
ترمب يعتزم التحرك بقوة لإلغاء أحكام قضائية "تعرقل أجندته"
تخطط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتحرك بقوة وإلغاء الأحكام القضائية التي تعرقل أولوياتها القصوى، وذلك بعد حكم المحكمة العليا الذي يحدّ من صلاحيات القضاة الفيدراليين في إصدار أوامر حظر على مستوى البلاد، وفق ما صرح به مسؤول في البيت الأبيض لصحيفة "واشنطن بوست".
وأوضح المسؤول أن المحامين الحكوميين سيضغطون على القضاة "في أقرب وقت ممكن" لتقليص عشرات الأحكام القضائية الشاملة التي تعرقل ما وصفها بـ"أجندة الرئيس".
وذكر المسؤول أن أولويات الإدارة تشمل أوامر الحظر المتعلقة بوزارة التعليم ووزارة كفاءة الحكومة، بالإضافة إلى أمر يوقف تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).
وشكر ترمب في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض، الجمعة، بالاسم أعضاء الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا التي ساعد في تشكيلها وقال إنه "بفضل هذا القرار، يمكننا الآن المضي قدماً بسرعة في العديد من السياسات التي تم حظرها بشكل خاطئ على مستوى البلاد".
واعتبر ترمب أن قرار المحكمة العليا يمثل "تصحيحاً مهماً وضروريا" في معركته مع نظام قضائي قيّد سلطاته.
بدورها قالت وزير العدل بام بوندي، وهي تقف بجانب ترمب، إن "الأميركيين يحصلون على ما صوتوا له، لن يكون لدينا بعد الآن قضاة مارقون يطيحون بسياسات الرئيس ترمب في جميع أنحاء البلاد".
وأضافت: "هذه الأوامر القضائية الخارجة عن القانون.. حوّلت محاكم المقاطعات إلى قضاء يتصرف بسلطة مطلقة".
تأثير الحكم على المعارك القانونية
اتفق الأكاديميون والمدعون في الدعاوى القضائية المتعلقة بأوامر ترمب على أن حكم المحكمة العليا يمكن أن يعيد تشكيل المعارك القانونية حول السلطة التنفيذية التي ميزت ولاية ترمب الثانية بشكل عميق، حتى مع قول خبراء قانونيين آخرين إن التأثير سيكون أكثر هدوءاً. وتوقع البعض أن ذلك سيشجع ترمب على دفع رؤيته الواسعة للسلطة الرئاسية.
وقال صامويل براي من كلية الحقوق بجامعة نوتردام بولاية أنديانا، والذي درس أوامر الحظر على مستوى البلاد: "لقد أعادت المحكمة العليا أساساً العلاقة بين المحاكم الفيدرالية والسلطة التنفيذية. منذ إدارة أوباما، تم تجميد كل مبادرة رئاسية كبرى تقريباً من قبل محاكم المقاطعات الفيدرالية التي أصدرت أوامر حظر شاملة".
وتعمل أوامر الحظر في الولايات المتحدة على تجميد إجراء ما حتى تتمكن المحكمة من اتخاذ قرار بشأن مشروعيته. وقد أصبحت أداة شائعة لدى منتقدي الإجراءات الرئاسية في الآونة الأخيرة، حيث أدت أحيانًا إلى تأخير تنفيذ أمر تنفيذي توافق عليه المحكمة في النهاية بعد سنوات.
وقد يجعل حكم المحكمة العليا تحدي الإجراءات التنفيذية أكثر صعوبة وتعقيداً. وقد يؤدي ذلك إلى إصدار المحاكم مجموعة متفرقة من الأحكام بشأن الأوامر الرئاسية في أجزاء مختلفة من البلاد.
وعلى المدى القصير، يمثل الحكم انتكاسة لليبراليين الذين لجأوا إلى المحاكم لإحباط أجندة ترمب. لكن القرار قد يقيّد في نهاية المطاف المحافظين الذين يسعون للحصول على أحكام واسعة للحد من سلطة رئيس ديمقراطي مستقبلي.
