة الأميركية أمام خيارات مالية محدودة بسبب تآكل الفوائض والحيز المالي. هل ينذر خفض التصنيف بأزمة أكبر؟ خفض التصنيف ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة من المؤشرات السلبية المتراكمة. فبين تآكل الثقة، والجمود السياسي، وغياب الإصلاحات الجذرية، تُواجه الولايات المتحدة مسارًا ماليا خطيرًا. وإذا لم تتخذ خطوات حاسمة وجذرية، فإن السؤال لن يكون: "متى ستُستعاد الثقة؟"، بل: "كم من الوقت يمكن أن يصمد الاقتصاد الأميركي من دون اهتزازات لا يمكن احتواؤها؟".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store