
البنوك المركزية تتحرك بحذر وسط ضبابية حروب ترمب التجارية
أحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تغييرا جذريا في التجارة العالمية والتوافق الدولي بشأن الأمن بعد الحرب العالمية الثانية، والآن يثير الفوضى في عمل البنوك المركزية، إذ يتعرض صناع السياسة النقدية للاضطراب بسبب التقلبات في سياسات البيت الأبيض، وتقلص الأسواق توقعاتها لخفض أسعار الفائدة على مستوى العالم.
لم يعد محافظو البنوك المركزية "في الواجهة أو المتحكمين بإيقاع السياسة الاقتصادية الكلية"، كما يقول تييري ويزمان، المحلل الاستراتيجي في مؤسسة "ماكواري"، بل "أصبحوا الآن تابعين، يفقدون قدرتهم على التأثير لصالح التطورات في الهيئات التشريعية الفيدرالية، والمقرات التنفيذية، والقاعات الدبلوماسية".
البنوك المركزية.. انتظار وترقب
شدد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، على حالة عدم اليقين بشأن التوقعات، وأبقى أسعار الفائدة الأمريكية دون تغيير يوم الأربعاء، وذلك قبل أسبوعين من فرض ترمب المتوقع لموجة من الرسوم الجمركية الانتقامية.
فيما تخلى بنك إنجلترا بعد ذلك عن توجهه لخفض الفائدة يوم الخميس، وأعلن البنك المركزي السويدي (ريكس بنك) انتهاء دورة التيسير النقدي، في ظل تعقيد الأوضاع الدولية.
عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي كلاس نوت قال "من الصعب للغاية التنبؤ بالاتجاه الذي ستتحرك نحوه أسعار الفائدة"، مشيرا إلى صعوبة التنبؤ بما إذا كان التضخم في منطقة اليورو سيرتفع أم ينخفض نتيجة الرسوم الجمركية والإجراءات الانتقامية، إضافة إلى زيادة الإنفاق على البنية التحتية والدفاع في أنحاء التكتل.
في الوقت الحالي، فإن المسار الأكثر أماناً للبنوك المركزية هو إبقاء السياسات النقدية بدون تغيير. فكلما ازداد الغموض حول المستقبل، زادت الحكمة في الترقب والانتظار.
ضبابية سياسات ترمب التجارية
كبير الاقتصاديين في "أليانز تريد" ماكسيم دارميه قال "أصبحت حالة عدم اليقين المتصاعدة بشأن السياسة التجارية مصدر قلق رئيسي للبنوك المركزية، لأنها قد تؤدي إلى إضعاف النشاط الاقتصادي بشكل كبير"، مضيفا "المزيج السيئ من ارتفاع حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية والتضخم المرتفع وضعها (البنوك المركزية) في موقف صعب".
تحول بنك إنجلترا يوم الخميس بعيداً عن موقفه التيسيري- رغم عدم حدوث تغييرات كبيرة في الظروف الاقتصادية- جاء ليعكس النهج الجديد. وتم الإبقاء على أسعار الفائدة عند 4.5%، كما كان متوقعاً، لكن عضواً فقط صوّت لصالح الخفض، خلافاً للتوقعات التي رجحت تأييد اثنين أو ثلاثة أعضاء.
لعبت العوامل المحلية دورا إذ لا يزال نمو الأجور المرتفع في المملكة المتحدة مصدر قلق لكن بنك إنجلترا اختار التركيز على المخاطر الدولية. وذُكرت كلمة "عدم اليقين" أو إحدى مشتقاتها 15 مرة في محضر اجتماع بنك إنجلترا، أي أكثر من ضعف عدد المرات التي وردت في تقرير الاجتماع السابق قبل ستة أسابيع.
يمكن رصد التوجه نفسه عالمياً، حيث أبقى البنك المركزي السويدي (ريكس بنك) على أسعار الفائدة دون تغيير، وأشار إلى انتهاء دورة التيسير النقدي، مما عزز ارتفاع الكرونة هذا العام.
