
فحم ورمال وعظام مطحونة.. رحلة الإنسان في البحث عن معجون الأسنان
تاريخ طويل وسوق بـ19 مليار دولار
على غير المتوقع، حرص القدماء على العناية بصحة ونظافة أسنانهم، واستخدموا منتجات بدائية متاحة حولهم. ومع التطور، ازداد الاهتمام بصحة الأسنان والعناية بها، حتى إن بيانات شركة أبحاث السوق العالمية "فورتشن بيزنس إنسايتس"، كشفت نموا ملحوظا للسوق العالمي لمعجون الأسنان، بلغت قيمته نحو 19.4 مليار دولار عام 2024، مع توقعات بتجاوز 29 مليار دولار بحلول 2032، خاصة في ظل أرقام صادمة تشير إلى أن 3.5 مليارات شخص حول العالم يعانون من أمراض فموية، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية.
وفي روتين النظافة اليومية، يلعب معجون الأسنان دورا كبيرا في حمايتها والحفاظ على نظافتها وصحتها.
"المعجون" في الحضارات القديمة
استخدمت الحضارات القديمة، بما فيها المصريون والإغريق والرومان، معجون الأسنان لتنظيف الأسنان وتنقية النفس. وسعوا إلى ابتكار طرق بدائية لكنها كانت فعالة.
وفي مصر القديمة، حوالي عام 3000 قبل الميلاد، طور المصريون أول وصفة معروفة لمعجون الأسنان، وكانت تتكون من حوافر الثيران المطحونة، ونبات المر الصمغي، وقشور البيض، وحجر الخفاف والماء. وبحسب المؤسسة المختصة في طب الأسنان "دلتا دنتال أركنساس"، أظهرت هذه المكونات فهما مبكرا لفكرة التلميع والتعقيم، إذ لا يزال الخفاف يستخدم حتى اليوم من قبل مختصي صحة الأسنان لتلميعها خلال جلسات التنظيف الاحترافية.
ولم يكتف المصريون القدماء بالخلطة السابقة في العناية بأسنانهم، لكنهم استخدموا مع الصينيين ملح الصخور مع مكونات أخرى في صناعة معاجين الأسنان، وفقا للمركز المختص بطب الأسنان "ماي ويلنيس دينتال".
واستخدم المصريون ملح الصخور ممزوجا مع النعناع وزهور السوسن المجففة وأصداف المحار، في تنظيف الأسنان وتبييضها.
وبالمثل، مزج الصينيون ملح الصخور مع أنواع مختلفة من النعناع العشبي والجينسنغ ومواد طبيعية أخرى لصنع معجون أسنان خاص بهم، يجمع بين الكشط الخفيف والخصائص العطرية التي تساعد على إنعاش النفس.
وفي الصين القديمة، أيضا، استخدم الصينيون عظام السمك المطحونة كمادة لتنظيف الأسنان.
وفي الحضارات اليونانية والرومانية القديمة، صنع معجون الأسنان من العظام المطحونة وأصداف المحار لكشط الأسنان.
أما العرب، فقد استخدموا الرمل الناعم كمادة لتنظيف الأسنان بسبب وفرته. وفي الوقت نفسه، جرب الأوروبيون استخدام ملح الطعام للغرض نفسه، مستفيدين من قدرته على الكشط والتعقيم.
رحلة تطور "المعجون"
ظل معجون الأسنان على حاله تقريبا حتى القرن الـ19، عندما استخدم مزيج من الفحم، والرماد، وحتى غبار الطوب الطيني لتنظيف الأسنان، وفقا لتقرير منشور على موقع مركز الأسنان "بوسطن سمايل".
ومثل معاجين الأسنان القديمة، كانت هذه المكونات تطحن معا لتكوين مادة تشبه المعجون اللزج عند إضافة الماء إليها.
ومع منتصف القرن الـ19، بدأ التحول الفعلي نحو شكل معجون الأسنان الموجود حاليا. وبحسب "دلتا دنتال أركنساس"، شهد عام 1824، إضافة الصابون إلى تركيبة معجون الأسنان، وفي خمسينيات القرن أضيف الطباشير كمادة تلميع، وكان قوامه يشبه المعجون المستخدم اليوم، واستخدم في بعض العيادات المتخصصة.
