
الجوع والخوف: أدوات استعمارية موجهة
حين يذكّرنا القرآن بنعمة الطعام والأمن، فلا يذكرهما ترفًا ولا رفاهًا، بل يضعهما على رأس قائمة الضرورات التي لا تقوم حضارة بدونها، ولا تستقيم حياة في غيابها، وليس ذلك من باب الامتنان العابر، بل بوصفهما شرطين مسبقين لأي إمكانية لنشوء مجتمع مستقر، قادر على إنتاج الثقافة، ومراكمة التاريخ، والتفكير في المستقبل.
قال الله تعالى في خطابه لقريش: ﴿الَّذِيٓ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم منْ خَوْفٍ﴾، وقال على لسان خليله إبراهيم، وهو يدعو لمكة قبل أن تُعمّر؛ تذكيرًا بالأولويات التأسيسيّة لأي مجتمع: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾.
فلا أمن يُبنى في حضرة الخوف، ولا عقل يُفكّر والبطن خاوٍ؛ وإن الجوع والخوف هما معول الهدم الذي تمسكه يد الظالم حين يريد أن يطفئ نور أمة، أو يطوّع شعبًا، أو يُخمد جذوة الكرامة في النفوس، حيث يتحولان إلى أداة سياسية واقتصادية يعمق من خلالها البنية الاحتلالية؛ لذا انفردت تجربة قريش بمكانة من الأمن والطعام في وقت كانت الجزيرة العربية تعاني فيه من التنازع والخوف وندرة الموارد.
الأسرى: تفكيك الروح الجماعية
ونموذج ذلك واقع الأسرى الفلسطينيين في السجون؛ فالمؤسسة الأمنية تدرك تمامًا أن تقويض الاستقرار لا يكون بالجسد فحسب، بل يبدأ من تفكيك الأرواح وزلزلة اليقين الداخلي، وذلك عبر إرهاب نفسي وجسدي ممنهج، وحرمان من الطمأنينة والطعام.
الأسرى اليوم يعانون من مجاعة مطبقة، ومعاناتهم لا تقتصر على ألم الجوع، بل تمتد إلى انكسار الشعور بالكرامة الإنسانية، ما يجعل كلَّ أسير يفكر بروح الفرد، وتتحطم لديه روح الجماعة.
وفي لحظة افتراس الجوع يُفهم حديث الرسول ﷺ، الذي أشكل على كثيرٍ من المعاصرين، فقد ورد في "صحيح البخاري": "أمرَ النبيُّ ﷺ بلعق الأصابع والصحفة، وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة". فليس الحديث عن النظافة فحسب، بل عن فقه الكفاف، وتعظيم النعمة مهما قلّت؛ فالرسول ﷺ، في زمن الفقر والقِلّة، كان يلعق أصابعه توقيرًا للنعمة، وطلبًا للبركة، وحذرًا من هدر القليل.
ولهذا، فإنّ الأسرى اليوم هم أكثر من يدرك عمق هذا الحديث، في زمنٍ يتمنّى فيه الأسير أن يشعر بالشبع، أو يدفع عن نفسه ألم الجوع المزمن؛ فبركة الطعام لا تدرَك وقت الشبع، بل تُفهم عند القِلّة.
غزة: سجن كبير والأدوات واحدة
وإذا ما انتقلنا من الزنزانة الصغيرة إلى السجن الكبير، وهو نموذج قطاع غزة، فإنّ القوى العظمى والمحتل يدركون أن الخوف والجوع هما من أخطر الأسلحة الإستراتيجية التي تتنوع أطيافها ومدياتها، والتي تُستخدم لردع الشعوب، وفصل مشاعرها عن الأرض، وبثّ الجهل والإحباط واللايقين في أوساطها.
فهم يعرفون أن الجائع لا يحلم، والخائف لا يُطالب؛ لذلك يُغذّون الخوف حتى يُخرِس، ويضخّون الإحباط حتى يُطفئ أي بريقٍ للأمل أو للمقاومة، ويُحلّون التوجس محل الثقة.
