
خديعة «التحليل السياسي»
كان محمد حسنين هيكل أحد أكبر الأسماء في الصحافة العربية، وهو كان شخصاً واسع الاطلاع ومقرباً من عبد الناصر وكان منظماً في كتاباته والوثائق التي يحتفظ بها مع ذاكرةٍ حاضرةٍ، ولكنه كان غير أمينٍ في رواية التاريخ أو النقل عن الأشخاص الذين يلتقي بهم، وخصوصاً حين يكون لديه موقفٌ معارضٌ للشخص أو للدولة التي يكتب عنه أو عنها.
مواقفه من دول الخليج العربي لا تُنسى، حيث الاجتزاء والروايات المغرضة، وهو صنع الأمر ذاته تجاه أنور السادات بعد اغتياله في كتابه «خريف الغضب»، وقد بدأ بعض المثقفين المصريين يكتشفون ألاعيبه وتقلباته ويكتبون في ذلك ويتحدثون في البرامج عن التفاصيل بينما كان غالب مثقفي الخليج - غير المؤدلجين - يعرفونه جيداً من قبل.
وحين انحسر مدّ الناصرية وجاء المدّ الصحوي الإسلاموي نهاية الستينيات الميلادية أخرجوا محللين وكتاباً يتناولون السياسة ويحللونها وفق مبادئ دينية لا علاقة لها بالسياسة، ولكنهم تلاميذ مدرسة سيد قطب التي كانت ترى أن الإسلام هو السياسة وأن السياسة هي الإسلام، وخطابه التكفيري أصبح مفضوحاً، بينما أراد هؤلاء تمييز أنفسهم عنه بطروحات تبدو أكثر تخصصاً، ولكنها تصدر من نفس النبع، من أمثال كتاب معروفين أكثر تطرفاً وبعداً عن العقل والمنطق مثل كتابات محمد سرور زين العابدين السياسية وغيرهما كثير.
بعد هؤلاء، خرج عبد الله النفيسي من الكويت، يقتفي أثر هيكل، ولكنه يختلف عنه في أمرين: أن النفيسي أضيق ثقافة ومعرفة من هيكل بكثيرٍ، وفي عدم الحرص على تغطية انحيازه الآيديولوجي لجماعات الإسلام السياسي.
وقفت بريطانيا داعمةً لحسن البنا وجماعته منذ تأسيسها، وبعدما رفض الملك عبد العزيز إنشاء فرعٍ للجماعة في السعودية أخذت صحيفة «الإخوان المسلمين» تتهجم على سياسات السعودية تحت أسماء مستعارةٍ، وقد نقل موقف الملك عبد العزيز الأستاذ فؤاد شاكر في كتابه «الملك عبد العزيز... سيرة لا تاريخ»؛ حيث قال: «كانت مواسم الحج تحفل بعلية القوم، من كبراء المسلمين وزعمائهم، وكان الشيخ حسن البنا من شهود أحد هاتيك المواسم، فتقرب من الملك عبد العزيز وقال لجلالته، ما معناه، إن هذا بلد إسلامي هو عاصمة الإسلام، ونحن مسلمون وإخوان، وأريد أن تسمح لي بإنشاء شعبة لـ(الإخوان المسلمين) في هذا البلد الأمين... لقد أجابه (عبد العزيز) في ابتسامة مشرقة، وفي حزمٍ قويٍّ، جواباً مسكتاً لا ردّ له ولا تعقيب عليه، قال له: يا أخي، لماذا ننشئ في بلادنا تحزباً وعصبيةً، والحقيقة أننا كلنا مسلمون وكلنا إخوان».
خسر البنا في تهجمه على السعودية، وخسر هيكل باتباعه لسياسة عبد الناصر في الهجوم على السعودية، وأظهرت الوثائق والتسريبات مؤخراً أنه كان مخطئاً في كل سياساته وأنه عاد وتصالح مع الملك فيصل بن عبد العزيز بعد هزيمته النكراء من إسرائيل.
