
بين التخوين والتكفير.. 'الحزب' والمقايضة المستحيلة
تصريحات توم برّاك حول إلحاق لبنان بـ'بلاد الشام'، كانت بمثابة قنبلة تحمل صاعقًا 'تاريخيًا' ألقاها الموفد الأميركي على الطريقة 'الترامبية'، وشكلت مؤشرًا إلى مدى ارتفاع الضغوط الخارجية على لبنان، كما أنها ترتبط بالخبر الذي ساقه الإعلام الإسرائيلي حول ضم طرابلس وبعض البقاع إلى سوريا، لتمسي عاملًا مكملًا لها يزيد من حدة الضغوط الداخلية على أركان السلطة، وسط تصاعد حملات التكفير والتخوين المتبادلة.
في القلب من هذه الحملات يبرز 'العهد' وكيفية تعامله مع هذه المتغيرات، بمقاربة ترتكز على استراتيجية دفاعية تروم تثبيت دعائم المرحلة الانتقالية عبر خطوات صغيرة يرى أنها أكثر استدامة وموثوقية في ظل حالة عدم اليقين السائدة، من استراتيجية هجومية ترتكز على اندفاعة كبيرة محفوفة بحسابات متضاربة.
بيد أن هذه الاستراتيجية التي تبدو غير مقنعة للقوى الداعمة للتغيير بسبب ما تتسم به من بطء بالمقارنة مع سرعة التحولات في المنطقة، فإنها مرفوضة من قوى متحفزّة للصدامات السياسية والفتن الدينية وحتى الأمنية، والتي أطلقت العنان لحاشيتها الإعلامية كي توغل في ذمّ 'العهد' والحكومة ورجالاتهما، واستخدام فزّاعة التكفيريين و'فوبيا' أحمد الشرع المستجدة لإرساء مناخ مشحون وشديد التوتر.
من المثير أن بعضًا ممّن يقفون خلف ترويج هذا المناخ هم من طالبي المواعيد من المسؤولين السوريين ضمن مساعٍ تروم صياغة علاقة مع أركان النظام الجديد على حساب الدولة، بينما واقع الحال أن ثمة قنوات تواصل مؤسساتية متينة بين بيروت ودمشق تعمل على احتواء الإشكاليات الناشئة ومعالجتها بفعالية، ومنها قضية الموقوفين السوريين، حيث تشير المعلومات إلى زيارة لوزير العدل السوري مظهر الويس إلى لبنان لتسوية هذه القضية وفق الأطر القانونية.
والاستراتيجية نفسها تسري على الداخل، فمع أن 'العهد' يميل إلى تقنين الكلام والمواقف لحساسية اللحظة التي تمرّ بها البلاد، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود تواصل مستدام ومنتج مع القوى الدينية والمجتمعية في لبنان ولا سيما دار الفتوى، التي نسقت مع بعبدا عشية زيارة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى دمشق، وتحضّر لزيارة قريبة يجريها دريان إلى 'القصر الجمهوري' يتمّ العمل على إنضاج نتائجها.
ورغم سياسة التحفظ، إلا أن الرئيس جوزاف عون لا ينفكّ عن تكرار جملة 'مفتاحية' في لقاءاته حول 'حصرية السلاح' في يد الدولة من أجل ترسيخها في العقل الجماعي. والطريق إلى تحقيق هذه الغاية يكون إما بالقوة، وهذا غير مطروح من قبل أي جهة خارجية أو محلية، وإما بالتفاوض، حيث التباين أو الالتباس حول منهجية هذه المفاوضات.
ذلك أن الإشكالية الجوهرية التي تقوّض مسار التفاوض تكمن في بحث 'حزب الله' عن مقايضة مستحيلة مع أميركا وإسرائيل، يستخدم فيها سلاحه كورقة ابتزاز للحصول على مكاسب ضمن بنية النظام بعد تقاعده الحربي، المعبّر عنها بطروحات مثل 'الحرس الوطني اللبناني' و'المثالثة' وسواها من الأفكار المتداولة، فيما سلاحه صار بضاعة 'مُزجاة' غير صالحة سوى لصفقة واحدة: التقاط اليد الممدودة من قبل الدولة من أجل الانضمام إلى مشروعها كفصيل سياسي فقط.
