
بين الراحة والعزلة.. الجانب المظلم للتواصل مع "شات جي بي تي"
ومنذ ذلك الحين، استخدم الأشخاص روبوت الدردشة لكل شيء، من البرمجة إلى جلسات العلاج البديل، إذ تحول من مجرد أداة تقنية إلى رفيق يومي لملايين المستخدمين حول العالم.
ومع ظهور نماذج متطورة مع مزايا صوتية تحسن محاكاة الطرق التي يتواصل بها البشر، أصبح هناك إمكانية أكبر لتشكيل علاقات شبه اجتماعية مع روبوتات الدردشة هذه.
ووسط هذا التفاعل المتزايد، تبرز تساؤلات جوهرية عن تأثير هذا الذكاء الاصطناعي في الصحة النفسية والاجتماعية لمستخدميه، وخصوصا مع تعمق الارتباط العاطفي به.
ما الذي أرادت "أوبن إيه آي" أن تفهمه؟
في الأشهر الأخيرة، كانت هناك مخاوف متجددة بشأن الأضرار العاطفية المحتملة لروبوتات الدردشة، وخاصة بين المستخدمين الأصغر سنا وأولئك الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية.
ونتيجة لذلك، كشفت " أوبن إيه آي" عن نتائج دراسة حديثة أجرتها بالشراكة مع مختبر الوسائط في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" لمعرفة إذا كان قضاء وقت طويل مع "شات جي بي تي" يزيد الشعور بالوحدة.
وركز فريق البحث على استكشاف الجوانب العاطفية للتفاعل مع "شات جي بي تي" من خلال مراقبة مئات المشاركين الذين استخدموا روبوت الدردشة في أنشطة متنوعة.
دور الروبوتات في تقليل الشعور بالوحدة
تناولت مراجعة استقصائية دور الروبوتات الاجتماعية والوكلاء الحاسوبيين في الحد من الشعور بالوحدة لدى كبار السن.
وأوضحت المراجعة وجود أثر إيجابي من خلال توفير الرفيق، وتشجيع التفاعل الاجتماعي، وتسهيل التواصل عن بعد، وتذكير المستخدمين بالأنشطة الاجتماعية. ومع ذلك، لوحظت بعض النتائج السلبية، مثل الشعور بالحزن عند إزالة الروبوت.
وفي حين تبدو الروبوتات مفيدة في الحد من الشعور بالوحدة، فإن الأبحاث حول دور الوكلاء الحاسوبيين محدودة.
إعلان
هل الاستخدام المفرط يؤدي للعزلة؟
أجابت "أوبن إيه آي" و "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" عن هذا السؤال من خلال دراستين، حيث حللت الدراسة الأولى استخدام الناس العفوي لروبوت الدردشة في الحياة اليومية.
في حين تابع الباحثون في الدراسة الثانية نحو ألف شخص على مدار 4 أسابيع يتفاعلون مع "شات جي بي تي" كل يوم 5 دقائق على الأقل من خلال الوضع الكتابي أو الوضع الصوتي مع نبرة محايدة أو عاطفية.
وأوضحت النتائج الرئيسية أن معظم مستخدمي "شات جي بي تي" لا يستخدمونه للحديث عن المشاعر، حيث كانت الغالبية العظمى من التفاعلات عملية، مثل طرح الأسئلة أو الحصول على المساعدة أو حل المشكلات.
في حين كانت المحادثات العاطفية، مثل مشاركة القصص الشخصية أو البحث عن الراحة، نادرة وتقتصر في الغالب على مجموعة صغيرة من المستخدمين.
ولكن ضمن هذه المجموعة الصغيرة، كانت الروابط العاطفية قوية، وكان من المرجح أن يشارك المستخدمون المشاعر الشخصية، أو يطلبوا الدعم العاطفي.
كلما زاد التفاعل.. زادت العزلة؟
من خلال مقارنة مستوى الوحدة في بداية الدراسة ونهايتها، شعر الأشخاص الذين استخدموا "شات جي بي تي" أحيانا بالوحدة، وخاصة أولئك الذين يستخدمون الوضع الصوتي مع نبرة عاطفية.
وبدأ أولئك الذين استخدموه بشكل كبير، وخاصة كل يوم، بالإبلاغ عن المزيد من الشعور بالوحدة، واعتماد أكبر عاطفي، وتفاعل اجتماعي أقل مع أناس حقيقيين.
وترتبط العلاقة بين مستويات التفاعل الاجتماعي للمشاركين بوقت استخدام روبوت الدردشة، إذ يميل المشاركون الذين لديهم تفاعل اجتماعي أقل في البداية إلى استخدام "شات جي بي تي" أكثر.
واستخدم أولئك الذين أفادوا بانخفاض شعورهم بالتواصل الاجتماعي في بداية الدراسة روبوت الدردشة لفترات أطول خلال الأسابيع الأربعة.
وارتبطت مدة الاستخدام الطويلة بالمزيد من التراجع في التفاعل الاجتماعي، وكلما زاد الوقت الذي قضاه المشاركون مع روبوت الدردشة، زاد احتمال انخفاض التفاعل الاجتماعي.
وأظهر المشاركون الذين بدؤوا بمستوى تفاعل اجتماعي ضعيف تحسنا في بعض الأحيان، وأفاد أولئك الذين حصلوا على درجات تفاعل اجتماعي أولية عالية غالبا بانخفاض في أدائهم.
مواضيع الحديث والسمات الشخصية تؤثر أيضا
زادت المحادثات حول المواضيع الشخصية الشعور بالوحدة، ولكن المستخدمين كانوا أقل عرضة للاعتماد العاطفي على روبوت الدردشة.
وكان أولئك الذين تحدثوا في الغالب عن مواضيع غير شخصية، مثل العصف الذهني أو المهام الإنتاجية، أكثر عرضة للاعتماد، وخاصة إذا كانوا يستخدمون روبوت الدردشة بكثافة.
وأبلغ المستخدمون الذين يميلون إلى تكوين علاقات عاطفية بسهولة عن آثار سلبية، مثل الاعتماد العاطفي والانسحاب من التفاعل الاجتماعي في الحياة الواقعية.
ويعني ذلك أن السمات الشخصية تلعب دورا مهما في تشكيل كيفية تأثر الأفراد بالتفاعلات مع روبوتات الدردشة.
وكانت النساء أكثر عرضة من الرجال لانخفاض التفاعل الاجتماعي مع الأشخاص الحقيقيين بعد 4 أسابيع من التفاعل مع روبوتات الدردشة.