هيكل وتلامذته، وتبعتهم شخصياتٌ يساريةٌ وقوميةٌ وبعثيةٌ في الهجوم على السعودية، وتلاه شخصياتٌ إسلامويةٌ احترفت المسار نفسه، في حرب أفغانستان وفي مرحلة «تصدير الثورة» في إيران، وفي حرب الخليج الثانية، وذهبت كل هذه الأسماء وبقيت السعودية رمزاً للاستقرار والأمان والحكمة.
امتداداً لهذا السياق خرج مواطنٌ خليجيٌّ قبل أسبوعٍ يتهجم بسفاهةٍ على السعودية، ولا يقيم وزناً لمقدسات المسلمين، وهو تابعٌ لبعض رموز الدبلوماسية الذين كانوا معروفين بتخريب قمم مجلس التعاون الخليجي والقمم العربية، وسبق له التآمر ضد دول الخليج في خيمة القذافي، ولكن المواطن الخليجي ذهب بعيداً في محاولة اقتفاء من قبله، بلغة مستهترةٍ وإيهامٍ بالتماسك الفكري، وعند التمحيص فهو لا يملك معلوماتٍ حقيقية وفكره مليء بقراءة السياسة بشكلٍ مخجلٍ، ولكنه ليس قليل الوقاحة.
أخيراً، فمنذ لحظة ما كان يُعرف بالربيع العربي، أبرز الإعلام العربي بهلواناتٍ في التحليل السياسي يتقافزون في الصحف والقنوات ووسائل التواصل الاجتماعي، يراكمون الجهل لدى المتلقي ويكذبون جهاراً نهاراً ويحاولون تغيير معاني اللغة في النصر والهزيمة، ويتقلبون في مواقفهم بسرعةٍ عجيبةٍ، ولو تفرغت جهةٌ خيريةٌ عربيةٌ ما لتقصي مثل هذه الكتابات والمواقف والآراء والتحليلات، بأسماء كتابها وتواريخ النشر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
مصر ترفض تغييرات ديموغرافية في غزة وتدعو لمؤتمر إعادة إعمار
أجرى وزير الخارجية والهجرة المصري الدكتور بدر عبدالعاطي، اليوم (الأربعاء)، سلسلة من الاتصالات الهاتفية شملت كلًا من وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ورافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية. تأتي هذه الاتصالات في إطار توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي لتكثيف الجهود الدبلوماسية لخفض التصعيد وتقليل حدة التوتر في المنطقة. ناقش الوزير المصري أهمية الدفع بالحلول السلمية واستئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، مؤكدًا القناعة بأن الحلول العسكرية غير مجدية لهذا الملف أو للأزمات الأخرى التي تشهدها المنطقة. كما تبادل الأفكار مع نظرائه حول سبل تثبيت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بشكل كامل، وضمان عدم تجدد الأعمال العدائية، مع تعزيز المسار السياسي والسلمي. وفي اتصاله مع ستيف ويتكوف، تناول عبدالعاطي الجهود المكثفة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة واستدامته، بما يسمح بإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق وبكميات كافية، في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية بالقطاع. وجدد الموقف المصري الرافض لأي طروحات تتعلق بإنشاء مدينة خيام في جنوب غزة أو إجراء تغييرات ديموغرافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما قدّم عبدالعاطي رؤية مصر لعقد مؤتمر دولي في القاهرة يُعنى بالتعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار، وفقًا للخطة العربية الإسلامية التي تهدف إلى دعم استقرار القطاع وإعادة بنائه. من جانبه، أشاد «ويتكوف» بالدور المصري في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، مؤكدًا أن مصر شريك استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة في هذا المجال. أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
مصر تدين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية والسورية
