logo
تقرير "أفران قماشية".. نازحو غزة يذوبون تحت لهيب الخيام

تقرير "أفران قماشية".. نازحو غزة يذوبون تحت لهيب الخيام

غزة/ نبيل سنونو:
يختلط عرق الستينية نعمة معروف مع دموعها الساخنة، في خيمة نزوح قسري، تبدو كأنها فرن مشتعل، هي المأوى الحالي لها ولـ30 فردا معظمهم أطفال، يعيشون تفاصيل حياة يومية لا آدمية.
تسلط الشمس أشعتها على خيمتهم المهترئة، المقامة على قارعة طريق عام في غزة، وتذوب معها أجسادهم، مع شح مياه الغسل والشرب، والغذاء في ظل المجاعة المحتدمة منذ مارس/آذار.
"الشوب أكلنا"، تتساقط دموعها بلا توقف وتسبق كلماتها المنهكة، بينما يكتوي زوجها المسن بلهيب الشمس، ويضيق صدره، وتختنق أنفاسه، عاجزا عن تغيير واقع قاهر يفرضه الاحتلال منذ بدئه حرب الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تتوسط نعمة أبناءها وأحفادها في الخيمة الضيقة التي لا تتجاوز أربعة مترات، تشاركهم الهم، فهي مسنة وهم أطفال من فئات هشة، يكتوون بالحر، وانعدام مقومات العيش.
بين يديها حفيدها الرضيع، الذي تحاول عبثا إسكاته، وقد انطبع جسمه النحيل باللون الأحمر من شدة الحر، الذي لا تمنعه عنه أقمشة الخيمة.
بدأت رحلة النزوح القسري لنعمة وعائلتها مع بداية حرب الإبادة، وقد حول الاحتلال منزلها في بيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى ذكريات فحسب، وخاضت مع عائلتها محطات تشرد إجبارية من بلدتها إلى مدينة غزة، مرورا بدير البلح وخانيونس ورفح ثم مجددا العودة إلى غزة التي تهدد (إسرائيل) حاليا باحتلالها بالكامل.
وقبل نزوحها من بيت لاهيا، سعت نعمة إلى البقاء في بلدتها، لكن الاحتلال قصف كل شيء، بما في ذلك مراكز الإيواء، وقتل وأصاب النازحين بأحزمة نارية.
توزع أنظار الحسرة على "المعذبين" في خيمة النزوح، قائلة لصحيفة "فلسطين": "الشتا صبرنا عليه، بس الشوب مش قادرين نصبر، صغارنا ساحوا من الحر، والحج (زوجها) بيبكي، حتى هواية ما في، ولا شجرة نستظل فيها".
وتشير إلى النايلون الذي كانت تغطي به خيمتها وتمزق أيضا من الحر، مناشدة العالم بكلمات من القهر: "ارحمونا يا ناس اللي عنده رحمة يرحمنا من هالشوب.. حنوا على هالصغار".
ويرتدي الأطفال في تلك الخيمة ملابس ثقيلة لافتقارهم إلى ملابس مناسبة لفصل الصيف، في ظل حصار مطبق يفرضه الاحتلال.
تكشف نعمة عن جسد حفيدها، قائلة: "اطلع الحرارة كيف، شوف ظهره من الأواعي الشتوية، مفش أواعي صيفية، هدا الطفل مولود جديد، حتى حليب وبامبرز ما عنده".
زوجها الذي يتكئ على فرشة ممزقة، يبدو في ذروة الحزن الذي يذرفه على هيئة دموع، دون أن يستطيع التعبير عما يختلج صدره من الأسى، بينما تلخص نعمة حاله، قائلة إنه "مختنق، وجسمه بيسيح".
