logo
حين صارت الصورة أقوى من الإنكار.. هكذا بدأ الإعلام الغربي يلتفت 'أخيراً' إلى مجاعة غزة

حين صارت الصورة أقوى من الإنكار.. هكذا بدأ الإعلام الغربي يلتفت 'أخيراً' إلى مجاعة غزة

بوست عربي٢٧-٠٧-٢٠٢٥
منذ شهور تعاملت معظم وسائل الإعلام الغربية مع المأساة والمجاعة في غزة بصمت بارد، متجاهلة جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل، في تناقض صارخ مع خطابها المُعلن حول حماية الحقوق والحريات والدفاع عن المستضعفين.
لكن شيئاً ما بدأ يتغير في الفترة الأخيرة، فبدأت مؤسسات صحفية كبرى، بما فيها تلك المحسوبة على التيار المحافظ، في مراجعة خطابها حيال ما يجري في القطاع، على وقع مشاهد الجوع والانهيار الإنساني الواسع الذي لم يعد بالإمكان إنكاره أو تأطيره ضمن سرديات أمنية وسياسية إسرائيلية.
وقد ساهمت الانتقادات العلنية من الأمم المتحدة وعشرات المنظمات الإنسانية، إلى جانب تصريحات صريحة من حكومات غربية، في زعزعة جدار الصمت الإعلامي. ففي بيان مشترك صدر يوم الاثنين الماضي، وجّه الاتحاد الأوروبي و28 دولة غربية، من بينها بريطانيا وفرنسا، دعوة صريحة لإسرائيل بوقف الحرب فوراً، مستنكرين ما وصفوه بـ "التدفق غير المنتظم للمساعدات". واعتبر البيان أن مقتل أكثر من 800 مدني خلال محاولتهم الوصول إلى الغذاء أمرٌ مروّع لا يمكن تبريره.
هذا التحول – وإن أتى متأخراً – يعكس على ما يبدو حدود القدرة على إخفاء الحقيقة، حين تبلغ المأساة ذروتها أمام عدسات الكاميرا وشهادات المنظمات الأممية.
مجاعة في غزة.. دون إدانة لإسرائيل
نشرت صحيفة The Telegraph البريطانية، ذات التوجه اليميني، تقريراً بعنوان: " جسدها يضعف يوماً بعد يوم.. أطفال في غزة يتضورون جوعاً حتى الموت". يعرض التقرير لقطات من داخل أحد المستشفيات القليلة المتبقية في قطاع غزة، توثّق حالات لأطفال يعانون من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم، مشيراً إلى أن بعضهم "يتضور جوعاً حتى الموت". يركّز التقرير بصرياً وعاطفياً على الأجساد الصغيرة التي تنهكها المجاعة يوماً بعد يوم، ويتضمن شهادات لأطباء فلسطينيين يواجهون نقصاً حاداً في الموارد الطبية والغذائية.
وتورد الصحيفة أن وزارة الصحة في غزة — التي تشير إليها باستمرار بأنها "تديرها حماس" — أعلنت وفاة 33 شخصاً، بينهم 12 طفلاً، بسبب الجوع خلال 48 ساعة فقط، في وقت بات فيه الحصار والنقص الحاد في الإمدادات يهددان آلاف الأرواح.
لكن التقرير لا يذكر إسرائيل كطرف رئيس في هذه المجاعة، بل يترك القارئ أمام مشهد إنساني معزول، وكأن المجاعة نشأت من فراغ، لا من حرب إبادة تشنها إسرائيل منذ أكثر من 21 شهراً.
Israel continues to starve the people of Gaza. pic.twitter.com/RPbgi38poc
— TIMES OF GAZA (@Timesofgaza) July 25, 2025
ورغم البعد الإنساني البارز في المادة المصوّرة، يغيب عن تقرير The Telegraph أي ذكر مباشر لمسؤولية إسرائيل عن تدهور الوضع الغذائي في القطاع. تُذكر "إسرائيل" بشكل عابر فقط، دون الإشارة إلى أنها تقصف القطاع بشكل يومي منذ شهور، أو أنها فرضت حصاراً خانقاً على تدفق الغذاء والدواء والوقود، أو أنها دمّرت البنية التحتية والمنشآت الطبية.
كما أن التقرير يتجاهل تماماً ما أكدته مصادر أممية وحقوقية عديدة بشأن استخدام إسرائيل لسياسة التجويع كسلاح في الحرب، ويتغاضى عن حقيقة أن أكثر من 18 ألف طفل فلسطيني قد قُتلوا منذ بدء العدوان، وفق إحصاءات وزارة الصحة — التي تصر معظم الصحف الغربية، وليس التلغراف فقط، على الإشارة إليها بأنها "تديرها حماس".
أما عن صحيفة "وول ستريت جورنال"، وهي صحيفة اقتصادية أميركية ذات توجه محافظ يميني، فقد تناولت المجاعة في غزة في مقال رأي بعنوان " أزمة المساعدات في غزة تخدم حماس فقط"، مقال رأي باسم هيئة التحرير، من زاوية سياسية ضيقة، حيث تطرح أن تفاقم النقص في الغذاء، لا سيما في شمال القطاع، يمنح حماس فرصة لتعزيز موقفها عبر رفض اتفاق وقف إطلاق النار وإلقاء اللوم على إسرائيل.
Opinion | Gaza's Aid Crisis Helps Only Hamas – The Wall Street Journal https://t.co/b0R8nVP8uR
— The Conservative Catholic Journal (@thepathistruth) July 26, 2025
ترى الصحيفة أن حماس توظف الأزمة لكسب تعاطف محلي ودولي دون أن تتحمل مسؤولية إنسانية فعلية، كما تحث الأمم المتحدة وإسرائيل على تجاوز الاتهامات المتبادلة والعمل معاً على "وضع الطعام على الطاولات". ومن ثم، فإن المقال يُقدّم المجاعة بوصفها نتيجة لصراع سياسي غير محسوم، لا كجريمة ممنهجة من إسرائيل.