وقام ترمب بسلسلة من الإجراءات التنفيذية في الشهر الأول من ولايته، تراوحت بين تفكيك الوكالات الحكومية والسعي لإنهاء الجنسية بالولادة. وقد تم رفع أكثر من 300 دعوى قضائية لوقف إجراءاته التنفيذية.
وأصدر قضاة المحاكم الفيدرالية ما يقرب من 50 حكماً حتى الآن، مما أوقف مؤقتاً تحركات الإدارة لخفض المساعدات الخارجية، وإنهاء التمثيل القانوني للمهاجرين الشباب، وحظر الجنسية بالولادة، وإجراء تسريحات جماعية، وفصل الموظفين تحت الاختبار، والمزيد من القرارات الأخرى.
وقد تم إيقاف بعض هذه الأحكام من قبل محاكم أعلى.
تفاصيل حكم المحكمة العليا
وخلصت المحكمة العليا، الجمعة، إلى أنه يجب على محاكم المقاطعات الفيدرالية أن تقصر أوامر الحظر الصادرة عنها على الأطراف التي رفعت الدعوى، والتي يمكن أن تكون أفراداً أو منظمات أو ولايات.
وكانت هذه المحاكم قادرة في السابق على إصدار أوامر حظر تنطبق على أشخاص غير مشاركين بشكل مباشر في القضايا.
وجاء هذا الحكم كجزء من قضية طعنت في حظر ترمب على الجنسية بالولادة. ولم تحكم المحكمة في دستورية هذا الأمر التنفيذي.
وتركت المحكمة للقضايا الأدنى تحديد ما إذا كان الأمر القضائي على مستوى البلاد قد يكون شكلاً مناسباً من أشكال الانتصاف للولايات في بعض الحالات، مثل حظر المواطنة بالولادة، حيث يمكن أن يكون الضرر واسع الانتشار.
كما لم تمنع المحكمة المدعين من السعي للحصول على انتصاف على مستوى البلاد من خلال الدعاوى القضائية الجماعية.
وقالت سميتا جوش، المستشارة القضائية العليا في مكتب "مركز المساءلة الدستورية" القانوني التقدمي، إن الحكم يمكن أن يكون ضربة للمدعين الذين يسعون لإحباط أوامر ترمب التنفيذية.
وقدم "مركز المساءلة الدستورية" مذكرة للمحكمة نيابة عن المدعين الذين يطعنون في حظر الجنسية بالولادة.
وأضافت جوش: "هذا النهج سيجعل تحدي الممارسات التنفيذية غير الدستورية أكثر صعوبة واستهلاكاً للوقت، مما يحد من قدرة المحاكم على تقييد الإجراءات الرئاسية غير القانونية، في وقت يعتقد الكثيرون أنهم في أمس الحاجة إليها".
تداعيات قرار المحكمة العليا مستقبلاً
وتوقعت جوش أن العديد من المجموعات ستتحول إلى رفع دعاوى قضائية جماعية لتجاوز الحكم، كما سعى بعض المدعين في دعوى الجنسية بالولادة إلى فعله الجمعة.
تسمح هذه الدعاوى القضائية للأفراد أو المجموعات بمقاضاة نيابة عن فئة أكبر من الأفراد الذين عانوا من ضرر مماثل بسبب سياسة حكومية.
ومن المرجح أن تشهد المحاكم المزيد والمزيد من الدعاوى القضائية الجماعية أو دعاوى العمل الجماعي من المدن والمقاطعات والولايات، التي تدرك أنها لم تعد تستطيع الاعتماد على الدعاوى القضائية التي يرفعها آخرون للدفاع عن مصالحها، حسبما ذكر جوناثان ميلر، كبير مسؤولي البرامج في مشروع الحقوق العامة، الذي يتحدى العديد من سياسات ترمب.
وقال ميلر: "أعتقد أن هذا القرار ستنظر إليه هذه الإدارة كضوء أخضر لمتابعة أجندتها بشكل أكثر عدوانية، وأن تكون أكثر جرأة فيما يتعلق بالامتثال لأوامر الحظر واستعدادها لاختبار حدود السلطة القضائية".