لكن التطور الكبير جاء عام 1873، عندما بدأت شركة "كولجيت" في إنتاج معجون الأسنان بكميات كبيرة وتغليفه في عبوات زجاجية وطرحه في الأسواق. وطور الدكتور الأميركي واشنطن وينتوورث شيفيلد، أول معجون أسنان ناعم بنكهة النعناع وأنتجه عام 1892 في أنبوب قابل للطي مستوحيا الفكرة من أنابيب الطلاء الفنية.
واستمر تطوير أنواع مختلفة من معاجين الأسنان، وبحلول أوائل القرن الـ20، أضيف الفلورايد إلى العديد من المنتجات لتقوية مينا الأسنان والوقاية من التسوس.
وبحلول عام 1945، تم الاستغناء نهائيا عن الصابون كمكون رئيسي في معجون الأسنان، واستبدل بمواد أكثر فعالية مثل كبريتات لوريل الصوديوم، التي ساهمت في تحسين القوام والرغوة وجعل المنتج أكثر لطفا على الفم.
ومع التطور أكثر تنوعت معاجين الأسنان، وتخصصت في علاج مشاكل محددة، حيث يوجد معجون لتبييض الأسنان، وآخر لتقليل حساسية الأسنان، ومعجون للتحكم في الجير، ونوع مختلف لاستعادة المعادن إلى مينا الأسنان، و آخر للأطفال بنكهة لطيفة ومحتوى فلورايد منخفض.
ووفقا لـ"ماي ويلنيس دينتال"، هذا التطور جعل من معجون الأسنان أداة فعالة في الحفاظ على صحة الفم وتعزيز نظافة الأسنان واللثة. وأصبحت معاجين الأسنان الحديثة تجمع بين الفعالية العالية والمذاق الجيد، وساهم تحسين النكهات في جعل استخدام المعجون تجربة أكثر قبولا، في حين تساعد مكوناته المنعشة على التخلص من البكتيريا ورائحة الفم الكريهة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
عودة "التكية الإسلامية".. مشروع اجتماعي يثير الجدل في مصر
القاهرة- في خطوة تهدف إلى التخفيف من معاناة الفئات الأكثر احتياجا، أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، الدكتورة مايا مرسي، عن دراسة لإحياء مشروع "التكية الإسلامية" برؤية عصرية، باعتبارها أحد الحلول المستدامة لدعم الفقراء والمحتاجين في المجتمع. ويهدف المشروع إلى تقديم وجبات غذائية مجانية يوميا للفئات التي تعاني فقرا مدقعا أو تفتقر لمصدر دخل ثابت، وذلك بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، وتحت رقابة تضمن الكفاءة والشفافية الكاملة في تقديم الخدمات. وأوضح الدكتور محمد العقبي، مساعد الوزيرة للاتصال الإستراتيجي والمتحدث الرسمي باسم الوزارة، أن تصريحات الوزيرة جاءت بعد نجاح مبادرة "أهل الخير للإطعام" خلال شهر رمضان الماضي، والتي أثمرت عن توزيع أكثر من 52 مليون وجبة، بالتعاون مع عدد من الجهات المجتمعية. وأشار إلى التشابه في الهدف بين المبادرة وفكرة "التكية" التاريخية، قائلا إن "هناك تشابها كبيرا بين فكرة الإطعام وتقديم الوجبات الساخنة والوجبات الطيبة المعدة باهتمام سواء لغير القادرين أو الأسر الفقيرة أو غيرها، هو نفس الدور تقريبا الذي كانت تقوم به التكية، لذا حدث الربط بين المفهوم التاريخي للتكية، وما طرحته الوزيرة". وأكد أن تنفيذ المشروع الضخم يتطلب تنسيقا وشراكة مع جميع أجهزة الدولة والوزارات لضمان نجاحه، مضيفا: "ننسق مع وزارات التنمية المحلية والصحة والأوقاف، لأننا سنحتاج إلى استخدام عديد من الأماكن التابعة للأوقاف، في النهاية، نحن لا نعد مشروعا للوزارة لكن خدمة للمواطن المصري، والمرجو من كل هذا الجهد هو رضا المواطن". إعلان