وفي ظل هذه المعاناة، تفتقر العائلة حتى إلى المراهم الطبية الجلدية التي تساعد في التخفيف من حدة الحر، الذي يكوي أجسادهم.
انتابت نعمة، المصابة بمرضي السكر والضغط، نوبة بكاء وصرخة ألم. "والله اللي بيشوف جسمي ليحزن علي، الحر أكلني، والجوع أفقدني 40 كيلوجرام".
ويضطر أفراد هذه العائلة إلى النوم أو الجلوس في العراء لضيق الخيمة مقارنة بعددهم، ويواجهون مأساة في توفير مقومات النظافة، أو المياه.
لكن هذا ليس سوى غيض من فيض المعاناة، فقد أصيب حفيد نعمة (12 عاما) برصاصة أطلقتها طائرة إسرائيلية مسيرة "كواد كابتر)، وأصابته في خيمة النزوح وسط مدينة غزة، قبل أيام.
"أوضاع كارثية"
تجسد مأساة عائلة معروف حال عائلات غزة النازحة قسرا في خضم حرب الإبادة الجماعية المستمرة للشهر الـ23 تواليا.
ويواجه قرابة 1.9 مليون غزي، أي ما يعادل 90% من إجمالي الأهالي، أوضاعا إنسانية كارثية بعد أن أجبرهم الاحتلال على النزوح مع استمرار العدوان.
وتشير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى أن آلاف العائلات تعرضت للنزوح عدة مرات، ما فاقم من هشاشة أوضاعهم وأفقدهم أي شعور بالأمان أو الاستقرار.
وفي تموز/يوليو وآب/أغسطس، تفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع، إذ يعاني النازحون من فشل شبه كامل في مواجهة الحر ونقص حاد في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية—وما بات يُوصف بـ'أسوأ سيناريو مجاعة' في أجزاء واسعة من القطاع.
ووفق تصنيف منظمة IPC في 29 تموز/يوليو، بلغت مناطق عدة من غزة حالة المجاعة الفعلية، بعد أن تجاوزت معايير المجاعة في استهلاك الغذاء وسوء التغذية الحاد، خاصةً في مدينة غزة.
وحذرت منظمات مثل الـIPC وWFP وUNICEF من أن الزمن ينفد لاستجابة إنسانية شاملة، لما وصلت إليه الأزمة من شح غذائي وكارثة صحية غير مسبوقة.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، استشهد 143 مواطنا في غزة خلال العام الجاري بسبب سوء التغذية، مقارنة بـ50 في عام 2024، وأربعة في عام 2023.
ومنذ بداية حرب الإبادة، استشهد 61,369 غزيا وأصيب 152,850 آخرون، وفق وزارة الصحة.
وتحت خيام تمزقها الشمس وتحاصرها المجاعة ونيران القصف، يعيش نازحو غزة على حافة الحياة، ويسرق منهم كل يوم يمر، مزيدا من القوة والأمل.
المصدر / فلسطين أون لاين
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بالصور بالصُّور … أمن المقاومة في غزَّة يحبط محاولة تجسُّس إسرائيليَّة
بالصور بالصُّور … أمن المقاومة في غزَّة يحبط محاولة تجسُّس إسرائيليَّة