وصفت سكاي بيريومان، رئيسة ومديرة تنفيذية منظمة "الديمقراطية للأمام" (Democracy Forward)، التي رفعت العديد من الطعون ضد أجندة ترمب، الحكم بأنه "حكم محدود"، وقالت إن المحكمة تركت عدداً من الطرق مفتوحة أمام تحديات أوسع ضد الإجراءات التنفيذية التي يمكن أن تؤدي إلى حظر واسع لسياسات ترمب.
وقال جيسي بانوتشيو، الشريك في مكتب المحاماة "بويز شيلر فليكسنر" ومسؤول سابق في وزارة العدل في إدارة ترمب الأولى، إن الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء اشتكوا من هذه الأوامر.
وأضاف بانوتشيو: "أعتقد أن الحكم زلزالي لكيفية عمل محاكم المقاطعات الفيدرالية في العشرين عاماً الماضية".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ ساعة واحدة
- أرقام
ترمب: حددنا مشترياً لأعمال تيك توك في الولايات المتحدة
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه حدد جهة لشراء العمليات الأميركية لتطبيق "تيك توك" المملوك من شركة "بايت دانس" الصينية، لكنه لن يكشف التفاصيل قبل أسبوعين. وأضاف في مقابلة مع برنامج "صنداي مورنينغ فيوتشرز" الذي تقدمه ماريا بارتيرومو عبر قناة "فوكس نيوز": "لدينا مشتر لـ(تيك توك)، بالمناسبة. أعتقد أنني سأحتاج على الأرجح إلى موافقة من الصين، وأعتقد أن الرئيس شي (جين بينغ) سيوافق على الأرجح". وتابع: "إنه تحالف من أشخاص أثرياء جداً". وقد تم تسجيل المقابلة يوم الجمعة، وبُثت يوم الأحد. كان ترمب قد قال في وقت سابق إنه سيمدد للمرة الثالثة المهلة الممنوحة لشركة "بايت دانس" لبيع الأنشطة الأميركية لـ"تيك توك"، ما يمنح الشركة 90 يوماً إضافياً بعد 19 يونيو. مفاوضات شراء عمليات التطبيق توقفت الكونغرس قد أقر قانوناً العام الماضي يلزم الشركة بالتخارج، مشيراً إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي. ويسمح القانون للرئيس بمنح تمديد واحد. وتوقفت المفاوضات حول الصفقة إلى حد كبير، بعدما اجتاحت التوترات الأوسع بشأن المفاوضات الجمركية العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وقبل إعلان ترمب عن الرسوم الجمركية الواسعة في أبريل، أفادت تقارير بأن الصفقة كانت قريبة من الاكتمال، عبر تحالف يضم مستثمرين أميركيين من بينهم "أوراكل كورب"، و"بلاكستون إنك"، وشركة رأس المال الاستثماري "أندريسن هورويتز". ولم يرد البيت الأبيض على طلب الحصول على مزيد من التفاصيل حول أحدث تصريحات ترمب.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
إيران: توازن المصلحة واستحقاقات المصالحة