حين صارت الصورة أقوى من الإنكار
أما في فرنسا، فصحيفة لوفيغارو، المعروفة بارتباطها التقليدي بخطاب يميني متشدد ومواقف داعمة لإسرائيل، خصّصت في عددها الصادر يوم 23 يوليو/تموز مساحة لافتة لتناول أزمة الجوع المتفاقمة في قطاع غزة، من خلال تقرير مصوّر نُشر على منصتها الرقمية بعنوان: " خطر المجاعة في غزة هو نتيجة الحصار الإسرائيلي، كما تؤكد فرنسا".
ورغم الخلفية التحريرية للصحيفة، فقد نقل التقرير تصريحات مباشرة للمتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أقرّ فيها بأن المجاعة المتوقعة في القطاع ليست عرضاً عابراً، بل نتيجة مباشرة للحصار الإسرائيلي المستمر. كما أشار التقرير إلى تنامي الانتقادات الأوروبية والدولية.
بينما خصّصت صحيفة ليبراسيون ، ذات التوجه اليساري، صفحتها الافتتاحية يوم 24 يوليو/تموز وعدداً من صفحاتها الداخلية لتسليط الضوء على تفاقم المجاعة في غزة، وارتفاع أعداد الوفيات بسبب الجوع. تضمن التقرير مقابلات مع فلسطينيين يعيشون تحت وطأة الحصار. وعلى صورة صادمة لطفل من مخيم الشاطئ بدت عظامه بارزة بفعل سوء التغذية، حملت الصفحة الرئيسية العنوان: "المجاعة في غزة".
Primeira página do jornal francês Libération pic.twitter.com/vZ7Mww1KNt
— Comunidade Cultura e Arte (@comculturaearte) July 24, 2025
وأضافت الصحيفة: "أكثر من مئة منظمة غير حكومية تحذر من مجاعة جماعية تضرب القطاع، حيث تتزايد أعداد الوفيات نتيجة سوء التغذية، في ظل غياب المساعدات الغذائية التي تمنع إسرائيل دخولها."
وخصّصت لوموند الفرنسية ، وهي صحيفة تحاول أن تضع نفسها في الوسط بين التيارات السياسية، صفحتها الأولى لتغطية مجاعة غزة، واختارت صورة مؤثرة لامرأة فلسطينية تحتضن جسد طفلها الهزيل من شدة الجوع، تحت عنوان لافت: "قطاع غزة: ويلات المجاعة".
أشارت الصحيفة إلى أن نحو مئة شخص لقوا حتفهم جوعاً منذ أن فرض الجيش الإسرائيلي حصاراً على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. واستعرضت شهادات مؤلمة من سكان غزة، تحدّثوا عن ظروف يومية تُطبق على الحياة: الجوع، غياب الرعاية، وانهيار كل مقومات البقاء. ولفتت لوموند إلى أن "الحكومة الإسرائيلية تتبنى، بشكل متزايد وعلني، استراتيجية تهدف إلى تفريغ غزة من سكانها".
Le titre du @lemondefr devrait être plutôt : Bande de Gaza, les ravages du Génocide pic.twitter.com/p3ISgw5C9J
— Salim DJELLAB (@SalimDjellab) July 24, 2025
تجدر الإشارة إلى أن بعضاً من الصحف الغربية تبدي قدراً معقولاً من الاهتمام بما يتعرض له سكان غزة من إبادة وتجويع ممنهجين، وتسعى إلى إبراز المأساة الإنسانية، بينها صحيفة ذي غارديان البريطانية، ذات التوجه التقدمي، التي خصصت مدونة حية لتغطية الإبادة في غزة، تنشر فيها آخر المستجدات من القطاع.
أما صحيفة إل باييس الإسبانية ، ذات التوجه الوسطي الليبرالي، واسعة الانتشار، فقد اختارت صورة تظهر فلسطينيين يصطفون في طوابير طويلة بانتظار الحصول على الطعام في غزة، ورافقتها بعنوان مباشر: "المجاعة في غزة تطلق موجة غضب عالمي"، في إشارة إلى تصاعد الاستياء الدولي من الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.
🗞️ #Portada | La UE se dispone a ceder ante Trump y asumir aranceles del 15%; La hambruna en Gaza desata una ola de indignación global; Una diputada del PP deja todos sus cargos por falsear el currículum, en EL PAÍS este jueves 24 de julio
🔗 https://t.co/QVwG9jl2MD pic.twitter.com/WfrTYJP6pQ
— EL PAÍS (@el_pais) July 24, 2025
في المقابل، غابت أخبار المجاعة في غزة عن الصفحات الأولى للصحف الأميركية البارزة مثل واشنطن بوست و نيويورك تايمز ، والتي فضّلت التركيز على ملفات محلية داخلية، متجاهلة تصدير واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية الجارية في العالم اليوم بفعل إسرائيل.في المقابل، غابت أخبار المجاعة في غزة عن الصفحات الأولى للصحف الأميركية البارزة مثل واشنطن بوست و نيويورك تايمز ، والتي فضّلت التركيز على ملفات محلية داخلية، متجاهلة تصدير واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية الجارية في العالم اليوم بفعل إسرائيل.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

