
خافيير بلاس: نفط إيران يزدهر وسط القنابل على منشآتها النووية
الأرقام لا تكذب. فقد بلغ إنتاج النفط الإيراني أعلى مستوى له منذ 46 عاماً في عام 2024، وفقاً لبيانات حديثة. وتشير كافة المعلومات المتاحة للنصف الأول من عام 2025 إلى أن هذا العام مرشح لتسجيل زيادة جديدة في الإنتاج.
في كل مرة يُدلي فيها مسؤول أميركي بتصريح عن العقوبات الأميركية المفروضة على قطاع النفط الإيراني، لا يسعني إلا أن أتساءل: "أي عقوبات تحديداً؟". فقد أصبحت هذه العقوبات بشكل متزايد حبراً على ورق، بينما يواصل البيت الأبيض الترويج لسياسة "الضغط الأقصى" على قطاع النفط الإيراني، وهي سياسة لا وجود لها فعلياً. وكل ما أراه هو إنتاج أقصى للنفط.
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" يوم الأحد: "العقوبات لا تزال قائمة"، وكأنه يلمّح إلى أن السياسة تؤتي ثمارها. وأضاف: "إذا أظهروا سلوكاً سلمياً، وأثبتوا لنا أنهم لن يتسببوا بمزيد من الضرر، فسأرفع العقوبات".
ومن المؤكد أن إيران تطمح إلى رفع جميع العقوبات، وليس فقط تلك المتعلقة بقطاع الطاقة. لكن عندما يتعلق الأمر بالنفط، فإن ترمب يملك نفوذاً أقل بكثير مما يحاول إظهاره، وطهران تدرك ذلك.
نجاح إيران في تجاوز العقوبات الأميركية
تمتد قصة نجاح إيران في تجاوز العقوبات الأميركية على النفط لعدة عقود، حيث تتداخل فيها الواقعية السياسية الأميركية وروح المبادرة الإيرانية، إلى جانب النفوذ الجيوسياسي الجديد للصين. فأحياناً، يتضح كيف أن واشنطن تجاهلت انتهاكات واضحة للعقوبات، مُفضلةً الحفاظ على انخفاض أسعار النفط وكبح التضخم. وفي أحيان أخرى، تبرز مهارة إيران والصين في التحايل على هذه القيود بعزيمة وثبات.
اقرأ أيضاً: بصرف النظر عن مسار الحرب.. أسواق العالم غارقة في النفط
مهما كانت الأسباب، فالنتائج واحدة. فالجمهورية الإسلامية تجني أموالاً من النفط تفوق التوقعات. ففي العام الماضي، بلغت إيرادات إيران من صادرات الطاقة مستوى هو الأعلى منذ 12 عاماً، مسجلةً 78 مليار دولار، مقارنةً بـ18 مليار دولار في عام 2020، وهو العام الذي تأثر بشدة بجائحة كوفيد، بحسب تقديرات شركة الاستشارات "إي إف جي إنرجي" (FGE Energy).
تاريخ العقوبات على النفط الإيراني
منذ نوفمبر 1979، كان قطاع النفط الإيراني هدفاً متكرراً للعقوبات الأميركية، بدءاً من أول حزمة فرضها الرئيس الأسبق جيمي كارتر ردّاً على أزمة احتجاز الرهائن التي استمرت 444 يوماً. تم تخفيف تلك العقوبات في عام 1981 عقب اتفاقيات الجزائر التي مهّدت للإفراج عن الرهائن، لكنها عادت مجدداً عام 1987 بقرار من الرئيس السابق رونالد ريغان.
التاريخ المعقّد للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران: تسلسل زمني مصوّر.. اقرأ التفاصيل
مع ذلك، أظهرت واشنطن مراراً أن أولويتها الأساسية هي الحفاظ على انخفاض أسعار النفط. فعلى سبيل المثال، سمحت وزارة الخزانة الأميركية لتاجر نفط أميركي شهير يُدعى أوسكار وايت بشراء النفط الإيراني في عام 1991، عقب غزو العراق للكويت. (كان يُنظر إلى صدام حسين آنذاك كتهديد أكبر من المُرشد الإيراني علي خامنئي).
