logo
حين تغيب الدولة تظهر الوحوش

حين تغيب الدولة تظهر الوحوش

الجزيرة٢٣-٠٧-٢٠٢٥
في السياقات المعقّدة التي تمر بها دول ما بعد الاستعمار، أو تلك الخارجة من نزاعات داخلية، كثيرًا ما تنظر الأقليات إلى الدولة المركزية باعتبارها تهديدًا لهويتها ووجودها؛ فهي بالنسبة لها لا تمثل عقدًا اجتماعيًّا متوازنًا، بل أداة للهيمنة، تارة قومية، وتارة طائفية أو سلطوية.
هذا التصوّر المتراكم يدفع بعض الجماعات إلى المطالبة بالانفصال، أو على الأقل تحجيم دور الدولة في مناطقها، أملاً في تحقيق ما يُسمّى 'التحرر'، والحفاظ على الخصوصية الثقافية أو الدينية. لكن المفارقة القاسية أن غياب الدولة لا يقود بالضرورة إلى الحرية، بل غالبًا ما يُنتج ما يُعرف بـ'الحرية السلبية'، التي يكون أول مظاهرها الفوضى، التي ينتج عنها انفلات السلاح، وتصاعد الصراعات بين الهويات، وانهيار القانون، وسقوط الحد الأدنى من الأمان.
لقد رأينا هذا المشهد يتكرر في أكثر من بلد؛ ففي العراق بعد عام 2003، ظنّ البعض أن سقوط الدولة القمعية سيفتح الباب لعهد جديد من الحقوق، لكن ما أعقب ذلك كان تفككًا مؤسساتيًّا أدى إلى حرب أهلية، وظهور كيانات طائفية مسلحة. وفي لبنان، خلال الحرب الأهلية، انهارت الدولة لصالح ميليشيات متناحرة، فدفع الجميع، دون استثناء، ثمن انكشافهم أمام منطق السلاح.
أما في سوريا اليوم، فالصورة أكثر تعقيدًا.. إذ نجد أن بعض الكيانات المحلية، خصوصًا في مناطق الأقليات، رفضت تدخل الدولة في مؤسساتها إن لم يكن عبر شخصيات محلية، في تعبير واضح عن انعدام الثقة بالحكومة الجديدة، لأسباب تتعلق بالخلفية الدينية، والطبيعة الاجتماعية، والمواقف الأيديولوجية المتحفّظة.
الدولة كـ"عدو مشترك" أم كـ"إطار مرفوض"؟
في مناطق ذات غالبية كردية أو درزية أو مسيحية، لم يعد يُنظر إلى الدولة السورية كضامن للحياة المشتركة، بل كخصم تاريخي، أو حتى كيان غريب. لكن حين تراجعت مؤسسات الدولة في هذه المناطق، لم يظهر بديل موحّد، بل تفككت البنى الإدارية والاجتماعية إلى كانتونات محلية، متنافرة، وعاجزة عن فرض الاستقرار.
في السويداء، على سبيل المثال، أدى غياب الثقة في الدولة إلى نوع من "الاستقلال الذاتي غير المعلن"؛ فغالبية الفعاليات الشعبية ترفض تسليم السلاح، وترفض تدخل دمشق إلا عبر وسطاء محليين. هذه الرغبة، وإن كانت مفهومة في ظل الإرث التاريخي للطائفة، فإنها تحوّلت مع الوقت إلى بيئة خصبة للفوضى؛ إذ ظهرت أنماط من العدالة البديلة، والانتقام الذاتي، وميليشيات محلية تحتمي بعصبيات ضيقة، في ظل غياب قضاء فعّال وأمن مؤسسي.
حادثة الاعتداء على محافظ السويداء كانت دليلًا صريحًا على انسداد قنوات الحوار مع دمشق.. صحيح أن المعتدين لا يمثلون المحافظة كاملة، لكن سلاحهم كان أعلى صوتًا من نخبها! وهكذا، تحوّلت مطالب الحكم الذاتي من أداة حماية إلى بوابة للفوضى.
