
كيف سيتجاوز رئيس الوزراء السوداني الجديد حقول الألغام المحيطة به؟
لو أنّ رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، فتح نوافذ السيارة التي استقلها في طريقه من المطار الواقع جنوبي مدينة بورتسودان إلى وسطها، لسمع هدير مولدات الكهرباء، التي تنتشر في أنحاء هذه المدينة التي تمثّل العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، وذلك لمواجهة مشكلة الانقطاع الحاد والمتكرر للتيار الكهربائي، التي يعاني منها السكان هناك.
ولو تمعّن إدريس، الذي وصل للتوّ إلى هذه المدينة لتولّي مهام منصبه، في المشهد، لرأى العديد من المدارس والجامعات الواقعة على جانبي الشارع الذي سلكه موكبُه، وقد تحولت إلى مراكز لإيواء النازحين الفارّين من ويلات الحرب.
كما كان سيتسنى له أن يلاحظ بوضوح خزانات الوقود الضخمة، المدمَّرة والمحترقة، على الجانب الأيمن من الطريق الرئيسي، والتي تعرضت للاستهداف من قبل قوات الدعم السريع، باستخدام الطيران المُسيّر قبل نحو أسبوعين.
وقد تشكل هذه المشاهد -إنْ كان قد رآها - مؤشراً لما ينتظره من تحديات جسيمة ومشكلات معقدة، منذ اللحظة التي قبِل فيها المنصب، الذي عيّنه فيه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان.
تصريحات إدريس -على الأقل- توحي بأنه على دراية بحجم التحديات التي سيتعين عليه مواجهتها؛ إذ قال عقب أدائه اليمين الدستورية أمام البرهان: "سأكرّس كل وقتي وجهدي من أجل أن ينعم المواطن السوداني بحياة كريمة".
وفي مستهل أنشطته بعد أداء القسم، التقى إدريس المبعوث السويسري الخاص لمنطقة القرن الأفريقي سيلفان أستير.
" مناصب أممية مرموقة"
ولد كامل إدريس، الذي يشارف الآن على الـ 70 من عمره، في قرية الزورات في أقصى شمالي السودان، حيث تعيش المجتمعات النوبية السودانية.
وحصل على بكالوريس الحقوق من جامعة القاهرة، وليسانس الفلسفة من جامعة الخرطوم، قبل أن ينال درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة جنيف في سويسرا.
وتقلّد إدريس العديد من المناصب المرموقة في منظمات تابعة للأمم المتحدة، مثل الأمين العام للملكية الفكرية " الوايبو"، ورئيس الاتحاد الدولي لحماية المصنّفات النباتية، وعضو لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي.
لم يعرَف لهذا الرجل انتماء حزبي واضح، لكنه صاحِب طموح سياسي، إذ سبق أن ترشح لمنصب رئيس الجمهورية، في الانتخابات التي أُجريت عام 2010 ضد الرئيس السوداني وقتذاك عمر البشير، وذلك في اقتراع كانت قوى المعارضة الرئيسية قد قاطعته، وفاز فيه البشير باكتساح.
ولرئيس الوزراء السوداني الجديد، إسهامات سابقة في الحياة السياسية في بلاده، عندما نجح في التوسط في عام 1999، بين رئيس الوزراء السابق، الصادق المهدي، وزعيم المعارضة التاريخي، وقتها حسن الترابي، في مدينة جنيف السويسرية.
"رئيس وزراء في زمن الحرب"
تعيين رئيس الوزراء الجديد في السودان، يأتي في وقت تشهد فيه البلاد حرباً دامية ومستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين، أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد ما يزيد على 14 مليون شخص من ديارهم، إلى جانب إلحاق دمار هائل وغير مسبوق بالبنية التحتية، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
ويرى رئيس تحرير صحيفة الشعب الإلكترونية، أسامة عبد الماجد، أن أمام رئيس الوزراء الجديد ثلاث مهام رئيسية: تأمين "معاش الناس" من خلال توفير الغذاء، والمياه الصالحة للشرب، والخدمات الصحية، بالإضافة إلى تحقيق الأمن والتنمية.
