
فك الارتباط: كيف اتخذ الملك حسين قراره التاريخي؟ وما تأثيره على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي اليوم؟
في تطور جديد يتعلق بالضفة الغربية، صدّق الكنيست الإسرائيلي في 23 يوليو/تموز 2025، على مقترح يدعو الحكومة الإسرائيلية إلى فرض سيادتها عليها، غير أن المقترح الذي تقدم به أعضاء في الائتلاف اليميني الحاكم، لا يلزم الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ القرار، غير أنه يعكس توجهاً سياسياً لترسيخ مشروع الضم.
ودعا الكنيست الحكومة الإسرائيلية إلى "العمل على بسط السيادة القانونية والقضائية والإدارية على كافّة مناطق الاستيطان، لأن ذلك يعزز أمن إسرائيل وحقها في السلام"، كما حث "أصدقاء إسرائيل حول العالم على دعم فرض سيادة إسرائيل على الضفة الغربية".
ودانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، قرار الكنيست ورأت فيه "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وتقويضاً واضحاً لحل الدولتين ولحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران من عام 1967".
وقال أحمد الصفدي، رئيس مجلس النواب الأردني، في بيان إن القرار يمثل "خرقاً فاضحاً ل
وقد جاء قرار الكنيست قبل أيام قليلة من الذكرى السابعة والثلاثين لإعلان فك الارتباط القانوني والإداري بين الأردن والضفة الغربية.
ففي 31 يوليو/تموز من عام 1988، أعلن العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال، قراره التاريخي بفك الارتباط القانوني والإداري بين المملكة الأردنية الهاشمية والضفة الغربية، منهياً بذلك علاقة رسمية دامت أكثر من أربعة عقود.
ولم يكن هذا القرار إلا تمهيداً لحدث سياسي كبير تمثَّل في إصدار وثيقة "إعلان الاستقلال الفلسطيني" في الجزائر في 15 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1988، على لسان ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك.
فما قصة الارتباط القانوني والإداري الذي كان بين الضفة الغربية وبين الأردن؟
السياق التاريخي
قسم مؤتمر سان ريمو للسلام، في أبريل/ نيسان من عام 1920، الإمبراطورية العثمانية وأسّس نظاماً إقليمياً جديداً على أنقاضها، بتعيين بريطانيا كدولة انتداب على فلسطين مع مهمة تتمثل في تسهيل إنشاء وطن قومي لليهود تماشياً مع وعد بلفور لعام 1917. وتم التصديق على التفويض بعد عامين من قبل عصبة الأمم، التي سبقت الأمم المتحدة، في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى.
وفي مارس/آذار من عام 1921، تولى الأمير عبد الله الأول، نجل الشريف الحسين بن علي الذي قاد "الثورة العربية الكبرى" ضد الحكم العثماني، حكم المنطقة الواقعة شرق نهر الأردن.
جاءت هذه الخطوة بعد وصوله إلى معان -جنوبي الأردن-، ومن ثم إلى عَمّان، في إطار تفاهمات مع السلطات البريطانية، وفي عام 1946 نال شرق الأردن استقلاله، وغيّرت إمارة شرق الأردن اسمها إلى المملكة الأردنية الهاشمية.
وعقب رحيل القوات البريطانية المُنتدِبة في مايو/أيار 1948 وإعلان قيام دولة إسرائيل، دخلت جيوش 5 دول عربية إلى فلسطين. وفي الصراع الذي تبع ذلك، وهو أول الحروب العربية-الإسرائيلية، توسّعت إسرائيل خارج نطاق الأراضي التي نص عليها مشروع التقسيم.
وكان الجيش الأردني قد دخل بقيادة الملك عبد الله الأول، إلى فلسطين نتيجة الحرب العربية الإسرائيلية حيث سيطر الأردن على الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
وكانت الضفة الغربية إحدى المناطق التي خُصصت لتكون دولة عربية بموجب خطة تقسيم فلسطين التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 1947. ووفقاً لتلك الخطة، كان من المفترض أن تكون القدس منطقة دولية، لكن المدينة قُسّمت بدلاً من ذلك إلى قطاع تحت السيطرة الإسرائيلية في الغرب وقطاع تحت السيطرة الأردنية في الشرق.