استراتيجية إيران لتنويع الإنتاج
شهدت صناعة النفط الإيرانية خلال السنوات العشر الأخيرة تحولاً استراتيجياً لافتاً، تمثل في الابتعاد التدريجي عن التركيز الحصري على النفط الخام، وتوجيه الجهود نحو تطوير قطاعات أخرى لطالما كانت خارج نطاق الاهتمام الأميركي، وعلى رأسها إنتاج المكثّفات وسوائل الغاز الطبيعي مثل الإيثان والبيوتان والبروبان.
رغم أن هذه المنتجات النفطية قد لا تحظى بنفس الاهتمام الذي يلقاه النفط الخام، إلا أنها تُحتسب ضمن إجمالي إنتاج النفط، وتُشكل أيضاً مصدراً كبيراً لعائدات النفط. ففي العام الماضي، بلغ إنتاج إيران نحو 4.3 مليون برميل يومياً من النفط الخام، إضافةً إلى 725 ألف برميل يومياً من السوائل الأخرى، ليصل الإجمالي إلى قرابة 5.1 مليون برميل يومياً.
وقد صدرت هذه التقديرات عن معهد الطاقة البريطاني الشهر الماضي، ضمن تقريره السنوي "المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية"، الذي يُعد مرجعاً معتمداً في القطاع. ولم تضخ طهران أكثر من 5 ملايين برميل يومياً منذ عام 1978، وهو العام الذي سبق الثورة الإسلامية التي أنهت حكم محمد رضا بهلوي، آخر شاه لإيران.
الحرس الثوري يقود توسع الإنتاج
لم يكن من السهل على إيران تطوير مواردها الواسعة من المكثّفات وسوائل الغاز الطبيعي دون مساعدة خارجية. لكن بعد أن أدت العقوبات الدولية إلى انسحاب الشركات الأوروبية والآسيوية، تولّى الحرس الثوري الإيراني، وهو منظمة عسكرية نافذة تسيطر على مجموعة واسعة من الشركات المحلية، زمام المبادرة.
وعلى مدار العقد الماضي، قامت شركة "خاتم الأنبياء" (Khatam-al Anbiya)، وهي تكتل إنشائي يديره الحرس الثوري، ببناء منشآت حيوية لمعالجة المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي وتحويلها إلى منتجات قابلة للاستخدام.
اقرأ أيضاً: إسرائيل وإيران خصمان تقليديان منذ عقود.. ما القادم بينهما؟
وقد أثمرت هذه الخطوة عن نتائج كبيرة. ففي أبريل، صرحت وزارة النفط الإيرانية بأن "سوائل الغاز الطبيعي أصبحت أكثر صادرات إيران ربحية بعد النفط الخام والغاز الطبيعي". فقد بلغت إيرادات البروبان وحده 3.6 مليار دولار العام الماضي، بينما حقق البوتان 2.2 مليار دولار أخرى. وأكدت الوزارة أن "الاستثمار في إنتاج سوائل الغاز الطبيعي ليس مجرد فرصة اقتصادية، بل ضرورة استراتيجية لزيادة العائدات من العملات الأجنبية".
الصين ترسم طريق الالتفاف على العقوبات
بعد أن نجحت طهران في تأمين مسار جديد ومتنامٍ لتصدير النفط تحت أنظار واشنطن، تحوّلت سريعاً إلى تأمين صادراتها من الخام. وهنا دخلت بكين على الخط عبر تأسيس سلسلة توريد محصنة ضد العقوبات، شملت ناقلات نفط وعمليات نقل من سفينة إلى أخرى، إضافة إلى اعتماد كيانات تعمل خارج نظام الدولار الأميركي.
وقد ساعد على ذلك تساهل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي غضت الطرف عمداً عن الشراكة النفطية بين إيران والصين. فالبيت الأبيض، الذي كان منشغلاً بإبقاء أسعار النفط منخفضة في ظل فرضه عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، توصل إلى قناعة بأن تحقيق هدفه المتمثل في إلحاق الضرر بموسكو على خلفية شنها حرباً ضد أوكرانيا عام 2022، يتطلب اعتماد نهج متساهل تجاه تجارة النفط الإيرانية الصينية. والنتيجة هي أن الصين تشتري اليوم 90% من النفط الذي تصدره إيران.
