
بعد انتهاء معرض الكتاب بالرباط.. جدل ثقافي وزخم فكري
في اللحظة التي خرجت فيها وزارة الثقافة والشباب والتواصل للتباهي بعدد زوار معرض الرباط في دورته الـ30 التي عرفت حوالي 403 آلاف زائر، تباينت آراء الكتاب والأدباء في المغرب حول معرض الكتاب هذه السنة.
إذ عبر مجموعة من المثقفين عن رأيهم فيما عاينوه هذه السنة من تحولات وتغيرات. فهناك من رأى أن معرض الكتاب بات يشكل منصة ثقافية للتعريف بالكتاب العربي؛ وأهمية ذلك في تحقيق نوع من المثاقفة التلقائية التي تتم بين مؤسسات النشر والباحثين والأدباء والفنانين، حيث يتاح لهم إمكانية تبادل معارفهم وتجاربهم في مجال الكتابة وصناعة الكتاب.
بينما رأى الفريق الثاني أن المعرض منذ أن تم نقله إلى الرباط بات يعرف تراجعا كبيرا، لا فقط من ناحية الزوار والبيئة التي كان يخلقها حين كان بمدينة الدار البيضاء، وإنما أيضا من ناحية البرنامج الثقافي.
فقد انتقد مجموعة من الكتاب المغاربة الطريقة التي بات يتم بها تسيير المعرض الدولي للكتاب بالرباط، حيث غلبت عليه هذه السنة التوجهات الفرانكفونية التي تقصي مجموعة من الكتاب الذين يكتبون بالعربية طيلة السنة ولهم مشاركات مشرّفة داخل المغرب وخارجه.
تلعب معارض الكتب دورا بارزا في تشكيل معالم المدن وتوطيد الحوار بين الثقافات والشعوب، ذلك أن قيمتها في السنوات الأخيرة باتت كبيرة، بحكم ما أصبح يطبع مفهوم الثقافة من تحولات إبستمولوجية تدفع بالجهات الوصية على الثقافة إلى تغيير نظرتها إلى الثقافة وفهم التغيرات التي باتت تمر منها.
فالثقافة، لم تعد مجرد رأسمال رمزي جامد، بقدر ما غدت قاطرة نحو التنمية وأداة لتحقيق نهضة اقتصادية داخل عدد من العواصم الثقافية العربية. إن الثقافة بتعريفها المركب عند إدوارد تايلر عبارة عن مشروع حداثي يخرج المجتمع من براثن التقليد ويزج به في قلب حداثة باتت تفرض نفسها علينا منذ نهاية ستينيات القرن الـ20.
تميز معرض الكتاب هذه السنة بحضور عدد كبير من المؤلفات الفكرية في مجالات الأدب والتاريخ والفلسفة، مما يفسر التحول الذي بات يطبع الثقافة العربية في الآونة الأخيرة، حيث فطن عدد من الناشرين إلى قيمة بحوث العلوم الإنسانية ونظيرتها الاجتماعية في الواقع الذي ننتمي إليه اليوم. كما أن حضور فئة من الشباب داخل المعرض يعطيه هذا الزخم الثقافي المتنوع والذي يجعله يجدد ميكانيزمات اشتغاله وينظر إلى الأشياء بنظرة تغلب عليها الحداثة الفكرية بدل السلفية الثقافية.
الرهان على الكتاب
عن الدورة الـ30 من معرض الكتاب بالرباط يقول الكاتب عيسى مخلوف لـ "الجزيرة نت" بعد زيارته للمعرض من أجل تقديمه للشاعر عبد اللطيف اللعبي بأن المعرض "علامة فارقة في المشهد الثقافي بالمغرب من خلال برنامجه الثقافي والأدبي والفني وما يتناول الثقافة والنشر ومن خلال تركيزه في هذه الدورة على أدباء المهجر الفرانكفونيين منهم بالأخص.
لذلك يرى صاحب "عين السراب" أن المعرض يأتي هذا العام في ظروف دقيقة بالغة التعقيد على مستوى العالم أجمع ولذلك فإن الإصرار على أهمية الكتاب هو إصرار على تعزيز القواسم الثقافية المشتركة بين الشعوب، وهنا يكمن الدور الذي تقوم به معارض الكتب التي تنفتح على اللغات والثقافات كلها عبر الترجمة والندوات والحوار المتكافئ.
أما اللغة التي تسود في معارض الكتب فهي لغة تقوم على الجمع والائتلاف لا على التفرقة والاختلاف، إنها لغة أخرى تنتصر للمعرفة وتتطلع إلى ما يجمع الشعوب ويوحدها في مسعى يهجس بمصير إنساني مشترك يحمي الجنس البشري ولا يجعله عرضة لتهديد مستمر ومتواصل.