Getty Images
الملك عبد الله الأول ضم الضفة للأردن
أما الدولة العربية التي كان من المفترض إنشاؤها وفق خطة التقسيم، فلم ترَ النور قط، وتم ضم الضفة الغربية رسمياً إلى الأردن في 24 أبريل/نيسان 1950، إلا أن هذا الضم لم تعترف به سوى بريطانيا وباكستان.
والضفة الغربية هي منطقة من أراضي فلسطين التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني (1920–1947)، وتقع غرب نهر الأردن، وقد ضمتها المملكة الأردنية الهاشمية من عام 1949 حتى عام 1988، وهي تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، وتُعرف هذه المنطقة، باستثناء القدس الشرقية، داخل إسرائيل بالاسم التوراتي: يهودا والسامرة.
وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 1948، عُقد مؤتمر أريحا بمشاركة وجهاء فلسطينيين، حيث أُعلن قبول الحكم الأردني، وتم ضم الضفة الغربية رسمياً إلى الأردن في 24 أبريل/ نيسان من عام 1950، فيما عُرف بـ "وحدة الضفتين"، ومُنح سكان الضفة الجنسية الأردنية.
وحول قرار الضم، يقول الدكتور ليث كمال نصراوين، لبي بي سي: "إن الوحدة بين الضفتين كان هدفها الأساسي دعم القضية الفلسطينية، كما تشير إلى ذلك الظروف الدستورية والتاريخية التي رافقت تلك الحقبة الزمنية".
ويشير إلى أنه و"بعد هزيمة عام 1948 تداعى زعماء الضفة الغربية ومفكروها إلى الاجتماع في أريحا للتباحث حول أفضل السبل لحماية ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، فقرروا عرض الوحدة مع الضفة الشرقية على الملك عبد الله الأول ابن الحسين الذي قبلها".
ويضيف بأن عبدالله الأول "قام بإقالة حكومة توفيق أبو الهدى وكلّفه بإعادة تشكيلها على أن يضم لحكومته وزراء من الضفة الغربية".
ومن ناحية أخرى، واجهت فكرة الوحدة بين الأردن والضفة الغربية انتقادات من بعض الفلسطينيين وبعض الدول العربية، التي رأت أن الأردن تعامل مع الضفة كأرض أردنية دون إعطاء الفلسطينيين هوية سياسية مستقلة.
وخلال الفترة من 1950 إلى 1967، أدار الأردن الضفة الغربية كجزء من أراضيه، وعُين حكام عسكريون، بعضهم من أصول فلسطينية مثل عارف العارف وإبراهيم هاشم، لضمان التواصل مع السكان المحليين.
واستمرت الإدارة الأردنية للضفة الغربية حتى حرب يونيو/حزيران من عام 1967، عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية، مما تسبب بنزوح حوالي 300 ألف فلسطيني.
وقد ازداد الوضع تعقيداً بعد حرب 1967 حيث تم خلق واقع جديد لم يعد فيه الأردن يسيطر فعلياً على المنطقة، رغم استمراره في التمسك بشرعيته القانونية، وظلت المملكة تصرُف الرواتب وتدير التعليم والمؤسسات الدينية في الضفة، فيما ظل الفلسطينيون يحملون الجنسية الأردنية، في انتظار ما ستسفر عنه التسويات الدولية.
بين عامي 1967 و1987
زاد التوتر بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد أحداث عام 1970، المعروفة بأحداث أيلول الأسود، التي انتهت بإخراج الفصائل الفلسطينية من الأردن.
وكانت هناك أحداث أخرى قد مهدت لهذا القتال، تمثلت في قيام فصيل فلسطيني هو "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بسلسلة من عمليات خطف الطائرات.
ومع دعم سوريا للمسلحين، كانت حوادث الاختطاف بمثابة الفتيل الذي فجّر الوضع المتأزم أصلًا.
وفي ذلك الوقت، ندد الملك حسين في مقابلة مع صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية بالخاطفين ووصفهم بـ "عار العالم العربي".
كما حذر من أنه إذا لم يحترم مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقات وقف إطلاق النار "فسوف يتحملون العواقب".
Getty Images
مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين خلال المعارك مع الجيش الأردني في شوارع العاصمة الأردنية عمان في 17 أيلول/سبتمبر 1970
وفي 17 أيلول/سبتمبر شن الجيش الأردني هجوماً واسع النطاق على مسلحين فلسطينيين في بلدات أردنية مختلفة بعد أسابيع من القتال المتقطع بين الجانبين.