لم تعد معرفة الرابح والخاسر في الحرب الإيرانية - الإسرائيلية هي الموضوع الأكثر أهمية. ثمة مواقف أميركية متباينة من نتائج قصف المفاعلات النووية؛ إذ في الوقت الذي أكد الرئيس دونالد ترمب أن الضربة العسكرية التي شنّتها قواته «دمّرت بالكامل» المواقع النووية الإيرانية الثلاثة التي استهدفتها، فإنه في الواقع، الحسم بنتائج هذه الحرب ما زال مبكراً. ترمب نفى صحّة تقارير إعلامية نقلت عن مصادر استخبارية أنّها لم تؤدِّ سوى لتأخير برنامج طهران النووي بضعة أشهر، وقال ترمب إن «شبكة (سي إن إن) للأخبار الكاذبة، بالتعاون مع صحيفة (نيويورك تايمز) الفاشلة، تضافرت جهودهما لتشويه سمعة إحدى أنجح الضربات العسكرية في التاريخ. المواقع النووية في إيران دُمّرت بالكامل». لكن المؤكد أنه ستتكشف معلومات كثيرة يوماً بعد يوم، قد تبين أن الخطب والمواقف المعلنة للأطراف كافة هي غير ما في الباطن. يبقى الثابت أن الاعتداء الإسرائيلي والأميركي الذي تعرضت له إيران قد أنهك قدراتها العسكرية والاستخبارية، وأدى إلى فقدان الجيش و«الحرس الثوري» العديد من كبار قادتهم الأصليين، وحتى البدلاء. الثابت أيضاً، أن براغماتية النظام والنخبة في إيران غلبت الآيديولوجيا. قرار القبول بوقف النار الذي دعا إليه ترمب أعطى الحكم في إيران مساحة ومتنفساً للمراجعة والتقييم، وتحصين ما تبقى مما لم تطله آثار الحرب المدمرة. رغم هذا، ما تزال إيران راهناً صامدة، لكنها معرضة ربما لأن تصبح بعد الحرب أكثر هشاشة تحت ظروف معينة قديمة ومستجدة. من المسلّمات أيضاً، أن الأزمة ستتواصل حتى تحقق إسرائيل والولايات المتحدة أهدافهما العسكرية، والمتمثلة في تقويض القدرات الصاروخية والنووية لإيران ووقف هجماتها. وبينما تسعى إسرائيل إلى تحجيم «الخطر المباشر»، كما تصفه، تضع واشنطن نصب أعينها ترجمة المكاسب العسكرية إلى مكاسب استراتيجية أوسع، سواء على صعيد البرنامج النووي الإيراني، أو الوضع في غزة، أو الدفع قدماً بـ«اتفاقيات إبراهيم»، إضافة إلى قياس قدرات إيران الحقيقية ما بعد الحرب، وتقدير نياتها وخياراتها المستقبلية بدقة. الثابت الرابع، أن الضربة الأميركية على المفاعلات قدمت مخرجاً مزدوجاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ الأول هو وقف النار بعد الإعلان الأميركي عن تدمير المفاعلات، وهو الهدف الإسرائيلي الرئيس. والثاني استغلال ما أعطته هذه الحرب من شعبية لفتح الطريق أمام دعوة الإسرائيليين إلى انتخابات عامة مبكرة تسمح له بتشكيل حكومة مختلفة عن الحالية، أقرب إلى التوافق مع الأميركيين وبقية الحلفاء؛ ما يساعد على وقف حرب غزة، ويشكل إشارة إيجابية لحلفاء واشنطن في المنطقة للشروع في مسار للتسوية. من المسلّم به أيضاً، أن وقف النار بين طهران وتل أبيب، إذا صمد، لن ينسحب على المربع الإسرائيلي -الفلسطيني - اللبناني - السوري الذي ما زال مشتعلاً ومرتبطاً بمدى تأثر القوى المحلية بما حصل في إيران وهضمه، والتعايش مع تراجع المشروع الإيراني الإقليمي العسكري، والاحتفاظ بالدور الآيديولوجي الديني. هل تؤكد هذه الثوابت نهاية الحرب بعد أن فقدت إيران دفعة واحدة حلفاءها ووكلاءها وقدراتها النووية بحسب الأميركيين والإسرائيليين؟ وما هو المقابل الذي يجعلها تتحمل هذه الخسائر بمعزل عن قضية استهداف النظام، وهي قضية غير محسومة ولا مرجحة وغير مطلوبة لا أميركياً ولا دولياً باستثناء لدى عدد من المتشددين؟ إذا تمكّنت القيادة الإيرانية من اعتماد المرونة البطولية بحسب المرشد، وموازنة تكلفة السياسات المعتمدة منذ ثورة 1979، ومقارنة ذلك بما قد تحققه إذا انفتحت على العالم ورُفعت العقوبات عنها، فستكون أمام خيار استراتيجي حاسم. لكن الحسم لن يكون سريعاً، ويتوقف على تطورات الداخل وتوازن القوى في النظام، ومدى قدرة القيادة على التوفيق بين المصلحة الوطنية والمصالحة. وإذا تحقق هذا التوازن، فقد تتجه التسوية نحو مصالحة حقيقية، لا تفاهمات مؤقتة أو سلام مفروض، وهي مسؤولية أميركية بالدرجة الأولى. الخوف من المشاريع التوسعية الإسرائيلية لا يؤدي إلا إلى الدوران في حلقة مفرغة تعيد المنطقة إلى الحروب. فرغم تفوقها العسكري والتكنولوجي، تفتقر إسرائيل إلى مقومات مشروع إقليمي حقيقي، سواء من حيث الديمغرافيا أو اللغة أو الدين أو الثقافة. وقد أثبتت الحرب الأخيرة أن الحسم الإسرائيلي مستحيل من دون دعم أميركي مباشر. إلى هذا، فالهيمنة على المنطقة بالقوة وحدها غير قابلة للاستمرار في ظل غياب مشروع سياسي واضح لدى كل من إسرائيل والولايات المتحدة. يمكن لدول الإقليم، إذا تماسكت وسعت إلى مشروع مصالحة شامل، أن تملأ الفراغ الاستراتيجي الذي قد تخلفه الحرب الإسرائيلية - الإيرانية.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
كيف يُعيد ترمب تعريف الإعلام السياسي؟
لا يبدو أن الصدع الكبير في العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جهة، ومعظم الكيان الإعلامي الأميركي من جهة أخرى، في طريقه إلى الالتئام؛ بل يبدو أنه ينحو إلى الاتساع يوماً بعد يوم. من يتابع تعليقات ترمب على أداء المؤسسات الإعلامية الرئيسة، في بلاده، والأوصاف التي يطلقها على بعض الإعلاميين، يعرف أن ما يجمع الجانبين سوء تفاهم مُقِيم وعداء منهجي. ومن جانبها، فإن بعض تلك الوسائل باتت تتراجع، وتُعيد حساباتها، تحت وطأة الضغوط التي تتعرض لها. يقودنا هذا إلى حالة عداء مُستحكم بين الرئيس وعدد لا يُستهان به من وسائل الإعلام الرئيسة في مجتمعه، وهي حالة قد يتشارك الجانبان قدراً من المسؤولية عنها، ولكنها لا يمكن أن تقع في حال كان الحكم مُنفتحاً ورشيداً. والشاهد أن ترمب يريد أن يكرر ما فعله قادة سلطويون، عاشوا في عهود سابقة، إزاء المجال الإعلامي؛ إذ يخبرنا التاريخ بأن كثيراً من السياسيين الذين اعتقدوا بامتلاكهم «الحقيقة المطلقة» سعوا سعياً حثيثاً إلى تحويل وسائل الإعلام إلى «آلات دعاية»، تُلمِّع صورتهم، وتلطخ سمعة أعدائهم، وتعمل على نقل رؤاهم للجمهور من دون أي تدخل، فإن لم يتمكنوا من ذلك، فإنهم يشنون عليها الهجمات العنيفة، ويصفون الإعلام والعاملين فيه بأبشع الأوصاف. وبالطبع، فإن حرية الإعلام تدفع أثماناً غالية لقاء تلك المحاولات، وهي أثمان تدفعها أيضاً الأوطان؛ لأن حرية الإعلام ليست منحة أو ميزة للإعلاميين، ولكنها «مصلحة عامة»، وهي أيضاً من المؤشرات الرئيسة التي تُصنَّف على أساسها المجتمعات لجهة الديمقراطية والتقدم، أو الديكتاتورية والتخلف. وحين