logo
إسرائيل تطبّق "عقيدة الضاحية" على طهران

إسرائيل تطبّق "عقيدة الضاحية" على طهران

بدأت إسرائيل توسّع حجم هجومها في «العمق الإيراني» وترفع مستوى حدّيته. ويبدو أن تل أبيب تعمد إلى انتهاج «عقيدة الضاحية» العسكرية في طهران، التي تهدف إلى توجيه ضربات مكثفة بقوّة نارية مفرطة للبنى التحتية المدنية والعسكرية على السواء على نحو واسع، لإنهاك النظام الإيراني والضغط عليه بإثارة فوضى عارمة في المجتمع عبر إنذارات الإخلاء المنهكة. وبعدما أصدر الجيش الإسرائيلي إنذاراً عاجلاً إلى السكان المتواجدين في «مربع 3» في طهران، عارضاً خريطة مرفقة تحدّد المنطقة المقصودة باللون الأحمر، شنّ هجوماً على التلفزيون الإيراني المسؤول عن «الدعاية والتحريض»، وفق وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي توعّد بضرب «الديكتاتور الإيراني أينما وُجد».
وأظهرت مقاطع مصوّرة مذيعة أخبار محجبة وهي تهرع من مقعدها لحظة وقوع الانفجار، في وقت شهدت فيه الطرق المؤدية إلى خارج العاصمة اختناقات مرورية مرعبة مع هروب عشرات آلاف الإيرانيين خارج العاصمة وسط حالة من الذعر والهلع. أمّا في المقلب الآخر، فتخترق بعض الصواريخ الإيرانية الدفاعات الإسرائيلية وتتسبّب بأضرار جسيمة وبمقتل إسرائيليين. وكشفت مجموعة «بازان» الإسرائيلية ومقرّها حيفا أن محطة الطاقة المستخدمة لإنتاج البخار والكهرباء تضرّرت بشدّة في هجوم إيراني، موضحة أن الهجوم أدّى إلى مقتل 3 من موظفي الشركة. وبعدما أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن طهران تستعدّ لتنفيذ «أكبر وأعنف هجوم صاروخي» حتى الآن على إسرائيل، أطلقت طهران في وقت متقدّم من مساء أمس، هجوماً مركّباً بالطائرات المسيّرة والصواريخ مستهدفة تل أبيب وحيفا، فيما كانت إيران قد أصدرت تحذيرات إخلاء لسكان تل أبيب ولمقرّ القناتين 12 و14 الإسرائيليتين، للردّ على قصف تل أبيب لطهران والتلفزيون الإيراني.
تشعر طهران بسخونة الحرب التي استحالت في عقر دارها، خصوصاً بعد فرض إسرائيل سيطرة مطلقة على أجوائها. هذا الأمر دفع بإيران إلى البحث عن مخرج يحفظ ماء وجهها لوقف النار سريعاً. فقد كشف مصدران إيرانيان وثلاثة مصادر إقليمية لوكالة «رويترز» أن طهران طلبت من قطر والسعودية وسلطنة عُمان الضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستخدام نفوذه والضغط على إسرائيل للموافقة على وقف فوري للنار، مقابل أن تبدي إيران مرونة في المفاوضات النووية. وتعمل عُمان على صياغة مقترح لوقف النار يهدف إلى استئناف المحادثات النووية. ويدعو المقترح أميركا إلى قبول تعليق إيران لكلّ عمليات التخصيب لمدّة لا تقلّ عن سنة إلى ثلاث سنوات مع السماح بإجراء عمليات تفتيش صارمة من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويهدف الاتفاق المقترح إلى بناء الثقة حتى تتمكّن إيران من تخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 3.67 في المئة والسماح لتحالف دولي لليورانيوم بالمشاركة في البرنامج الإيراني. وكان لافتاً كلام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي اعتبر فيه أنه «إذا كان الرئيس ترامب جاداً في الدبلوماسية ومهتماً بوقف هذه الحرب، فإن الخطوات التالية ستكون مهمة». وإذ صرّح بأنه «على إسرائيل وقف عدوانها»، رأى أن «كلّ ما يتطلّبه الأمر هو مكالمة هاتفية واحدة من واشنطن لإسكات شخص مثل نتنياهو»، معتبراً أن ذلك قد يُمهّد الطريق «للعودة إلى الدبلوماسية». لكن المراقبين يستبعدون جدّاً حصول وقف فوري النار في ظلّ التطورات الحالية.