وما يترتب على غياب الأمن والطعام هو انهيار المنظومة الأخلاقية، وتفشّي الجهل، وانكفاء المجتمع على بطنه بدل أن يسمو بعقله؛ لذا ذكّرنا الله سبحانه وتعالى، في أكثر من موضع، بقيمة هاتين النعمتين اللتين لا تقدَّران بثمن، وهذا ما جعل سيّدنا إبراهيم -النبيّ الخبير- يدعو بهما أولًا، إدراكًا ووعيًا سياسيًّا منه أن استقرار أي بلد وازدهاره لا يبدأ بالحجارة، بل يبدأ من الأمن، والطعام، وطمأنينة الإنسان في داره وبلاده.
غياب الأمن والطعام لا يخلق فقط معاناة إنسانية، بل يُنتج انهيارًا وتحولات اجتماعية عميقة ذات طابع سلبي، قد يحتاج الجمهور إلى سنوات طويلة حتى يخرج من تحت وطأته.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
خسائر قطاع البناء في إسرائيل تتجاوز 36 مليار دولار بسبب الحرب
القدس المحتلة- قدمت جمعية اتحاد مقاولي البناء في إسرائيل، الثلاثاء، دعوى قضائية إلى المحكمة العليا، تطالب فيها الحكومة بتحمل مسؤولية الأضرار الجسيمة التي لحقت بقطاع البناء والبنية التحتية نتيجة تداعيات الحرب على قطاع غزة. وبحسب ما جاء الدعوى، فإن الخسائر الاقتصادية التي تكبدها قطاع البناء في إسرائيل تقدر بنحو 131 مليار شيكل (36.5 مليار دولار) منذ بداية الحرب، مع تأخيرات متوسطة في تسليم الشقق تصل إلى نحو 6 أشهر لكل وحدة سكنية. وقالت جمعية اتحاد مقاولي البناء في كتاب الدعوى إن "سلوك الحكومة الإسرائيلية يتسم بالإهمال والتقصير، ويمثل خرقا لواجباتها في أداء مهامها بنزاهة ومعقولية، إذ ألحقت الدولة ضررا جسيما وغير مبرر بحقوق الملكية وحرية العمل للمقاولين ورجال الأعمال". وتربط الدعوى القضائية التأخيرات الحادة في تسليم المشاريع السكنية والإنشائية مباشرة بالظروف التي فرضتها الحرب، والتي أدت إلى إغلاق المعابر الحدودية، ومنع دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية الذين يشكلون جزءا كبيرا من القوى العاملة في قطاع البناء. هذا بالإضافة إلى استدعاء عدد كبير من العمال الإسرائيليين والمعدات والآليات الهندسية لخدمة قوات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي، وفرض قيود أمنية صارمة على مواقع البناء، بحسب ما أفاد الصحفي يوفال نيساني، مراسل صحيفة "غلوبس" المتخصص في شؤون البناء والعقارات. أرقام الخسائر وتأخيرات التسليم وبحسب البيانات التي وردت في الدعوى، بلغ متوسط التأخير في تسليم الشقق السكنية حتى نهاية الربع الأول من 2025 نحو 283 يوما في المواقع التي يعمل فيها عمال من أماكن مختلفة، و297 يوما في المواقع التي تعتمد فقط على العمال الفلسطينيين. وأظهرت بيانات مكتب الإحصاء المركزي أن خسائر قطاع البناء في عام 2024 وصلت إلى 98 مليار شيكل (27.5 مليار دولار)، أي ما يعادل 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي ، وقرابة 45% من إجمالي إنتاج قطاع البناء. ومع إضافة خسائر نهاية 2023، ترتفع الخسائر الإجمالية إلى 131 مليار شيكل. مطالب قانونية وتعقيدات تشريعية وفي الدعوى التي قدمها محامو جمعية اتحاد المقاولين طالبت الجمعية المحكمة العليا بإلزام الحكومة بتقديم تفسير رسمي لجملة نقاط رئيسية: لماذا لم تشكل الحكومة لجنة وزارية أو فريق عمل مشترك لمعالجة الأزمة الناجمة عن إغلاق المعابر ومنع دخول العمال الفلسطينيين؟ لماذا لم يُسنّ قانون مؤقت يعترف بالحرب ظرفا قاهرا يسمح بإعفاء المقاولين من المسؤولية عن التأخيرات؟ لماذا لم تعدّ الحكومة خطة تعويضات شاملة لقطاع البناء تغطي الخسائر الفادحة التي تكبدها؟ لماذا لم تصدر الحكومة ورقة موقف واضحة تتناول أزمة التأخير في تسليم الشقق بسبب ظروف الحرب؟ وذكر اتحاد المقاولين في كتاب الدعوى أن التعديل التاسع لقانون بيع الشقق، الذي دخل حيز التنفيذ في 2022، يحمّل المقاولين المسؤولية الكاملة عن أي تأخير في تسليم الوحدات السكنية، ويلزمهم بدفع تعويضات للمشترين تبدأ من الشهر الثاني للتأخير. وإذ إن متوسط التأخير الحالي يتجاوز 9 أشهر، فإن الأعباء المالية على المقاولين ضخمة للغاية. وتزيد الأمور تعقيدا، كما يضيف نيساني، بعد قرار المحكمة العليا الأخير الذي أكد وجوب دراسة كل حالة تأخير بشكل فردي، وعدم قبول حجة "الظروف القاهرة" المرتبطة بالحرب من دون تقديم أدلة موثقة، مما يجعل المقاولين عرضة لمطالبات تعويضات مستمرة من دون ضمانات. اتهامات بالفشل الحكومي وجهت جمعية اتحاد المقاولين انتقادات شديدة للحكومة، مشيرة إلى تقاعسها عن اتخاذ أي خطوات فعلية رغم المناشدات المتكررة التي استمرت أكثر من عام ونصف. وأكدت الجمعية أن الأزمة في القطاع ناتجة عن فشل الدولة في تنظيم العمالة الأجنبية، وعدم توفير بدائل مناسبة لعمال البناء الفلسطينيين، بحسب ما نقلت عنهم صحيفة "يديعوت أحرونوت". ووفقا لتقرير هيلا تسيون، محررة الشؤون الاقتصادية في الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن قطاع البناء يواصل معاناته وسط تجاهل حكومي مستمر، رغم الأضرار الاقتصادية الكبيرة التي تكبدها. وذكرت تسيون أن الجهات الحكومية لا تزال تفرض على المقاولين الالتزام بالجداول الزمنية الأصلية في العقود، رغم الظروف الاستثنائية. وعند التأخير، يواجه المقاولون غرامات مالية وتأخيرا في دفع المستحقات، بالإضافة إلى إمكانية مصادرة الضمانات، مما يزيد من الأعباء المالية عليهم بشكل كبير. تصريحات رسمية وتحذيرات وقال رئيس جمعية اتحاد مقاولي البناء في إسرائيل، روني بريك، في مؤتمر صحفي عقب تقديم الدعوى القضائية "منذ بداية الحرب ونحن نطالب الحكومة مرارا بتقديم حل تشريعي يعترف بأن الحرب تمثل ظرفا استثنائيا وقوة قاهرة تبرر تأخير التسليم، ولا تحمّل المقاولين وحدهم المسؤولية. لكن لم نجد أي تجاوب، وهذا يضع القطاع في وضع كارثي". وأشار بريك إلى أن القطاع يعاني من نقص حاد في اليد العاملة، إذ لا يزال ينقصه حوالي 30 ألف عامل أجنبي، رغم الموافقات الرسمية لاستقدام 5 آلاف عامل في مجال البنية التحتية لم يصل منهم أحد حتى اليوم. وأضاف "لا يمكن للحكومة التملص من مسؤوليتها تجاه الأزمة التي خلقتها. ما نطلبه ليس معجزة، بل حل عادل يضمن استمرار القطاع الحيوي". ولفت إلى أن النقص الكبير في العمالة أدى إلى تأخيرات متفاقمة في مراحل التخطيط والبناء والترخيص، وهو ما أدى إلى تعطيل تسليم الوحدات السكنية لفترات تصل إلى أكثر من 9 أشهر في بعض الحالات. ويرى أن الحل الشامل والعادل هو السبيل الوحيد لإعادة الاستقرار إلى سوق البناء والعقارات في إسرائيل، وضمان توزيع المسؤوليات والأضرار بشكل منصف بين جميع الأطراف، بما يتيح استمرار تنفيذ المشاريع من دون أعباء مالية غير منطقية على المقاولين والمشترين على حد سواء. تداعيات اقتصادية عميقة لم تقتصر الأزمة على قطاع البناء السكني فقط، بل طالت البنية التحتية العامة التي تكبدت خسائر كبيرة أيضًا. فحسب الدعوى القضائية، بلغت