كما أثر العمر بشكل كبير في النتائج، حيث أظهر المشاركون الأكبر سنا ميلا أكبر نحو الاعتماد العاطفي على روبوتات الدردشة.
أنماط تفاعل مختلفة.. وتأثيرات متنوعة
من خلال مزيج من التحليلات، حددت الدراسة 4 أنماط مميزة من تفاعلات الإنسان مع روبوت الدردشة:
١- النمط الضعيف اجتماعيا: ارتفاع مستويات الوحدة ومحدودة التفاعل الاجتماعي في الحياة الواقعية.
٢- النمط المعتمد على التكنولوجيا: الاعتماد العاطفي العالي على روبوت الدردشة.
٣- النمط غير العاطفي: انخفاض التفاعل العاطفي مع روبوت الدردشة وانخفاض مستويات الوحدة وارتفاع مستويات التفاعل الاجتماعي في الحياة الواقعية.
٤- النمط العابر: التفاعل مع روبوت الدردشة من حين لآخر دون ارتباط عاطفي قوي.
ويساعد إدراك هذه الأنماط في تحديد المستخدمين الذين قد يكونون أكثر عرضة لخطر التأثيرات النفسية والاجتماعية السلبية وتصميم حماية أفضل أو أنظمة الدعم وفقا لذلك.
متى يتحول الذكاء الاصطناعي إلى عبء؟
تشير النتائج إلى أن الفائدة تقل مع تكرار الاستخدام، حيث يخفف روبوت الدردشة الشعور بالوحدة في البداية، ولكنه يزيد العزلة والاعتماد العاطفي مع الوقت.
وبالرغم من أن "شات جي بي تي" قد يبدو مؤنسا، فإن هناك فرقا كبيرا بين التحدث إلى روبوت الدردشة والتحدث إلى إنسان، إذ يفرز الجسم أثناء التواصل البشري "الأوكسيتوسين" (Oxytocin)، وهو هرمون مرتبط بالثقة والعاطفة، في حين لا يحدث ذلك أثناء التفاعل مع روبوت الدردشة.
وبمعنى آخر، يستطيع روبوت الدردشة محاكاة التعاطف دون أن يشعر به، ودون أن يحتاج منك إلى رد فعل مماثل.
ختاما، بالرغم من المزايا التي يقدمها "شات جي بي تي" في تسهيل المعرفة وتعزيز الإنتاجية، فإنه لا يمكن للتكنولوجيا مهما بلغت من التطور أن تحل محل العلاقات الإنسانية أو تسد الفجوات العاطفية العميقة، حيث يجب الاستفادة من التكنولوجيا دون أن نسمح لها بإضعاف روابطنا الإنسانية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
من نوبل إلى اللايقين: رحلة العَالِم الذي زلزل أساسات فهمنا لبداية الكون ونهايته
مقدمة الترجمة في مكتبٍ تغزوه أشعة الشمس على استحياء، أخرج آدم ريس دفتر ملاحظاته القديم. صفحة باهتة وخربشات بقلم حبر منذ عقود، كانت الشرارة الأولى لاكتشافه المُذهل الذي قاده إلى نوبل: الكون لا يتمدد فقط، بل يهرول بوتيرة متسارعة. هذا الاكتشاف رسّخ ما عُرف لاحقًا بـ"النموذج القياسي لعلم الكونيات"، النظرية التي رسمت لنا سيناريو بداية الكون ونهايته. لكن المفارقة العجيبة أن ريس نفسه، وبعد سنوات من تتبع الضوء القادم من انفجارات نجمية بعيدة، عاد اليوم ليهمس في أذن العلم: ربما كنّا مخطئين! وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: ما الذي يحدث حين يبدأ تصدّع صرح علمي كان متماسكا!؟ حين تتعارض البيانات الجديدة مع أكثر النظريات رسوخًا!؟ هذا المقال من مجلة ذا أتلانتك يأخذك في رحلة بين عدسات التلسكوبات، وتصدّعات النموذج الكوني، والتساؤلات التي قد تُعيد كتابة مصير الكون نفسه. نص الترجمة كان آدم ريس في السابعة والعشرين من عمره حين شرع في إجراء الأبحاث التي ستقوده لاحقًا إلى الفوز بجائزة نوبل في الفيزياء، ولم يكن قد تجاوز الحادية والأربعين عندما تسلّمها. وفي وقتٍ سابق من هذا العام، وبينما هو الآن في أوائل الخمسينيات من عمره، وقف في مكتبه بجامعة جونز هوبكنز، وأخرج من بين رفوف كتبه دفترًا قديمًا على صفحاته رسوم بيانية، ليُريني الورقة التي اصفرّ لونها مع الزمن، والتي خطّ عليها حساباته الشهيرة. روى لي كيف قادته تلك الخطوط الأولى بالقلم إلى صياغة نظرية جديدة عن الكون، ثم أخبرني لماذا أصبح يعتقد اليوم أن تلك النظرية قد تكون خاطئة. على مدار قرابة قرن من الزمان، أدرك الفلكيون أن الكون يتمدد، إذ تبدو المجرات التي نلمحها عبر التلسكوبات وكأنها تهرع مبتعدة في كل اتجاه. تتبّع ريس حركة هذه المجرات، وقاس بدقة بالغة المسافات التي تفصل كل واحدة منها عن الأرض. وحينما اكتملت لديه المعطيات كلها عام 1998، فوجئ ريس بنتائج لم يكن يتوقعها، حتى إنه وصفها في رسالة إلكترونية مرتبكة أرسلها قبيل انطلاقه في شهر عسله بأنها كانت "صادمة فعلًا". إذ تكشفت حينها علاقة مدهشة: فكلما كانت المجرة أبعد، زادت وتيرة ابتعادها. وكما قال في محاضرته أثناء تسلّمه جائزة نوبل، فإن هذا الاكتشاف "أوحى إليه فورًا باستنتاج عميق": ثمة قوة خفية تدفع الكون إلى التمدد المتسارع. صحيح أن عبقرية ريس تتجلى في دقّته البالغة في التقاط ما لا تُبصره العيون العابرة، إلا أن مهمة فهم السر الكامن وراء تسارع تمدد الكون انتقلت إلى عاتق المنظّرين. وقد اقترح هؤلاء