توازياً، رأى ترامب أن «إيران لن تربح هذه الحرب، وعليهم أن يجروا محادثات، وعليهم أن يتحدّثوا على الفور قبل فوات الأوان»، بينما حسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لشبكة «أي بي سي» أنه «غير مهتم بمحادثات السلام مع إيران»، معتبراً أن اغتيال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي سيُنهي الصراع مع طهران، كما جزم بأن «الصراع سيستمرّ طالما لزم الأمر والتهديدات الإيرانية ستُمحى بطريقة أو بأخرى». ولاحقاً، عرض نتنياهو خلال مؤتمر صحافي عبر التلفزيون ما وصفه بنجاحات تمّ تحقيقها، ومن أبرزها قتل عدد من كبار القادة العسكريين والأمنيين الإيرانيين، متوعّداً بأنه «سنقضي عليهم واحداً واحداً». وتحدّث عن «تغيير وجه الشرق الأوسط» ما قد يؤدّي إلى «تغييرات جذرية داخل إيران نفسها».
ومع ارتفاع احتمالات توسّع المواجهة المستعرة، شرعت أميركا في تحضير «العدّة العسكرية» اللازمة حال اضطرارها إلى الدخول في الحرب ضدّ إيران. وكشف مسؤولان أميركيان لـ «رويترز» أن الجيش الأميركي نقل عدداً كبيراً من طائرات التزوّد بالوقود إلى أوروبا. وأفاد موقع «إير ناف سيستمز» بأن أكثر من 31 طائرة تزويد بالوقود غادرت أميركا مساء الأحد متجهة شرقاً. كما أشار المسؤولان إلى أن حاملة الطائرات الأميركية «نيميتز» تتجه إلى الشرق الأوسط. ويمكن لـ «نيميتز» نقل 5000 جندي وأكثر من 60 طائرة، بما في ذلك مقاتلات. وبناء على ذلك، يُشير نشر هذا النوع من الطائرات إلى أن واشنطن تُعزز قوتها الجوية بشكل هائل لتكون على أهبة «الاستعداد الاستراتيجي» لعمليات عسكرية محتملة.
في الغضون، تحدّث الجيش الإسرائيلي عن تدمير ثلث منصّات إطلاق صواريخ أرض - أرض الإيرانية، مؤكداً أنه اغتال رئيس جهاز الاستخبارات في «الحرس الثوري» ونائبه، إلى جانب رئيس هيئة استخبارات «فيلق القدس» ونائبه، كما كشف أنه دمّر أكثر من 20 مقرّ قيادة مركزياً لـ «فيلق القدس» والجيش الإيراني، بينما أبدى «الحرس الثوري» استعداده لحرب طويلة في مواجهة إسرائيل، مشيراً إلى أنه لم يستخدم قدراته الصاروخية بشكل استراتيجي بعد. وزعمت وسائل إعلام إيرانية بأن القوات الإيرانية دمّرت مقاتلة «أف 35» إسرائيلية في تبريز، علماً أنه تبيّن عدم صحة ادعاءات مماثلة سابقة.
نووياً، طرح نواب إيرانيون الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فيما قدّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل غروسي أن تكون كلّ أجهزة الطرد المركزي العاملة في أكبر محطة إيرانية لتخصيب اليورانيوم في نطنز، والبالغ عددها نحو 15 ألفاً، تضرّرت بشدّة أو دُمّرت بسبب انقطاع التيار الكهربائي الناجم عن هجوم إسرائيلي. وأوضح أن الأضرار في منشأة فوردو كانت محدودة للغاية أو معدومة.
دولياً، صاغ قادة «مجموعة السبع» مسوّدة بيان مشترك في شأن هذا الصراع، لم يوقّع عليها ترامب. وتدعو مسودة البيان، تل أبيب وطهران، إلى تهدئة الصراع وتجنب المساس بالاستقرار الإقليمي، كما تنصّ على أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. بالتزامن، اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اتصال هاتفي على أن المواجهة بين إسرائيل وإيران محفوفة بالمخاطر على المنطقة بأسرها، داعيين إلى وقف فوري للأعمال القتالية، وفق الكرملين، الذي أبدى استعداد موسكو للوساطة بين الجمهورية الإسلامية والدولة العبرية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

