
التجويع كـ (سلاح حرب) : ماذا يعني ومتى استُخدم في التاريخ؟
جوناثان ويتال، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأراضي الفلسطينية قال: "ما تشهده غزة ليس مجرّد جوع، بل سياسة تجويع مدروسة".
شهادات من منظمات دولية، بينها أوتشا وأونروا وأوكسفام و"أنقذوا الأطفال"، أشارت إلى أن أكثر من 90 في المئة من سكان القطاع يعيشون في مواجهة حادة مع تأمين لقمة العيش، وتنبه التقارير نفسها إلى أن الآلاف من الأطفال عرضة للوفاة بسبب نقص الغذاء والدواء في وضع إنساني بات فعلياً "من صنع البشر".
يُوضح أليكس دي وال في كتابه "المجاعة الجماعية: تاريخها ومستقبلها المجاعة"، أن المجاعات المعاصرة غالباً ما تكون نتيجة قرارات سياسية وعسكرية متعمدة، لا نقصاً طبيعياً في الغذاء.
كما تؤكد تقارير مجلس الأمن الدولي، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، وبرنامج الأغذية العالمي، أن الحصار والتجويع أصبحا استراتيجيات عسكرية "ممنهجة"، تُستخدم لإخضاع المجتمعات عبر تدمير منظومة حياتها اليومية، وليس مجرد آثار جانبية للحرب.
تقول إسرائيل إن هدفها ليس عقاب السكان المدنيين، بل منع حماس من استخدام الموارد (كالطعام والدواء) لأغراض عسكرية أو كغطاء لـ"النشاطات الإرهابية". اتهمت معاهد أبحاث إسرائيلية، مثل INSS وUN Watch، الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بنشر "رواية مضللة" تستند إلى بيانات غير كاملة أو قديمة .
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفى أن تكون هناك سياسة تجويع مقصودة ضد المدنيين، واعتبر الاتهامات بأنها "كذب وافتراء"، مؤكداً أن الهدف هو منع وصول الموارد لحماس وليس معاقبة السكان.
أما الجيش الإسرائيلي، فاعترف بوجود قيود مشددة على دخول المساعدات، وأكد أنه يتحقق من الاستخدام الأمني للمساعدات، كما نفى وجود أوامر بإطلاق النار على المدنيين الباحثين عن المساعدات.
في الأمم المتحدة، قرار مجلس الأمن رقم 2417 الصادر عام 2018 شكل اعترافاً دولياً بأن الجوع لم يعد أزمة إنسانية فقط، بل جريمة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنزاع.
ومع ذلك، يقول المؤرخ والباحث الدكتور عصام خليفة، إن الإفلات من العقاب، وغياب الإرادة السياسية للمحاسبة، "يمنح الجناة غطاءً للاستمرار في استخدام هذا السلاح الصامت الذي يفتك بالأمل والحياة في المكان المنكوب".
التجويع، خاصة حين يكون منظماً، يُعد جريمة مدانة في القانون الدولي، ويُصنَّف ضمن أساليب الإبادة الجماعية بحسب الاتفاقيات الدولية.
"عبر التاريخ، استُخدم التجويع كسلاح لـ"إخضاع الشعوب"، كما حصل في جبل لبنان خلال الحرب العالمية الأولى، وفي مجازر الأرمن والآشوريين، ولاحقاً في البوسنة والهرسك. وفي كل حالة، كان الهدف تفكيك النسيج المجتمعي، ودفع السكان إلى النزوح أو الخضوع القسري"، وفق المؤرّخ والأكاديمي عصام خليفة.
من منظور تاريخي، يشير د. خليفة إلى أن التجويع لا يُستخدم فقط كأداة قتل، بل كوسيلة لإعادة رسم الجغرافيا السكانية والسيطرة على القرار السياسي للسكان.
"صراع يومي من أجل البقاء"
يُحدثُني الصحفي سامر الزعانين من خان يونس قائلاً إن "أي محاولة لتأمين المساعدات يُقابلها استخدام الناس كأداة للفوضى، حيث يُجبر السكان على التزاحم والتدافع لاستلام المساعدات من الشاحنات"، وغالباً ما تكون هذه الشاحنات في مناطق حمراء شديدة الخطورة.
ويكمل بالقول إن الوصول للشاحنات يتطلب "المجازفة بالحياة"، وكثيرون يُصابون أو يُقتلون من أجل كيس طحين أو معلبات.