خسائر شركات البنية التحتية نحو 6.3 مليارات شيكل (1.75 مليار دولار) خلال السنة الأولى من الحرب، بمعدل نحو 520 مليون شيكل شهريا (145 مليون دولار). تواجه هذه الشركات فجوة مالية متزايدة بسبب تراجع حجم الأعمال والإيرادات، إذ تصل النفقات الشهرية لشركات البنية التحتية إلى حوالي 580 مليون شيكل (161.1 مليون شيكل)، مما يهدد استمرار عملها بشكل جدي. وأشار نمرود بوسو، محرر منصة "مركاز هندلان" المتخصصة في العقارات، إلى أن الالتماس المقدم للمحكمة يعكس استياء واسعا داخل قطاع البناء من غياب التفاعل الحكومي، وذلك قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة إذا لم يعالج الوضع سريعا. ولفت إلى أن الحكومة لم تنجح حتى الآن في تقديم حلول عملية أو تشريعية للأزمة، رغم حجم الأضرار الاقتصادية المتراكمة والضغوط التي يواجهها القطاع. وأكد أن الحكومة تعترف بفشلها في إدارة ملف العمال الأجانب وعدم قدرتها على توفير بدائل، إذ أعلنت أن الحصص المخصصة للعمال الأجانب لم تستنفد بالكامل رغم الحاجة الملحة. ويعتقد نمرود بوسو أن في ظل استمرار الأزمة أكثر من عام ونصف منذ بداية الحرب، ومع غياب أي مبادرات حكومية واضحة، من المتوقع أن تتصاعد دعاوى المقاولين أمام المحاكم، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي ويهدد استقرار سوق العقارات والبنية التحتية في البلاد.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
الأونروا: القانون الدولي يطبق بكل العالم وفشل في قطاع غزة
قال المستشار الإعلامي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عدنان أبو حسنة إن القانون الدولي الإنساني ومواثيق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف الرابعة تطبق في العالم كله إلا في قطاع غزة، مؤكدا أن المجتمع الدولي والنظام القانوني العالمي يظهران فشلًا ذريعًا في حماية المدنيين في قطاع غزة. وفي تصريحات للجزيرة نت، أضاف أبو حسنة أن "هناك ازدواجية معايير واضحة الآن"، متسائلًا: "كيف يمكن للعالم أن يتفرج على هذا القتل والتجويع واستخدام المساعدات كسلاح؟" ولفت إلى أن استخدام المساعدات الإنسانية كأداة ضغط يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني. يأتي ذلك في وقت تطبق فيه إسرائيل الحصار على نحو 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة منذ 11 أسبوعا على التوالي. وكان المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني قال -في تصريحات سابقة اليوم- إن إسرائيل تستغل الجوع والغذاء لأغراض سياسية وعسكرية، مؤكدا أن غزة بحاجة لدعم هائل ومن دون عوائق أو انقطاع لضمان مواجهة الجوع المتفاقم الذي يعاني منه سكان القطاع. وأمس الاثنين، أعلنت إسرائيل أنها سمحت بدخول 100 شاحنة من المساعدات إلى غزة، لكن المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية جينس لاركي أشار إلى أن 5 شاحنات فقط دخلت فعليًا إلى غزة. الخطة الإسرائيلية وتعقيبا على الخطة الإسرائيلية التي تهدف إلى تهجير سكان غزة إلى جنوب القطاع، قال المستشار الإعلامي للأونروا إنها تمثل "عملية تهجير قسري لشعب كبير"، محذرًا من أنها قد تقود إلى ارتكاب جريمة حرب. وأشار أبو حسنة إلى أن قطاع غزة يعاني من مجاعة، وأن "الوضع لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل، فهناك مجاعة حقيقية والمشاهد والصور والتقارير توثق الكارثة