ويضيف: "الطريق أمام كامل إدريس ليس مفروشاً بالورود، فهناك حزمة من التحديات، سواء الاقتصادية أو الأمنية، إلى جانب الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالسودان. لكن تظل الأولويات الثلاث كما ذكرت هي معاش الناس، والأمن والتنمية".
وظلّ منصب رئيس الوزراء شاغراً، منذ أن أطاح البرهان بالحكومة الانتقالية التي كان يرأسها عبد الله حمدوك، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021.
وقبيل وصول إدريس إلى بورتسودان، ألغى البرهان توجيهات سابقة، كانت تمنح أعضاء مجلس السيادة، صلاحية الإشراف على الوزارات والوحدات الحكومية، وهو ما يمنح رئيس الوزراء صلاحيات أوسع.
ويرى عبد الماجد، أن فرص نجاح إدريس في أداء مهامه تبدو كبيرة، نظراً لإلمامه باهتمامات السودانيين، قائلاً: "الفرصة أمامه أكبر، خاصةً أنه يدرك جيداً ما يريده الناس، وله خبرة سابقة حين ترشح للرئاسة في انتخابات 2010".
وعلى النقيض من ذلك، ترى الكاتبة الصحفية شمائل النور، أن مهمة إدريس مليئة بـ"المطبّات"، وتعتبر أن فرص نجاحه ضعيفة للغاية، لكنها غير منعدمة.
وتوضح شمائل النور في حديثها لبي بي سي، بالقول "الوضع الحالي لا يسمح بقيام حكومة مدنية أو انتقال ديمقراطي، كما يُروّج، في ظل استمرار الحرب".
وترى شمائل النور، أن التحدي الأكبر أمام إدريس يتمثل في غياب التوافق، قائلة إن رئيس الوزراء الجديد "لم يأتِ باتفاق أو إجماع، بل إن الحليف الرئيسي للجيش، وهي القوات المشتركة، تعارض تشكيل الحكومة في الوقت الراهن. وأبرز المعارضين هو رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، ما يعني أن رئيس الوزراء لن يعمل في أجواء سلِسة، بل سيواجه عراقيل كثيرة".
ومع ذلك، تستدرك الصحفية بقولها: "قد ينجح إدريس فقط، إذا ركّز على الجانب التنفيذي، وأحجم عن التدخل في الشأن السياسي، أو محاولة الضغط على الجيش للدخول في مفاوضات مع الدعم السريع".
" طوق نجاة لفك العزلة الدولية"
منذ أن نفذ قادة الجيش، بالاشتراك مع حليف الأمس -وعدوّ اليوم- قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، الانقلاب على الحكومة المدنية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، عاد السودان للعُزلة الدولية، بعد أن اعتبرت الأمم المتحدة أن ما حدث يمثل انقلاباً عسكرياً، كما علَّق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان فيه.
وسعت الحكومة السودانية، التي لا تزال تخوض حرباً ضارية ضد قوات الدعم السريع، إلى إنهاء تجميد عضوية السودان، لأكثر من مرة، لكنْ دون جدوى.
ويعتبر رئيس تحرير صحيفة الشعب الإلكترونية، أن رئيس الوزراء الجديد يمكنه أن يُسهم، بحكم علاقاته الدولية، في إعادة السودان إلى وضعه الطبيعي، مع الوضع في الاعتبار أن منظمَتَي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي رحبّتا بقرار تعيينه.
غير أن الكاتبة الصحفية شمائل النور ترى أن البرهان عيّن إدريس في منصب رئيس الوزراء، ليتمكن عبره من مخاطبة المجتمع الدولي وفَك العُزلة، قائلة "إذا أراد الجيش أن يعود لطاولة المفاوضات، فإن رئيس الوزراء هو الأنسب لمخاطبة المجتمع الدولي، لما له من ارتباطات دولية، وبالتالي، يمكن اعتبار تعيينه مؤشراً على رغبة الجيش في وقف الحرب عبر التفاوض".
وفي كل الأحوال، يتعيّن على رئيس الوزراء الجديد في السودان، تشكيل حكومة منسجمة ورشيقة، لتضطلع بدورها في التعامل مع التحديات الهائلة التي تواجهها.