إن المعرض الدولي للنشر والكتاب يؤكد مرة أخرى على أهمية الكتاب والمعرفة في بناء مجتمعات تراهن على العلم سبيلا للتقدم ولإعطاء معنى للعالم الذي نعيش فيه.
الترجمة أفقا للتفكير
من جهتها، أكدت الشاعرة والناقدة حوريت الخمليشي في حديثها لـ "الجزيرة نت" أن معرض الكتاب بالرباط "تظاهرة ثقافية كبرى، فهو من أكبر الفعاليات التي تحتفي بالثقافة على نطاق واسع، إذ كان هذه السنة إقبالٌ كبير وحضور عدد كبير من دور النشر بمدينة الرباط عاصمة الثقافة والأنوار".
وقالت إن "الشارقة شاركت هذه السنة كضيفة شرف ببرنامج ثقافي حافل من خلال الندوات الثقافية على مستوى الآداب والفنون، هذا بالإضافة إلى طرح أسئلة الكتابة على نطاق واسع. والمعرض جيد من حيث التقديم وهو مناسبة سنوية للتعرف على دور النشر، بحيث يتميز ببرنامج ثقافي متعدد الأنشطة والمغرب متعدد اللغات والثقافات".
واعتبرت الناقدة أنه "كان هناك اهتمام بالثقافات الأمازيغية والحسانية واهتمام بالسياسة اللغوية بالمغرب، كما أن المعرض عرف حضور مغاربة العالم والعديد من الندوات حول الترجمة لما لها (من) دور في الانفتاح على ثقافات أخرى وتجديد سبل الحوار حول الثقافة العربية. فقد قدمت العديد من دور النشر لمجموعة من مؤلفاتها الصادرة حديثا. والملاحظ أن هناك عناية بالكتّاب الشباب والمبدعين من خلال النشر وما قامت به الجهات الثقافية من تنظيمها للعديد من المسابقات كمسابقة الشعراء الشباب ثم الكتابة الإبداعية والجائزة الوطنية للقراءة وغيرها".
أسماء ثقافية مكررة
أما الروائي والقاص حميد ركاطة، فإن لديه وجهة نظر مختلفة حول معرض الكتاب بالرباط، حيث يقول "لعل المثير للانتباه في معرض الرباط، هو استماتته في الحفاظ على نفس الوجوه من حيث البرمجة، ثلة من المقربين والأولياء والصالحين، من الذين ينتسبون للقبيلة والعشيرة، يشكلون زمرة من الكتاب ورثوا مواقعهم داخل برامج أغلب الدورات. بل منهم من تكرموا عليه بالمشاركة في أكثر من نشاط داخل أروقة معرض حاول منظموه خلال هذه السنة أن يلتفتوا فيه للضفة الأخرى، ليذكرونا بأننا لا نزال نرزح تحت وطأة ثقافة كولونيالية، ومستلبين بأدب فرانكوفوني، حسب ما برز من خلال العناوين والأسماء المبرمجة من خارج الوطن ومن داخله كذلك، تثمينا للأدب المكتوب باللغة الفرنسية، مع ما رافق ذلك من ترويج إعلامي منقطع النظير".
إعلان
ولاحظ ركاطة "غياب العديد من الإصدارات الرصينة والجديدة – بطبيعة الحال ليست أسماء مكرسة ليتم استدعاء أصحابها للمعرض، وتم الاقصاء ببرودة أعصاب، وكأن انتقال المعرض من الدار البيضاء نحو مدينة الأنوار الرباط، سيدفع المنظمين للنسيان السريع، لنتساءل ما دور المديريات الجهوية للثقافة، وكيف تم انتقاء الأسماء المبدعة بالجهة، دون سابق إعلان؟ وما هي شروط ومعايير هذا الانتقاء كذلك؟".
من ثم يرى أن "غياب العديد من الكتّاب المغاربة عن أجندة المعرض الدولي لا مبرر له، وقد شاهدنا صرخات الاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي، إقصاء لا مبرر له، وكأن الكتاب المغاربة طبقات وفئات. ومع ذلك نهمس في أذن صانعي القرار كفى استهتارا بمشاعر المبدعين المغاربة. ثم ما الجدوى من زيارة كتاب الهوامش لمعرض أسعار الكتب فيه ملتهبة، بالمقارنة مع القدرة الشرائية الضعيفة لمدمني القراءة؟".