يخشون السفر أو التحدث بالعبرية… 'تسونامي غضب' يلاحق الإسرائيليين حول العالم بسبب غزة
يخشون السفر أو التحدث بالعبرية… 'تسونامي غضب' يلاحق الإسرائيليين حول العالم بسبب غزة

بوست عربي

timeمنذ 5 أيام

  • بوست عربي

يخشون السفر أو التحدث بالعبرية… 'تسونامي غضب' يلاحق الإسرائيليين حول العالم بسبب غزة

مع تنامي الغضب إزاء تفشي المجاعة في قطاع غزة، وسلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تزايدت مظاهر العداء للإسرائيليين حول العالم، وأصبحت إسرائيل تخاطر بأن تصبح منبوذة دولياً. ومنذ أن قطعت إسرائيل المساعدات في مارس/ آذار الماضي، تزايدت المجاعة في القطاع، وشاب جهود دولة الاحتلال لإنشاء نظام توزيع خاص بها حالة من الفوضى، ما تسبب في استشهاد المئات من الفلسطينيين فيما بات يعرف بـ"مصائد الموت" بمناطق توزيع المساعدات. لكن في الآونة الأخيرة، تزايدت ردود الفعل الغاضبة لاسيما في الأوساط الغربية تجاه المجاعة في قطاع غزة، وبدأت مؤسسات صحفية كبرى في التركيز على مشاهد الجوع والانهيار الإنساني الواسع في القطاع. كما ساهمت الانتقادات الأممية والحقوقية، إلى جانب تصريحات من حكومات غربية، في تحويل "حرب التجويع" التي انتهجها نتنياهو ضد غزة، إلى نقمة ضده وضد الإسرائيليين. وأظهر استطلاع رأي نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، أن معظم الإسرائيليين يخشون التعرض لأذى محتمل أثناء السفر إلى دول أوروبية. وفقاً للاستطلاع، فإن 61% من المشاركين أبدوا خشيتهم من التعرض لأذى بسبب ما أسموه "معاداة السامية" إذا سافروا إلى دول أوروبية. وتشير الصحيفة العبرية إلى أن الفترة ما بين مايو/ أيار وأغسطس/ آب 2025، سجلت رقماً قياسياً جديداً في حوادث ما يسمى "معاداة السامية" حول العالم، لافتة إلى أن العديد من الدول أفادت بزيادة في عدد وشدة هذه الحوادث. وزعمت "معاريف" و"يديعوت أحرونوت" أن الحوادث تنوعت ما بين الاعتداءات الجسدية والتخريب وصولاً إلى محاولات الإقصاء والتحريض في المناسبات العامة، ويتجلى ذلك بشكل خاص في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا. في اليونان: وجّه مجلس الجالية اليهودية في اليونان تحذيراً رسمياً بشأن تزايد الحوادث ضد الإسرائيليين منذ بداية الصيف، أبرزها: تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن الحوادث الأخيرة ضد الإسرائيليين تسلط الضوء على حقيقة صارخة، وهي أن إسرائيل تواجه "تسونامي دبلوماسي، وعاصفة من الكراهية والعزلة والإدانة والمقاطعة واسعة النطاق". كما لم تقتصر العزلة على الشارع والرأي العام العالمي، بل امتدت إلى المؤسسات الرسمية والدولية، فقد وافقت المفوضية الأوروبية على توصية بتعليق مشاركة إسرائيل جزئياً في برنامج "هورايزون 2020″، وهو أكبر برنامج بحثي في الاتحاد الأوروبي وتبلغ ميزانيته مليارات اليوروهات. وتزداد العزلة الدبلوماسية الإسرائيلية، سواء في المؤسسات الدولية أو في العلاقات الثنائية، وبينما أعرب جمهوريون، بمن فيهم أقوى حلفاء إسرائيل، عن قلقهم إزاء الوضع الإنساني في غزة، يتزايد في أوروبا الزخم للاعتراف بدولة فلسطينية، بحسب الصحيفة الإسرائيلية. فيما انضمت ألمانيا، حليف إسرائيل التاريخي، إلى بريطانيا وأستراليا وكندا وفنلندا والبرتغال، بالإعلان أنهم يخططون للاعتراف بدولة فلسطينية خلال قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة. وشددت "يديعوت أحرونوت" على أن إسرائيل تحتاج إلى وقف إطلاق النار في غزة، ليس فقط من أجل استعادة الأسرى الإسرائيليين، بل أيضاً لتخفيف الضغط الدولي الذي يسحقها ويسحق معها الجاليات اليهودية حول العالم. وأضافت أن إسرائيل لا تملك رفاهية الاستمرار في الوضع الراهن، فبدون تغيير، سيتدهور وضعها الدبلوماسي، مؤكدة أن الأزمة الإنسانية في غزة باتت تشكل نقطة ضعف لإسرائيل. فيما تشدد صحيفة "هآرتس" على أن سلوك إسرائيل في الأشهر الأخيرة، والذي حولها إلى دولة منبوذة، بل شبه دولة مارقة، هو نتاج مزيج قاتل من إنكار الواقع والغطرسة، والتي تقودها إلى حافة الهاوية. وأضافت أنه من السهل ما اتهام بريطانيا وفرنسا بالانجراف وراء برلمانات اليسار وسكانهما المسلمين، ولكن الكراهية تجاه إسرائيل، وموجات التعاطف التي حظي بها أهل غزة، ليست حكراً على أوروبا الغربية. ففي أجزاء كبيرة من "أمريكا ترامب"، يتجاوز انتقاد إسرائيل، الذي أصبح جزئياً كراهية حقيقية، الحدود الحزبية. Protesters marched through the streets of London, demanding an end to the starvation in Gaza