وجود طاقة مظلمة، وهي قوة واهنة ونافرة، تملأ كل ركن من أركان الفضاء الخاوي. فمثلًا، ما تحويه غرفة نومك من هذه الطاقة لا يكاد يُذكر، لن يهزّ جدارًا أو يحرّك ساكنًا. لكن حين تنتشر عبر اتساع الكون الهائل، تجمع شتاتها، وتغدو قادرة على دفع عناقيد المجرات إلى التباعد اللامتناهي. وكلما اتسعت المسافة بين تلك المجرات، تعاظمت هذه القوة النافرة، وسرّعت خطى التمدد. ورغم أن التلسكوبات اليوم قادرة على رؤية مئات المليارات من المجرات، فإن الطاقة المظلمة، عبر تريليونات لا تُحصى من السنين، ستكون قد دفعتها كلها إلى خارج مدى الرؤية. وفي النهاية، ستُبدّد هذه الطاقة آخر ذرة من المادة والطاقة، حتى يغدو الكون في حالة برود واتزان تام، لا شيء فيه سوى فراغ هزيل يشبه الحساء المخفف من العدم. من خلال أبحاثه التي قادت إلى اكتشاف الطاقة المظلمة، ساهم ريس في إكمال ما يُعرف اليوم بـ"النموذج القياسي لعلم الكونيات"، وهو الإطار النظري الذي يسرد كيف وُلد الكون، وكيف انتظمت مادته في مجرّات، وكيف سيمضي نحو نهايته. قليلون هم من كان لهم أثر عميق في ترسيخ هذا النموذج ليصبح نظرية مهيمنة في علم الكونيات. لكن في السنوات الأخيرة، بدأ علماء الكون، المتخصصون في دراسة البنية الكونية على أوسع مقاييس الزمان والمكان، يشككّون في صحة هذا النموذج، خصوصًا فيما يتعلق بنهايته المتوقعة. فقد بدأ بعضهم يتحدث عن "ثورة علمية" وشيكة، بينما يرى آخرون أن الوقت قد حان لاستبدال النموذج القياسي بنظرية جديدة تُعيد صياغة فهمنا للكون. بداية الشك كلما بدأت نظرية كبرى عن الكون تترنّح، يميل "حُرّاسها القدامى" إلى التماسك والدفاع عنها، ولهذا يُقال إن العلم يتقدّم "جنازةً بعد أخرى". كان بمقدور آدم ريس أن ينضم إلى هذا الحرس القديم، بل وربما يتزعّمه. فحين عاد من ستوكهولم بجائزة نوبل عام 2011، تغيّرت حياته الأكاديمية. حكى لي أن الناس من حوله بدؤوا يتصرّفون على نحو غريب، منهم من آثر الصمت فجأة، ومنهم من خاض معه جدالات عابرة لا معنى لها، ربما فقط ليُقال إنهم انتصروا في نقاش على أحد حاملي نوبل. توالت عليه الدعوات، بداية من المحافل العلمية إلى لجان التحكيم، ومن المنصات إلى إلقاء المحاضرات. وشيئًا فشيئًا، وجد نفسه يُستدعى للتعليق على قضايا لا تمتّ إلى اختصاصه بصلة، بل ويُعرض عليه أن يقود مؤسسات علمية عريقة. تأمّل ريس في ذلك الطريق المعروض أمامه وبدأ يتساءل: هل يصبح قائدًا كبيرًا في مهمة تابعة لناسا، أم يتنقّل بهدوء بين ظلال الأشجار في حرم جامعي هادئ بصفته رئيسًا له!؟ ورغم إدراكه لما في تلك الأدوار من جاذبية وهيبة، لم يكن ميّالًا إلى العمل الإداري، ولا يستسيغ مهام جمع التبرعات. وعلى خلاف العديد من الحائزين على نوبل ممن تقدّم بهم العمر، كان لا يزال يشعر بأن لديه ما يقدّمه للعلم، لا بصفته مسؤولًا إداريًّا يجلس خلف المكاتب، بل باعتباره باحثًا يقف في الخطوط الأمامية، على تماس مباشر مع الطبيعة ومفاهيمها الأساسية. في السياق ذاته، قال لي: "غالبًا ما يقنع العلماء أنفسهم بأسطورة مفادها: سأتولى هذا المنصب القيادي مؤقتًا، ثم أعود إلى البحث العلمي لاحقًا. لكن الواقع أن من يخوض غمار الإدارة يفقد تدريجيًّا صلته بالبيانات، ويبتعد عن أدوات التحليل الحديثة، ويصبح أقل إلمامًا بلغات البرمجة المتطورة. وفي النهاية، يمضي العلم من دونه". ولسبر أغوار هذه المسائل الغامضة بدقة أكبر، كانت عقول المنظّرين تطرق أبواب المجهول، باحثة عن بيانات جديدة تكشف لهم كيف يتغير معدَّل تمدد الكون عبر الزمن، وهو ما يتطلب معرفة دقيقة بمواقع المجرات البعيدة عن الأرض. وهنا تحديدًا يأتي دور اختصاص آدم ريس. انتظر ريس حتى يرصد نوعًا معيّنًا من النجوم ينفجر في مجرة بعيدة، ومن ثَم يلتقط صورًا لحظةً بلحظة لانفجاره. كان يعرف أن هذه "المستعرات العظمى" (السوبرنوفا) تصل دائمًا إلى درجة محددة من السطوع، ومن خلال هذا السطوع، يستطيع أن يقيس المسافة. فكلما بدا الضوء خافتًا، غدت المسافة أبعد. إن تصوير نجم ينفجر على بُعد عشرات الملايين من السنين الضوئية ليس بالأمر السهل كما قد يبدو من الحديث. فالتقاط صورة لانفجار نجم يبعد عشرات الملايين من السنين الضوئية ينطوي على تفاصيل دقيقة لا حصر لها. يجب أولًا إزالة الضوء الصادر من النجوم الأخرى المحيطة به في نفس المجرة، لأن هذا الضوء قد يؤثر في القياسات. كما أن وهج مجرّة درب التبانة يتسرّب إلى الصور، شأنه شأن ضوء الشمس، ويجب استبعادهما كذلك. وفي الوقت نفسه، تعمل سحب الغبار الكوني -سواء القريبة من النجم أو الموجودة داخل مجرّتنا- على حجب جزء من ضوئه، مما يؤدي إلى خفوتٍ لا بد من تصحيحه بدقة. ثم تأتي