ولكن لا يبدو أن تحقيق هذا الهدف سيكون يسيراً، على ضوء أن الفصائل المسلحة والقوى السياسية التي ظلت مساندة للجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع -ومن بينها كتائب البراء بن مالك، ذات التوجهات الإسلامية والمحسوبة على نظام الرئيس المعزول عمر البشير- تبحث عن موطئ قدم لها داخل التشكيل الوزاري، في ظل تأكيدات البرهان نفسه في أوقات سابقة أنه لن ينسى كل الفصائل التي قاتلت معه، وفي ظل إشارته إلى أن هذه الفصائل ستكون مُمثَّلة في أي حكومة مستقبلية يتمّ تشكيلها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 2 أيام
- BBC عربية
كيف سيتجاوز رئيس الوزراء السوداني الجديد حقول الألغام المحيطة به؟
لو أنّ رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، فتح نوافذ السيارة التي استقلها في طريقه من المطار الواقع جنوبي مدينة بورتسودان إلى وسطها، لسمع هدير مولدات الكهرباء، التي تنتشر في أنحاء هذه المدينة التي تمثّل العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، وذلك لمواجهة مشكلة الانقطاع الحاد والمتكرر للتيار الكهربائي، التي يعاني منها السكان هناك. ولو تمعّن إدريس، الذي وصل للتوّ إلى هذه المدينة لتولّي مهام منصبه، في المشهد، لرأى العديد من المدارس والجامعات الواقعة على جانبي الشارع الذي سلكه موكبُه، وقد تحولت إلى مراكز لإيواء النازحين الفارّين من ويلات الحرب. كما كان سيتسنى له أن يلاحظ بوضوح خزانات الوقود الضخمة، المدمَّرة والمحترقة، على الجانب الأيمن من الطريق الرئيسي، والتي تعرضت للاستهداف من قبل قوات الدعم السريع، باستخدام الطيران المُسيّر قبل نحو أسبوعين. وقد تشكل هذه المشاهد -إنْ كان قد رآها - مؤشراً لما ينتظره من تحديات جسيمة ومشكلات معقدة، منذ اللحظة التي قبِل فيها المنصب، الذي عيّنه فيه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان. تصريحات إدريس -على الأقل- توحي بأنه على دراية بحجم التحديات التي سيتعين عليه مواجهتها؛ إذ قال عقب أدائه اليمين الدستورية أمام البرهان: "سأكرّس كل وقتي وجهدي من أجل أن ينعم المواطن السوداني بحياة كريمة". وفي مستهل أنشطته بعد أداء القسم، التقى إدريس المبعوث السويسري الخاص لمنطقة القرن الأفريقي سيلفان أستير. " مناصب أممية مرموقة" ولد كامل إدريس، الذي يشارف الآن على الـ 70 من عمره، في قرية الزورات في أقصى شمالي السودان، حيث تعيش المجتمعات النوبية السودانية. وحصل على بكالوريس الحقوق من جامعة القاهرة، وليسانس الفلسفة من جامعة الخرطوم، قبل أن ينال درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة جنيف في سويسرا. وتقلّد إدريس العديد من المناصب المرموقة في منظمات تابعة للأمم المتحدة، مثل الأمين العام للملكية الفكرية " الوايبو"، ورئيس الاتحاد الدولي لحماية المصنّفات النباتية، وعضو لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي. لم يعرَف لهذا الرجل انتماء حزبي واضح، لكنه صاحِب طموح سياسي، إذ سبق أن ترشح لمنصب رئيس الجمهورية، في الانتخابات التي أُجريت عام 2010 ضد الرئيس السوداني وقتذاك عمر البشير، وذلك في اقتراع كانت قوى المعارضة الرئيسية قد قاطعته، وفاز فيه البشير باكتساح. ولرئيس الوزراء السوداني الجديد، إسهامات سابقة في الحياة السياسية في بلاده، عندما نجح في التوسط