"الوضع لا يُحتمل؛ مشاهد التدافع تفوق قسوتها مشاهد القصف. نساء وأطفال وشيوخ يخاطرون بحياتهم في صراع يومي من أجل البقاء. كل مرة تدخل فيها شاحنات مساعدات، يُسجل سقوط شهداء وإصابات بالعشرات، خاصة في المناطق التي حُددت كمراكز توزيع".
يضيف إن هذه سياسة ممنهجة وليست عشوائية، تُعيد إلى الأذهان مجازر تاريخية ارتبط فيها التجويع بأهداف "الإبادة والسيطرة".
والبعضُ، ممن تحدثت إليهم من قطاع غزة، اختصر القول بهذه الرسالة: هو في اكل اصلا عنا؟
ما المقصود بـ"التجويع"؟
"التجويع" في الحرب هو الاستخدام المتعمّد لحرمان السكان المدنيين من الغذاء والماء، بهدف الضغط على الجهات المسؤولة عنهم - سواء كانت منظمات أو دول - وإجبارها على الخضوع سياسياً أو عسكرياً.
تشمل ممارسات التجويع تدمير المحاصيل والمواشي، كما حدث في حرب السودان، وفي أوكرانيا السوفيتية (الهولودومور)، ومنع أو تأخير دخول المساعدات الإنسانية، كما وثّق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقاريره عن غزة وتيغراي (2023–2024)، واستهداف البنية التحتية الزراعية ومصادر المياه، وفرض الحصار العسكري أو الاقتصادي، كما حلّل أليكس دي وال في كتابه "المجاعة الجماعية: تاريخها ومستقبلها"، وتهجير المزارعين أو السيطرة على أراضيهم بالقوة.
وهو أيضاً ما ناقشته نعومي هوسكينغ في كتابها "المجاعة كسلاح: سياسات الغذاء والحرب"، موضحةً كيف تتم السيطرة على الغذاء كأداة للسيطرة على الأرض والسكان.
ماذا يقول القانون الدولي؟
تُشير دراسات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن التجويع يصبح سلاحاً عندما يُستخدم لإحداث ضرر مباشر في المدنيين من خلال تعطيل منظومة الغذاء، وليس نتيجة عارضة للنزاع.
في إطار القانون الدولي، هناك عدة اتفاقيات تحظر استخدام التجويع كسلاح وتحذّر من وقوعه في أي حرب:
اتفاقيات جنيف من عام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول، عام 1977: تحظُر استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وخاصة ضد المدنيين.
نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، عام 1998: يعتبر "تجويع السكان المدنيين عمداً" جريمة حرب، إذا كان يتم عبر منع الإمدادات الضرورية لبقائهم.
قرار مجلس الأمن 2417، عام 2018: يدين استخدام الجوع كسلاح، ويربط بين الصراعات المسلحة، وانعدام الأمن الغذائي، وخطر المجاعة.
المحامي حسن الحطاب مستشار لتمثيل الضحايا في المحكمة الجنائية الدولية تحدّث لبي بي سي قائلاً إن القانون الدولي يُجرّم استخدام التجويع كسلاح حرب ويعتبره جريمة ضد الإنسانية، خاصة عند حرمان المدنيين من الغذاء والدواء، كما يحدث في غزة اليوم من حصار وتجويع ممنهج. هذه الانتهاكات تُعدّ جرائم حرب بحسب اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
"رغم وضوح النصوص القانونية، فإن المحاسبة تبقى "نادرة"، وفقاً للمحامي المختص في القانون الدولي، "بسبب غياب الإرادة السياسية الدولية"، خاصةً حين يكون هناك دعم من قوى كبرى، مثل الولايات المتحدة، على سبيل المثال".
حتى الآن، لم تُحاسب أي جهة في التاريخ الحديث "بوضوح"، على استخدام التجويع، رغم وجود حالات سابقة في السودان، وسوريا، وتيغراي، وفق قوله.
"وسيلة للضغط السياسي وتفكيك المجتمعات"
في كتابه، "محرقة أواخر العصر الفيكتوري، وظاهرة النينيو والمجاعات ونشأة دول العالم الثالث"، يظهر مايك ديفيس كيف استخدمت المجاعات، خصوصاً في الهند تحت الاستعمار البريطاني، لضعف المجتمعات المستعمَرة وفرض سياسات مدمّرة، رغم أن السبب الصحيح كان قرارات سياسية.
