
الدور المجتمعي للجامعات
كما أنها جبهات متقدمة في الدفاع عن القيم المجتمعية والثوابت الوطنية، ويزداد دور الجامعات وأهميتها يومياً، ذلك من أجل تحصين المجتمعات فكرياً، ومواجهة وتفكيك الخطابات المتطرفة التي تسعى لاختراق وإفساد العقول تحت شعارات دينية مضللة أو فكرية منحرفة.
حيث قدمت الجامعة نموذجاً يجب الاقتداء به من حيث تحويل الفضاء الأكاديمي إلى منصة لمواجهة الفكر المنحرف عبر أدوات ومعايير التحليل العلمي والتفكيك المعرفي.
وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين»، لا يمكن أن تقتصر على الإجراءات الأمنية والقانونية فقط، بل تتطلب خطاباً علمياً رصيناً بحيث يفكك خطابات التطرف ويكشف حقيقتها وغاياتها، ويعيد بناء المفاهيم المغلوطة التي يستثمرها ويستغلها الخطاب الإخواني المتطرف.
وفي هذا السياق، فإن جماعة «الإخوان» لا تمثل الإسلام، بل تمثل تحويراً سياسياً له، يخرجه من أصوله الدينية والروحية إلى ساحات الصراع السياسي، من أجل تحقيق أهداف الحزب والجماعة، وغايتهم تبرر وسيلتهم مهما كانت غير أخلاقية أو حتى منافية للدين وأحكامه. الخطورة في الطرح الإخواني لا تكمن في المفردات والمفاهيم المستخدمة فقط، بل في الأيديولوجية الكامنة خلفها.
فشعار الحاكمية الذي تتبناه الجماعة، ليس سوى غطاء لمشروع سياسي شمولي لا يعترف بالتعدد، ولا يقبل بالمواطنة، ويُقصي كل من لا ينتمي للتنظيم، بل يخرج كل من لا ينتمي له من الدين.
وبين المشروع الوطني والمشروع التنظيمي، وبين الخطابات الدينية المعتمدة على الفهم الصحيح للدين والخطابات المغلفة بالمظلومية المصطنعة وأفكار دينية مؤدلجة بعيدة كل البعد عن الفهم الصحيح لقيم ومبادئ الإسلام. من خلال تنظيم الجامعات للمؤتمرات والندوات العلمية المرتبطة والمتعلقة بالمجتمعات وأفكارها وقضاياها، تصبح بذلك مراكز للفكر الوطني، ومصانع لإنتاج الحصانة الفكرية، كما أنها تسهم في صياغة مستقبل مستقر فكرياً وأمنياً، ومن خلال الجامعات والمدارس تحصن الدولة أبناءها وتحميهم، بالفكر والمعرفة والوعي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
صحوة أوروبا
على مدى 20 شهراً، ومبادرات وقف الحرب على غزة متواصلة سواءً من الوسطاء أو من غيرهم، ورغم ذلك تم إحباط كل مسعى ليطول أمدها، وكلما طالت الحرب، ازدادت خسائر إسرائيل السياسية وغير السياسية، ويكفي أنها غيرت صورة إسرائيل وأحبطت جهود الإعلام الموالي لها، في تسويقها واحة للديمقراطية ودولة سلام وجيشها أخلاقي. أصبحت صورة إسرائيل اليوم عالمياً على النقيض تماماً عن صورتها قبل اشتعال هذه الحرب، وحقيقة هذه الدولة لم يكشفها أعداؤها ولا المتآمرون عليها، ولكن كشفتها أفعالها المتجاوزة للقوانين الدولية وللقيم الإنسانية، يراها الكثيرون حول العالم اليوم الدولة القاتلة للأطفال والنساء، لا تفرق بين مدني ومسلح في القتل، بعدما جعلت من كل كائن حي، ومن كل مبنى وشارع وزرع في القطاع المنكوب، هدفاً لآلتها العسكرية. إسرائيل أحبطت عشرات المبادرات لوقف الحرب، اختارت أن تتحدى العالم، والعالم نفد صبره، ولم يعد أمام المدافعين عنها بالأمس سوى الوقوف في وجهها اليوم. أوروبا التي اعتبرت دعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً فريضة عليها، وجدت