
الخطة "إف-47".. لماذا تأخرت المقاتلة الأميركية الأشرس على الإطلاق؟
"إن مستقبل أُمتنا مرهون للأبد بتطوير قوة جوية".
ويليام بيلي ميتشيل (1879-1936)، عسكري أميركي.
في مارس/آذار الماضي، وبعد سنوات من التخطيط والإعداد، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التعاقد مع عملاق صناعة الطائرات الشركة الأميركية "بوينغ" على تطوير وتصنيع طائرة مُقاتلة من الجيل السادس، وقد تقرر أن تُسمَّى باسم " إف -47″، تيمُّنا بكون ترامب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. "لم يرَ العالم شيئا قريبا منها، ولن يراها الأعداء أبدا قادمة"، بهذه الكلمات دشَّن الرئيس الأميركي عملية تصنيع الطائرة الجديدة، مُتمَنيا أن تنجح في الطيران بالفعل أثناء ولايته التي تنتهي يناير/كانون الثاني 2029.
تبلغ قيمة التعاقد من أجل إنتاج الطائرة "إف-47″ نحو 20 مليار دولار ولمدة خمس سنوات، وفور الإعلان ارتفعت القيمة السوقية لـ"بوينغ" نحو 4 مليارات دولار، خاصة أن الإعلان جاء بعد فترة عانت فيها "بوينغ" من عزوف المسؤولين في البنتاغون عن التعاون المُعتاد معها، وكذلك بالنظر إلى التنافس مع شركة " لوكهيد مارتن" (التي تُصنِّع الطائرة "إف-22")، كما صرَّح أندرو هانتر أحد مسؤولي قسم التسلح في سلاح الجو الأميركي سابقا.
إعلان
يمكن أن نُخمِّن سعر الطائرة الجديدة لو علمنا أن عدد الطائرات التي ستصنعها "بوينغ" 100 طائرة، ومن ثمَّ تبلغ تكلفة الطائرة الواحدة نحو 200 مليون دولار، وهو رقم يزيد قليلا على نصف تكلفة سابقتها "إف-22″، وضِعْف سعر "إف-35". لم يكن هذا التعاقُد ضمن خطط الإدارة السابقة، ولم تتضمَّنه ميزانية وزارة الدفاع لعام 2026، حسبما صرح وزير سلاح الجو السابق فرانك كِندال، حين أشار إلى وجود أولويات أخرى حالت دون إدراج الطائرة في خطط وزارته لهذا العام. هذا التغيير في الخطط من الإدارة الأميركية الجديدة قد يعكس اهتمام ترامب المتزايد بالاستثمار في الصناعات العسكرية.
تجربة سابقة غير مُبشِّرة
لفهم الحيرة حول المقاتلة الجديدة، يمكن أن نبدأ بالنظر إلى تجربة مُقاتلة الجيل الخامس "إف-22 راپتور"، التي لم تكن مُشجِّعة، ولاقت الكثير من الصعوبات، لا سيَّما ارتفاع التكلفة، لذلك فلا بد أن الإعلان الجديد يثير الكثير من التساؤلات. لقد توقَّف إنتاج المقاتلة "إف-22 راپتور" عام 2011، بعد مسيرة قصيرة، حيث إن أول طائرة دخلت الخدمة الفعلية حلَّقت عام 2005، وسِت سنوات تُعد مدة قليلة للغاية في عمر الطائرات الحربية، وأبرز الأمثلة على ذلك الطائرة القاذفة "بي-52″، التي لا تزال في الخدمة منذ الخمسينيات.
بدأت قصة "إف-22" في بداية الثمانينيات حينما كانت الولايات المتحدة تسعى لإبدال الطائرة "إف-15″، وأسندت عملية التصنيع إلى شركة "لوكهيد مارتن" عام 1997، وتسلم سلاح الجو الأميركي أولى الطائرات بعد خمس سنوات، ثم دخلت الطائرة الخدمة بعد ثلاث سنوات أخرى. طوال تلك الفترة خضع المشروع للتقليص المتكرر، المرة تلو المرة، وبينما كانت النيات الأصلية للبنتاغون شراء 750 طائرة، فإن العدد النهائي لم يتجاوز 200، وكان عدد الطائرات المُعدة للعمليات 187 طائرة فقط.
كان السبب الرئيسي لوقف إنتاج المقاتلة "إف-22" هو التكلفة الباهظة، خصوصا أن إدارة أوباما كانت تحاول خفض الإنفاق للتغلب على الأزمة المالية العالمية وقتها. وقد جاء ذلك بعد إنفاق تكلفة إجمالية وصلت إلى 70 مليار دولار، مما يجعل تكلفة كل طائرة توازي 369 مليون دولار، كما أن تكلفة ساعة الطيران كانت تبلغ نحو 85 ألف دولار، أي أكثر من ضِعْف تكلفة المقاتلة "إف-35".
لذلك، تقرَّر التخلي عن الطائرة عام 2011، وغاب التفكير عن التهديدات الجوية المباشرة في واشنطن حينها، ولم تكن ثمَّة حاجة مُلِحة إلى أسطول كبير من طائرات التفوُّق الجوي، لأنها مُخصَّصة بالأساس لمعارك جو-جو، ولم يكُن أعداء واشنطن يُشكِّلون خطرا على هذا الصعيد بالدرجة نفسها، على الأقل أولئك الذي انخرطت واشنطن بالفعل في عمليات عسكرية معهم في ظل هيمنة حروب المدن والحروب شبه النظامية.
لا يزال قرار التخلي عن "إف-22" محل جدل حتى اليوم، خاصة مع تقادم الأجيال الأقدم من الطائرات، الذي يجعل الولايات المتحدة تعاني نقصا في قواتها الجوية. ويرى محللون أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ فادحا بإيقاف الطائرة، وأن القوات الجوية ربما ضلَّلت الكونغرس، وربما تسبَّب ذلك بفجوة في تطوير طائرات التفوُّق الجوي، نتيجة المدى الزمني الطويل بين وقف إنتاج طائرة، وإمكانية التخطيط لبديل لها.