يسعى بعض القادة المُتسلِّطين إلى إخضاع المجال الإعلامي، أو تعقيمه في الحد الأدنى، حتى يصبح مجالاً مُواتياً لهم، فإنهم يصطدمون بالقوى الحية في هذا المجال، ويحاولون إخضاعها، باللين أو بالقوة، لتنفيذ مخططاتهم. وعندما يشعر هؤلاء القادة بأن المجال الإعلامي يفرز ممارسات تعوق تلك المخططات، فإنهم يتحولون إلى شيطنته واستهدافه. لا تختلف تلك السياسات عما فعله القادة المستبدون الذين عبروا في التاريخ، والذين حوَّلوا وسائل الإعلام في بلادهم إلى آلات تُردد معزوفات التأييد لهم، وتذم خصومهم، وتَحُط من شأنهم. يحاول الرئيس الأميركي إعادة تعريف المجال الإعلامي في بلاده؛ بل وإعادة تعريف وظيفة الإعلام ذاتها، أو هذا على الأقل ما يبدو واضحاً حتى الآن. فقد كتب الرئيس ترمب، يوم الجمعة الماضي، على حسابه في موقع «تروث سوشيال»، إن الصحافية ناتاشا برتراند التي تعمل في شبكة «سي إن إن»، يجب توبيخها، و«طردها كالكلب»، بداعي أنه شاهدها لمدة ثلاثة أيام تنشر «أخباراً مزيفة» عن نتائج الضربة الأميركية للمواقع النووية الإيرانية. ولم يكتفِ الرئيس الغاضب بذلك؛ بل إنه وصف بيوتاً إعلامية مرموقة؛ مثل «نيويورك تايمز»، وغيرها، بأنها «حثالة»، وقد حدث ذلك رغم أن «سي إن إن» دافعت عن الصحافية ناتاشا أمام هجمات الرئيس، مؤكدة، في بيان رسمي، أن عملها استند إلى تقييم مهني صادر عن جهة استخباراتية. ليست تلك بالطبع هي المحطة الأولى في الصراع العنيف الذي يتفاقم بين ترمب من جانب، ووسائل إعلام مؤسسية رئيسة في الولايات المتحدة من جانب آخر؛ بل هي إحدى هذه المحطات التي بدأها الرئيس مبكراً قبل فوزه في انتخابات 2016 التي حملته نتائجها إلى سدة الرئاسة في ولايته الأولى. يريد ترمب أن يختزل الاتصال الرئاسي في صورة تدوينات يطلقها على منصة يمتلكها ويديرها بنفسه، ومن ثَم يقوض عمل منظومات الإعلام المؤسسي في هذا الشق الحيوي والخطير، ويفرغها من مضمونها. وفي إطار سعيه لإعادة تعريف وظيفة الإعلام، يريد أن يجعل تلك الوظيفة مُقتصرة، في المجال السياسي، على ترديد كلامه، وتأكيد تصريحاته، والتصفيق لأفعاله، مهما كانت مُلتبسة أو مثيرة للجدل. وعندما ستظهر أي مقاربات ناقدة لما يقوله ويفعله، فإنه سيسارع إلى وصف تلك المقاربات بأنها «خائنة»، و«مُضللة»، كما سيصف الصحافيين الذين ينقلونها بأنهم «كلاب يستحقون التوبيخ والطرد»، وأما وسائل الإعلام التي يعملون فيها، فليست سوى «حثالة». سيفسر لنا هذا سيل الشتائم التي يوجهها الرئيس لصحافيين ووسائل إعلام بعينها، وسيشرح لنا أيضاً لماذا استهل ولايته الحالية برفع مجموعة من الدعاوى ضد وسائل إعلام رئيسة، بغرض إنهاكها، وتشتيتها، وحملها على الامتثال لإرادته، وتنفيذ أجندته. يُعيد ترمب تعريف المجال الإعلامي الأميركي على نحو غير مسبوق في التاريخ، كما يُحدد مسار الاتصال السياسي الرئاسي في خط أحادي: من الرئيس إلى الجمهور وكفى، وهو أمر قد يأخذ هذا الإعلام إلى واقع مَأسَوي لم يكن يخطر ببال أكبر المتشائمين.