يضيف ركاطة "لم تلفت انتباهي الإصدارات، بقدر ما لفت انتباهي تزامن توقيت هذا المعرض مع معرض دولي آخر للفلاحة بمكناس، وبعض الأنشطة الثقافية التي تشكل محطات ثقافية بارزة في المغرب بالنسبة لبعض الجمعيات الجادة وطنيا. كما أن برمجة توقيت المعرض كان في منتصف الشهر (من 18 إلى 27) مع ما لذلك من دلالة على القدرة الشرائية للموظف البسيط، وللطلبة، وعموم المواطنين ممن يحسبون على الكائنات الشهرية".
ويعتبر حميد ركاطة "أن المشرفين على البرمجة تفننوا في إيهامنا باهتمامهم بالتعدد الثقافي واللغوي بالمغرب، لكنه ظل تعددا محدود الفعالية، وغير مقنع ما دام التكريم اقتصر على أسماء دون غيرها، وأن البرمجة نخبوية بامتياز، تكرس نفس الوجوه التي تذمر منها المغاربة لسنين عديدة، إلى جانب تكرار برمجة بعضها بشكل سافر، في أكثر من نشاط. وهو أمر يصيب المتتبع بالدهشة من كونه معرضا للمنتخب الوطني لكتاب المغرب، أو يندرج ضمن بطولة مصغرة غير مسموح فيها لباقي الكتاب بالمشاركة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 13 ساعات
- الجزيرة
قراءة في قصة "النذر".. حين يصبح اللاوطن قسما ومآلا
مفهوم "اللاوطن" كقيمة سالبة أو ربما كحقيقة مرة، يتجلى كالنذر المشؤوم، تتردد أصداؤه حيثما قلبتَ نصوص الأدب أو استنطقتَ معاجم الفكر. يستأثر هذا المفهوم باهتمام الفيلسوف والأديب، ولا يغيب عن قاموس السياسي أو حتى قاموس المهمشين. فالجماعة الإنسانية، بكل تناقضاتها الطبقية وتعددها الرمزي، تجد في فكرة "الوطن" مستقرا للمعنى والمبنى على حد سواء. ويبدو أن المثقف العربي المعاصر، أكثر من غيره، قد انشغل بـ"الوطن"، تمجيدا حينا وهجاء في أغلب الأحيان. ولعل هذا الهجاء، وهذه المعاتبة المريرة للأوطان، قد استقرت في أدبنا الحديث كبديل ملح عن نصوص الحنين التقليدية. هذا التحول مرده، ربما، إلى التصاق "طبائع الاستبداد" بأوطاننا، وإلى فراغ هذه الأوطان من إرادة حقيقية للعناية بمواطنيها. وكأن رمزية الوطن قد تجردت من أثقالها القدسية، لتتشكل وفق شروط القائمين على مقدراته، فيغدو الوطن بذلك الوجه الصريح والمؤلم للدولة الوطنية العربية المعاصرة، وتصبح سيرته بين "عباد الله" هي ذاتها سيرة السلطة. فلم يعد حاكم الوطن بالضرورة عادلا، بل كثيرا ما بطش وتجبر، فسقطت عن صورته علامات القداسة، وأقيمت حولها، بدل ذلك، "مراسم التدنيس". قريبا من هذه المراسم الرمزية، تأخذنا قصة "النذر"، وهي إحدى أبرز قصص المجموعة التي تحمل العنوان ذاته، للأديب والباحث والإعلامي التونسي حسن مرزوقي، والحائزة على جائزة علي الدوعاجي للقصة القصيرة في المعرض الدولي للكتاب بتونس عام 2023. لقد برع الكاتب في تدبير طرائق السرد، فاختار أن يحرم بطله من الاسم، ليس فقط ليحمله عبء وظيفة الراوي، بل لتأتلف في شخصيته بلاغة التخييل وقسوة الواقعي. وبهذا الائتلاف، يصبح البطل حكاية، أو ربما خرافة، أو حتى أسطورة عابرة للأزمنة، تلتقي في ترحالها بمن يشابهها أو يقاربها في المحنة. هكذا، تستحيل قصته في وجدان الإنسانية حكمة أو مهزلة، ولعلها ملحمة تختزل ضروب العذاب. أما "النذر" الذي قطعه بطلنا على نفسه، فقد أطلقه يوم احتفائه بخلاصه المأمول؛ الرحيل عن بلده. فدبر له "الرفاق" كنية تليق بمقامه الجديد: "أبو النذور"، وهو الاسم الذي سيصاحبنا في هذه القراءة المتعجلة. قادت البدواة "أبا النذور" إلى أشد المهالك، حيث اجتمعت عليه قوة