طائرات التفوُّق الجوي
إن مهمة مقاتلة التفوُّق الجوي من وجهة نظر الإستراتيجية الأميركية هي أن تضمن سريان العمليات العسكرية دون التعرض للإعاقة من جانب الطيران المُعادي، ويتضمن ذلك بالطبع القدرة على اقتحام المجالات الجوية للأعداء دون خطورة، وتجاوز دفاعاتها الجوية أيضا.
ومنذ الحرب العالمية الثانية ، تُعد مسألة التفوُّق الجوي حيوية في الحروب، وثمَّة أمثلة تاريخية على أهميتها، منها الإنزال الشهير لقوات الحلفاء في شاطئ نورماندي أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث قال أيزنهاور حينها: "إن غزو نورماندي اعتمد بشدة على الثقة في أن القوات الجوية كانت قادرة على تطهير السماء من طيران العدو، والتدخُّل في المعركة البرية، ولولا ذلك لكان الغزو حماقة أو حتى جريمة".
لذلك فإن العمل على "إف-47" يظل مركزيا بالنسبة للجيش الأميركي، وكانت إرهاصاته الأولى عام 2009، حين صرَّح مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى بأن الولايات المتحدة ستبدأ في العمل على الجيل السادس لطائرات التفوُّق الجوي، أما البداية الفعلية فكانت عام 2014، بدراسة أعدّتها وكالة أبحاث المشاريع الدفاعية المتقدمة "دارپا" (DARPA) حول خيارات "التفوُّق الجوي عام 2030″، و"دارپا" هي الشركة الرائدة في تطوير التكنولوجيا العسكرية الأميركية، وهي "وكالة تُشكل العالم" كما وصفتها مجلة "نيوزويك".
وقد نُشِرَت هذه الدراسة في مايو/أيار 2016، وتضمَّنت أطروحة جديدة في مجال التفوُّق الجوي، لا تستند فقط إلى طائرة مقاتلة، لكن "منظومة من الأنظمة" الغرض منها تطوير مجموعة تقنيات مُتقدِّمة تعمل معا.
ومقاربة "منظومة الأنظمة" تعني تطوير مجموعة من التقنيات تعمل كلٌّ منها على حِدَة، على أن تُدمَج لاحقا في مشروع التفوُّق الجوي، لكنها تقنيات يمكن أن تُستَخدَم أيضا في أي نطاق آخر لأنها تتمتَّع بتطوير مستقل وليست مخصصة بالذات للمقاتلة التي تمثل الجانب المركزي في التفوُّق الجوي. استنادا إلى الظروف التي تعمل فيها القوات الجوية في ثلاثينيات القرن الحالي، أشارت الدراسة إلى أن الفجوة بين الولايات المتحدة وبين خصومها تضيق، ومن المتوقع أن يزيد معدل التقدم لدى الخصوم بشكل يهدد السيادة الجوية للولايات المتحدة، ومن ثمَّ ستختلف بيئة العمليات العسكرية عما كان سائدا من قبل، ويمكن القول إن تلك الدراسة عكست وعيا مبكرا بالتهديدات المتوقعة.
انبثق عن تلك الأبحاث مبادرة "الجيل القادم للتفوُّق الجوي" (NGAD)، وقد تبنَّى ذلك المشروع أطروحة "منظومة الأنظمة" أساسا لعمله، واضعا في الاعتبار أن صناعة طائرة جديدة تظل الجزء الجوهري من المشروع. وفي عام 2015، أطلق فرانك كِندال مبادرة الابتكار في مجال الطيران بإشراف من "دارپا" لتطوير نماذج أولية للطائرة. وتشير تقارير عدة إلى أن سلاح الجو أجرى استعراضا للطائرة "إكس"، أو النموذج الأول لمقاتلة الجيل السادس منذ خمس سنوات، ثم أعلنت القوات الجوية عام 2022 أن التقنيات المتقدمة التي تُشكل برنامج "NGAD" باتت جاهزة للتنفيذ.
كارثة التكلفة
كان من المنتظر أن يُعلَن عن الطائرة الجديدة عام 2024، لكن كِندال علَّق العمل على الطائرة فجأة في مايو/أيار من العام نفسه، رغم استمرار العمل على بقية التقنيات الأخرى، وقيل وقتها إن تعليق العمل جاء "للتحقُّق من أن الولايات المتحدة تتخذ القرار الصحيح فيما يتعلق بمستقبل التفوُّق الجوي". لذلك، لم يُضمِّن سلاح الجو الأميركي الطائرة في ميزانيته للعام 2026، وأشار كِندال إلى ذلك قائلا: "ببساطة، لم يكن لدينا المال"، كاشفا عن السبب الحقيقي لإيقاف العمل على المقاتلة.
ولكن تأخُّر التقنيات، التي لم تكن قد بلغت بعد قدرا من التقدُّم يضمن استخدامها، يبقى سببا آخر لما جرى. إن مسألة التكلفة والكفاءة الاقتصادية مهمة، حيث إن ارتفاع تكلفة المقاتلة يجعل إنتاجها بكثافة مسألة صعبة، ومن ثمَّ يجعل القدرة على تعويضها في المعارك الكبرى تحديا كبيرا.
بخلاف "إف-22" التي لم يُسمَح بتصديرها، وكانت حِكرا على سلاح الجو الأميركي، قال ترامب إن حلفاء الولايات المتحدة سيهتمون بشراء المقاتلة الجديدة، وإن هناك نسخا منها مُعدَّة للتصدير، وإن كانت قدراتها التقنية محدودة مقارنة بتلك التي ستُخصَّص للقوات الجوية الأميركية، وذلك لحماية التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة فيها.
في هذا السياق، شكك الجنرال كِندال في إمكانية أن يُقبِل حلفاء الولايات المتحدة على المقاتلة المنتظرة بسبب كُلفتها الهائلة وكونها نُسخة أقل من حيث الإمكانيات في الوقت نفسه.
ما معنى مقاتلة من الجيل السادس؟
من النماذج الأولية، تبدو الطائرة بجناحين على شكل دلتا (∆) بدون ذيل وبدون جناح خلفي أفقي، وهي سمات ضرورية للتخفي حتى لا ينعكس الإشعاع الصادر من الرادار على جوانب الطائرة، وبدت واضحة في تطور المقاتلات الحربية من الجيل الأول إلى الخامس.