في غزة". حتى أن هناك اعترافات رسمية إسرائيلية على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن هناك مجاعة في غزة، حسب ما قاله عدنان أبو حسنة. وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قال أمس -في بيان رسمي- إن السماح بدخول "كمية أساسية" من الغذاء إلى القطاع جاء بـ"دافع الحاجة العملياتية لتوسيع نطاق القتال"، وليس لأسباب إنسانية، مضيفا أن المساعدات تهدف إلى منع تفاقم أزمة الجوع في غزة، إذ إن تدهور الأوضاع الإنسانية قد يعرّض العملية العسكرية للخطر. تحولات غربية وفي الأيام القليلة الماضية، طالبت عدة دول أوروبية -من بينها فرنسا وإسبانيا وأيرلندا وهولندا- بإجراء تحقيق عاجل فيما إذا كانت الهجمات الإسرائيلية على غزة تنتهك الاتفاقيات التجارية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، التي تتضمن بنودا تتعلق بحقوق الإنسان. ودعا أمس الاثنين وزير الخارجية الفرنسي إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على خلفية استمرار جيش الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة ومنعه إدخال المساعدات إلى القطاع. ولذلك يقيّم المستشار الإعلامي للأونروا التحولات في المواقف الغربية بأنها تحمل أهمية متزايدة لزيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية، لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة حدوث تحول حقيقي في الموقف الأميركي، قائلًا: بإمكان الرئيس دونالد ترامب أن يوقف المجاعة والحرب في غزة". وهذه التحولات الغربية يؤكدها أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بباريس زياد ماجد، مشيرا إلى أنه يلاحظ تغيرًا في اللهجة والمصطلحات الأوروبية، خاصة بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نيته الاعتراف بدولة فلسطينية في يونيو/حزيران المقبل، وأن توقيعه بيانًا مع رئيسي وزراء بريطانيا وكندا يعكس هذا الاتجاه. لكن ماجد لا يتماهى تماما مع هذه التحولات، ويشكك في حدوث تغيير جذري، مؤكدًا أن التحالف مع إسرائيل لا يزال قائمًا رغم الانتقادات. وقال أستاذ العلوم السياسية إن "الاختبار الفعلي هو في مدى اعتماد عقوبات وليس فقط تصريحات، وهو ما طلبت به المحكمة الجنائية الدولية منذ ديسمبر/كانون الأول 2023″، مشيرًا إلى أن الإجراءات الاحترازية لمنع الإبادة الجماعية لم يُتعامل معها بجدية حتى الآن، وهو دليل على ضعف الإرادة السياسية في العواصم الأوروبية. الضغط القانوني وأشار ماجد -في تصريحات للجزيرة نت- إلى جدية الأوروبيين في تنفيذ مذكرات التوقيف التي طالبت بها الجنائية الدولية بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت ، متسائلا: "هل سيمنعون زيارات نتنياهو أو حتى تحليقه في الأجواء الأوروبية إذا قرروا تطبيق القانون الدولي ؟" وكانت منظمات حقوقية هددت بمقاضاة حكومات أوروبية بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان غزة بسبب استمرار التعاون الاقتصادي بين أوروبا وإسرائيل رغم توثيق جرائم الحرب هذه. ودخلت اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2000، وتمنح إسرائيل العديد من الامتيازات في سوق الاتحاد الأوروبي ، وبلغ حجم التجارة بينهما 46.8 مليار يورو عام 2022، مما يجعل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل. وقال أستاذ العلوم السياسية في باريس"إذا كان مصطلح الإبادة الجماعية لا