من مواجهة الاستبداد إلى احتضان الفوضى
المفارقة الموجعة أن الثورة، التي انطلقت للمطالبة بالعدالة والدستور، أفضت في بعض المناطق إلى "تحرر من الدولة"، ولكن أيضًا من القانون والمؤسسات والضمانات. ففي ظل الفراغ، حلت سلطة البندقية بدل سلطة الدستور، وسلطة العشيرة بدل سلطة القاضي.
الأسوأ من ذلك أن بعض الكيانات المحلية بدأت تعيد إنتاج ممارسات الدولة نفسها في القمع والتسلط، ولكن دون مؤسسات رقابية أو شرعية قانونية.. استُبدل الاستبداد لا بإصلاح، بل بفوضى أكثر خطرًا، وأكثر تفلّتًا.
الدولة ليست النظام.. والفوضى ليست حرية
هنا تظهر الحاجة إلى تمييز بالغ الأهمية: الدولة ليست النظام الحاكم، الدولة هي الإطار المؤسسي الذي يضم القضاء، والأمن، والتعليم، والصحة.. وهي، رغم عيوبها، المساحة الوحيدة المتاحة للنضال السلمي، وتحصيل الحقوق عبر أدوات قانونية. أما الفوضى، فهي لا تمنح حرية، بل تفتح الباب أمام منطق 'من يملك السلاح يملك القرار'، وهي لا توفر بدائل عادلة، بل تقوّض كل إمكانية للإصلاح.
وبالتالي، فإن تفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية، تحت راية التحرر، لا يقرّبنا من العدالة، بل من فراغ أمني واجتماعي لا يرحم.
على الجميع -من النظام إلى المعارضة، ومن الداخل إلى الخارج- أن يدرك أن البديل عن الدولة الموحدة ليس النظام الفيدرالي العادل، بل الانقسام الأهلي والانهيار التدريجي
ولأن البديل ليس دائمًا الأجمل
ما يغيب عن الأذهان أحيانًا هو أن الأقليات التي تخشى الذوبان في الدولة كثيرًا ما تذوب في الفوضى حين تغيب الدولة. فالدولة، مهما كانت مختلّة أو ظالمة، تظل إطارًا يمكن من داخله بناء الحركات، وصياغة الخطاب، وتحقيق التغيير تدريجيًّا. أما الفوضى، فلا تسمح إلا لمن يملك القوة، لا الفكرة.
في الحالة السورية.. الدولة ضرورة واقعية
إن سوريا لا تحتاج فقط إلى "حل سياسي"، بل إلى إعادة بناء الثقة في مفهوم الدولة، لا بوصفها جهازًا أمنيًّا، بل كإطار للحياة المشتركة. النظام ليس وحده المسؤول عن ذلك، بل المعارضة أيضًا، التي عليها أن تعيد تعريف خطابها تجاه الدولة بوصفها مشروعًا للمستقبل، لا مجرد عدو للماضي.
على الجميع -من النظام إلى المعارضة، ومن الداخل إلى الخارج- أن يدرك أن البديل عن الدولة الموحدة ليس النظام الفيدرالي العادل، بل الانقسام الأهلي والانهيار التدريجي. وبغض النظر عن الموقف من حكومة الشرع، تبقى -شئنا أم أبينا- الضامن الوحيد حاليًّا لتجنّب انزلاق البلاد إلى حرب طائفية أو فراغ أمني شامل.
هذا لا يعني السكوت عن الظلم، ولا تبرير القمع، بل إدراك أن تفكيك الدولة بدعوى التحرر لا يؤدي إلى العدالة، بل إلى عودة الوحوش.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وزير لبناني: حزب الله سيختار الانتحار حال رفض تسليم سلاحه
وزير لبناني: حزب الله سيختار الانتحار حال رفض تسليم سلاحه