وكانت سوريا تدعم المنظمات الفلسطينية التي تمكنت من السيطرة على أجزاء من الأردن حتى تمكن الجيش الأردني من تدمير قواعدها فيما عرف لاحقاً بأحداث أيلول الأسود.
وكانت مدينة الزرقاء، التي تسيطر على طرق الإمداد إلى شمال البلاد، مسرحاً لقتال عنيف أيضاً.
وكانت هناك ادعاءات متضاربة بالنصر حيث قالت إذاعة عمان إن الجيش الأردني يسيطر على ثلاثة أرباع العاصمة، فيما قالت مصادر فلسطينية إن المسلحين يسيطرون على المدينة بأكملها.
وأُغلق المطار والحدود، وعُطلت خطوط الاتصالات. وتم تداول أنباء أن القوات الأردنية اقتحمت مقر منظمة التحرير الفلسطينية، لكن مكان وجود ياسر عرفات لم يكن معروفاً حينها، ويعتقد أنه كان موجوداً في سوريا.
وفي 27 سبتمبر/أيلول وقّع العاهل الأردني الملك حسين وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات اتفاقاً لوقف إطلاق النار بعد 10 أيام من القتال المرير.
ودعا الاتفاق، الذي تم توقيعه في قمة طارئة بالعاصمة المصرية القاهرة، إلى وقف فوري لإطلاق النار وانسحاب جميع القوات من المدن الأردنية.
ووقع على الاتفاق 8 من قيادات الدول العربية الأخرى خلال قمة ترأسها الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر في محاولة لإنهاء الأزمة.
ومنذ أحداث عام 1970، بدأت تتشكل مسافة سياسية متنامية بين الطرفين، وبرزت بشكل جلي في مؤتمر القمة العربي في الرباط عام 1974، حيث تم الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 1987، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد عكست الانتفاضة رغبة الفلسطينيين في الاستقلال الوطني، مما زاد الضغط على الأردن لإعادة تقييم علاقته بالضفة، فرأى الملك حسين أن استمرار الارتباط الإداري والقانوني قد يعيق الجهود الفلسطينية لإقامة دولة مستقلة، خاصة مع الاعتراف العربي بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
قرار فك الارتباط
تقول دائرة المعارف البريطانية إنه في يونيو/حزيران من عام 1988، عقدت الجامعة العربية اجتماعاً طارئاً منحت خلاله منظمة التحرير الفلسطينية السيطرة المالية على الدعم الموجّه للفلسطينيين، ما شكل اعترافاً فعلياً بعرفات كمتحدث باسمهم.
بعد ذلك، أعلن الملك حسين بن طلال في 31 يوليو/ تموز من عام 1988 فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية ووقف التعامل الإداري والقانوني، مع الإبقاء على الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس.
وحول كواليس هذا القرار، يقول رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري، في كتابه "الحقيقة البيضاء": "إنه في يوم من أواخر شهر مايو/أيار 1988، زار الأردن الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، وزير خارجية الجزائر حيث التقى الملك، ليلقي بقنبلته التي فاجأتنا، فقد أعلن عن رغبة الجزائر بالدعوة إلى عقد قمة عربية في منتصف شهر يونيو/حزيران المقبل، بسبب الانتفاضة الفلسطينية، والوضع في الضفة وقطاع غزة، وضرورة اجتماع الزعماء العرب للبحث في هذا الأمر".
ومضى قائلاً:"وقد عُقد المؤتمر، وكانت البوادر واضحة فيما سيؤول إليه، خاصة من خلال مشروع القرار الذي قدمته منظمة التحرير، وكان مشروع القرار يلغي أي دور للأردن، سواء أكان سلبياً أم إيجابياً، في دعم الانتفاضة، وأظن أن هذه الحادثة كانت بداية للتفكير في اتخاذ قرار فك الارتباط القانوني والإداري بين الأردن والضفة الغربية".
Getty Images
أعلن عرفات استقلال الدولة الفلسطينية بعد فك ارتباط الضفة مع الأردن بثلاثة أشهر
وقد حُلّ البرلمان الأردني، وأوقف دفع الرواتب لـ 21 ألف موظف مدني من الضفة، كما تم تحويل جوازات سفر الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى وثائق سفر صالحة لمدة عامين فقط.