الرسوم الجمركية تلقي بظلالها
كان التضخم المستمر في أسعار الغذاء عاملاً رئيسياً، لكنه أشار أيضاً إلى أن "حالة عدم اليقين في الخارج مرتفعة بشكل غير عادي". وقال كايل تشابمان، محلل أسواق العملات الأجنبية في مجموعة "بالينغر"، إن "ريكس بنك" يتميز حقاً وسط عدد كبير من البنوك المركزية التي تعاني من حالة عدم اليقين في الوقت الحالي".
خالف البنك الوطني السويسري الاتجاه العام وخفض أسعار الفائدة يوم الخميس لتخفيف الضغوط الصعودية على الفرنك السويسري، الذي يُنظر إليه كملاذ آمن في أوقات الاضطراب. ومع ذلك، وأشار إلى أن مزيدا من الخفض يبدو غير مرجح.
ألقت التعريفات الجمركية بظلالها الثقيلة على البنوك المركزية في اليابان وإندونيسيا وتايوان، التي أبقت جميعها على أسعار الفائدة دون تغيير هذا الأسبوع.
محافظ بنك اليابان كازو أويدا قال للصحفيين بعد القرار "من الصعب تحديد مدى اقترابنا من تحقيق هدفنا في ظل ارتفاع حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية في الولايات المتحدة وخارجها". فيما واصلت البنوك الصينية الإبقاء على تكاليف الاقتراض دون تغيير للشهر الخامس على التوالي.
خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في وقت سابق من هذا الشهر، لكن المتداولين قلّصوا رهاناتهم على مزيد من الخفض، وهم الآن منقسمون بشكل شبه متساوٍ بين توقع خفض آخر أو الإبقاء على الفائدة دون تغيير خلال اجتماع 16-17 أبريل.
أوروبا تحذر من التداعيات
أكدت الرئيسة كريستين لاغارد يوم الخميس أن اتباع نهج تقييم الأوضاع "اجتماع بعد آخر" يظل الخيار الأكثر أماناً نظراً للتداعيات بعيدة المدى لسياسات البيت الأبيض، في حين وصفت لاغارد بنفسها حالة عدم اليقين بأنها "هائلة" عقب الاجتماع الأخير لمجلس المحافظين، وأفادت بأن بعض زملائها وصفوها بأنها " غير مسبوقة".
فرض ترامب تعريفات جمركية على كل من المكسيك وكندا والصين والاتحاد الأوروبي، مما دفع هذه الدول إلى اتخاذ إجراءات انتقامية. ومع ذلك، يلوح في الأفق خطر أكبر وهو برنامج عالمي للتعريفات الجمركية المتبادلة من شأنه إعادة التوازن إلى النظام التجاري العالمي.
وتعهّد ترمب باتخاذ قرار بشأن ذلك في 2 أبريل. ومن شأن إعادة هيكلة التحالفات العسكرية الدولية، مثل حلف الناتو، تضيف بُعداً إضافياً من المخاطر.
زيادة الإنفاق العسكري
على الجانب الآخر، تستعد الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، مع اقتراض مئات المليارات من اليورو لتعزيز القدرات العسكرية، ما ستكون له تداعيات على الأسواق التي ستتولى تمويل هذه البرامج.
بعد الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير يوم الأربعاء، شدد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول على الحاجة إلى انتظار وضوح أكبر بشأن سياسات إدارة ترمب- بما في ذلك التعريفات الجمركية- قبل إجراء أي تعديل على أسعار الفائدة.
أظهرت التوقعات المحدثة أن معظم مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يرون حالة عدم يقين أكبر بشأن أحدث توقعاتهم للنمو والتضخم والبطالة.والاضطرابات السياسية تعكر صفو التوقعات الاقتصادية في كل مكان.