حين صارت الصورة أقوى من الإنكار.. هكذا بدأ الإعلام الغربي يلتفت 'أخيراً' إلى مجاعة غزة
حين صارت الصورة أقوى من الإنكار.. هكذا بدأ الإعلام الغربي يلتفت 'أخيراً' إلى مجاعة غزة

بوست عربي

time٢٧-٠٧-٢٠٢٥

  • بوست عربي

حين صارت الصورة أقوى من الإنكار.. هكذا بدأ الإعلام الغربي يلتفت 'أخيراً' إلى مجاعة غزة

منذ شهور تعاملت معظم وسائل الإعلام الغربية مع المأساة والمجاعة في غزة بصمت بارد، متجاهلة جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل، في تناقض صارخ مع خطابها المُعلن حول حماية الحقوق والحريات والدفاع عن المستضعفين. لكن شيئاً ما بدأ يتغير في الفترة الأخيرة، فبدأت مؤسسات صحفية كبرى، بما فيها تلك المحسوبة على التيار المحافظ، في مراجعة خطابها حيال ما يجري في القطاع، على وقع مشاهد الجوع والانهيار الإنساني الواسع الذي لم يعد بالإمكان إنكاره أو تأطيره ضمن سرديات أمنية وسياسية إسرائيلية. وقد ساهمت الانتقادات العلنية من الأمم المتحدة وعشرات المنظمات الإنسانية، إلى جانب تصريحات صريحة من حكومات غربية، في زعزعة جدار الصمت الإعلامي. ففي بيان مشترك صدر يوم الاثنين الماضي، وجّه الاتحاد الأوروبي و28 دولة غربية، من بينها بريطانيا وفرنسا، دعوة صريحة لإسرائيل بوقف الحرب فوراً، مستنكرين ما وصفوه بـ "التدفق غير المنتظم للمساعدات". واعتبر البيان أن مقتل أكثر من 800 مدني خلال محاولتهم الوصول إلى الغذاء أمرٌ مروّع لا يمكن تبريره. هذا التحول – وإن أتى متأخراً – يعكس على ما يبدو حدود القدرة على إخفاء الحقيقة، حين تبلغ المأساة ذروتها أمام عدسات الكاميرا وشهادات المنظمات الأممية. مجاعة في غزة.. دون إدانة لإسرائيل نشرت صحيفة The Telegraph البريطانية، ذات التوجه اليميني، تقريراً بعنوان: " جسدها يضعف يوماً بعد يوم.. أطفال في غزة يتضورون جوعاً حتى الموت". يعرض التقرير لقطات من داخل أحد المستشفيات القليلة المتبقية في قطاع غزة، توثّق حالات لأطفال يعانون من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم، مشيراً إلى أن بعضهم "يتضور جوعاً حتى الموت". يركّز التقرير بصرياً وعاطفياً على الأجساد الصغيرة التي تنهكها المجاعة يوماً بعد يوم، ويتضمن شهادات لأطباء فلسطينيين يواجهون نقصاً حاداً في الموارد الطبية والغذائية. وتورد الصحيفة أن وزارة الصحة في غزة — التي تشير إليها باستمرار بأنها "تديرها حماس" — أعلنت وفاة 33 شخصاً، بينهم 12 طفلاً، بسبب الجوع خلال 48 ساعة فقط، في وقت بات فيه الحصار والنقص الحاد في الإمدادات يهددان آلاف الأرواح. لكن التقرير لا يذكر إسرائيل كطرف رئيس في هذه المجاعة، بل يترك القارئ أمام مشهد إنساني معزول، وكأن المجاعة نشأت من فراغ، لا من حرب إبادة تشنها إسرائيل منذ أكثر من 21 شهراً. Israel continues to starve the people of Gaza. — TIMES OF GAZA (@Timesofgaza) July 25, 2025 ورغم البعد الإنساني البارز في المادة المصوّرة، يغيب عن تقرير The Telegraph أي ذكر مباشر لمسؤولية إسرائيل عن تدهور الوضع الغذائي في القطاع. تُذكر "إسرائيل" بشكل عابر فقط، دون الإشارة إلى أنها تقصف القطاع بشكل يومي منذ شهور، أو أنها فرضت حصاراً خانقاً على تدفق الغذاء والدواء والوقود، أو أنها دمّرت البنية التحتية والمنشآت الطبية. كما أن التقرير يتجاهل تماماً ما أكدته مصادر أممية وحقوقية عديدة بشأن استخدام إسرائيل لسياسة التجويع كسلاح في الحرب، ويتغاضى عن حقيقة أن أكثر من 18 ألف طفل فلسطيني قد قُتلوا منذ بدء العدوان، وفق إحصاءات وزارة الصحة — التي تصر معظم الصحف الغربية، وليس التلغراف فقط، على الإشارة إليها بأنها "تديرها حماس". أما عن صحيفة "وول ستريت جورنال"، وهي صحيفة اقتصادية أميركية ذات توجه محافظ يميني، فقد تناولت المجاعة في غزة في مقال رأي بعنوان " أزمة المساعدات في غزة تخدم حماس فقط"، مقال رأي باسم هيئة التحرير، من زاوية سياسية ضيقة، حيث تطرح أن تفاقم النقص في الغذاء، لا سيما في شمال القطاع، يمنح حماس فرصة لتعزيز موقفها عبر رفض اتفاق وقف إطلاق النار وإلقاء اللوم على إسرائيل. Opinion | Gaza's Aid Crisis Helps Only Hamas – The Wall Street Journal — The Conservative Catholic Journal (@thepathistruth) July 26, 2025 ترى الصحيفة أن حماس توظف الأزمة لكسب تعاطف محلي ودولي دون أن تتحمل مسؤولية إنسانية فعلية، كما