logo
توافق بين اليابان وأميركا على محادثات بناءة بشأن التعريفات الجمركية

توافق بين اليابان وأميركا على محادثات بناءة بشأن التعريفات الجمركية

الشرق الأوسطمنذ 13 ساعات

قال رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا، يوم الجمعة، إنه أجرى اتصالاً هاتفياً استمرَّ 45 دقيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، واتفقا على إجراء مناقشات «بنّاءة» في المحادثات المقبلة بشأن التعريفات الجمركية بين الجانبين.
وصرَّح إيشيبا، للصحافيين، بأن الجانبين عبَّرا عن أملهما في عقد لقاء شخصي خلال قمة قادة مجموعة السبع المقررة الشهر المقبل، مؤكداً أنه يطمح إلى «الاستثمار، لا الرسوم الجمركية». وأضاف أن موقف اليابان لمواصلة الضغط على واشنطن لإسقاط جميع إجراءات الرسوم الجمركية الأخيرة لا يتغيَّر، وأنه يؤيد خطط ضخ الاستثمارات اليابانية لتوفير مزيد من فرص العمل في أميركا مقابل ذلك.
وكان الزعيمان قد أجريا محادثات مباشرة بعد أن توجَّه وزير الإنعاش الاقتصادي ريوسي أكازاوا، كبير مفاوضي الرسوم الجمركية الياباني، إلى واشنطن لعقد جولة ثالثة من المحادثات مع الجانب الأميركي. وفي جولات سابقة من المحادثات، لم توافق أميركا على الطلبات اليابانية.
وذكر إيشيبا أنه ذكَّر ترمب بأن موقف اليابان هو أن تلغي الإدارة الأميركية جميع الرسوم الجمركية الأخيرة على الواردات من اليابان، وهو ما لم يقدِّم الرئيس الأميركي أي رد محدد عليه. وقال إيشيبا للصحافيين: «لقد أعربت عن توقعاتي لإجراء نقاش بنّاء واتفقنا».
وفي غضون ذلك، أظهرت بيانات يوم الجمعة أن التضخم الأساسي في اليابان سجِّل 3.5 في المائة في أبريل (نيسان) في أسرع وتيرة على أساس سنوي منذ أكثر من عامين، مما يضغط على البنك المركزي لمواصلة رفع أسعار الفائدة.
وتسلط البيانات الضوء على معضلة «بنك اليابان» لتحقيق توازن بين ضغوط الأسعار الناجمة عن التضخم المستمر في أسعار المواد الغذائية، وبين الرياح المعاكسة التي تضغط على النمو إثر الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وسجَّل مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي يشمل أسعار النفط لكنه يستثني أسعار المواد الغذائية الطازجة، ارتفاعاً بلغ 3.5 في المائة في أبريل على أساس سنوي، متجاوزاً توقعات السوق بزيادة قدرها 3.4 في المائة، وبعد زيادة بلغت 3.2 في المائة في مارس (آذار).
وكانت هذه أسرع وتيرة زيادة سنوية للمؤشر منذ ارتفاعه 4.2 في المائة في يناير (كانون الثاني) 2023، وليظل فوق المستوى المستهدف من البنك المركزي عند 2 في المائة لأكثر من 3 سنوات.
وأنهى بنك اليابان المركزي العام الماضي برنامجاً تحفيزياً ضخماً استمرَّ عقداً، ورفع في يناير الماضي أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى 0.5 في المائة، استناداً لتوقعات بأن البلاد تقترب من الوصول بالتضخم للمستهدف بشكل مستدام.
ورغم أن البنك المركزي أبدى استعداده لرفع الفائدة مرة أخرى، فإن التداعيات الاقتصادية لرسوم ترمب الجمركية عقَّدت القرارات المتعلقة بتوقيت الزيادة التالية في أسعار الفائدة.
وفي الأسواق، ارتفع المؤشر «نيكي»، يوم الجمعة، بدعم من انخفاض عوائد سندات الخزانة الأميركية وتراجع الين، لكنه اتجه لخسارة أسبوعية.
وصعد «نيكي» 0.5 في المائة ليقلص خسائر استمرَّت 5 أيام انخفض خلالها 1.6 في المائة ليسجِّل أول تراجع أسبوعي في أكثر من شهر. وربح المؤشر «توبكس»، الأوسع نطاقاً 0.7 في المائة ليسجِّل 2739.13 نقطة، لكنه أغلق الأسبوع على انخفاض 0.9 في المائة.
وقال شوتارو ياسودا، محلل السوق في مختبر «توكاي طوكيو للذكاء الاصطناعي»: «توقف ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية مما عزَّز الإقبال على الأسهم اليابانية». وأضاف: «لكن المؤشر بحاجة إلى بعض المحفزات الجديدة كي يرتفع إلى مستويات أعلى في الأسبوع المقبل وما بعده».
وانخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية، خلال الليل، بعد أن جذبت عمليات البيع الأخيرة بعض المشترين، ووصلت عوائد السندات لأجل 30 عاماً إلى أعلى مستوى لها في 19 شهراً في وقت سابق من الجلسة.
وارتفع الدولار بعد خسائر مُني بها أخيراً؛ مما دفع الين إلى الانخفاض 0.4 في المائة إلى 143.47 ين، عقب صعوده لفترة وجيزة إلى 142.8 ين خلال الليل.
واستعاد المؤشر «نيكي» خسائره بالكامل منذ إعلان ترمب عن الرسوم الجمركية في الثاني من أبريل، وقفز 25 في المائة من أدنى مستوى له في السابع من أبريل ليبلغ ذروة قياسية في 13 مايو (أيار) الحالي.
وقال تاكورو هاياشي، رئيس قسم أبحاث الاستثمار في «إيواي كوزمو للأوراق المالية»: «أصبح المستثمرون حذرين إزاء المكاسب الكبيرة وباعوا الأسهم، لكنهم اشتروا منها يوم الجمعة؛ لأنهم شعروا بالارتياح عندما وصل المؤشر نيكي لأعلى مستوى له».
وارتفعت كل مؤشرات القطاعات الفرعية في بورصة طوكيو، البالغ عددها 33، باستثناء 7، مع زيادة قطاع المعادن غير الحديدية 3.5 في المائة ليسجِّل أفضل أداء بين القطاعات الفرعية. وصعدت أسهم شركات تصنيع الكابلات، وهي مقياس لاستثمارات الذكاء الاصطناعي، مع ارتفاع سهم «فوجيكورا» 4.9 في المائة، وسهم «فوروكاوا إلكتريك» 4.5 في المائة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أسعار النفط تصعد وسط ترقب لمصير المفاوضات الأميركية الإيرانية
أسعار النفط تصعد وسط ترقب لمصير المفاوضات الأميركية الإيرانية