خفضت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي خلال عامين بسبب ارتفاع الحواجز التجارية الناتجة عن التعريفات الجمركية وحالة عدم اليقين السياسي بشأن تطبيقها، وعادة ما يشير تباطؤ النمو إلى الحاجة لخفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع، لكن التعريفات الجمركية قد تؤدي أيضاً إلى ارتفاع التضخم، ما قد يستدعي رفع الفائدة بدلاً من خفضها.
مع ذلك، فإن ترمب، الذي أشعل فتيل هذا الاضطراب، لديه حله الخاص لحالة عدم اليقين التي تواجهها البنوك المركزية، إذ كتب في منشور على منصة تروث سوشال: "سيكون الفيدرالي في وضع أفضل بكثير إذا خفض الفائدة، مع بدء تراجع تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية بشكل مخفف داخل الاقتصاد، تصرفوا بالشكل الصحيح، 2 أبريل سيكون يوم التحرير في أمريكا".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
إدارة ترمب تقيد حركة الصحافيين في "البنتاغون"
أصدر وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، أمس الجمعة، أوامر تلزم الصحافيين بأن يكون معهم مرافقون رسميون داخل جزء كبير من مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون)، وهي الأحدث في سلسلة من القيود التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترمب على الصحافة. وتمنع هذه الإجراءات، التي دخلت حيز التنفيذ على الفور، الصحافيين المعتمدين من دخول معظم مقار وزارة الدفاع في أرلينغتون بولاية فرجينيا، ما لم يكن لديهم موافقة رسمية ومرافق. وقال هيغسيث في مذكرة، "بينما تظل الوزارة ملتزمة الشفافية، فإنها ملزمة بالقدر نفسه بحماية المعلومات الاستخباراتية السرية والمعلومات الحساسة، التي قد يؤدي الكشف عنها غير المصرح به إلى تعريض حياة الجنود الأميركيين للخطر". وأضاف أن حماية المعلومات الاستخباراتية الوطنية السرية وأمن العمليات "أمر لا غنى عنه بالنسبة إلى الوزارة". وقالت رابطة صحافة "البنتاغون"، وهي منظمة تمثل مصالح الصحافيين المسؤولين عن تغطية الأنباء المتعلقة بالجيش الأميركي، إن القواعد الجديدة تبدو كما لو كانت "هجوماً مباشراً على حرية الصحافة". وأضافت في بيان "يقال إن القرار يستند إلى مخاوف في شأن أمن العمليات، ولكن كان بوسع السلك الصحافي في 'البنتاغون' الوصول إلى الأماكن غير المؤمنة وغير السرية هناك على مدى عقود، في عهد إدارات جمهورية وديمقراطية، وفي أعقاب هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، من دون أي قلق في شأن أمن العمليات من قيادة وزارة الدفاع". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولم يرد "البنتاغون" حتى الآن على طلب من وكالة "رويترز" للتعليق على بيان رابطة الصحافة. ومنذ عودة ترمب إلى الرئاسة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بدأ "البنتاغون" تحقيقاً في تسريبات مما أسفر عن منح ثلاثة مسؤولين إجازة إدارية. كما طلب من مؤسسات إعلامية قديمة، مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"سي أن أن" و"أن بي سي نيوز"، إخلاء مكاتبها في "البنتاغون" في نظام تناوب جديد جلب مؤسسات أخرى، منها وسائل إعلام صديقة بوجه عام لإدارة ترمب مثل "نيويورك بوست" و"برايتبارت" و"ديلي كولر" وشبكة "وان أميركا نيوز". وتقول إدارة ترمب إن الهدف من تلك الخطوة هو إتاحة الفرصة لوسائل الإعلام الأخرى لإعداد تقاريرها بينما تحظى بصفة أعضاء مقيمين في السلك الصحافي. وأوردت "رويترز" أمس أيضاً أن إدارة ترمب نشرت أجهزة كشف الكذب للتحقيق في تسريب المعلومات غير المصنفة على أنها سرية، وأُبلغ بعض مسؤولي وزارة الأمن الداخلي بأنهم معرضون للفصل من العمل لرفضهم الخضوع لاختبارات كشف الكذب. ويقول البيت الأبيض إن ترمب لن يتسامح مع تسريب المعلومات لوسائل الإعلام وإن الموظفين الاتحاديين الذين يفعلون ذلك يجب أن يخضعوا للمساءلة.