التحديات التقنية: المكوّنات الإلكترونية في التلسكوب تضيف ضوضاء إلى الصورة، فضلًا عن أن مجسّات الكاميرا -التي تحتوي على مئات الآلاف من البيكسلات- ليست متماثلة في حساسيتها، مما يتطلب معايرة دقيقة لكل اختلاف قبل بدء أي عملية رصد. تباين في النتائج لم يكفّ ريس يومًا عن سعيه لإتقان فن التعامل مع الضوء، ذلك التوازن الحساس بين إضافته للضوء وطرحه بدقة بالغة. وفي أوساط علم الكونيات، لطالما اعتُبرت قياساته من بين الأدق بحسب كولين هيل، عالم الكونيات في جامعة كولومبيا، الذي لا تربطه به أي شراكة بحثية. وفي عام 2011، نجح ريس وفريقه في ابتكار تقنية أكثر تطورًا لقياس المسافات الكونية باستخدام تلسكوب هابل الفضائي، وهي فكرة -كما يروي- خطرت له على نحو غير متوقع عند ما كان يسبح في حوض سباحة. مع تزايد البيانات الجديدة وتحسّن جودتها، سرعان ما برزت مشكلة. فمع كل مسافة جديدة يقيسها ريس إلى مجرة أخرى، كان يُحدّث حساباته لمعدل التمدد الحالي للكون. لكن المثير للقلق هو أن النتائج التي توصل إليها بدأت تتباين بدرجة ملحوظة مع تلك المستخلصة عبر منهج مختلف تمامًا. فبعض علماء الكونيات لا يعيرون قياس المسافات إلى المجرات اهتمامًا كبيرًا، بل ينظرون بدلًا من ذلك إلى التوهّج اللاحق للانفجار العظيم. ومن خلال هذه الصورة المبكرة جدًّا للكون، يستطيع العلماء تقدير معدل تمدد الكون في ذلك الوقت، ثم استخدام هذا التقدير لحساب معدل التمدد الحالي، بناءً على افتراضات مأخوذة من النموذج الكوني القياسي. بعبارة أخرى، تعتمد الطريقة الثانية (التي تستند إلى التوهّج اللاحق للانفجار العظيم) على افتراض مسبق بأن النموذج الكوني القياسي صحيح، وتُجرَى كل حساباتها بناءً على هذا الأساس دون التشكيك فيه. توقَّع ريس أن هذا التباين بين معدلي التمدد الكوني (المعدل الذي يقيسه هو من خلال المجرات البعيدة، والمعدل المستخلص من إشعاع الانفجار العظيم*) سيختفي تدريجيًّا مع تراكم المزيد من الملاحظات والبيانات. لكنّ هذه المفارقة أبت إلا أن تستمر، بل وازدادت عنادًا. فكلما عمّق ريس رصده للمجرات البعيدة، ازداد الفارق بين القيمتين وضوحًا. وقد شكّل هذا التناقض بحد ذاته معضلة حقيقية لعلماء الكونيات، حتى أصبحوا يشعرون بالحيرة والقلق اتجاهه إلى درجة أنهم اضطروا لمنحه اسمًا رسميًّا وهو "توتر هابل". حين تتصادم طريقتان في فهم الكون تساءل ريس عمّا إذا كانت الملاحظات المستقاة من الكون المبكر -التي تُغذي المعادلات المستخدمة في الحسابات الأخرى لمعدل التمدد- قد تنطوي على خطأ ما. لكنه، شأنه شأن بقية العلماء، لم يجد فيها ما يُدان أو يُشكّك في دقتها. بالنسبة له، بدا أن هذا التناقض المعروف باسم "توتر هابل" قد لا يكون نتيجة خطأ في البيانات، بل ربما ناتجًا عن خلل في النظرية نفسها. وكما قال لي: "بدا الأمر وكأن هناك خللًا ما في النموذج الكوني القياسي". إذا ما انهار النموذج الكوني القياسي، فإن علم الكونيات بأسره سيشهد انقلابًا جذريًّا، وكذلك الحال بالنسبة لجزء جوهري من السردية الكبرى التي ظللنا نرويها لأنفسنا عن نهاية الكون. ومن الطبيعي، في ظل ما تحمله هذه المسألة من تبِعات ثقيلة تمسّ مستقبل المسيرة المهنية، والهوية العلمية،، بل وجوهر الوجود نفسه، أن يؤدي "توتر هابل" إلى توتر فعلي بين علماء الكونيات أنفسهم. أخبرني عدد من أبرز علماء الكونيات عن اعتقادهم بأن المشكلة المعروفة بـ"توتر هابل" قد تزول مع مزيد من البيانات، مشيرين إلى أن ريس ربما يستبق الأمور في تفسيره. وقد أجرت ويندي فريدمان، أستاذة الفيزياء في جامعة شيكاغو، قياساتها الخاصة باستخدام نوع مختلف من النجوم المنفجرة، وظهرت في بياناتها أيضًا مؤشرات على وجود التوتر ذاته، وإن كان بدرجة أقل. وقد أوضحت أنه من المبكر الجزم بمصدر المشكلة، هل هي ناتجة عن قياساتها، أم عن خلل في النموذج الكوني القياسي، أم عن سبب آخر لا يزال مجهولًا. وفي الوقت ذاته، ترى أن الحكم النهائي يتطلب أولًا توفّر قياسات دقيقة لمسافات عدد أكبر من المجرات، إضافة إلى تقارب في نتائج طرق القياس المختلفة. وعلى أقل تقدير، ينبغي أن تتطابق نتائجها مع نتائج ريس. ويتفق معها في هذا الرأي كولن هيل، عالم الكونيات من جامعة كولومبيا. هل بدأت الطاقة المظلمة تفقد قوتها؟ يقول ديفيد سبيرغل، رئيس مؤسسة سيمونز (وهي مؤسسة علمية غير ربحية*)، وأحد أعمدة علم الكونيات لسنوات طوال، إنه من المبكر جدًّا إعلان نهاية النموذج الكوني القياسي. ويصف ريس بقوله: "لا يمرّ آدم ريس بهدوء في ساحة الجدل العلمي، بل يترك صدى صوته فيها، كما يتجادل بضراوة مع كل من يخالفه الرأي". يدافع ريس عن قضيته بحماسة بالغة. ورغم محاولات عديدة من علماء آخرين للعثور على أخطاء في قياساته، لم يتمكّن أحد من إثبات وجود خلل، ليس بسبب نقص المحاولة، بل على العكس، جرى التحقق من أرقامه بعناية باستخدام بيانات من تلسكوبي هابل وجيمس ويب الفضائيين. ومع ذلك، لم يتمكّن أحد من العثور على خطأ في قياساته. ومن جانبه، يعلّق شون كارول، عالم الكونيات والفيلسوف في جامعة جونز هوبكنز (الذي لا ينتمي إلى فريق ريس)، قائلًا إن ريس حقق "عملًا بطوليا" في تقليل الأخطاء المنهجية في قياساته. ومع ذلك، يؤكد كارول أن الوقت لا يزال مبكرًا للحكم على ما إذا كان "توتر هابل" سيصمد أمام المزيد من التدقيق، ويعتبر من السابق لأوانه استبعاد النموذج الكوني القياسي. ويضيف: "لو لم تكن التداعيات بهذا القدر من الأهمية، لما غلّف الشك نفوس الناس بهذا القدر". بدا الغضب جليًّا على ملامح ريس حين تطرق الحديث إلى الاعتراضات التي طالت نتائجه، وأرجعها إلى ما وصفه بـ"سوسيولوجيا" هذا الحقل العلمي. وأوضح أن زمرة صغيرة من علماء الكونيات، من بينهم سبيرغل وآخرون وصفهم بـ"أصحاب اللحى الرمادية"، ممّن قضوا أعمارهم في تأمل بدايات الكون، لا يميلون إلى تقبّل ما يُربك سردهم الكوني المعتاد، ويصدّون البيانات التي لا تسير وفق مسلّمات النموذج القياسي. (ومن المفارقات اللافتة أن لحية ريس نفسها قد خطها الشيب أيضًا). ومع ذلك، أشار ريس إلى أن أحد هؤلاء العلماء قد بدأ تعديل موقفه. فقد أرسل ريس بياناته إلى جورج إفسثاثيو، وهو عالم كونيات بارز ومتخصص في الكون المبكر، وكان من أبرز المشككين في "توتر هابل". وعلى شاشة مكتبه، أرانا ريس رسالة تلقّاها من إفسثاثيو، جاء فيها تعليق مقتضب على بياناته بقوله: "إنها مُقنعة للغاية!". لم أشأ أن أبني استنتاجًا كبيرًا على جملة ربما لم تكن سوى مجاملة عابرة، فآثرت أن أستقصي الأمر بنفسي. تواصلت مع إفسثاثيو مباشرة، وجاء رده أكثر تحفظًا مما بدا عليه في مراسلته مع ريس. كتب لي ببساطة: "ليس لديّ الكثير لأقوله بشأن توتر هابل". ومن وجهة نظره، لم تكن هناك أخطاء واضحة في قياسات ريس، لكنّه في الوقت ذاته لم يُغلق الباب تمامًا أمام احتمال وجود خلل خفي. يعتقد ريس أن الوقت سيكون كفيلًا بإنصافه، وأن "توتر هابل" ليس عارضًا عابرًا، بل علامة ستزداد حدّة مع الأيام، حتى يبدأ مزيد من علماء الكونيات التشكيك في النموذج القياسي. ومن اللافت أن شخصًا كان له دور بارز في ترسيخ هذا النموذج يبدو مسرورًا باحتمال تزعزعه. وربما يُعزى ذلك إلى طبيعة ريس العلمية، التي تولي البيانات احترامًا مطلقًا، أو ربما لأنه ببساطة يتوق إلى نشوة أن يكون محقًّا مرة أخرى بشأن طبيعة الكون العميقة. حين التقيتُ ريس في يناير/كانون الثاني الماضي، كان حديثه متّقدًا بشيء من الترقّب، أخبرني أنه كان ينتظر بفارغ الصبر صدور دفعة بيانات جديدة من أداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة "ديسي"، وهي مرصد حديث يقع على قمة كيت في الجزء التابع لأريزونا من صحراء سونورا بالمكسيك. تضم هذه الأداة 5000 ليفة بصرية تتحكم فيها أنظمة روبوتية، يقوم كلّ منها كل عشرين دقيقة بتوجيه نفسه نحو مجرة مختلفة في أعماق السماء. وعلى مدار خمس سنوات، من المفترض أن يواصل هذا المرصد عمله الصبور حتى تُرصد ملايين المجرات، وهي كمية كافية لرسم خريطة لتمدّد الكون عبر الزمن. وقبيل صدور الدفعة الثانية من البيانات، توقع ريس أن تحمل تحديًا جديدًا للنموذج القياسي. وفي أبسط تصوّر للنظرية، تُرسم الطاقة المظلمة بوصفها قوة خافتة، طاردة، تملأ أرجاء الكون وتدفعه إلى التمدد، وهي ثابتة لا تهتز، وأزلية لا تتبدل. لكن الإصدار الأول لبيانات مرصد "ديسي"، الذي صدر العام الماضي، قدَّم إشارات أولية تُوحي بأن الطاقة المظلمة لم تكن دومًا كما نظن، إذ بدت أشد فاعلية في فجر الكون، ثم أخذت تخبو شيئًا فشيئًا بعد ذلك. وفي 19 مارس/آذار، نشرت الفرق البحثية الدفعة الكبرى من البيانات التي طالما ترقّبها ريس. وقد استندت إلى ثلاث سنوات من التحديق الصبور في السماء. وكانت الإشارة هذه المرة أوضح: بدت الطاقة المظلمة وكأنها فقدت شيئًا من زخمها قبل عدة مليارات من السنين. لا يمكن اعتبار هذا الاكتشاف حتى الآن علمًا مُستقرًّا، أو يقف على أرض صلبة. لكن إن ثبُتت صحته فسيستدعي بحسب رأي هيل "مراجعة جذرية" للنموذج القياسي، إذ قال: "الكتب التي أدرّسها لطلابي لن تعود صالحة، وسأضطر إلى إعادة كتابتها من جديد". لكن المسألة لا تتوقف عند صفحات المقررات، ففكرة "الموت الحراري" للكون لم تعد حكرًا على الصفحات الجامدة للكتب الأكاديمية، بل أصبحت إحدى "الأساطير العلمانية" الكبرى عن نهاية العالم، وربما أشهر سردية لنهاية الكون في