
"لم نعد آمنين هنا" - مسيحيون في سوريا يخشون على مستقبلهم بعد تفجير كنيسة مار إلياس
أدى الهجوم على كنيسة في ضواحي دمشق إلى مقتل 25 شخصاً على الأقل
تحذير: يحتوي هذا التقرير على تفاصيل مؤلمة
"أخوك بطل"، هذا ما قيل لعماد بعد علمه بمقتل شقيقه في تفجير انتحاري في كنيسة مار إلياس في العاصمة السورية دمشق.
حاول شقيقه ميلاد، برفقة شخصين آخرين، دفع الانتحاري خارج مبنى الكنيسة، فقُتل على الفور، إلى جانب 24 من الموجودين في الكنيسة.
أصيب 60 شخصاً آخرون في الهجوم على كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس، في منطقة الدويلعة شرق دمشق في 22 يونيو/حزيران الماضي.
ويعد هذا الهجوم هو الأول من نوعه في دمشق منذ أن أطاحت هيئة تحرير الشام بالرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، منهيةً 13 عاماً من الحرب الأهلية المدمرة.
وبينما ألقت السلطات السورية باللوم في الهجوم على تنظيم "الدولة الإسلامية" فقد أعلنت سرايا أنصار السنة، الأقل شهرة، مسؤوليتها عن الهجوم. ويقول مسؤولون حكوميون إن سرايا أنصار السنة لا تعمل بشكل مستقل عن تنظيم "الدولة الإسلامية".
BBC
قيل لعماد، أقصى اليمين، إن شقيقه (في الصورة) كان بطلاً حاول إيقاف الانتحاري
كان ميلاد يحضر قداساً مساء الأحد في كنيسة مار إلياس، عندما أطلق رجل النار على المصلّين قبل أن يُفجّر سترته الناسفة.
سمع عماد دويّ الانفجار من منزله، ولم يتمكن من الوصول إلى شقيقه لساعات.
ويقول عماد الذي تحدث من منزله الصغير المكون من غرفتين ويتشاركه مع عدد من أقاربه: "ذهبتُ إلى المستشفى لرؤيته. لم أستطع التعرف عليه. كان نصف وجهه محترقاً".
عماد رجل طويل ونحيف في الأربعينيات من عمره، وجهه حادّ يحمل علامات حياة قاسية.
وهو مثل أخيه، يعمل عامل نظافة في مدرسة في الحي الفقير، الذي تقطنه العديد من العائلات من الطبقة المتوسطة والفقيرة، ومعظمهم من المسيحيين.
خلال فترة حكم بشار الأسد، اعتقد أبناء أقليات دينية وعرقية في
والآن، يخشى كثيرون ألا تحذو الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع حذوها.
وفي حين تعهد الشرع وحكومته بحماية جميع المواطنين، إلا أن العنف الطائفي الدامي الأخير في المناطق الساحلية ذات الغالبية العلوية، ثم في مجتمعات درزية محيطة بدمشق، جعل بعض الأشخاص يشككون في قدرتها على السيطرة على الوضع.
وأعرب العديد من أفراد عائلة عماد عن هذا الشعور، قائلين: "لم نعد آمنين هنا".
BBC
أنجي، 23 عاماً، لم تعد ترغب في البقاء في سوريا بعد إصابتها في الهجوم
أنجي عوابدة (23 عاماً) كانت على بُعد شهرين فقط من تخرجها في الجامعة عندما أصيبت في الهجوم.
سمعت أنجي دوي إطلاق النار قبل الانفجار.
قالت أنجي من سريرها في المستشفى وهي تتعافى من جروح سببتها شظايا في وجهها ويدها وساقها، بالإضافة إلى كسر في ساقها: "حدث كل شيء في ثوانٍ".
أنجي تشعر بالخوف وتشعر بعدم وجود مستقبل للمسيحيين في سوريا.
"أريد فقط مغادرة هذا البلد. عشت الأزمة والحرب وقذائف الهاون. لم أتوقع يوماً أن يحدث لي مكروه داخل كنيسة"، تقول أنجي.
وأضافت: "ليس لديّ حل. عليهم إيجاد حل، هذه ليست مهمتي، إذا لم يتمكنوا من حمايتنا، فنحن نريد المغادرة".