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
لماذا يريد ترمب محاكاة "حرب نجوم" ريغان بـ"قبة ذهبية"؟
فيما كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن أولوية تنفيذ مشروع "القبة الذهبية" للدفاع عن الولايات المتحدة من الصواريخ الفرط صوتية والباليستية و"الكروز"، والذي سيكون على غرار "القبة الحديدية" في إسرائيل، تواجه هذه الخطة تحديات مالية ولوجيستية، فعلى خلاف التحديات التكنولوجية التي واجهت إدارة الرئيس رونالد ريغان الذي سعى إلى نظام دفاعي مماثل عرف باسم "حرب النجوم" في ثمانينيات القرن الماضي، تواجه إدارة ترمب تحديات مالية قد تصل كلفتها إلى أكثر من نصف تريليون دولار، كما تواجه صعوبات أخرى لأن مساحة الولايات المتحدة تصل إلى أكثر من 400 ضعف مساحة إسرائيل. فهل يرى مشروع "القبة الذهبية" النور قريباً أم تفشله التحديات التي أعجزت "حرب النجوم"؟ ذهبية وليست حديدية بعد سبعة أيام من عودة الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض أصدر أمراً تنفيذياً للبدء في تنفيذ ما وعد به في حملته الانتخابية "قبة حديدية لأميركا" على غرار "القبة الحديدية" في إسرائيل، بهدف إنشاء نظام دفاعي متطور يحمي الولايات المتحدة من هجمات الصواريخ بعيدة المدى، لكن قبل أيام فقط كشف ترمب عن أن إدارته استقرت على تصميم لهذا النظام الضخم، الذي سيبدأ تشغيله في غضون ثلاث سنوات بحسب وصفه. غير أن ترمب المولع باللون الذهبي غير الاسم من "القبة الحديدية" إلى "القبة الذهبية" مشيراً إلى أنها ستكون قادرة على اعتراض الصواريخ، حتى لو أطلقت من جهات أخرى من العالم أو من الفضاء، وستكون أفضل نظام عسكري أنشئ على الإطلاق ضد الهجمات الخارجية بقدرات دفاع جوي تعترض الصواريخ والقذائف التي نشرها بنجاح الخصوم مثل روسيا، ومع ذلك فإن المشروع الذي وصفه وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث بأنه سيغير قواعد اللعبة ويعد استثماراً في أمن الأجيال القادمة، يخشى البعض أن يلقى مصير "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" نفسه التي أطلقها الرئيس الجمهوري رونالد ريغان عام 1983 بكلفة بلغت مليارات الدولارات وألغيت في نهاية المطاف من دون أن تحقق هدفها. "حرب نجوم" ثانية يمنح هذا المشروع الرئيس ترمب فرصة لتحقيق رؤية ريغان في بناء نظام دفاعي ضد أي هجوم نووي محتمل، والذي أطلق عليه النقاد في الثمانينيات اسم "حرب النجوم"، في إشارة واضحة إلى سلسلة أفلام الخيال العلمي ذائعة الصيت التي حملت الاسم ذاته من إخراج جورج لوكاس، إذ اعتقد ريغان ومستشاروه أن الولايات المتحدة يمكن حمايتها بدرع دفاعي قادر على اكتشاف الصواريخ الباليستية السوفياتية العابرة للقارات وتدميرها في كل مرحلة من مراحل طيرانها. لكن التكنولوجيا المخصصة لهذا المسعى آنذاك، والتي تطلبت مكونات في الفضاء وأسلحة "ليزر"، كانت غير موجودة وفي مرحلة التطوير، ولهذا فشلت المبادرة في النهاية بسبب التحديات التكنولوجية، فضلاً عن الموازنة الضخمة التي تحتاج إليها، ومع ذلك شكلت هذه المبادرة النقاش الاستراتيجي في ثمانينيات القرن الماضي، وأثرت في محادثات الأسلحة الأميركية - السوفياتية. ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية عام 2002، اقتصر التقدم المحرز في نظام مبادرة الدفاع الاستراتيجي منذ عهد ريغان، على جهود الدفاع الداخلي المحدودة التي لم يبق منها سوى استباق تهديدات الدول التي تعدها الولايات المتحدة دولاً مارقة، وعملياتها لإطلاق الصواريخ العرضية. مصير مختلف تعكس قبة ترمب الذهبية الطموح نفسه، لكن هذه المرة مع تكنولوجيا أقمار اصطناعية أكثر تطوراً وتكلفة مقترحة قدرها 175 مليار دولار ورغبة واضحة في التفوق على التطورات الصاروخية من روسيا والصين، ولهذا لا يعتقد الرئيس ترمب أن "قبته الذهبية" ستواجه المصير نفسه، وبحسب قوله، أراد ريغان ذلك منذ سنوات عديدة، لكنهم لم يمتلكوا التكنولوجيا اللازمة، بينما تتوافر هذه التكنولوجيا الآن على أعلى مستوى، ووفقاً للأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب فإن تهديدات الهجوم بالصواريخ الباليستية والصواريخ الفرط صوتية والأسرع من الصوت وصواريخ "كروز" وغيرها من الهجمات الجوية المتقدمة لا تزال تمثل التهديد الأكثر كارثية الذي تواجهه الولايات المتحدة. ومن بين بعض الخطط التي تعتزم إدارة ترمب تفعيلها هو تسريع نشر طبقة استشعار فضائية لتتبع الصواريخ الفرط صوتية (التي تزيد على خمسة أضعاف سرعة الصوت) والصواريخ الباليستية، وتطوير ونشر صواريخ اعتراضية فضائية، وتطوير ونشر قدرات تحيد الهجمات الصاروخية قبل الإطلاق وفي مرحلة الدفع، بحسب المحاضر في معهد "ملبورن" الملكي للتكنولوجيا بينوي كامبمارك. وعلى رغم ما أشارت إليه إيلي كوينلان هوتالينغ من مجلة "ذا نيو ريبابليك" في وقت سابق من هذا الأسبوع إلى أن قادة قيادة الدفاع الجوي الفضائي لأميركا الشمالية "نوراد"، وصفوا النظام الدفاعي الأميركي الحالي بأنه مناسب، دحض الرئيس ترمب وصف الوضع الحالي لقدرات الدفاع الصاروخي الأميركية بأنه نظام، مؤكداً أنها فقط أسلحة فائقة الكفاءة، وعندما سئل ترمب عما إذا كان اقتراح بناء "القبة الذهبية" قد جاء من الجيش، أجاب الرئيس بأنها فكرته وأن القادة العسكريين أعجبوا بها. يعود اهتمام ترمب بإحياء مبادرة الدفاع الاستراتيجي تحت اسم جديد إلى تحذيرات "البنتاغون" لسنوات من أن أحدث الصواريخ التي طورتها الصين وروسيا متقدمة للغاية لدرجة أن اتخاذ تدابير مضادة محدثة أمر ضروري، ولهذا يطمح ترمب في أن تركز الأقمار الاصطناعية والصواريخ الاعتراضية المضافة إلى برنامج "القبة الذهبية"، والتي تشكل الجزء الأكبر من كلفة البرنامج، على إيقاف تلك الصواريخ المتطورة في مرحلة مبكرة أو في منتصف رحلتها. تحديات مالية وفيما تراوحت تقديرات ريغان لكلفة مبادرة الدفاع الاستراتيجي في ثمانينيات القرن الماضي بين 60 و100 مليار دولار، يبلغ التقدير الأولي لمشروع ترمب "القبة الذهبية" 175 مليار دولار، بنما يقول مكتب الموازنة في الكونغرس إن كلفة الجزء الفضائي وحده قد تصل إلى 542 مليار دولار