وفي بحثه "المجاعة والجرائم والسياسة وصناعة الإغاثة من الكوارث في أفريقيا"، يوضح أليكس دي وال أن التجويع يستخدم أحياناً في النزاعات المسلحة للضغط على المجتمعات ودفعها إلى الاستسلام أو قبول تسويات مجحفة.
تستعرض سوزان جورج في كتابها "سياسات المجاعة"، العملية التي تتم من خلالها تعطل وكالات الإغاثة في بعض البلدان، سواء يتم ذلك عن طريق منعها من الدخول أو استخدامها لخدمة أهداف سياسية، وتقول إن "الجوع يصبح في كثير من الأحيان نتيجة اختيارات بشرية وليس مجرد حادث كوني"، ما يؤدي لإعاقة العمل الإنساني وتحويل الإغاثة إلى أداة سياسية.
هل يُحاكَم الجاني؟
رغم أن القانون الدولي يُجرّم بوضوح استخدام التجويع كسلاح حرب، وفق المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، إلا أن الملاحقات القضائية للجناة تظل نادرة جداً لأسباب معقّدة، من أبرزها:
صعوبة إثبات "النية الجنائية": من التحديات الأساسية في هذا النوع من القضايا هي إثبات القصد المتعمد للتسبب بالمجاعة، خاصة في السياقات المعقدة التي تتداخل فيها العوامل العسكرية والاقتصادية والبيئية.
يشير الباحث أليكس دي وال في كتابه "المجاعة الجماعية: التاريخ والمستقبل"، إلى أن المجاعة غالباً ما تكون "جريمة بلا جناة ظاهرين"، يصعب تتبع المسؤولية القانونية المباشرة فيها، خصوصاً في ظل غياب الأوامر المعلنة أو الاعترافات الرسمية.
التعقيدات السياسية وغياب الرقابة الدولية: في كثير من الحالات، تكون الأطراف المسؤولة عن التجويع حليفة لقوى دولية كبرى أو جزءاً من توازنات سياسية دقيقة، ما يجعل محاسبتها أمراً سياسياً حساساً.
في كتابها "كيف يموت النصف الآخر"، تشرح الباحثة سوزان جورج كيف تسهم المنظومة السياسية العالمية أحياناً في التستر على "جرائم" التجويع أو التقليل من شأنها، ما يُضعف من آليات العدالة الدولية.
إعاقة العمل الإنساني وتحويل الإغاثة إلى أداة سياسية: تتناول سوزان جورج في كتابها "سياسات التجويع"، كيف تُمنع منظمات الإغاثة من الوصول إلى المناطق المتضررة أو تُستغل لأغراض سياسية، وتؤكد أن الجوع في كثير من الحالات هو "قرار سياسي"، وليس "كارثة طبيعية".
في حالة غزة، يُشير المستشار القانوني المشارك في ملفات أمام المحكمة الجنائية الدولية حسن الحطاب، إلى أن مذكرات توقيف أُصدرت بحق قادة إسرائيليين، منهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكنها لم تُنفّذ "بسبب ضغوط سياسية".
وفي السياق الأفريقي، توضح الباحثة بريدجت كونيلي في كتابها "الحرب والمجاعة في أفريقيا"، العلاقة الوطيدة بين الحرب والمجاعة، حيث تُستخدم المساعدات كأوراق ضغط، ويُحرم المدنيون من الإغاثة ضمن استراتيجية الحرب.
استخدام المجاعة والتجويع كسلاح حرب: أبرز الأمثلة
يحكي المؤرخ الأمريكي تيموثي سنايدر في كتابه "أراضي الدم في أوروبا بين هتلر وستالين"، استخدمت المجاعات المصطنعة مثل "الهولودومور" في أوكرانيا (1932-1933) كوسيلة سياسية لخضوع السكان وتغيير توازنهم الديمغرافي، ومات فيها الملايين نتيجة سياسات ممنهجة وليس بسبب الكوارث الطبيعية.
وتؤكد المؤرخة آن ابلباوم في كتابها "المجاعة الحمراء: حرب ستالين على أوكرانيا"، أن التجويع هو "تطهير عرقي" كان بمثابة حرب سرية ضد الهوية الأوكرانية.