نفسها مضطرة للتوقف عن أداء الفريضة، غيرت لغتها الدبلوماسية تدريجياً، من الدعم المطلق لإسرائيل، ومنع التظاهر ضدها ومحاكمة من يطالب بوقف الحرب، أو يؤيد الحق الفلسطيني في بداية المعركة، إلى مناشدة نتنياهو التوقف بدبلوماسية ناعمة، إلى المناشدة الخشنة واستخدام اللغة الحادة، حتى وصل الأمر خلال الأيام الأخيرة إلى استنكار الجرائم الإسرائيلية غير المسبوقة والمطالبة بإنهاء حصار غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، ووقف حرب التجويع والإبادة، والتهديد بفرض عقوبات عليها. الضمير الأوروبي كان جزء منه يقظاً منذ انطلاق الحرب الظالمة، لكن غالبيته كان في سبات عميق، قليل من الأوروبيين تعاطفوا مع أهل غزة، وعبّروا عن ذلك بالتظاهر والاستهجان والتنديد عبر السوشيال ميديا، ولكن مع طول أمد الحرب واستمرار الحصار والحرمان من الطعام والدواء، ومع تدمير كل معالم الحياة، بدأت المواقف تتبدل، وانضم الداعمون لإسرائيل إلى الرافضين لحربها وسياساتها وغرورها. بعد أن كان معظم المتعاطفين مع الحق الفلسطيني من الطلاب والشباب والعمال، أصبحوا من كل الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، وأصبح اسم فلسطين حاضراً في المجالس النيابية الأوروبية، وأصبح انتقاد نواب لصناع القرار أمراً معتاداً في معظم العواصم. مساحة الرفض اتسعت ومساحة التنديد الشعبي تمددت، ومساحة النشر الإعلامي للحقائق تزايدت، ليتحول التعاطف مع أهل الحق إلى طوفان يجرف في طريقه كل مضلل ومزيّف، وهو ما فرض على أصحاب القرار الاستماع إلى صوت شعوبهم، وتبني مواقف الرأي العام، وتغيير النهج والانتقال إلى الضفة الأخرى لعلها تكون المنجّية لهم سياسياً، والداعمة لهم انتخابياً. الأوروبيون اليوم منهم من اعترف بالدولة الفلسطينية، بعد أشهر من اندلاع هذه الحرب، ومنهم من يعد بالاعتراف بها خلال أسابيع، ومنهم من يعلن عدم التخلي عن حل الدولتين، وقياداتهم تُجمع على ضرورة معاقبة إسرائيل، ومراجعة اتفاقيات التعاون والشراكة معها، وبينهم من يدرس وقف تزويدها بالسلاح. الكوفية الفلسطينية على رقاب شباب أوروبا، والعلم الفلسطيني يلون شوارع المدن هناك، وجملة «فلسطين حرة»، أصبحت تتردد في المهرجانات الفنية والسينمائية والفعاليات الرياضية والمؤتمرات الثقافية والمناسبات الاجتماعية، واللوبي الصهيوني الذي كان يحدد بالأمس اتجاهات الرأي العام الأوروبي، فقد القدرة على التحكم في قناعات الناس،الصوت الإسرائيلي لم يعد مسموعاً والصوت المناهض للحرب أصبح يخترق العقول، ويسكن في الوجدان الجمعي، لتصبح أوروبا اليوم جديدة في مواقفها تسعى لاستعادة إنسانيتها، مساعٍ قد تنجح وقد تحبطها قوة رأس المال وتعيدها إلى ما كانت عليه سابقاً، ولكنها في النهاية مساع تضيء على قضية شعب مطارد على أرضه، مهدد في مستقبله خائف من غده.. الماضي يمكن أن يلاحق المستقبل، والأمل أن تنجح قوة وقسوة الحاضر في قطع الطريق عليه، وإعادته ليتقوقع داخل ذاته تاركاً المستقبل يرسم لنفسه الصورة المبتغاة، ورغم أن الحرب ضروس وأن الأقوى عالمياً لا يزال منحازاً لإسرائيل، إلا أن الدرس الأوروبي يستحق التعلم منه. ليست أوروبا هي المحطة الأخيرة التي تقرر الوقوف ضد همجية الحرب على غزة، فهناك محطات أخرى يتصارع فيها