logo
الرسوم الجمركية وما بعدها!

الرسوم الجمركية وما بعدها!

صحيفة الخليج٠٦-٠٤-٢٠٢٥

عبدالله السناوي
بدا مشهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو يستعرض في حديقة البيت الأبيض أمراً تنفيذياً يفرض بموجبه رسوماً جمركية غير مسبوقة على واردات بلاده من دول العالم موحياً بنهاية عصر كامل -تجارياً واستراتيجياً- في العلاقات الدولية.
تكاد تؤسس الرسوم الجمركية، التي شملت الحلفاء والخصوم على حد سواء، لقطيعة شبه كاملة مع إرث ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي خرجت الولايات المتحدة من تحت أنقاضها قوة عظمى تقود تحالفاً غربياً واسعاً على جانبي المحيط الأطلسي في مواجهة تحالف آخر يقوده الاتحاد السوفييتي.
في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 انهار جدار برلين وبدأ السقوط السريع للاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية وذراعها العسكرية حلف «وارسو» الذي كان يقابل حلف «الناتو».
في شريط سينمائي ألماني أنتج عام 2003 باسم «وداعاً لينين» لخّص مشهداً واحداً تراجيدياً ما جرى بعد انهيار الجدار.
كانت هناك مروحية تحلّق فوق برلين متدلياً منها بحبال من صلب تمثال ضخم لزعيم الثورة البلشفية ومفكرها الأكبر فلاديمير لينين، بينما ناشطة في الحزب الشيوعي الألماني تؤمن بأفكاره ترقب المشهد غير مصدقة.
مالت المروحية قليلاً فبدت حركة التمثال كأن لينين يمد يده للناشطة الألمانية المصدومة بالمصافحة الأخيرة.
أراد الشريط السينمائي أن يقول إن كل شيء قد انتهى. إثر انهيار القوة العظمى السوفييتية طُرح سؤال: هل تنتظر القوة العظمى الأمريكية مصيراً مماثلاً؟
استبعد فرانسيس فوكوياما بأطروحته «نهاية التاريخ» السؤال بحمولاته الاستراتيجية، فالتاريخ قال كلمته الأخيرة، بعدما وصل إلى نقطة النهاية للتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي للإنسان.
بقوة الحقائق تراجعت مقولات فوكوياما إلى الهامش وتبدد مفعولها بعدما استغرقت سجالات ونقاشات لوقت طويل نسبياً.
بعد نهاية الحرب الباردة أعادت أزمات النظام الدولي طرح السؤال حتى وصلنا إلى أزمة الرسوم الجمركية.
يردد صحفيون ومفكرون أمريكيون الآن بصيغ عديدة: «وداعاً لأمريكا التي نعرفها».. إنه انقلاب استراتيجي كامل على إرث ثمانية عقود تلت الحرب العالمية الثانية.
كان هاري ترومان، الذي صعد للبيت الأبيض من موقع نائب الرئيس إثر وفاة فرانكلين روزفلت قبيل انتهاء الحرب، أول من أسس للقوة الأمريكية في بنية نظام دولي جديد تنازعت القوة فيه مع الاتحاد السوفييتي.
ضرب هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بالقنابل الذرية لتسريع إنهاء الحرب كانت تلك جريمة تاريخية لا تغتفر لترهيب العالم بأسره.. غير أن حصول الاتحاد السوفييتي على الرادع النووي صاغ معادلات جديدة في موازين القوى بين المعسكرين المتضادين.
أطلق ترومان «مشروع مارشال» لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب، لم يكن ذلك عملاً خيرياً بقدر ما كان لازماً لاستيفاء مقومات القيادة، وهو ما يغيب عن إدراك ترامب.