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

وزير لبناني: حزب الله سيختار الانتحار حال رفض تسليم سلاحه

قال وزير العدل اللبناني عادل نصار، اليوم الأحد، إن " حزب الله" سيختار الانتحار في حال رفض تسليم سلاحه، ولن يُسمح له بجر البلاد إلى هذا المصير، وذلك قبل يومين من انعقاد جلسة لمجلس الوزراء مخصصة لمناقشة مسألة حصر السلاح بيد الدولة، وبسط سيادتها على كامل أراضيها. وفي منشور عبر حسابه على منصة إكس ، أوضح نصار أنه "إذا اختار حزب الله الانتحار برفض تسليم سلاحه، فلن يُسمح له بأن يجر لبنان وشعبه معه"، وفق ما نقلت وكالة الإعلام اللبنانية الرسمية. ولم يوضح الوزير المقصود بكلامه بالضبط، وما الذي سيواجهه حزب الله في حال رفض الدعوات لتسليم سلاحه؟ وقال نصار، في مؤتمر صحفي أمس الأول الجمعة، إنه "لا يمكن لدولة أن تكتمل في ظل سلاح خارج سلطتها (..)، لا قيام لدولة فعلية في ظل وجود سلاح خارج إطار الشرعية"، وفق تعبيره. وأضاف أن ما وصفه بالسلاح غير الشرعي تحوّل إلى عبء يهدّد الاستقرار الداخلي، ويفتح الباب أمام كوارث أمنية واقتصادية ودبلوماسية يدفع ثمنها كل اللبنانيين. والثلاثاء الماضي، أعلن رئيس الحكومة نواف سلام أن مجلس الوزراء سيستكمل خلال جلسته الأسبوع الجاري "بحث بسط سيادة الدولة على كافة أراضيها بقواها الذاتية حصرا"، في إشارة إلى نزع سلاح "حزب الله"، وحصر السلاح بيد الدولة. لكن في المقابل، قال أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم ، الأربعاء، في كلمة تلفزيونية "لن نسلم السلاح من أجل إسرائيل (..)، السلاح ليس أولوية الآن، بل الأولوية للإعمار ووقف العدوان". وفي 4 يوليو/تموز الماضي، قال قاسم أيضا "على من يطالب المقاومة (حزب الله) بتسليم سلاحها، المطالبة أولا برحيل العدوان (إسرائيل)، لا يُعقل ألا تنتقدوا الاحتلال، وتطالبوا فقط من يقاومه بالتخلي عن سلاحه". إصرار حكومي والخميس، كشف الرئيس جوزاف عون ، في خطاب ألقاه بوزارة الدفاع، أن الولايات المتحدة قدمت مجموعة من المقترحات تتعلق بحصرية السلاح، وقال إن الجانب الأميركي "كان قد عرض علينا مجموعة أفكار أجرينا عليها تعديلات جوهرية سنطرحها على مجلس الوزراء الأسبوع المقبل". وأضاف "طالبنا بوقف فوري لاعتداءات إسرائيل، وانسحاب الأخيرة من الأراضي اللبنانية المحتلة، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، إلى جانب سحب سلاح جميع القوى المسلحة ومن ضمنها حزب الله، وتسليمه إلى الجيش اللبناني". والجمعة، قال قائد الجيش العماد رودولف هيكل إن عدم انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب هو العائق الوحيد أمام استكمال انتشار الوحدات العسكرية اللبنانية بالمنطقة، وفق بيان للجيش. وتأتي هذه التطورات السياسية في ظل استمرار التصعيد جنوبا، حيث تواصل إسرائيل خرق اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح. وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بدأ سريان اتفاق لوقف لإطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل، لكن تل أبيب خرقته أكثر من 3 آلاف مرة، ما أسفر عن 262 قتيلا و563 جريحا، وفق بيانات رسمية لبنانية. وفي تحدٍّ لاتفاق وقف إطلاق النار، نفذ الجيش الإسرائيلي انسحابا جزئيا من جنوب لبنان ، بينما يواصل احتلال 5 تلال سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة.

القوات السورية تستعيد مناطق بالسويداء وتصد هجوما لقسد
القوات السورية تستعيد مناطق بالسويداء وتصد هجوما لقسد