الوزيرة أعاد إلى الواجهة تساؤلات حول مفهوم "التكية" وأصولها التاريخية، كما فتح الباب أمام نقاشات واسعة بشأن جدوى المشروع وآلية تطبيقه، ومدى ملاءمته لمتطلبات التنمية الحديثة. مقاربات جديدة لمعالجة الفقر من جانبه، اعتبر الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، أن تفاقم معدلات الفقر في المجتمعات يتطلب حلولا مستدامة لا مؤقتة، معتبرا أن طرح فكرة التكية يأتي ضمن هذه المحاولات. لكنه في الوقت نفسه أبدى تحفظه الشديد على المشروع، مشيرا إلى أنه يحمل "فشلا ضمنيا" في مضمونه، لا سيما من خلال تسميته. وفي حديث للجزيرة نت، شدد هندي على ضرورة تجنب الصبغة الدينية في مثل هذه المشاريع الاجتماعية، لافتا إلى أن المسيحية أيضا لها مبادرات ومؤسسات خيرية نشطة تخدم الفئات الفقيرة منذ عقود. موروث ثقافي ورأى هندي أن اسم "التكية" نفسه يرتبط في الوعي الشعبي المصري بجلسات الذكر الصوفية والانقطاع عن العمل، وهو ما لا يتماشى مع المفاهيم المعاصرة التي تشجع على العمل والإنتاج، مضيفا: "هذا الموروث الثقافي غير محفز، ولا يتماشى مع التنمية التي ننشدها". وأشار إلى أن دعم الفقراء لا ينبغي أن يقتصر على تقديم الطعام، بل يجب أن يترافق مع خطط لتعليمهم وتأهيلهم وتوفير فرص عمل لهم، وهو ما يتوافق مع توجه الدولة نحو التنمية المستدامة. وأضاف: "المطلوب رفع قيمة الدعم التمويني، وزيادة مخصصات برنامج تكافل وكرامة، إلى جانب مشاريع تنموية حقيقية تعزز من كرامة الإنسان". واختتم تصريحاته مؤكدا دعمه أي مبادرة تستهدف الفئات المهمشة، لكنه دعا إلى اعتماد أساليب حديثة، مثل التقديم الإلكتروني للطلبات بدلا من الوقوف في طوابير انتظار المساعدة، بما يحفظ كرامة المحتاج. من جانبه، دعا الدكتور عبد الرحيم ريحان، خبير الآثار وعضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، إلى إعادة توظيف التكايا بوصفها كيانات اجتماعية وخدمية، مشيرا إلى أنها كانت ملاذا للفقراء وعابري السبيل، قبل أن تتحول في مراحل لاحقة إلى مراكز للذِكر الصوفي فقط. وبيّن ريحان -في حديث للجزيرة نت- أن التكية تعد من المنشآت الدينية المهمة التي تعود إلى العصر العثماني، إذ نشأت في الأناضول وامتدت إلى ولايات الدولة العثمانية، وكذلك في سلطنة مغول الهند وما قبل الدولة الصفوية في إيران. وأضاف أن التكايا كانت في البداية مخصصة لإقامة المتصوفة المنقطعين للعبادة، لكنها أدت لاحقا وظائف أخرى، مثل تطبيب المرضى، وهو الدور الذي كانت تضطلع به البيمارستانات في العصرين الأيوبي والمملوكي بمصر قبل أن يضمحل دورها مع دخول العثمانيين. وأشار إلى أن كلمة "تكية" أصلها فارسي وتعني "مكان الاستراحة" أو "الدعامة"، وقد تطور دورها لاحقا لتكون مأوى للفقراء والمسافرين، بل وحتى المحتضرين، وكانت تمول غالبا من أوقاف خاصة أو تبرعات من كبار الدولة. دعم الفقراء وأوضح ريحان أن التكايا في العصر العثماني تحولت إلى مأوى للعاطلين عن العمل، خاصة من المهاجرين العثمانيين إلى الولايات الغنية مثل مصر والشام، وكان يطلق على سكانها اسم الدراويش، حيث كانوا يعيشون على المخصصات الشهرية التي تصرف لهم من التكية. وأشار إلى أن الإنفاق على التكايا كان يتم من خلال أوقاف خصصها سلاطين آل عثمان وأمراء المماليك وكبار المصريين، لتوفير سكن ومعيشة لروادها، مما جعل منها منظومة متكاملة للرعاية الاجتماعية. وفي ضوء ذلك، يرى ريحان أن إعادة إحياء التكايا برؤية معاصرة لا يتعارض مع التوجه التنموي، شرط أن يعاد تأطيرها لتواكب معايير الشفافية والعدالة الاجتماعية، وتفتح أمام الجميع دون تمييز ديني أو طبقي، بحيث تصبح جزءا من شبكة حماية مجتمعية أوسع.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