قبل الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاماً، كان المسيحيون يشكلون حوالي 10 في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم 22 مليون نسمة، لكن أعدادهم تقلصت بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين مع فرار مئات الآلاف إلى الخارج.
كانت الكنائس من بين المباني التي قصفتها الحكومة السورية والقوات الروسية المتحالفة معها خلال الحرب، لكن ليس أثناء وجود المصلّين داخلها.
كما أُجبر آلاف المسيحيين على ترك منازلهم بسبب تهديد جماعات مسلحة مثل تنظيم "الدولة الإسلامية".
Izettin Kasim/Anadolu via Getty Images
جنازة جماعية الأسبوع الماضي لضحايا الهجوم
خارج المستشفى الذي تُعالج فيه أنجي، اصطفت توابيت بعض ضحايا هجوم الكنيسة، استعداداً للدفن.
حضر أشخاص من مختلف أطياف المجتمع السوري، يمثلون مختلف شرائحه، مراسم جنازة أُقيمت في كنيسة قريبة وسط إجراءات أمنية مشددة.
وفي عظته، أكد بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يوحنا يازجي، على أن "تتحمل الحكومة المسؤولية كاملةً".
قال يازجي إن اتصالاً هاتفياً من رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع لتقديم تعازيه "لم يكن كافياً لنا"، مما أثار تصفيق الحضور.
"نحن ممتنون لهذه المكالمة. لكن الجريمة التي وقعت أكبر من ذلك بقليل"، وفق يازجي.
ووعد الشرع الأسبوع الماضي بأن المتورطين في الهجوم "الشنيع" سيُحالون إلى العدالة.
بعد يوم من التفجير، قُتل اثنان من المشتبه بهم وأُلقي القبض على ستة آخرين في عملية أمنية استهدفت خلية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في دمشق.
لكن هذا لم يُخفف المخاوف بشأن الوضع الأمني هنا، خاصةً بالنسبة للأقليات الدينية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ 15 ساعات
- الوسط
حرائق الغابات تشعل الجدل على منصات التواصل الاجتماعي في سوريا وتركيا
Getty Images مشهد من ولاية إزمير التركية. تشهد الدول المطلّة على البحر الأبيض المتوسط منذ أيام موجة حرّ شديد، أكثر حِدّة من المعتاد في هذا الوقت من العام. وفي يوم الأحد الماضي، سجّل البحر الأبيض المتوسط درجة حرارة قياسية، نسبة إلى هذا التوقيت السنوي، عند 26,01 درجة مئوية، بحسب بيانات خدمة كوبرنيكوس الأوروبية. وشهد الساحل السوري حرائق كبيرة وكثيرة، تضرّرت معها مناطق عديدة. وأشار وزير الطوارئ وإدارة الكوارث في سوريا رائد الصالح، إلى 23 حريقاً في محافظات اللاذقية، وطرطوس، وحماه، وإدلب، وغيرها. ولفت الصالح إلى أن أكثر من 50 فريقاً يتعامل مع تلك الحرائق، محذراً من أن الصيف قد يشهد المزيد من هذه الحرائق. وأتتْ الحرائق على مساحات واسعة من غابات جبال مصياف بما تشتمل عليه من نباتات طبية وعطرية نادرة، فضلاً عن تهديدها للمناطق السكنية والأثرية المجاورة. وتُعتبر غابات مصياف، الواقعة في محافظة حماة، من أجمل الغابات السورية، وهي تحتضن نظاماً بيئياً متكاملاً. وعبر منصات التواصل الاجتماعي، أشاد ناشطون بجهود عناصر الدفاع المدني السورية في التصدي لتلك الحرائق، لا سيما وأنها تعمل في ظل نقص التجهيزات اللوجستية، فضلاً عما تواجهه تلك العناصر من ألغام من مخلّفات الحرب . لكن البعض ذهب إلى القول إن هذه الحرائق مفتعلة، متسائلاً عن الهدف من وراء افتعالها: ورأى ناشطون أن "تصاعد الحرائق المفتعلة في الساحل السوري هو بهدف تهجير المكون العَلويّ وإجباره على بيع أراضيه"، مندّدين بغياب "أي إجراءات حقيقية لوقف الحرائق ومحاسَبة المتسببين بها، ما يعزز الشكوك حول وجود مخطط منظم لاستكمال سياسة التهجير القسري وإعادة