
«الشداد».. عبقرية الإنسان في تطويع الصحراء
ورغم تطوّر وسائل التنقل، لا يزال "الشداد" حاضرًا في المشهد الثقافي والتراثي، حيث يستخدم اليوم كعنصر جمالي في المجالس ومناطق الضيافة، ويعرض في الأسواق الشعبية والفعاليات التراثية، ورمزٍ للأصالة وارتباطٍ بجذور الماضي.ويعكس هذا الابتكار الحرفي قدرة المجتمعات المحلية القديمة على توظيف خامات البيئة المحلية في تصميم أدوات عملية، تجسّد روح الابتكار والاستدامة، وتبرز ملامح الهوية الثقافية المرتبطة بالإبل كرمز للصبر والقوة والتأقلم.
ويظل "الشداد" اليوم أيقونة تراثية فريدة، تحمل رسالة عميقة بأهمية حفظ الموروث الشعبي، والاحتفاء برموزه في المحافل الثقافية، لما لها من دور في ترسيخ قيم الاعتماد على الذات والارتباط الوثيق بالطبيعة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 3 أيام
- الرياض
«عيون الجواء التراثية».. عبق التاريخ ورائحة الماضي
تُعد بلدة عيون الجواء التراثية بمحافظة عيون الجواء بمنطقة القصيم من البلدات القديمة التي أُعيد ترميمها وأصبحت من المواقع الجاذبة سياحيًا، للزوار من داخل وخارج القصيم كما تجتذب زواراً من خارج المملكة وتشهد إقامة العديد من الفعاليات في المناسبات الوطنية والأنشطة الاجتماعية. وأوضح المهندس ماجد السالم -رئيس بلدية محافظة عيون الجواء- أن بلدية محافظة عيون الجواء قامت بتنفيذ خمس مراحل ترميم وتجهيز للبنية التحتية للبلدة التراثية بالمحافظة، كما تقوم بعمل صيانة سنوية ودورية، واستقبال الوفود وضيافتهم والتعريف بالقرية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، مشيرًا إلى أن البلدة تشهد تنفيذ عدد من الفعاليات والأنشطة في المناسبات الوطنية والاجتماعية، كما تُنفذ بعض المهرجانات والفعاليات الشتوية فيها. ويعتبر الدكتور سلمان بن محمد السلمان -أمين لجنة التنمية السياحية بمحافظة عيون الجواء سابقًا ومؤلف كتاب (عيون الجواء عبق الماضي ورونق الحاضر)-، أن البلدة التراثية نموذج رائع وجميل للبلدان النجدية القديمة، ولا يزال جزءا كبيرا منها صامدًا على حاله الذي كان عليه، والذي يشتمل على مبانٍ جميلة وأزقة متعرجة ضيقة، بعضها مسقوف. وجهة جاذبة سياحيًا للزوار من داخل وخارج القصيم جذب سياحي وأشار د. السلمان إلى أن تقريرًا لهيئة السياحة صنّف البلدة القديمة في محافظة عيون الجواء أنها ضمن مواقع الجذب السياحي ذات الإمكانات العالية والموقع الذي يقع على مساحة تُقدّر بـ(6000 م)، عبارة عن مدينة تمثل التراث النجدي بمبانيها وشوارعها وسوقها القديم الذي رُمِّم جزء منه، مضيفاً أن البلدة أُدرجت ضمن القرى التراثية في المملكة منذ عام 1433هـ، موضحًا أن بلدية محافظة عيون