الشرق للأعمال

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق للأعمال

أسعار النفط تصعد وسط ترقب لمصير المفاوضات الأميركية الإيرانية

ارتفعت أسعار النفط بشكل طفيف يوم الجمعة في تعاملات ضعيفة قبل العطلة، وسط تراجع آمال التجار في التوصل إلى اتفاق نووي بين واشنطن وطهران، في حين عزّزت بيانات اقتصادية أميركية قوية توقعات الطلب الهشة. صعد سعر خام غرب تكساس الوسيط 0.5%، لتتم تسويته فوق مستوى 61 دولاراً للبرميل، وسط انخفاض ملحوظ في أحجام التداول قبل عطلة "يوم الذكرى" يوم الاثنين. وارتفع سعر خام برنت تسليم يوليو بنسبة 0.5% لتتم تسويته عند 64.78 دولار. جولة خامسة دون نتائج حاسمة أنهت الولايات المتحدة وإيران الجولة الخامسة من المحادثات النووية في روما، والتي أحرزت "بعض التقدم، ولكن دون نتائج حاسمة"، بحسب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. وقد يؤدي أي تطور سلبي في المفاوضات، والتي أثارت انتقادات العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين، إلى فرض عقوبات أكثر صرامة وتراجع الإمدادات من الدولة العضو في "أوبك". في الوقت ذاته، ساعدت بيانات اقتصادية أميركية قوية على تعويض هبوط بلغ حوالي 2% في وقت سابق من الجلسة، بعد أن قال الرئيس دونالد ترمب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي إن "الاتحاد الأوروبي كان صعباً للغاية في التفاوض"، ملوحاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات التكتل بدءاً من 1 يونيو. تراجع الدولار انخفض الدولار الأميركي إلى أدنى مستوياته منذ 2023، ما جعل السلع المقومة بالدولار، مثل النفط، أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب. تطورات جيوسياسية تربك الأسواق شكّلت التطورات الجيوسياسية محور اهتمام المتداولين هذا الأسبوع، إذ أفادت شبكة "سي إن إن" بأن معلومات استخباراتية أميركية تشير إلى أن إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، لترتفع أسعار النفطلفترة وجيزة في وقت سابق من الأسبوع. في أعقاب ذلك، صرّح كبير المفاوضين الإيرانيين في المحادثات مع الولايات المتحدة، عباس عراقجي، بأن التوصّل إلى اتفاق لا يزال ممكناً، شريطة أن تتجنب طهران امتلاك أسلحة نووية، من دون التخلي عن تخصيب اليورانيوم. ضغوط العرض رغم التعافي الأخير، لا تزال التوقعات متشائمة حيال أسعار النفط. فقد انخفضت الأسعار بنحو 14% منذ بداية العام، مسجلة أدنى مستوياتها منذ 2021 الشهر الماضي، مع تخفيف تحالف "أوبك+" قيود الإمدادات بوتيرة أسرع من المتوقع، في وقت تؤثر فيه الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة على الطلب العالمي. استعادت الأسعار بعض قوتها مع تراجع التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لكن البيانات هذا الأسبوع أظهرت زيادة أخرى في مخزونات الخام التجارية الأميركية، مما يزيد من المخاوف بشأن وفرة المعروض. قال ينز نيرفيغ بيدرسن، المحلل الاستراتيجي في "دانسكي بنك": "عادت المعنويات السلبية إلى سوق النفط هذا الأسبوع. في حين يشكل احتمال زيادة الإنتاج من قبل (أوبك+) مصدر قلق رئيسياً، فإن التقدم في المحادثات النووية مع إيران، وما قد يترتب عليه من تخفيف للعقوبات، إلى جانب تعثّر المفاوضات التجارية، كلها عوامل تضغط على السوق". ومن المقرر أن تعقد ثماني دول من "أوبك+"، من بينها زعيمة التحالف السعودية، اجتماعاً افتراضياً في الأول من يونيو لتحديد مستويات الإمدادات لشهر يوليو. وأظهر استطلاع أجرته "بلومبرغ" أن معظم المحللين والتجار يتوقعون زيادة أخرى في الإنتاج. وفي سياق موازٍ، قال مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، إنه سيكون من المناسب خفض سقف أسعار النفط الروسي إلى 50 دولاراً للبرميل، بدلاً من المستوى الحالي البالغ 60 دولاراً، مشيراً إلى أن السقف الحالي لا يؤثر فعلياً على موسكو نظراً لانخفاض أسعار السوق.