فلسطين أون لاين

timeمنذ 4 أيام

  • فلسطين أون لاين

بالصور بالصُّور … أمن المقاومة في غزَّة يحبط محاولة تجسُّس إسرائيليَّة

متابعة/ فلسطين أون لاين أحبطت أجهزة أمن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم الأحد، محاولة إسرائيلية لزرع جهاز تجسس داخل أحد الأحياء المدمرة. وفي التفاصيل، أوضحت منصة "الحارس" التابعة لأمن المقاومة أن طائرة مسيّرة صغيرة من طراز "كواد كابتر" أطلقت فوق ركام منزل مدمر، كانت تحمل حجرًا يضم بداخله جهاز تجسس متطور، يحتوي على أدوات للتصوير والتسجيل إضافة إلى أجهزة إرسال عن بُعد. وحذّر أمن المقاومة السكان من التعامل مع أي أجسام مجهولة أو مشبوهة قد يعثرون عليها، مشددًا على ضرورة الإبلاغ الفوري عنها، لما قد تحويه من متفجرات أو معدات تهدد سلامتهم. وقبل أشهر، ضبط أمن المقاومة أجهزة تجسس في مناطق متفرقة بغزة، في إطار محاولات جيش الاحتلال مضاعفة المجهود الاستخباري بالقطاع، للوصول إلى معلومات عن أماكن تواجد الأسرى بغزة. ووفق التحليل الفني والعملياتي، قدر فنيو أمن المقاومة، أن أجهزة التجسس المضبوطة، تم زرعها من خلال حوامات صغيرة، على غرار حوامة "الكواد كابتر"، حيث يستغل العدو أوقات الإفطار والسحور وساعات الليل المتأخرة، من أجل تشغيل وتوجيه هذه الحوامات. وكشف موقع واللا العبري، أن جيش الاحتلال قد ضاعف جهوده الاستخبارية في قطاع غزة خلال الفترة الأخيرة، بهدف جمع معلومات حول أماكن تواجد الأسرى بشكل غير مسبوق. وقال الموقع العبري، إن الجيش الإسرائيلي يقوم بإلقاء أجهزة تجسس بحجم الحشرة عبر حوامات صغيرة للكشف عن أماكن تواجد الأسرى. ودعت منصة "الحارس" الأمنية، الفلسطينيين في قطاع غزة إلى اليقظة والحذر واتباع مجموعة من الإجراءات الأمنية، أبرزها؛ تمشيط أسطح المنازل والمباني والخيام بشكل دوري. كما طالبت المقاومين عدم الحديث في أمور عسكرية وأمنية داخل الأماكن غير الآمنة، وفي حال العثور على أجسام مشبوهة، الابتعاد عنها، وعدم الحديث بجوارها، وإبلاغ الأمن عنها فورًا، أو التواصل مع أمن المقاومة.

إنزال المساعدات الجوية يحصد المزيد من ضحايا الجوع ويعزز الفوضى
إنزال المساعدات الجوية يحصد المزيد من ضحايا الجوع ويعزز الفوضى