في عام 1999، بين رئيس الوزراء السابق، الصادق المهدي، وزعيم المعارضة التاريخي، وقتها حسن الترابي، في مدينة جنيف السويسرية. "رئيس وزراء في زمن الحرب" تعيين رئيس الوزراء الجديد في السودان، يأتي في وقت تشهد فيه البلاد حرباً دامية ومستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين، أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد ما يزيد على 14 مليون شخص من ديارهم، إلى جانب إلحاق دمار هائل وغير مسبوق بالبنية التحتية، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. ويرى رئيس تحرير صحيفة الشعب الإلكترونية، أسامة عبد الماجد، أن أمام رئيس الوزراء الجديد ثلاث مهام رئيسية: تأمين "معاش الناس" من خلال توفير الغذاء، والمياه الصالحة للشرب، والخدمات الصحية، بالإضافة إلى تحقيق الأمن والتنمية. ويضيف: "الطريق أمام كامل إدريس ليس مفروشاً بالورود، فهناك حزمة من التحديات، سواء الاقتصادية أو الأمنية، إلى جانب الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالسودان. لكن تظل الأولويات الثلاث كما ذكرت هي معاش الناس، والأمن والتنمية". وظلّ منصب رئيس الوزراء شاغراً، منذ أن أطاح البرهان بالحكومة الانتقالية التي كان يرأسها عبد الله حمدوك، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021. وقبيل وصول إدريس إلى بورتسودان، ألغى البرهان توجيهات سابقة، كانت تمنح أعضاء مجلس السيادة، صلاحية الإشراف على الوزارات والوحدات الحكومية، وهو ما يمنح رئيس الوزراء صلاحيات أوسع. ويرى عبد الماجد، أن فرص نجاح إدريس في أداء مهامه تبدو كبيرة، نظراً لإلمامه باهتمامات السودانيين، قائلاً: "الفرصة أمامه أكبر، خاصةً أنه يدرك جيداً ما يريده الناس، وله خبرة سابقة حين ترشح للرئاسة في انتخابات 2010". وعلى النقيض من ذلك، ترى الكاتبة الصحفية شمائل النور، أن مهمة إدريس مليئة بـ"المطبّات"، وتعتبر أن فرص نجاحه ضعيفة للغاية، لكنها غير منعدمة. وتوضح شمائل النور في حديثها لبي بي سي، بالقول "الوضع الحالي لا يسمح بقيام حكومة مدنية أو انتقال ديمقراطي، كما يُروّج، في ظل استمرار الحرب". وترى شمائل النور، أن التحدي الأكبر أمام إدريس يتمثل في غياب التوافق، قائلة إن رئيس الوزراء الجديد "لم يأتِ باتفاق أو إجماع، بل إن الحليف الرئيسي للجيش، وهي القوات المشتركة، تعارض تشكيل الحكومة في الوقت الراهن. وأبرز المعارضين هو رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، ما يعني أن رئيس الوزراء لن يعمل في أجواء سلِسة، بل سيواجه عراقيل كثيرة". ومع ذلك، تستدرك الصحفية بقولها: "قد ينجح إدريس فقط، إذا ركّز على الجانب التنفيذي، وأحجم عن التدخل في الشأن السياسي، أو محاولة الضغط على الجيش للدخول في مفاوضات مع الدعم السريع". " طوق نجاة لفك العزلة الدولية" منذ أن نفذ قادة الجيش، بالاشتراك مع حليف الأمس -وعدوّ اليوم- قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، الانقلاب على الحكومة المدنية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، عاد السودان للعُزلة الدولية، بعد أن اعتبرت الأمم المتحدة أن ما حدث يمثل انقلاباً عسكرياً، كما علَّق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان فيه. وسعت الحكومة السودانية، التي لا تزال تخوض حرباً ضارية ضد قوات الدعم السريع، إلى