المؤيدون لإسرائيل والمعارضون لها، ولعل المحطة الأمريكية هي الأهم، باعتبار أن واشنطن هي مركز صناعة القرار العالمي، وهي الداعم الأول لإسرائيل سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، وتغير الموقف الأمريكي ليس بالأمر المستحيل، ولنا في الموقف البريطاني درس وعبرة، فبريطانيا هي صاحبة قرار وعد بلفور، وهو الفعل الذي لن يسقط من ذاكرة التاريخ. ورغم ذلك فقد تغير موقف بريطانيا ولم تعد تتقبل إصرار إسرائيل على مواصلة الحرب، والطلاب والشباب في أمريكا أصحاب مواقف معلنة، وبسبب مواقفهم تعرضت الجامعات الأمريكية، وما زالت لمواقف متعنتة، وما تتعرض له جامعة هارفارد الأفضل عالمياً، يشغل العالم؛ والتضييق على الطلاب وتهديدهم لم يمنع ممثليهم في خطاب التخرج في أكثر من جامعة أمريكية، من الخروج عن النص، والتنديد بإسرائيل غير عابئين بالنتائج السيئة على مستقبلهم.

البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
54 ألف شاركوا في النسخة الرابعة للقمة الشرطية العالمية
شهدت النسخة الرابعة من القمة الشرطية العالمية، التي نظّمتها شرطة دبي بالشراكة مع دي إكس بي لايف، ذراع تقديم خدمات تنظيم وإدارة الفعاليات المتكاملة في مركز دبي التجاري العالمي، وأقيمت تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، مشاركة قياسية من 922 من أبرز قادة الشرطة والمتخصصين والدبلوماسيين والمنظّمات الدوليّة في العالم، الأمر الذي عززّ مكانة دبي كوجهة عالمية للحوار في مجال الأمن. ورحبت القمة بـ 53,922 مشارك من أكثر من 110 دول، بزيادة أكثر من 300% في عدد المشاركين مقارنة بالنسخة السابقة، من بينهم 6 وزراء داخلية، و4 نواب وزراء، و45 قائد شرطة، و41 نائب قائد شرطة، و 692 من السفراء والقناصل والدبلوماسيين رفيعي المستوى، ما يجعلها واحدة من أكبر الفعاليات العالمية في مجال إنفاذ القانون. واستضافت القمة الشرطية العالمية التي جرت فعالياتها في الفترة من 13 – 15 مايو في مركز دبي التجاري العالمي140 جلسة حوارية متخصصة، بمشاركة 302 متحدث دولي، وتناولت الجلسات أبرز القضايا الأمنية ضمن 12 محورًا هي مكافحة غسل الأموال، التحوّل الرقمي، التعاون الشرطي العابر للحدود، العمليات الشرطية، مكافحة المخدرات، أمن الطيران، الأمن السيبراني والاحتيال الرقمي، استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل الشرطي، مكافحة الجريمة المنظمة، الشرطة المجتمعية، السلامة المرورية، وتأهيل وتدريب الضباط الشباب. و شهدت القمة توقيع 38 مذكرة تفاهم بين الجهات الأمنية والمؤسسات التقنية والأكاديمية بهدف تعزيز التعاون والتكامل الأمني، وقد بلغ عدد المتنافسين على جوائز القمة 900 متسابق، وتكريم 12 فائزًا منهم في الحفل الخاص بالجائزة الذي يقام سنويًا احتفاء بالمتميزين في العمل الشرطي على مستوى العالم، وسط حضور رفيع المستوى. وبهذه المناسبة قال المقدم الدكتور راشد حمدان الغافري، الأمين العام للقمة الشرطية العالمية: "لقد تجاوزت نتائج القمة كل التوقعات من حيث المشاركة، ومستوى الحضور وعمق النقاشات وأثرها العالمي والإقليمي، ويؤكد هذا النجاح التزامنا بجعل دبي مركزًا للتعاون الشرطي الدولي، ومنصةً للتبادل المعرفي والابتكار في المجال الأمني." وبهذا