فلسطين أون لاين

timeمنذ 4 أيام

  • فلسطين أون لاين

إنزال المساعدات الجوية يحصد المزيد من ضحايا الجوع ويعزز الفوضى

غزة/ محمد عيد: "هذه ليست مساعدات إنزال جوية.. هذه مساعدات إذلال.. لا تكفي لشعب محاصر ولا تساوي نصف شاحنة تدخل برا"، بهذه الكلمات عبر الشاب عدي ناهض القرعان عن رأيه بشأن إسقاط بعض الدول العربية والغربية المساعدات الجوية فوق غزة التي تعيش مجاعة كارثية في العصر الحديث. وظهر القرعان في مقطع فيديو متداول وسط حشد من المواطنين يتدافعون صوب صندوق سقط أرضا من المساعدات الجوية، وتساءل بغضب: "لمن ستكفى هذه المساعدات؟ هل هذه طريقة إنسانية لتوزيع الطعام على شعب نازح ومنهك من الحرب والحصار والمجاعة؟". وأشار إلى أن آلية إيصال المساعدات عبر الإنزال الجوي تشعل الفوضى بين المجُوعين، وتدمر خيام النازحين المنكوبين، مستهجنا تقاعس تلك الدول عن كسر الحصار المطبق على غزة، وإنقاذ سكان القطاع من المجاعة وسوء التغذية التي حصدت أرواح 197 شهيدا بينهم 96 طفلا حتى اللحظة. وختم القرعان حديثه بأن هذه "مساعدات إذلال"، قبل أن يرتقي الأسبوع الماضي، نتيجة ارتطام صندوق مساعدات جوية بجسده وسقوطه أرضا دون إنقاذه من تدافع المواطنين المجُوعين. ولتفادي الغضب العالمي والأممي من مشاهد انتشار المجاعة وسوء التغذية بين الغزيين، سمح جيش الاحتلال مطلع أغسطس/ آب الجاري لطائرات عربية وغربية بتنفيذ عمليات إنزال مساعدات غذائية فوق سماء غزة. لكن حادثة ارتقاء الحكيم القرعان ومواطنين آخرين من بينهم آدم الشرباصي من غزة والطفل مهند عيد من النصيرات، خلال اليومين الماضين، نتيجة سقوط صندوق المساعدات فوق خيامهم، أعادت الجدل حول فعالية وسلامة إمداد غزة بالمساعدات عبر الإنزال الجوي. وأكد الدفاع المدني في غزة أنه يدرك حجم الاحتياج الإنساني إلا أنه يتابع بقلق لجوء جهات دولية لإنزال مساعدات جوا، مؤكدا أن هذه الآلية تهدد حياة المدنيين. "تقتل لا تنقذ" وعلى أية حال، يقول المواطن حسين مقداد (42 عاما) إنه وسط المجاعة ودعم جيش الاحتلال للفوضى وعصابات اللصوص بالسطو على شاحنات الدقيق، لم يعد خيارا أمامه سوى التوجه للمناطق المتوقع إنزال مساعدات جوية فيها. يعترف الأب لخمسة أبناء بمخاطر تلك الآلية وأنها ليست ذات جدوى، لكنه يذهب يوميا غرب مخيم النصيرات، ولخص الأمر: "نحن في مجاعة، لا توجد خيارات أمامنا سوى البحث عن الطعام من وسط الموت". ويضيف في حديثه لصحيفة "فلسطين": "الأطفال يصرخون من الجوع، والآباء أمام خيارات صعبة وضيقة جدا"، مشيرا إلى أن تدافع المجٌوعين صوب تلك الصناديق يتسبب بحوادث شجار وإصابات بين مختلف الأعمار. ويتابع: "الحل ليس بإلقاء المساعدات من الجو .. الحل يكمن بإدخال المساعدات بطريقة آمنة ويوميا لضمان وصولها لجميع السكان"، وهذا ما تريده الأرملة سناء أحمد (37 عاما) وتحدثت: "أنا زوجة شهيد، لا أستطيع مزاحمة الرجال على صندوق المساعدات". وبرأي الأرملة سناء في حديثها لصحيفة "فلسطين" فإن الحل يكمن بإيصال المساعدات الخاصة للنساء والأطفال بطريقة آمنة وفعالة. وناشدت تلك الدول بضرورة احترام كرامة المواطنين وتوزيع المساعدات الغذائية عليهم عبر مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية. ويحذر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) المدعوم من الأمم المتحدة من أن "أسوأ سيناريو للمجاعة يتكشف"، بينما وثقت منظمة الصحة العالمية ارتفاعا حادا في وفيات الأطفال المرتبطة بسوء التغذية. "هندسة التجويع" بحسب مدير المكتب الإعلام الحكومي د. إسماعيل الثوابتة فإن آلية إنزال المساعدات جوا يتسبب بارتقاء ضحايا وجرحى من المدنيين وتدمير خيام وممتلكات النازحين. وأفاد الثوابتة في حديثه لصحيفة "فلسطين" بارتفاع أعداد شهداء سقوط المساعدات الجوية لـ25 شهيدا منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023م وحتى اللحظة. وأوضح أن هذه الآلية غير فعالة ولا تساهم بالحد الأدنى من احتياجات المواطنين وسط "بحر الحاجة" الإنسانية لشعبنا. وتطرق إلى أثار سلبية أخرى لإنزال المساعدات كالفوضى وتشكيل عصابات اللصوص والبلطجة والتدافع، مؤكدا أن هذا ما يتعمد الاحتلال استغلاله كأداة لتعزيز الفوضى ضمن سياسة "هندسة التجويع" في إطار حرب الإبادة الجماعية. ونوه إلى أن غزة بحاجة لأزيد عن 600 شاحنة يوميا لإنقاذ سكانها ومختلف القطاعات الحيوية من الكارثة والإبادة الجماعية التي لا تزال (إسرائيل) تعمق دمار جميع مناحي الحياة فيها. وشدد الثوابتة على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية والصحية لغزة عبر معابرها ومنافذها البرية؛ لضمان وصولها للمؤسسات الأممية ووكالات الإغاثة العاملة في القطاع وتوزيعها بشكل آمن وعادل على السكان البالغ عددهم أزيد عن 2 مليون نسمة. تكلفة عالية تعتبر المنظمات الإنسانية عمليات الإنزال الجوي الملاذ الأخير بالنظر إلى المخاطر على الأرض. وكتب في هذا السياق المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني على موقع (إكس) أن عمليات الإنزال الجوي مكلفة وأقل فعالية من عمليات التسليم البرية عبر المعابر. وأضاف أن "كلفة عمليات الإنزال الجوي أكثر بمئة مرة على الأقل من تكلفة الشاحنات؛ إذ أن الشاحنات تحمل ضعف كمية المساعدات التي تحملها الطائرات". كما أقرّ وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول بمحدودية عمليات الإنزال الجوي، ودعا سلطات الاحتلال إلى فتح المعابر البرية لإيصال المساعدات بفعالية. وقال: "إن الطريق البري بالغ الأهمية. وهنا، يقع على عاتق (إسرائيل) واجب السماح بسرعة بمرور ما يكفي من المساعدات الإنسانية والطبية بأمان، حتى يمكن منع الوفيات الجماعية بسبب الجوع". أما منظمة الصحة العالمية فوصفت الإنزالات الجوية بأنها "حل مؤقت وغير عملي"، مطالبة بفتح المعابر أمام دخول ما لا يقل عن 600 شاحنة يوميًا لضمان تدفق الغذاء والدواء بشكل منتظم وكاف. المصدر / فلسطين أون لاين