الأقدار بحكمتها القاهرة، وقوة الدولة بأجهزتها القامعة. عرف السجن وقضى فيه "أربعين يوما" على ذمة قضية سياسية. وما إن خرج من محنة السجن حتى تكفل القدر بمحنة أخرى أشد إيلاما: وفاة حبيبته "رحمة" في حادث سير، ليقرر الرحيل عن بلد يقع، في وجدانه، بين السجن والقبر. منذ المستهل، يصدر حسن مرزوقي قصته بمدخل هو عتبتها الأولى ومفتاحها، يضعنا مباشرة أمام "النذر" ذاته، وكأنه لب الحكاية كلها. لكن هذا التصدير يهيئ بطلنا لرواية مقاماته الوجودية المعذبة في وطنه: "تذكر نذره.. فانقبضَ كعمود، واسترخى". هذه الثنائية، الانقباض والاسترخاء، تبدو كأثر مباشر لسطوة النذر عليه، لكنها في العمق تعكس سطوة الذاكرة، وشتى أنواع الخراب التي تفشت في روحه. في الطائرة، تتجول عيناه في ملامح وطنه من الأعالي، فيكتشف أن الوطن "المدرسي" الذي صورته له دروس الجغرافيا، ليس هو ذاته الذي يرى الآن شذرات منه من هذا "العلو"، ومن مسافة تمنح رؤية مختلفة ومجردة. فلا أثر للألوان الزاهية، ولا علامة على الثروات الموعودة: "ها هو اليوم يكتشف كذب الخريطة، وعري التراب.. لا نفط ولا بقر ولا بشر". إعلان إذن، من نافذة الطائرة تنطلق "مراسم التدنيس"، أو قل "مراسم الحقيقة الوطنية" العارية. تلك الوطنية التي سلبته كل براءة البدوي، ليجد نفسه متهما بالتستر على مطلوب بتهمة قلب نظام الحكم. تهمة هي الهلاك بعينه، أبقته في السجن 40 يوما. سجن عربي يختزل كل تاريخ السجون منذ ولادتها، تجتمع فيه "ثقافة العذاب" بكل تجلياتها، القديمة والوسيطة والحديثة، دونما تناقض. كانت الـ40 يوما في السجن بمثابة معاقبة لسيرة البدوي فيه، هو الذي استقبل ابن قريته وأكرم وفادته، ليخرج من السجن وقد خرج من إنسانيته الأولى، كائنا بلا هوية، معطل الحواس: "تغيرت علاقتي بالشمس وبالشارع وبالشجر". لقد تعرف على قوة الوطن وسطوته، وعلى طرائقه "الجمالية" في تطبيق الحقوق وإقامة "الحق". وهل من بقاء لمن تعطلت علاقته بشمس بلده وشجره وشوارعه؟ وهو فوق ذلك معطل الروح بفقد "رحمة"، الحبيبة التي انتزعها القدر منه، كما تنتزع الحياة من الكائن. "رحمة" في القصة ليست مجرد حبيبة، بل هي تجسيد للأمل والجمال، تأخذ البدوي في ترحاله أغنية أو عويلا. لكن بطلنا لا حظ له في الأغاني، فقد نحتَ بحمى السرد ليكون "أمثولة" في الخيبة. وما من خائب أشد مرارة ممن فقد العشق والمعشوقة. هكذا يتلقف "الموت" رحمة بأمر الأقدار، لتجتمع في صاحبنا كل أسباب الرحيل والهجرة القسرية. هل النذر هو القصة كلها؟ وهل تحقيقه هو اكتمالها وبلوغها السردي في العالمين؟ هل سيرة السجن وآلامه، وموت "رحمة" وتداعيات الأحزان، كلها دروب تفضي إلى النذر؟ لعل النذر في ماهيته علامة فارقة في "مراسم التدنيس" تلك. فالنذر، حين إعلانه والتعهد به، كان بمثابة بيان ثوري، أطلق أمام جماعة من المتعبين، المغلوبين، الذين طالتهم كل آلات التشويه الوطنية. للنذر في مخيالنا الجمعي مكانة ترتبط بالمقدس، وما من إنسان إلا وله في حياته نذر ما. فهل يشترط في النذر بالضرورة أن يحمل قصدا مقدسا؟ للكاتب وللقصة رؤية مغايرة، فنذر بطلنا من طين "المدنس"؛ لقد نذر أبو النذور أن يتبول على الوطن: "اسمعوا أيها الكلاب، سأقدم لكم جميلا، وعدوه نذرا نذرته.. قل يا أبا النذور.. أعدكم أني سأبول على هذا الوطن". يغادر صاحبنا أبو النذور حالة الانقباض، ويتجه إلى حمام الطائرة ليبر بنذره: "بال وأطلق زفرة تشبه الشر.. لقد وفى بنذره". استرخى، وكأنه بهذا الفعل قد انتقم من سجنه وسجانه، ومن الموت ومرارة فقدان "رحمة"، ومن كل الذين دفعوه إلى الرحيل، وانتقم لرفاقه وأخلائه. غير أن وسواسا قهريا يقيم في الحكاية، يمنع عنها فرحة الانتصار الكامل. يأخذه الوسواس إلى السؤال عن الأرض التي تحلق فوقها الطائرة، ليأتيه الجواب القاطع من المضيفة: "لقد تجاوزنا الحدود الإقليمية منذ ربع ساعة. نحن الآن خارج الحدود". نذر إذن تعثر في تحقيقه، وألقى بأحماله خارج حدود الوطن المنشود بالتدنيس. إن قصة "النذر"، بترحلها السردي ودورانها المحوري حول "علامة النذر"، هي تدبير سردي محكم، ورؤية عميقة في ماهية النص القصصي وقدرته على إخفاء "قواعد لعبه"، وكأنه يحمل في طياته "الضياع" كقيمة وكمآل. ضياع القراءة في تعدد تأويلاتها، وتأرجحها بين مقاصد القصة المتعددة. "ولنا في القصة ومن همومها الكبيرة الخروج عن الحدود"، هذا الخروج الذي قد يصبح حياة أخرى، وإبداعا لكائن جديد، ولوجود مختلف. ألا تحمل "الحدود" في دلالاتها رمزية الثبات، والمحافظة، والطاعة العمياء؟ ومن الحدود تتفرع رمزيات شتى: حدود الأوطان، وحدود الفقهاء، وحدود الأخلاق، وحدود المعنى. وكل خروج عنها، ليس بالضرورة إثما أو جريمة. لعل الخروج عن الحدود هو ذاته مغادرة الأجوبة السائدة، وميلاد السؤال والأسئلة. وهكذا يكون الأدب، في جوهره، فعلا "خلاقا".


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
شاهد.. حكيمي يتوج موسمه الاستثنائي باللقب الأوروبي الثاني في مسيرته
ترجم المدافع الدولي المغربي أشرف حكيمي موسمه الاستثنائي مع فريقه باريس سان جيرمان بمساهمته الفعالة بإحراز اللقب الأول في تاريخه على حساب فريقه السابق إنتر ميلان الايطالي (5-0) السبت في المباراة النهائية في ميونيخ، فعانق الكأس ذات الأذنين الطويلتين للمرة الثانية في مشواره الاحترافي. تربص حكيمي الذي توج باللقب مع فريقه السابق ريال مدريد الإسباني موسم 2017-2018، مثل الثعلب داخل المنطقة وافتتح التسجيل لصالح سان جيرمان مستغلا تمريرة من لمسة واحدة بين الجورجي كفاراتسخيليا، والإسباني فابيان رويس، والبرتغالي فيتينيا وديزيريه دويه، ما ترك دفاع إنتر بالكامل وحارس المرمى السويسري يان سومر في حيرة من أمرهما. في ملعب أليانتس أرينا المشتعل في ميونيخ، رفض حكيمي الاحتفال بهدفه احتراما لـ18 ألف مشجع لإنتر كانوا متواجدين على بعد أمتار قليلة، وهو الذي لعب للنيراتسوري لموسم واحد، من صيف 2020 إلى صيف 2021، قبل أن ينضم إلى باريس سان جرمان. وهذا هو الهدف التاسع الذي ساهم به هذا الموسم في مسابقة دوري أبطال أوروبا، متفوقا على مهاجمي ريال مدريد صديقه السابق في سان جرمان كيليان مبابي والنرويجي العملاق إيرلينغ هالاند مهاجم مانشستر سيتي الإنجليزي (8 لكل منهما) واللذين توقف مشوارهما مع فريقيهما في ثمن النهائي والملحق المؤهل الى ثمن النهائي تواليا. بعد أن كان حكيمي عنصرا أساسيا في دفاع سان جرمان لمواسم عدة، اكتسب هذا العام بعدا آخر وأصبح لا غنى عنه في صفوفه. وقال مدربه السابق كريستوف غالتييه قبل المباراة النهائية لإذاعة "هنا، باريس إيل دو فرانس": "بفضل لعبه الجماعي والمؤهلات الفردية لأشرف على الجهة اليمنى، فهو اليوم، في نظري، بالتأكيد أفضل ظهير أيمن في العالم"، معترفا بأن أسلوب لعب باريس سان جرمان عندما كان على رأس إدارته الفنية (موسم 2022-2023) لم