في هذا السياق، تشير تقارير غير مؤكدة إلى أن الطائرة ستحظى بتقنية جديدة تسمى "العباءة الحرارية"، وهي مجموعة من المواد الجديدة لتغطية جسم الطائرة، وتستطيع أن تقلل الانبعاثات الحرارية والصوتية الناتجة عنها، مما يتيح تجاوز الرادارات الحرارية.
لربما تحتوي المقاتلة كذلك على ما يُسمَّى "المُحرِّك التكيُّفي". عادة ما تُصمَّم المُحرِّكات القديمة لتعمل خصوصا على نوع واحد من المركبات، فالمحرك المخصص للسيارات الرياضية مثلا مختلف عن المخصص للسيارات ذات الدفع الرباعي أو السيارات العائلية. ولكن منذ سنوات، خصَّص البنتاغون أموالا ضخمة لتطوير جيل جديد من المحركات يسمى "محرك الدفع التكيُّفي"، الذي يمكن تركيبه على أنواع مختلفة من المركبات، والسبب في ذلك أنه قادر على تعديل أدائه بحيث يتوافق مع أوضاع مختلفة، فيمكن تطويعه كي نحصل على سرعة عالية، ويمكن تطويعه كي يقلل من استهلاك الوقود.
ويبذل البنتاغون مجهودا كبيرا فيما يبدو ليستبدل بالمحركات الحالية للطائرات المقاتلة محركات تكيُّفية تجعلها قادرة على التأقلم مع المهمة التي تؤديها، وتزيد قدرتها على المناورة والنجاة. وفي هذا السياق، يمثل نظام الاشتباك الجماعي مفهوما مركزيا في الجيل السادس، حيث تقوم الطائرة بتوجيه سرب مصاحب من المسيرات تشترك مع الطائرة في الهجوم.
وتتمتع تلك المسيرات بمُستشعِرات متقدمة تسمح لها بهجوم أكثر فعالية، كما يمكن لها أن تسهم في حماية المقاتلة نفسها ولو عن طريق توظيف المسيرات وكأنها انتحارية، فتصبح بمنزلة درع يتلقى الضربة ليحمي الطائرة. ويلزم لذلك أن تكون المسيرات المستخدمة فرط صوتية هي الأخرى كي تستطيع مجاراة المقاتلة الأم.
يأتي ذلك في سياق التحديات التي تواجه التفوُّق الجوي، وأبرزها التطور الرهيب في المسيرات، التي باتت سلاحا أساسيا في الحروب، لا سيَّما بعد أدائها في حروب مثل أوكرانيا و قره باغ.
وتتمتع الطائرة بالكثير من الخصائص المستقلة التي لن تحتاج إلى التدخل البشري في تشغيلها، لأن طيارا واحدا لن يستطيع أن يهيمن على كل تفاصيلها، سواء المسيرات المصاحبة للطائرة، أو الرادارات والحسَّاسات الكثيفة التي تحملها الطائرة، ومن ثمَّ ستؤول الكثير من المهمات إلى ذكاء الآلة المصممة للتصرف بصورة مستقلة حسب ظروف القتال.
وقد جرى تطوير حساسات تعطي الطيارين الكثير من التفاصيل بشأن بيئة القتال، سواء على شاشات الطائرة أو الشاشة المُدمَجة في الخوذة، كما ستُقلِّل من وقت الاستجابة المطلوبة في حال تعرَّضت الطائرة للخطر، ومن المنتظر أن تشهد الطائرة طفرة تكنولوجية كي تصبح أوتوماتيكية أكثر، وهو أمر يحتاج إلى تقنيات الذكاء الصناعي.
أصدقاء أميركا وخصومها
هذه الحيرة بين رغبة الولايات المتحدة في إنجاز الطائرة سريعا، وتوفير تكلفتها الهائلة المفترضة، تتقاطع مع اهتمام أصدقاء الولايات المتحدة وخصومها بمقاتلات الجيل السادس. فهناك عدة دول تسعى على نحو مستقل أو بالتعاون فيما بينها للحصول على نسختها الخاصة من طائرة مقاتلة متطورة تناسب العصر الراهن، وتصفها الولايات المتحدة بأنها لا تمتلك القدرة على إنتاج "مقاتلة جيل سادس حقيقية"، على حد وصف الجنرال ديفيد ألفين كبير موظفي القوات الجوية. ومن هذه الدول حلفاء أميركيون يمتلكون ثلاثة مشروعات لتطوير مقاتلة من الجيل السادس.
أول هذه المشاريع هو برنامج القتال الجوي العالمي الذي أعلنت عنه بريطانيا وإيطاليا واليابان في ديسمبر/كانون الأول 2022، وقد كان لكلٍّ منهم برنامج مستقل، لكنهم قرروا توحيد جهودهم لتصنيع طائرة مقاتلة موازية للمقاتلة الأميركية متعددة المهام "إف-35".
وتشارك ألمانيا وفرنسا وإسبانيا في "نظام القتال الجوي العالمي"، ومن المتوقع إنتاج طائرة اختبارية عام 2027 بمشاركة ثلاثة من عمالقة صناعة الطائرات: "داسو" الفرنسية، و"إيرباص"، و"إدَر سِستيمز" الإسبانية، كي تحل محل الرافال ويوروفايتر تايفون، وهي تتمتع بسمات الجيل السادس: فريق من طائرة مقاتلة، ومسيرات تعمل على شاكلة "إف-47".
غير أن ما يُقلِق واشنطن هو جهود خصومها، مثل الصين وروسيا، لا سيَّما أن أحد الأهداف الرئيسية للطائرة "إف-47" هو العمل على جبهة المحيط الهادي. ولا تتوفر الكثير من المعلومات عن المقاتلات الصينية التي يُخطَّط لها، خصوصا مع تكتُّم المؤسسات الرسمية، لكنْ هناك نموذجان لطائرات صينية مجهولة ظهرا في أحد العروض العسكرية، في ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث حمل النموذجان أرقاما تسلسلية تبدأ بـ36 و50، في إشارة إلى أنهما قد يكونان من طراز "جيه-36" و"جيه-50″، والمتوقع أن يمثلا الجيل السادس.