جايشانكار وزير خارجية الهند المحنّك يحظى بثقة مطلقة من الرئيس مودي
جايشانكار وزير خارجية الهند المحنّك يحظى بثقة مطلقة من الرئيس مودي

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

جايشانكار وزير خارجية الهند المحنّك يحظى بثقة مطلقة من الرئيس مودي

من المكاتب الخلفية إلى المكتب الرفيع، كان «الولد المدلل» لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، وأصبحت له السيطرة السياسية على الشؤون الخارجية للهند. الكلام هنا عن سوبرامانيام (إس) جايشانكار، وزير الخارجية الهندي، الذي يجمع بين الانضباط الأكاديمي والخبرة الميدانية الواسعة والرؤية المستقبلية لمواجهة تحديات السياسة الخارجية لأكبر دول العالم من حيث عدد السكان؛ الأمر الذي يجعله شخصية محورية على الساحة الدبلوماسية الدولية المعاصرة. ولقد بنى جايشانكار سمعته، عبر مسيرته الطويلة في العمل الدبلوماسي، على كونه شخصية تتجنب المظاهر البروتوكولية الزائدة، وتفضّل الدخول مباشرة في صلب القضايا. قبل أن يتولى سوبرامانيام جايشانكار منصب وزير الخارجية في الهند، كان واحداً من أبرز الدبلوماسيين على المستويين الوطني والدولي؛ إذ يشهد له متابعو مسيرته بالمهارة الدبلوماسية الرفيعة، والتكتيكات التفاوضية الحازمة، والرؤية الاستراتيجية الحصيفة. انطلقت مسيرة الرجل في معترك العمل السياسي عام 1977، عندما انضم إلى وزارة الخارجية الهندية. وعلى مدى ما يقرب من أربعة عقود، أُسندت إليه مناصب مهمة، منها: المفوض السامي في سنغافورة، والسفير لدى جمهورية التشيك، والصين، والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية. وعلاوة على ذلك، اضطلع بدور بارز في التفاوض على الاتفاق النووي المدني الطموح بين الهند والولايات المتحدة. وقبل يومين فقط من موعد تقاعد جايشانكار سفيراً عام 2015، اتُخذ قرار تعيينه أميناً عاماً لوزارة الخارجية، وبعد مرور أربع سنوات، أصبح وزيراً للخارجية. الحقيقة أنه، إبان فترة عمله في منصب أمين عام الوزارة بين 2015 و2018، كان يُنظر إليه باعتباره «الرجل الموثوق» عند رئيس الحكومة ناريندرا مودي، والمسؤول الأول عن إدارة الأزمات. وبالمناسبة، عُيّن وزيراً للخارجية في يناير (كانون الثاني) 2015 في ظل ظروف استثنائية، وذلك بعدما أقال مودي وزير الخارجية السابق قبل أيام فقط من تقاعد جايشانكار، كي يحصل الأخير على المنصب. وبالطبع، عكست هذه الخطوة ثقة مودي الكبيرة في جايشانكار؛ الأمر الذي انعكس على قرار منحه تمديد فترة عمله بعد انتهاء خدمته في يناير 2017. ومن ناحية أخرى، حرص مودي، ولا يزال، على أن يرافقه جايشانكار في معظم رحلاته الخارجية قبل تقاعده. ما يستحق الذكر بالنسبة لقائد الدبلوماسية الهندية، أنه بعد التقاعد، عمل في القطاع الخاص؛ إذ انضم إلى مجموعة «تاتا»، حيث تولى منصب رئيس الشؤون العالمية للشركة العملاقة. وكان جايشانكار قد قال ذات يوم: «أن أصبح أميناً عاماً لوزارة الخارجية كان أقصى طموحي. إذ لم أكن أحلم قط بأن أُصبح وزيراً. ولا أعتقد أن أي رئيس وزراء غير ناريندرا مودي كان سيجعلني وزيراً. وأحياناً أسأل نفسي: لو لم يكن هو رئيس الوزراء، هل كنت سأملك الشجاعة لاقتحام عالم السياسة؟... لا أدري». بدأ كل شيء في العاصمة الصينية بكين. إذ كان ناريندرا مودي، حينذاك، يشغل منصب رئيس وزراء ولاية غُجرات، وزار الصين عام 2011 للترويج لولايته باعتبارها وجهة جذابة للاستثمارات الصينية. أما جايشانكار، فكان بصفته سفير الهند لدى الصين في ذلك الوقت، مُكلَّفاً تسهيل الاجتماعات مع قادة الحزب الشيوعي الصيني ومسؤوليه، والشركات، وحتى الطلاب الهنود هناك. تلك الزيارة شكَّلت «نقطة الانطلاق» لعلاقة شراكة وثيقة قائمة على الاحترام المتبادل بين مودي وجايشانكار، وهي شراكة أعادت تشكيل الجغرافيا