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

القوات السورية تستعيد مناطق بالسويداء وتصد هجوما لقسد

أفادت الإخبارية السورية نقلا عن مصدر أمني أن قوات الأمن استعادت السيطرة على النقاط التي تقدمت إليها من وصفها بالعصابات بريف السويداء جنوبي البلاد، في وقت أعلنت وزارة الدفاع السورية صد هجوم لقوات سوريا الديمقراطية " قسد" شمالا. وذكر المصدر الأمني أن قوات الأمن استعادت السيطرة على تل الحديد وريمة حازم وولغا بعد اشتباكات مع العصابات المسلحة. وفي وقت سابق، أكدت مصادر للجزيرة مقتل خمسة من قوات الأمن العام في هجوم نفذته مجموعات خارجة عن القانون في محافظة السويداء السورية. جاء الهجوم خلال ساعات الليل، حيث تسللت هذه المجموعات من داخل مدينة السويداء وتمكنت من السيطرة على قرية تل حديد، غرب المدينة وعدد من المناطق. وتأتي الهجمات التي شنتها هذه المجموعات على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار القائم منذ أسبوعين. وتشهد السويداء وقفا لإطلاق النار منذ مساء 19 يوليو/تموز الماضي، وذلك عقب اشتباكات دامية دامت أسبوعا وخلفت مئات القتلى. وبدأت الاضطرابات بمناوشات بين المجموعات الدرزية المسلحة وأخرى من عشائر عربية، وتدخلت القوات السورية لفض الاشتباك، بيد أنها تعرضت للاستهداف من المسلحين المسيطرين على مدينة السويداء، وكذلك من جانب إسرائيل التي قصفت القوات الأمنية والعسكرية السورية بشكل مكثف. هجوم لقسد في تطور آخر، قالت وزارة الدفاع السورية إن قوات الجيش تصدت لهجوم من قوات "قسد" على إحدى نقاط انتشار الجيش بريف منبج شمال شرق محافظة حلب. وأضافت، في بيان، أن وحدات الجيش نفذت ضربات دقيقة على مصادر النيران التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية في ريف منبج. وأفادت الوزارة بإصابة أربعة من عناصر الجيش وثلاثة مدنيين في قصف صاروخي نفذته قوات قسد على قرية الكيارية. ووصفت الهجوم الذي شنته تلك القوات بأنه غير مسؤول وأسبابه مجهولة. من جهتها، قالت قوات سوريا الديمقراطية إنها تستخدم حقها في الدفاع المشروع ضد الهجمات على بلدة دير حافر بريف حلب. ورفض المركز الإعلامي التابع لقسد ما وصفه بمزاعم إدارة الإعلام بوزارة الدفاع السورية عن تعرض نقاطها لهجوم من طرف قوات قسد. وأكد على ضرورة احترام التهدئة، داعيا الحكومة السورية لضبط الفصائل التي وصفها بغير المنضبطة. وفي 10 مارس/آذار الماضي، وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع ، وقائد قوات "قسد" مظلوم عبدي ، اتفاقا لدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في المناطق التي تسيطر عليها قسد شمال وشرقي سوريا ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وتأكيد وحدة أراضي سوريا، ورفض التقسيم، إلا أن الاتفاق لم يطبق بشكل عملي حتى اليوم. في سياق متصل، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية اليوم الأحد مقتل خمسة من عناصرها خلال هجوم شنه تنظيم الدولة الإسلامية على نقطة تفتيش في دير الزور بشرق سوريا في 31 يوليو/تموز الماضي. ولطالما دعمت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية بالمال والسلاح، إذ تعتبرها رأس الحربة في مكافحة تنظيم الدولة الذي سيطر عام 2014 على مساحات واسعة في سوريا، قبل أن يتعرض للهزيمة بعد ذلك بـ5 سنوات.

التوازنات الجيوسياسية في سوريا من الطاقة إلى الأمن
التوازنات الجيوسياسية في سوريا من الطاقة إلى الأمن