في ما يلي أبرز الأمثلة التاريخية والمعاصرة الأخرى لاستخدام التجويع كسلاح في الحرب:
حصار لينينغراد، روسيا (1941–1944): النازيون حاصروا المدينة 870 يوماً، فمات قرابةُ مليون مدني جوعاً، في محاولة لإبادة السكان دون قتال.
سراييفو، البوسنة (1992–1996): القوات الصربية حاصرت المدينة ومنعت الغذاء والكهرباء، ما أدى إلى مجاعة ومقتل الآلاف رغم الإغاثة الدولية.
قطاع غزة (منذ 2007 – الآن): إسرائيل تفرض حصاراً شاملاً باستثناء معبر رفح قبل الحرب الحالية الذي يفتح ويغلق حسب الأوضاع الأمنية، يشتد الحصار في فترات الحرب، وتُتهم باستخدام التجويع كوسيلة عقاب جماعي، خاصة بعد أكتوبر تشرين الأول 2023.
سوريا، الغوطة ومضايا (2013–2016): قوات النظام السابق فرضت حاصراً أدى إلى موت مدنيين جوعاً، وظهور صور مأساوية لأطفال يعانون من الهزال، وسط عجز دولي.
اليمن (منذ 2015): تسببت الحرب الأهلية بحصار الموانئ والمنشآت الغذائية ما يؤدي إلى أزمة توصف بأنها "الأسوأ عالمياً"، مع أكثر من 17 مليون شخص يعانون من الجوع.
تيغراي، إثيوبيا (2020–2022): تقارير تؤكد استخدام الحكومة الإثيوبية التجويع كأداة حرب، عبر منع الغذاء والدواء عن الإقليم المحاصر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وطنا نيوز
منذ 26 دقائق
- وطنا نيوز
تقرير أممي يفضح أكثر من 60 شركة كبرى لدعمها الإبادة في غزة والضفة
وطنا اليوم:كشف تقرير للأمم المتحدة عن أسماء أكثر من 60 شركة عالمية كبرى متورطة في دعم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والحرب على غزة. التقرير الذي أعدته المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، استند إلى أكثر من 200 مذكرة من دول ومنظمات حقوقية وأكاديميين وشركات، دعا الشركات إلى وقف الأعمال التجارية مع إسرائيل، ومساءلة الإدارات التنفيذية ماليا وقانونيا، بسبب قناعتهم بأنها مستفيدة من النزاع البنيوي في الأراضي الفلسطينية. ومن بين الشركات التي وردت في التقرير وأبرزها أميركية: غوغل، ومايكروسوفت، وآي بي إم، وكاتربيلر لصناعة المعدات الثقيلة، ولوكهيد مارتن للصناعات العسكرية فضلا عن هيونداي الكورية الجنوبية. واتهمها التقرير بالمشاركة في نظم المراقبة التي تساهم في القمع وتصنيع الأسلحة والتسبب في تدمير الممتلكات في الأراضي الفلسطينية. ويمثل التقرير توسيعا لقائمة أممية سابقة صدرت في عام 2023 كانت تركز فقط على الشركات المرتبطة بالمستوطنات بينما يغطي التقرير الجديد جوانب أوسع تتعلق بالحرب على غزة. 'الجريمة تستمر لأنها مربحة' ووضعت ألبانيزي هذا الاتهام في سياق وصف شامل للأزمة: 'بينما تُمحى الحياة في غزة ويستمر التصعيد في الضفة الغربية، يكشف هذا التقرير أن ما تُسمّى بالإبادة الجماعية تستمر ببساطة لأنها مربحة لكثير من الأطراف'. وأضافت أن هذه الشركات 'ربطت ماليا بالتمييز العنصري والعسكرة الإسرائيلية'، وهو ما ينطوي على شبهات بارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي. أسماء مألوفة متورطة وركز التقرير على الشركات التالية بتفصيل أكبر: لوكهيد مارتن وليوناردو: تم تحميلهما مسؤولية توريد أسلحة يرجّح أنها استُخدمت في غزة، مع تأكيد الناطق باسم لوكهيد مارتن على أن هذه الصفقات تجري بين حكومات، وأن إدارة واشنطن هي المرجعية القانونية الأساسية. كاتربيلر وهيونداي الثقيلة: يُتهمون بتوفير معدات ثقيلة ساهمت في تدمير ممتلكات فلسطينية، في سيناريو