مقررة أممية للجزيرة: إسرائيل وأميركا تحاولان إبادة الشعب الفلسطيني
يمثل السلوك الذي تمارسه إسرائيل وحلفاؤها في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عموما، فصلا عنصريا وسعيا ممنهجا لمحو الشعب الفلسطيني، وفق ما أكدته المقررة الأممية المعنية بالحق في الصحة تلالنغ موفوكينغ. فعلى مدار نحو عامين، عملت قوات الاحتلال بشكل ممنهج وبحماية من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، على تدمير القطاع الصحي في غزة، وتجويع الناس وإرهاقهم بما يمثل إبادة جماعية واضحة، حسب ما قالته موفوكينغ في مقابلة للجزيرة اليوم الثلاثاء. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية ، فقد أدى الاستهداف الممنهج للمستشفيات في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين. ويعاني القطاع الصحي في غزة استنزافا حادا حيث وصلت القوة الاستيعابية للمستشفيات إلى مستويات غير مسبوقة بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل ومنع إدخال الطعام والشراب والأدوية والوقود. كما أصبح تقديم الخدمات الصحية الأساسية -من رعاية الأمهات والمواليد إلى علاج الأمراض المزمنة- عرضةً للخطر الشديد، بسبب صعوبة الوصول والأعمال القتالية التي تقع قرب المستشفيات، كما تقول الصحة العالمية. وكانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت قرارا قبل عام يعتبر الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية غير قانوني، ويطالبها باحترام التزاماتها الدولية كقوة احتلال. إبادة بدعم أميركي وغربي لكن موفوكينغ تقول، إن المسؤولين الإسرائيليين يتجاهلون الطلبات والنداءات الملحة التي تطلقها الأمم المتحدة ، ويواصلون -بدعم من الولايات المتحدة وقادة العالم الديمقراطي- تدمير المنظومة الصحية بطريقة لا يمكن إصلاحها. وتحاول إسرائيل والولايات المتحدة جر الفلسطينيين في غزة إلى فخ مميت في المدينة الإنسانية التي تخططان لإقامتها على أنقاض رفح جنوبي القطاع، وهو ما وصفته موفوكينغ بأنه "إبادة جماعية واضحة". وطالبت موفوكينغ، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة والأمين العام ورئيس لجنة حقوق الإنسان باستخدام صلاحياتهم لضمان محاسبة إسرائيل وإلزامها بوقف غير مشروط لإطلاق النار في غزة. وقالت المقررة الأممية، على هؤلاء المسؤولين الحديث بصوت عال ضد ما يحدث للمقررين الأمميين المستقلين، الذين يواجهون عقوبات أميركية ومحاولات تشويه لمنعهم من عملهم الذي كلفتهم به الأمم المتحدة. ودعت موفوكينغ كلا من الأمين العام ورئيسي الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان، إلى منع هذه المضايقات التي تواجه المقررين الذين لا يتقاضون أجرا ماديا نظير عملهم الرامي إلى ضمان حقوق