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

التوازنات الجيوسياسية في سوريا من الطاقة إلى الأمن

تواجه سوريا تحديات معقدة في سياق جيوسياسي متغير، حيث سعت الإدارة السورية الجديدة منذ وصولها للحكم إلى وضع خارطة طريق ترتكز على تحقيق توازن بين المصلحة الوطنية والمصالح المشتركة للأطراف الإقليمية والدولية. هذه الخطوة أتت في وقت يتطلب فيه الوضع الراهن الابتعاد عن حالة الصدام، وهو ما تجلى بشكل واضح في ملف الطاقة، الذي يعد أحد الملفات الناجحة في هذا الشأن. فقد تمكنت سوريا من تحقيق توازن بين الاستثمارات والتنافس حول إعادة الإعمار، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون مع جميع الدول. ومع ذلك، تبقى هناك تحديات داخلية عالقة، أبرزها سلاح المليشيات الانفصالية التي تحاول إسرائيل استثمارها لتحقيق طموحاتها التوسعية وفدرلة سوريا. في هذا الإطار، شهدت الأشهر الثمانية الماضية تطورات مهمة، بما في ذلك رفع العقوبات وتعنت المليشيات، التي تستقوي بالكيان الصهيوني الذي يسعى لتحقيق مكتسبات جيوسياسية تحت مسمى "الحماية الإنسانية". في الواقع، يبدو أن أهداف إسرائيل متعددة، حيث تبحث عن مبرر لتوسعها الجيوبوليتيكي نحو دمشق، وقد تمكنت من دخول مساحات جديدة تصل إلى 300 كيلومتر منذ سقوط النظام البائد. قبل ملف الجنوب، أعلنت إسرائيل عن نيتها تقديم الحماية لمليشيا شمال شرق سوريا الانفصالية (قسد) في تحدٍ واضح لتركيا، التي كانت قد أعلنت في وقت سابق عن خطوات استباقية منها نيتها وضع قواعد عسكرية وسط سوريا. وكان الرد الإسرائيلي بقصف مطار حماة العسكري ومطار T4، مما يعكس تصاعد التوتر والنفوذ في المنطقة. بعد عدة أشهر استمرت إسرائيل بسياسة شد الأطراف عبر استمالة الدروز وإقناعهم بطلب الحماية الإنسانية فقامت باستهداف مبنى قيادة الأركان، ومحيط القصر الرئاسي. في ظل هذه الضغوط، وتسارع الأحداث تحركت العشائر العربية، كرسالة واضحة لمن يريد العبث بالأمن. وفي السياق ذاته، جاء التحرك في الكونغرس الأميركي لتمديد قانون قيصر كإشارة واضحة لدمشق لاتخاذ قرارات جريئة داخلية وعلى الصعيد الخارجي. على صعيد آخر، أعلنت السعودية عن نيتها استثمار 15 مليار دولار في سوريا، مما يعكس تغيرًا في موازين القوى الإقليمية ورسالة إضافية لحضورها في هذا الشأن. ومع إدراك دمشق أن الصبر والدبلوماسية لم يعودا كافيين، وربما بات السلاح أهم من الخبز لذا فقد أبرمت الإدارة السورية اتفاقيات دفاعية إستراتيجية مع أنقرة تضمن الاستقرار وتعزز حضورها الإقليمي، الذي تحاول إسرائيل سلبه. إن المستقبل القريب يحمل في طياته تحديات كبيرة، ولكن أيضًا فرصًا للتعاون والتوازن في العلاقات الدولية، مما يتطلب من كل الأطراف المعنية التحلي بالحكمة والمرونة والدبلوماسية إن ما بين نية تركيا إنشاء قواعد عسكرية في الوسط السوري، وتدخلات إسرائيل في العمق الإستراتيجي لدمشق، تتبادل رسائل عالية النبرة وضغوط على كافة الأصعدة، تعيق الاستقرار والاستثمار وتهدد الأمن والسلم الدوليين، ومن الواضح أن ملفي الهجري وقسد لا يعدو كونهما أوراقًا استثمارية ضاغطة، بينما تخفي مصالح القوى المحركة الكثير من التعقيدات. وفي سياق متصل، تتزايد التكهنات بشأن حالة تصادمية بين أنقرة والكيان الصهيوني، حيث أخذ الأخير دور النظام البائد ومحور إيران في اللعب بملف المليشيات. وإذا لم تكبح الولايات المتحدة طموحات نتنياهو فإن التصادم لا مفر منه باعتقادي الشخصي أو القبول بتقديم تنازلات. في هذا السياق ليست دمشق وحدها تحت الضغط الإسرائيلي بل الأردن أيضًا إن لم يستعد بخطوات استباقية، حيث يواجه تهديدات لأمنه القومي، بما في ذلك الأمن المائي والغذائي. إن المستقبل القريب يحمل في طياته تحديات كبيرة، ولكن أيضًا فرصًا للتعاون والتوازن في العلاقات الدولية، مما يتطلب من كل الأطراف المعنية التحلي بالحكمة والمرونة والدبلوماسية في التعامل مع هذه الديناميات المتغيرة.. فالمأزق خطير ومعقد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store