أشرف على إنشاء «حلف الناتو» كذراع عسكرية للتحالف الغربي، الذي يضيق به ترامب بذريعة أعبائه المالية على الموازنة الأمريكية.
مقارباته تنزع عن أمريكا أسس صعودها، فيما يردد من دون كلل:«لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»!
بتشبيه لافت للكاتب توماس فريدمان في ال«نيويورك تايمز» فإن: «أمريكا أصبحت عظيمة بسبب الأشياء التي يكرهها ترامب».
يصعب حصر التفاعلات في حدودها التجارية ومدى تأثيرها على الاقتصادات الدولية. المسألة في صميمها تتعلق بمستقبل القوة الأمريكية ومستقبل النظام الدولي نفسه.
هذه لحظة انكسار فادحة لأي قوة معنوية، أو سياسية منسوبة للولايات المتحدة.
بدا تبادل الاتهامات الحادة بين الحلفاء المفترضين مؤشراً على قرب انفضاض الشراكة التاريخية عبر ضفتي الأطلسي بين الولايات المتحدة والقارة الأوروبية.
أوروبا تبحث بجدية عن وحدة موقف في وجه الرسوم الأمريكية، تتصدرها فرنسا وألمانيا.. ودول حليفة أخرى اعتبرت الرسوم الأمريكية عملاً عدائياً يستدعي الرد بالمثل.
أطلق ترامب على اليوم الذي أعلن فيه الارتفاعات غير المسبوقة في الرسوم الجمركية «يوم التحرير» قاصداً تحرير الاقتصاد الأمريكي من البضائع الأجنبية!.. من دون أن يدرك مغبتها على مستقبل الاقتصاد الأمريكي نفسه.
في يوم واحد خسرت الأسهم الأمريكية أكثر من تريليوني دولار، وعانت البورصات العالمية خسائر تاريخية فادحة.
بتحذير مسبق كتب فريدمان: «إذا قمت بتدمير النظام العالمي فجأة من دون خطة واضحة باستثناء انتقام اليمين المتطرف، فاستعد لرؤية ما يحدث للجميع».
بمصادفات التوقيت تماهى ترامب في تضامنه مع زعيمة اليمين الفرنسي مارين لوبان إلى حد اعتبار الأحكام القضائية التي تمنعها من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة تماثل ما تعرض له من ملاحقات عليها قرائن وأدلة.
ثم كان إقدام رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية بذريعة أنها «مسيسة» و«معادية للسامية» تعبيراً آخر عن وحدة اليمين المتطرف في أمريكا وإسرائيل وفرنسا والمجر في لحظة تاريخية واحدة.
أسوأ ما يعلق الآن بصورة الولايات المتحدة أن رئيسها أصبح زعيماً لليمين المتطرف، لا للعالم الحر حسب التوصيفات القديمة.
خشية أن تفضي ردات الفعل الاقتصادية والسياسية إلى الإضرار الفادح بالمصالح الأمريكية دعا وزير الخزانة سكوت بيسنت عبر محطة «سي. إن. إن»: «اهدأوا وخذوا نفساً عميقاً، ودعونا نرى إلى أين تتجه الأمور لأن الرد الانتقامي سيؤدي إلى التصعيد».
إنها محاولة لامتصاص الغضب المتصاعد في أنحاء العالم، وإبداء نوع من الاستعداد للتفاوض والتراجع كما اعتادت «الترامبية المتهورة» عندما تواجه بالردع لا الإذعان.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لقاء ألماني-أميركي في بانف يعيد الأمل لحل النزاعات التجارية
لقاء ألماني-أميركي في بانف يعيد الأمل لحل النزاعات التجارية