وتستغرق 20 عاماً، وليس ثلاثة أعوام بحسب ما يقول الرئيس ترمب الذي طلب تضمين مبلغ أولي قدره 25 مليار دولار في مشروع قانون مقترح للإعفاء الضريبي بهدف دعم الدراسات وإطلاق الخطوات الأولى من المشروع. وما يشجع ترمب على المضي قدماً في "القبة الذهبية" أن الولايات المتحدة تمتلك بالفعل عديداً من قدرات الدفاع الصاروخي، مثل بطاريات صواريخ "باتريوت" التي قدمتها لأوكرانيا للدفاع ضد الصواريخ القادمة، ومجموعة من الأقمار الاصطناعية في المدار للكشف عن إطلاق الصواريخ، ومن ثم، يمكن دمج بعض هذه الأنظمة الحالية في "القبة الذهبية". لكن على رغم طموح ترمب، لا يزال برنامج "القبة الذهبية" يفتقر إلى تمويل مضمون، ولم تخصص أي أموال للمشروع حتى الآن، كونه ما زال في مرحلة التصميم، وفقاً لما صرح به وزير القوات الجوية الجديد تروي مينك، لأعضاء مجلس الشيوخ الثلاثاء الماضي، وكما حدث مع مبادرة الدفاع الاستراتيجي لريغان في ثمانينيات القرن الـ20، فإن الاختبار الحقيقي سيكون ما إذا كانت وعودها المستقبلية قادرة على الصمود في وجه التدقيق السياسي والواقع التكنولوجي. تشكيك من العلماء واجه ريغان مقاومة من العلماء ومسؤولي الدفاع والقادة الدوليين الذين شككوا في جدوى النظام الشامل الذي دفع به، ففي عام1987، أي بعد أربع سنوات من إعلان مبادرة الدفاع الاستراتيجي، أصدرت الجمعية الفيزيائية الأميركية تقريراً خلص إلى أن المبادرة غير مجدية من الناحية التكنولوجية، وأشارت إلى أن كثيراً من التكنولوجيا المطلوبة لا تزال بعيدة وعلى مسافة عقود، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تضاءل الاهتمام بمثل هذه الأنظمة. الآن يواجه الرئيس ترمب مقاومة مماثلة، وعلى سبيل المثال، أخبر الجنرال تشانس سالتزمان قائد قوة الفضاء الأميركية، المشرعين في الكونغرس أن مشروع "القبة الذهبية" سيتطلب مهام لم يسبق أن أنجزتها منظمات فضائية عسكرية، كما يشير النقاد إلى أنه بينما يتصور ترمب أن النظام سيعمل بكامل طاقته بحلول عام 2029، فإن مسؤولي "البنتاغون" يقولون إنه لا يزال في مرحلة التصميم، إذ صرح الجنرال سالتزمان، للمشرعين في جلسة استماع الثلاثاء الماضي، بأن الأسلحة الفضائية المصممة للبرنامج تمثل متطلبات جديدة وناشئة لمهام لم تنجزها من قبل منظمات فضائية عسكرية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) العنصر الأكثر تعقيداً لكن العنصر الأهم والأكثر تعقيداً هو شبكة أنظمة الاعتراض الفضائية، مثل أجهزة "الليزر"، القادرة على إيقاف أو تدمير الرؤوس الحربية بعد إطلاقها بوقت قصير، إذ يحتاج المسؤولون الذين يبنون أي نظام اعتراض فضائي إلى ضمان تغطية جميع المهاجمين والأهداف المحتملة، حيث لا يمكن تغطية فلوريدا، بينما يمكن تغطية كاليفورنيا، وهذا يعني بناء شبكة ضخمة من الصواريخ الاعتراضية لضمان وجودها دائماً في الموقع الصحيح، وهو ما يرى مدير الأبحاث في برنامج السياسة الخارجية بمعهد "بروكينغز" مايكل أوهانلون أنه سيكون مكلفاً وغير فعال إلى حد كبير. وبحسب أوهانلون، تشكل أجهزة "الليزر" نفسها مشكلة كلفة، إذ يجب إرسالها إلى المدار محملة بكميات كبيرة من الوقود ومرايا عملاق قادرة على تركيز الطاقة بما يكفي لتدمير رأس حربي، وهذا يعني أن كل جهاز "ليزر" دفاعي في الفضاء يعادل تلسكوب "هابل". ويتفق المحاضر في معهد "ملبورن" الملكي للتكنولوجيا بينوي كامبمارك في أنه حتى بعد أربعة عقود من مشروع ريغان، لا تزال البراعة التكنولوجية الأميركية عاجزة عن نشر أسلحة "ليزر" ذات القوة والدقة الكافيتين للقضاء على الطائرات المسيرة أو الصواريخ. وفيما يزعم الإسرائيليون أنهم تغلبوا على هذه المشكلة بنظام سلاح "الليزر" عالي الطاقة "الشعاع الحديدي" الذي كان في مرحلة التجريب ويتوقع نشره في وقت لاحق من هذا العام، دخلت شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية في شراكة مع شركة "رافائيل" الإسرائيلية لضم هذه التكنولوجيا إلى الترسانة الأميركية. التباين من القبة الحديدية وعلى رغم أن مشروع "القبة الذهبية" مستوحى من مفهوم نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المعروف باسم "القبة الحديدية"، فإن ثمة اختلافات جوهرية عديدة بينهما، إذ يجب أن تغطي "القبة الذهبية" مساحة أكبر بكثير بالنظر إلى أن مساحة الولايات المتحدة تماثل 400 ضعف مساحة إسرائيل. ولهذا يجب أن تكون "القبة الذهبية" أكثر شمولاً مع أنظمة مختلفة قادرة على تحديد وتتبع وإيقاف أي نوع من الهجمات الجوية التي قد تواجهها الولايات المتحدة، في حين أن "القبة الحديدية" الإسرائيلية مصممة خصيصاً للحماية من الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية وفقاً لما يشير إليه لويس رامبو الباحث في مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. ويشير ستيفن جيه موراني الذي يشغل حالياً منصب وكيل وزير الدفاع لشؤون الاستحواذ والاستدامة إلى أن "القبة الحديدية" الإسرائيلية تعمل عبر مساحة أصغر بكثير، وليست قارة، ولهذا فإن الحجم الهائل لأي درع دفاعي لحماية مساحة شاسعة من الأرض مثل الولايات المتحدة سيكون من الناحية العملية والمالية، أمراً سخيفاً، حيث يتطلب نظام اعتراض فضائياً، يحاكي خيال ريغان في "حرب النجوم"، آلاف الوحدات لاعتراض صاروخ باليستي ضخم بنجاح، ولتوضيح الصورة أكبر، قدم تود هاريسون من معهد "أميركان إنتربرايز" حساباً لهذه العملية يشير إلى أن نظام يضم 1900 قمر اصطناعي سيكلف الولايات المتحدة ما بين 11 و27 مليار دولار لتطويره وبنائه وإطلاقه. استفزاز الخصوم وبينما تتزايد التحديات يبرز تحد آخر، وهو أن بناء الولايات المتحدة أنظمة دفاعية قوية، يمكن أن يستفز خصومها لتعزيز هجومهم، مما يشعل سباق تسلح عالمياً، وقد يؤدي هذا إلى حلقة مفرغة، حيث يجعل المسؤولين في البلاد المتصارعة أقل آمناً وبالتأكيد أكثر فقراً، لأن الدفاع أكثر صعوبة وكلفة من الهجوم. ولم يكن من المستغرب أن تصف الصين وروسيا في بيان مشترك "القبة الذهبية" بأنها مزعزعة للاستقرار بصورة كبيرة، محذرة من أنها ستحول الفضاء الخارجي إلى بيئة لنشر الأسلحة وساحة للمواجهة المسلحة، وهو نموذج