يُعد مدمرًا جزئيًّا للقطاع المدني وفقًا للتقرير. شركات التكنولوجيا، مثل ألفابت (مالكة غوغل) وأمازون ومايكروسوفت وآي بي إم، وُصفت بأنها مركزية لمنظومة المراقبة الإسرائيلية التي تدعم الهجوم على المدنيين. كانت ألفابت ردّت سابقًا بأن عقدها بقيمة 1.2 مليار دولار لخدمات الحوسبة السحابية لا يرتبط بالاستخدام العسكري أو الاستخباراتي لإسرائيل. شركة بلانتير: ذكرت لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لصالح الجيش الإسرائيلي، رغم غياب تفاصيل دقيقة حول التطبيق العملي لهذا الدعم. إسرائيل وأميركا تهاجمان التقرير ووصفت بعثة إسرائيل في جنيف التقرير بأنه مخطئ قانونيا ويحتوي على تصريحات تشهيرية، معتبرة أنه يسيء لموقع الأمم المتحدة. أما البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، فقد طالبت الأمين العام أنطونيو غوتيريش بإدانة ألبانيزي وإزاحتها من منصبها، معتبرة أن تقاريرها تشكل استهدافا ممنهجا عبر ما وصفته بـ'الحرب الاقتصادية'، ضد كيانات عالمية بالشراكة مع إسرائيل. جريمة كبرى ويشير التقرير إلى أن إسرائيل واصلت تبرير عدوانها المتواصل على غزة تحت شعار 'الدفاع عن النفس'، عقب طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رغم الفظائع الإنسانية الهائلة التي خلّفتها. في المقابل، تؤكد وزارة الصحة في غزة أن عدد الشهداء تجاوز 56 ألفا، معظمهم من النساء والأطفال، وأن القطاع بأسره تحول إلى 'ركام' بفعل القصف المستمر والحصار الخانق. ومن المقرر عرض التقرير قريبًا أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي يضم 47 دولة، على الرغم من أن صلاحياته لا تشمل اتخاذ إجراءات تقييدية قانونية ملزمة. لكن، كعادته سابقًا، فإن هذا النوع من التحقيقات الأممية غالبًا ما يُستخدم كأساس لتقديم دعاوى في المحاكم الدولية. ومن المثير أن إسرائيل والولايات المتحدة كانتا من بين الدول التي انسحبت من هذا المجلس في وقت سابق من العام بدعوى تحيزه ضد إسرائيل، ما قد يعزز من فرص تجاهل النتائج وتفادي المساءلة، رغم تزايد الضغط من المجتمع الدولي. وما دام الربح موجودًا، يظل النزاع أسير معادلة 'المال أولًا' بحسب وصف ألبانيزي التي اعتبرت أن استمرار ما وصفته بالإبادة الجماعية مرتبط مباشرة بلقاءات تجارية مربحة، وليس فقط نفقات أمنية.

عمون
منذ 5 ساعات
- عمون
هجمات البوليساريو .. هل تشر عن خيارات المغرب لصحرائه أمام العالم؟
بعد التصعيد الأخير لجبهة البوليساريو عبر هجمات استهدفت مدينة السمارة جنوب المغرب، وعلى مقربة من ثكنة عسكرية تابعة لبعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء "المينورسو"، تبرز مفارقة لافتة مفادها: كلما اشتدت وتيرة الهجمات، اتسعت دائرة المشروعية السياسية والدبلوماسية للمغرب في الساحة الدولية، حيث تُحوّل الرباط هذه الهجمات إلى فرص إضافية تؤكد من خلالها، وأمام العالم، صواب رؤيتها وواقعية مبادرتها للحكم الذاتي. وهذه الهجمات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. فمنذ اختراق جبهة البوليساريو لاتفاق وقف إطلاق النار عام 2020، والمنطقة العازلة بين الجبهة والمملكة المغربية تشهد هجمات واختراقات متكررة. لكن الصدى الذي رافق هذه الهجمات مؤخرًا كان مختلفًا، لتزامنها مع سياقات دولية وإقليمية حساسة تؤثر مباشرة على مسار ملف الصحراء المغربية، ما يعكس أزمة حقيقية تعيشها الجبهة، في ظل متغيرات جيوسياسية لم تعد