السياسية للهند، بل والعالم. ما حصل بعد ذلك يرويه جايشانكار بنفسه، واصفاً صعود السلّم، بعد اللقاء الأول. ومما يقوله وزير الخارجية عن ظروف إسناد المنصب إليه: «كانت حالتي شديدة الخصوصية. إذ إنني صرت وزيراً للخارجية مع أنني لم أكن في حينه نائباً في البرلمان، بل والأهم من ذلك، لم أكن عضواً في أي حزب سياسي. نعم... في يوم أدائي اليمين لتولي منصب الوزير، لم أكن عضواً في (حزب بهاراتيا جاناتا)». وُلد إس. جايشانكار يوم 9 يناير (كانون الثاني) 1955 في نيودلهي لوالديه ك. سوبرامانيام وسولوكانا جايشانكار. وتلقى تعليمه في «مدرسة القوات الجوية» بنيودلهي، ثم «مدرسة بنغالور العسكرية». ومن ثم، نال درجة البكالوريوس في الكيمياء، من كلية سانت ستيفن في دلهي، بالإضافة إلى درجة الماجستير في العلوم السياسية، كما نال درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة جواهر لال نهرو في دلهي. هذا، ويجيد جايشانكار لغات عدة، منها الروسية، والإنجليزية، والتاميلية، والهندية، واليابانية والصينية، إلى جانب إتقان محدود للغة المجرية. وتقديراً لمساهماته في مجال الدبلوماسية الهندية ودوره الريادي في إعادة هيكلة الحوار العالمي للهند، منحته الحكومة الهندية وسام «بادما شري»، الذي هو رابع أعلى وسام مدني في البلاد، عام 2019. ومن جهة ثانية، ألّف جايشانكار كتباً نالت استحساناً واسعاً وحققت مبيعات كبيرة، مثل «الطريق الهندية: استراتيجيات التعامل مع عالم يعتمل بالشكوك»، الذي نُشر عام 2020، و«سر أهمية بهارات (أي الهند)» المنشور عام 2024. من جانب آخر، غالباً ما يبرز اسم جايشانكار في عناوين الأخبار. فقد أطلق تصريحات قوية بوجه المنتقدين والمعارضين في مناسبات عديدة، أبرزها أثناء «منتدى غلوبسيك 2022» GLOBSEC 2022 في براتيسلافا، عاصمة سلوفاكيا، حين قال متهكماً على أوروبا: «على أوروبا أن تتخلص من فكرة أن مشكلاتها هي مشكلات العالم، في حين أن مشكلات العالم ليست مشكلاتها». وقبل فترة قصيرة، بعد هجوم إرهابي في بَهالغام، ورداً على نصح الدول الغربية الهند بضبط النفس، وجَّه جايشانكار نقداً مبطناً للغرب، لمّح فيه إلى أن الغرب «يعاني صعوبة في التكيّف مع النظام العالمي المتعدد الأقطاب». وأضاف أن الهند «تبحث عن شركاء، وليس عن وعّاظ، وخصوصاً أولئك من يعظون في الخارج، بينما لا يطبّقون القيم نفسها في الداخل. إن بعض الدول الأوروبية لا تزال تواجه هذه المشكلة». أيضاً، يبدو واضحاً أن الدبلوماسية تجري في عروق جايشانكار، فهو ابن أحد رموز الخدمة العامة في الهند، وكان من أبرز المدافعين عن «حق الهند في امتلاك أسلحة نووية». وكثيراً ما يذكر جايشانكار تجربة خطيرة تعرَّض لها عندما كان ضابطاً شاباً، وتولى مسؤولية معالجة أزمة اختطاف طائرة، ليتبيّن له أن والده كان من بين الركاب المختطفين. وقع ذلك الحادث يوم 24 أغسطس (آب) 1984؛ إذ اختُطفت طائرة الرحلة 421 التابعة للخطوط الجوية الهندية وحوّل مسارها إلى لاهور ثم كراتشي، في باكستان، وأخيراً إلى دبي. ولقد كان والده، المصاب بالسكري، في حاجة ماسة إلى حقن الإنسولين. واستدعى الخاطفون والده إلى قُمرة القيادة، وأخبروه أن الاختيار وقع عليه ليكون أول من يُقتل في حال رفض تنفيذ مطالبهم، وطلبوا منه نقل الرسالة إلى المفاوضين عبر الراديو. غير أن الوضع لم يتدهور، بل نجحت المفاوضات، وجرى إنقاذ جميع الركاب بعد أزمة استمرت 36 ساعة. آشلي تيليس، الباحث البارز والعضو الرفيع في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» وهو أحد أصدقاء جايشانكار القدامى، يقول عنه: «إنه ذكي بشكل لا يُصدق، ولديه قدرة فريدة على قراءة المواقف بدقة، واكتشاف الفرص التي تعزّز مصالح الهند. ثم إنه يتمتع بحس فكاهي رائع يجعل التعامل معه مرحاً حتى في أحلك الظروف». في