عصرنا. ومع ذلك، قد تكون هذه النهاية مجرّد وهم راسخ. فإذا ما ضعفت الطاقة المظلمة حتى تلاشت كليًّا، فقد يتوقف الكون عن التمدد ذات يوم، لا ليهوي إلى العدم، بل ليبلغ حالة سكون، حيث تستقر المجرّات في وضع ثابت لا يتغير. وفي هذه الحالة، قد يُكتب للحياة -وخصوصًا الحياة الذكية- أن تستمر لمدى أطول بكثير مما كنّا نتوقع. الكون في دورة أبدية.. فرضيات تتحدى الحتميات إذا استمرت الطاقة المظلمة في الاضمحلال، كما تشير بيانات مرصد "ديسي"، فقد تمضي في خفوتها حتى تنطفئ تمامًا، وربما تنقلب إلى نقيضها، قوة سالبة لا تدفع المجرات بعيدًا، بل تجتذبها إلى حضنها، لتتقارب شيئًا فشيئًا حتى تنهار في نقطة واحدة، حارّة كثيفة، تشبه تلك اللحظة الأولى التي ولد فيها الكون، لحظة الانفجار العظيم. وقد يكون ذلك جزءًا من دورة أبدية، حيث ينشأ الكون ويفنى ثم يُخلق من جديد مرارًا وتكرارًا. إلا أن ذلك مجرد احتمال، وقد لا يكون كذلك. لكن الحقيقة الوحيدة المؤكدة أن المستقبل البعيد لهذا الكون لا يزال مفتوحًا على جميع السيناريوهات، ولا شيء محسوم. اتصلتُ بريس بعد صدور نتائج مرصد "ديسي" لمعرفة ما جال في خاطره في تلك اللحظة. فأخبرني أنه قد ظفر بنظرة مبكرة في البيانات. وحين فتح ملف البيانات في مكتبه، ارتسمت على وجهه ابتسامة. لقد راق له أن يرى نتيجة أخرى تُضعف من مصداقية النموذج القياسي. حينها شبّه النظرية ببيضة تتشقق، قائلًا: "لن تنكسر بسهولة من مكان واحد، بل من الطبيعي أن تظهر فيها تشققات متعددة في أماكن متفرقة". سواء أكانت تلك الشقوق التي بدأت تظهر في جدار النموذج القياسي حقيقية أم مجرد أوهام علمية، فإن اتساعها لا يزال رهن الأيام المقبلة. فالملاحظات الجديدة تتوالى في الأفق، لا من مرصد ديسي فحسب، بل من مرصد فيرا روبين الجديد في صحراء أتاكاما، إلى جانب تلسكوبات فضائية أخرى. وفي كل يوم إفراج عن دفعة جديدة من البيانات، سيجلس أنصار النظرية وخصومها على أطراف الانتظار، يُجدّدون التحقق من صناديق بريدهم الإلكترونية بلهفة، في انتظار ما قد يؤكد نظرتهم أو يقوّضها. أما في الوقت الراهن، فيرى ريس أن المجتمع النظري أصبح يميل إلى التراخي. فعندما يتواصل مع بعض المنظّرين طلبًا لتفسير نتائجه الرصدية، تأتي ردودهم فاترة ومحبطة، وهو ما عبّر عنه بقوله: " تقتصر ردودهم على عبارة واحدة: نعم، هذا تحدٍّ عسير فعلا". ثم أردف بأسى: "أشعر أحيانًا أنني أقدّم الأدلة، ثم أظلّ عالقًا في فراغ الانتظار، إلى أن يُطلّ علينا أينشتاين جديد". عندما تحدّثتُ إلى ريس للمرة الأخيرة، كان يحضر مؤتمرًا لعلم الكونيات في سويسرا، وقد بدا صوته مفعمًا ببهجة أقرب إلى النشوة، تحدث إليَّ قائلًا: "حين تغيب المشكلات الكبرى، ويبدو كل شيء وكأنه في موضعه تمامًا، يغدو الأمر مملًّا". أما الآن، فهو يشعر بنبض جديد يسري في الميدان. الهمسات تتعالى، والسكاكين تُشهَر، والصراع على وشك أن يبدأ. وفي النهاية، قالها بحماس: "المجال يشتعل من جديد. أصبح من الوارد فجأة أن يكون الكون مختلفًا كليًّا عمّا ظنناه".


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
"بيلدر إيه آي" تفلس بعد اكتشاف استخدامها لمبرمجين هنود
قلّة من الشركات تتمكن من جذب الاهتمام والنجاح بالشكل الذي قامت به شركة "بيلدر إيه آي" (Builder ai)، فقد استطاعت في وقت قياسي الوصول إلى قيمة تخطت 1.5 مليار دولار، بسبب ادعائها استخدام الذكاء الاصطناعي في برمجة التطبيقات، وهو الادعاء الذي ثبت كذبه واعتماد الشركة على مبرمجين بشر للقيام بمهام الذكاء الاصطناعي. ولكن بحسب التقرير الذي نشرته "فايننشال تايمز" أولا ثم "سيليكون يو كيه" (Silicon UK)، فإن الشركة الآن أعلنت إفلاسها عقب اكتشاف تزوير مبيعات الشركة. ما "بيلدر إيه آي"؟ ادعت "بيلدر إيه آي" أنها تمثل فكرا جديدا في عالم تطبيقات الذكاء الاصطناعي والبرمجة المعتمدة عليه بشكل كامل، إذ كانت تتيح للمطورين بناء تطبيقات للهواتف المحمولة دون الحاجة لخبرة برمجية كاملة. وذلك لأن منصتها تعتمد على فلسفة "دراغ آند دروب" (Drag&Drop) عبر سحب الأجزاء المراد وضعها في التطبيق، ويقوم الذكاء الاصطناعي بعد ذلك بعملية البرمجية وكتابة الأكواد والربط اللازم داخله، أو هكذا ادعت قبل أن تظهر الحقيقة. وتقدم الشركة أيضا خدمة بيع الأدوات والتصميمات داخل المنصة الخاصة بها، وبحسب تقارير "فايننشال تايمز" و"سيليكون يو كيه"، فإن هذه الخدمة كانت من ضمن الخدمات التي تسببت في الأرباح المغلوطة للأداة، إذ وجد التحقيق الداخلي عددا من عمليات إعادة البيع المشبوهة داخل المنصة، وكانت هذه العمليات تأتي من بائعين مختلفين بالشرق الأوسط. لا وجود للذكاء الاصطناعي