وعندما تم إصدار وثيقة "إعلان الاستقلال الفلسطيني" في 15 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1988، سارع الملك حسين إلى الاعتراف بها. وهكذا، تبقى العلاقة بين فك الارتباط وإعلان الاستقلال الفلسطيني متشابكة، فالأول مهّد للثاني، وأزال غموضاً قانونياً طالما عرقل المطالب الفلسطينية بالسيادة.
وقد رحب فلسطينيون، ولا سيما قيادة المنظمة، بالقرار الأردني، ورأوا فيه خطوة ناضجة تعزز الشرعية الفلسطينية، وتزيل عقبة تمثيلية طالما أضعفت الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية. غير أن البعض اعتبر أن القرار ترك الضفة الغربية دون حماية سياسية أو قانونية، مما عزز من سيطرة إسرائيل، وانتقدوا سحب الجنسية، معتبرين أنه أثر سلباً على حقوق الفلسطينيين في الضفة.
كما رأى البعض أن قرار فك الارتباط الإداري والقانوني لم يكن دستورياً لأنه لم ينشر في الجريدة الرسمية وأن الحكومة وحدها لا تملك حق القيام بهذه الخطوة، فعندما قامت وحدة الضفتين عام 1950 قامت نتيجة قرار جماعي في 24 ابريل/ نيسان من عام 1950 اشترك فيه مجلس الأمة بنوابه وأعيانه الذين كانوا يمثلون الضفتين.
ومع توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، بدا أن الأردن نجح في تثبيت نفسه كداعم للعملية السلمية، ونجح في ضمان الاعتراف الدولي بدوره الديني الخاص في القدس، كما تجلى في اتفاقية وادي عربة للسلام مع إسرائيل عام 1994.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عين ليبيا
منذ ساعة واحدة
- عين ليبيا
إعلاميون ليبيون يفتقرون للتجهيز لمواجهة التهديدات الرقمية.. وبعثة الأمم المتحدة تنظم تدريبًا لتعزيز السلامة
عبّر عدد من الإعلاميين الليبيين لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن عدم جاهزيتهم للتعامل مع تهديدات السلامة الرقمية، ما دفع البعثة لتنظيم جلسة تدريبية عبر الإنترنت في 31 يوليو الماضي لبحث سبل حماية الصحفيين وبياناتهم. وشارك في الجلسة 16 إعلاميًا من مختلف مناطق ليبيا، ضمن برنامج «بصيرة» للتطوير المهني المخصص للصحفيين ومدققي الحقائق وأساتذة وطلاب الإعلام. وقدمت إيلا ستابلي، مستشارة السلامة الرقمية في لجنة حماية الصحفيين، مجموعة من النصائح لتقليل التتبع الإلكتروني وتأمين المعلومات. وأظهر استطلاع للرأي عقب الجلسة أن جميع المشاركين يرون أن التهديدات الرقمية تزيد من خطر تعرضهم وسلامة مصادرهم للخطر، فيما أفاد 85% منهم أن هذه المخاوف أثرت على أسلوب عملهم، وأعرب 92% عن قلقهم من نقص التدريب في هذا المجال. وأوضح أحمد صالح البرياف، أستاذ الإعلام بالأكاديمية الليبية في طرابلس، أن الصحفي قد يواجه تهديدات جسيمة إذا نشر آراء أو غطى أحداثًا لا ترضي أطرافًا مسلحة أو سلطات فعلية، تشمل المراقبة الرقمية والملاحقة والاعتقال ومصادرة الأجهزة، وصولًا إلى مخاطر الاختفاء القسري أو التعذيب.