الصدد قال خالد الحمادي، النائب الأول للرئيس التنفيذي لمركز دبي التجاري العالمي لـ دي إكس بي لايف: "سعدنا كثيرًا بمشاركتنا في تنظيم هذا الحدث العالمي الذي أصبح واحدًا من أهم الفعاليات الشرطية على مستوى العالم، ونحن على ثقة أن هذا النجاح سوف يتواصل في الدورات القادمة، ما يعزز أكثر مكانة دبي كوجهة لإقامة أهم الفعاليات العالمية". تضمنت القمة فعاليات جانبية بارزة مثل "لآلئ في العمل الشرطي " (Pearls in Policing)، وندوة أكاديمية نظمتها جامعة نيويورك أبوظبي، كما شهدت مشاركة منظّمات دولية كبرى بما في ذلك الإنتربول، واليوروبول، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، ومنظّمة الصحّة العالميّة (WHO ( وكان للمرأة حضورًا بارزًا في مختلف الجلسات والنقاشات، حيث برزت القيادات النسائية في أدوار استراتيجية، وناقشت بعض الجلسات أهمية تمكين المرأة في القطاع الأمني، في حين ناقشت ورش العمل التفاعلية سبل إعداد وتدريب جيل جديد من الضباط الشباب لمواجهة تحديات المستقبل. كما حظيت القمة بدعم قوي، ومثل طيران الإمارات الشريك الاستراتيجي والناقل الرسمي لوفود القمة، هذا بالإضافة إلى عدد من الشركاء والرعاة الاستراتيجيين والذهبيين من كبرى الشركات العالمية المتخصصة في الأمن والتكنولوجيا، من ضمنهم IDEMIA،Dell Technologies، Dahua، Alcatel-Lucent Enterprise، G42، وآخرون. ومن بين أهم الرعاة من القطاع الخاص، برزت شركة بريسايت للعام الثالث على التوالي كراعٍ رسمي للقمة، مؤكدة التزامها بدعم الجهود الأمنية العالمية عبر تحليلات البيانات المتقدمة. وقال نيك كليمنتس، الرئيس التنفيذي للتسويق في بريسايت: "استعرضنا هذا العام حلولًا مبتكرة لمعالجة تحدّيات الأمن والبيانات المعاصرة، ونحن على يقين أن المشاركين غادروا القمة برؤى قيّمة حول أحدث التوجهات في القطاع، وكيف يمكن لحلول بريسايت أن تمكّنهم من اتخاذ قرارات قائمة على البيانات." كما شددت شركة زينيث تكنولوجيز على أهمية التعاون الاستباقي مع الجهات الأمنية، وقال راسل حماد، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة: "نفتخر بشراكتنا الفاعلة مع شرطة دبي لتعزيز السلامة المرورية عبر حلول تكنولوجية ذكية تدعم إنفاذ القانون بشكل أكثر كفاءة وأمانًا". وفي السياق ذاته، شاركت شركة فيديرال سيغنال كوربوريشن في القمة لاستعراض أحدث تقنياتها في مجال أنظمة الإضاءة المتقدمة لمركبات الشرطة، وقال نيكولاس ناكاتسوكا، مدير المشاريع بالشركة: "استعرضنا خلال القمة تقنية Celaris LED المتقدمة، إلى جانب نظام FS Join لمزامنة أنظمة الإضاءة في المركبات، بهدف تعزيز الرؤية والسلامة والكفاءة التشغيلية لأساطيل الجهات الأمنية حول العالم." وتواصل القمة الشرطية العالمية منذ انطلاق نسختها الأولى في عام 2022، ترسيخ مكانتها كإحدى أهم المنصات العالمية لتبادل الخبرات وصياغة مستقبل العمل الشرطي من خلال طرح الحلول الأمنية المبتكرة والمستدامة التي تخدم المجتمعات حول العالم؛ كما تلعب القمة دورًا مهمًا في تعزيز مكانة دبي في مجال السياحة والترفيه والأعمال، وتنظيم الفعاليات العالمية المتخصصة التي تجتذب أصحاب الخبرة والمختصين والمشاهير، وبصفتها إحدى أهم الوجهات الأكثر أمنًا في العالم.