يكن يساعده كثيرا، لأنه كان يركز كثيرا على الجهة اليسرى". فاز حكيمي بجائزة مارك فيفيان فوي التي تمنح لأفضل لاعب أفريقي في الدوري الفرنسي من خلال تصويت لجنة تحكيم مكونة من 100 شخص اختارتهم إذاعة فرنسا الدولية وفرانس 24، وهو مرشح بوضوح للفوز بلقب أفضل لاعب كرة قدم في القارة السمراء هذا العام، وهو ما سيكون الأول للاعب دفاعي منذ لاعب الوسط المدافع الدولي العاجي يايا توريه (2014). أشرف حكيمي مدافع عصري وأضاف حكيمي "حظيت بتدريب من مدربين ممتازين طوال مسيرتي، سواء على مستوى الأندية أو المنتخب. (الإسباني) لويس إنريكي يُقدم لي مستوى لعب لم أتخيله من قبل. أستطيع أن أكون لاعبا متكاملا، وهذا ما ساعدني على تحقيقه"، هذا ما قاله قائد المنتخب المغربي في مؤتمر صحافي في أوائل مايو/أيار الماضي. يتميز حكيمي، الظهير العصري المحض، بمساهمته الهجومية الكبيرة، حيث يضاعف انطلاقاته نحو الهجوم ليفرض تفوقا في عدد المهاجمين في فريقه في الهجمات المنسقة أو المرتدة. في الشوط الأول للمباراة النهائية اليوم السبت، جعل الأمور صعبة على نظيره في ميلان الظهير الأيسر الدولي فيديريكو ديماركو، وبعد مرور ساعة من اللعب بقليل، بدأ هجمة مرتدة سريعة مع عثمان ديمبلي، وأهدر فرصة تسجيل الثنائية بتسديدة قوية من داخل المنطقة ارتطمت بقدم المدافع المخضرم فرانتشيسكو أتشيربي وتغير اتجاهها في اللحظة الأخيرة. وصرّح حكيمي الشهر الماضي "أنا سعيد جدا بموسمي، وهو من أفضل مواسمي. لقد نضجت كرويا وشخصيا، وأصبحت أكثر ثقة بنفسي، وأشعر بنضج أكبر. ومع الخبرة التي اكتسبتها، أشعر بتحسن. لا يزال بإمكاني التحسن، هذا هو هدفي". بعد خيبة أمله عقب الخروج من نصف نهائي مونديال قطر 2022 عندما ساهم أيضا في الإنجاز التاريخي لأسود الأطلس، (خسر أمام فرنسا)، ها هو اليوم يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا في سن الـ26 عاما. يمثل حكيمي، القائد الثاني في صفوف باريس سان جرمان مع حارس المرمى الايطالي دوناروما وبريسنل كيمبيمبي، مستقبل باريس سان جرمان، والدليل على أهميته بالنسبة لمسؤولي النادي، مدد اللاعب عقده في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني لثلاثة مواسم حتى عام 2029، بعدما كان عقده سينتهي في 30 يونيو/حزيران 2026.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
بعد انتهاء معرض الكتاب بالرباط.. جدل ثقافي وزخم فكري
في اللحظة التي خرجت فيها وزارة الثقافة والشباب والتواصل للتباهي بعدد زوار معرض الرباط في دورته الـ30 التي عرفت حوالي 403 آلاف زائر، تباينت آراء الكتاب والأدباء في المغرب حول معرض الكتاب هذه السنة. إذ عبر مجموعة من المثقفين عن رأيهم فيما عاينوه هذه السنة من تحولات وتغيرات. فهناك من رأى أن معرض الكتاب بات يشكل منصة ثقافية للتعريف بالكتاب العربي؛ وأهمية ذلك في تحقيق نوع من المثاقفة التلقائية التي تتم بين مؤسسات النشر والباحثين والأدباء والفنانين، حيث يتاح لهم إمكانية تبادل معارفهم وتجاربهم في مجال الكتابة وصناعة الكتاب. بينما رأى الفريق الثاني أن المعرض منذ أن تم نقله إلى الرباط بات يعرف تراجعا كبيرا، لا فقط من ناحية الزوار والبيئة التي كان يخلقها حين كان بمدينة الدار البيضاء، وإنما أيضا من ناحية البرنامج الثقافي. فقد انتقد مجموعة من الكتاب المغاربة الطريقة التي بات يتم بها تسيير المعرض الدولي للكتاب بالرباط، حيث