سكاي نيوز عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سكاي نيوز عربية

لقاء ألماني-أميركي في بانف يعيد الأمل لحل النزاعات التجارية

وقال الوزير المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي على هامش اجتماع وزراء مالية مجموعة السبع في منتجع بانف الكندي الخميس إنه يرى في نظيره الأميركي مساعٍ بناءة للغاية وموجهة نحو الحلول. وأضاف: "هذه علامة جيدة"، مشيرا إلى أنه لم يكن من الواضح في كثير من الأحيان خلال الأسابيع الأخيرة ما إذا كان الأميركيون يريدون إيجاد حل. كما أجرى كلينغبايل محادثات ثنائية مع نظيره الأميركي سكوت بيسنت في بانف. ووصف كلينغبايل محادثاته بأنها بداية جيدة، مضيفا أنه تم الاتفاق على عقد اجتماعات أخرى، وقال: "كنا متفقين على وجه الخصوص على أننا نريد إيجاد حلول"، مضيفا أنه تبقى الآن بضعة أسابيع يتعين خلالها تحقيق ذلك من خلال المفاوضات بين المفوضية الأوروبية والجانب الأميركي. وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية مرتفعة على السلع من جميع أنحاء العالم، وتسبب في حالة إضافية من عدم اليقين بسبب التراجع عن بعضها. وتضم مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان وكندا والولايات المتحدة. وقال كلينغبايل إن الاجتماع أوضح أيضا أن أوكرانيا يمكن أن تعتمد على التضامن والدعم الكبير من دول مجموعة السبع، وأضاف: "هذه أيضا علامة مهمة على التضامن والتعاون"، مشيرا إلى أن هناك أيضا استحسانا لخطط الحكومة الألمانية الجديدة لإعادة ألمانيا إلى مسار النمو.

أوروبا تحافظ على أوروبيتها
أوروبا تحافظ على أوروبيتها

صحيفة الخليج

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة الخليج

أوروبا تحافظ على أوروبيتها

أظهرت نتائج الانتخابات، التي جرت يوم الأحد الماضي في رومانيا والبرتغال، وتنافس فيها المؤيدون للاتحاد الأوروبي مع اليمينيين المؤيدين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فوز مؤيدي أوروبا، بينما تنتظر بولندا جولة إعادة حاسمة بين المرشح المؤيد لأوروبا، وآخر قومي. هذه النتائج تؤكد أن الناخبين ما زالوا يلتزمون بالمسار المؤيد للاتحاد الأوروبي، على الرغم من التقدم الذي حققه اليمين في هذه الدول، وفي العديد من الدول الأوروبية الأخرى. لقد هيمنت الحرب الأوكرانية، والأفكار الأوروبية وسياسات الرئيس ترامب، إضافة إلى الهجرة والقضايا الاجتماعية التي شملت الدول الثلاث، والتي وصفت بانتخابات «الأحد الكبير» على هذه الانتخابات، وكانت نتائجها مصيرية بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يعاني انقساماً حاداً تجاه مجمل هذه القضايا، خصوصاً أن الأحزاب اليمينية شهدت خلال الأشهر الأخيرة، بعد إعادة انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، حالة من النهوض والانتعاش، أثارت قلقاً أوروبياً عميقاً، تجاه احتمال فوزها بهذه الانتخابات. ففي رومانيا فاز نيكوسور دان، رئيس بلدية العاصمة بوخارست المؤيد للاتحاد الأوروبي على منافسه اليميني القومي جورج سيميون في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة التي شهدتها رومانيا، بعد أشهر من الاضطرابات السياسية. وكان سيميون زعيم حزب «التحالف من أجل وحدة الرومانيين» اليميني المتشدد، قد حقق فوزاً مفاجئاً في الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت في الرابع من شهر مايو/أيار الحالي، مستغلاً موجة غضب انتابت الرومانيين الذين شهدوا إلغاء السباق الرئاسي العام الماضي، بسبب مزاعم عن تدخل روسي. لكن في الجولة الثانية يوم الأحد الماضي، فاز نيكوسور دان بأكثرية 55 بالمئة من الأصوات، وأعلن رغبته في تشكيل ائتلاف حكومي من أربعة أحزاب مؤيدة لأوروبا، فيما حصل سيميون الذي أقر بهزيمته على 46.40 بالمئة من الأصوات. وفي بولندا، أفرزت الانتخابات نتائج متقاربة بين المرشح المؤيد للاتحاد الأوروبي، عمدة وارسو وعضو حزب الإئتلاف المدني الحاكم رافال تشاسكوفسكي، والمؤرخ القومي كارول ناوروتسكي الذي حقق صعوداً مفاجئاً إذ حصل على 29.2 بالمئة من الأصوات فيما حصل تشاسكوفسكي على 31.2 بالمئة، وبالتالي، لم يحسم أحدهما النتيجة لصالحه، وتقرر أن يتواجها ثانية في الأول من يونيو/ حزيران في جولة إعادة ثانية، سوف توضح ما إذا كانت بولندا ستلتزم بالمسار المؤيد لأوروبا الذي حدده رئيس الوزراء دونالد توسك، أم أنها ستقترب أكثر من القوميين المؤيدين للرئيس ترامب. أما في البرتغال، فقد فاز رئيس الوزراء لويس مونتينغرو اليميني المعتدل المؤيد لأوروبا (حزب التحالف الديمقراطي) بالانتخابات التشريعية بنسبة 32.7 بالمئة من الأصوات (89 مقعداً من أصل 230)، لكنه لم يحصد غالبية برلمانية كافية، لضمان الاستقرار السياسي (116 مقعداً)، في حين حصد الحزب اليميني المتطرف «تشيغا» للمرة الأولى 20 بالمئة من الأصوات (58 مقعداً) بالتساوي مع الاشتراكيين، وبذلك لا بد لحزب التحالف الديمقراطي من تشكيل حكومة ائتلافية، سوف يضطر معها إلى تقديم تنازلات للحزب الاشتراكي في حال قرر المشاركة في الحكومة. .. وما زالت أوروبا تبحث عن الطريق الذي يجنبها الوقوع في براثن اليمين المتطرف الذي يهدد وحدتها.