يزال مرفوضًا حكوميًا، فإن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا يمكن إنكارها، وعدم التصرف حيال ذلك هو شكل من أشكال التواطؤ". وشدد على أن الامتحان الحقيقي يكمن في اتخاذ قرارات بتجميد الاتفاقات أو فرض العقوبات أو التمسك بتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدولية، مؤكدًا أن ما يجري حتى الآن هو محاولات كلامية بلا أثر ملموس على أرض الواقع. إعلان وبالإضافة إلى الحصار المطبق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن عدد الشهداء في القطاع وصل اليوم إلى أكثر من 53 ألفا، ونحو 122 ألف إصابة نتيجة عدوان جيش الاحتلال، فضلا عن أعداد غير معلومة تحت ركام منازلهم، وفق أحدث إحصاء لوزارة الصحة في قطاع غزة.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
تصاعد الخلاف بين سموتريتش وبن غفير ينذر بانهيار الائتلاف اليمني
القدس المحتلة – تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية توترا متصاعدا داخل معسكر اليمين، تحديدا بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ، على خلفية أزمة دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وسير الحرب، ومخطط الحكومة الإسرائيلية لاحتلال الغالبية العظمى من مساحة القطاع. في أحاديث مغلقة، وصف سموتريتش بن غفير بـ"المجرم"، متهما إياه بتسريب معلومات من مجلس الوزراء، وهو ما اعتبره "جريمة جنائية"، حسب صحيفة "يسرائيل هيوم"، التي كشفت عن كواليس الخلافات بين بن غفير رئيس حزب "عظمة يهودية"، ورئيس "الصهيونية الدينية" سموتريتش. ويرى سموتريتش أن بن غفير يتبنى سياسة شعبوية، ويهاجم الحكومة من اليمين بهدف كسب التأييد الشعبي على حساب وحدة الصف داخل الائتلاف، مشيرا إلى أن هذا السلوك يهدد استقرار الحكومة وقد يؤدي إلى إسقاطها. كما اتهمه بالتحالف الضمني مع أييليت شاكيد من قيادات "الصهيونية الدينية" وأحزاب المعارضة، قائلا "يريد أن يظهر بمظهر الرجل القوي، لكن ما يفعله جنون". وفيما يتعلّق بالمساعدات لغزة، دافع سموتريتش عن موقفه قائلا إن ما يقدم من دعم إنساني يخضع لرقابة صارمة ولن يصل إلى حركة حماس، مؤكدا أن توزيع الغذاء سيتم عبر منظمات أميركية وبشكل مباشر للمدنيين، بهدف الحفاظ على الدعم الدولي لإسرائيل في المحافل الدولية، واستمرار الضغط العسكري على حماس. ويسلط الخلاف بين الرجلين الضوء على الانقسامات داخل معسكر اليمين، ويعكس التوترات المتزايدة داخل الائتلاف الحاكم، حيث تتباين الرؤى بين من يدعو لتصعيد سياسي وإعلامي، ومن يرى أن ذلك يضر بالمعركة الأمنية وبوحدة الحكومة. استعراضات تهريج وانتقد الوزير السابق ومؤسس حركة "الميلوانيكيم-الاحتياط"، يوعز هندل، كلا من سموتريتش وبن غفير، واصفا مواقفهما من المساعدات الإنسانية لغزة بأنها "استعراضات تهريج"، وتندرج في سياق التنافس على أصوات الناخبين في معسكر اليمين. وقال في مقابلة إذاعية مع راديو "تل أبيب 103 إف إم" إن تصريحات الوزيرين لا تعكس مسؤولية حقيقية، "فهما في النهاية جزء من الحكومة التي تقرر إيصال المساعدات التي تعزز قوة حماس". وشدد هندل على أن ما يحدث يعكس فشلا حكوميا مستمرا منذ بدء الحرب، مشيرا إلى التقاعس في اتخاذ قرارات حاسمة "منذ 7 أكتوبر، لم تنفذ أي خطة واضحة، بل تأجيل متواصل، والنتيجة ضغوط دولية وتراجع ميداني". وأكد أن المساعدات الإنسانية تُستَغل من قِبل حماس لتثبيت