والحال أن تصعيد 'البروباغندا' الدعائية لـ 'حزب الله' لـ 'كابوس' أحمد الشرع، وتحويله إلى هاجس يخيف به حاضنته، جعلت منه واشنطن سلاحًا تستخدمه بفعالية لزيادة الضغط عليه ودفعه أكثر للقبول بالصفقة المتاحة اليوم. وبينما يواصل 'الحزب' هجومه المتهوّر على السلطة، فإنه لا يسعها سوى اتباع تكتيك الدفاع في مناطق منخفضة، والتعويل على إنهاكه من خلال ترك الضغوط الخارجية تأخذ مداها، مع رفدها بالأدوات المحلية المتاحة لتفكيك بعض عناصر قوته. ومن ثم استغلال نقاط الضعف التي يظهرها لشن هجمة مرتدة 'دولتية' منظمة، تتيح تسجيل هدف الحسم قبل أن يطلق الحكم صافرة نهاية المباراة.
في موازاة العمل على إصلاح علاقات لبنان الخارجية وتجسير الفجوات التي كانت قائمة خصوصاً مع دول الخليج، من أجل إعادة صياغة دور جديد في المعادلة الإقليمية الناشئة يتناسب مع مصالح البلاد وإمكانياتها. ناهيكم عن إطلاق ديناميات إصلاحية داخلية تتمثل بمسارات المحاسبة القضائية، التي رغم ما يطالها من تشكيك إلا أنها تعد أساسًا يمكن الارتكاز عليه لتفكيك شبكة معقدة من مصالح ومراكز قوى سياسية واقتصادية واجتماعية نمت على هامش الدولة، وتنشط في 'مقاومة' أي مسار تغييري في مهده للحفاظ على ديمومتها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 20 دقائق
- ليبانون 24
لهذه الأسباب.. حظّر مصرف لبنان التعامل مع "القرض الحسن"
أصدر تعميماً للمصارف والمؤسسات المالية حظّر فيه التعامل مع مؤسسات مالية عدة ومنها مؤسسة "القرض الحسن"، وأشاد الموفد الأميركي توم برّاك بهذه الخطوة مُعتبرا أنه إنجاز قيّم في الاتجاه الصحيح لضبط تدفق الأموال الخاصة بـ" حزب الله" والتي كانت تمر عبر جمعية القرض الحسن". وفي هذا الإطار، اعتبر الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور بلال علامة عبر " لبنان 24" ان "خطوة مصرف لبنان إجراء طبيعي نتيجة الضغط الدولي وعجز الدولة اللبنانية عن إقفال فروع "القرض الحسن" فتم إصدار هذا التعميم الذي يُمكن اعتباره "فقاعة إعلامية". وأشار إلى ان "صدور التعميم في هذا التوقيت يتزامن مع محاولات لرفع اسم لبنان عن اللائحة الرمادية للبلدان غير المتعاونة في مكافحة تبييض الأموال والجرائم المالية المنظمة"، لافتا إلى ان "إقفال هذه المؤسسات غير ممكن وهي تضم شركات صيرفة وكيانات مالية ومؤسسة "القرض الحسن"، لذا كان هذا القرار بمثابة تبرير امام المجتمع الدولي". وقال علامة إن "ثمة لجنة من مجموعة العمل المالي (FATF) موجودة حاليا في لبنان وتقوم بالإطلاع على الاجراءت التي تقوم بها الدولة اللبنانية ومصرف لبنان لإخراج لبنان من اللائحة الرمادية". وتوّقع "توقف عمل القرض الحسن في مرحلة لاحقة، الا إذا استمر في العمل على نطاق ضيق، أي يتم التعامل معه فقط من قبل من أُدرجوا على لوائح العقوبات الدولیة".