تحتمل الحركات الانفصالية والمسلحة التي تفتقر إلى الانضباط السياسي والدبلوماسي، وتُسهم في زعزعة الأمن والاستقرار. في ظل هذا التصعيد، تطرح جملة من الأسئلة نفسها، بدءًا من مستقبل جبهة البوليساريو ومشروعيتها، إلى مستقبل عمل بعثة "المينورسو" الأممية، وإمكانية استمرار الدعم اللوجستي لها. غير أن السؤال الأهم يبقى: ما المكاسب التي يمكن أن تحققها الرباط على مستوى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي من خلال هذه التطورات؟ وهل تسهم في تشكيل صورة سلبية عن الجبهة أمام الرأي العام العالمي؟ بالتالي، لا يمكن قراءة هذه التطورات بمعزل عن تداعيات الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، وما أفرزته من اصطفافات جديدة في الشرق الأوسط والعالم. صحيح أن نيران الحرب لم تصل إلى حدود المغرب، لكن ارتداداتها السياسية قد تطال قضيته الوطنية. فإيران، التي تسللت منذ عقود إلى إفريقيا، لا تتردد في تحريك جبهة البوليساريو كورقة جيوسياسية كلما دعت الحاجة، لزعزعة التوازنات الإقليمية وخلق بيئة هشة تمنحها موطئ قدم في شمال إفريقيا ودول الساحل. لكن، أين المنطق في ذلك؟ الهجوم الأخير للبوليساريو قد يُفهم في سياق عدة احتقانات، أبرزها ما يتعلق بموقف الرباط الرافض لاستهداف القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر. فرغم صمت مغربي دام اثني عشر يومًا، اختارت الرباط في الساعات الأخيرة للحرب أن تعلن موقفًا صريحًا ضد انتهاك سيادة الدول، في انحياز واضح للمحور الأمريكي-الخليجي. موقف لم تستسغه طهران، وربما انعكس على سلوك البوليساريو. في المقابل، زادت حدة التوتر لدى الجبهة مع طرح مشروع قانون في الكونغرس الأمريكي لتصنيف البوليساريو كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، بدعم ثنائي من النائب الجمهوري جو ويلسون والديمقراطي جيمي بانيتا. وهو تطور استراتيجي ينهي سنوات من التساهل الدبلوماسي والضبابية القانونية تجاه كيان لا يتصرف كحركة تحرر كما يدعي، بل كأداة ضمن أجندة قوى معادية للاستقرار الإقليمي، في إشارة مباشرة إلى إيران وفقًا لتغريدة ويلسون على منصة "إكس". إذا صحت هذه القراءات، فإن المجتمع الدولي مقبل على مراجعة عميقة لمشروعية الجبهة وطرحها الانفصالي، خصوصًا مع ارتباطاتها العابرة للحدود بالتواجد الإيراني. فالغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لا يرغب بمزاحمة قوى جديدة كإيران وروسيا والصين في القارة الإفريقية، ويفضل الاعتماد على شريك تاريخي وموثوق مثل المغرب. ما يرجّح كفة مبادرة الحكم الذاتي ويقرّب من إغلاق ملف الصحراء نهائيًا. ولا تقف المتغيرات عند هذا الحد، فهناك أيضًا تحركات ناعمة نحو ترتيبات جديدة في المنطقة قد تُفضي إلى تسوية الخلاف الجزائري-المغربي، ما يصب في صالح التحالفات الغربية ويعزز الهيمنة التقليدية للغرب على إفريقيا، وخاصة منطقة شمال إفريقيا والساحل. لكن، وبما أنه لا يمكن الجزم بنوايا جميع الأطراف في هذه المرحلة، فإن على المغرب، وهو يخوض معركة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، أن يظل في حالة يقظة تامة. إذ يتعين عليه تفعيل أدواته الدبلوماسية، وتعزيز حضوره القانوني داخل المؤسسات الدولية، للتأكيد أن اللااستقرار يبدأ حين تُمنح الشرعية لقوى السلاح بدلًا من مشاريع الحلول السياسية. وفي النهاية، تبقى رسالة الرباط للعالم واضحة: صوت السياسة ابلغ من دوي المدافع.