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
أزمة الثقافة والمثقفين.. كلام عند الجذور
لا تنشأ أزمات الثقافة والمثقفين في فراغ تاريخ، أو خارج أي سياق. المراجعة ضرورية من عند الجذور حتى يمكن تبين حقيقتها وطبيعتها من عصر لآخر، أو كيف وصلنا إلى الحديث بسخط عن اضمحلال الدور الثقافي المصري؟ عند تأسيس الدولة الحديثة عام 1805 استند محمد علي إلى ركيزتين أساسيتين: * أولاهما- بناء جيش قوي يستطيع أن يُلبي طموحه في تثبيت حكمه، والتطلع إلى خارج الحدود منازعاً الخلافة العثمانية، وربما وراثتها. * وثانيتهما- إرسال بعثات تعليمية تتلقى العلوم الحديثة من الجامعات الأوروبية، حتى يمكن التطلع إلى تحسين جوهري في أداء المهام العامة. وكان الدور الذي لعبه الشيخ الأزهري رفاعة رافع الطهطاوي في إلهام فكرة الحداثة والتجديد والالتحاق بالعصر والاطلاع على علومه ونظمه بكتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» تأسيساً ل«الإنتليجنسيا» المصرية، التي ولدت من رحم البعثات التعليمية وأدوار الدولة وتولت المناصب في دولابها. بأثر الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) ارتفعت نداءات حق تقرير المصير، نهض المصريون بقيادة سعد زغلول لطلب الاستقلال والدستور في (1919). لم يكن هناك مشروع ثقافي للثورة، لكن الجو العام في البلد ولّد طاقة ثقافية غير مسبوقة في كل مجالات الإبداع والتفكير. ظهرت قامات ثقافية رفيعة من وزن الدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد وبرزت ذائقة فنية جديدة بإبداعات سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم في الغناء، ومحمود مختار في النحت. بدت مصر كأنها تولد من جديد وأخذت زمام الريادة الثقافية في العالم العربي. بعد ثورة يوليو (1952) نشأت تجربة مختلفة، اعتماداً على مشروع ثقافي واضح ومحدد وبرعاية الدولة، على عكس ما جرى بعد ثورة (1919). اتسعت مساحة القراءة العامة بما هو جدير بالاطلاع عليه من فكر وأدب وإبداع لكتّاب مصريين. وازدهرت حركة الترجمة لإتاحة ما ينشر من فكر حديث في الغرب أمام القارئ بأرخص الأسعار. جرت ثورة في المسرح المصري ونشأ جيل من المسرحيين العظام مثل يوسف إدريس وسعد الدين وهبة، وألفريد فرج ومحمود دياب، وميخائيل رومان، ونعمان عاشور. أنشئت أكاديمية الفنون في الهرم وأرسلت بعثات إلى عواصم أوروبية، خاصة موسكو، لتعلم الموسيقى الكلاسيكية وفن الباليه والمسرح. انتشرت قصور الثقافة في كل المدن، كأنها تلاحق التوسع في إنشاء المدارس والمستشفيات العامة، لكنها تتعرض للتقويض والإغلاق الآن بذرائع غير مقنعة. كانت تلك ثورة ثقافية متكاملة الأركان أتاحت حرية النقد والاختلاف. كانت تلك