
مرحى بالتغيير
عكس أغلب التعليقات والتحليلات على سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب الاقتصادية والمالية، خاصة مع تصعيد ما يوصف بأنه «حرب تجارية عالمية»، أتصور أن سياسات الصدمة تلك لإدارة ترامب ضرورية من أجل التغيير.
فالنظام الاقتصادي والمالي العالمي يشهد منذ نهاية القرن الماضي عمليات إصلاح جزئي، أو لنقل «ترقيع»، بعد كل أزمة كبرى يمر بها. كل تلك الإجراءات في إطار محاولات التخلص من الأعراض من دون معالجة اختلالات هيكلية في النظام بشكل جذري.
ما تفعله إدارة ترامب من «هزات» قوية للنظام تدفع باتجاه تغيير حقيقي، بغض النظر عن المواقف من ذلك التغيير أو توقعات ما سيؤدي إليه. وبما أن علاج الأعراض لم يخلص النظام العالمي من أسباب تأزّمه بين الحين والآخر، فإن التغيير أصبح ضرورة من أجل الاستمرار والاستدامة. ولا يسع المرء إلا الترحيب به أياً كانت نتائجه. ففعلاً، مرحى بالتغيير.
بالتأكيد هناك ضحايا في كل تغيير، وهناك مستفيدون بالصدفة، وهناك مترددون سيخسرون فرصاً كثيرة وهناك مغامرون قد يحصدون ما لا يتعبون فيه. إلا أن كل ذلك يحدث بشكل أو بآخر مع كل أزمة يتعرض لها النظام الاقتصادي والمالي العالمي، وفي النهاية تتكرر الأزمات والأعراض وتبقى العلل الأصلية موجودة كامنة.
على سبيل المثال، فإن انهيار الأسواق حول العالم مع إعلان ترامب قرارات التعريفة الجمركية على كل شركاء أمريكا التجاريين في العالم أدى إلى تبخر تريليونات الدولارات من قيمة الأسهم والأصول المختلفة. ومع توقع استمرار موجة هبوط قيمة الأصول لفترة ربما يختفي المزيد من التريليونات. وبرغم خسائر البعض من «الثروة الورقية» فاختفاء تلك الأرقام كان ضرورياً لسحب الغليان من فقاعة الأسواق.
فعلى مدى الأعوام الأخيرة استمر غليان تلك الفقاعة باطّراد مع مغالاة غير طبيعية في قيمة الأصول لا تعكس أي واقع مادي حقيقي. ذلك التضخم المبالغ فيه في قيمة الأصول هو ثروة وهمية في الواقع تضر بالاستقرار المالي العالمي.
وبالتالي، وربما من حيث لا يحتسب، عمل ترامب على تجنيب العالم انهياراً كارثياً كان سيفوق ما حدث مطلع القرن الماضي وأدى إلى الكساد الكبير في الثلاثينات.
يجادل كثيرون بأن إجراءات ترامب قد لا تأتي بالنتائج التي ترجوها إدارته من «جعل أمريكا عظيمة ثانية» بإعادة الصناعات التي انتقلت منها إلى بلاد ومناطق أقل في كلفة الإنتاج. ربما كان ذلك صحيحاً، فأحدث تحليل لمجلة «الإيكونوميست» يخلص أيضاً إلى أن سياسات التعريفة الجمركية وغيرها لن تنعش الصناعة الأمريكية مجدداً.
لكن، أليس هذا نوعاً من التغيير كان يرغب فيه كثيرون من الذين يتباكون الآن على أضرار إدارة ترامب بالعولمة وفوائدها؟ فأغلب هؤلاء كانوا أيضاً يرون في العولمة استمراراً للهيمنة الأمريكية والغربية على النظام العالمي. أي من خلال استمرار نمو وتسيّد الشركات الكبرى التي استفادت من تنوع سلاسل الإمداد والتوريد ونقل صناعاتها إلى الصين وغيرها حيث العمالة الرخيصة والقرب من المواد الأولية للصناعة.
إذا كانت سياسات الإدارة الأمريكية تعيد صياغة شبكة سلاسل الإمداد والتوريد وتمزق التسهيلات التي مكنت الشركات الأمريكية والغربية الكبرى من الاستمرار في الريادة مستفيدة من العولمة، فذلك تغيير يستحق أن يرحب به هؤلاء الذين طالما اشتكوا من هذا الوضع.