دانت مصر، اليوم (الأربعاء)، الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية والسورية وما تشكله من انتهاك سافر لسيادة البلدين العربين الشقيقين وخرق لقواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وشدّدت جمهورية مصر العربية، وفق بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية، على الأهمية البالغة لاحترام سيادة كل من لبنان وسورية والرفض الكامل للتدخل في شؤونهما الداخلية، كما أكدت ضرورة احترام وحدة وسلامة أراضيهما. كما شدّدت مصر إلى أن هذه الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة من شأنها تعميق حدة التوتر وتمثل عنصرًا أساسيًا لعدم الاستقرار في البلدين الشقيقين والمنطقة، في ظل ظرف دقيق تُبذل فيه جهود إقليمية ودولية حثيثة بمشاركة مصرية فعالة لخفض التصعيد ودعم الأمن والاستقرار الإقليمي. أخبار ذات صلة


العربية
منذ 3 ساعات
- العربية
مصر تبلغ مبعوث ترامب رفضها إنشاء مدينة للخيام جنوب غزة
جددت مصر رفضها إنشاء مدينة للخيام جنوب غزة. وخلال اتصال هاتفي، الأربعاء، بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ومبعوث الرئيس الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، جدد الأول رفض مصر الكامل لكل الأفكار التي تتردد حول إنشاء مدينة للخيام في جنوب قطاع غزة، أو إجراء أي تغيير ديموغرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتناول الاتصال الجهود المكثفة المبذولة حاليا للتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، والعمل على استدامته، وكذلك الدفع باتجاه إطلاق سراح مجموعة من الأسرى مقابل وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات بدون عوائق وبشكل كاف في ظل الأوضاع الكارثية في القطاع. مؤتمر دولي في مصر لإعادة إعمار غزة وتناول الوزير عبد العاطي الطرح المصري الخاص بعقد مؤتمر دولي في مصر معني بالتعافي المبكر وإعادة الإعمار بعد التوصل لوقف إطلاق النار، بما يسهم في بدء عملية إعادة إعمار القطاع وفقا للخطة العربية الإسلامية في هذا الشأن. وكان مصدر مصري قد أعلن، الثلاثاء، أن القاهرة، وفي إطار الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار بغزة، تستضيف اجتماعات مصرية قطرية إسرائيلية لمناقشة تفصيلات إدخال المساعدات الإنسانية وخروج المرضى وعودة العالقين. وقال المصدر إن الاجتماعات تشهد تقدماً وتوافقاً حول عدد من الموضوعات المتعلقة بالبند الإنساني في اتفاق وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن الاجتماعات ستستمر لمدة يومين في إطار سعي مصر لتذليل العقبات التي تواجه التوصل لاتفاق، وحرصها على إدخال المساعدات لمواطني القطاع بكميات كافية ومناسبة. تقدم كبير بالمفاوضات غير المباشرة وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، مساء الثلاثاء، أن المفاوضات غير المباشرة بشأن قطاع غزة حققت تقدماً كبيراً خلال الساعات الـ24 الماضية، معلنة أن الطريق بات ممهداً أمام إبرام اتفاق. وكانت إسرائيل قد قدمت "خريطة ثالثة" لانتشار قواتها في قطاع غزة طوال فترة وقف إطلاق النار المقترحة لمدة 60 يوماً، كما أعطت "مرونة أكبر" بشأن موقع العسكريين، على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، بين ممري موراغ وفيلادلفيا، وفقاً لما ذكره مصدران لصحيفة "جيروزالم بوست"، الاثنين. وبموجب مقترح خريطة الانتشار الثالثة التي قدمتها تل أبيب، ستقلص إسرائيل وجودها العسكري إلى منطقة عازلة بعرض كيلومترين على طول الحدود الجنوبية قرب رفح. وتتمثل نقاط الخلاف الرئيسية بين إسرائيل وحركة حماس في انسحاب القوات الإسرائيلية خلال وقف إطلاق النار، وطريقة توزيع المساعدات داخل قطاع غزة.