القناة الثالثة والعشرون
منذ ساعة واحدة
- القناة الثالثة والعشرون
"سويسرا الشرق"... كيف حصل لبنان على هذا اللّقب؟
إنّه اللّقب الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بلبنان إبّان الزمن الجميل والذهبي، لبنان الحلم الذي تحقّق في الماضي القريب، وهو اللقب الذي كلّما قيل أو كتُب، أعاد بعضاً من الحنين والكثير من الأمل الى اللبنانيّين بمستقبل مُشرق يضع بلدهم مجدّداً في صدارة الدّول المتقدّمة والمتطوّرة حيث سعادة المواطن وراحته هي الأولوية القصوى. "كنتم سويسرا الشرق ويُمكنكم الآن الاستفادة من الفرصةلتعودوا"، قالها الموفد الأميركي توم برّاك بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزاف عون في قصر بعبدا مدغدغاً مشاعر اللبنانيّين، فبدا وكأنه يُقدّم لهم "رشوة معنويّة" ترسم في أذهانهم صورة حقبة جديدة من لبنان عنوانها التطوّر والازدهار والرفاهيّة متى انطلقنا فعلياً في قطار التغيّير في المنطقة. لا تقارير توثّق هوية مُطلق لقب "سويسرا الشرق" على لبنان، لكنّ الصحافة الغربيّة وخصوصاً الفرنسيّة والبريطانيّة استخدمت هذا التعبير في الخمسينيّات والستينيّات، وكانت تشبّه بيروت حينها بمدنتي جنيف وزيورخ الأوروبيّتين. كثيرةٌ هي الأسباب التاريخية والثقافية والاقتصادية التي أدّت الى إطلاق لقب "سويسرا الشرق" على لبنان في فترة ما قبل الحرب الأهليّة، فبيروت في تلك الحقبة كانت تُعتبر مركزا مالياً ومصرفياً مهمّاً جداً في المنطقة وملاذاً آمناً للمالبفضل نظامها المصرفي المتطوّر وقوانينه المصرفية المرنة وخصوصاً قانون السرية المصرفية على غرار سويسرا. وقد حاول لبنان في هذه الحقبة الحفاظ على مبدأ الحياد عبر الابتعاد عن الصراعات الكبرى، مما جعله يُشبه سياسة الحياد السويسري. للطبيعة والجغرافيا دور أيضاً، فطبيعة لبنان مشابهة جدّاً لطبيعة سويسرا، فهما يتميّزان بالجبال المغطاة بالثلوج في الشتاء، وبالتضاريس المتنوعة والخلابة، وبإمكانية ممارسة التزلج صباحاً والسباحة بعد الظهر في نفس اليوم. ليس هذا فقط، بل اشتهر لبنان في منتصف القرن الماضي بانفتاحه الثقافي والحضاري، وكان مركزا للصحافة والفكر والإعلام والفن، وسجّل تميّزاً كبيراً في الحريات العامّة وخصوصاً الحرية الإعلامية. يفتخر اللبنانيّون من مُختلف الانتماءات بهذا اللقب الذي "يُلمّع" صورة بلدهم في المحافل الدولية ويربط ماضيهم الجميل بحاضرهم ذات الأفق الرمادي، ويملك بلدنا الكثير من المقوّمات لينهض من جديد وليستعيد دوره الرياديّ في هذا الشرق... فهل ستشهد أجيالنا عودة "سويسرا الشرق"، أم أنّ اللقب سيبقى مجرّد "نوستالجيا" وقصّة جميلة لن تتكرّر؟ انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
تصعيد مضبوط بسقف سياسي
يُظهر حزب الله مقاربة مزدوجة للمرحلة المقبلة، إذ يتوقع تصعيدًا إســرائيليًا محدودًا في الجنوب اللبناني ضمن إطار الضغط والتلويح بالقوة، لكنه في الوقت نفسه يراهن على ليونة أميركية آخذة في التبلور، خصوصًا مع الحديث عن احتمال بدء حوار مباشر أو غير مباشر بين واشنطن وطهران. وتأتي هذه التقديرات في سياق قراءة الحزب للتوازنات الإقليمية، حيث يعتبر أن أي تصعيد سيكون مضبوطًا بسقف سياسي، وأن الانفتاح الأميركي على إيران قد ينعكس على ملفات المنطقة، ومنها لبنان ، ما يُبقي هامش التهدئة قائمًا إلى جانب احتمالات التصعيد المحدود. وبحسب قراءة اوساط مقرّبة من "حزب الله" فان الغارة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت حفار آبار في منطقة البقاع امس دليل إضافي على محدودية بنك الأهداف لدى إسرائيل داخل لبنان". ووفق المصادر "فان الاستهداف لم يكن لورشة عسكرية أو هدف استراتيجي، بل لمعدّات مدنية مخصصة لحفر الآبار، ما يؤكد أن إسرائيل باتت تبحث عن أي حركة قد تُفسَّر بأنها نشاط حفر أو تجهيز تحت الأرض لتقوم بضربها". وترى المصادر "ان هذا السلوك يعكس حالة من التوتر والعمى الاستخباراتي، خصوصا ان عددا كبيرا من السوريين استشهدوا في هذه الغارة وهؤلاء لا يمكن ان يتواجدوا في موقع عسكري، بحيث باتت تُطلق غاراتها بناءً على الشك لا على معلومات دقيقة".