واشنطن أوقعت إيران في "الفخ".. صحيفة أميركية تكشف
واشنطن أوقعت إيران في "الفخ".. صحيفة أميركية تكشف

ليبانون 24

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون 24

واشنطن أوقعت إيران في "الفخ".. صحيفة أميركية تكشف

نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أوروبيين وعرب، أن وزير الخارجية الإيراني أبلغ عددا من الدبلوماسيين، أن " ترامب وويتكوف أوهما الإيرانيين بأن التفاوض على اتفاق نووي سيمنع هجوما إسرائيليا". كما أكدت الصحيفة نقلا عن مصادر خاصة، أن المرشد الإيراني علي خامنئي وكبار مستشاريه لم يتوقعوا أن تشن إسرائيل ضربات جوية بهذا الحجم، أثناء انخراط طهران في مفاوضات مع الأميركيين. وكانت الولايات المتحدة تستعد لخوض جولة محادثات جديدة مع الحكومة الإيرانية ، حول تخصيب اليورانيوم، قبل أن تباغت إسرائيل بعمليات عسكرية واسعة اغتالت فيها أكبر قادة الحرس الثوري وأركان الجيش. وقبل أسبوع بالضبط، في 10 حزيران، حذر نواب إيرانيون في بيان، من أن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى تحويل المحادثات النووية إلى "فخ استراتيجي" لإيران. وقبل أسبوع، أكدت الخارجية الإيرانية أن طهران بصدد تقديم مقترح للجانب الأميركي، مضيفة: "على أميركا أن تغتنم هذه الفرصة". من جانبه، كشف الرئيس الأميركي، في تصريحات الثلاثاء، إن هدفه الحقيقي ليس وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بل إنهاء البرنامج النووي الإيراني بالكامل. وقال ترامب بشكل صريح: "أريد من إيران أن تتخلى بالكامل عن السلاح النووي".

"الفرصة الأخيرة" أو "القنبلة الخارقة".. ترامب أمام خيارات صعبة
"الفرصة الأخيرة" أو "القنبلة الخارقة".. ترامب أمام خيارات صعبة