المقابل، وصفه ريتشارد فيرما، السفير الأميركي السابق لدى الهند، بأنه «مفاوض صلب، لكنه منصف للغاية، ويعرف كيف يُنجز الاتفاقات. كما أنه يعي جيداً علاقة الولايات المتحدة والهند، وقضايا الهند مع الصين أفضل من أي شخص آخر». تزوّج جايشانكار مرتين. وكانت زوجته الأولى زميلته في الجامعة، شوبا، لكنها توفيت بعد معاناة مع مرض السرطان في وقت مبكر من حياتها. وفي الفترة بين عامي 1996 و2000، حين عُيّن جايشانكار نائباً لرئيس البعثة بالسفارة الهندية في العاصمة اليابانية طوكيو، التقى المرأة التي غدت زوجته الحالية، كيوكو سوميكاوا، وهي يابانية الجنسية. ورزق الزوجان بثلاثة أولاد، هم: ميدها جايشانكار، ودهروفا جايشانكار، وأرجون جايشانكار. سياسياً، استطاع جايشانكار خلال السنوات الست الماضية، أن يرسّخ مكانته باعتباره صوتاً واضحاً يُعبّر عن مواقف الحكومة الهندية، حيال طيف واسع من القضايا العالمية المعقدة، وسط تحدّيات جيوسياسية متسارعة. فمن مواجهة الانتقادات الغربية لاستيراد نيودلهي للنفط الخام من موسكو عقب الحرب في أوكرانيا، إلى صياغة نهج سياسي حازم تجاه الصين الصاعدة، ظهر جايشانكار كأحد أكثر الساسة الهنود أداءً وتأثيراً. وإليه يُنسب الفضل في إدخال السياسة الخارجية إلى قلب الخطاب العام المحلي، خاصة إبّان ترؤس الهند لـ«مجموعة العشرين». كذلك اشتُهر جايشانكار، منذ شغله منصب وزير الخارجية، بتبني سياسة حازمة تجاه الصين. وساهم في تحديد موقف الهند الرافض لمبادرة «الحزام والطريق»؛ ما أدى إلى مقاطعة نيودلهي القمة الرئيسة للمبادرة في بكين. أيضاً، تعامل جايشانكار مع «أزمة دوكلام» بين الهند والصين عام 2017، التي كانت من أصعب التحديات خلال مسيرته. وفي حينه استمرت المواجهة 73 يوماً، وكادت أن تؤدي إلى حرب بين الجانبين في ولاية أروناشال براديش. أما في صراع عام 2020 بين الهند والصين، فقد كانت الأمور مختلفة. إذ أُوكل إلى جايشانكار ووزارته مهمة التفاوض للخروج من الأزمة غير المسبوقة، وكان الصبر الدبلوماسي مفتاح الحل. وسرعان ما تبنت الهند مفهوم «فك الارتباط عن الصين»، ففرضت قيوداً على الاستثمارات الصينية، ومنعت بكين من الوصول إلى بيانات المواطنين الهنود. الصين يصفها الوزير الهندي بأنها «جار استثنائي»، ويضيف: «الصين جار غير تقليدي. لدينا الكثير من الجيران، لكن الصين قد تصبح قوة عالمية أو قوة عظمى. والعيش بجوار قوة عظمى يحمل تحدياته الخاصة. وبالتأكيد، ثمة وسائل سياسية واقتصادية وتكنولوجية لإدارة العلاقة مع الصين». في المقابل، بعد عودة ترمب إلى السلطة في واشنطن، يكمن التحدي المباشر الذي يواجه جايشانكار في التعامل مع النزاع التجاري مع الولايات المتحدة، خاصة أن واشنطن تعدّ لإنهاء المعاملة التجارية التفضيلية للهند. وسيتوجب عليه، بالتالي، إيجاد توازن بين احتياجات الهند في مجال أمن الطاقة وعلاقاتها مع واشنطن، فيما يخص شراء النفط من إيران الخاضعة للعقوبات. في أي حال، يرى محللون سياسيون أن أهم مواهب جايشانكار تكمن في قدرته الفريدة على إيجاد نقاط التقاء بين رؤى متعارضة. إذ رغم خلاف نيودلهي وواشنطن حيال روسيا والحرب في أوكرانيا، فإنهما تعملان معاً لرسم مستقبل مشترك باعتبارهما شريكتين في التكنولوجيا. وبالفعل حافظت الهند على علاقتها مع روسيا واستمرت في شراء النفط منها، رغم الضغوط الغربية.أيضاً، منذ عام 2019، ركّز جايشانكار على بناء علاقات مع قوى متعددة ومتنوعة مثل الاتحاد الأوروبي، بريطانيا، وأستراليا، وإندونيسيا ودول الخليج العربي. ويُنظر إلى بناء الشراكات المستقرة باعتباره لا يقل أهمية عن بناء سلاسل توريد مستقرة. ومن خلال التفاعل البنّاء مع عدة دول تسعى الهند إلى التصدي للتحديات العالمية - من التغير المناخي إلى التهديدات الأمنية - عبر العمل الجماعي المشترك.