يشبه موقف السوفيات عام 1983 خلال الحرب الباردة، حينما اعتبروا مشروع ريغان استفزازياً للغاية، وتهديداً للتوازن الاستراتيجي، ورداً على ذلك سارعوا إلى تطوير تقنيات أسلحتهم الخاصة، مما زاد من تأجيج سباق التسلح، وعزز مبدأ التدمير المتبادل المؤكد في حال نشوب صراع مباشر. دفاع مطلوب خلال السنوات الأخيرة، وضعت الصين وروسيا أسلحة هجومية في الفضاء، مثل الأقمار الاصطناعية القادرة على تعطيل الأقمار الاصطناعية الأميركية المهمة، مما قد يعرض الولايات المتحدة لخطر الهجوم، وفي العام الماضي، صرحت الولايات المتحدة بأن روسيا تطور سلاحاً نووياً فضائياً يمكنه التحليق في الفضاء لفترات طويلة، ثم إطلاق دفعة تدمر الأقمار الاصطناعية المحيطة به. وحتى لو بدت "القبة الذهبية" بعيدة المنال، يقول أوهانلون إن الولايات المتحدة في حاجة إلى توسيع قدراتها الدفاعية الصاروخية، لأن أي نظام دفاع صاروخي، حتى لو كان محدوداً وفعالاً جزئياً، قد يكون له بعض الفوائد، سواء كان ذلك للدفاع ضد التهديد الكوري الشمالي المتنامي، أو التهديد الإيراني المستقبلي، أو التهديد بضربة محدودة من روسيا أو الصين، ولهذا فإن أي نسخة مخفضة من خطة ترمب قد تكون مفيدة بصورة عامة للأمن القومي الأميركي.


الحدث
منذ 5 ساعات
- الحدث
بأمر ترامب: حملة "تطهير" واسعة في مجلس الأمن القومي الأمريكي لـ"تفريغ الدولة العميقة"
أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بقيادة وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي بالوكالة ماركو روبيو، عن بدء حملة تصفية واسعة داخل مجلس الأمن القومي. تهدف هذه الحملة إلى "تفريغ الدولة العميقة" من البيروقراطيين المتجذرين الذين يعارضون توجهات الرئيس. أكد مسؤول أمريكي مطلع على تفاصيل القرار، في حديث لوكالة "أكسيوس"، أن هذه الخطوة تمثل مواجهة حاسمة مع ما تعتبره إدارة ترامب قلب "الدولة العميقة" داخل المؤسسات الأمريكية. ومن المتوقع تقليص عدد موظفي المجلس من 350 إلى النصف. وأوضح المسؤول أن "مجلس الأمن القومي هو الدولة العميقة في جوهرها... إنها معركة مباشرة بين ماركو والدولة العميقة". وأضاف أن هذه الإجراءات جاءت نتيجة للصراعات الداخلية المستمرة بين المسؤولين ووكالاتهم، مما جعل إعادة الهيكلة ضرورة حتمية. وفي تعليق منفصل، أوضح مسؤول كبير في البيت الأبيض أن النظام البيروقراطي الحالي "غير مجدٍ ويقترب من الزوال"، مشيرًا إلى أن الموظفين الذين شملتهم عمليات التسريح سينتقلون إلى مناصب حكومية أخرى. كان ماركو روبيو قد أشرف على إعادة هيكلة شاملة لمجلس الأمن القومي، تضمنت نقل صلاحيات كبيرة إلى وزارتي الخارجية والدفاع. واعتبر ترامب هذه الخطوة ضرورية لتصحيح مسار المجلس الذي وصفه بأنه "بيروقراطية سيئة السمعة مليئة بمسؤولين قدامى لا يتشاركون رؤيته". وأفادت شبكة "سي إن إن" بأن الموظفين الذين تم تسريحهم من مجلس الأمن القومي تلقوا إشعارًا مفاجئًا بإجازة يوم الجمعة، مع مهلة تقل عن ساعة لتفريغ مكاتبهم، في إطار عملية إعادة الهيكلة التي يقودها روبيو.