تحث الأمم المتحدة وإسرائيل على تجاوز الاتهامات المتبادلة والعمل معاً على "وضع الطعام على الطاولات". ومن ثم، فإن المقال يُقدّم المجاعة بوصفها نتيجة لصراع سياسي غير محسوم، لا كجريمة ممنهجة من إسرائيل. حين صارت الصورة أقوى من الإنكار أما في فرنسا، فصحيفة لوفيغارو، المعروفة بارتباطها التقليدي بخطاب يميني متشدد ومواقف داعمة لإسرائيل، خصّصت في عددها الصادر يوم 23 يوليو/تموز مساحة لافتة لتناول أزمة الجوع المتفاقمة في قطاع غزة، من خلال تقرير مصوّر نُشر على منصتها الرقمية بعنوان: " خطر المجاعة في غزة هو نتيجة الحصار الإسرائيلي، كما تؤكد فرنسا". ورغم الخلفية التحريرية للصحيفة، فقد نقل التقرير تصريحات مباشرة للمتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أقرّ فيها بأن المجاعة المتوقعة في القطاع ليست عرضاً عابراً، بل نتيجة مباشرة للحصار الإسرائيلي المستمر. كما أشار التقرير إلى تنامي الانتقادات الأوروبية والدولية. بينما خصّصت صحيفة ليبراسيون ، ذات التوجه اليساري، صفحتها الافتتاحية يوم 24 يوليو/تموز وعدداً من صفحاتها الداخلية لتسليط الضوء على تفاقم المجاعة في غزة، وارتفاع أعداد الوفيات بسبب الجوع. تضمن التقرير مقابلات مع فلسطينيين يعيشون تحت وطأة الحصار. وعلى صورة صادمة لطفل من مخيم الشاطئ بدت عظامه بارزة بفعل سوء التغذية، حملت الصفحة الرئيسية العنوان: "المجاعة في غزة". Primeira página do jornal francês Libération — Comunidade Cultura e Arte (@comculturaearte) July 24, 2025 وأضافت الصحيفة: "أكثر من مئة منظمة غير حكومية تحذر من مجاعة جماعية تضرب القطاع، حيث تتزايد أعداد الوفيات نتيجة سوء التغذية، في ظل غياب المساعدات الغذائية التي تمنع إسرائيل دخولها." وخصّصت لوموند الفرنسية ، وهي صحيفة تحاول أن تضع نفسها في الوسط بين التيارات السياسية، صفحتها الأولى لتغطية مجاعة غزة، واختارت صورة مؤثرة لامرأة فلسطينية تحتضن جسد طفلها الهزيل من شدة الجوع، تحت عنوان لافت: "قطاع غزة: ويلات المجاعة". أشارت الصحيفة إلى أن نحو مئة شخص لقوا حتفهم جوعاً منذ أن فرض الجيش الإسرائيلي حصاراً على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. واستعرضت شهادات مؤلمة من سكان غزة، تحدّثوا عن ظروف يومية تُطبق على الحياة: الجوع، غياب الرعاية، وانهيار كل مقومات البقاء. ولفتت لوموند إلى أن "الحكومة الإسرائيلية تتبنى، بشكل متزايد وعلني، استراتيجية تهدف إلى تفريغ غزة من سكانها". Le titre du @lemondefr devrait être plutôt : Bande de Gaza, les ravages du Génocide — Salim DJELLAB (@SalimDjellab) July 24, 2025 تجدر الإشارة إلى أن بعضاً من الصحف الغربية تبدي قدراً معقولاً من الاهتمام بما يتعرض له سكان غزة من إبادة وتجويع ممنهجين، وتسعى إلى إبراز المأساة الإنسانية، بينها صحيفة ذي غارديان البريطانية، ذات التوجه التقدمي، التي خصصت مدونة حية لتغطية الإبادة في غزة، تنشر فيها آخر المستجدات من القطاع. أما صحيفة إل باييس الإسبانية ، ذات التوجه الوسطي الليبرالي، واسعة الانتشار، فقد اختارت صورة تظهر فلسطينيين يصطفون في طوابير طويلة بانتظار الحصول على الطعام في غزة، ورافقتها بعنوان مباشر: "المجاعة في غزة تطلق موجة غضب عالمي"، في إشارة إلى تصاعد الاستياء الدولي من الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع. 🗞️ #Portada | La UE se dispone a ceder ante Trump y asumir aranceles del 15%; La hambruna en Gaza desata una ola de indignación global; Una diputada del PP deja todos sus cargos por falsear el currículum, en EL PAÍS este jueves 24 de julio 🔗 — EL PAÍS (@el_pais) July 24, 2025 في المقابل، غابت أخبار المجاعة في غزة عن الصفحات الأولى للصحف الأميركية البارزة مثل واشنطن بوست و نيويورك تايمز ، والتي فضّلت التركيز على ملفات محلية داخلية، متجاهلة تصدير واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية الجارية في العالم اليوم بفعل إسرائيل.في المقابل، غابت أخبار المجاعة في غزة عن الصفحات الأولى للصحف الأميركية البارزة مثل واشنطن بوست و نيويورك تايمز ، والتي فضّلت التركيز على ملفات محلية داخلية، متجاهلة تصدير واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية الجارية في العالم اليوم بفعل إسرائيل.