ظهرت المقاتلة "جيه-36" من جديد في إبريل /نيسان 2025 بشكل أوضح، حيث بدت على شكل ألماسة بدون ذيل يزيد حجمها على "إف-35" و"إف-22″، مما يُعزِّز الرأي القائل إنها طائرة من الجيل السادس. كما أنها بثلاث فتحات للعادم، مما يعني أنها بمحركات ثلاثة، وهي ميزة تجعلها قادرة على الطيران لمدة طويلة دون حاجة إلى إعادة التزوُّد بالوقود، كما أن لديها مقعدين، مما يعني أنها تحتاج إلى طياريْن للعمل عليها. هذا ويُقلِّل الأميركيون من إمكانات الصين، حيث يشيرون إلى أنها لا تزال تحتاج إلى الكثير للوصول إلى طائرة من الجيل السادس، ويُشكِّكون في أن يكون ما ظهر مؤخرا مقاتلات فعلية من الجيل السادس.
تحديات الدفاع الجوي
أحد أهم التحديات التي تواجه مقاتلات التفوُّق الجوي الأميركية الحالية هي إمكانية الإفلات من المضادات الأرضية، فمع التقدم الكبير في منظومات الدفاع الجوي، فإن المقاتلات الأحدث تصبح في مرمى النيران. وإحدى مهام التفوُّق الجوي هي اقتحام المجال الجوي المعادي، ومن ثمَّ يجب على طائرة التفوُّق الجوي أن تكون قادرة على الإفلات من تلك النظم المتطورة، وإلا ستعتبر بلا قيمة في المناطق المحظورة. وفي السنوات الماضية، طوَّر الصينيون والروس أنظمة دفاع جوية أثبتت كفاءة على مستوى الأداء، بل وعلى مستوى التكلفة أيضا مقارنة بنظيراتها الأميركية، مما جعلها جذَّابة لدول كثيرة.
تمتلك روسيا المنظومة "إس" الشهيرة، التي يُعد "إس-500" أحدث إصدار لها، وهو مضاد للطائرات والصواريخ الباليستية بعيدة المدى.
وتقول روسيا إنه قادر على التصدي لجميع الأسلحة الفرط صوتية، وإنها أجرت تجارب تَمكَّن فيها النظام من تدمير أهداف على مدى يتجاوز 380 كيلومترا، وهو يعمل برادارات متقدمة قادرة نظريا على رصد المقاتلات "إف-22" و"إف-35″، حيث يستخدم قدرات مضادة للتخفي، وخصوصا أنظمة الرادار متعددة النطاقات، مثل رادارات "في إتش إف" القادرة على كشف الطائرات الشبحية، لأن موجاتها طويلة وتخترق تصميم التخفي، ورادارات "إكس باند" و"إل باند" التي تُستخدم لتتبع الهدف بدقة وتوجيه الصواريخ.
من جانب آخر، فإن هذه المنظومة لا تعمل بمفردها، بل تتصل بأنظمة إنذار مبكر وأقمار صناعية ورادارات أرضية، مما يعطيها معلومات دقيقة وسريعة عن أي طائرة شبحية تقترب منها، حتى من مسافات بعيدة. ويستطيع رادار "إس-500" اكتشاف الطائرات على ارتفاع يصل إلى 200 كيلومتر، وهذا مهم لأن بعض الطائرات الشبحية تطير على ارتفاعات كبيرة لتفادي الكشف. من جهة أخرى، أدخلت الصين منذ عام 2019 منظومة الدفاع الجوي "إتش كيو-22″، التي أعلنت عن تطويرها قبل ذلك بثلاث سنوات، ويصل مداها إلى 170 كيلومترا.
وجدير بالذكر أنه خامس نظام دفاع جوي تُطوِّره الصين في السنوات الـ12 الماضية، مما يعكس تطوُّرا متسارعا، كما أنه نظام قادر على التصدي لمعظم الطائرات الحربية الموجودة الآن.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن فريق بحثي يعمل لصالح القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني عن تمكنه من اكتشاف طائرة تشبه في مقطعها الراداري مقاتلات "إف-22″ و"إف-35" الأميركيتين، بالاعتماد على الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من أقمار ستارلينك التابعة لشركة "سبيس إكس". وتشتهر شركة "سبيس إكس"، المملوكة لإيلون ماسك، بامتلاكها أوسع شبكة أقمار صناعية في مدار أرضي منخفض، بعدد تخطى 6 آلاف قمر صناعي تولِّد إشارات عالية التردُّد لتوصيل الإنترنت بسرعة عالية.
في تجاربه، أطلق الفريق مسيرات صغيرة من طراز "دي جي آي فانتوم 4 برو" في السماء، ولها المقطع الراداري نفسه، قبالة ساحل مقاطعة غوانغدونغ جنوبي الصين. وقد التُقِط أثرها وحركتها على شاشة الرادار، وأوضح العلماء أن هذا كان ممكنا لأن المسيرة كانت مضاءة بإشعاع كهرومغناطيسي من قمر صناعي من فئة ستارلينك يمر فوق الفلبين. يوضح ما سبق أن منظومات الدفاع الجوي تتطوَّر بمعدل سيغلق الأبواب يوما ما على مقاتلات الجيل الخامس، ومن ثم فعلى الجيوش التي تطمح للتفوُّق الجوي، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن تطور من مقاتلاتها إذا أرادت الاستمرار في تفوقها على منظومات الدفاع الجوي.
هل تأخَّر الأميركيون حقا؟
إن الوقت بين إيقاف "إف-22" والوقت المتوقع لدخول "إف-47" الخدمة نحو عشرين عاما، وهو وقت طويل. لذلك، وعلى مدار السنوات الماضية، كان هناك شعور أميركي بأزمة فيما يخص التفوُّق الجوي، وجاء ذلك في سياق الإيقاف الذى نال المشروع في 2024، وكشف عن أن التقنيات المصاحبة للمقاتلة لعلها لم تتبلور بما يكفي بسبب الميزانية الصغيرة، مما يعني أن هناك حاجة إلى جهود إضافية من أجل تطوير الطائرة، لا سيَّما في سياق خطط الخصوم، وتقدم منظومات الدفاع الجوي الروسية والصينية.
