
زيارة المَلِك تشارلز الثالث لإيطاليا
تشارلز مَزَجَ السياسة بالفضاء العمومي، وتحرك في المدى العاطفي، بإيقاع مَرئي، وبرنامجه خصب كخصوبة عالَم الأديب البريطاني وليم شكسبير ذي التفاصيل الحميمة، والأحاسيس العميقة، يجمع بين عناصر مختلفة ويخلق منها أشكالاً جديدة من الوئام، تظهر الحياة نشطة في سياقات جَمالية.
ألقى المَلِك تشارلز خطاباً تاريخياً في البرلمان الإيطالي، وكان يتنقل في حديثه بين اللغتين الإنجليزية والإيطالية، فكانت رسالة ودية أسعدت البرلمانيين الإيطاليين، وأبرز فيها قوة العلاقات البريطانية – الإيطالية، وتراثهما الثقافي المشترك، وتحدث عن السلام قائلاً إن «السلام ليس أمراً مُسلّماً به أبداً»، أي ينبغي العمل لأجله، وبَرَّر قِيمياً وقوف بريطانيا إلى جانب أوكرانيا في حربها ضد روسيا بقوله: «تقف بريطانيا وإيطاليا اليوم صفاً واحداً للدفاع عن «القيم الديمقراطية» المشتركة بيننا. ويقف بلدانا إلى جانب أوكرانيا في محنتها، ويرحبان بآلاف الأوكرانيين المحتاجين إلى مأوى».
الدبلوماسية الثقافية «قوة مُعبّئة» عند تشارلز بقوله: إن «بريطانيا تأثرت بشدة بالمطبخ الإيطالي» – وهذه إشادة مَلَكية بالأكل الإيطالي الذي حقق العالمية، فهو أصل مبيعات أكثر من 200 مليار يورو عالمياً. ودولة الإمارات، أيضاً، كالمَلِك تشارلز، تحت التأثير الثقافي الإيطالي، وتضم جمهوراً واسعاً يرتاد مَطاعمها الإيطالية يُثري بها تجاربه الذوقية والاجتماعية والعاطفية والحضارية. وقَدَم الإيطاليون للملكِ وزوجته المَلِكة كاميلا «البيتزا» و«الآيس كريم» اللذين احتفلا بالعيد العشرين لزواجهما أثناء زيارتهما الرسمية لإيطاليا، ومزجا العاطفة بالسياسة التي صارت أُفقاً للحُب. وزار المَلِك تشارلز ضريح الشاعر الفيلسوف الإيطالي «دانتي أليغييري» (1265 -1321) في رافينا، اعترافاً بمكانته الأوروبية والعالمية ووَضَعَ على قبره إكليلاً من الزهور.
والسياسة تشابكت مع الوجدان، حين توجّه تشارلز وزوجته، كاميلا، إلى «مقهى جوليتي» الشهير في وسط روما، وجلسا به «عاشقين» أكثر منهما «مَلِكَين»، منحا المقهى تطورًا معنوياً فأصبح مساحة هندسية مسكونة بالعاطفة والسياسة، وهذا مكسب خالص للمقهى، سلامٌ به يتسلل للعالَم، كالعطر إذا ظل في القارورة لما فكر أحد أن يصفه بالجمال، لكنه لما انساب خارجاً غدت له جاذبية حسية أدركناها. هناك عناصر معينة في المشهد السياسي تُبرز الجَمال الذي لدينا وفي العالَم، فنخلع على أنفسنا وعلى العالم جاذبية ولطافة وسَكينة، فيصير المشهد السياسي أخاذاً وإيجابياً كالجسد الإنساني الذي هو آلة مصدر تماسكها عدة وظائف حيوية لولاها لانحلت هذه الآلة، فالمشهد السياسي جَسَد، آلة مصدر تماسكها الحقيقي عدة وظائف حيوية جَمَالية لولاها لانحلت هذه الآلة السياسية أو عانت من الاضطراب.
التاريخ تواشج مع الدِين عند المَلِك تشارلز، بعد روما، زار «رافينا» التي يعودها تاريخها إلى ما قبل الميلاد، وكانت عاصمة للإمبراطورية الرومانية الغربية، مشى وسط نصبها القديمة وساحاتها العامة المهيبة، كما عَقَدَ لقاءً «على انفراد مع البابا، الراحل، فرانسيس، الدِين جاور السياسة بروح وظلال.