إنهاء تجميد عضوية السودان، لأكثر من مرة، لكنْ دون جدوى. ويعتبر رئيس تحرير صحيفة الشعب الإلكترونية، أن رئيس الوزراء الجديد يمكنه أن يُسهم، بحكم علاقاته الدولية، في إعادة السودان إلى وضعه الطبيعي، مع الوضع في الاعتبار أن منظمَتَي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي رحبّتا بقرار تعيينه. غير أن الكاتبة الصحفية شمائل النور ترى أن البرهان عيّن إدريس في منصب رئيس الوزراء، ليتمكن عبره من مخاطبة المجتمع الدولي وفَك العُزلة، قائلة "إذا أراد الجيش أن يعود لطاولة المفاوضات، فإن رئيس الوزراء هو الأنسب لمخاطبة المجتمع الدولي، لما له من ارتباطات دولية، وبالتالي، يمكن اعتبار تعيينه مؤشراً على رغبة الجيش في وقف الحرب عبر التفاوض". وفي كل الأحوال، يتعيّن على رئيس الوزراء الجديد في السودان، تشكيل حكومة منسجمة ورشيقة، لتضطلع بدورها في التعامل مع التحديات الهائلة التي تواجهها. ولكن لا يبدو أن تحقيق هذا الهدف سيكون يسيراً، على ضوء أن الفصائل المسلحة والقوى السياسية التي ظلت مساندة للجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع -ومن بينها كتائب البراء بن مالك، ذات التوجهات الإسلامية والمحسوبة على نظام الرئيس المعزول عمر البشير- تبحث عن موطئ قدم لها داخل التشكيل الوزاري، في ظل تأكيدات البرهان نفسه في أوقات سابقة أنه لن ينسى كل الفصائل التي قاتلت معه، وفي ظل إشارته إلى أن هذه الفصائل ستكون مُمثَّلة في أي حكومة مستقبلية يتمّ تشكيلها.


BBC عربية
منذ 3 أيام
- BBC عربية
السودانيون في مواجهة الكوليرا والحرب
يعيش السودان أوضاعاً صحية كارثية نتيجة لتفشّي وباء الكوليرا، مع دخول الحرب عامها الثالث. ويواجه السودانيون واقعاً مزرياً؛ إذ بجانب الكوليرا، تنتشر الملاريا وحُمّى الضنك، في ظل نظام صحيّ مُتداع. وما كاد كثير من السودانيين يعودون إلى الجيش بعد استعادة الجيش سيطرته على العاصمة الخرطوم، حتى بات هؤلاء يرغبون في المغادرة مجدداً خاصة بعد تفشي مرض الكوليرا في العاصمة وعدد من الولايات. وأعلنت وزارة الصحة السودانية انتشار المرض في كل من (شمال كردفان، وسنار، والجزيرة، والنيل الأبيض ونهر النيل). مشاعر أحمد، التي عادتْ إلى البلاد منذ ما يقارب الشهر، تعيش في محلية كرري بمدينة أمدرمان - التي تشهد أعلى معدلات الإصابة بالكوليرا وفقا لوزارة الصحة السودانية. وقالت مشاعر لبي بي سي إنها عادت بعد انتشار أخبار بتحسُّن الأوضاع في مدينتها وسيطرة الجيش على العاصمة، إلا أن الأوضاع سرعان ما ساءت جداً بسبب انقطاعات الكهرباء وانعدام المياه، وتفشِّ الكوليرا. وتوفي ثلاثة أشخاص متأثرين بالوباء في الحيّ الذي تقطن فيه مشاعر، بجانب تسجيل عدد من الإصابات. وتُعدّ مشاعر واحدة من أكثر من 134 ألف شخص عادوا إلى منازلهم التي دمرتها الحرب، وسط انعدام تام للخدمات. وإلى جانب "الانفتاح" في منطقتَي الصالحة جنوبي أمدرمان وجبل أولياء جنوبي الخرطوم، والتي سيطر عليها الجيش السوداني، تُعتبر عودة النازحين إلى ديارهم أحد أهم أسباب تفشّي المرض، بجانب عدم توفُّر طعام جيد ومياه شرب نظيفة، بحسب وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم. ووصفت منظمة أطباء بلا حدود المرض بالوباء، ويبدو أن السيطرة عليه أمر صعب؛ إذ تتطلب عودة الكهرباء المقطوعة للأسبوع الثالث على التوالي عن