logo
«بوندسبنك».. وإصلاح أوروبا

«بوندسبنك».. وإصلاح أوروبا

صحيفة الخليج٢٢-٠٤-٢٠٢٥

وُصفت خطة ألمانيا للإنفاق الباذخ بأنها «مُغيرة لقواعد اللعبة»، ولكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن البنك المركزي الألماني «بوندسبنك» يبدو مؤيداً لها. وهذا التغيير الجذري في موقفه يزيد من فرص نجاح الاتحاد الأوروبي في تنفيذ خطته التي طال انتظارها لإنعاش الاقتصاد، لا سيما في ظل احتدام الحرب التجارية العالمية.
ونجح المستشار الألماني المُنتظر، فريدريش ميرز، مؤخراً في تسريع إصلاح نظام كبح الديون في البلاد، والذي يحد حالياً من عجز الموازنة إلى 0.35% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك لتمكين أكبر اقتصاد في أوروبا من زيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير، وإنشاء صندوق بقيمة 500 مليار يورو لإصلاح البنية التحتية المتهالكة.
وفي الشهر الماضي، اقترح البنك المركزي إصلاحاً خاصاً، يسمح بزيادة اقتراض الحكومة الألمانية إلى حد أقصى قدره 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي، إذا كان الدين أقل من 60% من ذلك الناتج، مع تخصيص النصيب الأكبر للاستثمار. وفي الوقت الذي كان فيه تدخل البنك المركزي الألماني أقل طموحاً مما قدمه ميرز، إلا أنه ربما كان أكثر إثارة للدهشة؛ إذ لطالما عارض المركزي الألماني بشراسة زيادة الديون.
في غضون ذلك، ورد في بيان للمنتدى الرسمي للمؤسسات النقدية والمالية «OMFIF» أنه «بالنسبة لمؤسسة مصرفية أسست على مدى العقود الماضية سمعة راسخة في رفض السياسات التي تُعدّ تضخمية أو مزعزعة للاستقرار، بدأ المركزي الألماني يكتسب خبرة واسعة في قول «نعم» بدلاً من «لا».
وهذا تغيير مرحّب به، فألمانيا بحاجة ماسة إلى الاستثمار في البنية التحتية. وبالنظر إلى قوتها التاريخية في الهندسة، فإن زيادة الإنفاق الدفاعي قد تمكنها من أن تُصبح لاعباً رئيسياً في هذا القطاع، مع تعزيز البحث والتطوير على نطاق أوسع. وعلى الرغم من أن مراقبي التضخم سيشعرون بالقلق من العواقب، فإن ألمانيا لديها مجال واسع للاقتراض مقارنة بنظرائها. فبعد سنوات من الخمول، لم يحقق الاقتصاد أي نمو يُذكر، بل انخفض تضخم مؤشر أسعار المستهلك بشكل حاد من ذروته في عام 2022 إلى 2.2% فقط في مارس/آذار.
علاوة على ذلك، يقدّر جيل مويك، كبير الاقتصاديين في مجموعة «أكسا»، أن التحول المالي في ألمانيا قد يكون ذاتي التمويل في نهاية المطاف؛ حيث ستعوض عوائد النمو الاقتصادي الأقوى ارتفاع تكلفة الاقتراض التي يتطلبها سوق السندات.
وهذه أخبارٌ رحّب بها المستثمرون بشغف، ورفعت المعنويات بشكل كبير في مارس. حيث صعد مؤشر ثقة الاقتصاد لمعهد ZEW للأبحاث الاقتصادية إلى 51.6 نقطة، من 26.0 نقطة في فبراير/شباط، وطالت التأثيرات جميع أنحاء الاتحاد، مع نمو أسهم شركات الطيران والدفاع والبنوك الأوروبية في الربع الأول.
وبالطبع، قد يعيق قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية متبادلة على شركائه التجاريين العمل؛ إذ سيُعطل سلاسل التوريد، ما يسبّب ارتفاعاً حاداً في الأسعار، ويُلحق الضرر بالنمو العالمي. وقد أثر «يوم التحرير» الذي أعلنه ترامب بالفعل سلباً في الأسهم العالمية.
ولكن، على أي حال، فإن صدمة الرسوم الجمركية تجعل تغيير البنك المركزي الألماني لموقفه أكثر ترحيباً.
ويحتل «بوندسبنك» مكانة مرموقة في المجتمع الألماني. فقد تأسس البنك عام 1957، وكان حصناً منيعاً ضد التضخم، الذي تفشى بشكل ملحوظ في عشرينيات القرن الماضي. كما لعب دوراً محورياً في إعادة توحيد ألمانيا بعد نهاية الحرب الباردة، وشارك بشكل وثيق في إنشاء العملة الأوروبية الموحدة.
ولم يتردد المركزي الألماني في معارضة سياسات الحكومة. فخلال أزمة منطقة اليورو، قاوم العديد من الإجراءات الاستثنائية التي أثبتت في النهاية أنها حاسمة في منع انهيار الكتلة. لكن هذا الموقف تغير بقيادة يواكيم ناجل، الذي قال إن الأوقات الاستثنائية تبرر اتخاذ إجراءات مالية استثنائية.
ويُعدّ هذا التحول في المؤشرات مهماً. فمع تقارب البنك المركزي الألماني والحكومة الألمانية في السياسة المالية، من الممكن أن تخفف برلين أيضاً من معارضتها لإجراءات أخرى على مستوى الكتلة، مثل الاقتراض المشترك. كل هذا أمرٌ بالغ الأهمية، لأن الاتحاد الأوروبي يمتلك الآن خطة للإنعاش الاقتصادي وضعها رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، ومفوضية أوروبية عازمة على تنفيذها.
ولم تكتفِ المفوضية بقبول دعوة دراجي للاتحاد الأوروبي لإنفاق ما يصل إلى 800 مليار يورو سنوياً لإنعاش النمو، بل إنها تتبع أيضاً توصيات حاسمة أخرى، مثل خفض لوائح الاتحاد الأوروبي ومتطلبات الإبلاغ عن الشركات، وإنشاء اتحادات للادخار والاستثمار والطاقة.
ورغم أن هذه القائمة من المهام شاقة بطبيعة الحال، فإن عقبة رئيسية أزيلت من طريق الاتحاد الأوروبي في سباقه للتكيف مع المشهد الاقتصادي العالمي سريع التغير، وهي تعنّت البنك المركزي الألماني. وكما هو الحال اليوم، يعود الفضل في ذلك، إلى حدٍ كبير، إلى دونالد ترامب. ففي الأوقات الاستثنائية، يصبح المستحيل ممكناً.
*مدير الاتصالات السابق في بنك إنجلترا، ومحرر سابق في «رويترز»