أما انعكاس تأثير كل تلك السياسات على أمريكا ذاتها، فأمرٌ وإن كان يخص الأمريكيين الذين انتخبوا ترامب لفترة رئاسية جديدة، إلا أنه يهم العالم كله أيضاً. فإذا كانت تلك الإجراءات ستؤدي إلى ركود أكبر اقتصاد في العالم، بما قد يقود إلى ركود اقتصادي عالمي، فتلك نهاية دورة اقتصادية بركود يتبعه انتعاش ونمو وهذا طبيعي. أما الأضرار بعيدة المدى على الاقتصاد الأمريكي بما قد يفقده مرتبة الاقتصاد الأول عالمياً، فإن ذلك سيكون لصالح اقتصادات صاعدة يمكن أن تحتل تلك المرتبة. وفي هذا أيضاً ما يمكن أن يرحب به كثيرون حول العالم.
أما تراجع الدور الأمريكي عالمياً وانكفاء الإدارة الأمريكية على ذاتها فذلك تغيير يستحق الترحيب كذلك. خاصة أن الإدارة الأمريكية الجديدة إنما تسعى فقط وراء المال. إن إدارة ترامب تستهدف من زيادة الميزانية الدفاعية لدول أوروبا شراء المزيد من العتاد العسكري صناعة أمريكية، أي ذهاب مليارات الدولارات الأوروبية إلى شركات مثل بوينغ ولوكهيد مارتين وغيرها.
في الأغلب لن يحدث هذا، بل ستتنافس الدول الأوروبية على تخصيص الزيادات في ميزانياتها الدفاعية لشركاتها المحلية. حتى إن هناك من يتوقع تنافساً أوروبياً – أوروبياً بين الدول المختلفة على الصناعة العسكرية. وفي هذا تنشيط للاقتصاد الأوروبي المتباطئ والذي يشهد معدلات نمو أقل بكثير من معدلات النمو الأمريكية والصينية. وقد يعيد ذلك إلى القارة الأوروبية بعض المكانة العالمية التي فقدتها مؤخراً.
كل هذه التغييرات المتوقعة، ليس فقط في النظام المالي والاقتصادي العالمي بل في النظام السياسي أيضاً وتوازن القوى، هي نتائج قد لا تكون مقصودة من إدارة ترامب الحالية لكنها في النهاية تغيير يستحق الترحيب به.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
كايا كالاس: "الحب القاسي" لترامب في مجال الدفاع أفضل من اللاحب
أكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس السبت أن الدول الأوروبية تعزز إنفاقها الدفاعي بدفع من الرئيس دونالد ترامب، حيث حضت على تمتين العلاقات أكثر بين الحلفاء للتصدي للقوة الاقتصادية للصين. وجاء كلام كالاس خلال منتدى شانغريلا الدفاعي في سنغافورة وفي سياق ردها على خطاب وزير الدفاع الأمرdكي بيت هيغسيث الذي وصف إصرار ترامب على زيادة الإنفاق العسكري بأنه "حب قاس". وقالت كالاس ممازحة عندما سئلت في وقت لاحق عن خطاب هيغسيث "ومع ذلك، إنه حب، لذا فهو أفضل من اللاحب". وأكدت أن العلاقة بين بروكسل وواشنطن لم تنقطع يوما، قائلة إنها تحدثت إلى هيغسيث وتابعت "سمعتم خطابه. كان في الواقع إيجابيا جدا بشأن أوروبا، لذا يوجد هناك بالتأكيد بعض الحب". ويضغط ترامب باستمرار على دول حلف شمال الأطلسي لزيادة إنفاقها الدفاعي ليصل إلى نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي، محذرا من أن واشنطن لن تتسامح بعد الآن مع الطفيليين. وقالت كالاس "هناك بلدان مختلفة في أوروبا، وبعضنا أدرك منذ وقت طويل أننا بحاجة إلى الاستثمار في الدفاع"، مشيرة إلى إعادة تصور النموذج الاوروبي باعتباره "مشروع سلام مدعوم بدفاع قوي". أضافت "ما أريد التأكيد عليه هو أن أمن أوروبا وأمن المحيط الهادئ مترابطان إلى حد كبير". وأعطت كالاس أوكرانيا كمثال حيث يقاتل ضدها جنود من كوريا الشمالية وتقوم الصين بتزويد عدوتها روسيا بالمعدات العسكرية. وقالت كالاس "كانت هناك بعض الرسائل القوية جدا في خطاب وزير الدفاع الأمريكي بشأن الصين"، مضيفة "أعتقد مرة أخرى أنه إذا كنت قلقا بشأن الصين، فيجب أن تقلق بشأن روسيا". وخالفت كالاس الرأي القائل بأن واشنطن تركز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بينما تُركز أوروبا على منطقتها الخاصة. وأضافت أنه لا يمكن مواجهة الهيمنة الاقتصادية للصين إلا بالتعاون مع "شركاء مُشابهين في التفكير مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية... وسنغافورة".