رسم الخريطة السكانية في المنطقة"، على حد تعبيرهم. لكن رئيس منظمة الدفاع المدني السوري منير مصطفى، قال إن "السبب وراء اندلاع عشرات الحرائق يومياٍ، ومعظمها في المناطق الحراجية والغابات، يعود إلى ارتفاع درجات الحرارة واشتداد سرعة الرياح، ما يزيد من سرعة انتشار النيران وصعوبة السيطرة عليها". كما "تضيف التضاريس الوعرة في بعض المناطق الجبيلة إلى صعوبة وصول آليات الإطفاء والفرق الميدانية". لكن أصحاب نظرية المخطَّط لا يقتنعون بتلك الأسباب الطبيعية، قائلين إن "تلك الحرائق تشتعل حتى في أشهر الشتاء الباردة". وعلى الحدود بين سوريا وتركيا، تداول ناشطون صوراً لاحتراق غابات جبلية بين البلدين، مشيرين إلى أن عمرها مئات السنين. وفي تركيا، اندلعت سلسلة من حرائق الغابات، معظمها في ولايتَي إزمير ومانيسا، غربي البلاد، وكذلك في منطقتَي هاتاي وأنطاكيا إلى الجنوب، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقوة الرياح وسرعتها، التي تتراوح في أثناء الليل بين 40 إلى 50 كيلو متر في الساعة. وأجْلت فرق الإنقاذ أكثر من 50 ألف شخص، كما علّقت السلطات الرحلات الجوية بمطار إزمير. وبحسب هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية، فقد تضرّر 196 منزلاً على الأقل في أرجاء البلاد. وقال وزير الزراعة والغابات التركي إبراهيم يوماقلي، في مؤتمر صحفي، إن 342 حريقاً اندلع في الغابات منذ الجمعة الماضي. وتداول ناشطون مقاطع فيديو أظهرت سُحباً كثيفة من الدخان تغطي سماء إزمير التركية مع امتداد رقعة الحرائق إلى مناطق سكنية مجاورة. وتشير التوقعات إلى أن درجات الحرارة في إزمير مرشحة للصعود إلى 38 درجة مئوية هذا الأسبوع. وتعدّ شواطئ إزمير مقصداً لقطاع غفير من السائحين. "لا توجد دولة محصّنة" وشهدت المناطق الساحلية التركية حرائق خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبح الصيف أشد حرارة وأكثر جفافاً، وهو ما ينسبه العلماء إلى تغيّر المناخ. وحذرت السلطات في تركيا، من رياح قوية تضرب أجزاء كبيرة من بحر مرمرة وبحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط اعتباراً من يوم غد الأربعاء. وتتلظى أوروبا بأولى موجات الحرّ الصيفية الشديدة لهذا العام، ما دفع عدداً من دول القارة العجوز إلى اتخاذ تدابير وقائية، ومن ذلك إغلاق فرنسا مئات المدارس وكذلك الجزء العلوي من برج إيفل. وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن "الحرّ الشديد لم يعُد شيئاً عارضاً، وإنما أصبح هو المعتاد"، مشدداً على أن "كوكب الأرض أصبح أكثر سخونة وأشد خطورة- ولا توجد دولة محصّنة". وعلى حسابها عبر منصة إكس، رصدت خدمة كوبرنيكوس ارتفاعاً في تركيزات الأوزون في الغلاف الجوي بأجزاء من أوروبا، خلال الأيام القليلة الأولى من يوليو/ تموز. ويُعزى هذا إلى ارتفاع درجات الحرارة في الأسابيع الأخيرة. وتؤكد خدمة كوبرنيكوس، المعنيّة بتغير المناخ والتابعة للاتحاد الأوروبي، أن أوروبا هي أسرع قارات العالم ارتفاعاً في درجات الحرارة؛ إذ ترتفع درجة حرارتها بمثلَيْ المتوسط العالمي. وسجلت كل من البرتغال وإسبانيا أعلى درجة حرارة رُصدت على الإطلاق في تلك الدولتين خلال شهر يونيو/حزيران يوم الأحد الماضي عند 46.6 و46 درجة مئوية على التوالي. ولقي شخصان مصرعهما متأثرَين بالحرّ الشديد في إيطاليا. وأشارت دراسة، نشرتها دورية "ذا لانسِت" الطبية عام 2021، إلى أن الحرّ الشديد تسبب في وفاة نحو 489 ألف شخص سنوياً حول العالم، خلال الفترة ما بين عام 2000 وعام 2019، ولفتت الدراسة إلى أن حوالي رُبع هذا العدد كان في منطقة جنوب آسيا وحدها.