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

80 مليون يورو تمويل أوروبي لإغاثة اليمن
80 مليون يورو تمويل أوروبي لإغاثة اليمن

الاتحاد

timeمنذ ساعة واحدة

  • الاتحاد

80 مليون يورو تمويل أوروبي لإغاثة اليمن

عدن (وكالات) أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي، أمس، تخصيص 80 مليون يورو لتمويل العمل الإنساني في اليمن الذي يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم. وقالت المفوضية في بيان، إنها «خصصت 80 مليون يورو كتمويل إنساني من الاتحاد الأوروبي لعام 2025 لدعم المحتاجين في اليمن الذي لا يزال يصنف من بين أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وجاء هذا البيان مع انعقاد الاجتماع السابع لكبار المسؤولين بشأن اليمن في بروكسل، والذي حضرته المفوضة الأوروبية للمساواة وإدارة الأزمات حاجة لحبيب. وأشار البيان إلى أن «عقداً من الصراع والتدهور الاقتصادي والأحداث المناخية المتكررة خلف 19.5 مليون شخص باليمن في حاجة إلى المساعدة». وذكر البيان أن «هذا العمل الإنساني سوف يستهدف خدمات الغذاء والصحة، فضلاً عن توفير المياه والصرف الصحي والنظافة والتعليم». ونقل البيان عن المفوضة لحبيب قولها: «لأكثر من عقد من الزمان، واصل الاتحاد الأوروبي، بصفته جهة مانحة، تضامنه مع الشعب اليمني، وأسهم في إنقاذ الأرواح وتجنب المجاعة وتوفير الإغاثة والأمل للمحتاجين». يأتي هذا الدعم الأوروبي في وقت يعاني اليمن من نقص حاد في تمويل الإغاثة، وسط وضع إنساني بالغ الصعوبة يشكو منه معظم السكان.

بايرن ميونيخ يحسم ضم فيرتز في نهاية الشهر الجاري
بايرن ميونيخ يحسم ضم فيرتز في نهاية الشهر الجاري

الاتحاد

timeمنذ 3 ساعات

  • الاتحاد

بايرن ميونيخ يحسم ضم فيرتز في نهاية الشهر الجاري

دوسلدورف (د ب أ) ذكر تقرير إعلامي، أنه من المتوقع أن يتخذ نادي بايرن ميونيخ الألماني لكرة القدم، قراره بشأن التعاقد مع فلوريان فيرتز، صانع ألعاب باير ليفركوزن، بنهاية الشهر الجاري. ووفقاً لتقرير نشرته مجلة «كيكر» الرياضية، فإن بطل الدوري الألماني يتوقع معركة مع ليفربول لضم اللاعب في فترة الانتقالات المقبلة. وذكرت تقارير أخرى أن ريال مدريد مهتم بضم لاعب الوسط الألماني. ويمتد عقد فيرتز مع ليفركوزن حتى.2027 ووفقاً للتقارير فإن شركة باير لصناعة الأدوية، المالكة لنادي ليفركوزن، منحت الضوء الأخضر لبيع فيرتز، ولكن بمقابل 150 مليون يورو (8. 169 مليون دولار). وذكرت التقارير أن المبلغ الكبير أجبر مانشستر سيتي على الخروج من سباق ضم اللاعب البالغ من العمر 22 عاماً.