المفاوضات الروسية ــ الأوكرانية تواجه مأزق اختلاف الأولويات
المفاوضات الروسية ــ الأوكرانية تواجه مأزق اختلاف الأولويات

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

المفاوضات الروسية ــ الأوكرانية تواجه مأزق اختلاف الأولويات

لم يتوقع أي طرف من الفاعلين الرئيسيين في الصراع الروسي الغربي، في أوكرانيا وحولها، اختراقات كبرى في جولة المفاوضات المباشرة الأولى من نوعها منذ ثلاث سنوات. إذ ذهبت الوفود إلى إسطنبول، تسبقها سجالات حادة حول مستوى التمثيل، وأجندة الحوار المنتظرة، وسقف التقدم الذي قد يسمح للبعض بالحديث عن نجاح محدود. ومع أن الضغط المباشر الذي مارسته إدارة الرئيس دونالد ترمب على الطرفين الروسي والأوكراني لعب دوراً حاسماً في انعقاد الجولة الخاطفة، لكنها لم تستمر سوى ساعتين. وأثمرت اتفاقاً محدوداً على تبادل الأسرى، وتفاهماً على العودة إلى طاولة المفاوضات بـ«ورقتي عمل»، يحدد كل طرف فيها رؤيته لآفاق السلام. بيد أن هذه النتيجة ليست كافية لإعلان انطلاق مسار السلام في أسوأ أزمة سياسية وعسكرية منذ الحرب العالمية الثانية، زلزت أوروبا ورمت بثقلها على العالم كله. لقد اتضح أن وعود الرئيس دونالد ترمب الانتخابية بوقف الحرب الأوكرانية في 24 ساعة، لم تكن خيالية فقط، بل عكست تجاهلاً مريعاً لأبعاد الصراع وتعقيداته الكثيرة. كذلك أظهر اللقاء المحدود مستوى التباعد، الذي خلقته الحرب خلال السنوات الثلاث الماضية بين الروس والأوكرانيين، ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على صعيدي البُعدين النفسي والإنساني أيضاً، لدرجة أن الوفدين اللذين يتقن كلاهما جيداً اللغة الروسية تكلما بالإنجليزية عبر مترجمين. ثم إن الأهم من ذلك برز مع اتضاح مستوى التباين في أولويات الطرفين، إذ مقابل «شروط بوتين» للوصول إلى تسوية شاملة ونهائية، التي وصفها الأوكرانيون بأنها «تعجيزية»، هدفها إحباط أي تقدم محتمل، أصرّ الجانب الأوكراني على التمسك بورقة الهدنة المؤقتة التي تحظى بدعم أوروبي كامل. بوتين كان قد أعلن قبل أسبوع أنه مستعد لمفاوضات «من دون شروط» رداً على طلب مُلِحّ من جانب قادة أوروبيين، وبدعم أميركي، بإعلان هدنة مؤقتة لمدة شهر، ولكن في الواقع جرت جولة المفاوضات بشروط وضعها بوتين بنفسه. فهو حدّد «الخطوط الحمراء» التي لا يمكن تجاوزها عند التطرق إلى أي حوار مباشر مع الأوكرانيين، أولها أنه لا كلام مسبقاً عن هدنة، وأي وقف لإطلاق النار يجب أن يكون نتيجة الحوار، وليس مقدمة له. أيضاً، بوتين اختار مكان وزمان عقد المفاوضات. وبالذات، في إسطنبول في القصر الرئاسي الذي استضاف المفاوضات قبل 3 سنوات، ليقول للأوكرانيين: رفضتم عروضاً سابقة هنا، والآن تعودون للمكان ذاته وأنتم أضعف ونحن أقوى. لكن شروط بوتين، التي يمكن وصفها بأنها تشكل «استراتيجية التفاوض» الروسية لا تقتصر على ذلك. إذ إن المفاوضات الحالية تنطلق من المكان نفسه الذي توقفت فيه المفاوضات في مارس (آذار) 2022، ولكن مع مراعاة التغيرات الميدانية التي وقعت خلال السنوات الثلاث الماضية. المغزى الواضح أنه لا مكان للكلام عن تراجع روسيا عن ضم 4 مقاطعات أوكرانية، فضلاً عن ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، والاحتمال التفاوضي قد يتعلق بالحدود الإدارية لهذه المقاطعات فقط، التي لا تسيطر عليها روسيا بشكل كامل عسكرياً. والمقصود أن هامش المناورة يراوح عند خطوط التماس الحالية، وتستحيل تماماً العودة إلى حدود عام 1991 عندما أعلنت أوكرانيا استقلالها بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي. الشرط الثاني الرئيسي لبوتين اتضح مع رفض أي وجود لأوروبا على طاولة الحوار. وتمسك وزير الخارجية برفض التكلم مع الأوروبيين الذين يواصلون «السعي إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بموسكو». وهذه العبارات أوضحتها لاحقاً الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عندما قالت إن موسكو ترفض بحزم مشاركة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا في المفاوضات، انطلاقاً من مواقف هذه العواصم في الدعم العسكري لكييف. هنا يقول مقرّبون من الكرملين إن بوتين يرفض أي مشاركة لأوروبا في جولات التفاوض، وإن عرضه للمفاوضات اقتصر على قبول رعاية تركية أميركية. طبعاً، يدرك الكرملين أن الحضور الأوروبي سيكون مطلوباً في مرحلة لاحقة عند التطرق إلى ملفات الأمن في أوروبا وقضايا التسلح في إطار اتفاقية سلام شاملة، لكن رفض المشاركة الأوروبية حالياً هدفه الضغط لتقليص الدعم العسكري لأوكرانيا، ورفض أفكار أوروبية حول هدنات مؤقتة يمكن استخدامها لتسريع عمليات التسليح وإعادة تأهيل الجيش الأوكراني. وأيضاً، رفض الحضور الأوروبي مرتبط بأهمية إفشال أي افكار قد تؤسس