اليوم في العالَم المسيحي، يحمل المَلِك تشارلز الثالث لقب«حامي الإيمان» و«حامي العقيدة» والمقصود بها الإيمان المسيحي، والرأس الأعلى للكنيسة الأنجليكانية في بريطانيا والعالَم، المُنفصلة عن سُلطة البابا منذ 1534، الانفصال والذكريات الأليمة للحروب الدينية القديمة التي مزقت أوروبا لم يَمنعا الحِوارَ والصداقةَ والتعاون بين«الملكية البريطانية» و«الكنيسة الكاثوليكية» تعبيراً عن بقاء طاقاتهم الإيجابية.
مَنَحَ تشارلز العسكرية السياسية الواقعية مساحة محددة في برنامجه فأشاد بالخطط البريطانية الإيطالية لتطوير طائرة مقاتلة جديدة مع اليابان ضمن تحالف ثلاثي صناعي عسكري يجمع المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان تحت مُسمى:«برنامج القتال الجوي العالمي».
وإيطاليا مُتسقة مع المَلِك تشارلز مزجت السياسة بالتراث والتاريخ والثقافة. الرئيس الإيطالي، سيرجو ماتاريلا، استقبل تشارلز في «قصر كويرينالي»، الأثر التاريخي العريق، الذي كان مقراً لثلاثين بابا وأربعة ملوك من إيطاليا واثني عشر رئيساً للجمهورية الإيطالية، وهو من أقدم القصور الرئاسية في العالَم، مُحاط بحدائق ضخمة، وتعود بدايات إنشائه إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وتلاحقت به التوسعات والإصلاحات والتمديدات والتحصينات، منذئذ، واختاره نابليون بونابرت ليكون مقر إقامته كإمبراطور، حين اجتاح نابليون روما في 1809 ونفى البابا «بيوس السابع» إلى باريس، وأجريت تعديلات معمارية ضخمة نفذها حشد من الفنانين لملاءمة القصر ذوق بونابرت، لكنه لم يَسكن به، بعد هزيمته في 1814 وانهيار حُلمه السياسي، ليعود البابا بيوس مُسرعاً من منفاه في باريس ليمحو آثار نابليون من القَصر بتصاميم جديدة، وهكذا، «الدِين» في أوروبا تصارع مع «السياسة» حتى في العُمران. ويُمكن للجمهور زيارة «قصر كويرينالي» لتنمية الحِس الجَمالي بمشاهدة النَقش والرَسم والنَحت، وكل الإبداع التاريخي المرئي.
وأهدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني للملك تشارلز وزوجته شيكولاته «النوتيلا» – واحدة من أكثر صادرات إيطاليا مبيعاً، اعتزازاً منها بِمُنتجها الوطني الذي حقق العالمية.
تَجيء الزيارة المَلكية البريطانية لإيطاليا على نحوٍ يَشي بالجَمال كَوْنُ العلاقات الدولية ذات بنية مفتوحة للفعل الجَمالي، فالسياسة صَنعة تحتاج لتركيبات ومحسوسات ذَوقِيّة، لِيألفها الناس ويشعروا بالأمان والسعادة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 34 دقائق
- صحيفة الخليج
ستارمر: نشعر بقلق إزاء الاستهداف المتكرر للصحفيين في غزة
لندن ـ رويترز قال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الاثنين إن رئيس الوزراء يشعر «بقلق بالغ» إزاء الاستهداف المتكرر للصحفيين في غزة، وذلك بعد مقتل خمسة منهم في غارة جوية إسرائيلية بالقطاع. وقال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف وقتل الصحفي أنس الشريف، واتهمه بأنه قائد خلية تابعة لحركة حماس وبالضلوع في هجمات صاروخية استهدفت إسرائيل، وهو ما رفضه الشريف قبل مقتله نافياً أن له صلات بحركة حماس. وقال متحدث باسم ستارمر للصحفيين «نشعر بقلق بالغ إزاء الاستهداف المتكرر للصحفيين في غزة». وأضاف «يستحق الصحفيون الذين يغطون النزاعات الحماية بموجب القانون الإنساني الدولي، ويجب أن يكون الصحفيون قادرين على التغطية الإعلامية باستقلالية ودون خوف، ويتعين على إسرائيل ضمان قدرة الصحفيين على أداء عملهم بأمان». وعند سؤاله عن اتهام أحد الصحفيين المستهدفين بأنه مرتبط بحماس، قال متحدث باسم ستارمر «يجب التحقيق في هذا الأمر بدقة وبشكل مستقل، لكننا نشعر بقلق بالغ إزاء الاستهداف المتكرر للصحفيين». وقال مسؤولون في غزة إن الشريف (28 عاماً) كان من بين أربعة صحفيين ومساعد لهم لقوا حتفهم في غارة على خيمة قرب مستشفى الشفاء بشرق مدينة غزة. وأفاد مسؤول في المستشفى بمقتل شخصين آخرين في الغارة أيضاً.