بلا شك يعي صانع القرار الأميركي هذا الوضع، ويرى أن التفوُّق الجوي الذي كان مضمونا في العقود السابقة بات يحتاج إلى جهود حثيثة للحفاظ عليه. ورغم أن معظم المشاريع المشار إليها سابقا ستكون لطائرات متعددة المهام وليس طائرات تفوُّق جوي دون غيرها؛ فإن الكثير من سمات الجيل السادس لا تختلف كثيرا بين هذين النوعين من الطائرات (مقاتلة التفوُّق الجوي والمقاتلة متعددة المهام).
في الأخير، لا تزال الولايات المتحدة صاحبة السبق في برامج التسلُّح المتقدمة من حيث النوع، لكن الفجوة تضيق بينها وبين منافسيها من الدول الأخرى، وخاصة الدول التي تُصنِّفها واشنطن في خانة الخصوم، مثل روسيا والصين، مما يعني أن الولايات المتحدة مُعرَّضة لفقدان الصدارة في مجال الطائرات المُقاتلة في المستقبل القريب، أكثر من أي وقت مضى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 29 دقائق
- الجزيرة
أميركا تقترح خطة مؤقتة تسمح لإيران بـ"بعض التخصيب"
اقترحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مخططًا يسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم بمستويات منخفضة، ريثما يتم التوصل إلى خطة أكثر تفصيلا مع دول أخرى من شأنها أن تمنع طهران من امتلاك سلاح نووي. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية اليوم الثلاثاء -عن مسؤولين إيرانيين وأوروبيين- أنه بموجب هذا المقترح ستساعد الولايات المتحدة في بناء مفاعلات نووية للطاقة في إيران، كما ستتفاوض بشأن إنشاء منشآت للتخصيب تُدار من قبل اتحاد يضم دولًا إقليمية. وبمجرد أن تبدأ إيران بالحصول على فوائد من هذه الترتيبات، سيتعين عليها التوقف عن أي تخصيب داخل أراضيها. ويعد هذا الاقتراح أول مؤشر ملموس منذ تولي الرئيس ترامب منصبه، على أن الولايات المتحدة وإيران قد تكونان قادرتين على إيجاد طريق للتسوية. وتقول "نيويورك تايمز" إن هذا الاقتراح يمثل جسرًا بين الوضع الحالي -حيث تنتج إيران بسرعة يورانيوم قريبا من درجة الاستخدام في الأسلحة- وبين الهدف الأميركي المتمثل في منع إيران من تخصيب أي يورانيوم على أراضيها. وقد جدد ترامب أمس تأكيده أنّه لن يُسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بموجب أي اتفاق محتمل مع الولايات المتحدة. لا رضوخ للضغوط وفي طهران، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن طهران لن ترضخ للضغوط الأميركية لتفكيك برنامجها النووي. وأضاف بزشكيان في خطاب متلفز اليوم "الأميركيون يقولون إنه يجب عليكم تفكيك كل ما لديكم، لكن لا يوجد إنسان حر يقبل بالظلم والاضطهاد". ومن جهته، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اليوم أن الاقتراح الأميركي للتوصل لاتفاق جديد حول البرنامج النووي والذي سلمه الوسيط العماني "يتضمن نقاطا ملتبسة". وقال عراقجي خلال زيارة إلى لبنان إن "الاقتراح المكتوب الذي تسلمناه من الولايات المتحدة يتضمن العديد من النقاط الملتبسة والأسئلة. ثمة مسائل عدة في هذا الاقتراح غير واضحة". وشدد الوزير الإيراني على أن "مواصلة التخصيب على الأراضي الإيرانية خط أحمر بالنسبة إلينا" مشيرا إلى أنّ بلاده ستسلّم ردّها على المقترح الأميركي في الأيام المقبلة، استنادا إلى "مواقف إيران المبدئية ومصالح الشعب الإيراني". وأضاف "لن نطلب الإذن من أحد من أجل مواصلة تخصيب اليورانيوم في إيران. ومع ذلك، نحن مستعدّون لاتخاذ خطوات لضمان ألا يؤدي التخصيب إلى إنتاج أسلحة نووية". والسبت الماضي، أعلنت إيران أنها تسلّمت "عناصر" اقتراح أميركي لاتفاق نووي، في أعقاب 5 جولات من المفاوضات، بدأت أولاها في أبريل/نيسان بوساطة عمانية. ولا تزال مسألة تخصيب اليورانيوم نقطة خلاف رئيسية بين واشنطن وطهران، إذ تؤكد الأخيرة حقها في مواصلة تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية، الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة. وجاءت تصريحات عراقجي أثناء زيارته إلى بيروت بعد القاهرة حيث التقى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي. ودعا غروسي أمس إلى مزيد من الشفافية من جانب إيران، في أعقاب تقرير مسرّب يُظهر أنّ طهران زادت إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب. وقد أظهر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران زادت إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60%، مقتربة أكثر من نسبة 90% تقريبا التي يحتاج إليها تطوير أسلحة ذرية. أولويات ومخاوف وبدأت تتضح ملامح العرض الأميركي لإيران في مفاوضاتهما النووية الحاسمة، لكن إمكانية التوصل إلى اتفاق قريب يكتنفها الغموض. ويرى المراقبون أن التوصل إلى اتفاق هو إحدى الأولويات الدبلوماسية العديدة التي يُناور فيها ترامب وصديقه المُقرّب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. ويعتقد هؤلاء أن الاتفاق يتيح للولايات المتحدة رفع بعض عقوباتها الاقتصادية القاسية على إيران، مقابل الحد بشكل جذري من تخصيب اليورانيوم أو إيقافه. لكن الفشل في التوصل إلى اتفاق قد يُفاقم التوترات بمنطقة الشرق الأوسط، وقد يدخل الاقتصاد الإيراني -الذي يُعاني منذ فترة طويلة- في حالة انهيار مُتسارع، مما قد يُفاقم الاضطرابات المُتصاعدة في الداخل. وقد تُنفّذ إسرائيل أو الولايات المتحدة غارات جوية، لطالما هددت