تقرير "أفران قماشية".. نازحو غزة يذوبون تحت لهيب الخيام
تقرير "أفران قماشية".. نازحو غزة يذوبون تحت لهيب الخيام

فلسطين أون لاين

timeمنذ 4 أيام

  • فلسطين أون لاين

تقرير "أفران قماشية".. نازحو غزة يذوبون تحت لهيب الخيام

غزة/ نبيل سنونو: يختلط عرق الستينية نعمة معروف مع دموعها الساخنة، في خيمة نزوح قسري، تبدو كأنها فرن مشتعل، هي المأوى الحالي لها ولـ30 فردا معظمهم أطفال، يعيشون تفاصيل حياة يومية لا آدمية. تسلط الشمس أشعتها على خيمتهم المهترئة، المقامة على قارعة طريق عام في غزة، وتذوب معها أجسادهم، مع شح مياه الغسل والشرب، والغذاء في ظل المجاعة المحتدمة منذ مارس/آذار. "الشوب أكلنا"، تتساقط دموعها بلا توقف وتسبق كلماتها المنهكة، بينما يكتوي زوجها المسن بلهيب الشمس، ويضيق صدره، وتختنق أنفاسه، عاجزا عن تغيير واقع قاهر يفرضه الاحتلال منذ بدئه حرب الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. تتوسط نعمة أبناءها وأحفادها في الخيمة الضيقة التي لا تتجاوز أربعة مترات، تشاركهم الهم، فهي مسنة وهم أطفال من فئات هشة، يكتوون بالحر، وانعدام مقومات العيش. بين يديها حفيدها الرضيع، الذي تحاول عبثا إسكاته، وقد انطبع جسمه النحيل باللون الأحمر من شدة الحر، الذي لا تمنعه عنه أقمشة الخيمة. بدأت رحلة النزوح القسري لنعمة وعائلتها مع بداية حرب الإبادة، وقد حول الاحتلال منزلها في بيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى ذكريات فحسب، وخاضت مع عائلتها محطات تشرد إجبارية من بلدتها إلى مدينة غزة، مرورا بدير البلح وخانيونس ورفح ثم مجددا العودة إلى غزة التي تهدد (إسرائيل) حاليا باحتلالها بالكامل. وقبل نزوحها من بيت لاهيا، سعت نعمة إلى البقاء في بلدتها، لكن الاحتلال قصف كل شيء، بما في ذلك مراكز الإيواء، وقتل وأصاب النازحين بأحزمة نارية. توزع أنظار الحسرة على "المعذبين" في خيمة النزوح، قائلة لصحيفة "فلسطين": "الشتا صبرنا عليه، بس الشوب مش قادرين نصبر، صغارنا ساحوا من الحر، والحج (زوجها) بيبكي، حتى هواية ما في، ولا شجرة نستظل فيها". وتشير إلى النايلون الذي كانت تغطي به خيمتها وتمزق أيضا من الحر، مناشدة العالم بكلمات من القهر: "ارحمونا يا ناس اللي عنده رحمة يرحمنا من هالشوب.. حنوا على هالصغار". ويرتدي الأطفال في تلك الخيمة ملابس ثقيلة لافتقارهم إلى ملابس مناسبة لفصل الصيف، في ظل حصار مطبق يفرضه الاحتلال. تكشف نعمة عن جسد حفيدها، قائلة: "اطلع الحرارة كيف، شوف ظهره من الأواعي الشتوية، مفش أواعي صيفية، هدا الطفل مولود جديد، حتى حليب وبامبرز ما عنده". زوجها الذي يتكئ على فرشة ممزقة، يبدو في ذروة الحزن الذي يذرفه على هيئة دموع، دون أن يستطيع التعبير عما يختلج صدره من الأسى، بينما تلخص نعمة حاله، قائلة إنه "مختنق، وجسمه بيسيح". وفي ظل هذه المعاناة، تفتقر العائلة حتى إلى المراهم الطبية الجلدية التي تساعد في التخفيف من حدة الحر، الذي يكوي أجسادهم. انتابت نعمة، المصابة بمرضي السكر والضغط، نوبة بكاء وصرخة ألم. "والله اللي بيشوف جسمي ليحزن علي، الحر أكلني، والجوع أفقدني 40 كيلوجرام". ويضطر أفراد هذه العائلة إلى النوم أو الجلوس في العراء لضيق الخيمة مقارنة بعددهم، ويواجهون مأساة في توفير مقومات النظافة، أو المياه. لكن هذا ليس سوى غيض من فيض المعاناة، فقد أصيب حفيد نعمة (12 عاما) برصاصة أطلقتها طائرة إسرائيلية مسيرة "كواد كابتر)، وأصابته في خيمة النزوح وسط مدينة غزة، قبل أيام. "أوضاع كارثية" تجسد مأساة عائلة معروف حال عائلات غزة النازحة قسرا في خضم حرب الإبادة الجماعية المستمرة للشهر الـ23 تواليا. ويواجه قرابة 1.9 مليون غزي، أي ما يعادل 90% من إجمالي الأهالي، أوضاعا إنسانية كارثية بعد أن أجبرهم الاحتلال على النزوح مع استمرار العدوان. وتشير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى أن آلاف العائلات تعرضت للنزوح عدة مرات، ما فاقم من هشاشة أوضاعهم وأفقدهم أي شعور بالأمان أو الاستقرار. وفي تموز/يوليو وآب/أغسطس، تفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع، إذ يعاني النازحون من فشل شبه كامل في مواجهة الحر ونقص حاد في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية—وما بات يُوصف بـ'أسوأ سيناريو مجاعة' في أجزاء واسعة من القطاع. ووفق تصنيف منظمة IPC في 29 تموز/يوليو، بلغت مناطق عدة من غزة حالة المجاعة الفعلية، بعد أن تجاوزت معايير المجاعة في استهلاك الغذاء وسوء التغذية الحاد، خاصةً في مدينة غزة. وحذرت منظمات مثل الـIPC وWFP وUNICEF من أن الزمن ينفد لاستجابة إنسانية شاملة، لما وصلت إليه الأزمة من شح غذائي وكارثة صحية غير مسبوقة. ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، استشهد 143 مواطنا في غزة خلال العام الجاري بسبب سوء التغذية، مقارنة بـ50 في عام 2024، وأربعة في عام 2023. ومنذ بداية حرب الإبادة، استشهد 61,369 غزيا وأصيب 152,850 آخرون، وفق وزارة الصحة. وتحت خيام تمزقها الشمس وتحاصرها المجاعة ونيران القصف، يعيش نازحو غزة على حافة الحياة، ويسرق منهم كل يوم يمر، مزيدا من القوة والأمل. المصدر / فلسطين أون لاين

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store