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
وزير الدفاع الإيطالي: إسرائيل فقدت الصواب في غزة.. وسنتجاوز مرحلة الإدانة
روما ـ أ ف ب أكد وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو في مقابلة نشرت، الاثنين، أن الحكومة الإسرائيلية «فقدت الصواب والإنسانية» في ما يتعلّق بغزة وأشار إلى انفتاحه على إمكانية فرض عقوبات على إسرائيل. وقال كروسيتو لصحفية «لا ستامبا» إن «ما يحصل غير مقبول. لا نواجه عملية عسكرية تتسبب بأضرار غير مقصودة، بل نكران تام للقانون والقيم المؤسِّسة لحضارتنا». وأضاف: «نحن ملتزمون في ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، لكن علينا الآن إيجاد طريقة لإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التفكير بوضوح، تتجاوز مجرّد الإدانة». ورداً على سؤال بشأن احتمال فرض عقوبات دولية على إسرائيل، قال كورسيتو: «احتلال غزة وبعض الأعمال الخطِرة في الضفة الغربية تشكّلان تحولاً كبيراً ينبغي أن تُتّخذ قرارات في مواجهتها تُجبر نتنياهو على التفكير». وتابع: «لن تكون خطوة ضد إسرائيل؛ بل طريقة لحماية الناس من حكومة فقدت الصواب والإنسانية». وجاءت تصريحاته بعدما دافع نتنياهو عن خطته للسيطرة على مدينة غزة واستهداف ما تبقى من معاقل حماس والتي أثارت انتقادات من أنحاء العالم. ورفضت إيطاليا الانضمام إلى صفوف بلدان أخرى أعلنت أنها ستعترف بدولة فلسطين. ودافع كروسيتو عن موقف بلاده بقوله إن «الاعتراف بدولة لا وجود لها يحمل خطر التحوّل إلى مجرّد استفزاز سياسي في عالم تقتله الاستفزازات».

سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
زيلينسكي يحذر من الخضوع لـ"مطالب بوتين" لإنهاء الحرب
وقال زيلينسكي في منشور على منصات التواصل "ترفض روسيا وقف القتل، ولذلك لا يجب أن تحصل على أي مكافآت أو منافع. هذا ليس موقفا أخلاقيا فحسب، بل عقلانيا. التنازلات لا تقنع قاتلا". ويلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في ولاية ألاسكا الأميركية، الجمعة المقبل في محاولة لوضع حد للحرب المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات، رغم صدور مواقف أوكرانية وأوروبية تحذر من استبعاد كييف من المفاوضات. وفي حين رحب الزعماء بمبادرة ترامب"للمساعدة في إنهاء هذه الحرب"، أكدوا أيضا على ضرورة مشاركة أوكرانيا وأوروبا في المحادثات. وأضافوا "يجب أن يتمتع شعب أوكرانيا بحرية تقرير مستقبله. لا يمكن رسم طريق السلام من دون صوت أوكرانيا". وشدد زعماء دول شمال أوروبا ودول البلطيق على أن "لا قرارات بشأن أوكرانيا من دون أوكرانيا، ولا قرارات بشأن أوروبا من دون أوروبا".