بها، تستهدف منشآت نووية إيرانية. وقد تُقرر طهران إنهاء تعاونها الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتُسارع نحو امتلاك قنبلة نووية. وهذا يجعل تجميع أجزاء العرض الأميركي أكثر أهمية، إذ يُقيّم الإيرانيون ردهم بعد 5 جولات من المفاوضات في مسقط وروما. وقد سمح الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 -مع القوى العالمية، والذي تم التفاوض عليه بعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما آنذاك- لطهران بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 3.67%. وتعد نسبة التخصيب تلك كافية لتشغيل محطة طاقة نووية، ولكنها أقل بكثير من عتبة 90% اللازمة لليورانيوم الصالح للاستخدام في الأسلحة. وتخصب إيران الآن ما يصل إلى 60%، وهي خطوة فنية قصيرة بعيدا عن مستويات إنتاج أسلحة نووية. وقد صرح المسؤولون الأميركيون بمن فيهم ترامب مرارًا أنه سيتعين على طهران التخلي عن التخصيب بالكامل. استمرار الضغط ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك، من المستبعد عقد جولة جديدة من المحادثات قبل الأسبوع المقبل على أقرب تقدير، ولكن الضغط مستمر. ويرى مراقبون غربيون أن مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب "قد يسمح لها بتصنيع أسلحة نووية متعددة، إذا ما اختارت السعي لامتلاك القنبلة". إعلان ويرجح هؤلاء أن تسعى الدول الغربية إلى توجيه انتقادات لإيران بمجلس محافظي الوكالة الذرية، مما قد يدفعها نهاية المطاف إلى تفعيل ما يُسمى "إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة" على طهران. وتنتهي -في أكتوبر/تشرين الأول- صلاحية إعادة فرض هذه العقوبات بناءً على شكوى أي عضو بالاتفاق النووي الأصلي لعام 2015.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
محللان: إقالات ترامب "قرصة أذن" لنتنياهو وخلافهما يبقى تكتيكيا
أخذ الخلاف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منحى جديدا بعد إقالة الإدارة الأميركية مسؤولين كبارا معروفين بتأييدهم لإسرائيل داخل البيت الأبيض. ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر إسرائيلية وصفتها بالمطلعة أن نتنياهو يشعر بقلق إزاء هذه الإقالات، وهي خطوة تراها تلك المصادر أنها تعكس اتساع الهوة بين سياسات واشنطن وتل أبيب. وفي هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت عبد الله الشايجي إن رسالة ترامب لنتنياهو مفادها "عليك إعادة الحسابات، وألا تقوم بأي محاولات تهدد أميركا وتزيد الخلافات مع حلفائنا بالشرق الأوسط". وأشار الشايجي -في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر"- إلى أن شخصية ترامب وجماعة " ماغا" المؤيدة له تمكنه من المناورة أكثر عبر إرسال رسائل بأنه "منزعج من سياسة نتنياهو وسلوكه، وليس حق إسرائيل بالوجود والدفاع عن نفسها". ونقلت الصحيفة عن مصادر أخرى أن سبب الإقالات لا يتعلق بموقف من إسرائيل وإنما بأجندة "أميركا أولا"، التي تعكس رغبة ترامب في تقليص التأثيرات الخارجية على إدارته. بدورها، قالت مراسلة الجزيرة في واشنطن وجد وقفي إن الإقالات كانت متوقعة، لكنها فاجأت الجميع من حيث سرعتها بعد بضعة أشهر على بدء ولاية ترامب الثانية. ولفتت وقفي إلى تصريحات ترامب الذي قال إن إقالة الموظفين تتم عادة بسبب عدم الكفاءة أو الولاء لجهات أخرى أو أفراد آخرين، مما أثار مزيدا من التكهنات بشأن الربط بين الإقالات ونتنياهو. وطالت الإقالات مورغان أورتاغوس نائبة ستيفن ويتكوف المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، إضافة إلى رئيسة قسم إيران وإسرائيل في مجلس الأمن القومي ميراف سيرن، والمدير الأول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا داخل المجلس إريك تريجر. وكانت إدارة ترامب قد أقالت مايكل والتز المعروف بولائه الشديد لإسرائيل من منصبه رئيسا لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. من جانبه، قال رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل بلال الشوبكي إن قلق إسرائيل ينبع من أنها "لم تعد جزءا من صناعة القرار في الإدارة الأميركية"، مؤكدا أن الخلاف بين نتنياهو وترامب لم ينحصر بالإقالات بل يعود إلى قبيل زيارة الرئيس الأميركي إلى الخليج. وتريد واشنطن إيصال رسالة مفادها بأن مصلحة إسرائيل "لم تعد تُقدر من حكومة نتنياهو، بل من الولايات المتحدة وفقا لمصالحها"، من خلال إيجاد نوع من المواءمة بين المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، حسب الشوبكي. لكن الشايجي -وهو خبير بالشؤون الأميركية- شدد على أن الخلافات تبقى شكلية وتكتيكية حول طريقة التعامل مع قطاع غزة ومقترح وقف إطلاق النار. وكذلك، فإن نتنياهو يحرض على شن ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية، في وقت يعطي فيه ترامب فرصة للمفاوضات للتوصل لاتفاق مع إيران. وأكد أن ترامب لا يمكنه قطع العلاقة مع إسرائيل والانقلاب عليها، رغم الخلافات مع نتنياهو بشأن قضايا المنطقة مثل حرب غزة و الملف النووي الإيراني. أما الشوبكي فقال إن هناك قلقا لدى نتنياهو وحكومته، لكن لم يصل إلى حد القول إن هناك انعطافة أميركية باتجاه إسرائيل. أوراق نتنياهو وفي ضوء هذا المشهد، وصف الشوبكي إقالات ترامب بأنها "قرصة أذن" لم تصل إلى حد