الإنسان والإبقاء على مناهج وأدوات العمل الموكلة إليهم. ويطالب هؤلاء المقررون بتطبيق قرارات الأمم المتحدة لكنهم يواجهون حالة تناقض كبيرة حيث يعتقل بعضهم أو يخسر عمله لأنه يعارض ما تقوم به إسرائيل، كما تقول موفوكينغ، مؤكدة أنهم "سيواصلون المطالبة بالعدالة التي قد تعني أشياء مختلفة في أوقات مختلفة". وانتقدت المقررة الأممية موقف قادة الدول الديمقراطية، وقالت إن عليهم ركوب سفن الحرية لفك الحصار الإسرائيلي عن غزة ومواجهة إسرائيل مباشرة من على متن هذه السفن. وأكدت موفوكينغ، أن صمت قادة العالم على ما يجري لا يعني أن الناس ستصمت على هذه الإبادة، وقالت إن المطالبة بمحاسبة إسرائيل وتطبيق القانون لن تتوقف، مشيرة إلى أن السؤال الكبير حاليا يتعلق بقادة الدول الديمقراطية مما يحدث. وقالت إن العالم لم يشاهد هذا التدمير الذي تمارسه إسرائيل ضد مقومات الحياة بغزة وتحديدا القطاع الصحي، في أي نزاع عالمي سابق، مؤكدة أن استمرار هذا السلوك يعني أن تل أبيب حصلت على دعم من الولايات المتحدة ودول أخرى بعدم المعاقبة. واختتمت موفوكينغ "إن الطرق التي قررت بها إسرائيل تجاهل طلبات الأمم المتحدة وعدم الرد على رسائلها، تمثل جزءا من محاولة أكبر لتقويض المنظومة الإنسانية ومنظومة المساءلة الدولية".


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
فحم ورمال وعظام مطحونة.. رحلة الإنسان في البحث عن معجون الأسنان
قبل أن يصبح معجون الأسنان منتجا يوميا يملأ رفوف المتاجر حول العالم، كان يصنع من مكونات بدائية مثل العظام المطحونة وأصداف المحار وحوافر الثيران. واليوم، تطور هذا المنتج ليصبح أحد أهم أدوات العناية الشخصية، بعشرات الأنواع التي تتجاوز تنظيف الأسنان لتشمل الحماية من التسوس، وتقوية المينا، وتبييض الأسنان، وحتى مكافحة أمراض اللثة. فما حكاية معجون الأسنان؟ تاريخ طويل وسوق بـ19 مليار دولار على غير المتوقع، حرص القدماء على العناية بصحة ونظافة أسنانهم، واستخدموا منتجات بدائية متاحة حولهم. ومع التطور، ازداد الاهتمام بصحة الأسنان والعناية بها، حتى إن بيانات شركة أبحاث السوق العالمية "فورتشن بيزنس إنسايتس"، كشفت نموا ملحوظا للسوق العالمي لمعجون الأسنان، بلغت قيمته نحو 19.4 مليار دولار عام 2024، مع توقعات بتجاوز 29 مليار دولار بحلول 2032، خاصة في ظل أرقام صادمة تشير إلى أن 3.5 مليارات شخص حول العالم يعانون من أمراض فموية، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية. وفي روتين النظافة اليومية، يلعب معجون الأسنان دورا كبيرا في حمايتها والحفاظ على نظافتها وصحتها. "المعجون" في الحضارات القديمة استخدمت الحضارات القديمة، بما فيها المصريون والإغريق والرومان، معجون الأسنان لتنظيف الأسنان وتنقية النفس. وسعوا إلى ابتكار طرق بدائية لكنها كانت فعالة. وفي مصر القديمة، حوالي عام 3000 قبل الميلاد، طور المصريون أول وصفة معروفة لمعجون الأسنان، وكانت تتكون من حوافر الثيران المطحونة، ونبات المر الصمغي، وقشور البيض، وحجر الخفاف والماء. وبحسب المؤسسة المختصة في طب الأسنان "دلتا دنتال أركنساس"، أظهرت هذه المكونات فهما مبكرا لفكرة التلميع والتعقيم، إذ لا يزال الخفاف يستخدم حتى اليوم من قبل مختصي صحة