غلبت عليه هذه السنة التوجهات الفرانكفونية التي تقصي مجموعة من الكتاب الذين يكتبون بالعربية طيلة السنة ولهم مشاركات مشرّفة داخل المغرب وخارجه. تلعب معارض الكتب دورا بارزا في تشكيل معالم المدن وتوطيد الحوار بين الثقافات والشعوب، ذلك أن قيمتها في السنوات الأخيرة باتت كبيرة، بحكم ما أصبح يطبع مفهوم الثقافة من تحولات إبستمولوجية تدفع بالجهات الوصية على الثقافة إلى تغيير نظرتها إلى الثقافة وفهم التغيرات التي باتت تمر منها. فالثقافة، لم تعد مجرد رأسمال رمزي جامد، بقدر ما غدت قاطرة نحو التنمية وأداة لتحقيق نهضة اقتصادية داخل عدد من العواصم الثقافية العربية. إن الثقافة بتعريفها المركب عند إدوارد تايلر عبارة عن مشروع حداثي يخرج المجتمع من براثن التقليد ويزج به في قلب حداثة باتت تفرض نفسها علينا منذ نهاية ستينيات القرن الـ20. تميز معرض الكتاب هذه السنة بحضور عدد كبير من المؤلفات الفكرية في مجالات الأدب والتاريخ والفلسفة، مما يفسر التحول الذي بات يطبع الثقافة العربية في الآونة الأخيرة، حيث فطن عدد من الناشرين إلى قيمة بحوث العلوم الإنسانية ونظيرتها الاجتماعية في الواقع الذي ننتمي إليه اليوم. كما أن حضور فئة من الشباب داخل المعرض يعطيه هذا الزخم الثقافي المتنوع والذي يجعله يجدد ميكانيزمات اشتغاله وينظر إلى الأشياء بنظرة تغلب عليها الحداثة الفكرية بدل السلفية الثقافية. الرهان على الكتاب عن الدورة الـ30 من معرض الكتاب بالرباط يقول الكاتب عيسى مخلوف لـ "الجزيرة نت" بعد زيارته للمعرض من أجل تقديمه للشاعر عبد اللطيف اللعبي بأن المعرض "علامة فارقة في المشهد الثقافي بالمغرب من خلال برنامجه الثقافي والأدبي والفني وما يتناول الثقافة والنشر ومن خلال تركيزه في هذه الدورة على أدباء المهجر الفرانكفونيين منهم بالأخص. لذلك يرى صاحب "عين السراب" أن المعرض يأتي هذا العام في ظروف دقيقة بالغة التعقيد على مستوى العالم أجمع ولذلك فإن الإصرار على أهمية الكتاب هو إصرار على تعزيز القواسم الثقافية المشتركة بين الشعوب، وهنا يكمن الدور الذي تقوم به معارض الكتب التي تنفتح على اللغات والثقافات كلها عبر الترجمة والندوات والحوار المتكافئ. أما اللغة التي تسود في معارض الكتب فهي لغة تقوم على الجمع والائتلاف لا على التفرقة والاختلاف، إنها لغة أخرى تنتصر للمعرفة وتتطلع إلى ما يجمع الشعوب ويوحدها في مسعى يهجس بمصير إنساني مشترك يحمي الجنس البشري ولا يجعله عرضة لتهديد مستمر ومتواصل. إن المعرض الدولي للنشر والكتاب يؤكد مرة أخرى على أهمية الكتاب والمعرفة في بناء مجتمعات تراهن على العلم سبيلا للتقدم ولإعطاء معنى للعالم الذي نعيش فيه. الترجمة أفقا للتفكير من جهتها، أكدت الشاعرة والناقدة حوريت الخمليشي في حديثها لـ "الجزيرة نت" أن معرض الكتاب بالرباط "تظاهرة ثقافية كبرى، فهو من أكبر الفعاليات التي تحتفي بالثقافة على نطاق واسع، إذ كان هذه السنة إقبالٌ كبير وحضور عدد كبير من دور النشر بمدينة الرباط عاصمة الثقافة والأنوار". وقالت إن "الشارقة شاركت هذه السنة كضيفة شرف ببرنامج ثقافي حافل من خلال الندوات الثقافية على مستوى الآداب والفنون، هذا بالإضافة إلى طرح أسئلة الكتابة على نطاق واسع. والمعرض جيد من حيث التقديم وهو مناسبة سنوية للتعرف على دور النشر، بحيث يتميز ببرنامج ثقافي متعدد الأنشطة والمغرب متعدد اللغات والثقافات". واعتبرت