بكين ترد على تصريحات واشنطن حول "التهديدات الفضائية"
بكين ترد على تصريحات واشنطن حول "التهديدات الفضائية"

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

بكين ترد على تصريحات واشنطن حول "التهديدات الفضائية"

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ، ماو نينغ، في مؤتمر صحفي: "الصين تلتزم دائما بالاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، وتعارض عسكرة الفضاء وسباق التسلح فيه". وأضافت: "نحث الجانب الأميركي على الكفّ عن التصريحات غير المسؤولة، وعن توسيع ترسانته العسكرية واستعداداته للحرب في الفضاء، والعمل بدلا من ذلك على الحفاظ على الأمن والسلام الدائمين في الفضاء الخارجي". وجاء التصريح الصيني ردا على تصريحات لمسؤولين أميركيين، من بينهم قائد عمليات الفضاء في القوات الفضائية الأميركية، الجنرال تشانس سالتزمان، الذي زعم أن روسيا والصين تمتلكان أسلحة تمثل "التهديد الأكبر" لمصالح الولايات المتحدة في الفضاء. وأكدت ماو نينغ أن بكين "لا تنوي الدخول في سباق فضائي مع أي طرف، ولا تسعى للهيمنة في الفضاء". وأشارت إلى أن "الولايات المتحدة صرّحت علنا باعتبار الفضاء ميدانا للمعركة، وتواصل بناء قواتها الفضائية، وتشكيل تحالفات عسكرية في الفضاء، وتسريع وتيرة تسليحه، وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا لأمن وتطور البشرية جمعاء". واختتمت ماو نينغ تصريحاتها بالقول إن الصين تدعو إلى تعاون دولي في الفضاء قائم على السلمية والتكافؤ، بعيدا عن منطق المواجهة والصراعات الجيوسياسية. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، قد أعلن الثلاثاء، عن رؤيته المقترحة لبرنامج "القبة الذهبية" الدفاعي الصاروخي. وتبلغ تكلفة برنامج "القبة الذهبية"، 175 مليار دولار، ويُعد الأول من نوعه الذي يتضمن نشر أسلحة أمريكية في الفضاء.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store