في "بيلدر إيه آي" كشفت مجموعة من التقارير عن فضيحة "بيلدر إيه آي" قبل ظهور أخبار الإفلاس واكتشاف المزيد من أزمات الشركة، إذ ظهرت عدة منشورات في منصة "إكس" تؤكد استخدام الشركة لفرق من 700 مبرمج هندي. وتقوم هذه الفرق بالمهام التي يفترض للذكاء الاصطناعي القيام بها، أي أن مستخدمي منصة "بيلدر إيه آي" كانوا يتواصلون مع فرق من المبرمجين الهنود من أجل تحقيق طلباتهم. ومع ازدياد الأزمات المالية بالشركة، احتاج المدير التنفيذي ومؤسسها ساشين ديف دوجال لدفع الرواتب لفرق المطورين الهنود هؤلاء، ولكن كان يجب دفع هذه الأموال بشكل مجهول حتى لا يترك خلفه دليلا يشير للاعتماد على المبرمجين الهنود أو حتى وجودهم. ودفعه هذا لاستخدام طرق مشبوهة لأخذ الأموال من الشركة وإعادتها مجددا، وهو ما أثار ريبة العديد من الخبراء فضلا عن المساهمين في الشركة، وبعد ظهور الأنباء عن وجود فرق المبرمجين الهنود، تعرضت الشركة لتدقيق مفصل كشف عن الحقيقة المرة، وهي الاعتماد على فرق المبرمجين الهنود بدلا من الذكاء الاصطناعي. ولا تعد هذه المرة الأولى التي يواجه فيها ساشين ديف دوجال مؤسس الشركة هذه الاتهامات، إذ نشرت "وول ستريت جورنال" تقريرا في عام 2019 عن شركة دوجال الأولى التي تدعى "إنجينير إيه آي" التي كانت تقدم الخدمة نفسها. وكان دوجال يدعي وقتها أن الشركة تعتمد على تقنية ذكاء اصطناعي بمساعدة الإنسان، ولكن تقرير الصحيفة أشار إلى أن الشركة كانت تعتمد على مبرمجين من الهند للقيام بكافة المهام دون وجود تدخل حقيقي للذكاء الاصطناعي، وقتها اضطر دوجال لإعادة تسمية الشركة لتصبح "بيلدر إيه آي"، وذلك وفق تقرير نشرته "فايننشال تايمز". بداية الانهيار والاقتراض استمرت الأزمة عندما قامت الشركة بقيادة ساشين ديف دوجال بالاقتراض من مجموعة مقرضين مهتمين بالشركات التقنية، ومن بينهم فيولا كريديت، أتيمبو جروث، وكادما كابيتال بارتنرز بحسب ما نقلته "فايننشال تايمز" عن مصادر مطلعة رفضت الإفصاح عن هويتها. حصلت الشركة على قرض وصل إلى 50 مليون دولار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعدها بشهرين، أي في ديسمبر/كانون الأول التالي، طالب دوجال مجلس الإدارة بالمزيد من الأموال حتى تستمر الشركة في العمل، وذلك بحسب تقرير آخر قدمته "بلومبيرغ"، وهو الأمر الذي أثار حفيظة مجلس الإدارة وشكوكه. ورغم هذا قام مجلس الإدارة بزيادة التمويل ليصل إلى 100 مليون دولار، وبحلول فبراير/شباط الماضي، قام مجلس الإدارة بإزاحة دوجال من منصبه مانحا المنصب إلى مانبريت راتيا، أحد المديرين التنفيذيين في شركة "جانغل فينتشر" (JungleVentures)، وهي من الشركات التي أقرضت "بيلدر إيه آي" مؤخرا، ليقوم راتيا لاحقا بتعيين مدقق حسابات مستقل لمراجعة مبيعات ودفاتر الشركة. وكشفت هذه المراجعة الداخلية عن تضخم مبيعات الشركة بنسبة تفوق 300% بناء على تقرير "سيليكون يو كيه"، والأهم، وجود بعض المبيعات التي أضيفت إلى سجلات الشركة وإجمالي مبيعاتها السنوية دون أن يتم تحصيل قيمتها، وهي جميعا مرتبطة بالمدير التنفيذي السابق دوجال. واستمرت التحقيقات الداخلية حتى قامت بإعادة تقييم مبيعات الشركة في العام الماضي لتصل إلى 55 مليون دولار بدلا من 220 مليون دولار المعلنة من قبل مجلس الإدارة، وأما مبيعات العام الذي يسبقه 2023، فقد أبلغت الشركة أنها وصلت إلى 180 مليون دولار، ولكن بعد المراجعة وصلت إلى 45 مليون دولار تقريبا. وهذه الاكتشافات جعلت تكتل الشركات المقرضة يستولي تماما على "بيلدر إيه آي" إلى جانب حسابات الشركة التي كانت تضم 37 مليون دولار فقط، وبعدها أرسلت الشركة إلى جميع موظفيها تعلن تعليق وظائفهم وإعادة تقييم الوضع بشكل كامل. كيف ضخمت الشركة أرباحها؟ نشرت وكالة "بلومبيرغ" في مايو/أيار الماضي تقريرا عن منصة "بيلدر إيه آي"، وأوضحت من خلاله الآلية التي استخدمتها الشركة لتضخيم أرباحها بشكل غير شرعي، إذ تعاونت الشركة مع شركة هندية تدعى "فيرسي إنوفيشن" (VerSe Innovation) من أجل تضخيم الأرباح بشكل وهمي. وبحسب تقرير "بلومبيرغ"، فإن "بيلدر إيه آي" كانت تتلقى فواتير بشكل دوري في الفترة بين عام 2021 و2024 من الشركة الهندية، وبعد ذلك، تقوم الشركة الهندية بإرسال فواتير بقيمة مماثلة للفواتير التي حصلتها "بيلدر إيه آي" في الفترة ذاتها. وتهدف هذه العملية إلى رفع المبيعات بشكل كبير دون وجود مبيعات حقيقية دخلت للشركة، إذ كانت تعيد دفع أي أرباح تحصل عليها من مثيلتها الهندية مجددا، وبينما تمكنت "بيلدر إيه آي" من جمع ما يقرب من 60 مليون دولار بالاعتماد على هذه الطريقة، فإنها عاودت دفع القيمة نفسها إلى شركة "فيرسي إنوفيشن".