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ ساعة واحدة

  • القناة الثالثة والعشرون

"الفرصة الأخيرة" أو "القنبلة الخارقة".. ترامب أمام خيارات صعبة

يدرس الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرارًا حاسمًا في الحرب الدائرة منذ أربعة أيام بين إسرائيل وإيران، وهو التدخل في الصراع بمساعدة إسرائيل والقيام بتدمير منشأة فوردو النووية المدفونة تحت الأرض، والتي لا تصل إليها إلا أكبر "قنبلة خارقة للتحصينات" الأميركية، والتي تُسقطها قاذفات بي-2 الأميركية. وإذا قرر المضي قدمًا، ستصبح الولايات المتحدة مشاركًا مباشرًا في صراع جديد في الشرق الأوسط، وستواجه إيران في حرب من النوع الذي أقسم ترامب، في حملتين انتخابيتين، أنه سيتجنبها وفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية. ويؤكد الخبراء أن هناك سلاحًا واحدًا فقط لهذه المهمة. ويُطلق عليه اسم "القنبلة الخارقة للذخائر الهائلة"، أو "جي بي يو-57"، ويزن هذا السلاح (30,000 رطل) لدرجة أنه لا يمكن رفعه إلا بواسطة قاذفة من طراز بي-2. ولا تمتلك إسرائيل السلاح ولا القاذفة اللازمة لضرب الهدف. وإذا تراجع ترامب، فقد يعني ذلك أن هدف إسرائيل الرئيسي في الحرب لن يتحقق أبدًا. وقد حذّر المسؤولون الإيرانيون بالفعل من أن مشاركة الولايات المتحدة في هجوم على منشآتها ستُهدد أي فرصة متبقية لاتفاق نزع السلاح النووي الذي يُصر ترامب على أنه لا يزال مهتمًا بالسعي إليه. وكان ترامب قد شجع في وقت ما مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وربما جيه دي فانس نائب الرئيس، على عرض لقاء الإيرانيين، وفقًا لمسؤول أميركي. لكن يوم الاثنين، نشر ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي قائلا "على الجميع إخلاء طهران فورًا"، وهو ما لا يُشير إلى أي تقدم دبلوماسي بحسب التقرير. وقال ترامب أيضًا يوم الاثنين: "أعتقد أن إيران موجودة بشكل أساسي على طاولة المفاوضات، وهم يريدون التوصل إلى اتفاق". وبحسب التقرير يبدو أن الضغط يتزايد على ترامب فقد أعلن البيت الأبيض في وقت متأخر من يوم الاثنين أن ترامب سيغادر قمة مجموعة السبع مبكرًا بسبب الوضع في الشرق الأوسط. وقال ترامب: "بمجرد مغادرتي هنا، سنفعل شيئًا ما. لكن عليّ المغادرة". ولم يتضح بعد ما كان ينوي فعله. ويقول المسؤولون إنه إذا التقى فانس وويتكوف بالإيرانيين، فمن المرجح أن يكون المحاور الإيراني وزير خارجية البلاد، عباس عراقجي، الذي لعب دورًا رئيسيًا في الاتفاق النووي لعام 2015 مع إدارة أوباما، وهو على دراية بكل عنصر من عناصر المجمع النووي الإيراني المترامي الأطراف. وقد أبدى الوزير عراقجي، الذي كان نظير ويتكوف في المفاوضات الأخيرة، انفتاحه على التوصل إلى اتفاق يوم الاثنين. وحذر التقرير أنه إذا باءت هذه الجهود الدبلوماسية بالفشل، أو ظل الإيرانيون غير راغبين في الاستجابة لمطلب ترامب الرئيسي بإنهاء جميع عمليات تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، فسيظل أمام الرئيس خيار الأمر الواقع وهو تدمير فوردو والمنشآت النووية الأخرى. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

الضربة المُحرّمة… هل تكسر إسرائيل حصن فوردو؟
الضربة المُحرّمة… هل تكسر إسرائيل حصن فوردو؟