عناصر الأمن الفلسطيني بين التنسيق الأمني والمقاومة.. تصاعد العمليات الفردية يربك إسرائيل ويحرج السلطة
عناصر الأمن الفلسطيني بين التنسيق الأمني والمقاومة.. تصاعد العمليات الفردية يربك إسرائيل ويحرج السلطة

بوست عربي

time١٤-٠٧-٢٠٢٥

  • بوست عربي

عناصر الأمن الفلسطيني بين التنسيق الأمني والمقاومة.. تصاعد العمليات الفردية يربك إسرائيل ويحرج السلطة

من جديد، نفّذ قبل أيام محمود عابد ومالك سالم، العنصران في أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، عملية فدائية تضمنت إطلاق نار وطعن ضد جنود الاحتلال في الضفة الغربية، وأسفرت عن مقتل أحدهم في مستوطنة "غوش عتصيون"، ما أثار غضب الاحتلال. وطالبت سلطات الاحتلال السلطة الفلسطينية بفتح تحقيق لمعرفة حيثيات الهجوم، وما إذا كان المنفذان قد تصرفا بشكل فردي أم أنهما مرتبطان بفصائل المقاومة. يُشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي ينفّذ فيها منتسبون لأجهزة أمن السلطة عمليات مقاومة، فالقائمة طويلة، منذ سنوات، رغم التزام السلطة بتنسيق أمني صارم مع الاحتلال لملاحقة عناصر المقاومة وكبح هجماتها ومنع تنفيذها. شرطة في النهار.. فدائيون في الليل استغل الاحتلال هذه العملية لشن حملة تحريض ضد السلطة الفلسطينية، متّهماً إياها بتشجيع مثل هذه العمليات رغم استمرار التنسيق الأمني. وأفادت حركة "ريغافيم" الاستيطانية بأن 78 عنصراً على الأقل من أجهزة أمن السلطة شاركوا في هجمات فدائية منذ عام 2020، مشيرة إلى أن هؤلاء ليسوا مجرد متعاطفين مع فصائل المقاومة، بل يعملون بدوام كامل في الأجهزة الأمنية، ما يعني أن عنصراً أمنياً واحداً على الأقل ينفّذ، في المتوسط، عملية فدائية كل أسبوعين، تسفر عن مقتل جنود أو مستوطنين في الضفة، ووصفتهم الحركة بـ"الشرطة في النهار، الفدائيين في الليل". ويمكن ربط تصاعد هذه العمليات بحالة التأييد الواسعة التي حظي بها هجوم "طوفان الأقصى" الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر 2023 على مستوطنات غلاف غزة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن 82% من فلسطينيي الضفة الغربية، ومن بينهم أفراد من الأجهزة الأمنية، يرون أن قرار تنفيذ الهجوم كان صائباً. مأزق السلطة.. وواقع الضفة سياسياً، تُلحق هذه الهجمات ضرراً بالسلطة الفلسطينية وقادتها، عند التأكد من أن منفّذيها هم أعضاء في أجهزتها الأمنية، في ظل ما تعكسه من حجم التأييد الشعبي الكبير لحماس في الضفة، وما تبثّه الحركة من دعوات تحريضية علنية لتنفيذ عمليات فدائية، وتوزيعها لملصقات ومنشورات تتضمن تعليمات مفصلة لكيفية تنفيذ هجمات. وتصل هذه الدعوات إلى أفراد الأجهزة الأمنية أنفسهم، رغم إرادة قيادتهم السياسية والأمنية التي تسعى إلى منعهم من الانخراط فيها. ومن الحوادث الأخيرة التي تُظهر موقف السلطة الرافض لانخراط عناصرها في العمل المسلح، محاولة أجهزتها الأمنية في طولكرم قبل أيام اعتقال ناشط بارز في حركة الجهاد الإسلامي، لكنه تمكن من الفرار. كما منعت قوات الأمن الفلسطينية مجموعة من المسلحين من دخول "قبر يوسف" في نابلس، الذي يعتبره المستوطنون مكاناً مقدساً، وتقوم الأجهزة الأمنية بحراسته. في حادثة أخرى، تبادل أفراد من أجهزة الأمن