مدينة أمدرمان بفعل الهجمات المتكررة على محطات الكهرباء بالمُسيّرات من قبل قوات الدعم السريع -كما تقول الحكومة السودانية. وأدى ذلك إلى انقطاع مياه الشرب ولجوء المواطنين لشُرب المياه من مصادر غير آمنة، ما زاد وتيرة تفشّي المرض، خاصة في مدينة أمدرمان - حيث لجأ المواطنون لشراء مياه الشرب من الباعة المتجولين الذي يستخدمون عربات نقل بدائية تجرُّها الدواب. ويبلغ سعر برميل المياه ثلاثين ألف جنيه سوداني، أي ما يُقارب خمسة دولارات، حيث يجلبون المياه من نهر النيل، أو من آبار مفتوحة غير خاضعة للمعالجة ولا الرقابة. وتنتشر مقاطع فيديو لصفوف من المواطنيين وعربات "الكارو" الشعبية لشراء مياه شرب غير نظيفة من نهر النيل، فيما يقول وزير الصحة السوداني لبي بي سي إن المعالجة النهائية فيما يتعلق بتوفير مياه شرب نظيفة أمر صعب في المرحلة الأولى. وتعتمد حكومة ولاية الخرطوم على كلوَرة المياه (إضافة الكلور إلى الماء بنسب معينة)، كمعالجة أوّلية بالعمل مع المنظمات الأممية وأطباء بلا حدود. وتشرف منظمة أطباء بلا حدود على ثمانية مراكز للعزل، موزعة على العاصمة تقول إنها ممتلئة بالمصابين. وتبلغ سعة مراكز العزل التابعة لأطباء بلا حدود في مدينة أمدرمان فقط حوالي 300 سرير، بحسب محمد نديم أحد المسؤولين بالمنظمة بينهم (مركز عزل مستشفى النو، والذي تم إخلاؤه قبل يومين، ومركز عزل الجزيرة اسلانج، ومستشفى أمدرمان). ويقول صحفيون زاروا مراكز عزل إنها تشهد تكدّسا وتوافدا لمصابين يفوق سعة المراكز على مدار الساعة. ومن جهتها، أعربت وزارة الصحة السودانية عن قلقها إزاء تدهور الأوضاع الصحية جرّاء انتشار الوباء بالبلاد؛ إذ تمّ تسجيل 2,729 إصابة بالكوليرا خلال أسبوع واحد و 172 حالة وفاة، مع تركُّز نحو 90 في المئة من الإصابات الجديدة في ولاية الخرطوم، خاصة في محليات كرري، وأم درمان وأمبدة، بحسب آخر إحصائيات رسمية. وانتشر المرض في ولاية سنار، ووفقاً لإبراهيم العوض أحمد وزير الصحة بالولاية الذي تحدث لبي بي سي، فإن الولاية سجّلت 51 إصابة بالكوليرا وخمس وفيات مع تعافي 14 حالة، وقال العوض إن عدد الحالات الموجودة في مركزَي عزل مستشفى سنار وسنجة بلغ 32 حالة. وتُعدّ حركة المواطنين بين ولايتَي الجزيرة وسِنار أحد أسباب انتشار المرض بالولاية، بجانب استخدام المواطنين مياه الشرب من النيل مباشرة دون معالجتها. وتتخوّف لجان مقاومة وَد مدني من انتشار الكوليرا، بعد تسجيل عدة حالات بالمدينة الواقعة وسط السودان وثاني أكبر المدن كثافة سكانية بعد الخرطوم. يشار إلى أن لجان مقاومة وَد مدني، هي لجان أهلية نشطت في احتجاجات ديسمبر 2018 التي أدت إلى إسقاط نظام عمر البشير، وتقوم الآن بأدوار خدمية. وتقول هذه اللجان إن المدينة ورثت نظاماً صحيا منهاراً نتيجة الحرب التي ضربت البنى التحتية للولاية فيما تشهد مستشفى ود مدني نقصا حاداً في الكوادر الطبية وسط نقص للدواء وتدهور في بيئة المستشفى. وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد حالات الإصابة بالكوليرا المسجّلة في السودان بلغ نحو 60 ألف حالة، منذ بداية تفشي المرض في البلاد، وسط تحذيرات من تدهور الأوضاع الصحية؛ بسبب النزاع المستمر وانهيار البنية التحتية. وقالت "اليونسيف" إن أكثر من مليون طفل معرّضين للخطر في السودان؛ بسبب انتشار الكوليرا حيث أُبْلِغ عن أكثر من 