الإطاحة بنتنياهو وإظهاره بمظهر العاجز في المجتمع الإسرائيلي. وأشار إلى أن نتنياهو قادر على تحمل هذا الوضع من خلال اللعب على "المساحة الرمادية" بعدم معارضة الإدارة الأميركية، وكذلك عدم التخلي عن أهدافه في غزة، مما يهدد استقرار ائتلافه اليميني الحاكم. وبشأن تداعيات هذا الخلاف، أعرب الشوبكي عن قناعته بأن الولايات المتحدة لا ترى بدائل متمكنة في إسرائيل لخلافة نتنياهو، إذ لم تظهر المعارضة القوة الكافية لكي تزيحه عن المشهد. أما الشايجي فأعرب عن قناعته بأنه في غياب إستراتيجية واضحة لدى ترامب وتباين آرائه بشأن حرب غزة ومفاوضات النووي الإيراني، فإن نتنياهو سيلعب على هذا الهامش. كذلك، يمكن للوسطاء العرب تشكيل قناة تواصل مع إدارة ترامب بلغة مغايرة -وفق الشوبكي- وفتح مسار جديد بشأن العلاقة مع واشنطن يكون مرتبطا بإنهاء الحرب على غزة.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
لماذا تتصدّر الدول الأفريقية قائمة الأزمات الأكثر إهمالا في العالم؟
وسط مخاوف وتحذيرات من تفاقم الأزمات الإنسانية في أفريقيا خلال سنة 2025، بسبب الحروب وتغييرات المناخ، يتجاهل المانحون الدوليون القارة السمراء التي يعاني ملايين من سكانها من انعدام الأمن الغذائي وارتفاع معدّلات النزوح. ووفقا لأحدث تقرير من المجلس النرويجي للاجئين حول "الأزمات الأكثر إهمالا في العالم"، فقد تصدّرت الدول الأفريقية قائمة البلدان ذات الأزمات الأكثر تهميشا على الصعيد الدولي. وقد أشار التقرير النرويجي إلى أن الدول الأفريقية التي تعاني من أعباء جسيمة نتيجة العنف والنزوح، هي نفسها الأكثر إهمالا وتهميشا من قِبل المانحين والداعمين في المجالات الإنسانية. وتأتي هذه المخاوف في وقت خفّضت فيه الولايات المتحدة -التي كانت في السابق أكبر داعم للمساعدات في العالم- تمويلها التنموي بشكل كبير، إذ لم تتلقَّ الوكالات الإنسانية سوى نصف ما كانت تحتاجه في 2024. ويحذّر الخبراء من أن استمرار هذا التراجع سيجعل عام 2025 أكثر قسوة على المحتاجين، خاصة في أفريقيا التي تصدّرت قائمة التقرير النرويجي بأزمات الدول الأكثر إهمالا. ما مضمون التقرير؟ حسب تقرير المجلس النرويجي للاجئين لعام 2024، فإن ملايين الأشخاص الذين نزحوا ويعانون من انعدام الأمن الغذائي أو من فقدان المأوى، يتلقون القليل من المساعدات بسبب "إرهاق المانحين"، وضعف التغطية الإعلامية، وغياب الحلول السياسية. وقد حدّد التقرير الدول المتأزمة على أنها تلك التي تضم أكثر من 200 ألف نازح، وتمّ تصنيفها على أنها تمر بأزمات شديدة. ومن بين 34 دولة تمّ تحليلها، جاءت مجموعة من الدول الأفريقية على قائمة الأكثر إهمالا واختفاءً عن أنظار العالم، وهذه الدول هي: الكاميرون وإثيوبيا وموزمبيق وبوركينا فاسو ومالي وأوغندا وإيران وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهندوراس والصومال. وإلى جانب نقص التمويل، سجّل التقرير غياب التقدم في جهود حلّ النزاعات، وعدم الاهتمام بمنع الكوارث، في جميع هذه الدول. وأشار التقرير إلى أن تمويل المساعدات الإنسانية انخفض بشكل عام في سنة 2024، إذ بلغت الفجوة بين الاحتياجات والمتوفر حوالي 25 مليار دولار، وهو ما يعني أن أكثر من نصف الطلبات لم تتم تلبيتها. ما أسباب تجاهل الأزمات في أفريقيا؟ يقول الخبراء إن "إرهاق المانحين" والموجات المتزايدة من السياسات القومية داخل الدول المانحة التقليدية تدفع الحكومات الأغنى إلى خفض تمويل المساعدات الخارجية، كما أن البُعد الجغرافي عن مناطق الأزمات يساهم في ضعف الاهتمام. وقالت كريستيل هور، رئيسة قسم المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين لمنطقة غرب ووسط أفريقيا، للجزيرة"إن العديد من الأزمات في جميع أنحاء القارة تبقى في الظل، ويتمّ تجاهلها لأنها لا تتصدر عناوين الأخبار، أو لأنها لا تُعد ذات مصلحة إستراتيجية فورية للشركاء الدوليين". وأضافت هور -في حديثها للجزيرة- أن الأزمات التي تطرق أبواب أوروبا -كما حدث في 2015 مع موجات الهجرة- تحظى بأكبر قدر من الاهتمام الإعلامي، في حين تبقى المشاكل البعيدة خارج دائرة الضوء، وحتى خارج الحسابات السياسية. ما الدول الأفريقية الأكثر إهمالا؟ وحسب التقرير النرويجي، فإن الدول الواقعة بين غرب ووسط أفريقيا، تتصدّر قائمة المناطق الأكثر إهمالا في سنة 2024. وفي ما يلي نستعرض الدول الأكثر تهميشا من قِبل المانحين حسب تصنيف المركز النرويجي للاجئين: الكاميرون تصدّرت الكاميرون قائمة الدول الأكثر إهمالا في العالم لسنة 2024، رغم أنها تعيش حربا أهلية مستمرة منذ ما يربو على 7 سنوات. ففي منطقتي الشمال الغربي والجنوب الغربي الناطقتين بالإنجليزية، تتواصل حرب أهلية اندلعت في 2017، بعد احتجاجات ضد التمييز من قِبل الحكومة الفرانكفونية، ورفضا لتعيين قضاة ناطقين بالفرنسية. وقد أدّى القمع العنيف إلى ظهور جماعات مسلحة أعلنت الاستقلال، فيما ردّت الحكومة بإعلان الحرب، الأمر الذي تسبّب في استهداف واسع للمدنيين، أسفر عن مئات القتلى، ونزوح الآلاف داخليا، ولجوء الكثيرين إلى نيجيريا. وفي شمال البلاد قرب حوض بحيرة تشاد، يستمر العنف من قِبل جماعة بوكو حرام، التي تزايدت أنشطتها بعد انسحاب نجامينا والنيجر من القوة المشتركة المدعومة من الولايات المتحدة، وهو ما زاد الضغط على الكاميرون ونيجيريا