إطلاق النار مع مسلحين خلال جنازة مقاوم من جنين قتلته إسرائيل. ردود فعل إسرائيلية غاضبة ما تزال التقييمات الإسرائيلية للعمليات التي ينفذها عناصر الأمن الفلسطيني تُصنّفها على أنها هجمات فردية تقع ضمن إطار ما يُعرف بـ"الذئاب المنفردة"، وليست ظاهرة منظمة واسعة النطاق، رغم تصاعد المخاوف من توسعها، واستفادة فصائل المقاومة من هذه العناصر لتجنيدها في صفوفها، نظرًا لسهولة وصولهم إلى الأسلحة والوسائل القتالية، الأمر الذي يثير قلق الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية من تكرار هذه الهجمات وفق مبدأ "المحاكاة"، ما قد يقود إلى تصعيد خطير في طبيعة العمليات المقبلة. وقد أدى تنامي انخراط أفراد من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في عمليات المقاومة إلى صدور ردود فعل غاضبة في الأوساط الإسرائيلية، يمكن تلخيص أبرزها فيما يلي: آفي ديختر ، عضو الكنيست عن حزب الليكود ووزير الأمن الداخلي ورئيس جهاز الشاباك الأسبق، زعم أن "إسرائيل لا يمكن أن تستمر في التغاضي عن عجز السلطة الفلسطينية في مواجهة العمليات الفدائية، لأنها تستغل حقيقة أن بقاءها يخدم مصلحة الاحتلال، ولذلك تتقاعس عن التحرك المنفرد ضد المنظمات المسلحة". وطالب بموقف أكثر حزمًا تجاهها. يارون روزنثال ، رئيس مجلس مستوطنة "غوش عتصيون"، هاجم قوات الأمن الفلسطينية، قائلاً: "في اليوم الذي يستطيعون فيه، سيقتلوننا. اليوم لديهم مصلحة بذلك". وحذّر من الثقة بالفلسطينيين، معتبراً أن تعاون أجهزتهم الأمنية مع إسرائيل نابع من كراهيتهم لحماس، وليس حباً بالصهيونية. مائير دويتش ، المدير التنفيذي لحركة "ريغافيم"، اعتبر أن "هذه المعطيات تكشف زيف الادعاء بأن السلطة الفلسطينية عنصر استقرار"، وهاجم المسؤولين الإسرائيليين الذين يرون فيها جهة معتدلة. وأضاف أن من يعتقد ذلك "شارك في وهم مشابه سبق هجوم 7 أكتوبر"، حين باغتت حماس إسرائيل بـ"طوفان الأقصى". نماذج مشرّفة وسجل بطولي حافل رغم التنسيق الأمني الذي تلتزم به السلطة الفلسطينية مع الاحتلال، شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من العمليات الفدائية نفذها عناصر من الأجهزة الأمنية، في تحدٍّ مباشر لتعليمات قيادتهم، وتعبيرًا عن انتمائهم الوطني وتأييدهم للمقاومة، وسط ترحيب شعبي واسع واعتبارهم نماذج مشرّفة، ما يؤكد فشل مشروع "الفلسطيني الجديد" الذي سعت الولايات المتحدة إلى هندسته عبر السلطة. فيما يلي رصد لأبرز تلك العمليات: منذ انتفاضة الأقصى (2001-2004): شرطي فلسطيني يفتح النار على حافلة قرب مستوطنة "كرمي تسور". ضابط في الاستخبارات العسكرية يهاجم حاجز الجلمة، ويقتل نائب قائد دورية "الناحال". عام 2011: سعود التيتي يهاجم موقعًا عسكريًا، ويستشهد. أشرف الشيخ إبراهيم، ضابط في المخابرات، يُستشهد في اشتباك بجنين. سلسلة هجمات نفذها ضباط من الأمن الوطني والدفاع المدني، بينها تفجير سيارة مفخخة قرب "غوش عتصيون". 