لاحقاً لطرح فكرة وجود قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا، وهو أمر ترفضه موسكو بشكل قاطع. الشرط الثالث المهم لبوتين هو ضمان موضوع حياد أوكرانيا المستقبلي، ورفض إعادة تسليح جيشها. وهنا يقول الرئيس الروسي إنه يريد وثيقة مكتوبة وموقعة بهذا الشأن. وهذا يتعارض مع المطالب الأوروبية بضمانات أمنية مستقبلية، ومع تعهدات أميركية بمواصلة حماية مصالح أوكرانيا. الخطاب التفاوضي الصارم للروس، الذي تجسد في الجلسة الخاطفة، بمطلب انسحاب القوات الأوكرانية من المناطق التي ضمّتها روسيا ولم تنجح لتاريخه في السيطرة عليها عسكرياً بالكامل، تعاملت معه أوكرانيا وأوروبا بأنه مطلب للاستسلام. وأصرّت على أولوية الهدنة المؤقتة لتمهيد الطريق لأي جولات تفاوضية حقيقية في المستقبل. الرئيس الروسي فاديمير بوتين (آ ب) لكن تباين الأولويات لم يظهر في الشقّ المتعلق بالعلاقة الروسية الأوكرانية، والرؤية المطروحة لشكل التسوية المحتملة فقط. بل ظهر أيضاً في آلية تعامل كل من موسكو وواشنطن مع ملف التسوية ومع أولويات الحوار الروسي الأميركي كله. واتضح هذا مع انطلاق جولة المفاوضات. ففي حين ركّز ترمب على أهمية عقد لقاء سريع «يدفع عملية السلام في أوكرانيا»، فضّل الكرملين التأكيد على ضرورة «إطلاق تحضيرات وإعداد دقيق لقمة شاملة تبحث كل الملفات المطروحة على الطاولة، وبينها الوضع في أوكرانيا». وجاء ردّ الكرملين سريعاً على دعوة ترمب لعقد لقاء عاجل مع بوتين. فأعرب الرئيس الأميركي عن قناعته بأن «العالم سيصبح أكثر أماناً خلال أسبوعين إلى 3 أسابيع» بمجرد ترتيب اللقاء المنتظر مع بوتين. لكن الكرملين رأى أن «مثل هذه اللقاءات يتطلب تحضيراً واسعاً وإعداداً دقيقاً»، وبدا أن التباين بين الطرفين ينحصر برؤية كل طرف للأهداف المتوخاة من القمة المنتظرة طويلاً. وفي حين ركّز ترمب على ملف أوكرانيا وقضايا الأمن، رأى الكرملين وجوب أن تكون القمة شاملة، وتناقش كل الملفات المطروحة على أجندة الطرفين. أكثر من ذلك، وجّهت موسكو رسالة مباشرة لترمب بأن حضوره الشخصي عملية التفاوض «ليس ضرورياً، بل قد يأتي بنتائج عكسية». وقلّل روديون ميروشنيك، سفير المهام الخاصة في الخارجية الروسية، من أهمية تدخل ترمب بشكل مباشر في ملف التسوية في أوكرانيا. وأوضح السفير المكلف بإدارة ملف «الانتهاكات وجرائم نظام كييف» أن موسكو «تثمن عالياً رغبة إدارة الرئيس الأميركي بحلّ الصراع في أوكرانيا سلمياً، لكننا نحتاج إلى تفاصيل ومناهج عملية وعمل دؤوب وجادّ، ونحن مستعدون لهذا العمل». كذلك علق على قول إنه «من دونه لن ينجح شيء»، بالتأكيد على أنه «يمكن إجراء المفاوضات ببساطة من دون مشاركة ترمب. ولم تكن مشاركة ترمب الشخصية متوقعة، طبعاً، لأن هذه مبادرة روسية. إنها مفاوضات عمل يجب أن تُشكّل موقفاً موحداً، وأن تجد خيارات تسوية، وتصنفها، وتضعها على الورق، وتبلوِر مشاريع. مثلما حدث مع جولة المفاوضات السابقة في 2022، عندما ظهرت وثيقة معيّنة وقّع عليها الطرفان بالأحرف الأولى. ولذا، فإن فريقي التفاوض حالياً مدعوان لإنجاز هذه المهمة». خلف هذا السجال، تظهر فكرة أميركية رفضها الروس بشدة. فواشنطن عملت لدفع «تسوية إلزامية» بطريقة ترمب، أي عبر ترتيب لقاء رئاسي أولاً، يجمع بوتين وترمب، ثم بوتين وترمب وزيلينسكي، ربما بحضور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ما يضع إطاراً تفاوضياً إلزامياً يسبق شروط الطرفين. لقاء من هذا النوع كان ليمنح دفعة جدية للجهود المبذولة، ويضع العملية التفاوضية على مسار لا رجعة فيه. لكن الكرملين فضّل التريث لحين اتضاح الملامح الأولية للعملية التفاوضية، بعد أن يقدم الجانبان الروسي والأوكراني رؤيتيهما لشكل الحوار وأولويات كل طرف فيه. أمر مهم هنا، أن بوتين لو ذهب فعلاً إلى إسطنبول، فسيذهب للقاء ترمب وإردوغان، وليس للجلوس على طاولة مفاوضات مع زيلينسكي. ولقد عكس تصريح وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي وصف كلام زيلينسكي عن ضرورة حضور بوتين اللقاء، أن مستوى الفهم الروسي للعلاقة مع الرئيس الأوكراني حالياً «مثير للشفقة». لذا، حرص ترمب بعد الجولة التفاوضية مباشرة على إجراء اتصال هاتفي حاسم مع بوتين. وسبق الاتصال تلميحات أميركية لتدابير محددة، بينها الموافقة على رزمة عقوبات قاسية اقترحها أعضاء في الكونغرس، من شأنها وضع قيود صارمة على الأطراف والبلدان التي ما زالت تنتهك العقوبات الحالية وتتعامل مع روسيا. وأيضاً لوّحت واشنطن بانسحاب أميركي من العملية التفاوضية إذا فشلت جهودها الحالية. هذا التطور دفع بوتين للموافقة على فكرة «الهدنة المؤقتة» بشروط محددة. على رأسها؛ إعداد مذكرة تفاهم توضح آليات الهدنة المقترحة، وطريقة التعامل مع الرقابة عليها. هذه المناورة