الحرب مع إسرائيل لم تؤثر على النفط
أما الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، والتي تدخلت فيها الولايات المتحدة لاحقاً، فلم تغير شيئاً في واقع صناعة النفط داخل إيران. فالغارات الجوية التي شنتها إسرائيل أسفرت عن أضرار ببضعة منشآت نفطية إيرانية جرى إصلاحها سريعاً. وقد تدخل البيت الأبيض بهدوء لضمان عدم تصاعد المواجهة إلى قطاع الطاقة، وهو ما سيكون مفيداً لطهران في مرحلة إعادة الإعمار.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاقتصادية
منذ 18 دقائق
- الاقتصادية
515 شركة سعودية تستفيد من برنامج «المشغل الاقتصادي المعتمد الخليجي»
استحوذت السعودية على 64% من إجمالي الشركات الحاصلة على برنامج «المشغل الاقتصادي المعتمد الخليجي» بواقع 515 شركة من أصل 806 شركات على مستوى دول الخليج، بحسب ما ذكره حمود الحربي المتحدث الرسمي باسم هيئة الزكاة والضريبة والجمارك لـ "الاقتصادية". البرنامج يعد أحد المبادرات الخليجية الداعمة لتيسير إجراءات ومتطلبات التخليص الجمركي، وتقليل التكرار في الإجراءات على المنافذ البينية، وتعزيز حرية انتقال السلع بين دول مجلس التعاون والعالم الخارجي، ويضم شركات مثل أرامكو ، وسابك إضافة إلى شركات عاملة في مجال النقل والخدمات اللوجستية والمواد الغذائية، والبناء والمقاولات. عضوية البرنامج في السعودية تشترط 5 معايير أساسية، تتمثل في الالتزام بسجل ضريبي وجمركي خال من المخالفات، وجود نظام إداري ومالي موثوق ، وتوفر إجراءات أمنية وجمركية داخلية فعالة، تطبيق معايير الامتثال التجاري، وممارسات موثوقة في سلسلة الإمداد، وفق ما أشار إليه حمود الحربي . الحربي أوضح أن الشركات السعودية الحاصلة على رخص برنامج المشغل الاقتصادي المعتمد الخليجي حريصة على الاستفادة من المزايا التفضيلية التي يقدمها البرنامج، وهذه المزايا التفضيلية التي تقدمها الهيئة وشركائها من الجهات الحكومية أسهمت في جذب عديد من الشركات لتحقيق المعايير والمتطلبات اللازمة للحصول على عضوية البرنامج. الجدير بالذكر أن 13 جهة حكومية تعد شريكا في البرنامج من ضمنها وزارات التجارة، والصناعة والثروة المعدنية، والنقل والخدمات اللوجستية ، والطاقة، والاستثمار. كما يقدم البرنامج تسهيلات من خلال التعاون مع الجهات الرقابية والحدودية، إلى جانب الاستفادة من اتفاقيات الاعتراف المتبادل مع دول أخرى، التي تمنح المشغلين الخليجيين ميزات تفضيلية في تلك الأسواق، إضافة إلى مزايا داعمة في مجالات التدريب والتسويق. ورغم التقدم المحرز، لا تزال هناك تحديات تعوق استكمال قيام الاتحاد الجمركي الخليجي، أبرزها، عدم توحيد تطبيق التعرفة الجمركية، وتكرار الإجراءات في المنافذ البينية، إلى جانب غياب الأتمتة الموحدة لإجراءات الفسح الجمركي بسبب عزلة الأنظمة التقنية المحلية، فضلا عن الحاجة للتوافق الإستراتيجي والتشغيلي، وتباين السياسات المتعلقة بانتقال السلع والمنافسة وتحصيل الرسوم والضرائب.