الوسط
منذ يوم واحد
- الوسط
الصين والولايات المتحدة: هل تحوّل التلميذ إلى أستاذ؟
Getty Images في عرض لافت من الصحف الغربية، تساءلت النيويورك تايمز إن كانت الولايات المتحدة قد بدأت تتعلم من الصين، بعد أن باتت الأخيرة منافساً اقتصادياً وتقنياً يحافظ على هويته السياسية. وفي الواشنطن بوست، انتقادات لسياسات التطوير العقاري الأمريكية التي حولت المدن إلى "صحارى مكتظة"، بينما حذّرت التايمز من أزمة نفسية محتملة تهدد المجتمعات بسبب فقدان الوظائف في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث بات العمل جزءاً جوهرياً من معنى الذات لدى الأفراد. ونتوقف بداية عند ما طرحه الكاتب سامي هاركام، في صحيفة النيويورك تايمز، من شواهد تاريخية تبيّن تقليد الصين للنموذج الغربي خلال فترة نهضتها الاقتصادية والعلمية، مع الحفاظ على هويتها ونظامها السياسي، لكنه يعقد مقارنة يلمح من خلالها إلى أن الولايات المتحدة في عهد ترامب وتيار "ماغا"، المؤيد لترامب والداعي إلى سياسات تُعلي من القيم الوطنية، أصبحت بطريقة ما تقلد النموذج الصيني! يقول هاركام إن الصين أمضت عقوداً في محاكاة عناصر أساسية من النموذج الأمريكي في ريادة الأعمال والاستهلاك والتكامل مع الأسواق العالمية، وإن ذلك أسهم في جعل الصين قوة صناعية، ورائدة في العلوم والتكنولوجيا، وجعل الطبقة المتوسطة في الصين تتوسع أكثر. كل ذلك في الوقت الذي "تمسّكت الصين فيه بهويتها كأمّة"، إذ تبنّت جوانب من النهج الأمريكي مع التمسّك بنظامها القائم على هيمنة الحزب الشيوعي وتدخّل الدولة في كل شيء، وأفضى ذلك إلى تحقيقها "نجاحاً باهراً"، برأي الكاتب. ويوضح الكاتب أن علاقة المحاكاة هذه بين الصين والولايات المتحدة تسير باتجاهين، فالولايات المتحدة في عهد ترامب تحاول محاكاة بعض الجوانب من التجربة الصينية، ويطرح في هذا السياق بعض الأمثلة. يرى هاركام أن تيار كما أن الصين "تستخدم اقتصادها كسلاح لمعاقبة شركائها التجاريين"، وهو الأمر ذاته الذي تفعله إدارة ترامب، برأي الكاتب، عبر الضغط على حلفاء الولايات المتحدة عن طريق "الرسوم الجمركية التعسفية أو إجراءات انتقامية أخرى". لا يُخفي الكاتب إعجابه بما حققته الصين خلال العقود الأخيرة، وذلك عبر سياسات صناعية واسعة الأفق، والتبني السريع للتكنولوجيات الجديد، والتحول نحو الطاقة المتجددة، والمدن عالية التقنية، وشبكة الطرق المتطورة، والإنفاق الحكومي على التعليم والتكنولوجيا. ويشدد الكاتب على أن نجاح الصين لم يكن مرتبطاً فقط بغياب الديمقراطية التي يراها البعض "عائقاً أمام تنفيذ الخطط"، بل ارتبط كذلك ببُعد نظر استراتيجي، واستثمار في المستقبل، وشعور وطني قائم على الوحدة لا الانقسام. وهو نموذج ينبغي على الولايات المتحدة تبني بعض جوانبه، مثل التحول للطاقة المتجددة، ودعم التعليم والبحث العلمي، والاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز الشعور الجماعي بالوطنية. إلا أن إدارة ترامب، برأي الكاتب، تعمل على "تقويض أو تخفيض التمويل المخصص لأمور حيوية"، مثل السلامة العامة والبنية التحتية والتعليم والطاقة النظيفة، إضافة إلى "تأجيج الانقسامات السياسية". يختم الكاتب بالقول إن الولايات المتحدة من الممكن أن تتعلم من الصين، لكن عليها أن تجد طريقة لإنجاح ذلك مع الحفاظ على مبادئها الدستورية. أين اختفت الأشجار؟ EPA-EFE/REX/Shutterstock على وقع موجات الحر التي ضربت أوروبا وبعض أجزاء الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة، تستذكر الكاتبة كاثلين باركر، التي تعيش في ولاية ساوث كارولاينا، حين ذهبت في رحلة إلى كاليفورنيا رفقة ابنها قبل أربع سنوات، وقطعت خلالها صحراء موهافي بالسيارة، وتذكرت كيف شعرت بالخشية على حياتها وحياة ابنها بسبب الحر الشديد الذي شعرت به وخلو المكان من أي مظاهر حياة. وتشير، في مقالها الذي نُشر على الواشنطن بوست، إلى أن الحر الذي شعرت فيه في ساوث كارولاينا في الأيام الأخيرة يُقارن بالحر الذي شهدته في صحراء موهافي بولاية كاليفورنيا الأشد حرّاً في العادة. تقول باركر إن غياب الإجراءات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، سيعني زيادة موجات الحر من حيث العدد والحدة، وزيادة تواتر الأعاصير وشدتها، وارتفاعاً عاماً في درجات الحرارة، وهذا برأيها، ما يقوله الجميع وما يثبته العلم. تنتقد الكاتبة مشاريع التطوير العقاري رخيصة الثمن وسريعة التنفيذ التي انتشرت في العديد من الولايات دون الأخذ بعين الاعتبار العامل البيئي، وهي مشاريع مدفوعة بنقص المساكن، وتؤدي إلى تحويل المدن والبلدات إلى "صحاري صغيرة مكتظة بالسكان دون وجود الأشجار". تشير باركر في هذا السياق إلى مسألة قطع الغابات لإفساح المجال لمشاريع الإسكان، وتصف الأمر بـ "غير المنطقي"، إذ تحسّن الأشجار جودة الهواء، وتخفف من آثار التغير المناخي. كما أن المنازل لم تعد محاطة بالأشجار رغم تفضيل الناس لذلك، وهو ما تلقي اللوم فيه على المطورين العقاريين الذين يقولون إن التوفير في تكاليف البناء سينعكس إيجاباً على المشترين. وتردّ على ذلك بتساؤل: كيف يمكن لأي شخص أن ينشأ بشكل سليم وصحي دون وجود شجرة يتسلقها حول بيته؟ تختم باركر بالقول إن علينا التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة، لكن هذا التكيّف لا يعني الاعتياد عليها فقط، بل كذلك بـ "تغيير أسلوب بناء المنازل والحفاظ على الموارد الطبيعية". مجتمع "منهار عصبياً" PA نشأت أجيال كاملة خلال العقود الأخيرة على فكرة تبجيل العمل والإنتاجية، وأصبحت ساعات العمل أطول مما كانت عليه في منتصف القرن العشرين، وتحوّلت أماكن العمل إلى بيئة تمثّل البيت بالنسبة للكثيرين، كما أن القيم الثقافية والحضارية منحت مكانة عالية للعمل الجاد بحيث أصبح مقياساً على نجاح الفرد والمجتمع، فماذا لو حلّ الذكاء الصناعي مكان البشر في العديد من الأعمال المكتبية؟ ماذا لو وجدنا أنفسنا فجأة نعمل لساعات أقل بكثير بسبب ذلك؟ أي فراغ روحي سيخلقه الأمر لدى أجيال اعتادت على تقديم العمل على أي شيء آخر؟ هذا ما يناقشه الكاتب جيمس ماريوت، في مقاله بصحيفة التايمز، الذي يقتبس من تقرير للصحيفة نفسها يقول إن الوظائف المتاحة للخريجين في سوق العمل في بريطانيا انخفضت بمقدار الثلث منذ إطلاق تطبيق "شات جي بي تي"، وإذا صحّ أن الذكاء الاصطناعي مسؤول عن هذا التراجع في الوظائف، فقد نكون على أعتاب "عصر بلا عمل"، وبالنظر إلى أنه ليس من المبالغة القول إن "العمل هو الإيمان الحقيقي للغرب"، على حدّ تعبير الكاتب، فإن فقدان العمل سيطلق تحديات روحية أمام المجتمع. يقتبس الكاتب من مقولة لعالم الاقتصاد الإنجليزي جون مينارد كينز في ثلاثينيات القرن الماضي، تنبأ فيها بأن ساعات العمل للأجيال المقبلة ستنخفض بفضل الأتمتة إلى 15 ساعة أسبوعياً، لكن ذلك سيعني تخلي الناس عن "العادات والغرائز" التي غرستها ثقافة كرّست قيمة العمل الجاد، وسيعني الاستسلام لفكرة عدم القيام بأي شيء على الإطلاق، وبالتالي ستعمّ حالة من "الانهيار العصبي العامّ". يقول الكاتب إن الفجوة التي قد تنشأ عن فقدان الوظيفة، بالنسبة للعاملين الذي نشأوا على فكرة أن الإنتاجية هي هدف الوجود، ستعني "فقدان حياة كاملة تقريباً". إذ إن العالم الحديث رغم ازدهاره، "أكثر عزلة وبلا أطفال". وسيجد الكثير مّمن حلّت الآلات محلهم أنهم لا يملكون الكثير من الخيارات الأخرى لتعوّضهم عن هذا النقص في "معنى حياتهم".


الوسط
منذ يوم واحد
- الوسط
وفيات وإصابات بسبب "تسمم كحولي" في الأردن، فماذا نعرف عن مادة الميثانول وخطورتها؟
Getty Images صورة أرشيفية لمركبة إسعاف في شارع رئيسي في عمّان توفي 9 أشخاص وأصيب 50 آخرون بعد تناولهم "مشروبات كحولية" تحتوي على مادة شديدة السمية في الأردن، وفق ما أفادت وزارة الصحة الأردنية الثلاثاء، فيما قالت مديرية الأمن العام الأردنية إنها ألقت القبض على مشتبه بهم "متورطين" في القضية وأغلقت مصعناً لهم. وقالت المديرية إن تحقيقاتها "أكدت تورط عدد من الأشخاص بشراء مادة الكحول الميثيلي (الميثانول) واستخدامها في تصنيع المشروبات الكحولية". وحذرت وزارة الصحة الأردنية من تناول المشروبات الكحولية، خصوصاً في هذه الفترة نظراً لاحتمالية تضمنها المادة السمية، مشيرة إلى أن "المصنع وزع (المشروبات) لمناطق عدة في الأردن"، في وقت لا يزال المسؤولون يجمعون "مواد كحولية منتجة من المصنع من الأسواق" المحلية. وقالت السلطات إنها جمعت "كميات كبيرة منها" وإنها ستحيل "القضية إلى القضاء حال استكمال التحقيقات فيها"، كما أفادت السلطات بأن المصابين حالتهم "بين المتوسطة والسيئة". كيف بدأت الحادثة؟ في 28 يونيو/حزيران الماضي، نُقل 4 أشخاص متوفين إلى مستشفى في الزرقاء (نحو 30 كيلومتراً شمال شرق العاصمة عمّان) حيث ظهرت عليهم "أعراض مشابهة"، وخلصت الفحوص والتحاليل المخبرية التي أجريت عقب تشريح جثثهم إلى وجود "نسب مرتفعة من مادة الكحول الميثيلي في العيّنات" المأخوذة من الضحايا، وفق مديرية الأمن العام الأردنية. وبعدها بيوم، أفادت المديرية بأن "مصدر مادة الكحول الميثيلي أو الميثانول" يعود إلى مصنع مرخص للمشروبات الكحولية، مشيرة إلى إغلاقه وإلقاء القبض على المسؤولين عن تشغيله. وأوضحت أن فريق التحقيق المكلّف بمتابعة التحقيق في قضية الوفيات في الزرقاء "عمل منذ لحظة تلقي البلاغات والتقاط العيّنات من مسرح الحادث وظهور نتائج الفحوص المخبرية على جمع عدد كبير من العيّنات من محال بيع المشروبات الكحولية في مدينة الزرقاء، حيث عثر على مادة الكحول الميثيلي في عدد من المنتجات الكحولية التي تم الاستدلال