وُصفت في كييف بأنها محاولة لكسب الوقت والمماطلة. لكن ترمب تمسك بها، ودعا الطرفين الروسي والأوكراني إلى بدء المفاوضات فوراً، ومن دون وسطاء، للتوصل إلى تفاهم في هذا الشأن. ولاحقاً، أعلن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أنّه يتوقع أن تعرض روسيا «خلال أيام» شروطها لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا، معتبراً أنّ هذه الخطوة ستسمح لواشنطن بتقييم مدى جدّية موسكو في سعيها للسلام. في المقابل، بدا الموقف الأوروبي أكثر تحفّظاً وتشكيكاً بنيّات موسكو. وأقرّ الاتحاد الأوروبي رسمياً الحزمة السابعة عشرة من العقوبات على موسكو، مستهدفاً 200 سفينة من أسطول «الشبح». وأيضاً هاجم كيريل دميترييف، رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي، والمفاوض الاقتصادي الرئيس مع واشنطن، هذا القرار بالقول: «يبذل السياسيون ووسائل الإعلام الغربية جهوداً جبارة لتعطيل الحوار البنّاء بين روسيا والولايات المتحدة». روبيو قال إن ترمب يعارض حالياً فرض عقوبات جديدة خشية امتناع روسيا عن المجيء إلى طاولة المفاوضات. وأبلغ مصدر مطلع «رويترز» أن ترمب اتصل بزعماء أوكرانيا وأوروبا إثر مكالمته مع بوتين وأخبرهم بأنه لا يريد فرض عقوبات الآن، بل إتاحة الوقت للمباحثات. تزامناً، أعلنت أوكرانيا أنها ستطلب من الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل بحث خطوات جديدة كبيرة لعزل موسكو، تشمل مصادرة أصول روسية وفرض عقوبات على بعض مشتري النفط الروسي. وستُقدم وثيقة أوكرانية إلى التكتل الذي يضم 27 دولة لاتخاذ موقف مستقل أكثر صرامةً بشأن فرض العقوبات في ظل الضبابية التي تكتنف دور واشنطن مستقبلاً. وستشمل الوثيقة المتضمنة 40 صفحة من التوصيات، دعوات لتبني تشريع «يسرِّع» مصادرة الاتحاد الأوروبي أصول الأفراد الخاضعين للعقوبات وإرسالها إلى أوكرانيا. ويمكن حينئذٍ للخاضعين للعقوبات المطالبة بتعويضات من روسيا. عموماً، تظهر تحركات اللاعبين الأساسيين مستوى التباين في الأهداف والآليات المقترحة لتسوية الصراع، وتؤكد صعوبة التوصل إلى تدابير سريعة لوقف الحرب وإطلاق عملية سياسية جادة. في غضون ذلك، بدا أن الاستعدادات الجارية لتسريع وتيرة المفاوضات وتقريب احتمال إعلان «هدنة مؤقتة» تمهد الطريق لمفاوضات السلام النهائية، تجري بالتزامن مع تصعيد الطرفين الروسي والأوكراني استعداداتهما لتصعيد ميداني في حال فشلت جهود التهدئة الحالية. كييف تزعم أن موسكو تواصل حشد آلاف الجنود على طول الحدود بالقرب من منطقتي سومي وخاركيف، مع توقع محاولة توغل واسعة في المنطقة. ووفق خبراء عسكريين، وضعت موسكو خططاً لإنشاء «منطقة عازلة» على طول الحدود مع المنطقتين اللتين شكَّلتا نقطة انطلاق مهمة للقوات الأوكرانية التي هاجمت كورسك ومناطق مجاورة ونجحت الصيف الماضي في السيطرة على أجزاء واسعة من المقاطعة الروسية، قبل نجاح الروس في طرد القوات الأوكرانية منها قبل أسابيع بعد معارك ضارية استمرت لأشهر. وتشير مصادر أوكرانية إلى أن بوتين قد يضع بين أهدافه، في حال انهارت جهود الهدنة، محاولة فرض سيطرة مطلقة على مدينة خاركيف، التي تقول السردية الروسية إنها بين أبرز «المدن الروسية» في أوكرانيا الحالية. وكان بوتين قد زار قبل يومين منطقة كورسك للمرة الأولى منذ إعادة فرض سيطرة الجيش الروسي عليها الشهر الماضي. والتقى حاكمها بالإنابة ألكسندر خينشتين، وممثلي منظمات تطوعية. ونقل بيان الكرملين عن خينشتين قوله إن «عملية لإزالة الألغام» تجري حالياً في منطقة كورسك، حيث «تُزال عشرات العبوات الناسفة يومياً». هذا، وبثّ الكرملين صوراً للقاء بين بوتين ومتطوعين، حول طاولة كبيرة وهم يتناولون الشاي والسكاكر. واقترح إنشاء متحف مخصص «للأحداث التي وقعت في منطقة كورسك خلال 2024 و2025 من أجل الحفاظ على ذكرى ما جرى هنا، وذكرى بطولة المدافعين عنا»، وهي فكرة حظيت بدعم بوتين. أيضاً، أعلن الرئيس الروسي خلال الزيارة خططاً لإعادة الإعمار في المنطقة. وتجول في محطة الطاقة النووية «كورسك 2» قرب المدينة، مذكّراً بـ«ذراع روسيا النووية الطويلة» إذا تعرض أمنها ووجودها لخطر أو تهديد. في المقابل، تقول مصادر روسية إن أوكرانيا تؤدي دورها بتحضيرات لتصعيد عسكري في حال فشل جهود التهدئة. ووفق تقارير، فإن كييف تواصل تجهيز أفواج من طائرات مسيَّرة حديثة لمهاجمة المدن الروسية. ويبدو أن الضغط العسكري من الجانبين يواكب مسار التحضير للمفاوضات، إذ تبادلت موسكو وكييف ضربات جوية خلال اليومين الماضيين، وشنّت مسيَّرات أوكرانية هجمات قوية على موسكو ومدن أخرى خلال الأيام الأخيرة، بينما تعرضت مدن أوكرانية لهجمات صاروخية ومدفعية مكثفة في الفترة نفسها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store