الأسنان لتلميعها خلال جلسات التنظيف الاحترافية. ولم يكتف المصريون القدماء بالخلطة السابقة في العناية بأسنانهم، لكنهم استخدموا مع الصينيين ملح الصخور مع مكونات أخرى في صناعة معاجين الأسنان، وفقا للمركز المختص بطب الأسنان "ماي ويلنيس دينتال". واستخدم المصريون ملح الصخور ممزوجا مع النعناع وزهور السوسن المجففة وأصداف المحار، في تنظيف الأسنان وتبييضها. وبالمثل، مزج الصينيون ملح الصخور مع أنواع مختلفة من النعناع العشبي والجينسنغ ومواد طبيعية أخرى لصنع معجون أسنان خاص بهم، يجمع بين الكشط الخفيف والخصائص العطرية التي تساعد على إنعاش النفس. وفي الصين القديمة، أيضا، استخدم الصينيون عظام السمك المطحونة كمادة لتنظيف الأسنان. وفي الحضارات اليونانية والرومانية القديمة، صنع معجون الأسنان من العظام المطحونة وأصداف المحار لكشط الأسنان. أما العرب، فقد استخدموا الرمل الناعم كمادة لتنظيف الأسنان بسبب وفرته. وفي الوقت نفسه، جرب الأوروبيون استخدام ملح الطعام للغرض نفسه، مستفيدين من قدرته على الكشط والتعقيم. رحلة تطور "المعجون" ظل معجون الأسنان على حاله تقريبا حتى القرن الـ19، عندما استخدم مزيج من الفحم، والرماد، وحتى غبار الطوب الطيني لتنظيف الأسنان، وفقا لتقرير منشور على موقع مركز الأسنان "بوسطن سمايل". ومثل معاجين الأسنان القديمة، كانت هذه المكونات تطحن معا لتكوين مادة تشبه المعجون اللزج عند إضافة الماء إليها. ومع منتصف القرن الـ19، بدأ التحول الفعلي نحو شكل معجون الأسنان الموجود حاليا. وبحسب "دلتا دنتال أركنساس"، شهد عام 1824، إضافة الصابون إلى تركيبة معجون الأسنان، وفي خمسينيات القرن أضيف الطباشير كمادة تلميع، وكان قوامه يشبه المعجون المستخدم اليوم، واستخدم في بعض العيادات المتخصصة. لكن التطور الكبير جاء عام 1873، عندما بدأت شركة "كولجيت" في إنتاج معجون الأسنان بكميات كبيرة وتغليفه في عبوات زجاجية وطرحه في الأسواق. وطور الدكتور الأميركي واشنطن وينتوورث شيفيلد، أول معجون أسنان ناعم بنكهة النعناع وأنتجه عام 1892 في أنبوب قابل للطي مستوحيا الفكرة من أنابيب الطلاء الفنية. واستمر تطوير أنواع مختلفة من معاجين الأسنان، وبحلول أوائل القرن الـ20، أضيف الفلورايد إلى العديد من المنتجات لتقوية مينا الأسنان والوقاية من التسوس. وبحلول عام 1945، تم الاستغناء نهائيا عن الصابون كمكون رئيسي في معجون الأسنان، واستبدل بمواد أكثر فعالية مثل كبريتات لوريل الصوديوم، التي ساهمت في تحسين القوام والرغوة وجعل المنتج أكثر لطفا على الفم. ومع التطور أكثر تنوعت معاجين الأسنان، وتخصصت في علاج مشاكل محددة، حيث يوجد معجون لتبييض الأسنان، وآخر لتقليل حساسية الأسنان، ومعجون للتحكم في الجير، ونوع مختلف لاستعادة المعادن إلى مينا الأسنان، و آخر للأطفال بنكهة لطيفة ومحتوى فلورايد منخفض. ووفقا لـ"ماي ويلنيس دينتال"، هذا التطور جعل من معجون الأسنان أداة فعالة في الحفاظ على صحة الفم وتعزيز نظافة الأسنان واللثة. وأصبحت معاجين الأسنان الحديثة تجمع بين الفعالية العالية والمذاق الجيد، وساهم تحسين النكهات في جعل استخدام المعجون تجربة أكثر قبولا، في حين تساعد مكوناته المنعشة على التخلص من البكتيريا ورائحة الفم الكريهة.