«ستارمر» يتفاخر بـ3 اتفاقيات تجارية.. عودة بريطانيا إلى الساحة العالمية
«ستارمر» يتفاخر بـ3 اتفاقيات تجارية.. عودة بريطانيا إلى الساحة العالمية

العين الإخبارية

timeمنذ 4 ساعات

  • العين الإخبارية

«ستارمر» يتفاخر بـ3 اتفاقيات تجارية.. عودة بريطانيا إلى الساحة العالمية

تفاخر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بإبرام ثلاث اتفاقيات تجارية مع الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وأكد أنها ستحمي آلاف الوظائف في المملكة المتحدة وتوفر على الشركات مئات الملايين من الجنيهات. وفي كلمته أمام مجلس العموم، قال ستارمر إن هذه الاتفاقيات تمثل عودة بريطانيا إلى الساحة العالمية كقوة دبلوماسية وتجارية مؤثرة بعد سنوات من الجدل المرتبط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ووفقا لتقرير لصحيفة الغارديان قال ستارمر إن "هذه الاتفاقيات تخلصنا من حجج الماضي المتكررة، وتتيح لنا كدولة مستقلة ذات سيادة أن نستغل فرص المستقبل. فهي رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن بريطانيا قد عادت إلى الساحة الدولية". وأكد رئيس الوزراء البريطاني على الأهمية الاقتصادية لهذه الاتفاقيات، مشيرًا إلى أنها لا تعزز فقط موقع بريطانيا في الأسواق العالمية، بل تعود أيضًا بمكاسب مباشرة على المواطنين. وقال: "نبرم اتفاقيات تضع المال في جيوب الناس العاملين". مزايا عديدة ويشمل أحدث هذه الاتفاقات، التي تم التوصل إليها مع الاتحاد الأوروبي، تخفيض الحواجز التجارية على السلع الزراعية والغذائية، في مقابل منح الاتحاد الأوروبي حصصًا أطول لصيد الأسماك في المياه البريطانية. وقد واجه هذا الجانب من الاتفاق انتقادات من حزب المحافظين، حيث اتهم بعض الأعضاء ستارمر بالتنازل المفرط، خصوصًا لصالح فرنسا، فيما يتعلق بحقوق الصيد. لكن ستارمر دافع عن الاتفاق، مؤكدًا أنه يخدم مصلحة الصيادين البريطانيين والمصدرين. وقال: "هذا الاتفاق يعيد فتح الأسواق الأوروبية أمام المحار البريطاني ويسهل كثيرًا بيع الأسماك البريطانية لأكبر شريك تجاري لنا"، مشيرًا إلى أن 72% من الأسماك البريطانية تُصدَّر إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. وأوضح أن الحكومة وافقت على صفقة حصص مدتها 12 عامًا، رغم أنها كانت تطمح إلى ألا تتجاوز 4 سنوات، لكنه أكد أن ذلك يصب في المصلحة الوطنية. وإلى جانب الفوائد التجارية، يمنح الاتفاق الشركات البريطانية فرصة التقدم للحصول على تمويل من صندوق الدفاع الأوروبي الذي تبلغ قيمته 150 مليار يورو. كما يمهد الطريق لاستخدام المسافرين البريطانيين للبوابات الإلكترونية في المطارات الأوروبية، وتنظيم قمم سنوية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون. التقارب بحدود ورغم مطالبة حزب الديمقراطيين الأحرار بالانضمام مجددًا إلى اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، رفض ستارمر الفكرة، موضحًا أن ذلك سيتعارض مع الاتفاقيات المنفصلة التي تم إبرامها مع الهند والولايات المتحدة. وقال: "لقد أبرمنا للتو اتفاقيات مع الهند والولايات المتحدة. وإذا تراجعنا الآن عن ذلك، فإننا نُفقد هذه الاتفاقيات فوائدها". وبالرغم من الانتقادات، صوّر ستارمر هذه الاتفاقيات الثلاث على أنها جزء من استراتيجية أوسع لاستعادة نفوذ بريطانيا وازدهارها على الساحة العالمية. وقال: "نحن الآن أبطال عالميون للتجارة الحرة، ونلعب دورًا تاريخيًا في أمن أوروبا. هذه الاتفاقيات تُظهر أن بريطانيا مستعدة للقيادة مجددًا". aXA6IDgyLjI0LjI1NS4xNjYg جزيرة ام اند امز FR

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store