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
المكاديميا أكثر المكسرات المنسيّة رغم فوائدها المذهلة
تُعد المكسرات بأنواعها، مثل اللوز والكاجو والجوز والفستق، خيارات صحية ومغذية، لكن مكسرات المكاديميا كثيرا ما يُغفل عنها، ربما بسبب ثمنها المرتفع، إذ تحتاج أشجارها بين 4 و5 سنوات لتثمر، وما بين 12 و15 عامًا ليكتمل نضجها. تتميّز المكاديميا بجودة عالية، إذ تخلو حبوبها من العيوب ومن أضرار الحشرات والفطريات، كما تحتوي على نسبة زيت مرتفعة تبلغ نحو 72%. وعند تحميصها، تتحول إلى لون بني فاتح وتصبح أكثر طراوة ومذاقا. لذا تُعد مكسرات المكاديميا الأغنى بالدهون الصحية (أكثر من 85% من الطاقة في هذا النوع من المكسرات، تأتي من الدهون الأحادية غير المشبعة)، إضافة إلى الألياف والعناصر الغذائية الأساسية. كما أنها تُقدم فوائد رائعة "تشمل صحة الدماغ والقلب والأمعاء"، وتساهم خصائصها الغذائية الفريدة في "دعم استقرار مستوى السكر في الدم، وتعزيز المناعة، وتحسين امتصاص الفيتامينات التي تذوب في الدهون". وفقا لمختصة التغذية المعتمدة كريستينا مانيان. أيضا، تتميز المكاديميا بنكهتها الجوزية الرقيقة، وقوامها المقرمش، وقدرتها على التكيف مع مختلف أنواع الطعام، مما يجعلها مثالية للوصفات الحلوة والمالحة؛ بشرط تناولها باعتدال، نظرا لغناها بالسعرات الحرارية، وارتباطها بمضاعفات الحساسية لدى بعض الأشخاص. القيمة الغذائية للمكاديميا وفقا لبيانات وزارة الزراعة الأميركية، تحتوي كل 10 إلى 12 حبة من مكسرات المكاديميا النيئة على: 204 سعرات حرارية. 2 غرام بروتين. 3 غرامات من الألياف. 3 غرامات من الدهون المُشبّعة. 17 غراما من الدهون غير المُشبّعة. %52 من الاحتياجات اليومية من المنغنيز. %22 من الاحتياجات اليومية من الثيامين. %22 من الاحتياجات اليومية من النحاس. %9 من الاحتياجات اليومية من المغنيسيوم. %6 من الاحتياجات اليومية من الحديد. وهو ما يوضح أن مكسرات المكاديميا تُعد مصدرا غنيا بالألياف والثيامين والمنغنيز والنحاس، كما تحتوي على كمياتٍ معتدلة من البروتين والمغنيسيوم والحديد. فوائد المكاديميا بحسب الخبراء، "تحتوي مكسرات المكاديميا على عناصر غذائية تقي من أمراض مختلفة عند إضافتها إلى نظام غذائي متوازن"، ويمكن ربط تناولها بالعديد من الفوائد، أبرزها: راحة الأمعاء ، حيث يُسهم محتوى مكسرات المكاديميا الغني بمزيج من الألياف القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان، في "تحسين صحة الأمعاء والجهاز الهضمي، عند تناولها مع كمية كافية من الماء؛ ومن ثم تعزيز انتظام عملية الهضم طبيعيا". كما تعمل الألياف القابلة للذوبان (البريبايوتيك) كغذاء للبكتيريا المفيدة، وتدعم توازن ميكروبيوم الأمعاء، "مما يُساعد الجهاز الهضمي بأكمله على النمو، ويُساعدنا على الشعور براحة أكبر طوال عملية الهضم". صحة التمثيل الغذائي ، تقول مختصة التغذية المُعتمدة، روكسانا إحساني، "إن وجود الألياف المعقدة مع البروتين في مكسرات المكاديميا، "يُشكل ثنائيا مثاليا من العناصر الغذائية، لمن يُعانون من مشاكل تتعلق بالتمثيل الغذائي (الصحة الأيضية) مثل داء السكري من النوع الثاني"؛ حيث يساعد على دعم توازن سكر الدم والشعور بالشبع". وتُرجع ذلك إلى أن "الألياف والبروتين يُبطئان عملية الهضم، مما يُساهم في تنظيم سكر الدم، ويوفر مستويات طاقة أكثر استقرارا، ويُقلل الرغبة الشديدة في تناول الطعام خلال اليوم". إضافة إلى أن انخفاض محتوى مكسرات المكاديميا من الكربوهيدرات وغناه بالألياف، "قد يساعد في توازن سكر الدم". فائدة القلب، فمحتوى الدهون الأحادية غير المشبعة في مكسرات المكاديميا "مفيد للقلب، ويمكن أن يساعد في تقليل الالتهاب ودعم مستويات الكوليسترول الصحية"، بحسب إحساني. التي استندت لدراسات نُشرت في عاميّ 2018 و2022، ربطت هذه الدهون بانخفاض ضغط الدم المرتفع، الذي يُعد عامل خطر رئيسي في أمراض القلب. أيضا، وفقا لمختصة التغذية المعتمدة، ألينا بيترا، أظهرت العديد من الدراسات أن "اتباع نظام غذائي معتدل الدهون يتضمن مكسرات المكاديميا يؤدي إلى خفض الكوليسترول بنفس قدر اتباع نظام غذائي منخفض الدهون". تعزيز المناعة، نظرا لأن الالتهاب يُعد عاملا رئيسيا في الأمراض الحادة والمزمنة، تأتي أهمية ارتباط محتوى المكاديميا من الدهون الأحادية غير المشبعة وتقليل الالتهاب في تعزيز صحة المناعة عموما، لذا ربطت مراجعة نُشرت عام 2023، "بين الدهون الأحادية غير المشبعة وانخفاض خطر الإصابة بالسرطان". إضافة إلى ذلك، فإن دعم هذه المكسرات لميكروبيوم الأمعاء بفضل محتواها من الألياف، يعزز المناعة أكبر، "نظرا للعلاقة الوثيقة بين الميكروبيوم والاستجابة المناعية"، وفقا لأبحاث نشرت عام 2021. صحة الدماغ،"عندما تكون صحة الدماغ أولوية قصوى، فإن مكسرات المكاديميا تُعد خيارا ذكيا"، إذ ثبت أن محتواها الدهني يدعم صحة الدماغ. فقد وجدت دراسة أجريت عام 2021، أن "الدهون الأحادية غير المشبعة مرتبطة بصحة الدماغ وتحسين الإدراك"، كما أن ميكروبيوم الأمعاء أيضا "يرتبط بتحسين صحة الدماغ". امتصاص العناصر الغذائية ، توضح إحساني، أن "محتوى المكاديميا الغني بالدهون يساعد على امتصاص الفيتامينات التي تذوب في الدهون"، والتي تشمل فيتامينات "إيه"، "دي"، "إي"، و"كيه". وكلها تتطلب مصدرا للدهون لامتصاصها في الجسم، وهو ما يمكن لمكسرات المكاديميا، أو زبدة مكسرات المكاديميا، أو زيت المكاديميا المساعدة فيه. الآثار الجانبية المحتملة للمكاديميا وفقا للخبراء، "ليست كل مكسرات المكاديميا صحية"، فعلى سبيل المثال، قد تكون الأنواع المغطاة بالشوكولاتة أو الكراميل غنية بالسكر المضاف، مما يُقلل من فوائدها. أيضا، ينبغي تحذير الأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاه مكسرات المكاديميا -وخصوصا الذين يعانون من حساسية الفول السوداني أو أي نوع من المكسرات- من أنهم قد يتعرضون لردود فعل تحسسية خطِرة، "تصل إلى مشاكل تنفسية مهددة للحياة"، في حالات الحساسية المفرطة. كذلك، قد لا تكون مكسرات المكاديميا الكاملة مناسبة لكبار السن والأطفال الصغار الذين يعانون من صعوبة في البلع، ويُخشى أن يختنقوا بها؛ كما أنها قد تكون سامة للحيوانات الأليفة.