2012–2016: إطلاق نار، ودهس، وطعن ضد جنود ومستوطنين، أبرزها عملية زراعة عبوة ناسفة في "بات يام" عام 2013، وهجوم على "مايان دوليف" عام 2015، واشتباك عند مستوطنة "بيت إيل" في 2016. منذ عام 2019 وحتى 2025: اشتباك داود الزبيدي، ضابط الأمن الوقائي، مع الجيش. دعم زياد الرزاينة، شرطي الجمارك، لمقاومين نفذوا هجوم حوارة. عملية استشهاد الضابطين علوي وعيسى عام 2021. ضياء حمارشة، ضابط الأمن الوقائي، يقتل 5 مستوطنين في بني براك. نجل الضابط فتحي حازم ينفذ عملية تل أبيب عام 2022. تصاعد واضح في 2023–2025، مع تنفيذ عدة عمليات بإطلاق النار ضد جنود ومستوطنين، وارتقاء منفذيها، بينهم ضباط من الأمن الوطني والحرس الرئاسي والمخابرات. الانخراط في كتائب المقاومة رصدت أجهزة الأمن الإسرائيلية ظاهرة متزايدة لانضمام عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى فصائل المقاومة، مثل كتيبة جنين و عرين الأسود ، فضلًا عن كتائب شهداء الأقصى ، الجناح المسلح لحركة فتح، التي يفترض أنها حُلّت بقرار من الرئيس محمود عباس، وتم دمج أعضائها في أجهزة الأمن. تثير هذه الظاهرة تساؤلات إسرائيلية متكررة حول جدوى تسليح السلطة الفلسطينية، إذ تمر جميع الأسلحة عبر موافقة الاحتلال، الذي يعرف أرقامها وسجلات مستخدميها، لكن هذه الأسلحة قد تقع في أيدي المقاومة أو تُستخدم من قِبل عناصر تنقلب قناعاتهم فجأة. ورغم ذلك، تواصل بعض الأوساط الأمنية الإسرائيلية الدفاع عن تسليح أجهزة السلطة، بزعم أنها تستخدمها في اعتقال المقاومين وحماية أمن المستوطنين، رغم الإدراك الكامل لإمكانية تحول هؤلاء العناصر إلى مقاومين. تأثير حرب غزة وتنامي شعبية حماس تُظهر التحقيقات أن بعض الهجمات التي ينفذها عناصر من الأمن الفلسطيني تأتي كردود فعل شخصية، مثل استشهاد قريب أو تأثر بالعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، خاصة بعد مجازر حرب "طوفان الأقصى"، وانتشار صور الشهداء والدمار على وسائل التواصل. رغم ذلك، تُلزم الاتفاقيات السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، بما يشمل تسليم مطلوبين وإنقاذ مستوطنين ضلّوا طريقهم، بل وتُنذر الجيش مسبقًا قبل اقتحام المدن، ما يعرّضها لحرج شعبي بالغ. تحاول فصائل المقاومة تقويض هذا التعاون، وتسعى لإعادة سيناريو "إطلاق النار العكسي"، كما حدث في انتفاضة النفق 1996، وانتفاضة الأقصى، حين تحول سلاح الأجهزة إلى صدور الجنود الإسرائيليين. ورغم أن عناصر المقاومة المنحدرين من الأجهزة الأمنية ما زالوا يشكلون نسبة صغيرة من إجمالي 30–40 ألف عنصر أمني، إلا أن تأثيرهم المعنوي والرمزي كبير، لا سيما مع تزايد الاعتقالات التي تنفذها السلطة ضد نشطاء المقاومة، وملاحقتها للمظاهرات المؤيدة لغزة، ومنعها لرايات حماس. الخطاب الرسمي المرتبك في كل مرة ينفذ عنصر أمني عملية ضد الاحتلال، تسارع السلطة إلى إبلاغ إسرائيل بأنه تصرف فردي لا علاقة له بالتنظيمات، وتتعامل معه بخطاب باهت أو تنكري، دون تبنٍّ رسمي أو حتى نعي واضح. وغالبًا ما تصف المنفذين بعبارات فضفاضة، بل وتشير أحيانًا إلى شكوك حول دوافعهم أو انتماءاتهم. هذا التناقض يكشف ارتباكًا سياسيًا حادًا لدى السلطة، ويعرّي انفصامًا واضحًا بين قيادتها وقاعدتها الأمنية، إذ يبدو أن عناصر الأجهزة أنفسهم لم يعودوا يؤمنون بخطاب قيادتهم، ولا يثقون بجدوى التنسيق الأمني، وهو ما يشكل تهديدًا استراتيجيًا مستقبليًا لكل من السلطة والاحتلال على حدٍّ سواء.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store