7,700 حالة إصابة بالكوليرا منذ بداية العام الجاري في الخرطوم من بينها ألف حالة إصابة لأطفال دون سِن الخامسة. وقالت ميرا ناصر مديرة الإعلام والاتصال باليونسيف أن محليتَي جبل أولياء والخرطوم هما الأكثر تضرراً كما تواجهان خطر المجاعة، مع وجود عشرات الآلاف من الأطفال يعانون سوء التغذية الحاد. وتقول المنظمة التي تعاني ضعف التمويل إن حالات الإصابة اليومية بالكوليرا قد تضاعفت تسع مرات خلال عشرة أيام فقط، ما يُنذِر بالخطر. وتحتاج المنظمة الأممية المعنيّة بالطفولة إلى دعم كبير من المجتمع الدولي والممولين للحدّ من تفشّي الكوليرا بشكل أكبر لإنقاذ الأرواح. ومع تمدُّد رقعة الحرب، واستمرار الهجمات على البنى التحتية، والنقص الحادّ في الغذاء وخروج أكثر من 80 في المئة من المستشفيات والمؤسسات المعنيّة بتقديم العلاج من العمل - يُحذّر محمد سيد أحمد المتحدث باسم نقابة الأطباء السودانيين من خروج الوباء عن السيطرة، في حال عدم تدخُّل المنظمات الدولية والأممية. فيما تتوقع وزارة الصحة السودانية انحسار الإصابات خلال الأسابيع القادمة.


BBC عربية
منذ 5 أيام
- BBC عربية
لماذا يؤخّر الشباب قرار الزواج؟
يلجأ العديد من الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تأخير قرار الزواج لأسباب اقتصادية واجتماعية وغيرها. لهذا القرار تداعيات كثيرة على بنية المجتمعات والأسر. في بي بي سي اكسترا هذا الأسبوع نستمع إلى آراء مختلفة من عند الشباب من منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط فيما يتعلّق بموضوع الزواج. عمار ورحاب من مصر تزوّجا في سنّ مبكرة الأمر الذي عرضهما لضغوط كبيرة من قبل العائلة. عقبات اقتصادية كبيرة وقفت بوجه الثنائي الذي اضطر إلى التخلي عن حفل الزفاف وغيرها من الأمور من أجل المضي بقرار الزواج. في المقابل، علي وآيات أخّرا قرار الزواج بسبب العديد من العقبات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي يمرّ بها لبنان. أخذ علي وآيات قرار الزواج في فترة الحرب ويحاولان اليوم تخطي بناء مستقبلهما سويا رغم الظروف. في الحلقة نسأل مدير مركز Trends للأبحاث والدراسات سلطان ماجد المحمد عن الأسباب الاقتصادية التي تدفع الشباب إلى تأخير سنّ الزواج إضافة إلى الحلول المطروحة. ومن تونس تخبرنا الباحثة في علم اجتماع الشباب فاتن مبارك عن تداعيات تأخّر سن الزواج على تأخير قرار الزواج. كما نتحدّث إلى الشابة علا من السودان التي أخّرت الحرب قرار زواجها وفرّقتها عن خطيبها. على الرغم من الظروف، تؤمن عُلا بأنه يمكنها أن تقدم على خطوة الزواج إذا انتهت الحرب. وفي ليبيا نتعرّف على عادات وتقاليد الزفاف الليبي لدى قبائل الطوارق. يخبرنا الشاب جمال عن التكاليف الباهظة التي يتطلبها حفل الزفاف الذي يمتدّ لعدة أيام، إضافة إلى تكاليف شراء أو بناء منزل. نتعرّف في تونس على صانعة المحتوى عليا حكيم التي ترى في تأخر سنّ الزواج إيجابيات كثيرة. تقديم: سيف الدين الرباعي إعداد: فتون رعد منتج مشرف: سماح دعكور مونتاج: فرح دعجة ونديم دمشقية يلقي برنامج بي بي سي إكسترا التلفزيوني الضوء على قصص إنسانية فريدة من حياتنا، نعيشها ونرويها لشباب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أسبوعياً كل يوم خميس على شاشة بي بي سي عربي على الساعة الخامسة والنصف مساء بتوقيت غرينتش.