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
صادرات كوريا الجنوبية تتراجع في مايو بسبب تأثير رسوم ترامب الجمركية
تراجعت صادرات كوريا الجنوبية بنسبة 3ر1% مقارنة بالعام الماضي في مايو، منهية بذلك سلسلة من ثلاثة أشهر من النمو، حيث انخفضت الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة بشكل حاد وسط سياسات الرسوم الجمركية الشاملة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حسبما أظهرت بيانات حكومية كورية جنوبية اليوم الأحد. وبلغت قيمة الصادرات 3ر57 مليار دولار أمريكي الشهر الماضي، وفقا للبيانات التي جمعتها وزارة التجارة والصناعة والطاقة، بحسب وكالة أنباء يونهاب الكورية الجنوبية. وانكمشت الواردات بنسبة 3ر5% على أساس سنوي لتصل إلى 3ر50 مليار دولار، مما أدى إلى فائض تجاري قدره 94ر6 مليار دولار. وانخفضت الصادرات إلى الولايات المتحدة في مايو بنسبة 1ر8% مقارنة بالعام الماضي لتصل إلى 10 مليارات دولار، ويرجع ذلك أساسا إلى ضعف صادرات قطاع السيارات، المتأثرة بالرسوم الجمركية البالغة 25% التي فرضتها إدارة ترامب. كما انخفضت الصادرات إلى الصين بنسبة 4ر8% على أساس سنوي لتصل إلى 4ر10 مليار دولار بسبب ضعف الطلب على أشباه الموصلات والمنتجات البتروكيماوية، بينما انخفضت الصادرات إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بنسبة 3ر1% لتصل إلى 10 مليارات دولار. ومن ناحية أخرى، ارتفعت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 4% لتصل إلى 6 مليارات دولار، مسجلة ارتفاعا للشهر الثالث على التوالي، بسبب قوة الطلب على السيارات وأشباه الموصلات. وقال وزير الصناعة آن دوك-جيون: "يبدو أن رسوم الولايات المتحدة تؤثر على الاقتصاد العالمي وصادرات كوريا الجنوبية، وهذا ما يؤكده تراجع صادرات كوريا الجنوبية إلى أكبر سوقين - الولايات المتحدة والصين". وأضاف:"على وجه الخصوص، أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية إلى مستوى منخفض بلغ 60 دولارا في مايو إلى انخفاض يزيد عن 20% على أساس سنوي في صادرات المنتجات البترولية والبتروكيماوية، والذي كان عاملا رئيسيا آخر في الانخفاض الإجمالي للشحنات المصدرة".


البيان
منذ 3 ساعات
- البيان
ترامب يعتزم سحب ترشيح جاريد إيزاكمن من منصب رئاسة ناسا
سيسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترشيحه للملياردير جاريد إيزاكمن، شريك إيلون ماسك، لمنصب رئاسة إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا)، وفقا لما ذكره شخص مطلع على القرار يوم السبت. وتحدث هذا الشخص شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتعليق علنا على قرارات الإدارة المتعلقة بشؤون الموظفين. ولم يرد البيت الأبيض وناسا حتى الآن على طلبات التعليق التي أرسلت إليهما عبر البريد الإلكتروني. وأعلن ترامب في ديسمبر الماضي خلال فترة الانتقال الرئاسي أنه اختار إيزاكمن ليكون المدير التالي لوكالة الفضاء. وكان إيزاكمن متعاونا وثيقا مع ماسك منذ أن اشترى أول رحلة مستأجرة على متن سفينة الفضاء سبيس إكس التابعة لماسك في عام 2021. وهو الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة شيفت4، وهي شركة معالجة بطاقات الائتمان. كما اشترى سلسلة من الرحلات الفضائية من سبيس إكس وأجرى أول رحلة فضائية خاصة. ولدى سبيس إكس عقود واسعة النطاق مع ناسا. ووافقت لجنة التجارة والعلوم والنقل في مجلس الشيوخ على ترشيح إيزاكمن في أواخر أبريل ، وكان من المتوقع أن يجري تصويت في مجلس الشيوخ الأمريكي بكامل هيئته قريبا. وبدا ماسك حزينا لقرار ترامب في منشور يوم السبت على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" قال فيه:"من النادر أن تجد شخصا بهذه الكفاءة والطيبة". يشار إلى أن سبيس إكس مملوكة لماسك، أحد مؤيدي ترامب ومستشاريه، الذي أعلن هذا الأسبوع أنه سيترك الحكومة بعد عدة أشهر من توليه رئاسة إدارة الكفاءة الحكومية. وأنشأ ترامب هذه الوكالة لتقليص حجم الحكومة ووضع ماسك على رأسها. وكان موقع سيمافور الإخباري أول من كشف عن قرار البيت الأبيض سحب ترشيح إيزاكمن.