الناقدة أنه "كان هناك اهتمام بالثقافات الأمازيغية والحسانية واهتمام بالسياسة اللغوية بالمغرب، كما أن المعرض عرف حضور مغاربة العالم والعديد من الندوات حول الترجمة لما لها (من) دور في الانفتاح على ثقافات أخرى وتجديد سبل الحوار حول الثقافة العربية. فقد قدمت العديد من دور النشر لمجموعة من مؤلفاتها الصادرة حديثا. والملاحظ أن هناك عناية بالكتّاب الشباب والمبدعين من خلال النشر وما قامت به الجهات الثقافية من تنظيمها للعديد من المسابقات كمسابقة الشعراء الشباب ثم الكتابة الإبداعية والجائزة الوطنية للقراءة وغيرها". أسماء ثقافية مكررة أما الروائي والقاص حميد ركاطة، فإن لديه وجهة نظر مختلفة حول معرض الكتاب بالرباط، حيث يقول "لعل المثير للانتباه في معرض الرباط، هو استماتته في الحفاظ على نفس الوجوه من حيث البرمجة، ثلة من المقربين والأولياء والصالحين، من الذين ينتسبون للقبيلة والعشيرة، يشكلون زمرة من الكتاب ورثوا مواقعهم داخل برامج أغلب الدورات. بل منهم من تكرموا عليه بالمشاركة في أكثر من نشاط داخل أروقة معرض حاول منظموه خلال هذه السنة أن يلتفتوا فيه للضفة الأخرى، ليذكرونا بأننا لا نزال نرزح تحت وطأة ثقافة كولونيالية، ومستلبين بأدب فرانكوفوني، حسب ما برز من خلال العناوين والأسماء المبرمجة من خارج الوطن ومن داخله كذلك، تثمينا للأدب المكتوب باللغة الفرنسية، مع ما رافق ذلك من ترويج إعلامي منقطع النظير". إعلان ولاحظ ركاطة "غياب العديد من الإصدارات الرصينة والجديدة – بطبيعة الحال ليست أسماء مكرسة ليتم استدعاء أصحابها للمعرض، وتم الاقصاء ببرودة أعصاب، وكأن انتقال المعرض من الدار البيضاء نحو مدينة الأنوار الرباط، سيدفع المنظمين للنسيان السريع، لنتساءل ما دور المديريات الجهوية للثقافة، وكيف تم انتقاء الأسماء المبدعة بالجهة، دون سابق إعلان؟ وما هي شروط ومعايير هذا الانتقاء كذلك؟". من ثم يرى أن "غياب العديد من الكتّاب المغاربة عن أجندة المعرض الدولي لا مبرر له، وقد شاهدنا صرخات الاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي، إقصاء لا مبرر له، وكأن الكتاب المغاربة طبقات وفئات. ومع ذلك نهمس في أذن صانعي القرار كفى استهتارا بمشاعر المبدعين المغاربة. ثم ما الجدوى من زيارة كتاب الهوامش لمعرض أسعار الكتب فيه ملتهبة، بالمقارنة مع القدرة الشرائية الضعيفة لمدمني القراءة؟". يضيف ركاطة "لم تلفت انتباهي الإصدارات، بقدر ما لفت انتباهي تزامن توقيت هذا المعرض مع معرض دولي آخر للفلاحة بمكناس، وبعض الأنشطة الثقافية التي تشكل محطات ثقافية بارزة في المغرب بالنسبة لبعض الجمعيات الجادة وطنيا. كما أن برمجة توقيت المعرض كان في منتصف الشهر (من 18 إلى 27) مع ما لذلك من دلالة على القدرة الشرائية للموظف البسيط، وللطلبة، وعموم المواطنين ممن يحسبون على الكائنات الشهرية". ويعتبر حميد ركاطة "أن المشرفين على البرمجة تفننوا في إيهامنا باهتمامهم بالتعدد الثقافي واللغوي بالمغرب، لكنه ظل تعددا محدود الفعالية، وغير مقنع ما دام التكريم اقتصر على أسماء دون غيرها، وأن البرمجة نخبوية بامتياز، تكرس نفس الوجوه التي تذمر منها المغاربة لسنين عديدة، إلى جانب تكرار برمجة بعضها بشكل سافر، في أكثر من نشاط. وهو أمر يصيب المتتبع بالدهشة من كونه معرضا للمنتخب الوطني لكتاب المغرب، أو يندرج ضمن بطولة مصغرة غير مسموح فيها لباقي الكتاب بالمشاركة".