نفوذها، مضيفا "اقترحنا سابقا إقامة مناطق آمنة للمدنيين فقط، لكن الحكومة تجاهلت هذه المقترحات". وتحدث عن اتساع استدعاء الاحتياط بموجب الأمر رقم 8، قائلا "نتطوع للدفاع عن الوطن، لا عن السياسيين. الدولة بدت وكأنها اختفت في 7 أكتوبر، وهذا الإحساس يتكرر اليوم"، وينعكس في الخلافات داخل الحكومة والصراعات بين بن غفير وسموتريتش. اختبار حاسم "اختبار حاسم لسموتريتش وبن غفير: بين الشعارات النارية والتسويات السياسية"، تحت هذا العنوان، كتب الصحفي هيلل بيتون روزين، مراسل الشؤون الأمنية والعسكرية في القناة الـ14 الإسرائيلية، المعروفة بقربها من اليمين المتطرف، مقالة استعرض فيها التوتر المتصاعد بين الوزيرين سموتريتش وبن غفير في أعقاب قرار الحكومة استئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وأشار إلى التناقض الصارخ بين التصريحات النارية التي أطلقها الوزيران سابقا وبين صمتهما الحالي بعد تمرير القرار، فقد أعلن بن غفير بوضوح أن "غراما واحدا من المساعدات لا يجب أن يدخل إلى غزة"، في حين هاجم سموتريتش رئيس الأركان إيال زامير، متهما إياه بعدم تنفيذ أوامر الحكومة وطالبه بالاستقالة. ورغم تهديدات سابقة من الرجلين بإسقاط الحكومة لأسباب أقل حساسية، لاحظ روزين أن رد فعلهما على القرار الأخير جاء باهتا ومفتقرا للحسم، وهو ما يثير تساؤلات في صفوف اليمين حول مدى جديتهما والتزامهما بمواقفهما. مع ذلك، يستبعد روزين أن تؤدي هذه الخلافات إلى تفكك الائتلاف الحاكم، مرجحا أن يواصل الطرفان اللعب ضمن حدود التوازن السياسي القائم، حرصا على مصالحهما، ووعيا بتكلفة تفجير الحكومة في هذه المرحلة الحساسة. الجمهور اليميني، الذي عبّر عن صدمة واسعة من استئناف المساعدات، يترقب الرد القادم من الوزيرين، متسائلا "هل يتمسكان بموقفهما المبدئي أم يتراجعان حفاظا على موقعيهما السياسيين؟". الموت السياسي من جانبه، يرى الوزير السابق عن حزب العمل حاييم رامون أن الخلافات بين وزيري الحكومة اليمينية سموتريتش وبن غفير مهما بلغت حدتها فلن تؤدي إلى إسقاط الائتلاف، والسبب بسيط، فكلاهما يدرك أن من يُسقط حكومة يمين ويمهد لعودة اليسار يواجه مصيرا واحدا، هو "الموت السياسي". التجربة التي عاشها اليمين منذ أوسلو، يقول رامون في مقال له بصحيفة "معاريف"، "شكّلت وعيا سياسيا عميقا لدى رموزه. سموتريتش وبن غفير هما من أكثر السياسيين دراية بتوجهات ناخبيهم، ويعلمان أن الخروج من الحكومة الآن يُعَد خيانة للمعسكر ويفتح الطريق أمام خصومهما، وهو ما سيدفعان ثمنه سياسيا". وأوضح أن سموتريتش أبدى مرونة واضحة، حين قال إنه سيمنح نتنياهو فرصة توسيع العمليات العسكرية وإدخال المساعدات للقطاع بعيدا عن حماس، وإذا لم تتحقق الشروط، فحينها فقط قد يفكر في الاستقالة. ويضيف رامون "كل وزير في حكومة اليمين يعلم أن التهديد بالانسحاب مختلف تماما عن تنفيذه. أما بن غفير، فانسحابه الفردي في السابق لم يغيّر شيئا، بل قد يوصَف بأنه تعاون مع اليسار، وهو سيناريو قاتل له سياسيا، وعليه سارع للعودة إلى الائتلاف". في هذا السياق، يعتبر رامون أن خطوة نتنياهو بضم ج دعون ساعر من المعارضة كانت الأكثر تأثيرا على متانة الائتلاف، إذ بدلا من تفكيك الحكومة، تم إضعاف المعارضة، وختم بالقول إن بقاء نتنياهو في السلطة يعكس فشل المعارضة، وربما على يائير لابيد وبيني غانتس التفكير جديا في الانسحاب من المشهد السياسي.