عين ليبيا
منذ 10 ساعات
- عين ليبيا
شلقم: الجيوش تحولت من حماية الأوطان إلى أدوات للحكم
سلّط وزير الخارجية الليبي الأسبق ومندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة، عبد الرحمن شلقم، الضوء على محطات تاريخية شكلت مسار العالم الحديث وأثّرت في الواقع العربي، منذ اتفاقية وستفاليا عام 1648 التي أرست مفهوم الدولة القومية، وصولاً إلى مرحلة ما بعد الاستقلال العربي، وما تخللها من انقلابات عسكرية وصراعات سياسية، وذلك في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط اللندنية تحت عنوان 'تيه في صخب عربي مزمن'، وتابعته عين ليبيا. وأوضح شلقم أن العالم العربي لم يعرف الدولة الحديثة بمفهومها الأوروبي إلا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وتقسيم المنطقة بين القوى الاستعمارية، مشيراً إلى أن اتفاقية سايكس بيكو لم تقسم دولة عربية موحدة بقدر ما وزعت ولايات عثمانية بين بريطانيا وفرنسا، فيما كانت مناطق أخرى تحت الاستعمار الأوروبي المباشر. وأشار إلى أن مرحلة ما بعد الاستقلال شهدت سعي الأنظمة الملكية لبناء الدولة الحديثة، مع تركيز على التنمية والتعليم والصحة، قبل أن يفتح احتلال فلسطين وقيام إسرائيل باب 'التيه العربي'. واعتبر أن أول انقلاب عسكري في سوريا عام 1949 كان بداية الانحدار، حيث تحولت الجيوش من حماة للحدود إلى أدوات للوصول إلى السلطة. وانتقد شلقم ما وصفه بـ'الصخب الإيديولوجي' الذي رافق الانقلابات العسكرية في دول عربية عدة، من مصر إلى العراق واليمن والجزائر وليبيا، مؤكداً أن هذه الأنظمة لم تحقق شعاراتها الكبرى من وحدة عربية أو تحرير فلسطين أو تنمية اقتصادية، بل انشغلت بتصفية قياداتها وتكريس أمن النظام على حساب سيادة القانون والوحدة الوطنية.


الوسط
منذ 11 ساعات
- الوسط
«في تدريب أممي».. خبراء يقدمون نصائح لحماية الصحفيين الليبيين من «التهديدات الرقمية»
عبرت مجموعة من الإعلاميين الليبيين عن تزايد التهديدات الرقمية التي تمثل «خطراً» على سلامتهم الشخصية وسلامة مصادرهم، فيما قدّم خبراء ومختصون حزمة توصيات تفيد الصحفيين للحماية من هذه التهديدات. جاء ذلك خلال جلسة تدريبية نظمتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبر الإنترنت في 31 يوليو الماضي لـ16 إعلاميا من جميع أنحاء ليبيا، «لفهم كيفية حماية أنفسهم وبياناتهم»، وفق بيان نشرته البعثة الأممية عبر موقعها الإلكتروني. والجلسة جزء من برنامج «بصيرة» للتطوير المهني الذي تقدمه البعثة للصحفيين ومدققي الحقائق وأساتذة وطلاب الإعلام. واستعرضت المتحدثة إيلا ستابلي مستشارة السلامة الرقمية في لجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة دولية غير حكومية، مجموعة من النصائح للحد من التتبع الإلكتروني وتأمين المعلومات. التهديدات الرقمية للصحفيين وفي استطلاع رأي أُجري بعد الجلسة، عبّر الإعلاميون عن اعتقادهم بأن التهديدات الرقمية تزيد من تعرض سلامتهم الشخصية وسلامة مصادرهم للخطر. وقال 85% منهم إن مخاوف الأمن الرقمي أثرت على أسلوب عملهم الصحفي، وأعرب 92% عن قلقهم إزاء نقص التدريب على كيفية حماية أنفسهم، بحسب بيان البعثة. من جانبه، يقول أستاذ الإعلام في الأكاديمية الليبية بطرابلس أحمد صالح البرياف: «إذا كتب صحفي رأيًا على مواقع التواصل الاجتماعي أو غطى أحداثًا لا تروق لزعيم ميليشيا أو السلطات الفعلية التي يحميها، فإن حريته ستكون مهددة. سيُراقَب رقميًا ويُلاحق شخصيًا. قد يمرّ حتى بنقطة تفتيش، ويُعتقل، وتُصادر هواتفه، وتُفحص رسائله السرية. عندها يواجه مخاطر جسيمة، بما في ذلك الاختفاء القسري، والإساءة، والتعذيب». كيف يُنتهك أمان الصحفيين؟ ومع تزايد اعتماد العالم على الإنترنت، أصبح الجميع عرضة للتهديدات الرقمية، لكن المخاطر أكبر بالنسبة للصحفيين نظرًا لدورهم في التعامل مع الجمهور، كما تقول ستابلي، مضيفةً: «الناس يعرفونك؛ يظهر اسمك بجوار التقارير التي تكتبها. تتطلب وظيفتك التواصل مع أشخاص قد يكونون هم أنفسهم في خطر. قد تكتب عن أمور لا يرغب الآخرون في نشرها». وعلى الرغم من تزايد المخاطر، قالت ستابلي إن الصحفيين غالبًا ما يتمتعون بمستوى منخفض من الحماية الرقمية نظرًا لعدم توفر الوقت الكافي لديهم لتعلم التكنولوجيا، موصية الصحفيين بتقييم كمية المعلومات المتاحة عنهم على الإنترنت وكيفية تتبع أنشطتهم من قِبل مختلف المواقع الإلكترونية. ونوهت إلى إمكانية تعقب البيانات من قبل شركات الهاتف المحمول، ومقدمي خدمات الإنترنت، وشركات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، والحكومات، والهيئات. وقد يحصل الأشخاص أيضًا على المعلومات من خلال البرامج الضارة، بما في ذلك برامج التجسس، والقرصنة، والوصول الفعلي إلى الأجهزة، أو التصيد الاحتيالي، وهو نوع من الهجمات الإلكترونية يستخدم روابط احتيالية لخداع الأفراد وحثهم على مشاركة معلومات حساسة. نصائح لتقليل المخاطر الرقمية للصحفيين ولتقليل المخاطر، أوصت ستابلي بالتشفير، وتأمين الحسابات الإلكترونية بفصل حسابات العمل عن الحسابات الشخصية، وتجنب ربط الملفات الشخصية بالموافقة على «تسجيل الدخول» إلى مواقع جديدة عبر «جوجل» أو «فيسبوك»، وتفعيل المصادقة الثنائية، وإنشاء كلمات مرور لا تتجاوز 15 حرفًا. كما حذّرت من استخدام تقنية التعرف على الوجه أو بصمة الإصبع، إذ يُمكن إجبار المستخدمين على تسجيل الدخول. وأكدت أهمية استخدام خطوط اتصال آمنة، إذ يُمكن بسهولة اعتراض بيانات مكالمات الهاتف المحمول أو الرسائل النصية القصيرة أو جمعها لاحقًا، إن لم يكن حساب بريدك الإلكتروني مشفّرًا باستخدام تقنية التشفير التام بين الطرفين، يُمكن اعتراضه أيضًا. وقالت: «إذا كنت تُجري محادثة حساسة لا ترغب في إخبار أي شخص غريب بها، فلا تستخدم أيًا من هذه الخدمات». وأضافت: «تشمل الخيارات الأقل خطورة تطبيق واتساب، الذي لا يُمكنه الوصول إلى محتوى الرسائل، وبالتالي لا يُمكن إجباره قانونيًا على الكشف عنها، وسيجنال، الذي لا يحتفظ بأي معلومات شخصية باستثناء رقم هاتفك. يمكن للصحفيين حماية أنفسهم بشكل أكبر من خلال تشفير وثائقهم باستخدام أدوات مثل Cryptomator أو Veracrypt». أما في حال سرقة جهاز، أوصت ستابلي الصحفيين بتحميل الاتصالات الحساسة على قرص صلب خارجي مشفر أو حساب سحابي غير مرتبط بهواتفهم، مشددة على ضرورة حذف البيانات من الجهاز فورًا. لمزيد من الأمان، أشارت إلى إمكانية حمل هاتف ثانٍ يحتوي على أقل قدر ممكن من البيانات، وقالت: «قد تبدو مريبًا عند امتلاكك لهاتف يحتوي على بيانات قليلة جدًا، لذا من المهم جدًا أن تفهم ما ستقوله في حال احتجازك –قد تقول: آه، إنه هاتف جديد!». وقالت هديل خير، الصحفية المستقلة المقيمة في طرابلس، إن إتقان الصحفيين في ليبيا السلامة الرقمية «هو ضرورة قصوى، لضمان استمرار العمل الإعلامي الحر الذي نطمح إليه دون تعريض أنفسنا أو مصادرنا للخطر». وقالت هالة عبدالله، مدققة الحقائق في مبادرة «هي تتحقق» غير الحكومية: «أي اختراق لحساب صحفي قد يكشف هوية المصادر، ويعرّضها للخطر أو الانتقام، أو حتى يعرض الصحفيين أنفسهم للاختطاف أو الابتزاز». وأضافت: «يحتاج الصحفيون إلى أدوات تحقق رقمية لتجنب الوقوع ضحية للتصيد الاحتيالي، والبرامج الضارة، والمواقع الإلكترونية المزيفة».