Amman Xchange
منذ 6 ساعات
- Amman Xchange
لبنان: مفاوضات الصندوق تتقدم... وتوقيع الاتفاق قريباً
بيروت: «الشرق الأوسط» قال رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام إن مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي تتقدم بمسؤولية وواقعية، مشيراً إلى أن الصندوق ليس عدواً ولا منقذاً، بل أداة لتحقيق الاستقرار المالي ومواكبة الإصلاحات الهيكلية، مع هدف توقيع اتفاق خلال ولاية هذه الحكومة. وأوضح أن الإصلاح المالي والاقتصادي يشكل ركيزة أساسية للتعافي الوطني، مع ضرورة معالجة أخطاء الماضي وبناء نظام مالي ومصرفي حديث وشفاف؛ حيث أُقرّ قانون رفع السرية المصرفية ومشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إلى جانب استكمال قانون الفجوة المالية للحفاظ على أصول الدولة واستعادة الودائع بشكل عادل. وشدد على أهمية إعادة تفعيل الدور الائتماني للبنوك لتمويل الاقتصاد الحقيقي، خصوصاً القطاعات الإنتاجية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، محذراً من أن غياب تدفق الائتمان يعرقل الدورة الاقتصادية والاستثمار. وأضاف أن النمو الاقتصادي المستدام لا يتحقق من دون تحفيز القطاعات الإنتاجية الأساسية كالزراعة والصناعة والخدمات والاقتصاد الرقمي، موضحاً أولويات الحكومة في توسيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ خصوصاً في مشاريع البنية التحتية، مع دعم مباشر للقطاعات الأكثر تضرراً. وأعلن التحضير لمؤتمر استثماري في الخريف لإعادة فتح لبنان أمام الاستثمارات المنتجة، إلى جانب تحديث قوانين الأعمال وتحفيز التصدير، وإطلاق خطة سياحية متكاملة لتشجيع عودة المغتربين واستقبال السياح العرب، مؤكداً أن النمو لا يكتمل من دون توزيع عادل للفرص بين جميع المناطق. وأشار إلى الزيارات الميدانية لتحديد الحاجات الإنمائية، مع التركيز على مشاريع كبرى مثل مطار رينيه معوض في القليعات، الذي يعدّ ذا أثر تنموي كبير؛ خصوصاً في منطقة الشمال، مؤكداً حرص الحكومة على الاستماع لملاحظات المجتمع وقياس توافق رؤيتها مع الأولويات الوطنية. وخلال زيارته للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وصف المجلس بأنه منصة حيوية للحوار الوطني وشريك أساسي في مرحلة التعافي والإصلاح، في ظل أزمة غير مسبوقة تشمل انهيار العملة والقطاع المصرفي، وارتفاع التضخم والفقر، وانكماش الاقتصاد، وتداعيات انفجار مرفأ بيروت والحرب الأخيرة، مؤكداً أن الحل يكمن في إصلاح حقيقي يؤسس لدولة حديثة تستعيد ثقة المواطنين والعالم، داعياً إلى توافق اجتماعي واسع لتحقيق ذلك في أقل من عام. وأشار إلى أن إصلاح مؤسسات الدولة وحوكمة الإدارة العامة من خلال تعيينات على أساس الكفاءة، وتفعيل الهيئات الرقابية، واعتماد التحول الرقمي، شرط أساسي للنهوض الوطني، مع تأكيد استقلال القضاء وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، إلى جانب جهود لاسترداد المال العام وتحديث البنية التحتية وإحياء الهوية الثقافية. وعلى الصعيد الإقليمي، أعلن قرار إعادة ربط لبنان بعمقه العربي لاستعادة دوره كشريك فاعل في التنمية، وتنشيط التجارة البينية، وجذب الاستثمار. وفي ملف إعادة الإعمار، أكد العمل ضمن أطر شفافة ومسارات خاضعة للمساءلة، مع تأمين قرض بقيمة 250 مليون دولار من البنك الدولي لتمويل مرحلة الإعمار الفوري بانتظار إقراره في مجلس النواب، وتنفيذ مشاريع بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة تزيد قيمتها على 350 مليون دولار في الجنوب ضمن خطة دعم تمتد لأربع سنوات، مشدداً على أهمية الدعم العربي لإتمام عملية الإعمار وتعزيز قدرة لبنان على النهوض، معلناً التحضير لمؤتمر دولي لإعادة الإعمار خلال الأشهر المقبلة لتنسيق الجهود تحت قيادة الدولة اللبنانية ووفق أولويات واضحة.