وبنين. وتتفاقم الأوضاع الإنسانية في الكاميرون بسبب ضغط اللاجئين من نيجيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتستضيف حاليا 1.1 مليون نازح، و500 ألف لاجئ. ورغم هذا الوضع، لم يُذكر الوضع في الكاميرون سوى في أقل من 30 ألف مقال إعلامي بلغات دولية مختلفة عام 2024، مقارنة بـ451 ألف مقال عن حرب أوكرانيا، حسب المجلس النرويجي للاجئين. كما لم يُجمع سوى 45% فقط من التمويل المطلوب، أي 168 مليون دولار من أصل 371 مليون دولار كانت مطلوبة لتمويل المساعدات، حسب الأمم المتحدة. وبالإضافة للأزمات المتعددة في الكاميرون، تتعرّض الحكومة لانتقادات واسعة، وتوصف باللامبالاة وعدم الاهتمام، إذ غالبا ما يقضي الرئيس بول بيا -البالغ من العمر 82 عاما ويحكم البلاد منذ 1982- أوقاتا عديدة في سويسرا. أشار تقرير المجلس النرويجي للاجئين إلى أن تداعيات حرب تيغراي في شمال البلاد (2020-2022) تداخلت مع موجات جديدة من القتال بين الجماعات العرقية في منطقتي أوروميا وأمهرة، مما أسفر عن مزيج خطير من الأزمات، أدّى إلى نزوح 10 ملايين شخص داخل البلاد. إعلان وتخوض جماعة "فانو" المسلحة، التي تقول إنها تدافع عن مصالح شعب الأمهرة -أحد المكونات العرقية الرئيسية في إثيوبيا- قتالا ضد الجيش الفدرالي، الذي حاول نزع سلاحها بعد أن قاتلت إلى جانبه ضد قوات تيغراي خلال حرب 2020. من جهة أخرى، يطالب مقاتلو "أورومو" بالاستقلال لشعب الأورومو، الذي يُصنّف أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا. وقد ردّت الحكومة في أديس أبابا باستخدام القوة ضد المجموعتين، وشنت ضربات جوّية عنيفة أسفرت عن مقتل عشرات من المدنيين الأبرياء. موزمبيق وظهرت موزمبيق في القائمة لأول مرة هذا العام، إذ تسبّبت الانتخابات المتنازع عليها في أكتوبر/تشرين الأول 2024 في أعمال عنف، قُتل فيها نحو 400 شخص، وفق وسائل إعلام محلية. وفي شمال البلاد الغنية بالنفط، تجدّدت هجمات تنظيم مسلّح تابع لمجموعة داعش، أسفرت عن تعطّل مشاريع تنموية، ونزوح مئات الأشخاص. ورغم تمكّن القوات الحكومية والإقليمية من استعادة بعض المناطق في 2023، فإن المقاتلين ظلوا يعيشون داخل المجتمعات المحلية، ما جعل النزاع يتجدّد بسرعة. كما ضرب إعصار "تشيدو" سواحل موزمبيق في ديسمبر/كانون الأول، الأمر الذي أدّى إلى مقتل 120 شخصا، وتدمير أكثر من 155 ألف مبنى، وفاقم الوضع الإنساني في مناطق الصراع. بوركينا فاسو ومالي منذ عام 2015، نزح أكثر من مليوني شخص في بوركينا فاسو بسبب هجمات الجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد، وتسعى إلى إقامة دولة مستقلّة. وقد حاصرت هذه الجماعات عشرات المدن والقرى، ومنعت دخول وخروج السكان، فيما اتهمت تقارير دولية القوات الحكومية أيضا بارتكاب مجازر ضد المدنيين المشتبه بمساعدتهم الجماعات المسلحة. أما دولة مالي، فإنها تواجه وضعا مشابها لحال جارتها بوركينا فاسو، وتأتي في المرتبة الرابعة على قائمة الأزمات الإنسانية الأكثر تجاهلا على مستوى العالم. ويرى محللون أن تقليص المساعدات الإنسانية يعود إلى مواقف الدول العسكرية الثلاث في الساحل، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي قطعت علاقاتها مع الشركاء الغربيين مثل فرنسا، وأبدت عداء تجاه منظمات إنسانية دولية. وبالإضافة لهذه البلدان، توجد دول أفريقية عديدة تعاني من أزمات إنسانية تختلف أسبابها، مثل أوغندا والكونغو الديمقراطية والصومال. هل ستُزيد تخفيضات ترامب للمساعدات حدة الأزمات؟ أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقليص المساعدات الخارجية، التي كانت تقدّمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مخاوف من تفاقم الأزمات الإنسانية في 2025. ففي السنوات الماضية، كانت الولايات المتحدة توزّع حوالي 70 مليار دولار من المساعدات سنويا، خصوصا في مجال الرعاية الصحية، وفي عام 2024 حصلت إثيوبيا والأردن والكونغو الديمقراطية والصومال واليمن وأفغانستان ونيجيريا وجنوب السودان على أكبر قدر من هذه المِنح. ومع تراجع أو توقّف هذه التمويلات بقرار الرئيس ترامب، يحذّر عمال الإغاثة من أن الأزمات في القارة الأفريقية قد تزداد سوءا. وتزداد المخاوف من قِبل المراقبين، خاصّة بعد قرار دول مانحة أخرى تقليص مساعداتها، مثل بريطانيا التي خفّضت 0.2% من المساعدات في فبراير، وهولندا التي ستخفض 2.4 مليار يورو بدءا من 2027، إضافة إلى فرنسا وألمانيا وبلجيكا وسويسرا والسويد، التي أعلنت جميعها عن خطوات مماثلة بدءا من العام 2027. ما الدور المنتظر من الاتحاد الأفريقي؟ وقالت هول عضو المجلس النرويجي للاجئين إن على الاتحاد الأفريقي أن يتحمّل المسؤولية في قيادة الجهود السياسية لحل أزمات القارة، مشيرة إلى أن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد غالبا ما يُنتقد لبطئه في التحرك. وأضافت "ما نحتاجه بشكل عاجل اليوم ليس فقط المزيد من التمويل، بل التزام سياسي واضح، ليس فقط من المانحين، بل من الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء". وشدّدت هول على ضرورة تقليل العراقيل الإدارية والتنظيمية التي تُعيق عمل المنظمات الإنسانية، مضيفة أن تخفيف هذه القيود، بالتعاون مع السلطات الوطنية والاتحاد الأفريقي، سيعزز كثيرا كفاءة الاستجابة الإنسانية المشتركة.