الجواء قامت بترميم جزء كبير من البلدة شمل السوق والمجلس والممرات وعددًا من المنازل، مبينًا أن البلدة القديمة تتكون من عدد من الأحياء السكنية التي كان كل منها يحمل اسمًا يميزه عن الآخر، وهي متقاربة جدًا، ومنها اللحايق، البلاد، المالكة، الحيالة، حرشان، الصفا، عوجان، المنارة، المعلق. لمسات جمالية وقال د. السلمان: إن منازل البلدة القديمة بُنيت من الطين الذي يُجلب من مكان يُسمى "المطينة"، ويُخلط بالتبن ويُنفذ على شكل لبِن، ويُضاف إلى أساسات المنزل الحجارة التي تُجلب إليها من أماكن قريبة من البلدة لتكون قوية وتتحمل البناء، ويحرص البنّاء -الأستاد- على إضفاء لمسات جمالية على بعض المنازل التي يقوم بتنفيذها، فيقوم ببناء الشرف على سور المنزل ويزين واجهاتها بالزخارف الجبسية والأشكال الهندسية الجميلة وأبواب المنازل ونوافذها مصنوعة من الخشب، إمّا من جذوع النخل -السيقان- أو من خشب الأثل أو هما معًا، وتُزين غالبًا برسومات وألوان مميزة، مبيناً أنه تتكون غالب منازل البلدة القديمة من مجلس للضيوف يُسمى "القهوة"، وغرف للنوم، وصالة تُسمى "القبة"، ومطبخ، وغرفة لحفظ الأطعمة "صفة"، وحوش صغير "ليوان"، ويُعتبر مجلس الضيوف "القهوة"، أهم المكونات في المنزل، لذا يقوم صاحب المنزل بزيادة مساحته عن باقي الغرف، ويضيف إليه احتياجاته من أوجار -مكان إيقاد النار- وكمار لوضع الأواني التي يحتاجها، وفتحات للتهوية، ويُزين المجلس بالزخارف الجبسية والهندسية المنفذة بدقة وعناية. عمارة وتصميم وتضم البلدة التراثية عدد من العناصر منها الجامع القديم الذي يتميز مبناه بجودة العمارة وجمال التصميم الداخلي، ويتميز أيضًا بمساحته، فهو كبير وواسع ذو سقف مرتفع، وفيه عقود وأعمدة وسواري بُنيت بشكل هندسي جميل، وله سرحة بُنيت على طرازه، وتقف في أحد جوانبه منارة دائرية الشكل شامخة وجميلة، وتكمن أهميته في قِدمه، فهو قديم جدًا ولا يعرف أحد من كبار السن تاريخ بنائه، وقد رُمِّم عام 1328هـ، وأُعيد ترميمه عام 1371هـ، ويتكون من عدد كبير من الأعمدة المربوطة بأقواس مجصصة ومزخرفة زادت من روعة وجمال المسجد، كذلك تضم البلدة الكتاتيب، وهو ملحق صغير بالجامع القديم كان صغار الطلاب يتلقون تعليمهم الأولي فيه، مثل القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة، ويقع ملاصقًا للجامع القديم من جهة القبلة، وقد قُسم إلى قسمين؛ داخلي مسقوف وله مصاطب للجلوس -حبوس-، وفناء صغير ملحق به، وأحيانًا يُلحق به عريش من سعف النخيل عندما يزيد عدد الطلاب الدارسين فيه، وقد كان التعليم في عيون الجواء يقوم على الكتاتيب كما هو الحال عند أهالي نجد. حركة تجارية وتضم البلدة التراثية أيضاً السوق الشعبي -المجلس-، والذي يُعد نموذجًا لأسواق القرى النجدية الكبيرة، ويقع قرب الجامع القديم، وقد نُفذ على نمط الأسواق الإسلامية القديمة في متسع من الأرض، وتحيط به الدكاكين من جميع جهاته، وتنتهي إليه رؤوس الشوارع العامة في البلدة، وعلى أغلب محلاته مظلات -عريش-، ويوجد فيه ما يقرب من (50) خمسين متجرًا، وكان يُسمى قديمًا بالمجلس، وقد كان يعج بحركة تجارية كبيرة كونه يخدم بلدان شمال غرب القصيم، فكان مقصدًا للباعة لتصريف منتجاتهم في ذلك الزمن من الألبان والسمن والبقل والماشية، إضافةً إلى وجود الحرفيين من نجارين وحدادين وخرازين وباعة أقمشة، ومن مكونات البلدة المدرسة القديمة، وهي نموذج واقعي لبداية التعليم النظامي بفصولها وطاولاتها وسجلاتها القديمة، وأُسست عام 1369هـ، وقد تقلد عدد ممن درس فيها مناصب كبرى في الدولة وحصلوا على شهادات عليا من داخل وخارج المملكة. ماكينة قديمة وتضم البلدة التراثية كذلك مزرعة قديمة تُستخدم فيها ماكينة قديمة لاستخراج الماء من البئر، وتوزع عبر سواقٍ لسقي المزروعات المتنوعة بالطريقة التقليدية، إلى جانب المرقب الذي يجاور البلدة، وهو برج قديم وأثري يقوم على أعلى أَكمة في عيون الجواء من جهة الجنوب الشرقي، وكان بناؤه دائري الشكل ومن عدة أدوار وطبقات، وقد تهدم منها الكثير، وبقي من ارتفاعه حوالي عشرة أمتار، وكان يُستخدم في مراقبة المدينة ومحيطها، وجُدد بناؤه عدة مرات منها عام 1100هـ أي قبل حوالي 300 عام تقريبًا، كما أُعيد ترميمه مؤخرًا ليكون معلمًا بارزًا من معالم عيون الجواء، ويمكن للزائر أن يشاهد من خلاله عيون الجواء من جميع أطرافها إضافة إلى البلدان القريبة منها. آبار عميقة وتضم البلدة التراثية عشرات الآبار العميقة المنقورة في الصخر، وبعضها مطوي بالحجارة بشكل فني وجيد، وهي قديمة جدًا، ولا يعرف لها مستنبط، ويسميها الأهالي "جاهلية"، إلاّ أن ملكيتها يتناقلها أصحاب المزارع ضمن مزارعهم، وكثيرًا ما يعثر صاحب المزرعة على بئر مطمورة، إمّا عمدًا أو هُجرت على مر السنين وطمرتها سفِي الرياح، وترتبط كل مجموعة من الآبار القديمة بقنوات تحتية تُسمى "المشاقيق"، وهي عبارة عن شق في الأرض يربط بين الآبار القديمة -القلبان-، وذلك للاستفادة من زيادة المياه في بعضها لدعم النقص في البعض الآخر، وتمر هذه القنوات في كثير من الأحيان من تحت البيوت، ويحدث أحيانًا أن تنهار سقوف القنوات فتظهر عميقة ممتدة كما حدث تحت الجامع الكبير عام 1388هـ وكثير من البيوت، ولا يزال بعض القنوات "المشاقيق" مكشوفًا يمكن تتبعه من الآبار نفسها أو من البيوت القريبة منها، ويتم استخراج المياه من الآبار بواسطة السواني، وهي طريقة معروفة عند أهل القصيم عمومًا.