مفارقة، حيث سمح في الإبداع القصصي والمسرحي بما لم يكن مسموحاً به على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون من نقد. الثقافة والإعلام قضيتان متلازمتان، كلتاهما تحتاج للأخرى لاستكمال أدوارها. وفيما اتسعت حريات النقد والتعبير في الأولى ضاقت بالثانية. على أوراق صحف جرت عام 1961 مساجلات من مواقع فكرية مختلفة حول ما أطلق عليها أزمة المثقفين. شارك رئيس تحرير الأهرام محمد حسنين هيكل في تلك المساجلات، وضمّن رأيه في كتابه أزمة المثقفين، الذي نشره (1962). ألمع ما في ذلك الكتاب تفرقته بين أهل الثقة وأهل الخبرة. كانت تلك المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه التفرقة، التي شاعت واستخدمت على عكس ما قصده. كان تقديره أنه ليست هناك مفاضلة بين العسكريين والمدنيين، أو خطوط فاصلة، فأهل الثقة يمكن أن يكونوا أهل خبرة، كما أن الكثيرين من أهل الخبرة يمكن أن يكونوا محل ثقة. من بين الذين توفرت فيهم الصفتان: محمود يونس، الذي تولى مسؤولية قناة السويس، ومحمود رياض الذي تولى مسؤولية السياسة الخارجية، ومجدي حسنين صاحب مشروع تعمير الصحراء ومؤسس الوادي الجديد. مشكلة السلطة، أي سلطة، في أصحاب المصالح الذين يتصيدون الفرص بزعم أنهم أهل ثقة. كانت إحدى معضلات يوليو، التي عانت منها، أن الذين تصيدوا الفرص كانوا أول من انقلبوا عليها. في سبعينيات القرن الماضي، جرى انقلاب كامل على إرث يوليو الثقافي. نشأت أزمة مثقفين من نوع آخر، أطلق عليهم الرئيس الأسبق أنور السادات: الأفندية. اضطرت أعداد كبيرة منهم إلى الهجرة الجماعية خارج مصر، التي عرفت لأول مرة في تاريخها الحديث ظاهرة الطيور المهاجرة. في سنوات حسني مبارك تحسنت الأجواء نسبياً، حدثت إنجازات حقيقية لا يمكن إنكارها في البنية الثقافية التحتية، لكنها تصادمت مع طبيعة المرحلة، التي وصفها وزير الثقافة فاروق حسني بسنوات التحاريق. بعد ثورة يناير (2011) ولدت أجيال جديدة من المثقفين والمبدعين دون أن تتوفر أي جسور ممتدة تدعمهم وتفتح الآفاق المسدودة أمامهم. كان الإقصاء عنواناً رئيسياً لأزمة المثقفين في آخر صورها. أثناء احتجاجات 30 يونيو تقدم المثقفون للدفاع عن حلم الدولة المدنية الديمقراطية المجهض، اعتصموا في وزارة الثقافة وأقاموا أمامها عروض أوبرا وباليه، لكنهم وجدوا أنفسهم بعدها في حالة انكفاء إجباري. كانت تلك صورة أخرى لأزمات المثقفين، التي أخذت تتمدد في التعليم والنظرة إليه، نالت من هوية القاهرة وإرثها الحضاري دون اعتداد بآراء أهل الاختصاص. أخطر ما يحدث الآن غياب أي مشروع ثقافي يطلق طاقة البلد في الإبداع والخلق ويصون حرية التعبير والتفكير. أي كلام آخر لف ودوران حول الأزمة الضاغطة.