عكاظ
منذ 18 دقائق
- عكاظ
سويسرا تعيد فتح سفارتها في طهران.. ومقتل عنصرين من الحرس الإيراني
لقي عنصران في الحرس الثوري الإيراني اليوم (الأحد) حتفهما في غرب البلاد خلال تفكيك متفجرات في منطقة طالها القصف الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة، بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية. ونقلت وكالة تسنيم عن بيان للحرس الثوري قوله: إن العنصرين كانا يقومان بتنظيف منطقة متفجرات خلفها العدوان الإسرائيلي. من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية السويسرية، الأحد، إعادة فتح سفارتها في طهران، التي تمثل المصالح الأمريكية في إيران، بعد إغلاقها لمدة أسبوعين، بسبب الحرب بين إيران وإسرائيل. وأفادت في بيان بأن السفيرة نادين أوليفييري لوزانو وفريق عمل صغير عاد إلى طهران السبت براً عبر أذربيجان، مؤكدةً أن السفارة ستستأنف أعمالها تدريجياً. وكانت السفارة أغلقت أبوابها في 20 يونيو وسط الحرب بين إيران وإسرائيل. من جهة أخرى، شهدت ولاية هرات غرب أفغانستان عودة نحو 300 ألف لاجئ من إيران خلال الأيام الـ12 الأخيرة. ووصلت أعداد اللاجئين العائدين من إيران إلى أكثر من 35 ألف شخص يومياً، معظمهم من الأسر والأطفال، مقارنة بـ3 آلاف شخص يومياً في مطلع الشهر الماضي. وأعلن رئيس الثقافة والإعلام في ولاية هرات أحمد الله متقي أنه خلال 12 يوماً وصل أكثر من 300 ألف شخص من إيران إلى معبر إسلام قلعة في هرات. وأضاف أن نحو 38 ألف شخص عادوا إلى أفغانستان الجمعة، بينهم نحو 24 ألف شخص تم ترحيلهم قسراً من قبل السلطات الإيرانية. وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها العميق إزاء نفاد الموارد المتاحة لمساعدة العائدين الأفغان من إيران. وحذرت من تفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان، إذ يواجه آلاف العائدين العجز في المأوى، والخدمات الصحية الأساسية، ومياه الشرب الآمنة، وفرص العمل. أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 23 دقائق
- الشرق الأوسط
32 قتيلاً في غزة... والوفد الإسرائيلي المفاوض يغادر إلى الدوحة
أعلن إعلام فلسطيني، اليوم (الأحد)، ارتفاع عدد القتلى جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ فجر اليوم، إلى 32 شخصاً. وقال «تلفزيون فلسطين»، في وقت سابق اليوم، إن قصفاً إسرائيلياً على منزلين غرب مدينة غزة أدى إلى مقتل 20 شخصاً. وأشار التلفزيون إلى أن 80 شخصاً قُتلوا جراء القصف الإسرائيلي خلال الساعات الـ24 الماضية. ويتوقع أن تجري في الدوحة، الأحد، جولة مفاوضات جديدة غير مباشرة بين إسرائيل وحركة «حماس» للتوصل إلى هدنة في غزة واتفاق للإفراج عن الرهائن، عشية زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض. وأفاد مسؤول فلسطيني مطلع على سير المباحثات «وكالة الصحافة الفرنسية» بأن «الوسطاء أبلغوا (حماس) ببدء جولة مفاوضات غير مباشرة بين (حماس) وإسرائيل في الدوحة الأحد»، مشيراً إلى أن وفد الحركة المفاوض برئاسة خليل الحية، والطواقم الفنية «يوجدون حالياً في الدوحة وجاهزون لمفاوضات جدية». وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، في بيان مساء السبت، أن وفداً مفاوضاً سيتوجه إلى الدوحة، فيما أكدت هيئة البث الإسرائيلية، الأحد، مغادرته إلى العاصمة القطرية. وقرَّر مجلس الوزراء الأمني المصغر الإسرائيلي (الكابينت)، الليلة الماضية، السماح بتوزيع المساعدات في الجزء الشمالي من قطاع غزة، وفقاً لتقرير إخباري لـ«القناة 12». ولم يوضِّح التقرير ما إذا كانت عمليات الإغاثة ستنفذها «مؤسسة غزة الإنسانية»، المثيرة للجدل والمدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، التي لديها مرافق في جنوب ووسط غزة، أم منظمات إغاثة مدعومة من الأمم المتحدة. وأشار التقرير إلى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير صوَّتا ضد الإجراء، بحجة أنه سيعوق جهود نقل سكان غزة إلى جنوب القطاع. وتتهم إسرائيل حركة «حماس» بالاستيلاء على المساعدات. وتقول «مؤسسة غزة الإنسانية»، التي توظِّف، بالإضافة إلى عمال الإغاثة، متعاقدين عسكريين أميركيين من القطاع الخاص لحماية مواقع التوزيع، إنها منذ بدء عملياتها في مايو (أيار)، سلمت إمدادات للفلسطينيين، بينما «سُلبت جميع مساعدات المنظمات الإنسانية الأخرى تقريباً». وأعلنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجمعة، أن أكثر من 500 شخص قُتلوا في محيط مواقع «مؤسسة غزة الإنسانية» منذ أن رفعت إسرائيل حصاراً عن دخول المساعدات إلى غزة استمرَّ 11 أسبوعاً في مايو.