بيروت نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • بيروت نيوز

الضربة المُحرّمة… هل تكسر إسرائيل حصن فوردو؟

في قلب التصعيد العسكري والأمني بين إيران وإسرائيل، لا يبدو أن الضربات الجوية أو الرسائل الصاروخية هي ما سيحسم وجهة الحرب أو يحدّد المنتصر، إذ إن المعركة الحقيقية تدور في عمق جبال قم، حيث تتوارى 'منشأة فوردو النووية' المحصّنة تحت الأرض، في قلب المشروع الإيراني الذي يعتبره النظام خطاً أحمر لا يُمسّ. هناك، لا تُقاس موازين القوى بعدد الغارات أو توقيت الردّ، بل بمدى القدرة على الوصول إلى هذا الهدف المغلق على نفسه، والمفتوح على تداعيات كبرى في حال اختُرق. وفي ضوء ذلك، تُجمِع التقديرات العسكرية والاستخباراتية على أن 'منشأة فوردو' باتت تمثل نقطة ارتكاز حاسمة في هذا الصراع، حيث إن استهدافها أو استمرارها في العمل من دون تعطيل سيشكّل المؤشّر الأكثر دقة على مَن تمكّن من فرض قواعد اشتباكه، ومَن خرج من هذه الجولة أكثر قدرة على رسم خطوط الردع المستقبلية. 'فوردو'، التي تقع على عمق عشرات الأمتار داخل جبل قرب مدينة قم، ليست مجرّد موقع للتخصيب، بل هي العمود الفقري للبرنامج النووي الإيراني، حيث تُجرى عمليات تخصيب اليورانيوم إلى مستويات مرتفعة تقارب العتبة اللازمة لتصنيع السلاح النووي. وعليه، فإن استمرار عملها من دون تعطيل يعكس فشلاً في الجهود الإسرائيلية الرامية إلى وقف هذا التقدّم، ويُعدّ بمثابة رسالة بأن إيران ما زالت تحتفظ بخيارها النووي متقدّماً وفي منأى عن الاستهداف الجدي. من جانب آخر، ترى دوائر سياسية وأمنية أن نجاح أي عملية تهدف إلى تدمير 'فوردو'، سواء عبر ضربة مباشرة أو هجوم سيبراني بالغ الدقة، سيشكّل تحوّلاً استراتيجياً من شأنه أن يُفرغ المشروع النووي الإيراني من مضمونه ويحوّله إلى هيكل فاقد للقدرة، الأمر الذي يوجّه ضربة قاصمة لصورة الردع التي تحاول طهران ترسيخها في المنطقة. ويتعزز هذا التأثير إذا ترافق الهجوم مع ترتيبات تؤسس لمرحلة تفاوضية تفرض رقابة صارمة على المواقع النووية الإيرانية. إلى ذلك، تلفت مصادر مطّلعة إلى أن 'فوردو' ستكون على رأس المنشآت التي ستخضع لتفتيش دولي دقيق في حال أُعيد إحياء مسار دبلوماسي قائم على الشفافية النووية. وهو ما يعيد إلى الأذهان تجربة العراق قبيل الغزو الأميركي عام 2003، حين تحوّلت البلاد إلى ساحة مفتوحة أمام لجان التفتيش، في مشهد لم يغب عن حسابات القيادة الإيرانية التي لطالما قدّمت 'فوردو' كرمز للسيادة والردع. بناءً على ذلك، فإن أي اختراق لهذه المنشأة، سواء عبر تفتيش خارجي أو تدمير فعلي، سيُعتبر بمثابة نكسة استراتيجية للنظام الإيراني، تُفقده إنجازه الأبرز في ملفه النووي، وتدفعه إلى مراجعة منظومته الأمنية والعسكرية، إذ إن المنشأة لم تكن فقط موقعاً فنّياً، بل واجهة لمشروع أيديولوجي طالما ارتكز على مبدأ الصمود بوجه الضغوط الغربية. في المقابل، فإن بقاء المنشأة بمنأى عن أي استهداف سيضع إسرائيل أمام معضلة مفتوحة، حيث إن استمرار نشاط 'فوردو' يعني أن التهديد لم يُرفع وأن القدرة الإيرانية على تصنيع سلاح نووي ما زالت قائمة. الأمر الذي يدفع باتجاه خيارات أكثر جذرية، خاصة أن وسائل الاستهداف التقليدية لا تكفي لاختراق عمق هذه المنشأة المحصّنة. وهو ما يطرح تساؤلات جدّية حول احتمال لجوء تل أبيب إلى خيار غير تقليدي، قد يتجاوز الحسابات العسكرية الكلاسيكية، ما يعيد طرح سيناريو الاستخدام النووي التكتيكي في حال تم تصنيف 'فوردو' كخطر وجودي لا يمكن التهاون معه. في الوقت نفسه، تفيد معلومات استخباراتية بأن الولايات المتحدة الاميركية، وفي إطار تطويرها المتواصل لقدراتها العسكرية، أصبحت تمتلك قنابل خارقة متقدّمة قادرة على اختراق التحصينات الجبلية العميقة من دون الحاجة إلى اللجوء إلى السلاح النووي. الأمر الذي يدفع بعض التقديرات إلى ترجيح خيار الضربة الأميركية المباشرة أو المشتركة، سواء على شكل تنفيذ عملي أو من خلال تقديم الغطاء المعلوماتي واللوجستي لإسرائيل، إذا تم اتخاذ القرار السياسي الحاسم. وفي ضوء هذه المعطيات، تتحوّل 'فوردو' من مجرّد منشأة نووية إلى عقدة استراتيجية تُختزل فيها ملامح الاشتباك الإقليمي واتجاهات الصراع واحتمالات التسوية. ذلك أن أي مسّ بها سيشكّل لحظة حاسمة في تحديد من يملك القدرة على إحداث تغيير فعلي في موازين القوى. وعليه، فإن منشأة 'فوردو' لم تعد مجرد رمز نووي، بل أصبحت مرآة صافية لصراع الإرادات بين مشروعين: أحدهما يختبر قدرته على البقاء، والآخر يراهن على الحسم قبل فوات الأوان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store