على أنها تنتج في ذلك المصنع وبأسماء تجارية مختلفة". وأشارت إلى أن سحبها عينات من المصنع المنتج لتلك المشروبات لـ"تظهر آثار لتلك المادّة داخل أحد خزانات خطوط الإنتاج والتعبئة بعد إجراء الفحوص المخبرية". والاثنين، "أكدت التحقيقات في قضية مصنع المواد الكحولية تورط عدد من الأشخاص بشراء مادة الكحول الميثيلي واستخدامها في تصنيع المشروبات الكحولية" حسبما ذكرت مديرية الأمن العام. وشرحت أن التحقيقات "أثبتت تورط المصنع في القضية وضبط القائمين والعاملين به، بينهم موظف مختص بتركيب الخلطات والذي طلب تلك المادة من أحد الأشخاص وزوّده بها واستُخدمت في تصنيع المشروبات الكحولية". ولفتت إلى أن "الشخص الذي قام بتزويد المصنع بكميات من تلك المادة أكّد قيامه بشرائها من أحد المستودعات والذي جرت مداهمته والتحفظ على كل المواد بداخله". المؤسسة العامة للغذاء والدواء في الأردن، التي تشارك في جمع مواد كحولية منتجة من المصنع من الأسواق، قالت إن منشآت بيع المشروبات الكحولية "تخضع لرقابة المؤسسة من الجانب الرقابي والفني، في حين تتولى جهات رقابية أخرى مسؤولية الجانب التشريعي والترخيص القانوني لهذه المنشآت". وقال مدير عام المؤسسة، نزار مهيدات، في بيان، إن "المهام الرقابية للمؤسسة تعنى بالتأكد من سلامة ومأمونية هذه المشروبات، مع التأكيد على تأثيرها السلبي على أجهزة الجسم والمشاكل الصحية الناتجة عنها مثل أمراض الكبد والقلب والسرطان". ودعا مهيدات، مستهلكي المشروبات الكحولية، إلى "انتقاء المنتجات ذات المأمونية وشرائها من المحال المرخصة، للحد من المخاطر الصحية الناتجة عن المنتجات المغشوشة أو مجهولة المصدر". وتحدّث مهيدات عن "إيقاف 3 مصانع مصنعة لمادة الميثانول" وفق ما نقلت عنه قناة المملكة الرسمية. ما هي مادة الميثانول؟ الميثانول هو مادة صناعية غير مخصصة للاستهلاك البشري إطلاقاً، وفق مدير إدارة الشؤون الفنية في وزارة الصحة الأردنية عماد أبو يقين الذي قال لبي بي سي، إنها تستخدم في إذابة الطلاءات وبعض المواد العطرية. ويُستخدم الميثانول كمذيب فعال للدهانات والأصباغ، وكمادة مانعة للتجمد في سوائل تبريد السيارات، وفي إنتاج المواد البلاستيكية والوقود. ويعد الميثانول مادة "ذات سمية عالية جداً سواء باستنشاقها أو ملامستها للجلد" إلى جانب سميتها المرتفعة "أكثر بكثير" عند تناولها. والميثانول هو سائل شفاف ذو رائحة تشبه إلى حد كبير رائحة (الإيثانول) المستخدم في التعقيم. لكن الميثانول يختلف كثيراً عن الإيثانول المستخدم في المشروبات الكحولية والمعقمات، وفق أبو يقين. وقال أبو يقين إن كحول الإيثانول "ينتج عن طريق تخمير بعض المركَّبات السكَّرية مثل العنب والنشويات، ويستخدم في المشروبات الكحولية والمعقمات، وهو أقل سمية بكثير من الميثانول" رغم أنه يسبب ضرراً. Getty Images هل العلاج ممكن؟ ويقول أبو يقين في حديثه لبي بي سي، إن "جرعات بسيطة" من الميثانول "قد تفضي إلى الموت"، مشيراً إلى أنها "مادة سمية جداً وسريعة جداً". ولفت النظر إلى أن العلاج منها يعتمد على الكمية التي استهلكها الشخص، إضافة إلى سرعة تلقي العلاج لأن تأخره يعني أن "فرصة نجاة المريض أصعب، وكلما كانت الكمية المستهلكة أكبر كانت فرصة نجاته أصعب". وقال إن "الوقت المثالي" للنجاة هو القدوم إلى المستشفى في أول ساعتين لكن بعدها "تبدأ فرصة النجاة بالتدني" إلا أن الأمر يعتمد على الجرعة المستهلكة، على حد تعبير أبو يقين. وإذا كان هناك فرصة لإنقاذ المريض فيجرى له "غسيل للكلى لإزاحة السموم من مجرى الدم وتصفية البلازما لتقليل تركيز هذه المواد السامة إلى جانب مواد أخرى تستخدم كمدعمات"، على ما ذكر أبو يقين الذي قال إن غسيل الكلى "حجر الأساس" في العلاج. وتحدّث عن قواعد عامة للتعامل مع مرضى السموم، إذ "يتم مسح المريض سريرياً، وتصويب الخلل في الأجهزة الحياتية مثل جهاز التنفس وجهاز الدم الدوراني وبعد ذلك إجراءات داعمة للحياة". ويتسبب الميثانول في أعراض منها "ألم في المعدة وغثيان يترافق معه استفراغ وصداع شديد وضبابية في الرؤية وتدنٍ في مستوى الوعي وضعف في الجسم"، وفق أبو يقين، ثم "تظهر أعراض مثل تسارع في التنفس نتيجة لحموضة الدم المرتفعة". وقد تؤدي المادة إلى فقدان البصر. والسموم التي تترسب في الجسم إلى جانب حموضة الدم المرتفعة "تعطل الخلايا الوظيفية وتسبب خللاً في الأجهزة الحياتية مثل القلب والرئة والكبد والأعصاب وجهاز الدم الدوراني"، على ما شرح أبو يقين. ما العقوبات المنتظرة؟ أقر المحامي سميح العجارمة بـ "صعوبة تحديد العقوبات" التي قد تطال المتسببين بحالات الوفاة، إلا "بعد معرفة تكييف النيابة العامة لوقائع القضية". لكنه قال لبي بي سي، إن عقوبة "المسؤولين المباشرين عن استخدام تلك المواد في تصنيع المشروبات الكحولية سواء كانوا من إدارة المصنع أو من العاملين والمشرفين على عملية التصنيع قد تصل إلى عشرين عاماً في حال ثبت تعمدهم استخدام مادة الميثانول شديدة السمية في خط إنتاج المشروبات"، إضافة إلى "علمهم اليقيني المسبق" أن تلك المواد "منتهية الصلاحية ولا تصلح للاستهلاك البشري أو أنها مواد سمية لا تدخل أبداً في صناعة المشروبات الكحولية". غير أن العقوبة قد تنخفض إلى ما بين 3-5 سنوات "إذا ثبت أنهم لم يتعمدوا فعل ذلك، وأن ما حدث إهمال أدى إلى الوفاة، استناداً إلى قانون العقوبات الأردني"، وفق العجارمة. حالات مشابهة Getty Images في تركيا، تسبب الكحول المغشوش بعشرات الوفيات بسبب حالات تسمم بالميثانول في بداية العام الحالي. وفي إيران، أعدم 4 أشخاص العام الماضي، أدينوا بتهمة بيع مشروبات كحولية مغشوشة تسببت في وفاة 17 شخصاً في 2023. وغالباً ما ترد أنباء في وسائل الإعلام المحلية عن حالات تسمّم قاتل بالمشروبات الكحولية. وأفادت السلطات الإيرانية في الفترة الأخيرة عن وفاة 40 شخصاً وإصابة المئات جراء استهلاك مشروبات كهذه في شمال البلاد. وحظرت إيران إنتاج المشروبات الكحولية واستهلاكها عقب الثورة الإسلامية عام 1979. ومنذ ذلك الحين، انتشرت المشروبات المهرّبة والمقلّدة في السوق السوداء، حيث يُضاف الميثانول في أحيان كثيرة إليها كبديل أرخص من الإيثانول. كما توفي 8 أشخاص في المغرب في عام 2024 بعد تناولهم مشروبات كحولية محلية الصنع. كذلك، توفي في العام نفسه 4 أشخاص في تونس للسبب نفسه. وفي الهند، يلقى المئات حتفهم كل عام بسبب المشروب الكحولي المغشوش.