الرياض
منذ 3 أيام
- الرياض
«الشداد».. عبقرية الإنسان في تطويع الصحراء
يجسّد "الشداد" أحد أقدم الابتكارات الحرفية في الجزيرة العربية، كأداة أساسية في حياة البادية، استخدمها الإنسان لركوب الإبل وحمل المؤن عبر الصحاري، وشكّل نموذجًا لتراث أصيل يعكس عبقرية الأجداد في تكييف متطلبات الحياة مع الطبيعة الصحراوية.ويصنع "الشداد" من الخشب بشكل مقوّس يُثبت على ظهر الجمل من الأمام والخلف، وتوضع بينهما وسادة لتسهيل الجلوس وتوفير التوازن والراحة خلال الرحلات الطويلة، ليكون شاهدًا على تنقلات أهل البادية وأسفارهم، سواء في الترحال أو التجارة ونقل الركاب والبضائع لمسافات بعيدة وسط تضاريس قاسية.وتتعدد استخداماته حسب الحاجة، بانقسامه إلى نوعين، الأول مخصص لركوب الأفراد، والثاني لحمل الأحمال الثقيلة والبضائع، مما يعكس عمق العلاقة بين الإنسان والجمل كرمز للحياة الصحراوية ووسيلة نقل لا غنى عنها. ورغم تطوّر وسائل التنقل، لا يزال "الشداد" حاضرًا في المشهد الثقافي والتراثي، حيث يستخدم اليوم كعنصر جمالي في المجالس ومناطق الضيافة، ويعرض في الأسواق الشعبية والفعاليات التراثية، ورمزٍ للأصالة وارتباطٍ بجذور الماضي.ويعكس هذا الابتكار الحرفي قدرة المجتمعات المحلية القديمة على توظيف خامات البيئة المحلية في تصميم أدوات عملية، تجسّد روح الابتكار والاستدامة، وتبرز ملامح الهوية الثقافية المرتبطة بالإبل كرمز للصبر والقوة والتأقلم. ويظل "الشداد" اليوم أيقونة تراثية فريدة، تحمل رسالة عميقة بأهمية حفظ الموروث الشعبي، والاحتفاء برموزه في المحافل الثقافية، لما لها من دور في ترسيخ قيم الاعتماد على الذات والارتباط الوثيق بالطبيعة.


صحيفة سبق
منذ 4 أيام
- صحيفة سبق
"الشداد".. أداة الأجداد التي طوّعت الصحراء وتحولت من وسيلة تنقل إلى أيقونة تراثية
يجسد "الشداد" أحد أقدم الابتكارات الحرفية في الجزيرة العربية، كأداة أساسية في حياة البادية، استخدمها الإنسان لركوب الإبل وحمل المؤن عبر الصحاري، وشكل نموذجًا لتراث أصيل يعكس عبقرية الأجداد في تكييف متطلبات الحياة مع البيئة الصحراوية القاسية. ويُصنع "الشداد" من الخشب على شكل مقوّس يُثبّت على ظهر الجمل من الأمام والخلف، وتوضع بينهما وسادة مصنوعة غالبًا من الصوف أو القماش لتوفير التوازن والراحة للراكب خلال الرحلات الطويلة، مما جعله شاهدًا حيًا على تنقلات البدو وأسفارهم، سواء في الترحال أو التجارة أو نقل الركاب والبضائع لمسافات بعيدة وسط تضاريس متباينة. وتتعدد استخداماته بحسب الغرض، حيث ينقسم إلى نوعين: الأول مخصص لركوب الأفراد، والثاني لحمل الأحمال الثقيلة والبضائع، وهو ما يعكس عمق العلاقة بين الإنسان والجمل كرمز للحياة الصحراوية ووسيلة نقل لا غنى عنها في تلك البيئة. ورغم تطور وسائل النقل الحديثة، لا يزال "الشداد" حاضرًا في المشهد الثقافي والتراثي، حيث يستخدم اليوم كعنصر جمالي في المجالس ومناطق الضيافة، ويُعرض في الأسواق الشعبية والمهرجانات التراثية، كرمزٍ للأصالة والارتباط بجذور الماضي. ويعكس هذا الابتكار الحرفي قدرة المجتمعات المحلية القديمة على توظيف خامات البيئة المتاحة في تصميم أدوات عملية، تجسد روح الابتكار والاستدامة، وتبرز ملامح الهوية الثقافية المرتبطة بالإبل كرمز للصبر، والقوة، والتأقلم مع ظروف الحياة الصحراوية. ويظل "الشداد" أيقونة تراثية فريدة، تحمل في طياتها رسالة عميقة بأهمية حفظ الموروث الشعبي والاحتفاء برموزه، لما لها من دور في ترسيخ قيم الاعتماد على الذات، والارتباط الوثيق بالطبيعة، ونقل حكايات الأجداد للأجيال القادمة.